الرحمة فى مدرسة النبوة للشيخ ماهر السيد خضير
بسم الله الرحمن الرحيم
عناصر الخطبة
العنصر
الأول / التعريف بنبي الرحمة (صلى الله عليه وسلم)
العنصر الثاني / وتلك هي صور من رحمته
العنصر الثالث / الرحمة
بغير الانسان
أما
بعد
أيها المسلمون عباد الله / لا شك أن سيدنا محمد
صلى الله عليه وسلم هو سيد ولد آدم جميعا ، وأعلاهم منزلة وقدراً ، فلا بد من أن
نقدم بمقدمة نعرف بها نبى الرحمة صلوات ربي وسلامه عليه، وأن نصفه له كأنما يراه، وسنرجئ
وصف أخلاقه، وجميل فعاله، ورجاحة عقله، وصفاته القيادية، وهديه، وعدله، وعلاقاته،
وسلمه وحربه، وصبره، وحكمته، لموضع آخر، وسنقتصر الآن على أن نقول إنه:
محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، رسول الله، ونبيه، صاحب الجمال المسربل بالجلال، المكسو بجميل الخصال وحميد الخلال، ظاهر
الوضاءة، مليح الوجه مشرقه، أبيض اللون أزهره مستدير الوجه وسيم قسيم (حسن الوجه جميل) حسن وضيء (الحسن والبهجة)،وكان - صلى الله عليه وسلم- فخما (عظيما في نفسه) مفخما ((ففي حديث ابن أبي هالة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان فخما مفخما
أي عظيما معظما في الصدور والعيون ولم تكن خلقته في جسمه الضخامة))، يتلألأ وجهه
(يضيء ويتوهج) كتلألؤ القمر ليلة البدر، لا عابس ولا مفند (8)، إذا
سر استنار وجهه، حتى كأن وجهه صلى الله عليه وسلم قطعة قمر، (قال:) أي جابر (لا بل كان) أي وجهه
(مثل الشمس والقمر) أي في قوة الضياء وكثرة النور
في صحيح مسلم عن
ثابت عن أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أزهر اللون كأن عرقه اللؤلؤ
إذا مشى تكفأ ولا مسست ديباجة ولا حريرة ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم
ولا شممت مسكة ولا عنبرة أطيب من رائحة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
عباد الله / النبي الكريم صلى
الله عليه وسلم رحمة للعالمين واليكم بيان ذلك فتدبروه ...
بداية ما هي الرَّحْمَة ؟
الرحمة // هي رقَّة تقتضي الإحسان إلى
الْمَرْحُومِ، وقد تستعمل تارةً في الرِّقَّة المجرَّدة، وتارة في الإحسان
المجرَّد عن الرِّقَّة
رقة ورأفة تقتضى
الإحسان اى تقديم وعمل الأفضل والأنسب للمرحوم
ويمكن ان تستعمل في
الأحسان المجرد من الرقة بمعنى ان الرحمة قد تكون في
-
مشرط طبيب يزيل به المرض
-
او في عصا معلم او مؤدب يرفع الجهل عن تلميذ
-
او في شدة مربى يربى ويؤدب او في رب عمل يوجه ويشرف وبهذا المفهوم
الشامل للرحمة جاء الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم جاء بالرقة والرأفة والإحسان
فلقد عمت رحمته صلى الله عليه وسلم للإنس والجن،
والمؤمنين والكافرين والحيوان
قال الله تعالى:
{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107] قال الإمام الطبري رحمه الله: (أولى القولين في
ذلك بالصواب القول الذي رُوي عن ابن عباس: وهو أن الله أرسل نبيه محمدًا صلى الله
عليه وسلم رحمة لجميع العالم: مؤمنهم وكافرهم، فأما مؤمنهم فإن الله هداه به
وأدخله بالإيمان به وبالعمل بما جاء به من عند الله الجنة، وأما كافرهم فإنه دفع
به عنه عاجل البلاء الذي كان ينزل بالأمم المكذبة رسلها من قبله) .
ومما يدل على أن
رحمة النبي صلى الله عليه وسلم عامة للعالم حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: «قيل: يا رسول
الله! ادعُ على المشركين، قال: إني لم أُبعث لَعَّانًا وإنما بُعِثْتُ رحمةً» (مسلم)
.
وحديث حذيفة رضي
الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أيُّما رجل من أمتي سببته سبةً أو
لعنته لعنةً في غضبي؛ فإنما أنا من ولد آدم، أغضب كما يغضبون، وإنما بعثني رحمة
للعالمين، فاجعلها عليهم صلاة يوم القيامة» (ابوداود) .
وجاء في الحديث عن
أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إنما أنا رحمةٌ
مهداةٌ» (الحاكم) .
وقد قال صلى الله
عليه وسلم: «أنا محمد، وأحمد، والمُقَفِّي، والحاشر، ونبي التوبة، ونبي الرحمة» (مسلم)
عباد الله / لقد جاء الرسول صلى الله عليه وسلم بالرحمة وعُرف بها وأمر بها وضرب
لنا أروع الأمثلة التطبيقية ومنها
وتلك هى رحمته صلى الله عليه وسلم لأعدائه
من ذلك قوله تعالى: {وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ
اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [البقرة: 190] ، فيدخل في ذلك ارتكاب
المناهي: من المثلة، والغلول، وقتل النساء، والصبيان، والشيوخ الذين لا رأي لهم
ولا قتال، والرُّهبان، والمرضى، والعُمي، وأصحاب الصَّوامع؛ لكن من قاتل من هؤلاء
أو استعان الكفَّار برأيه قتل (المغنى لابن قدامة)
وانظر الى دفعه صلى الله عليه وسلم نزول العذاب على أعدائه: ومن الأمثلة العظيمة على هذه الرحمة
التي شملت حتى أعدائه صلى الله عليه وسلم قصَّته مع مَلَك الجبال حينما بعثه الله
إليه؛ ليأمره بما شاء عندما آذاه المشركون، فجاء ملك الجبال وسلَّم عليه وقال: «يا
محمد إن الله قد سمع قول قومك لك وأنا ملك الجبال، وقد بعثني ربِّي إليك لتأمرني
بأمرك، فما شئت ؟ إن شئت أطبقت عليهم
الأخشبين [والأخشبان جبلان عظيمان في مكة، تقع مكة بينهما] ، فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم لملك الجبال: بل أرجوا أن يخرج اللهُ من أصلابهم من يعبُد الله
وحده لا يُشرك به شيئًا»
وانظروا عباد الله الى سلامة قلبه صلى الله عليه وسلم، وحُبُّه الخير لليهود وغيرهم: ومن
الأمثلة العظيمة لرحمته صلى الله عليه وسلم حديث أنس رضي الله عنه قال: «كان غلام
يهوديٌّ يخدم النبي صلى الله عليه وسلم فمرض فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده
فقعد عند رأسه فقال له: "أسلم" فنظر إلى أبيه وهو عنده فقال: له أطع أبا
القاسم، فأسلم، [وفي رواية النسائي فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول
الله] ، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: الحمد لله الذي أنقذه من النار»
[وفي رواية أبي داود: أنقذه بي من النار] (البخارى)
وتلك هى رحمته للمؤمنين صلى الله عليه وسلم
قال الله تعالى:
{لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ
حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 128]
وقال الله عز وجل:
{النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ}
[الأحزاب: 6]
عباد الله ان أقرب
مال للإنسان نفسه، فالرسول أولى به من نفسه ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم بذل لهم
النصح والشفقة والرأفة فلذلك وجب على
العبد إذا تعارض مراد نفسه مع مراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يُقدِّمَ مُراد
الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن لا يُعارض قول الرسول صلى الله عليه وسلم بقول أحد من الناس، كائنًا من كان، وأن
يُقدِّم محبَّته على محبَّة الناس كلهم .
وقال سبحانه وتعالى:
{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ
الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ
وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ
اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} [آل عمران: 159] .
وقد قال صلى الله
عليه وسلم: «اللهم من ولي من أمر أمتي شيئًا فشق عليهم فاشقق عليه، ومن ولي من أمر
أمتي شيئًا فرفق بهم فارفق به» (مسلم) وقال صلى الله عليه وسلم: «أنا أولى
بالمؤمنين من أنفسهم، فمن مات وعليه دين ولم يترك وفاءً فعلينا قضاؤُهُ، ومن ترك
مالًا فهو لورثته» (البخارى)
وتلك هى رحمته صلى الله عليه وسلم للناس جميعًا
عن جرير بن عبد الله
رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من لا يَرحَمِ الناس لا يَرحَمُه الله عز وجل» (مسلم)
وعن أبي هريرة رضي
الله عنه قال: سمعت أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تُنزعُ الرحمة إلاَّ
من شقي» (الترمذي) .
وعن عبد الله بن
عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الراحمون يرحمهم
الرحمن، ارحموا مَن في الأرض يرحمكم مَن في السماء، الرَّحِمُ شُجنةٌ من الرحمن،
فمن وصلها وصله الله ومن قطعها قطعه الله» ( الترمذي )
وتلك هى رحمتهُ صلى الله عليه وسلم للصبيان
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: جاء
شيخٌ يريد النبي صلى الله عليه وسلم فأبطأ القوم عنه أن يُوسِّعوا له فقال النبي
صلى الله عليه وسلم: «ليس مِنَّا من لم يرحم صغيرنا، ويوقِّرُ كبيرنا» الترمذى
وتلك هى رحمتهُ صلى الله عليه وسلم للمرأة والضعيف
عن أبي هريرة رضي
الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم إنِّي أُحَرِّج حقَّ الضعيفين: اليتيم والمرأة» ابن ماجه
وعن عامر بن الأحوص
رضي الله عنه أنه شهد حجة الوداع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى
عليه، وذَكَّرَ ووعظ ثم قال: «استوصوا بالنساء خيرًا؛ فإِنهنَّ عندكم عوانٍ، ليس
تملكون منهنَّ شيئًا غير ذلك» ابن ماجه
وعن أنس رضي الله
عنه قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يدخل بيتًا بالمدينة غير بيتِ أُمِّ
سُليْمٍ إلا على أزواجه، فقيل له. فقال: «إني أرحمها، قُتل أخوها معي»البخارى
وعن أمِّ بُجيدٍ رضي
الله عنها، أنها قالت: «يا رسول الله صلى الله عليك: إن المسكين ليقومُ على بابي
فما أجد له شيئًا أُعطيه، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن لم تجدي له
شيئًا تُعطينه إيَّاه إلا ظلفًا مُحرَّقًا فادفعيه إليه في يده» (أبو داود)
وهذا فيه رحمة النبي
صلى الله عليه وسلم بالمساكين وحثَّه على إطعامهم، على حسب القدرة والاستطاعة رحمةً بهم، وشفقةً عليهم.
اللهم علمنا ما
ينفعنا وانفعنا بما علمتنا اللهم آمين عباد الله أقول ما تسمعون واستغفر الله لى
ولكم انه عفور رحيم
.............................................................................
الخطبة الثانية ......................................................................................
الحمد لله رب
العالمين والصلاة والسلام على امام الخلق وسيد المرسلين سيدنا محمد النبي صلوات
الله وسلامه عليه وبعد :-
لقد اتسعت رحمة نبي
الإسلام صلى الله عليه وسلم لتشمل مع بني الإنسان الطَّيرَ والحيوان؛ حيث أمر
بالرِّفق بها، وتوعَّد مَنْ عذَّبها أو أساء إليها حتى تموت بالعذاب والنار
في الآخرة.
فقد نهى صلى الله
عليه وسلم أن تُجعل الطُّيور وغيرها من ذوات الروح هدفًا للرَّمي بالسِّهام وغيرها
من الأسلحة ؛ فقال صلى الله عليه وسلم))لا تتخذوا شيئًا فيه الروح غرضًا(( رواه مسلم ؛ أي: لا تتخذوا الحيوان الحي غرضًا ترمون إليه.
وقال صلى الله عليه وسلم))دخلت امرأةٌ النار في هرَّةٍ ربطتها، فلم تطعمها، ولم تدعها تأكل من
خشاش الأرض(( رواه البخاري.
وقال صلى الله عليه وسلم((بينما كلب يطيف بركيةٍ، كاد يقتله العطش
- إذ رأته بغيٌّ من بغايا بني إسرائيل؛ فنزعت موقها فسقته؛ فغفر لها به)) رواه
البخاري.
وقال صلى الله عليه وسلم((بينا رجلٌ يمشي، فاشتد عليه العطش، فنزل
بئرًا فشرب منها ثم خرج، فإذا هو بكلبٍ يلهث، يأكل الثرى من العطش! فقال: لقد بلغ
هذا مثل الذي بلغ بي! فملأ خفَّه، ثم أمسكه بفيه، ثم رقى فسقى الكلب؛ فشكر الله
له؛ فغفر له)) قالوا: يا رسول الله، وإن لنا في
البهائم أجرًا؟ قال(في كل كبدٍ رطبةٍ أجر) رواه البخاري
عباد الله / اعلموا ان الإيمان ليس بالتحلِّي ولا
بالتمني، ولكنَّه ما وقَر في القلوب وصدَّقته الأعمال، وإن من دلائل صِدق الإيمان،
ومحبة الملِك الدَّيان، الرحمةَ بمستحقها على وجه الإحسان ؛ طمعًا في رحمة الله عز
وجل فنِعم البرهان على الإيمان، ونِعم
السبب الموصل إلى رحمة الكريم المنان، فتراحَموا يَرحمكم الرحمن.
واعلموا ان من
الرحمة: برُّ الوالدين، وصِلة الرحم، التي أمَر بها رب العالمين، ومن الرحمة:
إطعام المسكين والإحسان على اليتيم، ومن الرحمة: إغاثة الملهوف، والمبادرة إلى
صَنائع المعروف، ومن الرحمة: التيسير على المُعسِرين، والمبادَرة
بقضاء الدَّين عن الغارِمين، ومن الرحمة: إطعام الطعام، وسَقْي الماء للعطشى، ومن
الرحمة: تعليم الجاهل، وتذكير الغافل، والأخذ على يد السَّفيه ، وقصْرُه على الحق
قصرًا، ومن الرحمة: الدعوة إلى الله ومن الرحمة: حُسْن عِشرة النساء ، وتأديب
وتربية الأبناء، ومن الرحمة: التخفيف عن المملوك والأجير، وإعطاؤه أجره عند أدائه
عمَله من غير توانٍ ولا تأخير.
جعلنا
الله واياكم من عباده الرحماء ومن علينا برحمته وفضله اللهم آمين
الدعاء
......................... وأقم الصلاة
أعدها الفقير إلى عفو ربه
ماهر السيد خضير
إمام وخطيب بوزارة الأوقاف الإسكندرية