حرمة المساجد وحمايتها في الإسلام د/ خالد بدير


عناصر الخطبة:
العنصر الأول: أهمية المساجد وفضل عمارتها في الإسلام
العنصر الثاني: رعاية حرمات المساجد وحمايتها
العنصر الثالث: الموت دفاعا عن النفس والوطن ودور العبادة شهادة في سبيل الله
     المقدمة:                                                            أما بعد:
العنصر الأول: أهمية المساجد وفضل عمارتها في الإسلام
 عباد الله: نحن نعيش اليوم الثاني عشر من ربيع الأول الذكرى العطرة لميلاد نبينا صلى الله عليه وسلم؛ وقد تكلمنا مع حضراتكم في اللقاءين السابقين عن جانبين هامين من حياته صلى الله عليه وسلم وهما : الرحمة ؛ والإنسانية ؛ وكيف نطبقهما على أرضع الواقع!!
واليوم - ونظراً لما حدث في مسجد الروضة بالعريش - نقف مع جانب هامٍ أيضاً في حياته صلى الله عليه وسلم ألا وهو دور المسجد في حياته صلى الله عليه وسلم وواجبنا نحو حماية مساجدنا ومقدساتنا .
أيها المسلمون: نحن نعلم أن للمساجد أهمية كبيرة في الإسلام، ويكفي أن أول عملٍ قام به الرسول عليه الصلاة والسلام بعد الهجرة هو بناء مسجد قباء ثم المسجد النبوي الشريف، ولعل في ذلك إشارة واضحة لأهمية وجود المسجد في المجتمع الإسلامي الناشئ .
 لقد أقام النبي صلى الله عليه وسلم دولته في المدينة على ثلاثة أسس هي قوام أي مجتمع إسلامي على مدى العصور والقرون.
الأساس الأول: المسجد ليربط العبد بخالقه ورازقه.                       
الأساس الثاني: المؤاخاة ليربط المسلم بأخيه المسلم.
الأساس الثالث: المعاهدات ليربط المسلم بغير المسلم، وبذلك قامت الدولة الإسلامية وامتدت إلى جميع الأقطار والأمصار .
عباد الله: إن حضارة الإسلام التي أقامها لا تقوم إلا على المسجد، و لا تصلح إلا بالمسجد، ولا يكون لها نور إلا بالمسجد، فقد انطلقت معالم الإسلام من المسجد الذي كان أول شئ فعله بعد الهجرة، ليكون روضة من رياض الجنة، شيخه: من عقمت الأرحام أن تأتي بمثله محمد صلى الله عليه وسلم، وتلاميذه: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي والصحابة الأجلاء، وأما مواده المقررة فهي الوحي السماوي الخالد، وأما الشهادة المطلوبة للتخرج فهي أن تكون كلمة الله هي العليا.، فبناء المسجد لم يكن على سبيل المصادفة، ولم يكن مجرد إشارة عابرة، لكنه منهج أصيل، فلا قيام لأمة إسلامية بغير المسجد، أو قل لا قيام لأمة إسلامية بغير تفعيل دور المسجد .
يقول الإمام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-: "وكانت مواضع الأئمة ومجامع الأمة هي المساجد، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- أسس مسجده على التقوى، ففيه الصلاة والقراءة والذكر وتأمير الأمراء وتعريف العرفاء، وفيه يجتمع المسلمون عنده لما أهمهم من أمر دينهم ودنياهم" (مجموع الفتاوى)
ويقول أحد المستشرقين ( يدعى زهير ) : " ما زال المسلمون في قوة مادام معهم القرآن والمسجد " .
أحبتي في الله: المسجد في عهد سلفنا الصالح وصدر هذه الأمة الوضاء كان منطلَقًا للجيوش؛ المسجد في عهد سلفنا الصالح كان ملاذًا لهم، إذا ضاقت بهم الهموم واشتبكت الغموم أتوه وانطرحوا بين يدي ربهم، فتنفرج لهم الدنيا. المسجد في عهد سلفنا الصالح كان منارة هدى ومعهد تعليم ومدرسة تربية، لكَم تعلم فيه الجاهل، واتّعظ فيه الغافل، واسترشد فيه الضال، واهتدى فيه المنحرف.
