الشهامة والمروءة في الإسلام للشيخ أحمد محمد أحمد أبو إسلام
عناصر الخطبة
1)تعريف المروءة في القرآن
2)المروءة كما عرفها سيدنا رسول الله
3) مروءة المصطفى صلى الله عليه وسلم
4)مروءة الصحابة رضوان الله عليهم
5)من فوائد المروءة
الخطبة
الأولى
الحمد لله الأول الذي ليس قبله شيء والآخر
الذي ليس بعده شيء والظاهر الذي ليس فوقه شيء والباطن الذي ليس دونه شيء، أحمده
سبحانه خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً، وأشهد ألا إله إلا الله وحده
لا شريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه
وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
تعريف
المروءة في القرآن
قيل لِسُفْيَان بن عيينه قد استنبطت من القرأن كل شَيْء
فاين الْمُرُوءَة فِيهِ فَقَالَ فِي قولة تعالي " {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ
وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199)} [الأعراف: 199]فَفِيهِ الْمُرُوءَة وَحسن
الادب وَمَكَارِم الاخلاق فَجمع فِي قولة " خُذ الْعَفو " صلَة القاطعين
والْعَفو عَن المذنبين والرِّفْق بِالْمُؤْمِنِينَ وَغير ذَلِك من اخلاق المطيعين
وَدخل فِي قولة وامر بالعرف " صلَة الارحام وتقوى الله فِي الْحَلَال
والْحَرَام وغض الابصار والاستعداد لدار الْقَرار وَدخل فِي قولة واعرض عَن
الْجَاهِلين الحض على التخلق بالحلم والاعراض عَن اهل الظُّلم والتنزة عَن
مُنَازعَة السُّفَهَاء ومساواة الجهلة والاغبياء وَغير ذَلِك من الاخلاق الحميدة
والافعال الرشيدة وَقَالَ الله تَعَالَى "
وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ
نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا
تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77)
وفيهَا عين الْمُرُوءَة وحَقِيقَتهَا [المروءة (1 / 133):]
تعريف
المروءة كما عرفها المصطفى صلى الله عليه
وسلم
عَنْ مُحَمَّدِ بن حَرْب الْهِلَالِي قَالَ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَجُلٍ مِنْ ثَقِيفٍ
يَا أَخَا ثَقِيفٍ مَا الْمُرُوءَةُ فِيكُمْ قَالَ الصَّلَاحُ فِي الدِّينِ
وَإِصْلاحُ الْمَعِيشَةِ وَسَخَاءُ النَّفْسِ وَصِلَةُ الرَّحِمِ
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هِيَ كَذَلِكَ فِينَا مَعَاشِرَ قُرَيْشٍ ,وقد قَامَ
رَجُلٌ مِنْ بَنِي مُجَاشِعَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَسْتُ أَفْضَلُ قَوْمِي قَالَ إِنْ كَانَ لَك عقل
فَذَلِك فَضْلٌ وَإِنْ كَانَ لَكَ خُلُقٌ فَلَكَ مُرُوءَةٌ وَإِنْ كَانَ لَكَ
مَالٌ فَلَكَ حَسَبٌ وَإِنْ كَانَ لَكَ دِينٌ فَلَكَ تُقًى [المروءة
(1 / 28):]
أيها الأحبة وما من شيء يحمل على صلاح
الدين والدنيا، ويبعث على شرف الممات والمحيا، إلا وهو داخل تحت المروءة. ومن أجمع
التعاريف في المرؤة: قول بعضهم: المروءة هي
الإنسانيّة، وقال الآخر: هي الرّجولة
الكاملة، ولعل هذا يُذكرنا بقول العامة لدينا: "المرجلة
صعبة"،
وكما قال القائل :
إِني لَتُطربُني الخِلالُ كريمةً ... طربَ الغريبِ بأوبةٍ وتلاقِ
ويَهُزُّني ذكْرُ المروءةِ والندى ... بين الشمائلِ هزةَ المشتاقِ
فإِذا رُزقتَ خَليقةً
محمودةً ... فقد اصطفاكَ مقسِّمُ الأرزاقِ
والناسُ هذا حظُّه مالٌ
وذا ... علمٌ وذاكَ مكارمُ الأخلاقِ
المُروءةُ خلق إذا تحلى بها الإنْسانَ ساعدته عَلَى الوقُوفِ
عِنْدَ مَحَاسِنِ الأَخْلاِقِ وَجَمِيلِ العادَاتِ، إِذَا تَحَلّى وتَجَمَّلَ بِها
إِنْسَانٌ؛ صَدَرَ مِنْهُ كُلُّ خَيْرٍ وَبَدَرَ مِنْهُ كُلُّ إِحْسانٍ، وسَارَ
عَلَى النَّهْجِ السَّلِيمِ الصَّحِيحِ، وَتَجَنَّبَ كُلَّ مُسْتَهْجَنٍ
وَقَبِيحٍ، فَذُو المُرُوءةِ سَابِقٌ إِلى الخَيرَاتِ، مُسَارِعٌ إِلى
المَكْرُماتِ، إِنَّهُ إِنْ حَدَّثَ النَّاسَ صَدَقَ، وإِنْ وَعَدَهُمْ وَفَى،
وإِنْ عَامَلَهُمْ أَنْصَفَ، وإِنْ تَمَكَّنَ مِنَ المَحظَورِ تَعَفَّفَ،
فأَعْرَضَ عَنْهُ وتَوَقَّفَ، لاَ يَطْمَعُ فِيمَا فِي يَدِ غَيْرِهِ، بلْ إِنْ
استَطَاعَ زَادَهُ مِنْ عَطَائِهِ وخَيْرِهِ، مَنْ صَادَقَهُ سَلِمَ، ومَنْ آخَاهُ
رَبِحَ وغَنِمَ،
مروءة
المصطفى صلى الله عليه وسلم
ولعلنا إذا ذكرنا المروة سنجدها بكل
معانيها في سيدنا المصطفي صلى الله ,فقد
ورد في صحيح البخاري عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ:
كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ، وَأَشْجَعَ
النَّاسِ، وَلَقَدْ فَزِعَ أَهْلُ المَدِينَةِ لَيْلَةً، فَخَرَجُوا نَحْوَ الصَّوْتِ،
فَاسْتَقْبَلَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ اسْتَبْرَأَ
الخَبَرَ، وَهُوَ عَلَى فَرَسٍ لِأَبِي طَلْحَةَ عُرْيٍ، وَفِي عُنُقِهِ
السَّيْفُ، وَهُوَ يَقُولُ: «لَمْ
تُرَاعُوا، لَمْ تُرَاعُوا» ثُمَّ قَالَ: «وَجَدْنَاهُ
بَحْرًا» أَوْ قَالَ: «إِنَّهُ لَبَحْرٌ»وفي هذا الحديث
مايدل على جميل صفات المصطفى صلى الله
عليه وسلم حيث أنه صلى الله عليه لم ينتظر الصحابة لحين خروجهم لكي يدافعوا عن
أنفسهم ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يجود بنفسه ويسرع بنفسه ويذهب للدفاع عن
الصحابة والمسلمين وحمايتهم ويرجع قبل وصولهم إلى المكان الذي ربما سيجدون فيه
خطراً ويقول لهم لا تخافوا ومن بركته صلى
الله عليه وسلم أنه ركب فرساً كان بطيئا في المشي والحركة والسرعة وصار بحراً أي
سريعاً في جريه وهذا يدل على مكانه المصطفي صلى الله عليه وسلم وكماله ,فقد كان
سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم يتصف بالصفات الحميده والأخلاق وكان نموذجاً
عظيماً في حرصه على غيره وبذل كل ما يملك من أجل غيره لذالك جذب إليه القلوب
والأسماع والأبصار فقد قال الله عز وجل
في حقه: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ
عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ
(128)} [التوبة: 128] وقوله
جل وعلا مِنْ أَنْفُسِكُمْ من جنسكم ومن نسبكم عربى قرشي مثلكم، ثم ذكر ما يتبع
المجانسة والمناسبة من النتائج بقوله عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ أى شديد عليه
شاق- لكونه بعضاً منكم- عنتكم ولقاؤكم المكروه، فهو يخاف عليكم سوء العاقبة
والوقوع في العذاب حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ حتى لا يخرج أحد منكم عن اتباعه والاستسعاد
بدين الحق الذي جاء به بِالْمُؤْمِنِينَ منكم ومن غيركم رَؤُفٌ رَحِيمٌ. وقرئ: من
أنفسكم، أى من أشرفكم وأفضلكم. وقيل: هي قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم
وفاطمة وعائشة رضى الله عنهما. وقيل: لم يجمع الله اسمين من أسمائه لأحد غير رسول
الله صلى الله عليه وسلم في قوله رَؤُفٌ رَحِيمٌ.[ الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل], فانظروا إلى
عطاء رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عطاء من لا يخشى الفقر ,فقد ورد في صحيح مسلم عَنِ ابْنِ شِهَابٍ،
قَالَ: «غَزَا رَسُولُ
اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزْوَةَ الْفَتْحِ، فَتْحِ مَكَّةَ، ثُمَّ
خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ،
فَاقْتَتَلُوا بِحُنَيْنٍ، فَنَصَرَ اللهُ دِينَهُ وَالْمُسْلِمِينَ وَأَعْطَى
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ صَفْوَانَ بْنَ
أُمَيَّةَ مِائَةً مِنَ النَّعَمِ ثُمَّ مِائَةً ثُمَّ مِائَةً» قَالَ ابْنُ
شِهَابٍ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، أَنَّ صَفْوَانَ قَالَ: «وَاللهِ
لَقَدْ أَعْطَانِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَعْطَانِي،
وَإِنَّهُ لَأَبْغَضُ النَّاسِ إِلَيَّ، فَمَا بَرِحَ يُعْطِينِي حَتَّى إِنَّهُ
لَأَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ»,وقد
ورد في صحيح مسلم عَنْ مُوسَى بْنِ أَنَسٍ، عَنْ
أَبِيهِ، قَالَ: " مَا سُئِلَ رَسُولُ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْإِسْلَامِ شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ،
قَالَ: فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَأَعْطَاهُ غَنَمًا
بَيْنَ جَبَلَيْنِ، فَرَجَعَ إِلَى قَوْمِهِ، فَقَالَ: يَا قَوْمِ أَسْلِمُوا، فَإِنَّ
مُحَمَّدًا يُعْطِي عَطَاءً لَا يَخْشَى الْفَاقَةَ "
الخطبة الثانية
الحمد لله الأول الذي ليس قبله شيء والآخر
الذي ليس بعده شيء والظاهر الذي ليس فوقه شيء والباطن الذي ليس دونه شيء، أحمده
سبحانه خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً، وأشهد ألا إله إلا الله وحده
لا شريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه
وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد
مروءة
وشهامة الصحابة رضوان الله عليهم
فلما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم صاحب مروءة
وأخلاق عظيمة وكان خير قدوة في ذالك تعلم منه الصحابة فهم كانوا أسرع الناس في
الإقتداء بالمصطفى صلى الله عليه وسلم فقد ورد عَنْ
عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ يَوْمًا لِمَنْ حَوْلَهُ: تَمَنَّوْا،
فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَتَمَنَّى لَوْ أَنَّ هَذِهِ الدَّارَ مَمْلُوءَةٌ ذَهَبًا
فَأَنْفِقُهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قَالَ: تَمَنَّوْا، فَقَالَ رَجُلٌ:
أَتَمَنَّى لَوْ أَنَّهَا مَمْلُوءَةٌ لَؤْلُؤًا أَوْ زَبَرْجَدًا أَوْ جَوَهِرًا،
فَأَنْفِقُهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأَتَصَدَّقُ، ثُمَّ قَالَ عُمَرُ: تَمَنَّوْا،
فَقَالُوا: مَا نَدْرِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ عُمَرُ: «أَتَمَنَّى لَوْ أَنَّهَا مَمْلُوءَةٌ
رِجَالًا مِثْلَ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ،
وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَسَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، وَحُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ» . [فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل (2 / 740):] رحم الله
عمر الملهم، لقد كان خبيراً بما تقوم به الحضارات الحقة، وتنهض به الرسالات
الكبيرة، وتحيا به الأمم الهامدة.
إن الأمم والرسالات تحتاج إلى المعادن المذخورة، والثروات المنشورة، ولكنها تحتاج قبل ذلك إلى الرؤوس المفكرة التي تستغلها، والقلوب الكبيرة التي ترعاها والعزائم القوية التي تنفذها: إنها تحتاج إلى الرجال., فلله ماأحكم عمر حين لم يتمن فضة ولا ذهباً،ولا لؤلؤاً ولا جوهراً، ولكنه تمنى رجالاً من الطراز الممتاز الذين تتفتح على أيديهم كنوزالأرض،وأبواب السماء.
معاشرالمسلمين، إن رجلاً واحداً قد يساوي مائة، ورجلاً قد يوازي ألفاً، ورجلاً قد يزن شعباً بأسره، وقد قيل: رجل ذو همة يحيي أمة.
إن الأمم والرسالات تحتاج إلى المعادن المذخورة، والثروات المنشورة، ولكنها تحتاج قبل ذلك إلى الرؤوس المفكرة التي تستغلها، والقلوب الكبيرة التي ترعاها والعزائم القوية التي تنفذها: إنها تحتاج إلى الرجال., فلله ماأحكم عمر حين لم يتمن فضة ولا ذهباً،ولا لؤلؤاً ولا جوهراً، ولكنه تمنى رجالاً من الطراز الممتاز الذين تتفتح على أيديهم كنوزالأرض،وأبواب السماء.
معاشرالمسلمين، إن رجلاً واحداً قد يساوي مائة، ورجلاً قد يوازي ألفاً، ورجلاً قد يزن شعباً بأسره، وقد قيل: رجل ذو همة يحيي أمة.
مروءة
سيدنا عمر رضي الله عنه
وانظروا إلى سيدنا عمر رضي الله عنه ومروءته مع الآخرين
فقد ورد في صحيح البخاري عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ،
عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
إِلَى السُّوقِ، فَلَحِقَتْ عُمَرَ امْرَأَةٌ شَابَّةٌ، فَقَالَتْ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، هَلَكَ زَوْجِي
وَتَرَكَ صِبْيَةً صِغَارًا، وَاللَّهِ مَا يُنْضِجُونَ كُرَاعًا[ليس
عندهم كراع حتى ينضجوه والكراع ما دون الكعب من الدواب]. ، وَلاَ لَهُمْ زَرْعٌ وَلاَ ضَرْعٌ،
وَخَشِيتُ أَنْ تَأْكُلَهُمُ الضَّبُعُ[السنة
الشديدة المجدبة.]، وَأَنَا
بِنْتُ خُفَافِ بْنِ إِيْمَاءَ الغِفَارِيِّ، «وَقَدْ شَهِدَ أَبِي الحُدَيْبِيَةَ
مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ». فَوَقَفَ مَعَهَا عُمَرُ
وَلَمْ يَمْضِ، ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِنَسَبٍ قَرِيبٍ، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى
بَعِيرٍ ظَهِيرٍ[قوي الظهر معد للحاجة] كَانَ مَرْبُوطًا فِي الدَّارِ، فَحَمَلَ
عَلَيْهِ غِرَارَتَيْنِ[تثنية غرارة وهي وعاء يتخذ للتبن
وغيره.] مَلَأَهُمَا طَعَامًا، وَحَمَلَ
بَيْنَهُمَا نَفَقَةً وَثِيَابًا، ثُمَّ نَاوَلَهَا بِخِطَامِهِ، ثُمَّ قَالَ: اقْتَادِيهِ، فَلَنْ يَفْنَى حَتَّى
يَأْتِيَكُمُ اللَّهُ بِخَيْرٍ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ،
أَكْثَرْتَ لَهَا؟ قَالَ عُمَرُ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرَى أَبَا
هَذِهِ وَأَخَاهَا، قَدْ حَاصَرَا حِصْنًا [قيل
أحد حصون خيبر.]زَمَانًا
فَافْتَتَحَاهُ، ثُمَّ أَصْبَحْنَا نَسْتَفِيءُ[نطلب
الفيء وهو ما يأخذه المسلمون من يد الكفار بدون قتال. ]سُهْمَانَهُمَا فِيهِ [جمع سهم وهو النصيب أي هما فتحاه ونحن الآن ننتفع بثمرة
جهدهما] وهذا الموقف يدل على شهامة المرأة وأخيها ولذالك أحب
سيدنا عمر بن الخطاب أن يكافأها على مروء
تها جيل فريد تعلم من سيد المربين والمعلمين صلى الله عليه وسلم لذالك سادوا الأرض
بأخلاقهم بِالمُرُوءَةِ تسمو ا النَّفْسُ وتَسْمُو،
وتَرقَى وتَعلُو، وإِذَا شَرُفَتِ النَّفْسُ وسَمَتْ كَانَتْ لِلآدَابِ طَالِبةً،
وفِي الفَضَائِلِ رَاغِبةً، يَبْحَثُ صَاحِبُها عَنِ المَكْرُماتِ فَيُدْرِكُها،
ويَذهب إِلى الفَضَائِلِ فَيَنَالُها، يَنْأَى عَنْ كُلِّ خَسِيسةٍ، ويَأْنَفُ
مِنْ كَلَّ نَقِيصَةٍ , وقد كان الصحابة كذالك وأعظم من
ذالك فقد فهموا ووعوا قول النبي صلى الله عليه وسلم عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْحُسَيْنِ، عَنْ
حُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «إِنَّ
اللهَ يُحِبُّ مَعَالِيَ الْأُمُورِ وأَشْرَافَهَا، وَيَكْرَهُ سَفَاسِفَهَا»[ المعجم الكبير للطبراني (3 / 131):]
حادثة تبيِّن لنا شهامةَ عثمان بن طلحة رضي الله عنه
تقول أم سلمة :انْطَلَقَ زَوْجِي أَبُو سَلَمَةَ إلَى
الْمَدِينَةِ. قَالَتْ: فَفَرَّقَ أهلى [ بَيْنِي وَبَيْنَ زَوْجِي وَبَيْنَ
ابْنِي. قَالَتْ: فَكُنْتُ أَخْرُجُ كُلَّ غَدَاةٍ فَأَجْلِسُ بِالْأَبْطُحِ،
فَمَا أَزَالُ أَبْكِي، حَتَّى أَمْسَى سَنَةً أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا حَتَّى مَرَّ
بِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَمِّي، أَحَدُ بَنِي الْمُغِيرَةِ، فَرَأَى مَا بِي
فَرَحِمَنِي فَقَالَ لِبَنِي الْمُغِيرَةِ: أَلَا تُخْرِجُونَ هَذِهِ الْمِسْكِينَةَ، فَرَّقْتُمْ بَيْنَهَا
وَبَيْنَ زَوْجِهَا وَبَيْنَ وَلَدِهَا! قَالَتْ: فَقَالُوا لِي: الْحَقِي بِزَوْجِكَ
إنْ شِئْتِ. قَالَتْ: وَرَدَّ بَنُو عَبْدِ الْأَسَدِ إلَيَّ عِنْدَ ذَلِكَ
ابْنِي. قَالَتْ: فَارْتَحَلْتُ بَعِيرِي ثُمَّ أَخَذْتُ ابْنِي فَوَضَعْتُهُ فِي
حِجْرِي، ثُمَّ خَرَجْتُ أُرِيدُ زَوْجِي بِالْمَدِينَةِ. قَالَتْ: وَمَا مَعِي
أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ. قَالَتْ: فَقُلْتُ: أَتَبَلَّغُ بِمَنْ لَقِيتُ
حَتَّى أَقْدَمَ عَلَيَّ زَوْجِي، حَتَّى إذَا كُنْتُ بِالتَّنْعِيمِ لَقِيتُ عُثْمَانَ بْنَ طَلْحَةَ بْنِ أَبِي
طَلْحَةَ، أَخَا بَنِي عَبْدِ الدَّارِ فَقَالَ لِي: إلَى أَيْنَ يَا بِنْتَ أَبِي
أُمَيَّةَ؟ قَالَتْ: فَقُلْتُ: أُرِيدُ زَوْجِي بِالْمَدِينَةِ. قَالَ:
أَوَمَا مَعَكَ أَحَدٌ؟ قَالَتْ: فَقُلْتُ:
لَا وَاَللَّهِ، إلَّا اللَّهُ وَبُنَيَّ هَذَا. قَالَ: وَاَللَّهِ مَا لَكَ مِنْ
مَتْرَكٍ، فَأَخَذَ بِخِطَامِ الْبَعِيرِ، فَانْطَلَقَ مَعِي يهوى بى، فو الله مَا
صَحِبْتُ رَجُلًا مِنْ الْعَرَبِ قَطُّ، أَرَى أَنَّهُ كَانَ أَكْرَمَ مِنْهُ،
كَانَ إذَا بَلَغَ الْمَنْزِلَ أَنَاخَ بِي، ثُمَّ اسْتَأْخَرَ عَنِّي، حَتَّى
إذَا نَزَلْتُ اسْتَأْخَرَ بِبَعِيرِي، فَحَطَّ عَنْهُ، ثُمَّ قَيَّدَهُ فِي
الشَّجَرَةِ، ثُمَّ تَنَحَّى (عَنِّي) إلَى شَجَرَةٍ، فَاضْطَجَعَ تَحْتَهَا،
فَإِذَا دَنَا الرَّوَاحُ، قَامَ إلَى بَعِيرِي فَقَدَّمَهُ فَرَحَلَهُ، ثُمَّ
اسْتَأْخَرَ عَنِّي، وَقَالَ: ارْكَبِي. فَإِذَا رَكِبْتُ وَاسْتَوَيْتُ عَلَى
بَعِيرِي أَتَى فَأَخَذَ بِخِطَامِهِ، فَقَادَهُ، حَتَّى يَنْزِلَ بِي. فَلَمْ
يَزَلْ يَصْنَعُ ذَلِكَ بِي حَتَّى أَقْدَمَنِي الْمَدِينَةَ، فَلَمَّا نَظَرَ
إلَى قَرْيَةِ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ بقُباءٍ، قَالَ: زَوْجُكَ فِي هَذِهِ
الْقَرْيَةِ- وَكَانَ أَبُو سَلَمَةَ بِهَا نَازِلًا- فَادْخُلِيهَا عَلَى
بَرَكَةِ اللَّهِ، ثُمَّ انْصَرَفَ رَاجِعًا إلَى مَكَّةَ.
قَالَ: فَكَانَتْ تَقُولُ : وَاَللَّهِ مَا أَعْلَمُ أَهْلَ بَيْتٍ فِي
الْإِسْلَامِ أَصَابَهُمْ مَا أَصَابَ آلَ أَبِي سَلَمَةَ، وَمَا رَأَيْتُ
صَاحِبًا قَطُّ كَانَ أَكْرَمَ مِنْ عُثْمَانَ بْنِ طَلْحَةَ .[ سيرة ابن هشام ت السقا (1 / 470):] اعْلَمْ أَنَّ مِنْ
شَوَاهِدِ الْفَضْلِ وَدَلَائِلِ الْكَرَمِ الْمُرُوءَةَ الَّتِي هِيَ حِلْيَةُ
النُّفُوسِ وَزِينَةُ الْهِمَمِ. فَالْمُرُوءَةُ مُرَاعَاةُ الْأَحْوَالِ الَّتِي
تَكُونُ عَلَى أَفْضَلِهَا حَتَّى لَا يَظْهَرَ مِنْهَا قَبِيحٌ عَنْ قَصْدٍ وَلَا
يَتَوَجَّهُ إلَيْهَا ذَمٌّ بِاسْتِحْقَاقٍ. رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ عَامَلَ النَّاسَ فَلَمْ
يَظْلِمْهُمْ، وَحَدَّثَهُمْ فَلَمْ يَكْذِبْهُمْ، وَوَعَدَهُمْ فَلَمْ
يُخْلِفْهُمْ، فَهُوَ مِمَّنْ كَمُلَتْ مُرُوءَتُهُ وَظَهَرَتْ عَدَالَتُهُ
وَوَجَبَتْ أُخُوَّتُهُ» .والمروءة تساوي الرجولة والشجاعة وهي صفات ربما لا تجدها
في هذا الزمان ومن تحلى بهذه الصفات أثني
عليه الناس بكل خير وقد فيل
يَبْقَى الثَّنَاءُ وَتَذْهَبُ الْأَمْوَالُ ... وَلِكُلِّ دَهْرٍ دَوْلَةٌ وَرِجَالُ
مَا نَالَ مَحْمَدَةَ الرِّجَالِ
وَشُكْرَهُمْ ... إلَّا الْجَوَادُ بِمَالِهِ الْمِفْضَالُ
لَا تَرْضَ مِنْ رَجُلٍ حَلَاوَةَ قَوْلِهِ ... حَتَّى يُصَدِّقَ مَا يَقُولُ فِعَالُ
[أدب الدنيا والدين (1 / 346):]
من
فوائد الشهامة
(1)
تعلّم الإنصاف والصّدق والاحتمال والصّبر.
(2) تبعد المسلم عمّا يكره الله والمسلمون.
(3)
شكر المنعم على ما أنعم.
اللهم اجعلنا من المتصفين بأخلاق سيد
المرسلين
الدعاء
أقم الصلاة