فضل العدل في الإسلام للشيخ أحمد أبو عيد
الحمد لله البعيد في قُربه، القريب في بعده، المتعالي في رفيع مجده، عن الشيء وضده، الذي أوجد بقدرته الوجود بعد أن كان عَدماً، وأودع كل موجود حكماً، وجعل العقل بينهما حَكَماً، ليميز بين الشيء وضدّه، وألهمه بما علّمه فعلم مُرّ مذاق مصابه من حلاوة شهده.
واشهد أن لا إله إلا
الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد وهو على كل شيء قدير
هو أول هو أخر هو ظاهر *** هو باطن ليس العيون تراه
حجبته أسرار الجلال فدونه ** تقف الظنون
وتخرس الأفواه
صمد بلا كفء ولا كيفية ** أبدا
فما النظائر ولا الأشباه
سبحان من عنت الوجوه لوجهه ** وله سجود
أوجه وجباه
وأشهد أن سيدنا وحبيبنا
وشفيعنا محمد عبد الله ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه
صلوا على هذا النبي الكريـم ** تحظوا
من الله بالأجر العظيم
وتظفروا بالفوز مـن ربـكم ** وجنـة
فيـها نعيـم مقيـم
طوبى لعبد مخلص في الورى ** صلى على
ذاك الجناب الكريم
وعلى آله وأصحابه ومن
سار على نهجه وتمسك بسنته واقتدى بهديه واتبعهم بإحسان إلى يوم الدين ونحن معهم يا
أرحم الراحمين
العناصر
أولًا: الترغيب في العدل ثانيًا:
أقسام العدل وصوره
ثالثًا: نماذج على العدل رابعًا:
من وسائل العدل في القضاء
خامسًا: النهي عن الظلم
الموضوع
تعريفه: هو خلاف الجور وهو
ما قام في النّفوس أنّه مستقيم، وقيل هو فصل الحكومة على ما في كتاب الله- سبحانه وتعالى-
وسنّة رسوله صلّى الله عليه وسلّم لا الحكم بالرّأي المجرّد.
وقيل: بذل الحقوق الواجبة وتسوية المستحقّين في حقوقهم، وقال الجرجانيّ:
العدل الأمر المتوسّط بين الإفراط والتّفريط.
أولًا:
الترغيب في العدل
أمر الله به: قال تعالى:﴿
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى
عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90)﴾
النحل
وقال تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ
بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا
اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ
بِما تَعْمَلُونَ (8) ) المائدة
من
صفات الله تعالى: قال تعالى: ( إنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ
وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا (40) ) النساء ، وقال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ
أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (44)) يونس
أمر الله به
رسله: قال تعالى: ﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا
مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾ الحديد،
وقال تعالى: {يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ
بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ
اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ
بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} [ص/26]، وقال تعالى: ﴿فَلِذلِكَ
فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِما
أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ
لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ
بَيْنَنا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ ﴾ الشورى
من صفات
المسلمين: عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا، أَخْبَرَهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: «المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يُسْلِمُهُ،
وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ
عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً، فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ
القِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ» ([1])، (يسلمه) يتركه إلى الظلم. (كان في حاجة أخيه) سعى في قضائها. (كان الله في
حاجته) أعانه الله تعالى وسهل له قضاء حاجته. (كربة) مصيبة من مصائب الدنيا توقعه
في الغم وتأخذ بنفسه]، وعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «انْصُرْ أَخَاكَ
ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا نَنْصُرُهُ
مَظْلُومًا، فَكَيْفَ نَنْصُرُهُ ظَالِمًا؟ قَالَ: «تَأْخُذُ فَوْقَ يَدَيْهِ» ([2])
على منابر من
نور يوم القيامة: عن عبد الله بن عمرو بن العاص- y- قال: قال رسول الله r: «
إِنَّ الْمُقْسِطِينَ عِنْدَ اللَّهِ عَلَى مَنَابِرَ
مِنْ نُورٍ عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ الَّذِينَ
يَعْدِلُونَ فِى حُكْمِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَمَا وَلُوا»([3])
أعظم الجهاد: عن أبي سعيد الخدري
أن النبي r قال ﴿إن
من أعظم الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر﴾([4])
في ظل الرحمن
يوم القيامة: عن أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ r، قَالَ: ﴿سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ
اللهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ: الإِمَامُ الْعَادِلُ﴾([5])
صدقة
من الصدقات: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّ
سُلاَمَى مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ، كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ
يَعْدِلُ بَيْنَ النَّاسِ صَدَقَةٌ» ([6])
العدل
أمن من الشقاء في الدارين: عن جابر بن عبد
الله رضي الله عنهما قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم الغنائم
بالجِعْرانة إذ قال له رجل:
اعدل. فقال: «لقد شَقِيتُ إن لم أعدل» ([7])
معية
الله: عَنِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ مَعَ
الْقَاضِي مَا لم يَجُرْ) ([8])
من أهل الجنة: عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ: أَنَّ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَهْلُ الْجَنَّةِ ثَلَاثَةٌ:
ذُو سُلْطَانٍ مُقْسِطٌ متصدِّقٌ موفق وَرجل رَحِيم رَفِيق الْقلب لكلَّ ذِي قربى وَمُسْلِمٍ
وَعَفِيفٌ مُتَعَفِّفٌ ذُو عِيَالٍ........) ([9])
القضاة ثلاثة: عَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( الْقُضَاةُ ثَلَاثَةٌ: وَاحِدٌ فِي
الْجَنَّةِ وَاثْنَانِ فِي النَّارِ فَأَمَّا الَّذِي فِي الْجَنَّةِ فَرَجُلٌ
عَرَفَ الْحَقَّ فَقَضَى بِهِ وَرَجُلٌ عَرَفَ الْحَقَّ فَجَارَ فِي الْحُكْمِ
فَهُوَ فِي النَّارِ وَرَجُلٌ قَضَى لِلنَّاسِ عَلَى جَهْلٍ فَهُوَ فِي النَّارِ )
([10])
السؤال عنه يوم القيامة: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ اللَّهَ سَائِلٌ كُلَّ رَاعٍ عَمَّا
اسْتَرْعَاهُ ، حَفِظَ ذَلِكَ أَمْ ضَيَّعَ ، حَتَّى يَسْأَلَ الرَّجُلَ عَنْ
أَهْلِ بَيْتِهِ " وعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ
كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ فَالْإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ
مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ
رَعِيَّتِهِ وَالْمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ
عَنْ رَعِيَّتِهَا وَالْخَادِمُ فِي مَالِ سَيِّدِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ
رَعِيَّتِهِ) ([11])
قال عمر بن الخطّاب
y: «إنّ الله إنّما
ضرب لكم الأمثال، وصرّف لكم القول لتحيا القلوب، فإنّ القلوب ميّتة في صدورها حتّى
يحييها الله، من علم شيئا فلينفع به، إنّ للعدل أمارات وتباشير، فأمّا الأمارات فالحياء
والسّخاء والهين واللّين. وأمّا التّباشير فالرّحمة. وقد جعل الله لكلّ أمر بابا، ويسّر
لكلّ باب مفتاحا، فباب العدل الاعتبار، ومفتاحه الزّهد، والاعتبار ذكر الموت والاستعداد
بتقديم الأموال. والزّهد أخذ الحقّ من كلّ أحد قبله حقّ، والاكتفاء بما يكفيه من الكفاف
فإن لم يكفه الكفاف لم يغنه شيء ... » ([12])
حفظ
البلاد: قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله تعالى ـ: ( إن الناس لم
يتنازعوا في أن عاقبة الظلم وخيمة، وعاقبة العدل كريمة، ولهذا يروى: الله ينصر
الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا ينصر الدولة الظالمة ولو كانت مؤمنة )
العدل
أمن من ثورة الشعوب: ونحن في عهد الثورات الشعبية، فمن عدل أمن من ثورة الشعوب، ولله در
شاعر النيل وهو يقول في عمريته:
وراع صاحب كسرى أن
رأى عمرا ** بين الرعية عطلا وهو راعـيها
وعهده بملوك الفرس
أن لـــها ** سورا من الجند والأحراس يحميها
رآه مستغرقا في نومه
فــــرأى ** فيــه الجلالة في أسمى معانيها
فوق الثرى تحت ظل
الدوح مشتملا ** بــبردة كاد طول العهد يبليها
فهان في عينه ما
كان يكـــبره ** مــن الأكاسر والدنيا بأيديها
وقال قولة حق أصبحت
مـــثلا ** وأصـبح الجيل بعد الجيل يرويها
أمنت لما أقمـــت
العدل بينهم ** فنمــت نوم قرير العين هانيها
قال النووي رحمه الله: "قال إمام الحرمين:
وإذا جار والي الوقت، وظهر ظلمه وغشمه، ولم ينزجر حين زجر عن سوء صنيعه بالقول،
فلأهل الحل والعقد التواطؤ على خلعه ولو بشهر الأسلحة ونصب الحروب. هذا كلام إمام
الحرمين. وهذا الذي ذكره من خلعه غريب، ومع هذا فهو محمول على ما إذا لم يخف منه
إثارة مفسدة أعظم منه" ([13])
ثانيًا: أقسام العدل وصوره
قسم المارودي العدل إلى ثلاثة أقسام وهم:
القسم الأوّل: عدل الإنسان فيمن دونه، كالسّلطان في رعيّته،
والرّئيس مع صحابته، فعدله فيهم يكون بأربعة أشياء: باتّباع الميسور، وحذف
المعسور، وترك التّسلّط بالقوّة، وابتغاء الحقّ في السّيرة، فإنّ اتّباع الميسور
أدوم، وحذف المعسور أسلم، وترك التّسلّط أعطف على المحبّة، وابتغاء الحقّ أبعث على
النّصرة.
القسم الثّاني: عدل الإنسان مع من فوقه، كالرّعيّة مع
سلطانها، والصّحابة مع رئيسها، ويكون ذلك بثلاثة أشياء: بإخلاص الطّاعة، وبذل
النّصرة، وصدق الولاء؛ فإنّ إخلاص الطّاعة أجمع للشّمل، وبذل النّصرة أدفع للوهن،
وصدق الولاء أنفى لسوء الظّنّ.
وهذه أمور إن لم تجتمع
في المرء تسلّط عليه من كان يدفع عنه واضطرّ إلى اتّقاء من كان يقيه ... وفي
استمرار هذا حلّ نظام شامل، وفساد صلاح شامل.
القسم الثّالث: عدل الإنسان مع أكفائه، ويكون بثلاثة أشياء:
بترك الاستطالة، ومجانبة الإدلال، وكفّ الأذى؛ لأنّ ترك الاستطالة آلف، ومجانبة
الإدلال أعطف، وكفّ الأذى أنصف، وهذه أمور إن لم تخلص في الأكفاء أسرع فيهم تقاطع
الأعداء، ففسدوا وأفسدوا.
وقد يتعلّق بهذه
الطّبقات أمور خاصّة يكون العدل فيها بالتّوسّط في حالتي التّقصير والسّرف، لأنّ
العدل مأخوذ من الاعتدال، فما جاوز الاعتدال فهو خروج عن العدل، وإذا كان الأمر
كذلك فإنّ كلّ ما خرج عن الأولى إلى ما ليس بأولى خروج عن العدل إلى ما ليس
بالعدل.
ولست تجد فسادا إلّا وسبب نتيجته الخروج فيه
عن حال العدل، إلى ما ليس بعدل من حالتي الزّيادة والنّقصان، وإذا لا شيء أنفع من
العدل كما أنّه لا شيء أضرّ ممّا ليس بعدل ([14])
من صور العدل
العدل مع
الله: عَنْ مُعَاذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كُنْتُ رِدْفَ النَّبِيِّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حِمَارٍ يُقَالُ لَهُ عُفَيْرٌ، فَقَالَ:
«يَا مُعَاذُ، هَلْ تَدْرِي حَقَّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ، وَمَا حَقُّ العِبَادِ
عَلَى اللَّهِ؟»، قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «فَإِنَّ حَقَّ
اللَّهِ عَلَى العِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلاَ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَحَقَّ
العِبَادِ عَلَى اللَّهِ أَنْ لاَ يُعَذِّبَ مَنْ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا»،
فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلاَ أُبَشِّرُ بِهِ النَّاسَ؟ قَالَ: «لاَ
تُبَشِّرْهُمْ، فَيَتَّكِلُوا» ([15])،
(ردف) راكبا خلفه. (عفير) من العفرة وهي حمرة يخالطها بياض. (من لا
يشرك به شيئا) أي وقد عبده حق عبادته بالتزام أمره واجتناب نهيه. (فيتكلوا)
فيعتمدوا على ذلك ولا يجتهدوا في الخير والطاعة]
فكيف يرزقنا الله
ويكرمنا وينعم علينا بنعم لا تعد ولا تحصى ثم نعبد ونشر غيره......
العدل مع النفس: عن أَبِي جُحَيْفَةَ عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه قَالَ: آخَى النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ سَلْمَانَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، فَزَارَ سَلْمَانُ
أَبَا الدَّرْدَاءِ فَرَأَى أُمَّ الدَّرْدَاءِ مُتَبَذِّلَةً، فَقَالَ لَهَا: مَا
شَأْنُكِ؟ قَالَتْ: أَخُوكَ أَبُو الدَّرْدَاءِ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ فِي الدُّنْيَا.
فَجَاءَ أَبُو الدَّرْدَاءِ، فَصَنَعَ لَهُ طَعَامًا، فَقَالَ: كُلْ. قَالَ: فَإِنِّي
صَائِمٌ. قَالَ: مَا أَنَا بِآكِلٍ حَتَّى تَأْكُلَ. قَالَ: فَأَكَلَ. فَلَمَّا كَانَ
اللَّيْلُ ذَهَبَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يَقُومُ، قَالَ: نَمْ، فَنَامَ. ثُمَّ ذَهَبَ
يَقُومُ: فَقَالَ نَمْ، فَلَمَّا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ قَالَ سَلْمَانُ: قُمْ
الْآنَ، فَصَلَّيَا. فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ: إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِنَفْسِكَ
عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ.
فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «صَدَقَ سَلْمَانُ»([16])
إنَّ من العدلِ مع النفس
أن تسلك بها سبيلَ نجاتها، ففي الصحيحين، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه
قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {الذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ
بِظُلْمٍ} [الأنعام/82]، شَقَّ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالُوا: أَيُّنَا لَمْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ؟ فَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ: «كَمَا تَظُنُّونَ! إِنَّمَا هُوَ
كَمَا قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ: {يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ
لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}»([17])
وظلم الإنسان لنفسه بأمرين: بترك الفرائض، وإتيان المحرمات. فإذا كان
هذا ظلماً كان حملها على طاعة الله عدلاً.
العدل في
الأقوال: قال تعالى: ﴿وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَبِعَهْدِ
اللَّهِ أَوْفُوا ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ الأنعام.
العدل في
الكتابة: ﴿ قال تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ
إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ﴾ البقرة.
العدل في
الشهادة: قال تعالى: ﴿ فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ
أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ
لِلَّهِ ذلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ
يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً ﴾
الطلاق.
العدل
في المعاملات: قال تعالى (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ* الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا
عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ*وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ*
أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ* لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ
يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ) العدل في القضاء والحكم: قال تعالى: ﴿ وَإِذا حَكَمْتُمْ
بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ
إِنَّ اللَّهَ كانَ سَمِيعاً بَصِيراً (58) ﴾ النساء، وعن أنس
بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله r: «إذا حكمتم فاعدلوا، وإذا
قتلتم فأحسنوا، فإنّ الله- عزّ وجلّ- محسن يحبّ المحسنين» ([18])
عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا قَالَ
عَبْدٌ قَطُّ إِذَا أَصَابَهُ هَمٌّ أَوْ حُزْنٌ: اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ
ابْنُ عَبْدِكَ ابْنُ أَمَتِكَ نَاصِيَتِي بِيَدِكَ مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ عَدْلٌ
فِيَّ قَضَاؤُكَ .....) ([19])
العدل بين
الزوجات: قال تعالى: ﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا
مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا
تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا
﴾ النساء
وعن عروة قال: قالت
عائشة: يا ابن أختي! كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا
يُفَضِّلُ بعضنا على بعض في القسم مِنْ مُكْثِهِ عندنا، وكان قَلَّ يومٌ إلا وهو
يطوف علينا جميعاً، فيدنو من كل امرأة من غير مَسِيسٍ، حتى يبلغ إلى التي هو
يومُها، فيبيت عندها، ولقد قالت سودة بنت زمعة- حين أسَنَّتْ وفَرِقَتْ أن يفارقها
رسول الله-: يا رسول الله! يومي لعائشة، فَقَبِلَ ذلك رسول الله صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منها. قالت: تقول: في ذلك أنزل الله تعالى وفي أشباهها- أراه
قال-: (وإِنِ امرأةٌ خافت من بَعْلِها نُشُوزاً) ([20]).
العدل بين الأولاد: عَنْ عَامِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ
بَشِيرٍ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ: ﴿أَعْطَانِي أَبِي عَطِيَّةً، فَقَالَتْ
عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ، لاَ أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه
وسلم فَأَتَى رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: إِنِّي أَعْطَيْتُ ابْنِي
مِنْ عَمْرَةَ بِنْتِ رَوَاحَةَ عَطِيَّةً، فَأَمَرَتْنِي أَنْ أُشْهِدَكَ يَا رَسُولَ
اللهِ قَالَ: أَعْطَيْتَ سَائِرَ وَلَدِكَ مِثْلَ هذَا قَالَ: لاَ قَالَ فَاتَّقُوا
اللهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلاَدِكُمْ قَالَ: فَرَجَعَ، فَرَدَّ عَطِيَّتَهُ﴾([21])
العدل
في تقسيم الميراث: قال تعالى: ( للرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ
وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ
وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً ) النساء
.
العدل بين
الخصوم: قال تعالى: ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا
بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ
إِحْدَاهُمَا
عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ
فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ
الْمُقْسِطِينَ (9)﴾ الحجرات
قال القرطبيّ- رحمه الله تعالى: وأمّا تفريق
بعضهم بين المسكينة والّتي لها قدر (من الجمال) ، فغير جائز لأنّ النّبيّ صلّى
الله عليه وسلّم قد سوّى بين أحكامهم في الدّماء فقال: «المسلمون تتكافأ دماؤهم»([22]) وإذا كانوا في الدّماء سواء، فهم في غير ذلك
شيء واحد) ([23])
ثالثًا:
نماذج على العدل
أ- تحكيم قريش له صلى الله عليه وسلم في وضع الحجر
الأسود بعد خلاف شديد بينهم كاد يفضى بهم إلى الاقتتال. فقالوا بتوفيق من الله
سبحانه وتعالى نحكم أول قادمٍ علينا. فكان صلى الله عليه وسلم، فقالوا: هذا
الأمين، هذا الحكم، رضينا به. فحكم بأن يوضع الحجر في ثوب، وتأخذ كل قبيلة بطرف،
ثم أخذ الحجر بيديه ووضعه في مكانه من جدار البيت، فحكم فعدل، وكان مظهرًا من
مظاهر عدله صلى الله عليه وسلم.
ب- عن
عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، قَالَ: لَمَّا كَانَ
يَوْمُ حُنَيْنٍ آثَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أُنَاسًا فِي الْقِسْمَةِ فَأَعْطَى
الأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ مِائَةً مِنَ الإِبِلِ، وَأَعْطَى عُيَيْنَةَ مِثْلَ ذلِكَ،
وَأَعْطَى أُنَاسًا مِنْ أَشْرَافِ الْعَرَبِ، فَآثَرَهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْقِسْمَةِ؛
قَالَ رَجُلٌ: وَاللهِ إِنَّ هذِهِ الْقِسْمَةَ مَا عُدِلَ فِيهَا، وَمَا أُرِيدَ بِهَا
وَجْهُ اللهِ فَقُلْتُ: وَاللهِ لأُخْبِرَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَأَتَيْتهُ
فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: فَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ يَعْدِلِ اللهُ وَرَسُولُهُ رَحِمَ
اللهُ مُوسَى، قَدْ أُوذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هذَا فَصَبَرَ) ([24])
ج- عن
أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: اشْتَرَى
رَجُلٌ مِنْ رَجُلٍ عَقَارًا لَهُ، فَوَجَدَ الرَّجُلُ الَّذِي اشْتَرَى الْعَقَارَ
فِي عَقَارِهِ جَرَّةً فِيهَا ذَهَبٌ، فَقَالَ لَهُ الَّذِي اشْتَرَى الْعَقَارَ: خذْ
ذَهَبَكَ مِنِّي، إِنَّمَا اشْتَرَيْتُ مِنْكَ الأَرْضَ وَلَمْ أَبْتَعْ مِنْكَ الذَّهَبَ
وَقَالَ الَّذِي لَهُ الأَرْضُ: إِنَّمَا بِعْتُكَ الأَرْضَ وَمَا فِيهَا؛ فَتَحَاكَمَا
إِلَى رَجُلٍ فَقَالَ الَّذِي تَحَاكَمَا إِلَيْهِ: أَلَكُمَا وَلَدٌ قَالَ أَحَدُهُمَا:
لِي غُلاَمٌ، وَقَالَ الآخَرُ: لِي جَارِيَةٌ؛ قَالَ: أَنْكِحُوا الْغُلاَمَ الْجَارِيَةَ،
وَأَنْفِقُوا عَلَى أَنْفُسِهِمَا مِنْهُ وَتَصَدَّقَا)([25])
د- كتب
بعض عمّال عمر بن عبد العزيز إليه: أمّا بعد، فإنّ مدينتنا
قد خربت، فإن رأى أمير المؤمنين أن يقطع لها مالا يرمّها به فعل، فكتب إليه عمر، «أمّا
بعد، فقد فهمت كتابك وما ذكرت أنّ
مدينتكم قد
خربت، فإذا قرأت كتابي هذا فحصّنها بالعدل، ونقّ طرقها من الظّلم، فإنّه مرمّتها والسّلام» ([26])
ذ-عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حين افتتح
خيبر اشترط عليهم أنّ له الأرض، وكلّ صفراء وبيضاء. يعني الذّهب والفضّة، وقال له
أهل خيبر: نحن أعلم بالأرض، فأعطناها على أن نعملها ويكون لنا نصف الثّمرة ولكم
نصفها، فزعم أنّه أعطاهم على ذلك. فلمّا كان حين يصرم النّخل - يجمع ثمرها -، بعث
إليهم، ابن رواحة، فحزر النّخل أي قدّره بالحدس والتخمين ، وهو الّذي يدعونه أهل
المدينة الخرص، فقال: في ذا كذا وكذا. فقالوا: أكثرت علينا يا ابن رواحة. فقال:
فأنا أحزر النّخل وأعطيكم نصف الّذي قلت. قال: قالوا: هذا الحقّ، وبه تقوم السّماء
والأرض، فقالوا: قد رضينا أن نأخذ بالّذي قلت) ([27])
رابعًا:
من وسائل العدل في القضاء
البعد
عن الغضب: عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرَةَ،
قَالَ: كَتَبَ أَبُو بَكْرَةَ إِلَى ابْنِهِ، وَكَانَ بِسِجِسْتَانَ، بِأَنْ لاَ
تَقْضِيَ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَأَنْتَ غَضْبَانُ، فَإِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لاَ يَقْضِيَنَّ حَكَمٌ بَيْنَ
اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ» ([28])
عدم الشفاعة في حد من حدود الله: عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا:
أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّتْهُمُ المَرْأَةُ المَخْزُومِيَّةُ الَّتِي سَرَقَتْ،
فَقَالُوا: مَنْ يُكَلِّمُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَلَّمَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ» ثُمَّ
قَامَ فَخَطَبَ، قَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّمَا ضَلَّ مَنْ قَبْلَكُمْ،
أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ الضَّعِيفُ
فِيهِمْ أَقَامُوا عَلَيْهِ الحَدَّ، وَايْمُ اللَّهِ، لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ
بِنْتَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سَرَقَتْ لَقَطَعَ مُحَمَّدٌ
يَدَهَا» ([29])
تأكد من الشاهد قبل العمل بشهادته: عن خرشة بن الحرّ قال: شهد رجل عند عمر بن
الخطّاب- رضي الله عنه- بشهادة فقال له: لست أعرفك، ولا يضرّك أن لا أعرفك، إئت
بمن يعرفك، فقال رجل من القوم: أنا أعرفه، قال: بأيّ شىء تعرفه؟. قال: بالعدالة
والفضل. فقال: فهو جارك الأدنى الّذي تعرفه ليله ونهاره، ومدخله ومخرجه؟ قال: لا.
قال: فمعاملك بالدّينار والدّرهم اللّذين بهما يستدلّ على الورع؟ قال: لا. قال:
فرفيقك في السّفر الّذي يستدلّ به على مكارم الأخلاق؟ قال: لا. قال: لست تعرفه،
ثمّ قال للرّجل: إئت بمن يعرفك» ([30])
التثبت
من الأمر قبل الحكم عليه: فمن العدل والإنصاف أن يتثبت المسلم من كل خبر أو ظاهرة قبل الحكم
عليها، وإن من الظلم والاعتداء الحكم على أمر بمجرد الظنون والأوهام، والله عز و
جل يقول: ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ
وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً﴾ الإسراء،
فالإنسان مسئول عن سمعه وبصره وفؤاده أمام الله عز و جل، فلا تتبع ما لم تعلمه علم
اليقين، وما لم تتثبت من صحته من قول يقال أو رواية تروى أو غير ذلك، والله عز و
جل يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ
إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ﴾. ويقول سبحانه وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا
بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾ الحجرات.
عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: من عرض له قضاء فليقض بما في كتاب الله، فإن
جاءه أمر ليس في كتاب الله- عزّ وجلّ- فليقض بما قضى به النّبيّ صلّى الله عليه
وسلّم، فإن جاءه أمر ليس في كتاب الله- عزّ وجلّ- ولم يقض به نبيّه صلّى الله عليه
وسلّم فليقض بما قاله الصّالحون، فإن جاءه أمر ليس في كتاب الله ولم يقض به نبيّه
صلّى الله عليه وسلّم ولم يقض به الصّالحون، فليجتهد رأيه، فإن لم يحسن فليقرّ،
ولا يستحي) ([31])
قال الغزاليّ- رحمه الله تعالى-: «إنّ حظّ العبد من العدل أمر ظاهر لا يخفى،
فأوّل شيء يجب عليه من العدل في صفات نفسه أن يجعل الشّهوة والغضب أسيرين تحت
إشارة العقل والدّين، فإنّه لو جعل العقل خادما للشّهوة والغضب فقد ظلمه، هذا في
الجملة، أمّا تفصيلات ما يجب عليه في العدل في نفسه فمراعاة حدود الشّرع كلّها،
وإنّ عدله في كلّ عضو أنّه يستعمله على الوجه الّذي أذن الشّرع فيه، وأمّا عدله في
أهله وذويه فأمر ظاهر يدلّ عليه العقل الّذي وافقه الشّرع، وأمّا إن كان من أهل
الولاية فإنّ العدل في الرّعيّة من أوجب واجباته» ([32])
خامسًا:
النهي عن الظلم
النهي عن اتباع
الهوى والميل عن العدل: قال تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ
شُهَداءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ
وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلى بِهِما فَلا
تَتَّبِعُوا الْهَوى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ
كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (135)﴾ النساء.
حرمة الظلم: عن صفوان بن سليم
عن عدة من أبناء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن آبائهم عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال: ﴿ ألا من ظلم معاهدا أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئا بغير
طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة﴾([33])
أي : خصمه ومحاجه ومغالبه بإظهار الحجج عليه ، والحجة الدليل والبرهان.
وقوع العذاب
عليهم: قال تعالى: ﴿ فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ
لَهُمْ فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا
يَفْسُقُونَ (59)﴾ البقرة
لا يهديهم الله
ولا يحبهم: قال تعالى: ﴿ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (258)﴾
البقرة ، قال تعالى: ﴿ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (57)﴾
آل عمران
الظلم ظلمات يوم
القيامة: عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه
وسلم- قَالَ « اتَّقُوا الظُّلْمَ فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
وَاتَّقُوا الشُّحَّ فَإِنَّ الشُّحَّ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَمَلَهُمْ عَلَى
أَنْ سَفَكُوا دِمَاءَهُمْ وَاسْتَحَلُّوا مَحَارِمَهُمْ » ([34]).
هو المفلس
الخاسر يوم القيامة: عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ
« أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ ». قَالُوا الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لاَ دِرْهَمَ لَهُ
وَلاَ مَتَاعَ. فَقَالَ « إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِى يَأْتِى يَوْمَ الْقِيَامَةِ
بِصَلاَةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِى قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ
مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ
وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ
أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِى النَّارِ»([35]).
وصلِّ اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
إعداد: الشيخ احمد أبو عيد
01098095854
[1])) متفق عليه
[2])) صحيح
البخاري
[6])) صحيح
البخاري
[7])) صحيح
البخاري
[8])) مشكاة
المصابيح
[9])) صحيح مسلم
[10])) صحيح سنن
أبي داوود
[11])) متفق عليه
[13])) شرح مسلم للنووي
[14])) أدب الدنيا
والدين
[15])) متفق عليه
[16])) صحيح
البخاري
[17])) متفق عليه
[19])) السلسلة
الصحيحة
[20])) السلسلة
الصحيحة
[22])) مشكاة
المصابيح
[23])) تفسير
القرطبي
[27])) صحيح سنن
أبي داوود
[28])) صحيح مسلم
[29])) صحيح
البخاري
[30])) الإرواء
للألباني
[31])) نضرة
النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم
[32])) المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى للغزالي