 المسجد في عهد سلفنا الصالح كان مكانًا لإطعام الجائع ومواساة الفقير، فبالله أهل الصفة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أين كانوا؟! كانوا في المسجد.؛ المسجد في عهد سلفنا الصالح كان يضجّ بالبكاء، وتتعالى فيه أصوات التكبير والتسبيح والثناء والألسنة الصادقة بالدعاء، فما أن يدخله الداخل حتى يزداد إيمانه، ويشتدّ في الحق بنيانه؛ المسجد في عهد سلفنا الصالح كان مدرسة الأجيال وملتقى الأبطال، خرج من بين جنباته المفسر للقرآن العالم به والمحدث والفقيه والخطيب والمجاهد والآمر بالمعروف والناهي عن المنكر والداعي إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخرجت رحاب المساجد آنذاك قادة الدنيا الذين غيروا وجه التاريخ وأصبحت سيرتهم غُرّة في جبين الزمن وأنموذجًا لم تعرف البشرية مثله.
ولكم أن تسألوا: وما هي تلك المساجد العظيمة التي أخرجت هؤلاء العظماء؟ إنها مساجد بنيت من الجريد وسعف النخيل، إنها مساجد بنيت من الطين، قد تجد فيها سراجًا ضعيفًا وقد لا تجده، إنها مساجد لم تكن مكيفة ولا منمقة ولا مزخرفة. لا، لكن أخرجت أولئك العظماء لأن العبرة بأهل الدار وليس بالدار، فهل من نظرة بعين العبرة لحال مساجدنا ومساجدهم، ما عرف التاريخ في مساجد فيها وسائل الراحة كمساجد الناس اليوم، ولكن أين الخريجون منها؟!
عباد الله: المساجد كلها فوائد وحسنات؛ كما قال الحسن البصري – رحمه الله -: " أيها المؤمن! لن تعدم المسجد إحدى خمس فوائد أولها: مغفرة من الله تكفر ما سلف من الخطيئة، وثانيها: اكتساب رجل صالح تحبه في الله، وثالثها: أن تعرف جيرانك فتتفقد مريضهم وفقيرهم، ورابعها: أن تكف سمعك وبصرك عن الحرام، وخامسها: أن تسمع آية تهديك".
إن المساجد أحب الأماكن إلى الله تعالى وإلى رسوله وإلى المؤمنين الصالحين , فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ : أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " أَحَبُّ الْبِلاَدِ إِلَى اللهِ مَسَاجِدهَا ". ( مسلم ).
بل إن المسجد هو بيت كل مؤمن وتقي , فقد كَتَبَ سَلْمَانُ إِلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ: يَا أَخِي لِيَكُنِ الْمَسْجِدُ بَيْتَكَ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ:" الْمَسْجِدُ بَيْتُ كُلِّ تَقِيٍّ، وَقَدْ ضَمِنَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِمَنْ كَانَ الْمَسَاجِدُ بُيُوتَهُ الرَّوْحَ، وَالرَّحْمَةَ، وَالْجَوَازَ عَلَى الصِّرَاطِ" . ( البزار والطبراني بسند حسن).
المسجد فيه السكينة والطمأنينة والرحمة؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " ... وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ ، وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ ."(مسلم).
وكما حثنا الإسلام على بناء المساجد فقد حثنا كذلك على عمارتها , وجعل ذلك علامة من علامات الإيمان , قال تعالى : { إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ} (التوبة: 18) . فكل من اعتاد المسجد فهو مؤمن ؛ فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ ، قَالَ :" إِذَا رَأَيْتُمُ الرَّجُلَ يَعْتَادُ الْمَسَاجِدَ ، فَاشْهَدُوا لَهُ بِالإِيمَانِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ} الآيَةَ.". ( أحمد وابن ماجة والترمذي وحسنه ).
وليس عمارة المساجد ببنائها وتشيدها فقط , بل تكون العمارة بالصلاة فيها , وجعلها واحة للآمنين وملجأ للخائفين , وإصلاحاً للمتخاصمين , وتعليماً للمتعلمين .
لا يُصنع الأبطال إلا.............. في مساجدنا الفساح
في روضة القرآن في..............ظل الأحاديث الصحاح
شعب بغير عقيدة .............. ورق يذريه الرياح
من خان حي على الصلاة .............. يخون حي على الكفاح
فالمسجد صلة مباشرة بين العبد وربه؛ وحينما تنقطع صلة الإنسان بهذه الحياة , ويوضع في قبره فإنه يتمنى لو عاد إلى الدنيا مرة أخرى لا ليجمع الأموال أو يحصل المناصب , بل ليصلى ركعتين فقط , فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِقَبْرٍ، فَقَالَ: "مَنْ صَاحِبُ هَذَا الْقَبْرِ؟ "فَقَالُوا: فُلانٌ، فَقَالَ:" رَكْعَتَانِ أَحَبُّ إِلَى هَذَا مِنْ بَقِيَّةِ دُنْيَاكُمْ ". ( الطبراني بسند صحيح).
قال الشاعر:
خسر الذي ترك الصلاة وخابا ..................... وأبى معاداً صالحا ومآبا
إن كان يجحدها فحسبك أنه ..................... أضحى بربك كافراً مرتابا
أو كان يتركها لنوع تكاسل غطى ..................... على وجه الصواب حجابا
بل إن المكان الذي كان يسجد فيه المسلم لربه تعالى ليبكي عليه بعد موته , فالمسجد يبكي على من تعلق قلبه به , فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ في ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ الإِمَامُ الْعَادِلُ ، وَشَابٌّ نَشَأَ في عِبَادَةِ رَبِّهِ ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ في الْمَسَاجِدِ ، وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا في اللهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ ، وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّى أَخَافُ اللَّهَ . وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ أَخْفَى حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ" . (متفق عليه).
العنصر الثاني: حرمة المساجد وحمايتها في الإسلام
أيها المسلمون: إن المساجد لها حرمتها وقداستها في الإسلام؛ وذلك لأنها بيوت الله وإليه أضيفت؛ ومن المعلوم أن المضاف يعظم باعتبار ما أضيف إليه؛ فلو قلت: هذا بيت المدير أو المحافظ أو الوزير أو الرئيس؛ فإن الحرمة والقداسة تعظم على قدر صاحبها. قال قتادة:" إن الله اصطفى صَفَايا من خلقه، اصطفى من الملائكة رسلاً ومن الناس رسلاً واصطفى من الكلام ذِكْرَه، واصطفى من الأرض المساجد، واصطفى من الشهور رمضان والأشهر الحرم، واصطفى من الأيام يوم الجمعة، واصطفى من الليالي ليلة القدر، فَعَظِّموا ما عظم الله، فإنما تُعَظم الأمور بما عظمها الله به عند أهل الفهم وأهل العقل." ( تفسير ابن كثير ).
أحبتي في الله: إن الإسلام حثنا على رعاية المساجد وحمايتها ومراعاة حرمتها؛ حتى ولو كان بقراءة القرآن، فإذا كان مؤذياً ومشوشًا على المصلين فلا ينبغي؛ ولقد أنزل الله قرآناً يتلى إلى يوم القيامة في شأن الخيرين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما لما ارتفعت أصواتهما في المسجد بحضرة الرسول صاحب الذكر العطرة صلى الله عليه وسلم؛ فعَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ: كَادَ الْخَيِّرَانِ أَنْ يَهْلِكَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، رَفَعَا أَصْوَاتَهُمَا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَدِمَ عَلَيْهِ رَكْبُ بَنِي تَمِيمٍ، فَأَشَارَ أَحَدُهُمَا بِالْأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ أَخِي بَنِي مُجَاشِعٍ، وَأَشَارَ الْآخَرُ بِرَجُلٍ آخَرَ قَالَ نَافِعٌ لَا أَحْفَظُ اسْمَهُ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لِعُمَرَ: مَا أَرَدْتَ إِلَّا خِلَافِي، قَالَ: مَا أَرَدْتُ خِلَافَكَ، فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا فِي ذَلِكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ }(متفق عليه)، فَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بَعْدَ ذَلِكَ إِذَا تَكَلَّمَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُسْمِعْ كَلَامَهُ حَتَّى يَسْتَفْهِمَهُ (الترمذي)، لشدة خفض صوته في المسجد، وهذا ما جعل ثابت بن قيس يختبئ في بيته ويبكي ثلاث ليال، فلما نزلت هذه الآية قال: أنا خطيب الرسول وأرفع صوتي، يا ويلي حبط عملي وأنا من أهل النار، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ افْتَقَدَ ثَابِتَ بْنَ قَيْسٍ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَا أَعْلَمُ لَكَ عِلْمَهُ، فَأَتَاهُ فَوَجَدَهُ جَالِسًا فِي بَيْتِهِ، مُنَكِّسًا رَأْسَهُ، فَقَالَ لَهُ: مَا شَأْنُكَ؟ فَقَالَ: شَرٌّ، كَانَ يَرْفَعُ صَوْتَهُ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَأَتَى الرَّجُلُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ قَالَ كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ مُوسَى: فَرَجَعَ إِلَيْهِ المَرَّةَ الآخِرَةَ بِبِشَارَةٍ عَظِيمَةٍ، فَقَالَ: " اذْهَبْ إِلَيْهِ فَقُلْ لَهُ: إِنَّكَ لَسْتَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَلَكِنَّكَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ  " (البخاري) . فإذا كان الإسلام نهانا عن رفع الصوت في المساجد بالذكر والدعاء والاستغفار ؛ فكيف بمن يرفع السلاح والمتفجرات في وجه المصلين الأطهار ؟!!
أيها المسلمون: من أجل حرمة المساجد نهي الإسلام عن ممارسة بعض الأمور المباحة فيها كالبيع والشراء وأكل الثوم والبصل وغيرها؛ يقول عليه الصلاة والسلام فيما رواه النسائي والترمذي: " إِذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَبِيعُ أَوْ يَبْتَاعُ فِي الْمَسْجِدِ فَقُولُوا لَا أَرْبَحَ اللَّهُ تِجَارَتَكَ " فإذا كان من باع واشترى في المسجد – مع إباحته في الأصل - ارتكب أمراً محرماً؛ لأنه خدش قداسة المساجد، وانتهك حرمتها وصيانتها. فكيف بمن قَتَّلَ الركع السجود ؟!!وقد نقل القرطبي عن بعض العلماء تلخيصا جيدًا ، مما ينبغي أن يراعي في الآداب والممنوعات في المسجد فقال :" وقد جمع بعض العلماء في ذلك خمس عشرة خصلة، فقال: من حرمة المسجد أن يسلم وقت الدخول إن كان القوم جلوسًا ، وإن لم يكن في المسجد أحد قال : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، وأن يركع ركعتين قبل أن يجلس ، وألا يشتري أو يبيع ، ولا يسل فيه سهما ولا سيفا ، ولا يطلب فيه ضالة ، ولا يرفع فيه صوتا بغير ذكر الله تعالى ، ولا يتكلم فيه بأحاديث الدنيا ، ولا يتخطى رقاب الناس ، ولا ينازع في المكان ، ولا يضيق على أحد في الصف ، ولا يمر بين يدي مصل ، ولا ييصق ولا يتنخم ولا يتمخط فيه ، ولا يفرقع أصابعه ، ولا يعبث بشيء من جسده ، وأن ينزه عن النجاسات والصبيان والمجانين ، وإقامة الحدود ، وأن يكثر ذكر الله تعالى ولا يغفل عنه . فإذا فعل هذه الخصال فقد أدَّى حق المسجد." ( تفسير القرطبي).
أيها المسلمون: إن الإسلام أمرنا بنظافة المساجد ظاهراً وباطناً ؛ وأجزل الثواب العظيم لمن قام بذلك؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ امْرَأَةً سَوْدَاءَ كَانَتْ تَقُمُّ الْمَسْجِدَ فَفَقَدَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَسَأَلَ عَنْهَا؟ فَقَالُوا: مَاتَت. قَالَ: أَفَلَا كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي؟! قَالَ: فَكَأَنَّهُمْ صَغَّرُوا أَمْرَهَا؛ فَقَالَ: دُلُّونِي عَلَى قَبْرهَا ؛ فَدَلُّوهُ ؛ فَصَلَّى عَلَيْهَا . ثُمَّ قَالَ: إِنَّ هَذِهِ الْقُبُورَ مَمْلُوءَةٌ ظُلْمَةً عَلَى أَهْلِهَا وَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُنَوِّرُهَا لَهُمْ بِصَلَاتِي عَلَيْهِمْ ." ( متفق عليه ).
كما عد عدم نظافتها من المساوئ؛ فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَال: قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :" الْبُزَاقُ فِي الْمَسْجِدِ خَطِيئَةٌ وَكَفَّارَتُهَا دَفْنُهَا ".( متفق عليه ). وعَنْ أَبِي ذَرٍّ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: " عُرِضَتْ عَلَىَّ أَعْمَالُ أُمَّتِي، حَسَنُهَا وَسَيِّئُهَا، فَوَجَدْتُ فِي مَحَاسِنِ أَعْمَالِهَا ، الأَذَى يُمَاطُ عَنِ الطَّرِيقِ، وَوَجَدْتُ فِي مَسَاوِئِ أَعْمَالِهَا، النُّخَاعَةَ تَكُونُ فِي الْمَسْجِدِ لاَ تُدْفَنُ."(مسلم ). وروى عن أبي عبيدة بن الجراح أنه تنخم في المسجد ليلة فنسي أن يدفنها حتى رجع إلى منزله، فأخذ شعلة من نار ثم جاء فطلبها حتى دفنها، ثم قال: الحمد لله الذي لم يكتب عليَّ خطيئة الليلة!! فإذا كانت النخامة من المساوئ وأمر الشارع بدفنها؛ فكيف بمن حرَّق المسلمين في بيت رب العالمين؟!
أيها المسلمون: إن جميع الشرائع والقوانين والأعراف الدولية حرمت الدماء وقتل النفس المعصومة أو الاعتداء عليها؛ وتعظيماً لأمر قتل النفس بغير حق، وبياناً لشدة خطره، والتحذير منه ، فقد توعد الله بأربع عقوبات قاسية لمن قتل نفساً متعمداً بغير حق؛ وليس في الشريعة الإسلامية عقوبة فيها تنكيل وتهديد ووعيد أشد من هذه ؛ قال الله تعالى: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} (النساء: 93). يقول الإمام السعدي- رحمه الله-: " وذكر هنا وعيد القاتل عمداً وعيداً ترجف له القلوب، وتنصدع له الأفئدة، وينزعج منه أولو العقول، فلم يرد في أنواع الكبائر أعظم من هذا الوعيد، بل ولا مثله، ألا وهو الإخبار بأن جزاءه جهنم، أي فهذا الذنب العظيم قد انتهض وحده أن يجازى صاحبه بجنهم بما فيها من العذاب العظيم، والخزي  المهين، وسخط الجبار، وفوات الفوز والفلاح، وحصول الخيبة والخسار، فيا عياذاً بالله من كل سبب يُبعد عن رحمته…" ( تفسير السعدي ).
فضلاً عن الوعيد الشديد لمن خرَّب بيوت الله؛ قال تعالى: { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ } (البقرة: 114).
لذلك جعلت الدماء أو ما يقضى بين العباد يوم القيامة؛ فعن عَبْدَ اللَّهِ بن مَسعُود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :" أَوَّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي الدِّمَاءِ". (متفق عليه). يقول الإمام ابن حجر: " وفي الحديث عظم أمر الدم ، فإن البداءة إنما تكون بالأهم ، والذنب يعظم بحسب عظم المفسدة وتفويت المصلحة ، وإعدام البنية الإنسانية غاية في ذلك . وقد ورد في التغليظ في أمر القتل آيات كثيرة وآثار شهيرة ". ( فتح الباري).
إننا نقول لأسر هؤلاء الشهداء الأبرار : اطمئنوا واستبشروا فإن شهداءكم أحياءٌ يرزقون عند الله؛ { وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ} (آل عمران: 169 - 171).
واعلموا أن القصاص عادلٌ لشهدائكم في الدنيا والآخرة؛ فضلاً عن النعيم المقيم مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً ؛ وهذا ما سنعرفه في عنصرنا التالي إن شاء الله تعالى.
العنصر الثالث: الموت دفاعا عن النفس والوطن ودور العبادة شهادة في سبيل الله
عباد الله : يجب علينا جميعاً حكومةً وشعباً وشباباً ومؤسساتٍ أن نتكاتف من أجل مواجهة الإرهاب الغاشم الذي خرَّب البلاد والعباد وسعى في الأرض فساداً ؛ ولنعلم أن من قتل وهو يدافع عن دينه أو وطنه  أو نفسه أو أهله أو ماله أو عرضه أو مقدساته فهو شهيد بنص حديث النبي صلى الله عليه وسلم؛ فعن سعيد بن زيد قال صلى الله عليه وسلم: “مَنْ قُتِلَ دُونَ مالِهِ فهوَ شَهيدٌ، ومَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فهوَ شَهيدٌ ، ومَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فهوَ شَهيدٌ ، ومَنْ قُتِلَ دُونَ أهلِهِ فهوَ شَهيدٌ”( الترمذي وحسنه). أى من قُتل وهو يُدافع عن ماله من أحد يريد أخذه منه وسرقته فهو شهيد، ومن قُتل وهو يُدافع عن نفسه من أحد يريد قتله أو وهو يُدافع عن عرضه فهو شهيدٌ، ومن قُتل وأحد يفتنه عن دينه فهو شهيدٌ، ومن قُتل وهو يُدافع عن أهله فهو شهيدٌ.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، " أَرَأَيْتَ إِنْ جَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أَخْذَ مَالِي ؟ قَالَ : فَلَا تُعْطِهِ مَالَكَ ، قَالَ : أَرَأَيْتَ إِنْ قَاتَلَنِي ؟ قَالَ : قَاتِلْهُ ، قَالَ : أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلَنِي ؟ قَالَ : فَأَنْتَ شَهِيدٌ ، قَالَ : أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلْتُهُ ؟ قَالَ : هُوَ فِي النَّارِ " . ( مسلم )
ويدخل في ذلك أيضا الجنود المرابطون الذين يسهرون ليلهم في حراسة هذا الوطن والدفاع عنه وحماية منشآته؛ وقد ذكرهم الرَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقوله:” عَيْنَانِ لَا تَمَسُّهُمَا النَّارُ: عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ؛ وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ” ( الترمذي والطبراني والبيهقي بسند صحيح).
أيها المسلمون: لقد آلمنا وآلم جميع العالمين في المشرق والمغرب ما قام به مجموعة من الخارجين عن الملل والأديان والقوانين والأعراف الدولية؛ مجموعة إرهابية انسلخت من إنسانيتها وقامت بتصفية المصلين في مسجد الروضة بأرض سيناء الحبيبة وهم بين قائم وراكع وساجد ومسبح لله تعالي أثناء تأديتهم شعائر صلاة الجمعة؛ هؤلاء المصلون شهداء بيت الله وفي جواره وكرمه وضيافته وجنته.
يا شهداء بيت الله : أبشروا فأنتم زُوَّار الله وفي كرم الله وضيافته؛ فعَنْ سَلْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ وُضُوءَهُ، إِلا كَانَ زَائِرَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَحَقٌّ عَلَى الْمَزُورِ أَنْ يُكْرِمَ زَائِرَهُ ". ( الطبراني سند صحيح). وقال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه : المساجد بيوت الله في الأرض ، والمصلي فيها زائر الله ، وحق على المزور أن يكرم زائره.
يا شهداء بيت الله : أبشروا فأنتم في جوار الله يوم القيامة ؛ فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُنَادِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ : " أَيْنَ جِيرَانِي ؟ أَيْنَ جِيرَانِي ؟ " فَتَقُولُ الْمَلَائِكَةُ : رَبَّنَا ، وَمَنْ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُجَاوِرَكَ ؟ فَيَقُولُ : " أَيْنَ عُمَّارُ الْمَسَاجِدِ ؟ " (السلسلة الصحيحة ).
وروي عن الحسن بن علي رضي الله تعالى عنهما ، أنه قال : ثلاثة في جوار الله تعالى ، رجل دخل المسجد لا يدخله إلا لله ، فهو ضيف الله تعالى حتى يرجع ، ورجل زار أخاه المسلم لا يزوره إلا لله ، فهو من زوار الله تعالى حتى يرجع ، ورجل خرج حاجا أو معتمرا لا يخرج إلا لله تعالى فهو وفد الله تعالى حتى يرجع إلى أهله.
يا شهداء بيت الله : أبشروا فإن الله عسَّلكم واستعملكم في طاعته؛ فعَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ:" إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا عَسَّلَهُ "، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ، وَمَا عَسَّلَهُ؟ قَالَ:" يُفْتَحُ لَهُ عَمَلا صَالِحًا، ثُمَّ يَقْبِضُهُ عَلَيْهِ". ( أحمد والحاكم والطبراني واللفظ له)؛ وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :"إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا اسْتَعْمَلَهُ؛ فَقِيلَ: كَيْفَ يَسْتَعْمِلُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: يُوَفِّقُهُ لِعَمَلٍ صَالِحٍ قَبْلَ الْمَوْتِ"( أحمد والحاكم والطبراني والترمذي واللفظ له وقال: هذا حديث حسن صحيح).
يا شهداء بيت الله : أبشروا فإنكم تبعثون على ما متم عليه؛ قال ابن كثير في تفسير قوله تعالى: {وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} أي: " حافظوا على الإسلام في حال صحتكم وسلامتكم لتموتوا عليه، فإن الكريم قد أجرى عادته بكرمه أنه من عاش على شيء مات عليه، ومن مات على شيء بُعث عليه، فعياذًا بالله من خلاف ذلك." فهنيئاً لكم تبعثون يوم القيامة منكم الراكع ومنكم الساجد ومنكم القائم ومنكم المسبح !!
يا شهداء بيت الله : أبشروا فإن الله يدافع عنكم ؛ فأي ذنبٍ ارتكبتموه حتى فعل بكم هذا ؛ ما ذنبكم إلا أن قلتم ربنا الله وسبحان الله والله أكبر وسبحان ربي الأعلى وسبحان ربي العظيم ؟!! { إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ *  أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ }.  ( الحج : 38 - 40).
عباد الله: إن الإسلام لم يقصر الأمر بحماية دور العبادة على المساجد فقط بل الأمر يشمل كنائس النصارى أيضا في بلادنا بما لهم من عهد وأمان وكافة حقوق المواطنة؛ قال تعالى: { وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا }.  " أي: لهدمت هذه المعابد الكبار، لطوائف أهل الكتاب، معابد اليهود والنصارى، والمساجد للمسلمين، { يُذْكَرَ فِيهَا } أي: في هذه المعابد { اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا } تقام فيها الصلوات، وتتلى فيها كتب الله، ويذكر فيها اسم الله بأنواع الذكر، فلولا دفع الله الناس بعضهم ببعض، لاستولى الكفار على المسلمين، فخربوا معابدهم، وفتنوهم عن دينهم." ( تفسير السعدي).
وإذا كان القرآن أمرنا بالتكاتف من أجل حماية دور العبادة من مساجد وكنائس وبيع وصلوات؛ فإن الرسول – صلى الله عليه وسلم – صاحب الذكرى العطرة قد أكد على حماية كنائس النصارى وعدم الاعتداء عليها ؛ مع إطلاق حريتهم الشخصية في ممارسة شعائرهم وطقوسهم ؛ فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ :"صَالَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَ نَجْرَانَ ...عَلَى أَنْ لَا تُهْدَمَ لَهُمْ بَيْعَةٌ؛ وَلَا يُخْرَجَ لَهُمْ قَسٌّ ؛ وَلَا يُفْتَنُوا عَنْ دِينِهِمْ ؛ مَا لَمْ يُحْدِثُوا حَدَثًا أَوْ يَأْكُلُوا الرِّبَا ". ( أبو داود والبيهقي ) .
وسار على هديه - صلى الله عليه وسلم - الخلفاء الراشدون من بعده ؛ فبعد انتصار المسلمين في معركة اليرموك دخل عمر رضى الله عنه القدس ليتسلم مفاتيحها من بطريرك القدس صفرونيوس في 15 هـ، وكتب لهم عمر بن الخطاب كتاباً به شروط الصلح.. ونصه : «بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أعطى عبد الله، عمر، أمير المؤمنين، أهل إيلياء من الأمان، أعطاهم أماناً لأنفسهم وأموالهم ولكنائسهم وصلبانهم وسقيمها وبريئها وسائر ملتها ؛ أنه لا تسكن كنائسهم ولا تهدم، ولا ينقص منها ولا من حيِّزها ولا من صليبهم ولا من شيء من أموالهم، ولا يُكرهون على دينهم، ولا يضارّ أحد منهم ".( تاريخ الطبري). وقد عرفت هذه : ( بالعهدة العمرية ).
ومن هذا المنطلق علينا أن نتكاتف ونتعاون جميعاً مسلمون ونصاري لمقاومة هذا الإرهاب الغاشم الظالم ؛ الذي اجتاح بلادنا ودمر مقدساتنا وسعى في الأرض فساداً ؛ حتى نعيش في أمن وسلام واطمئنان .
اللهم عليك بكل من قَتَّلَ إخواننا, ورمل نساءنا, ويتم أطفالنا, وأباح دماءنا, ومزق مجتمعنا, وأهان كريمنا, وأذل عزيزنا, ونجس أرضنا, ونكس علمنا, وحطم منشآتنا، وأهدر حقوقنا, واستباح مالنا وديارنا ونساءنا, وهتك أعراضنا, وكرم سفهاءنا, وحقر علماءنا, واغتصب حقوقنا, وفرق جمعنا .

الدعاء،،،،،،،                   وأقم الصلاة،،،،،
التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات