رعاية المسنين وحماية حقوقهم للشيخ / محمد حســــــن داود

للتحميل PDF اضغط هنا

للتحميل WORD اضغط هنا



الموضـــــوع : الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه العزيز(اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ)الروم54) وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله،القائل في حديثه الشريف "إِنَّ مِنْ إِجْلاَلِ اللَّهِ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ ، وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ وَالْجَافِي عَنْهُ ، وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ "رواه أبو داود) اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين،
وبعد
فلقد دعانا الإسلام إلى البر والإحسان والتكافل والتراحم بكل صوره، فقال تعالى (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)الحجرات10)وقال أيضا﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾المائدة2)وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "مَثَلُ المؤمنين في تَوَادِّهم وتراحُمهم وتعاطُفهم: مثلُ الجسد، إِذا اشتكى منه عضو: تَدَاعَى له سائرُ الجسد بالسَّهَرِ والحُمِّى"رواه البخاري ومسلم)ومن ذلك تأكيد الإسلام على  معرفة قدر كبار السن والتأدب معهم ورعاية ما لهم من حقوق، فعن أبي بَكْرَةَ، أَنَّ رَجُلًا ، قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ ؟ قَالَ : " مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ " رواه الترمذي وقال حَسَنٌ صَحِيحٌ ) فلقد نظر الله إلى ضعفهم وقلة حيلتهم فرحمهم ويسر عليهم ففي الصلاة دعانا الإسلام إلى تخفيفها مراعاة لهم فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : " إِذَا أَمَّ أَحَدُكُمُ النَّاسَ ، فَلْيُخَفِّفْ ، فَإِنَّ فِيهِمْ ، الصَّغِيرَ ، وَالْكَبِيرَ ، وَالضَّعِيفَ ، وَالْمَرِيضَ ، فَإِذَا صَلَّى وَحْدَهُ ، فَلْيُصَلِّ كَيْفَ شَاءَ " رواه مسلم) وفى الصيام إذا عجز عنه كبير السن أجاز له الشرع أن يطعم عن كل يوم مسكينًا،قال تعالى (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ) البقرة184) وفى الحج أجاز لغيرهم الحج عنهم تيسيرا عليهم ورعاية لهم فلقد ورد عن بن عباس انه قال : جَاءَتِ امْرَأَةٌ مِنْ خَثْعَمَ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ فِي الْحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْتَوِيَ عَلَى الرَّاحِلَةِ فَهَلْ يَقْضِي عَنْهُ أَنْ أَحُجَّ عَنْهُ قَالَ: " نَعَمْ " رواه البخاري )
 إن إكرام كبار السن، ومساعدتهم هو منهج الأنبياء، وخلق الأصفياء من الناس، فهذا سيدنا موسى، يقول جل وعلا حكاية عنه (وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّىٰ يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ * فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰ إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ)القصص23/24) فهاتان امرأتان خرجتا للعمل مضطرتان وكان السبب في قولهما (وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ) فكيف كانت مروءة المسلم أمام حاجة وضرورة بدت من ضعيفين: المرأة والشيخ الكبير ؟ (فسقى لهما )إنها المسارعة إلي المعونة ابتغاء وجه الله، وهذا نبينا صلى الله عليه وسلم فقد جاء عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ امْرَأَةً كَانَ فِي عَقْلِهَا شَيْءٌ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً، فَقَالَ"يَا أُمَّ فُلَانٍ انْظُرِي أَيَّ السِّكَكِ شِئْتِ، حَتَّى أَقْضِيَ لَكِ حَاجَتَكِ" فَخَلَا مَعَهَا فِي بَعْضِ الطُّرُقِ، حَتَّى فَرَغَتْ مِنْ حَاجَتِهَا . رواه مسلم) وها هم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، يضربون لنا أروع الأمثلة في احترام كبير السن وتوقيره ورعاية حقوقه ، فعنْ أَبِي سَلَمَةَ ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَخَذَ بِرِكَابِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ ، فَقَالَ لَهُ : تَنَحَّ يَا ابْنَ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : " إِنَّا هَكَذَا نَفْعَلُ بِكُبَرَائِنَا وَعُلَمَائِنَا" مستدرك الحاكم )
وهذا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه, يخرج في سواد الليل كلَّ يوم إلى احد البيوت, فرآه طلحةُ في يومٍ من الأيام, فلما جاء الصبح ذهب إلى ذلك البيت, فإذا هو بعجوزٍ عمياءَ مقعدة, فقال لها: ما بال هذا يأتيكِ؟ قالت: إنه يتعاهدني منذ كذا وكذا, يأتيني بما يُصلحني, ويخرج عني الأذى،
وها هي كتب التاريخ تسطر بأحرف ساطعة ، موقف أخر لعمر رضي الله عنه  في حسن معاملة المسنين ورعايتهم دون نظر إلى لون أو جنس أو معتقد، إذ مر بباب قوم وعليه سائل يسأل وإذا بالسائل شيخ يهودي مسن ضرير البصر، فأخذه عمر ـ رضي الله عنه ـ بيده فذهب به إلى منزله فرضخ له (أي أعطاه شيئا يسد به حاجته) ثم أرسل إلى خازن بيت المال فقال: انظر هذا وضرباءه،(اى وأمثاله) والله ما أنصفناه إذا أكلنا شبيبته ثم نخذله عند الهرم ثم تلا قول الله تعالى (إنما الصدقات للفقراء والمساكين)التوبة60)
إن توقير كبار السن ورعاية حقوقهم واجب الجميع، ذكورا وإناثا، وسيقطفون ثماره فيما يستقبلون من الأيام، فالكبر غاية سيصل إليها من مد الله في عمره ،وكما تدين تدان ، يقول يحي بن سعيد المدني رحمه الله " بلغنا أن من أهان ذا شيبة لم يمت حتى يقيِّض الله عز وجل له من يهينه في كبره" وان من المؤسف حقا ان تجد من لا يعرف لهؤلاء قدرهم ورسولنا صلى الله عليه وسلم يقول "إِنَّ مِنْ إِجْلاَلِ اللَّهِ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ ، وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ وَالْجَافِي عَنْهُ ، وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ "رواه أبو داود) ومن إكرامهم وحقوقهم:
- تقديرهم، واحترامهم، والحياء منهم، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " مَا كَانَ الْحَيَاءُ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلا زَانَهُ". وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ قَالَ: قَالَ سَمُرَةُ بْنُ جُنْدُبٍ "لَقَدْ كُنْتُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غُلَامًا فَكُنْتُ أَحْفَظُ عَنْهُ فَمَا يَمْنَعُنِي مِنْ الْقَوْلِ إِلَّا أَنَّ هَا هُنَا رِجَالًا هُمْ أَسَنُّ مِنِّي "رواه مسلم)
- تكريمهم في سائر الأمور فهم أحق بالمبادأة بالكلام والحوار والإطعام والشراب فعَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ وَسَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَهْلٍ وَمُحَيِّصَةَ بْنَ مَسْعُودٍ أَتَيَا خَيْبَرَ فَتَفَرَّقَا فِي النَّخْل،ِ فَقُتِلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَهْلٍ فَجَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ وَحُوَيِّصَةُ وَمُحَيِّصَةُ ابْنَا مَسْعُودٍ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَتَكَلَّمُوا فِي أَمْرِ صَاحِبِهِم،ْ فَبَدَأَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَكَانَ أَصْغَرَ الْقَوْمِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم "كَبِّرْ الْكُبْرَ" البخاري في الأدب المفرد) وَعَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ، قَالَ: كُنْتُ أَمْشِي مَعَ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ، فَصِرْنَا إِلَى مَضِيقٍ فَتَقَدَّمَنِي ثُمَّ قَالَ لِي" لَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّكَ أَكْبَرُ مِنِّي بِيَوْمٍ مَا تَقَدَّمْتُكَ "رَوَاهُ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ فِي الْجَامِعِ).
- توقيرهم واحترام ضعفهم ورعاية حقوقهم، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يُوَقِّرِ الْكَبِيرَ وَيرْحَمِ الصَّغِيرَ، وَيَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ"رواه بن حبان)وانظر ماذا قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم أن دخل مكة فاتحاً مُنتصراً، وإذا بأَبي بَكْرٍ -رضي الله عنه وأرضاه- آخذاً بيدي أبيه أَبِي قُحَافَةَ، ذلك الشيخ الكبير،إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "أَلَا تَرَكْتَهُ حَتَّى نَكُونَ نَحْنُ الَّذِي نَأْتِيهِ"، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: هُوَ أَحَقُّ أَنْ يَأْتِيَكَ. رواه أحمد)
ولا شك أن توقير المسنين ورعاية حقوقهم وحسن التعامل معهم يزداد أهمية بل ومسئولية ويرتقى أثرا إذا كان المسن أبا أو أما فإن للوالدين في الإسلام منزلة سامية لا تعدلها منزلة ، ولا ترقى إليها درجة ولا يقرب منها حظ ولا نصيب ، وهذا فضل عظيم فاز به الوالدان،  حيث قرن سبحانه وتعالى ذكرهما بذكره وشكرهما بشكره ، وجاء الأمر بطاعتهما بعد الأمر بعبادته فقد قال الله تعالى ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ* وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا) لقمان14/15) وقال ايضا ( وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا )الاسراء23/24) فلقد قرن المولى سبحانه وتعالى بر الوالدين بعبادته تكريما لهما وحثا على رعاية حقوقهما وإشارة إلى مكانة برهما ودرجته، فعن عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ، قَالَ : " أَقْبَلَ رَجُلٌ إِلَى نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : أُبَايِعُكَ عَلَى الْهِجْرَةِ وَالْجِهَادِ أَبْتَغِي الْأَجْرَ مِنَ اللَّهِ ، قَالَ : فَهَلْ مِنْ وَالِدَيْكَ أَحَدٌ حَيٌّ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، بَلْ كِلَاهُمَا ، قَالَ : فَتَبْتَغِي الْأَجْرَ مِنَ اللَّهِ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : فَارْجِعْ إِلَى وَالِدَيْكَ فَأَحْسِنْ صُحْبَتَهُمَا " رواه مسلم)و عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ، قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَأْذِنُهُ فِي الْجِهَادِ ، فَقَالَ : " أَلَكَ وَالِدَانِ ؟ " ، قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : " فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ "رواه الترمذي) وعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ جَاهِمَةَ السُّلَمِيِّ ، قَالَ : أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِّي كُنْتُ أَرَدْتُ الْجِهَادَ مَعَكَ أَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ ، قَالَ : " وَيْحَكَ ، أَحَيَّةٌ أُمُّكَ ؟ " قُلْتُ : نَعَمْ ، قَالَ : " ارْجِعْ ، فَبَرَّهَا " ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ مِنَ الْجَانِبِ الْآخَرِ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِّي كُنْتُ أَرَدْتُ الْجِهَادَ مَعَكَ أَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ ، قَالَ : " وَيْحَكَ ، أَحَيَّةٌ أُمُّكَ " ، قُلْتُ : نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : " فَارْجِعْ إِلَيْهَا فَبَرَّهَا " ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ مِنْ أَمَامِهِ فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي كُنْتُ أَرَدْتُ الْجِهَادَ مَعَكَ أَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ ، قَالَ : " وَيْحَكَ ، أَحَيَّةٌ أُمُّكَ " ، قُلْتُ : نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : " وَيْحَكَ الْزَمْ رِجْلَهَا فَثَمَّ الْجَنَّةُ "رواه بن ماجة)
ومن هذا يتضح جليا عظم أمر الوالدين ودعوة الإسلام إلى صلتهما حتى لو كانا على غير الإسلام فعَنْ أَسْمَاءَ ، قَالتَ : قَدِمَتْ أُمِّي وَهِيَ مُشْرِكَةٌ فِي عَهْدِ قُرَيْشٍ وَمُدَّتِهِمْ إِذْ عَاهَدُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ ابْنِهَا ، فَاسْتَفْتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقُلْتُ : إِنَّ أُمِّي قَدِمَتْ وَهِيَ رَاغِبَةٌ أَفَأَصِلُهَا ؟ قَالَ : " نَعَمْ ، صِلِي أُمَّكِ "رواه البخاري)ولا يقف برهما عند حياتهما فحسب بل يمتد إلى ما بعد مماتهما، فعنْ أَبِي أُسَيْدٍ مَالِكِ بْنِ رَبِيعَةَ السَّاعِدِيِّ قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ جلوس عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ, فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, هَلْ بَقِيَ مِنْ بِرِّ أَبَوَيَّ شَيْءٌ أَبَرُّهُمَا بِهِ بَعْدَ مَوْتِهِمَا؟ فقَالَ:" نَعَمْ، الصَّلَاةُ عَلَيْهِمَا، وَالِاسْتِغْفَارُ لَهُمَا, وَصِلَةُ الرَّحِمِ الَّتِي لَا تُوصَلُ إِلَّا بِهِمَا، وَإِكْرَامُ صَدِيقِهِمَا"رواه أبو داود)
ومما يحثُّنا ويشجِّعُنا على برِّ الوالدين تلك الفضائلُ التي رتَّبها الكريمُ العليمُ على برِّ الوالدين، فمنها
أن برَّ الوالدين زيادة في العمر والرزق، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُمَدَّ لَهُ فِي عُمْرِهِ ، وَيُزَادَ لَهُ فِي رِزْقِهِ ، فَلْيَبَرَّ وَالِدَيْهِ ، وَلْيَصِلْ رَحِمَهُ "رواه احمد)
بر الوالدين سبب في غفران الذنوب، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِّي أَصَبْتُ ذَنْبًا عَظِيمًا ، فَهَلْ لِي مِنْ تَوْبَةٌ ؟ قَالَ : " هَلْ لَكَ مِنْ أُمٍّ ؟ قَالَ : لَا ، قَالَ : هَلْ لَكَ مِنْ خَالَةٍ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : فَبِرَّهَا "رواه الترمذي)
تفريجُ الكُرُباتِ، وإجابةُ الدعواتِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " بَيْنَمَا ثَلَاثَةُ نَفَرٍ يَتَمَاشَوْنَ أَخَذَهُمُ الْمَطَرُ فَمَالُوا إِلَى غَارٍ فِي الْجَبَلِ فَانْحَطَّتْ عَلَى فَمِ غَارِهِمْ صَخْرَةٌ مِنَ الْجَبَلِ فَأَطْبَقَتْ عَلَيْهِمْ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ : انْظُرُوا أَعْمَالًا عَمِلْتُمُوهَا لِلَّهِ صَالِحَةً ، فَادْعُوا اللَّهَ بِهَا لَعَلَّهُ يَفْرُجُهَا ، فَقَالَ أَحَدُهُمْ : اللَّهُمَّ إِنَّهُ كَانَ لِي وَالِدَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ وَلِي صِبْيَةٌ صِغَارٌ كُنْتُ أَرْعَى عَلَيْهِمْ ، فَإِذَا رُحْتُ عَلَيْهِمْ فَحَلَبْتُ بَدَأْتُ بِوَالِدَيَّ أَسْقِهِمَا قَبْلَ وَلَدِي ، وَإِنَّهُ نَاءَ بِيَ الشَّجَرُ فَمَا أَتَيْتُ حَتَّى أَمْسَيْتُ فَوَجَدْتُهُمَا قَدْ نَامَا ، فَحَلَبْتُ كَمَا كُنْتُ أَحْلُبُ فَجِئْتُ بِالْحِلَابِ فَقُمْتُ عِنْدَ رُءُوسِهِمَا ، أَكْرَهُ أَنْ أُوقِظَهُمَا مِنْ نَوْمِهِمَا ، وَأَكْرَهُ أَنْ أَبْدَأَ بِالصِّبْيَةِ قَبْلَهُمَا وَالصِّبْيَةُ يَتَضَاغَوْنَ عِنْدَ قَدَمَيَّ ، فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ دَأْبِي وَدَأْبَهُمْ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ ، فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ لَنَا فُرْجَةً نَرَى مِنْهَا السَّمَاءَ ، فَفَرَجَ اللَّهُ لَهُمْ فُرْجَةً حَتَّى يَرَوْنَ مِنْهَا السَّمَاءَ ، وَقَالَ الثَّانِي : اللَّهُمَّ إِنَّهُ كَانَتْ لِي ابْنَةُ عَمٍّ أُحِبُّهَا كَأَشَدِّ مَا يُحِبُّ الرِّجَالُ النِّسَاءَ فَطَلَبْتُ إِلَيْهَا نَفْسَهَا فَأَبَتْ حَتَّى آتِيَهَا بِمِائَةِ دِينَارٍ فَسَعَيْتُ حَتَّى جَمَعْتُ مِائَةَ دِينَارٍ فَلَقِيتُهَا بِهَا ، فَلَمَّا قَعَدْتُ بَيْنَ رِجْلَيْهَا قَالَتْ : يَا عَبْدَ اللَّهِ اتَّقِ اللَّهَ ، وَلَا تَفْتَحِ الْخَاتَمَ إلا بحقه فَقُمْتُ عَنْهَا ، اللَّهُمَّ فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي قَدْ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ لَنَا مِنْهَا فَفَرَجَ لَهُمْ فُرْجَةً ، وَقَالَ الْآخَرُ : اللَّهُمَّ إِنِّي كُنْتُ اسْتَأْجَرْتُ أَجِيرًا بِفَرَقِ أَرُزٍّ فَلَمَّا قَضَى عَمَلَهُ قَالَ أَعْطِنِي حَقِّي فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ حَقَّهُ فَتَرَكَهُ وَرَغِبَ عَنْهُ ، فَلَمْ أَزَلْ أَزْرَعُهُ حَتَّى جَمَعْتُ مِنْهُ بَقَرًا وَرَاعِيَهَا ، فَجَاءَنِي فَقَالَ : اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تَظْلِمْنِي وَأَعْطِنِي حَقِّي ، فَقُلْتُ : اذْهَبْ إِلَى ذَلِكَ الْبَقَرِ وَرَاعِيهَا ، فَقَالَ : اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تَهْزَأْ بِي ، فَقُلْتُ : إِنِّي لَا أَهْزَأُ بِكَ فَخُذْ ذَلِكَ الْبَقَرَ وَرَاعِيَهَا فَأَخَذَهُ فَانْطَلَقَ بِهَا ، فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ مَا بَقِيَ فَفَرَجَ اللَّهُ عَنْهُمْ " رواه البخاري)
سببٌ لدخولِ الجنةِ وعقوقهما سبب للبعد عنها، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ" رَغِمَ أَنْفُ، ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُ، ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُ" قِيلَ مَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ" مَنْ أَدْرَكَ أَبَوَيْهِ عِنْدَ الْكِبَرِ، أَحَدَهُمَا أَوْ كِلَيْهِمَا، فَلَمْ يَدْخُلْ الْجَنَّةَ"رواه مسلم) وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، قَالَ : قُلْتُ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ ، " أَيُّ الأَعْمَالِ أَقْرَبُ إِلَى الْجَنَّةِ ؟ قَالَ : الصَّلَاةُ عَلَى مَوَاقِيتِهَا ، قُلْتُ : وَمَاذَا يَا نَبِيَّ اللَّهِ ؟ قَالَ : بِرُّ الْوَالِدَيْنِ ، قُلْتُ : وَمَاذَا يَا نَبِيَّ اللَّهِ ؟ قَالَ : الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ " رواه مسلم)
وكما جعل المولى سبحانه للبر فضائل كان للعقوق عواقب وكيف لا وقد عده المصطفى صلى الله عليه وسلم من الكبائر فعن عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : " أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ ثَلَاثًا ، الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ ، أَوْ قَوْلُ الزُّورِ " ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَّكِئًا ، فَجَلَسَ فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا ، حَتَّى قُلْنَا : لَيْتَهُ سَكَتَ . ويكفى من عواقبه انه نذير شؤم فى الدنيا وفى الآخرة فقد قال الله تعالى( وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَٰئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ)الرعد25)وقال سبحانه |( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ﴾محمد 22/23)و عَن أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "كُلُّ ذُنُوبٍ يُؤَخِّرُ الله مِنْهَا مَا شَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلَّا الْبَغْيُ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ أَوْ قَطِيعَةُ الرَّحِمِ يُعَجِّلُ لَصَّاحِبِهَا فِي الدُّنْيَا قَبْلَ الْمَوْتِ" وعن بن عمر رضي الله عنهما قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " ثَلَاثَةٌ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ : الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ ، وَالْمَرْأَةُ الْمُتَرَجِّلَةُ ، وَالدَّيُّوثُ " وقال أيضا " لا يدخلُ الجنةَ عاقٌّ ، و لا مُدمنُ خمرٍ ، و لا مُكذِّبٌ بقدرٍ".
الإخوة الأخيار : لقد أمرنا الله تعالى ببر الوالدين فقال تعالى (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ)لقمان14) ودعانا إلى شكرهما فقال تعالى (أن اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ )لقمان14) وحثنا على صحبتهما بالمعروف فقال (وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا )لقمان 15) وأرشدنا إلى حسن المعاملة معهم فقال( وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) الاسراء23/24) ونهانا عن عقوقهما فقال ( فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا)الاسراء23) فاعلموا أن الجزاء من جنس العمل، وكما تدين تدان فبروا آباءكم تبركم أبناؤكم، فقد حكي شابا انه كان بصحبة والده في رحلة الحج وفى رجوعهما أراد الأب أن يقضى حاجته، فقال لابنه انطلق مع القافلة وسألحق بكم،  وﻣﻀﻰ ﺍﻹﺑﻦ مع القافلة ﻭﺑﻌﺪ وقت يسير ﻣﻦ ﺍﻟﺰﻣﻦ ﺍﻟﺘﻔﺖ فوﺟﺪ ﺃﻥ ﺍﻟﻘﺎﻓﻠﺔ قد اﺑتعدت عن مكان والده، فأسرع الشاب إلى والده فحمله على ﻛﺘﻔيه ورجع إلى القافلة مهرولا ،وفى رجوعه حاملا والده شعر بدموع والده تتساقط على رأسه، ﻓﻘال يا أبى، والله ما أجد مشقة في حملك فقال له الأب، ليس لهذا بكيت يا بني ولكن في هذا المكان حملت أنا والدي.
(رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ)
===== كتبه =====
محمد حســـــــــن داود
إمام وخطيــــــب ومدرس
مديرية أوقاف كفر الشيخ


التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات