الدفاع عن الدولة والوطن وحماية دور العبادة في سيرة النبي (صلى الله عليه وسلم ) للشيخ / محمد حســــــــــن داود

الموضـــــوع : الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه العزيز( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً ) الأحزاب21) وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد
شعور كم خفقت به القلوب، وزلزل مكامن الوجدان، وأطلق قرائح الشعراء، و سكبت له محابر الأدباء، حنين لم تخل منه مشاعر الأنبياء، وود وجد في قلوب الصحابة والأصفياء، وتضحية في وجدان الأوفياء، وأمان في عين العقلاء؛ انه حب الوطن، فلقد قال ومازال يقول الحكماء: " حب الأوطان من الإيمان "
وإن المتدبر في القران الكريم يرى مكانة الوطن ودرجته في الإسلام؛ فقد اقترن حب الأوطان بحب النفس في القرآن الكريم؛ قال تعالى(وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً ) النساء66). كما ارتبط في موضع آخر بالدين؛ قال تعالى (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ )الممتحنة 8 ).
ولقد وجه المصطفى صلى الله عليه وسلم البشرية عامة وبخاصة أهل الإيمان أن يجيدوا للوطن الانتماء ،وأن يحسنوا له الولاء, وان يخلصوا له الوفاء وأن يغاروا علي أرضهم، داعيا إياهم أن يترجموا حبهم للوطن الذي يظلهم ويحتضنهم، إلي عمل وجد و دفاع عنه وحفاظ عليه ورعاية له من دعاة الهدم والتخريب؛ ويظهر ذلك جليا في فعل المصطفى صلى الله عليه وسلم إذ يلقى درسا بليغا يقرع كل الآذان ويتردد رجع صداه في كل زمان ومكان, وذلك عندما خرج صلى الله عليه وسلم مهاجرا، ووصل أطراف مكة، التفت إليها، وقال "وَاللهِ إِنَّي أَعْلَمُ أَنَّكِ خَيْرُ أَرْضِ اللهِ وَأَحَبَّهَا إِلَى اللهِ، وَلَوْلاَ أَنَّ أَهْلَكِ أَخْرَجُوُنِي مِنْكِ مَا خَرَجْتُ"وفي رِوَاية "مَا أَطْيَبَكِ مِنْ بَلَدٍ وَأَحَبَّكِ إِليَّ، وَلَوْلاَ أَنَّ قَوْمِي أَخْرَجُوُنِي مِنْكِ مَا سَكَنْتُ غَيْرَكِ". فما أعظمك وما أعظم قلبك ،بابي أنت وأمي يا رسول الله، إذا كان هذا حالك ،وهذا كلامك، فأين الكثير ممن يتشدقون ويتغنون بالتزامهم بسنتك وتعاليمك ،ومنهم من يخرب وطنه ،ويدمر منشاته ،و ينشر الفزع بين طرقاته ،ويسلب الأمان من قلوب أبنائه. بل انظر آخى الحبيب إلى حاله صلى الله عليه وسلم حينما وطأت قدمه وطنه الثاني (المدينة) إذ يتوجه إلى الله داعيا أن يحبب إليهم المدينة كما حبب إليهم مكة ، كما في صحيح البخاري عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْمَدِينَةَ، كَمَا حَبَّبْتَ إِلَيْنَا مَكَّةَ، أَوْ أَشَدَّ..." .
فما أحوجنا اليوم أن نتعلم هذا الدرس النبوي فنكون في خدمة وطننا، إذ أن خدمة الوطن والعمل من اجل رفعته وتقدمه هو رفعة وتقدم للأفراد وحرية واستقلال لهم؛ فلا يتصور أبدا أن يعيش أناس في أمان إلا أن يكون وطنهم امن ،أو يعيشوا في حرية إلا أن يكون وطنهم حر، ولا يعيشوا في رغد من العيش إلا أن يكون وطنهم متقدما مزدهرا مستقرا؛ وقد قال صلى الله عليه وسلم" مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِناً فِي سِرْبِه ،مُعَافى فِي بَدَنِهِ ،عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيا بِحَذَافِيْرِهَا" سنن بن ماجه)
إن حقوق الوطن في الحفاظ عليه وأمنه واستقراره والدفاع عنه، ليست كلمات ترددها الألسنة ،أو شعارات نهتف بها ،أو لافتات نرفعها ،بل أفعال و واجبات علينا جميعا أن نقوم بها ،أن نسعى من اجل تحقيقها؛ فيظهر الدفاع عنه في احترام أنظمته وقوانينه, وطاعة ولى الأمر؛ فقد قال رسول الله صلي الله عليه وسلم " مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَمَنْ أَطَاعَ أَمِيرِي فَقَدْ أَطَاعَنِي وَمَنْ عَصَى أَمِيرِي فَقَدْ عَصَانِي" أخرجه البخاري).
ويظهر الدفاع عنه أيضا في عدم ترويج، بل والتصدي للشائعات والأراجيف والأباطيل التي يقصد بها ملء القلوب من الفتن والمصائب، وشحْن القلوب بالأحقاد والبغضاء على المجتمع والتشكيك في الانجازات، والبناء والتعمير ،غاية هذا أن تملأ قلوب الناس حقداً على وطنها، وحقداً على أمنها؛ وحقداً على ولاتها ليرى أصحاب هذه الشائعات والافتراءات في المجتمع تفككاً، وتناحرا.
إن مروج الشائعات لئيم الطبع، مريض النفس، منحرف التفكير، عديم المروءة، ترسب الغل في أحشائه، ساع في الأرض بالفساد، للبلاد والعباد؛ وقد قال تعالى (وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ *الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ) الشعراء 151/152) فلزم علينا الحذر أن نكون ممن يعاونهم دون أن ندرى، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ". فليكن منهج كل واحد منا عند الحديث قول الرسول صلى الله عليه وسلم "وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ". وليكن منهج كل واحد منا في سمعه قول الله عز وجل(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ)الحجرات6.
كما يظهر الدفاع عن الوطن في الصد عنه وحمايته وحماية ممتلكاته ومنشئاته ومقدساته ولنا في نبينا صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة؛ فعَنْ أَنَسٍ ، قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ ، وَأَجْوَدَ النَّاسِ ، وَأَشْجَعَ النَّاسِ ، وَلَقَدْ فَزِعَ أَهْلُ المَدِينَةِ ذَاتَ لَيْلَةٍ ، فَانْطَلَقَ النَّاسُ قِبَلَ الصَّوْتِ ، فَاسْتَقْبَلَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ سَبَقَ النَّاسَ إِلَى الصَّوْتِ ، وَهُوَ يَقُولُ : لَنْ تُرَاعُوا لَنْ تُرَاعُوا وَهُوَ عَلَى فَرَسٍ لِأَبِي طَلْحَةَ عُرْيٍ مَا عَلَيْهِ سَرْجٌ ، فِي عُنُقِهِ سَيْفٌ ، فَقَالَ : لَقَدْ وَجَدْتُهُ بَحْرًا . أَوْ : إِنَّهُ لَبَحْرٌ ".
فلقد دعانا الإسلام إلى الحفاظ على الوطن وأمنه والدفاع عنه بالغالي والنفيس فشرع الجهاد دفعا للاعتداء وردا للظلم والعدوان وحماية للوطن ومقدساته ومنشئاته وتحقيقا للسلام والأمن والاستقرار، قال تعالى (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)الحج40)كما شرع الجهاد للمحافظة على السلم والأمن المجتمعي والعالمي فإذا تحقق السلام العادل فهو المقصد والمبتغى قال تعالى (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)الأنفال 61 ) وقال جل وعلا (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (البقرة 208)
والمتدبر في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، يجد أن جميع الغزوات التي شارك فيها النبي صلى الله عليه وسلم كانت دفاعا عن الوطن وردا لعدوان أعدائه وإبطالا لحيلهم ومكرهم، وحفظا للوطن ودفاعا عنه وعن استقراره وأمنه وأمانه مع الالتزام بالتوجيه القرآني في قول الله جل وعلا (قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ )البقرة190) ومن ذلك :
غزوة بني لحيان بعدما غدروا بعشرة من الصحابة بالرجيع واستشهدوا العشرة على أيديهم .
غزوة الغابة بعدما غار جماعة من أعراب نجد من بني فزارة على ابل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وقتلوا حارثها واخذوا امرأته مع الإبل وفروا نحو نجد .
غزوة مؤتة فكانت ثأرا لقتل الصحابي الجليل الحارث بن عمير الازدى الرسول الذي بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى عظيم بصري فعرض له شرحبيل بن عمرو الغساني فضرب عنقه، علما بان قتل السفراء والرسل يعد إعلانا للحرب .
فتح مكة بعدما نقضت قريش عهدها مع النبي وأعانت حلفاءها من بني بكر على قتل خزاعة حلفاء الرسول غدرا عند ماء بالقرب من مكة يسمى (الوتير )فاستغاث عمرو بن سالم الخزاعي بالنبي صلى الله عليه وسلم فكانت الإجابة " نصرت يا عمرو بن سالم" وما وجد النبي إلا خير مغيث وناصرا بعد ما غارت خيول العدو .
ومن ثم نقول إن وطننا اليوم وهي يضطهد من بعض الديار، وتحاط بها المؤامرات والكيد من بعض الجوانب ؛ يفرض علينا أن نكون عيونا ساهرة لحماية أمنه وأن نتضامن في درء أي خطر يهدد استقراره وأن نتكاتف جميعا علي ردع كل من تسول له نفسه أن يجترئ عليه، وأن نتضامن في التصدي لاى دعوات تحث على الهدم و إثارة الفوضى والفتن والشغب وأن نستمع لهذا النداء الخالد من ربنا عز وجل إذ يقول (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ )آل عمران103) ولقد رسم لنا النبي صلى الله عليه وسلم منهجا واضحا جليا لوقاية الأمة من كل فئة كانت غايتها التدمير والخراب والإرهاب ،فعَنِ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا؛ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:"مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا؛ كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ ؛ فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلَاهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا؛ فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنْ الْمَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعًا "(رواه البخاري) . ومن هنا وجب الأخذ على ايدى دعاة الهدم والفوضى ؛ وجب الأخذ على كل يد تمتد لإرهاب الناس وترويع الآمنين و يكفى القائم بذلك الشرف الذي صرح به المصطفى صلى الله عليه وسلم إذ يقول " عَيْنَانِ لَا تَمَسُّهُمَا النَّارُ : عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ، وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ "( رواه الترمذي ) .
كما أن من مقتضيات الحفاظ على الوطن والدفاع عنه حماية دور العبادة، قال جل وعلا﴿ وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ ﴾الجن18)، فيها يذكر اسمه، ويسبح له فيها بالغدو والآصال، ومنها يُنادى إلى طاعته وعبادته، وفيها ومنها يَشِعُّ نور الإيمان، وتحيا القلوب وتزكو الأرواح وتسجد الجباه، وتتوحد الصفوف وتتآلف النفوس قال تعالى (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ )النور36-38) وانك لتعجب حين تسمع قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما جاء عَنْ أَبِى سَعِيدٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ " إِذَا رَأَيْتُمُ الرَّجُلَ يَعْتَادُ الْمَسَاجِدَ فَاشْهَدُوا لَهُ بِالإِيمَانِ "قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ) الآيَةَ. وتسمع عن أناس يحكمون بالكفر على من حكم لهم النبي بالإيمان فيستبيحون دماءهم بغير حق، والله جل وعلا يقول ( وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً )النساء93) والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: " أَيُّمَا امْرِئٍ قَالَ لأَخِيهِ يَا كَافِرُ فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا إِنْ كَانَ كَمَا قَالَ وَإِلاَّ رَجَعَتْ عَلَيْهِ "البخاري ومسلم) وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قال لمن أذى الناس بتخطي الرقاب يوم الجمعة "اجلِسْ فقد آذَيتَ، وآنَيْتَ". وقال عن من يبيع في المسجد " إِذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَبِيعُ أَوْ يَبْتَاعُ فِى الْمَسْجِدِ فَقُولُوا لاَ أَرْبَحَ اللَّهُ تِجَارَتَكَ وَإِذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَنْشُدُ فِيهِ ضَالَّةً فَقُولُوا لاَ رَدَّ اللَّهُ عَلَيْكَ " فكيف بمن منعها أن يذكر فيها اسم الله وسعى في خرابها والله تعالى يقول (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَىٰ فِي خَرَابِهَا أُولَٰئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ )البقرة114) بل وكيف بمن يسفك فيها الدماء ، كيف بمن قتل الأصفياء الإبرار الأتقياء عمار المساجد والرسول صلى الله عليه وسلم يقول " الْمَسْجِدُ بَيْتُ كُلِّ تَقِيٍّ" رواه البزار) كيف بمن قتل جيران الله، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول " إن الله ينادى يوم القيامة أين جيراني أين جيراني فتقول الملائكة ربنا من ينبغي له أن يجاورك فيقول أين عُمَّارُ المساجد". كيف بمن قتل هؤلاء والرسول صلى الله عليه وسلم يقول " من حمل علينا السلاح فليس منا " كيف بمن يعيشون على استحلال الحرمات والله تعالى يقول ( إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ )المائدة 33) والرسول صلى الله عليه وسلم يقول " لَوْ أَنَّ أَهْلَ السَّمَاءِ , وَأَهْلَ الْأَرْضِ, اشْتَرَكُوا فِي دَمِ مُؤْمِنٍ , لَأَكَبَّهُمُ اللَّهُ فِي النَّارِ " فيما يجعلنا نؤكد أن هذه الأفعال الإجرامية ليست من الإسلام في شيء، ولا من الإنسانية في شيء،إذ تجد أن الإسلام اعتبر النفوس كلها واحدة على اختلاف ألوانها وألسنتها،بل وعقائدها، من اعتدى على إحداها فكأنما اعتدى عليها جميعا، ومن قدم لإحداها خيرا فكأنما قدم الخير للإنسانية بأسرها، وقد قال الله تعالى (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا) المائدة32).
وإننا لنؤكد على دعوة الإسلام لحماية الكنائس كما دعانا إلى حماية المساجد وفى سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ابلغ الأدلة على ذلك فلقد رأينا كيف استقبل النبي صلى الله عليه وسلم نصارى نجران وكف اشتمل عهده إليهم ، أن لهم جوار الله وذمة رسوله على أموالهم وملَّتهم وبِيَعهم، ولما حانت صلاتهم سمح لهم النبي صلى الله عليه وسلم بإقامة صلاتهم في مسجده المبارك فأراد الناس منعهم فقال لهم الرسول صلى الله عليه وسلم " دعوهم " فاستقبلوا المشرق وصلوا . وفي عهد عمر بن الخطاب إلى أهل إيلياء (القدس) نص على حُريتهم الدينية، وحرمة معابدهم وشعائرهم: “هذا ما أعطى عبد الله عمر أمير المؤمنين أهل إيلياء من الأمان: أعطاهم أمانًا لأنفسهم وأموالهم وكنائسهم وصلبانهم وسائر ملَّتها، لا تُسكن كنائسهم، ولا تُهدم ولا ينتقص منها، ولا من حيزها، ولا من صليبها، ولا من شيء من أموالهم،ولا يُكرهون على دينهم، ولا يُضار أحد منهم” .الطبري.
إن أهم ما يجب علينا جميعا التضامن والاتحاد من اجله: هو دفع الإرهاب وأهله الذين لم يرحموا الشيوخ الركع،والأطفال الرضع، والنساء الثكالى، اوالأيامى واليتامى، والأبرياء الحزن،ولا حتى دور العبادة ؛ فلقد دعانا الإسلام إلى رد الفساد والإرهاب، وعدم السكوت عن هذه الأفعال المشينة أو تبريرها ،فالتصدي لها فيه نجاة للمجتمع كله ، وإهمالها وعدم التصدي لها فيه الهلكة للمجتمع كله ، كما يفرض علينا أن لا نسعى خلف دعوات الهدم والفرقة والاختلاف التي تصدر من مرضى القلوب وضعفاء الإيمان أصحاب الفكر المتطرف ؛ فان اخطر ما يهدد الأمن والأمان في البلاد الدعوة إلى الاختلاف و التنازع والشقاق والتناحر بل و التصدي لها امتثالا لقوله تعالى (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) المائدة2؛ وتقدما وازدهارا ورفعة لبلادنا وشعبنا وحياتنا؛ واستمرارا لزمان قال فيه يوسف عليه السلام لأبويه ( ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ) يوسف99،واستمرارا لزمان قال فيه القائل:
من شاهد الأرض وأقطارها *** والناس ألوانا وأجناســــا
ولا رأى مصر ولا أهلهـــــا *** فما رأى الدنيا ولا الناسا
حرى بنا أن لا يكون من بيننا من هو معول هدم للوطن ، بل كان لزاما علينا أن نكون سواعد إصلاح وصلاح إذ أن الأمن والاستقرار إنما هو منحة ربانية ، ومنة إلهية ،فحافظوا عليها ،واعلموا أن امن وطنكم مطلب شرعي ،وحفظه واجب وطني ،ووحدة صفه والحفاظ على قيمه وأخلاقه ومقدراته مسؤولية الجميع ، فكونوا على قدر المسئولية .
( نسال الله أن يحفظ مصر وجيشها وشعبها، وان يرحم شهداءنا الأبرار، وان ينتقم من الإرهاب وأهله ومن عاونه ومن ناصره )
===== كتبه =====
محمد حســـــــن داود
إمام وخطيـــب ومدرس

مديرية أوقاف كفر الشيخ
التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات