الإنسان الكامل محمد صلى الله عليه وسلم للشيخ السيد مراد سلامة


pdf

word



الخطبة الأولى
أما بعد:
أحباب الحبيب المحبوب، وأتباع النبي المتبوع، نعيش في هذا اليوم الطيب الأغر مع الحبيب الأزهر الأغر صلى الله عليه وسلم، نعيش مع كمال الكمال، وجميل الجمال مع أكمل البشر خلقاً وخُلقاً، وسمتاً وهدياً، مع من كمله وجمله ربه سبحانه وتعالى..
البَدرُ دونَكَ في حُسنٍ وَفي شَرَفٍ 
وَالبَحرُ دونَكَ في خَيرٍ وَفي كَرَمِ 
شُمُّ الجِبالِ إِذا طاوَلتَها اِنخَفَضَت 
وَالأَنجُمُ الزُهرُ ما واسَمتَها تَسِمِ 
وَاللَيثُ دونَكَ بَأساً عِندَ وَثبَتِهِ 
إِذا مَشَيتَ إِلى شاكي السِلاحِ كَمي 
تَهفو إِلَيكَ وَإِن أَدمَيتَ حَبَّتَها 
في الحَربِ أَفئِدَةُ الأَبطالِ وَالبُهَمِ 
مَحَبَّةُ اللَهِ أَلقاها وَهَيبَتُهُ 
عَلى اِبنِ آمِنَةٍ في كُلِّ مُصطَدَمِ 
كَأَنَّ وَجهَكَ تَحتَ النَقعِ بَدرُ دُجىً 
يُضيءُ مُلتَثِماً أَو غَيرَ مُلتَثِمِ 

أيها الآباء لقد أخبرنا سيد الأصفياء صلى الله عليه وسلم أنه كمل من الرجال كثير و لكن أكملهم و أتمهم خلقا وخُلقا وجمالا و بهاء محمد -صلى الله عليه وسلم - فهو الأنسان الكامل المكمل.
عن أبي مُوسى رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: كَمَلَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيرٌ، وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّسَاءِ إِلاَّ آسِيَةُ امْرَأَة فِرْعَوْنَ، وَمَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ وَإِنَّ فَضْلَ عَائِشَةَ عَلَى النسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ)[1].

أولا: الإنسان الكامل في بشرته صلى الله عليه وسلم.
فالنبي صلى الله عليه وسلم أرسله ربه للعالمين وأرسله سبحانه من جنس بني آدم فهو بشر من البشر وهذا ما قررته الآيات البينات ﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 110].

﴿ لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ ﴾ [الأنبياء: 3] وقال سبحانه ﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ ﴾ [فصلت: 6].

ولقد اتصف صلى الله عليه وسلم بالصفات البشرية في كمالها و جمالها و بشر ككل البشر؛ يأكل الطعام؛ ينام ويصحو؛ يأكل ويشرب؛ ويتزوج النساء؛ يبكـى ويضحـك كامل في إنسانيته كامل في بشريته صلى الله عليه وسلم... ولقد عاب عليه ذلك الكفار فرد عليهم العزيز الغفار ﴿ وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا * أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا * انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا * تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا * بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا ﴾ [الفرقان: 7 - 11].

قال المشركون: لا ميزة لهذا النبي الذي يدعي الرسالة، فهو يأكل كما نأكل، ويشرب كما نشرب، ويحتاج إلى ذلك كما نحتاج إليه، يعنون أنه كان يجب أن يكون ملكا مستغنيا عن الأكل والتعيش.

(وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ) أي يتردد فيها وإليها، طلبا للتكسب والتجارة وابتغاء للرزق والمعيشة، فمن أين له الفضل علينا، وهو مثلنا في هذه الأمور؟

وهذا منهم تصور مادي محض، وموازنة ساذجة، فإن الرسل لم يمتازوا بصفات حسية مادية، فهم في هذا كغيرهم من البشر، وإنما امتازوا بقيم معنوية، ومكاسب أدبية، وطهارة نفسية، لذا قال تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ ﴾ [الكهف: 18/ 110].[2]
فمبلغ العلم فيه أنّه بشر ♦♦♦ وأنّه خير خلق الله كلّهم

قال صاحب كتاب إقامة الحجة على العالمين بنبوة خاتم النبيين: كل من قرأ سيرة محمد وأخباره وأيامه من الباحثين المنصفين غير المسلمين أجمعوا على أن هذا الرجل قد اجتمعت فيه كل صفات الكمال البشري من حسن الخلق ورجاحة العقل وسلامة الفطرة ورقة الطبع والشجاعة وبلاغة اللسان.

ثانيا: الإنسان الكامل في صفاته الخَلْقية صلى الله عليه وسلم.
أيها المحب للحبيب صلى الله عليه وسلم أما عن كمال صفاته الخَلْقية فقد كان صلى الله - عليه وسلم من أجمل الناس وجها وقامة و اعتدالا فقد روى البخاري عن نس بن مالك يصف النبي صلى الله عليه وسلم، قال: كان ربعة[3] من القوم، ليس بالطويل ولا بالقصير، أزهر اللون[4]، ليس بأبيض أمهق[5]، ولا آدم[6]، ليس بجعد قطط، [7]ولا سبط رجل[8]؛[9].

وعن أنس رضي الله عنه قال: ما مسست حريرا ولا ديباجا ألين من كف النبي صلى الله عليه وسلم، ولا شممت ريحا قط أو عرقاً قط أطيب من ريح أو عرق النبي صلى الله عليه وسلم[10].
وفي وصف كعب له قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سر استنار وجهه كأنه قطعة قمر وكنا نعرف ذلك منه[11].

رسول الله - صلى الله عليه وسلم زكَّاه ربه في كل شيء: زكَّاه في عقله فقال جل وعلا: ﴿ مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى ﴾ [النجم: 2].
• وزكَّاه في بصره فقال جل وعلا: ﴿ مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى ﴾ [النجم:17].
• وزكَّاه في صدره فقال جل وعلا: ﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ﴾ [الشرح:1].
• وزكَّاه في ذكره فقال جل وعلا: ﴿ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ﴾ [الشرح:4].
• وزكَّاه في طهره فقال جل وعلا: ﴿ وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ ﴾ [الشرح:2].
• وزكَّاه في صدقه فقال جل وعلا: ﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى ﴾ [النجم:3].
• وزكَّاه في علمه فقال جل وعلا: ﴿ عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ﴾ [النجم:5].
• وزكَّاه في حلمه فقال جل وعلا: ﴿ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة:128].
• وزكَّاه في خلقه كله فقال جل وعلا: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم:4].

• قال حسان بن ثابت رضي الله عنه:
وأحسن منك لم تر قط عيني *** وخير منك لم تلد النساء
• • • •
أغر عليه بالنبوة خاتم 
من الله مشهود يلوح ويشهدُ 
وضم الإله اسم النبي إلى اسمه 
إذا قال في الخمس المؤذن أشهدُ 
وشق له من اسمه ليجله 
فذو العرش محمود وهذا محمدُ[12] 

وعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة إضحيان [13]، وعليه حُلَّة حمراء، فجعلتُ أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى القمر، فإذا هو عندي أحسنُ من القمر"[14].
قال أبو هريرة: ما رأيت شيئًا أحسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم، كأن الشمس تجري في وجهه[15].

ثالثا: الإنسان الكامل في صفاته الخُلُقية.
فإذا انتقلنا إلى صفاته الخُلُقية فقد بلغ النبي -صلى الله عليه وسلم- ذروة الكمال الإنساني بأخلاقه الرفيعة قال تعالى مادحاً وواصفاً خُلق نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4].
قالت عائشة لما سئلت رضي الله عنها عن خلق النبي عليه الصلاة والسلام، قالت: (كان خلقه القرآن) [16].

فهذه الكلمة العظيمة من عائشة رضي الله عنها ترشدنا إلى أن أخلاقه عليه الصلاة والسلام هي اتباع القرآن، وهي الاستقامة على ما في القرآن من أوامر ونواهي، وهي التخلق بالأخلاق التي مدحها القرآن العظيم وأثنى على أهلها والبعد عن كل خلق ذمه القرآن.

قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره: ومعنى هذا أنه صلى الله عليه وسلم صار امتثال القرآن أمراً ونهياً سجيةً له وخلقاً.... فمهما أمره القرآن فعله ومهما نهاه عنه تركه، هذا ما جبله الله عليه من الخُلق العظيم من الحياء والكرم والشجاعة والصفح والحلم وكل خُلقٍ جميل.أ.هـ[17].

هذا الفيلسوف الإنجليزي توماس كارليل - الحائز على جائزة نوبل - يقول في كتابه الأبطال: وقد رأيناه طول حياته راسخ المبدأ، صادق العزم بعيداً، كريماً بَرًّا، رؤوفاً تقياً، فاضلاً حراً، رجلاً، شديد الجد، مخلصاً، وهو مع ذلك سهل الجانب، ليِّن العريكة، جم البشر والطلاقة، حميد العشرة، حلو الإيناس، بل ربما مازح وداعب، وكان - على العموم - تضيء وجهه ابتسامةٌ مشرقة من فؤاد صادق، لأن من الناس من تكون ابتسامته كاذبة ككذب أعماله وأقواله.

ويقول: كان عادلاً صادق النية، كان ذكي اللب، شهم الفؤاد، لوذعياً، كأنما بين جنبيه مصابيح كل ليل بهيم ممتلئاً نوراً، رجلاً عظيماً بفطرته، لم تثقفه مدرسة ولا هذبه معلم، وهو غني عن ذلك. هـ.

إن النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خُلقاً وأكرمهم وأتقاهم، عن أنس رضي الله عنه قال" كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقًا" -[18].

عن عطاء رضي الله عنه قال: قلت لعبد الله بن عمرو أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة، قال: أجل والله إنه لموصوف في التوراة بصفته في القرآن يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً وحرزًا للأميين، أنت عبدي ورسولي، سميتك المتوكل، لا فظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق ولا يدفع بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويغفر، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء، بأن يقولوا لا إله إلا الله، ويفتح بها أعينًا عميًا وآذانًا صمًا وقلوبًا غلفًا - رواه البخاري.

ومن كمال صفاته حُسن العهد:
فقد كان صلى الله عليه وسلم حسن العهد يذكر أهل الفضل والإحسان والمودة والصداقة ويبين لنا هذا المشهد الرائع لكريم خلقه صلى الله عليه وسلم.

عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: جَاءَتْ عَجُوزٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهَا: " مَنْ أَنْتِ؟ " قَالَتْ: جَثَّامَةُ الْمُزَنِيَّةُ قَالَ: " بَلْ أَنْتِ حَنَّانَةُ الْمُزَنِيَّةُ، كَيْفَ أَنْتُمْ؟ كَيْفَ حَالِكُمْ؟ كَيْفَ كُنْتُمْ بَعْدَنَا؟ " قَالَتْ: بِخَيْرٍ بِأَبِي أَنْتَ، وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَتْ: فَلَمَّا خَرَجَتْ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، تُقْبِلُ عَلَى هَذِهِ الْعَجُوزِ هَذَا الْإِقْبَالَ؟ فَقَالَ: " يَا عَائِشَةُ إِنَّهَا كَانَتْ تَأْتِينَا زَمَانَ خَدِيجَةَ، وَإِنَّ حُسْنَ الْعَهْدِ مِنَ الْإِيمَانِ "[19].

كمال حيائه صلى الله عليه وسلم:
أما حياء النبي صلى الله عليه وسلم وهو الذي علمنا الحياء، وبين لنا أنه من شعب الإيمان، وأنه طريق إلى الجنان فقد كان صلى الله عليه وسلم من أتم و أكمل الخلق حياء بل كان حياء يمشي على الأرض، عن أَبِي سَعِيدٍ الْخدْرِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَشَدَّ حَيَاءً مِنْ الْعَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا "[20].

عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- أَنَّ امْرَأَةً سَأَلْتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ غُسْلِهَا مِنْ الْمَحِيضِ فَأَخْبَرَهَا كَيْفَ تَغْتَسِلُ ثُمَّ قَالَ خُذِي فِرْصَةً مِنْ مَسْكٍ فَتَطَهَّرِي بِهَا قَالَتْ وَكَيْفَ أَتَطَهَّرُ بِهَا فَاسْتَتَرَ كَذَا ثُمَّ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ تَطَهَّرِي بِهَا قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَجَذَبْتُ الْمَرْأَةَ وَقُلْتُ تَتَّبِعِينَ بِهَا أَثَرَ الدَّمِ)[21].

كمال تواضعه وزهده - صلى الله عليه وسلم:
فإن سألت أخي المسلم عن كمال تواضع من رفع الله تعالى ذكره و أعلى في العالمين شأنه و ساد الخلق خُلقا و قدرا فنظر الى تواضعه صلى الله عليه وسلم في هذا المشهد الرائع الذي يفض تواضعا عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ، قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ، فَكَلَّمَهُ، فَجَعَلَ تُرْعَدُ فَرَائِصُهُ، فَقَالَ لَهُ: «هَوِّنْ عَلَيْكَ، فَإِنِّي لَسْتُ بِمَلِكٍ، إِنَّمَا أَنَا ابْنُ امْرَأَةٍ تَأْكُلُ الْقَدِيدَ».[22][23].

عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِرَسُولِ اللهِ صَلى الله عَلَيه وسَلم: يَا خَيْرَنَا، وَابْنَ خَيْرِنَا، وَيَا سَيِّدَنَا وَابْنَ سَيِّدِنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَلَيه وسَلم: عَلَيْكُمْ بِقَوْلِكُمْ، وَلاَ يَسْتَهْوِيَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، وَاللهِ مَا أُحِبُّ أَنْ تَرْفَعُونِي فَوْقَ مَنْزِلَتِي الَّذِي أَنْزَلَنِي اللهُ[24].

قال عُمَرُ رضي الله عنه: دَخَلْتُ على رَسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فإذا هو مُضْطَجِعٌ على رِمالِ حَصيرٍ، ليسَ بينَهُ وبينَهُ فِرَاشٌ، قد أَثَّرَ الرِّمَالُ بجَنْبه، مُتَّكِئًا على وِسادةٍ من أَدَمٍ حَشْوُها ليفٌ، قلتُ: يا رسولَ الله! اُدْعُ الله فلْيُوَسِّعْ على أُمَّتِكَ، فإنَّ فارِسَ والرُّومَ قد وُسِّعَ عليهم، وهم لا يَعبُدونَ الله، فقال: "أَوَ في هذا أَنْتَ يا ابن الخطابِ! أُولئكَ قومٌ عُجِّلَتْ لهم طيباتُهم في الحياةِ الدنيا"[25].
جاءت له الدنيا فأعرض زاهدا 
يبغي من الأخرى المكان الأرفعا 
من ألبس الدنيا السعادة حلّة 
فضفاضة لبس القميص مرقّعا 
وهو الذي لو شاء نالت كفه 
كل الذي فوق البسيطة أجمعا 
مسك به اختتم المهيمن رسله 
وأبان أمر الدين والدنيا معا 
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم.

الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين... اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان ولك الحمد أن جعلتنا من أمة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام.... أما بعد:
كمال سخاءه وكرمه:
وهنا نقف مع كمال الكمال وجمال الجمال وعطاء سيد الأسخياء - صلى الله عليه وسلم-:
تَعوّد بَسْط الكفِّ حتَّى لو انَّهُ 
ثناها لِقَبْضٍ لم تجِبْه أَناملُهْ 
تراه إذا ما جئتَه مُتهلِّلاً 
كأنَّك تُعطيه الذي أنت سَائلُهْ 
ولو لم يكن في كفِّه غير رُوحهِ 
لجَادَ بها فليتقِ اللهَ سَائلُهْ 
هُو البَحْرُ من أيِّ النًّواحي أتيته 
فلُجَّتُهُ المعروفُ والجُودُ ساحِلُهْ 

عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ " أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَعْطَاهُ غَنَمًا بَيْنَ جَبَلَيْنِ "، فَأَتَى قَوْمَهُ فَقَالَ: أَيْ قَوْمِ، أَسْلِمُوا فَوَاللهِ إِنَّ مُحَمَّدًا يُعْطِي عَطَاءَ رَجُلٍ لَا يَخَافُ الْفَاقَةَ، وَإِنَّ كَانَ الرَّجُلَ لَيَجِيءُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يُرِيدُ إِلَّا الدُّنْيَا، فَمَا يُمْسِي حَتَّى يَكُونَ دِينُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ - أَوْ أَعَزَّ عَلَيْهِ - مِنَ الدُّنْيَا بِمَا فِيهَا "[26].

عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللهِ قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَوْ كَانَ لِي مِثْلُ أُحِدٍ ذَهَبًا لَسَرَّنِي أَنْ لَا يَمُرَّ عَلَيَّ ثَلَاثُ لَيَالِي وَعِنْدِي مِنْهُ شَيْءٌ، إِلَّا شَيْءٌ أَرْصُدُهُ لِدَيْنٍ "[27].

إنَّ الرَّسول صلى الله عليه وسلم، يقدِّم بهذا النَّموذج المثالي للقدوة الحسنة، لاسيَّما حينما نلاحظ أنَّه كان في عطاءاته الفعليَّة، مطبِّقًا لهذه ال القوليَّة التي قالها، فقد كانت سعادته ومسرَّته عظيمتين حينما كان يبذل كلَّ ما عنده مِن مال. ثمَّ إنَّه يربِّي المسلمين بقوله وعمله على خُلُق حبِّ العطاء، إذ يريهم مِن نفسه أجمل للعطاء وأكملها.
ما قال لا قط إلا في تشهده ♦♦♦ لولا التشهد كانت لاؤه نعم

كمال حلمه وعفوه -صلى الله عليه وسلم:
لقد بلغ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم غاية الحِلْم والعفو، والسُّنَّة النَّبويَّة حافلة بمواقف الرَّسول الكريم في الحِلْم، ومِن ذلك:
• قصَّة الأعرابي الذي جبذ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم بردائه جَبْذَةً شديدةً، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: «كُنْتُ أَمْشِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ بُرْدٌ نَجْرَانِيٌّ غَلِيظُ الحَاشِيَةِ»، فَأَدْرَكَهُ أَعْرَابِيٌّ فَجَبَذَهُ بِرِدَائِهِ جَبْذَةً شَدِيدَةً، حَتَّى «نَظَرْتُ إِلَى صَفْحَةِ عَاتِقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَثَّرَتْ بِهَا حَاشِيَةُ البُرْدِ مِنْ شِدَّةِ جَبْذَتِهِ»، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ مُرْ لِي مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي عِنْدَكَ، «فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ ضَحِكَ، ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِعَطَاءٍ»[28].
الدعاء......

________________________________________
[1] أخرجه البخاري في: 60 كتاب الأنبياء: 32.
[2] التفسير المنير للزحيلي (19/ 22).
[3] رجل ربعة: معتدل القامة، بين الطويل القصير.
[4] أزهر: مستنير، وهو أحسن الألوان، والزهرة: البياض الينر.
[5] الأمهق: الأبيض الكريه البياض، كلون الجص.
[6] الآدم: الشديد السمرة.
[7] شعر قطط: شديد الجعودة.
[8] ولا سَبط " بفتح السين وكسر الباء أي ولا ناعم الشعر شديد النعومة " رَجلٌ " قال الحافظ: رجل بكسر الجيم، ومنهم من يسكنها، وهو مرفوع على الاستئناف، أي هو رَجل يعني منسرح الشعر، والمعنى، أن شعره صلى الله عليه وسلم لم يكن ناعماً شديد النعومة كشعور الأعاجم ولا خشناً شديد الخشونة كشعر الأحباش، وإنما هو مسترسل فيه بعض التكسر.
[9] أخرجه و"البخاري" 4 /227 (2547). و"مسلم" 7 /87 (6159).
[10] أحمد (3 /227). وعبد بن حميد (1363) والدارمي (63) والبخاري (4 /230) (و ومسلم (7 /81).
[11] أخرجه البخاري في صحيحه كتاب المناقب باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم "4 /229" ومسلم: 2769.
[12] خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب (1/ 225).
[13] مضيئة مقمرة.
[14] أخرجه الدارمي (58). والترمذي (2811).
[15] أخرجه أحمد 2 /350 (8588)   و"الترمذي" 3648، وفي الشمائل (123) صحيح موارد الظمآن: 1774، وقال شعيب الأرنؤوط في (صحيح ابن حبان): إسناده صحيح.
[16] رواه أحمد في «المسند» (6/ 91 و163) والبيهقي في «السنن الكبرى» (2/ 499).
[17] تفسير ابن كثير- ط دار طيبة (8/ 189).
[18] أخرجه: البخاري 8 /55 (6203)، ومسلم 7 /74 (2310) (55).
[19] أخرجه البيهقي في شعب الإيمان (6 /517، رقم 9122).
[20] أخرجه البخاري في: 61 كتاب المناقب: 23 باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم.
[21] أخرجه أحمد (6 /122، رقم 24951)، ومسلم (1 /260، رقم 332).
[22] (القديد) اللحم المملح المجفف في الشمس. حاشية السندي على ابن ماجه - (ج 6 / ص 309).
[23] انظر صحيح الجامع: 7052، والصحيحة: 1876.
[24] أخرجه أحمد (3 /153، رقم 12573)، وعبد بن حميد (ص 397، رقم 1337).
[25] صحيح البخاري- نسخة طوق النجاة (ص: 62).
[26] أخرجه مسلم في الفضائل [2312].
[27] أخرجه: البخاري 8 /118 (6445)، ومسلم 3 /74 (991) (31).
[28] البخاري - الفتح 10 (5809) واللفظ له. ومسلم (1057).




التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات