الشهامة والمروءة د- محمد عامر
المقدمة
الحَمْدُ للهِ ربِّ العالَمين، حَلَّى عِبَادَه المُؤمِنينَ بِالفَضَائِلِ، وخَلاَّهُم عَنِ الرَّذائِلِ، سُبْحَانَه العَلِيم الخَلاَّق، يُحِبُّ مَكَارِمَ الأَخْلاقِ، ويَفْتَحُ لِلحُصُولِ عَلَيْها بابَ التَّنَافُسِ وَالسِّباقِ، أَحْمَدُه تَعالَى بِما هُوَ لَهُ أَهلٌ مِنَ الحَمْدِ وأُثْنِي عَلَيهِ، وأُومِنُ بِهِ وأَتَوَكَّلُ عَلَيهِ، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ ومَنْ يُضلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَنَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ، وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، حَازَ مِنَ الأَخْلاَقِ أَزكَاها وأَفْضلَها، ومِنَ الصِّفَاتِ أَجْمَلَها وأَنبلَها، ومِنَ الأَعْمَالِ أَوْسَطَها وأَعْدَلَها، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عليه وَعَلَى آلِهِ وأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ، والتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ.
أَمَّا بَعْدُ:
النخوة والشهامة في الكتاب الكريم والسنة الشريفة:
أولًا: في القرآن الكريم:
قال تعالى: ﴿ وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ * فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ﴾ [القصص: 23، 24).
قال ابن عطية: (استِعمال السؤال بالخَطْب إنما هو في مصاب، أو مضطهد، أو مَن يشفق عليه، أو يأتي بمنكرٍ من الأمر، فكأنه بالجملة في شرٍّ فأخبرتاه بخبرهما).
قال الحجازي: (فثار موسى، وتحرَّكَت فيه عوامل الشَّهامة والرجولة، وسقى لهما، وأدلى بدلوه بين دلاء الرِّجال حتى شربَت ماشيتهما).
وقال سبحانه: ﴿ وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴾ [النساء: 104).
قال السعدي: (ذكَر سبحانه ما يقوِّي قلوبَ المؤمنين، فذكر شيئين؛ الأول: أنَّ ما يصيبكم من الألَم والتعَب والجراح ونحو ذلك فإنَّه يصيب أعداءكم، فليس من المروءة الإنسانيَّة والشهامةِ الإسلامية أن تكونوا أضعف منهم، وأنتم وإياهم قد تساويتم فيما يوجب ذلك؛ لأنَّ العادة الجارية: لا يَضعُف إلَّا من توالَت عليه الآلام، وانتصر عليه الأعداء على الدوام، لا مَن يُدال مرة، ويُدال عليه أخرى).
ثانيًا: في السنة النبوية:
عن أنس رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسَنَ النَّاس، وأجودَ الناس، وأشجَعَ النَّاس، قال: وقد فَزع أهلُ المدينة ليلة سمعوا صوتًا، قال: فتلقَّاهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم على فرس لأبي طلحة عُرْيٍ، وهو متقلِّد سيفَه، فقال: ((لم تراعوا، لم تراعوا))، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((وجدته بحرًا))؛ يعني: الفرس".
الحَمْدُ للهِ ربِّ العالَمين، حَلَّى عِبَادَه المُؤمِنينَ بِالفَضَائِلِ، وخَلاَّهُم عَنِ الرَّذائِلِ، سُبْحَانَه العَلِيم الخَلاَّق، يُحِبُّ مَكَارِمَ الأَخْلاقِ، ويَفْتَحُ لِلحُصُولِ عَلَيْها بابَ التَّنَافُسِ وَالسِّباقِ، أَحْمَدُه تَعالَى بِما هُوَ لَهُ أَهلٌ مِنَ الحَمْدِ وأُثْنِي عَلَيهِ، وأُومِنُ بِهِ وأَتَوَكَّلُ عَلَيهِ، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ ومَنْ يُضلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَنَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ، وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، حَازَ مِنَ الأَخْلاَقِ أَزكَاها وأَفْضلَها، ومِنَ الصِّفَاتِ أَجْمَلَها وأَنبلَها، ومِنَ الأَعْمَالِ أَوْسَطَها وأَعْدَلَها، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عليه وَعَلَى آلِهِ وأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ، والتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ.
أَمَّا بَعْدُ:
النخوة والشهامة في الكتاب الكريم والسنة الشريفة:
أولًا: في القرآن الكريم:
قال تعالى: ﴿ وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ * فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ﴾ [القصص: 23، 24).
قال ابن عطية: (استِعمال السؤال بالخَطْب إنما هو في مصاب، أو مضطهد، أو مَن يشفق عليه، أو يأتي بمنكرٍ من الأمر، فكأنه بالجملة في شرٍّ فأخبرتاه بخبرهما).
قال الحجازي: (فثار موسى، وتحرَّكَت فيه عوامل الشَّهامة والرجولة، وسقى لهما، وأدلى بدلوه بين دلاء الرِّجال حتى شربَت ماشيتهما).
وقال سبحانه: ﴿ وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴾ [النساء: 104).
قال السعدي: (ذكَر سبحانه ما يقوِّي قلوبَ المؤمنين، فذكر شيئين؛ الأول: أنَّ ما يصيبكم من الألَم والتعَب والجراح ونحو ذلك فإنَّه يصيب أعداءكم، فليس من المروءة الإنسانيَّة والشهامةِ الإسلامية أن تكونوا أضعف منهم، وأنتم وإياهم قد تساويتم فيما يوجب ذلك؛ لأنَّ العادة الجارية: لا يَضعُف إلَّا من توالَت عليه الآلام، وانتصر عليه الأعداء على الدوام، لا مَن يُدال مرة، ويُدال عليه أخرى).
ثانيًا: في السنة النبوية:
عن أنس رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسَنَ النَّاس، وأجودَ الناس، وأشجَعَ النَّاس، قال: وقد فَزع أهلُ المدينة ليلة سمعوا صوتًا، قال: فتلقَّاهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم على فرس لأبي طلحة عُرْيٍ، وهو متقلِّد سيفَه، فقال: ((لم تراعوا، لم تراعوا))، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((وجدته بحرًا))؛ يعني: الفرس".
قال القرطبي: (في
هذا الحديث ما يدلُّ على أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان قد جمع له من جودة
ركوب الخيل، والشَّجاعَة، والشهامة، والانتهاض الغائي في الحروب، والفروسية
وأهوالها - ما لم يكن عند أحدٍ من النَّاس، ولذلك قال أصحابه عنه: إنه كان أشجَعَ
الناس، وأجرأ الناس في حال الباس، ولذلك قالوا: إنَّ الشجاع منهم كان الذي يلوذ
بجنابه إذا التحمَت الحروبُ، وناهيك به؛ فإنَّه ما ولَّى قطُّ منهزمًا، ولا تحدَّث
أحد عنه قطُّ بفرار(.
وعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: "إنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لمَّا رأى مِن الناس إدبارًا، قال: ((اللهمَّ سبع كسَبعِ يوسف))، فأخذَتهم سنَةٌ حصت كلَّ شيء، حتى أكلوا الجلودَ والميتة والجِيَفَ، وينظر أحدهم إلى السماء، فيرى الدُّخانَ من الجوع، فأتاه أبو سفيان، فقال: يا محمد، إنَّك تأمر بطاعة الله، وبصِلَة الرَّحِم، وإنَّ قومك قد هلكوا، فادع الله لهم".
قال ابن حجر: (قوله: فقيل: يا رسولَ الله استَسْقِ اللهَ لِمُضَر؛ فإنَّها قد هلكَت، إنَّما قال لمضر؛ لأنَّ غالبهم كان بالقرب من مياه الحِجاز، وكان الدعاء بالقحط على قريش وهم سكَّان مكة فسرى القحط إلى من حولهم، فحسن أن يطلب الدعاءَ لهم، ولعلَّ السائل عدل عن التعبير بقريش؛ لئلَّا يذكرهم فيذكِّر بجرمهم، فقال: لِمُضر؛ ليندرجوا فيهم، ويشير أيضًا إلى أنَّ غير المدعو عليهم قد هلَكوا بجريرتهم، وقد وقع في الرِّواية الأخيرة: وإنَّ قومك هلكوا، ولا منافاة بينهما؛ لأنَّ مُضَر أيضًا قومه، وقد تقدَّم في المناقب أنه صلى الله عليه وسلم كان من مُضَر، قوله: فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لمضر: ((إنَّك لجريء))، أي: أتأمرني أن أستسقي لمضر مع ما هم عليه من المعصية والإشراكِ به(.
وعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: "إنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لمَّا رأى مِن الناس إدبارًا، قال: ((اللهمَّ سبع كسَبعِ يوسف))، فأخذَتهم سنَةٌ حصت كلَّ شيء، حتى أكلوا الجلودَ والميتة والجِيَفَ، وينظر أحدهم إلى السماء، فيرى الدُّخانَ من الجوع، فأتاه أبو سفيان، فقال: يا محمد، إنَّك تأمر بطاعة الله، وبصِلَة الرَّحِم، وإنَّ قومك قد هلكوا، فادع الله لهم".
قال ابن حجر: (قوله: فقيل: يا رسولَ الله استَسْقِ اللهَ لِمُضَر؛ فإنَّها قد هلكَت، إنَّما قال لمضر؛ لأنَّ غالبهم كان بالقرب من مياه الحِجاز، وكان الدعاء بالقحط على قريش وهم سكَّان مكة فسرى القحط إلى من حولهم، فحسن أن يطلب الدعاءَ لهم، ولعلَّ السائل عدل عن التعبير بقريش؛ لئلَّا يذكرهم فيذكِّر بجرمهم، فقال: لِمُضر؛ ليندرجوا فيهم، ويشير أيضًا إلى أنَّ غير المدعو عليهم قد هلَكوا بجريرتهم، وقد وقع في الرِّواية الأخيرة: وإنَّ قومك هلكوا، ولا منافاة بينهما؛ لأنَّ مُضَر أيضًا قومه، وقد تقدَّم في المناقب أنه صلى الله عليه وسلم كان من مُضَر، قوله: فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لمضر: ((إنَّك لجريء))، أي: أتأمرني أن أستسقي لمضر مع ما هم عليه من المعصية والإشراكِ به(.
فالنبيُّ صلى الله
عليه وسلم رغم عداوة قريش وإيذائها للمؤمنين، لمَّا جاءه أبو سفيان يطلب منه
الاستِسقاء لم يرفض؛ لحُسنِ خلُقه، وشهامته، ورغبته في هِدايتهم؛ فإنَّ الشَّهامة
ومكارم الأخلاق مع الأعداء لها أثَرٌ كبير في ذهاب العداوة، أو تخفيفها.
الوسائل المعينة
على اكتساب صفة الشهامة:
1- الصبر:
قال الرَّاغب الأصفهاني: (الصَّبر يزيل الجزع، ويورِث الشَّهامة المختصَّة بالرجوليَّة(
2- الشَّجاعَة.
3- علو الهمة وشرف النفس.
فــ (مِن سجايا الإسلام التحلِّي بكبر الهمَّة، مركز السَّالِب والموجب في شخصِك، الرَّقيب على جوارحك، كبر الهمَّة يجلب لك بإذن الله خيرًا غير مَجذوذ؛ لترقى إلى درجات الكمال، فيجري في عروقك دمُ الشهامة، والرَّكض في ميدان العلم والعمل، فلا يراك الناس واقفًا إلَّا على أبواب الفضائل، ولا باسطًا يديك إلَّا لمهمَّات الأمور).
4- العدل والإنصاف.
5- مصاحبة ذوي الشهامة والنجدة.
6- الإيمان بالقضاء والقدر:
فــ (مِن ثمرات الإيمان بالقضاء والقدر: أنَّه يَدفع الإنسانَ إلى العمل والإنتاج، والقوَّةِ والشهامة؛ فالمجاهِد في سبيل الله يمضي في جهاده ولا يهاب الموتَ؛ لأنه يعلم أنَّ الموت لا بد منه، وأنه إذا جاء لا يؤخَّر، لا يَمنع منه حصونٌ ولا جنود، قال تعالى: ﴿ أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ ﴾ [النساء: 78]، وقال سبحانه: ﴿ قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ ﴾ [آل عمران: 154]، وهكذا حينما يَستشعر المجاهِد هذه الدفعات القويَّة من الإيمان بالقدر، يمضي في جهاده حتى يتحقَّق النَّصر على الأعداء، وتتوفَّر القوَّة للإسلام والمسلمين).
نماذج من حياة النبيِّ صلى الله عليه وسلم:
كان للنبيِّ صلى الله عليه وسلم النَّصيبُ الأوفى من هذه الصِّفة، فكان صلوات الله وسلامه عليه أحسَنَ النَّاس، وأجودَ الناس، وأشجع الناس، قال: وقد فَزع أهلُ المدينة ليلة سمعوا صوتًا، قال: فتلقَّاهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم على فرَس لأبي طلحة عري، وهو متقلِّد سيفه، فقال: ((لم تراعوا، لم تراعوا))، ثمَّ قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((وجدتُه بحرًا))؛ يعني: الفرس.
وعن أبي إسحاق قال سأل رجل البراءَ رضي الله عنه، فقال: يا أبا عمارة أَوَلَّيتم يوم حنين؟ قال البراء وأنا أسمع: أما رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لم يُوَلِّ يومئذٍ، كان أبو سفيان بن الحارث آخذًا بعنان بغلته، فلمَّا غشيه المشركون نزل، فجعل يقول: ((أنا النبيُّ لا كَذِب، أنا ابن عبدالمطَّلب)).
وغيرها من الآثار التي تدلُّ على شهامة المصطفى صلى الله عليه وسلم.
نماذج من الصحابة رضي الله عنهم في الشهامة:
• عن عبدالرحمن بن عوف قال: (إنِّي لفي الصفِّ يوم بدر؛ إذ التفتُّ فإذا عن يميني وعن يساري فَتَيان حديثا السنِّ، فكأني لم آمَن بمكانهما؛ إذ قال لي أحدُهما سرًّا مِن صاحبه: يا عم، أرِني أبا جهل، فقلتُ: يا بن أخي، وما تصنع به؟ قال: عاهدتُ اللهَ إن رأيتُه أن أقتله، أو أموت دونه، فقال لي الآخر سرًّا من صاحبه مثله، فما سرَّني أني بين رجلين مكانهما، فأشرتُ لهما إليه، فشدَّا عليه مثل الصَّقرين حتى ضرباه، وهما ابنا عفراء).
قال ابن حجر: (قوله الصَّقرين، شبَّهَهما به لِما اشتهر عنه من الشَّجاعَة، والشَّهامة، والإقدام على الصَّيد، ولأنَّه إذا تشبَّث بشيء لم يفارِقه حتى يأخذه).
• وعن أسلم مولى عمر قال: (خرجتُ مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى السوق، فلحقَت عمرَ امرأةٌ شابَّة، فقالت: يا أمير المؤمنين، هلك زوجي وترك صبيةً صغارًا، والله ما ينضجون كراعًا، ولا لهم زرع ولا ضَرْع، وخشيتُ أن تأكلهم الضَّبُع، وأنا بنتُ خفاف بن إيماء الغفاري، وقد شهِد أبي الحديبية مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فوقف معها عمر ولم يمضِ، ثمَّ قال: مرحبًا بنسَبٍ قريب، ثمَّ انصرف إلى بعير ظهير كان مربوطًا في الدار، فحمل عليه غرارتين ملأهما طعامًا، وحمل بينهما نفقة وثيابًا، ثمَّ ناولها بخطامه، ثمَّ قال: اقتاديه، فلن يفنى حتى يأتيكم اللهُ بخير، فقال رجل: يا أمير المؤمنين، أكثرتَ لها؟ قال عمر: ثكلتك أمُّك، والله إنِّي لأرى أبا هذه وأخاها، قد حاصرا حصنًا زمانًا فافتتحاه، ثمَّ أصبحنا نستفيء سهمانهما فيه).
1- الصبر:
قال الرَّاغب الأصفهاني: (الصَّبر يزيل الجزع، ويورِث الشَّهامة المختصَّة بالرجوليَّة(
2- الشَّجاعَة.
3- علو الهمة وشرف النفس.
فــ (مِن سجايا الإسلام التحلِّي بكبر الهمَّة، مركز السَّالِب والموجب في شخصِك، الرَّقيب على جوارحك، كبر الهمَّة يجلب لك بإذن الله خيرًا غير مَجذوذ؛ لترقى إلى درجات الكمال، فيجري في عروقك دمُ الشهامة، والرَّكض في ميدان العلم والعمل، فلا يراك الناس واقفًا إلَّا على أبواب الفضائل، ولا باسطًا يديك إلَّا لمهمَّات الأمور).
4- العدل والإنصاف.
5- مصاحبة ذوي الشهامة والنجدة.
6- الإيمان بالقضاء والقدر:
فــ (مِن ثمرات الإيمان بالقضاء والقدر: أنَّه يَدفع الإنسانَ إلى العمل والإنتاج، والقوَّةِ والشهامة؛ فالمجاهِد في سبيل الله يمضي في جهاده ولا يهاب الموتَ؛ لأنه يعلم أنَّ الموت لا بد منه، وأنه إذا جاء لا يؤخَّر، لا يَمنع منه حصونٌ ولا جنود، قال تعالى: ﴿ أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ ﴾ [النساء: 78]، وقال سبحانه: ﴿ قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ ﴾ [آل عمران: 154]، وهكذا حينما يَستشعر المجاهِد هذه الدفعات القويَّة من الإيمان بالقدر، يمضي في جهاده حتى يتحقَّق النَّصر على الأعداء، وتتوفَّر القوَّة للإسلام والمسلمين).
نماذج من حياة النبيِّ صلى الله عليه وسلم:
كان للنبيِّ صلى الله عليه وسلم النَّصيبُ الأوفى من هذه الصِّفة، فكان صلوات الله وسلامه عليه أحسَنَ النَّاس، وأجودَ الناس، وأشجع الناس، قال: وقد فَزع أهلُ المدينة ليلة سمعوا صوتًا، قال: فتلقَّاهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم على فرَس لأبي طلحة عري، وهو متقلِّد سيفه، فقال: ((لم تراعوا، لم تراعوا))، ثمَّ قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((وجدتُه بحرًا))؛ يعني: الفرس.
وعن أبي إسحاق قال سأل رجل البراءَ رضي الله عنه، فقال: يا أبا عمارة أَوَلَّيتم يوم حنين؟ قال البراء وأنا أسمع: أما رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لم يُوَلِّ يومئذٍ، كان أبو سفيان بن الحارث آخذًا بعنان بغلته، فلمَّا غشيه المشركون نزل، فجعل يقول: ((أنا النبيُّ لا كَذِب، أنا ابن عبدالمطَّلب)).
وغيرها من الآثار التي تدلُّ على شهامة المصطفى صلى الله عليه وسلم.
نماذج من الصحابة رضي الله عنهم في الشهامة:
• عن عبدالرحمن بن عوف قال: (إنِّي لفي الصفِّ يوم بدر؛ إذ التفتُّ فإذا عن يميني وعن يساري فَتَيان حديثا السنِّ، فكأني لم آمَن بمكانهما؛ إذ قال لي أحدُهما سرًّا مِن صاحبه: يا عم، أرِني أبا جهل، فقلتُ: يا بن أخي، وما تصنع به؟ قال: عاهدتُ اللهَ إن رأيتُه أن أقتله، أو أموت دونه، فقال لي الآخر سرًّا من صاحبه مثله، فما سرَّني أني بين رجلين مكانهما، فأشرتُ لهما إليه، فشدَّا عليه مثل الصَّقرين حتى ضرباه، وهما ابنا عفراء).
قال ابن حجر: (قوله الصَّقرين، شبَّهَهما به لِما اشتهر عنه من الشَّجاعَة، والشَّهامة، والإقدام على الصَّيد، ولأنَّه إذا تشبَّث بشيء لم يفارِقه حتى يأخذه).
• وعن أسلم مولى عمر قال: (خرجتُ مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى السوق، فلحقَت عمرَ امرأةٌ شابَّة، فقالت: يا أمير المؤمنين، هلك زوجي وترك صبيةً صغارًا، والله ما ينضجون كراعًا، ولا لهم زرع ولا ضَرْع، وخشيتُ أن تأكلهم الضَّبُع، وأنا بنتُ خفاف بن إيماء الغفاري، وقد شهِد أبي الحديبية مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فوقف معها عمر ولم يمضِ، ثمَّ قال: مرحبًا بنسَبٍ قريب، ثمَّ انصرف إلى بعير ظهير كان مربوطًا في الدار، فحمل عليه غرارتين ملأهما طعامًا، وحمل بينهما نفقة وثيابًا، ثمَّ ناولها بخطامه، ثمَّ قال: اقتاديه، فلن يفنى حتى يأتيكم اللهُ بخير، فقال رجل: يا أمير المؤمنين، أكثرتَ لها؟ قال عمر: ثكلتك أمُّك، والله إنِّي لأرى أبا هذه وأخاها، قد حاصرا حصنًا زمانًا فافتتحاه، ثمَّ أصبحنا نستفيء سهمانهما فيه).
• وعن سلمة بن الأكوع قال: "بعث رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بظهره
مع رباح غلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا معه، وخرجتُ معه بفرَسِ طلحة
أنديه مع الظهر، فلمَّا أصبحنا إذا عبدالرحمن الفزاري قد أغار على ظَهْر رسول الله
صلى الله عليه وسلم، فاستاقه أجمَع، وقتل راعيه، قال: فقلتُ: يا رباح، خذ هذا
الفرَس فأبلغه طلحة بن عبيدالله، وأخبِر رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أنَّ
المشركين قد أغاروا على سرحه، قال: ثم قمتُ على أكَمَةٍ، فاستقبلتُ المدينةَ،
فناديتُ ثلاثًا: يا صباحاه، ثمَّ خرجتُ في آثار القوم أرميهم بالنبل وأرتجز، أقول:
أنا ابن الأكوع، واليوم يوم الرُّضَّع، فألحق رجلًا منهم فأصك سهمًا في رحله، حتى
خلص نصل السَّهم إلى كتفه، قال: قلتُ: خذها وأنا ابن الأكوع واليوم يوم الرُّضَّع،
قال: فوالله ما زلتُ أرميهم وأعقر بهم، فإذا رجع إليَّ فارس أتيتُ شجرة، فجلستُ في
أصلها، ثمَّ رميته فعقرت به، حتى إذا تضايق الجبَل، فدخلوا في تَضايُقِه، علوتُ
الجبَلَ فجعلتُ أُرَدِّيهم بالحجارة، قال: فما زلتُ كذلك أتبعهم حتى ما خلق الله
من بعير من ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلَّا خلفتُه وراءَ ظهري، وخلوا بيني
وبينه، ثمَّ اتبعتهم أرميهم حتى ألقوا أكثرَ من ثلاثين بردةً، وثلاثين رمحًا،
يستخِفُّون، ولا يطرحون شيئًا إلَّا جعلتُ عليه آرامًا من الحجارة يعرفها رسولُ
الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، حتى أتوا متضايقًا من ثنيَّة، فإذا هم قد أتاهم
فلان بن بدر الفزاري، فجلسوا يتَضَحَّون - يعني يتغَدَّون - وجلستُ على رأس قرن،
قال الفزاري: ما هذا الذي أرى؟ قالوا: لقينا من هذا البَرْح، واللهِ ما فارَقَنا
منذ غلس يرمينا حتى انتزع كلَّ شيء في أيدينا، قال: فليقم إليه نفرٌ منكم أربعة،
قال: فصعد إليَّ منهم أربعة في الجبل، قال: فلمَّا أمكنوني من الكلام، قال: قلتُ:
هل تعرفوني؟ قالوا: لا، ومَن أنت؟ قال: قلتُ: أنا سلمة بن الأكوع، والذي كرَّم وجه
محمد صلى الله عليه وسلم، لا أطلب رجلًا منكم إلَّا أدركتُه، ولا يطلبني رجلٌ منكم
فيدركني، قال أحدهم: أنا أظنُّ، قال: فرجعوا، فما برحتُ مكاني حتى رأيتُ فوارسَ
رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخلَّلون الشجر، قال: فإذا أولهم الأخرم الأسدي،
على إثره أبو قتادة الأنصاري، وعلى إثره المقداد بن الأسود الكندي، قال: فأخذتُ
بعنان الأخرم، قال: فولَّوا مدبرين، قلت: يا أخرم، احذرهم لا يقتطعوك حتى يلحق
رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، قال: يا سلمة، إن كنتَ تؤمن بالله واليوم
الآخِر، وتعلم أنَّ الجنة حقٌّ، والنار حقٌّ، فلا تَحُل بيني وبين الشهادة، قال:
فخلَّيتُه، فالتقى هو وعبدالرحمن، قال: فعقر بعبدالرحمن فرسه، وطعنه عبدالرحمن
فقتلَه، وتحوَّل على فرسه ولحق أبو قتادة فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم
بعبدالرحمن، فطعنه فقتله، فوالذي كرَّم وجه محمد صلى الله عليه وسلم، لتبعتُهم
أعدو على رِجلي حتى ما أرى ورائي مِن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، ولا غبارهم
شيئًا حتى يَعدلوا قبل غروب الشمس إلى شِعْبٍ فيه ماء يقال له: ذو قَرَد ليشربوا
منه وهم عطاش، قال: فنظروا إليَّ أعدو وراءهم، فخلَّيتهم عنه - يعني أجليتُهم عنه
- فما ذاقوا منه قطرةً، قال: ويخرجون فيشتدون في ثنيَّة، قال: فأعدو فألحق رجلًا
منهم، فأصكُّه بسهمٍ في نُغْض كتفه، قال: قلتُ: خذها وأنا ابن الأكوع واليوم يوم
الرُّضَّع، قال: يا ثكلَته أمُّه، أكوعُه بُكرة؟ قال: قلتُ: نعم يا عدوَّ نفسه،
أكوعك بُكرة، قال: وأردوا فرسين على ثنيَّة، قال: فجئتُ بهما أسوقهما إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم، قال: ولَحقني عامر بسَطيحَةٍ فيها مذقة من لبن، وسطيحة
فيها ماء، فتوضَّأتُ وشربتُ، ثمَّ أتيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وهو على
الماء الذي حلَّأتُهم عنه، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أخذ تلك الإبل،
وكلَّ شيء استنقذتُه من المشركين، وكلَّ رمحٍ وبردة، وإذا بلال نحَر ناقةً من
الإبل الذي استنقذتُ من القوم، وإذا هو يشوي لرسول الله صلى الله عليه وسلم من
كبدها وسنامها، قال: قلتُ: يا رسولَ الله، خلِّني فأنتخب من القوم مائة رجل فأتبع
القومَ، فلا يبقى منهم مُخبِرٌ إلَّا قتلتُه، قال: فضحك رسولُ الله صلى الله عليه
وسلم حتى بدَت نواجذُه في ضوء النَّار، فقال: ((يا سلَمة، أتراك كنتَ فاعِلًا؟))،
قلتُ: نعم، والذي أكرمك، فقال: ((إنَّهم الآن ليُقرَون في أرض غطفان))، قال: فجاء
رجلٌ من غطفان، فقال: نحر لهم فلانٌ جزورًا، فلمَّا كشفوا جلدَها رأوا غبارًا،
فقالوا: أتاكم القوم، فخرجوا هاربين، فلمَّا أصبَحنا قال رسولُ الله صلى الله عليه
وسلم: ((كان خيرَ فرساننا اليومَ أبو قتادة، وخيرَ رجَّالتنا سلمة))، قال: ثمَّ
أعطاني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم سهمين: سهم الفارِس، وسهم الرَّاجِل،
فجمعهما لي جميعًا، ثمَّ أردفني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وراءه على العَضباء
راجعين إلى المدينة".
• حادثة تبيِّن لنا شهامةَ عثمان بن طلحة رضي الله عنه، تقول أمُّ سلمة
رضي الله عنها: "... وانطلق زوجي أبو سلمة إلى المدينة، قالت: ففرّق بيني
وبين زوجي وبين ابني، قالت: فكنتُ أخرج كلَّ غداة فأجلس بالأبطح، فما أزال أبكي
حتى أمسي سنةً أو قريبًا منها، حتى مرَّ بي رجلٌ من بني عمِّي أحد بني المغيرة،
فرأى ما بي فرحمني، فقال لبني المغيرة: ألا تُخرِجون هذه المسكينة، فرَّقتم بينها
وبين زوجها وبين ولدها، قالت: فقالوا: الحقي بزوجك إن شئتِ، قالت: وردَّ بنو
عبدالأسد إليَّ عند ذلك ابني، قالت: فارتحلتُ بعيري ثمَّ أخذتُ ابني فوضعتُه في
حجري، ثمَّ خرجتُ أريد زوجي بالمدينة، قالت: وما معي أحدٌ مِن خلق الله، قالت:
قلتُ: أتبلَّغ بمن لقيتُ حتى أقدم على زوجي، حتى إذا كنتُ بالتنعيم لقيتُ عثمانَ
بن طلحة بن أبي طلحة أخا بني عبدالدار، فقال: أين يا بنت أبي أميَّة؟ قالت: أريد
زوجي بالمدينة، قال: أوما معك أحد؟ قلتُ: لا والله إلَّا الله وابني هذا، قال:
والله ما لك من مَتْرَكٍ، فأخذ بخطام البعير فانطلق معي يهوي به، فوالله ما صحبتُ
رجلًا من العرب قط أرى أنَّه كان أكرمَ منه، كان إذا بلغ المنزل أناخ بي ثمَّ
استأخر عنِّي، حتى إذا نزلنا استأخر ببعيري فحطَّ عنه، ثمَّ قيَّده في الشجرة، ثم
تنحَّى إلى شجرة فاضطجع تحتها، فإذا دنا الرواح قام إلى بعيري فقدمه فرحله، ثمَّ
استأخر عنِّي، فقال: اركبي، فإذا ركبتُ فاستويتُ على بعيري أتى فأخذ بخطامه فقاد
بي حتى ينزل بي، فلم يزل يَصنع ذلك بي حتى أقدمني المدينة، فلمَّا نظر إلى قرية
بني عمرو بن عوف بقباء قال: زوجك في هذه القرية - وكان أبو سلمة بها نازلًا -
فادخليها على برَكة الله، ثمَّ انصرف راجعًا إلى مكَّة، قال: وكانت تقول: ما أعلم
أهلَ بيتٍ في الإسلام أصابهم ما أصاب آلَ أبي سلمة، وما رأيتُ صاحبًا قط كان أكرمَ
من عثمان بن طلحة".
أقول قولي هذا وأستغفر الله
الخطبة الثانية
أقول قولي هذا وأستغفر الله
الخطبة الثانية
مروءة النبي (صلى
الله عليه وسلم)
نضرب مثلاً واحدًا،
ولكنه عظيم؛ للإشارة إلى مروءة النبي -صلى الله عليه وسلم- فقد أرسل سرية إلى نجد،
فأسَرَتْ رجلاً، وأتت به إلى مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيسأله رسول
الله -صلى الله عليه وسلم- عمَّا عنده لعله يُسلم، فيجيب الرجل بثباتٍ وإصرار بغير
ذلك؛ فتتجلَّى مروءةُ النبي -صلى الله عليه وسلم- بعدما رأى من ثبات الرجل وتمسكه،
فأمر بإطلاق سراحه، فما كان من الرجل إلا أن أسلم لمَّا عاين من هذه الشمائل
والصفات للنبي - صلى الله عليه وسلم.
ويروي لنا أبو
هريرة - رضي الله عنه - هذا الموقف الجليل، قال: بعث النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-
خيلاً قِبَل نجد، فجاءت برجل من بني حَنيفة يقال له: ثُمامة بن أثال، فربطوه
بساريةٍ من سواري المسجد، فخرج النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((ما عندك يا
ثمامة؟)) فقال: عندي خيرٌ يا محمد، إن تقتلْني تقتلْ ذا دمٍ - أي: سيثأر له قومه -
وإن تُنْعم تنعم على شاكر، وإن كنت تريد المال، فسَلْ منه ما شئت، فتُرك حتى كان
الغد، ثم قال له: ((ما عندك يا ثمامة؟)) فقال: عندي ما قلتُ لك، إن تُنْعم تنعم
على شاكر، فتركه حتى كان بعد الغد، فقال: ((ما عندك يا ثمامة؟))، فقال: عندي ما
قلت لك، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أطلقوا ثمامة))، فانطلق إلى نخلٍ
قريب من المسجد، فاغتسل، ثم دخل المسجد فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا
رسول الله، يا محمد، والله ما كان على الأرض وجهٌ أبغض إليَّ من وجهك، فقد أصبح
وجهك أحبَّ الوجوه إليَّ، والله ما كان من دين أبغض إلي من دينك، فأصبح دينُك
أحبَّ الدين إلي، والله ما كان من بلد أبغض إليَّ من بلدك، فأصبح بلدُك أحبَّ
البلاد إلي، وإن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة، فماذا ترى؟ فبشَّره رسولُ الله
-صلى الله عليه وسلم- وأمره أن يعتمر، فلما قدم مكة قال له قائل: صبوتَ؟ قال: لا،
ولكن أسلمت مع محمد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا والله لا يأتيكم من
اليمامة حبةُ حِنطة (قمح) حتى يأذن فيها رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم[1].
فانظر إلى هذا
الرجل الذي دخل الإسلام بفضل الله، ثم بمروءة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
القدوة والقمة السامقة في المروءة، ولاحظ أنه لم يُكرَهْ على ذلك، ثم انظر سرعان
ما تحول إلى محب ومطيع وجندي من جنود الإسلام بعد أن كان مبغضًا ومعاندًا.