كن متفائلا فى حياتك للشيخ محمود رضا تمراز
بسم الله الرحمن الرحيم
كُـــنْ مُتفَائِلاً فِي حَياتِكَ
الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، جَعَلَ
التَّفاؤلَ فِي الحَياةِ مِنْ شِيَمِ المُتَّقِينَ، وسَبِيلاً لِلسَّعادَةِ والفَلاَحِ
فِي الدَّارَيْنِ، أَحْمَدُهُ سُبْحانَهُ بِما هُوَ لَهُ أَهلٌ مِنَ الحَمْدِ وأُثْنِي
عَلَيْهِ وأُومِنُ بِهِ وأَتَوكَّلُ عَلَيْهِ، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ
ومَنْ يُضلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَنَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ
لاَ شَرِيْكَ لَهُ، وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُ اللهِ
وَرَسُولُهُ، أَحْسَنَ الظَّنَّ بِرَبِّهِ وصَبَرَ عَلَى المِحَنِ والشَّدائِدِ، -صلى
الله عليه وسلم- وَعَلَى آلِهِ وَصَحْابِهِ أَجمَعِينَ والتَّابِعينَ لَهُمْ بإِحْسانٍ
إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ. أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ :
أُوصِيكُم ونَفْسِي بِتَقوى اللهِ تَعالَى،
فَإِنَّها سَبَبٌ لِتَحقِيقِ المَرْغُوبِ، وانْدِفاعِ المَرْهُوبِ، وتَبْدِيدِ الكُروبِ،
وبَسْطِ الأَرزاقِ، ودُخولِ جَنَّةِ الكَرِيمِ الخَلاَّقِ، قَالَ تَعالَى: ((وَمَنْ
يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ))،
واعلَموا -عِبادَ اللهِ- أَنَّ اللهَ تَعالَى قَدْ جَعَلَ الحَياةَ الدُّنْيا مُتَقلِّبَةَ
الأَحوالِ، لاَ تَستَقِيمُ أَبداً عَلَى حَالِ، ولاَ تَصفُو لِمَخلُوقٍ مِنَ الكَدَرِ،
فَفِيها الخَيْرُ والشَّرُّ، والسُّرورُ والحُزْنُ، ويأْتِي الأَملُ والتَّفاؤلُ شُعاعَيْنِ
يُضِيئانِ دَياجِيرَ الظَّلاَمِ، ويَشُقَّانِ دُروبَ الحَياةِ لِلأَنامِ، فَيَبْعثانِ
فِي النَّفْسِ الجِدَّ والمُثابَرَةَ، ويُلَقِّنانِها الجَلَدَ والمُصابَرَةَ، فَالذِي
يُغْرِي التَّاجِرَ فِي تِجارَتِهِ أَمَلُهُ فِي الأَربَاحِ، والذِي يَبْعَثُ الطَّالِبَ
لِلْجِدِّ فِي دِراسَتِهِ أَمَلُهُ فِي النَّجاحِ، والذِي يُحَبِّبُ إِلى المَرِيضِ
الدَّواءَ المُرَّ أَمَلُهُ فِي الشِّفاءِ، والذِي يَدْعُو المُؤمِنَ أَنْ يُخالِفَ
هَواهُ، ويُطِيعَ مَولاَهُ، أَمَلُهُ فِي الفَوزِ بِجَنَّتِهِ ورِضاهُ، وإِذا تَعَسَّرَ
عَلَى المُؤمِنِ شَيءٌ لَمْ يَنْقطِعْ أَمَلُهُ فِي تَبدُّلِ العُسْرِ إِلى يُسْرٍ،
وإِذا اقتَرفَ ذَنْباً لَمْ يَيأَسْ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ ومَغْفِرَتِهِ، بَلْ يَرْجِعُ
إِلَى رَبِّهِ ولاَ يُسَوِّفُ فِي تَوْبَتِهِ، قَالَ تَعالَى: ((قُلْ يَا عِبَادِيَ
الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ
اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ))، فَبِالأَمَلِ
يَذُوقُ الإِنْسانُ طَعْمَ السَّعادَةِ، وبِالتَّفاؤلِ يُحِسُّ بِبَهْجَةِ الحَياةِ،
ولَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يُعْجِبُهُ الفَأْلُ، لأَنَّ فِيهِ
إِحْسانَ الظَّنِّ بِاللهِ عَزَّ وجَلَّ.
عِبادَ اللهِ :
إِنَّ حَقِيقَةَ الأَمَلِ لاَ تَأْتِي مِنْ
فَراغٍ، كَما أَنَّ التَّفاؤلَ لاَ يَنشأُ مِنْ عَدَمِ، إِذْ أَنَّهُما وَلِيدا الإِيمَانِ
العَمِيقِ بِاللهِ جَلاَّ وعَلاَ، والمَعْرِفَةِ بِسُنَنِهِ ونَوامِيسِهِ فِي الكَوْنِ
والحَياةِ، فَهُوَ سُبْحانَهُ يُصَرِّفُ الأُمُورَ كَيفَ يَشاءُ مَتَى شَاءَ، بِعِلْمِهِ
وحِكْمَتِهِ، وإِرادَتِهِ ومَشِيئَتِهِ، ((وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ))،
فَيُبَدِّلُ مِنْ بَعْدِ الخَوفِ أَمْناً، ومِنْ بَعْدِ العُسْرِ يُسْراً، ويَجْعَلُ
مِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجاً، ومِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجاً، ولِهذَا كَانَ المُؤمِنُ عَلَى
خَيْرٍ فِي كُلِّ الأَحْوالِ، لِحُسْنِ ظَنِّهِ بِاللهِ الوَاحِدِ المُتَعالِ، وَتَفاؤُلِهِ
لِبُلُوغِ الآمَالِ، فَهُوَ شَاكِرٌ للهِ فِي السَّرَّاءِ، وصَابِرٌ عَلَى مَا أَصَابَهُ
فِي الضَّرَّاءِ، فَكَانَ أَمْرُهُ كُلُّهُ خَيْرٌ، ولَيسَ ذَلِكَ إِلاَّ لِلْمُؤمِنِ
المُتَفائِلِ، فَعَنْ صُهَيْبِ بنِ سِنانٍ –رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللهِ -صلى الله عليه وسلم- : ((عَجَباً لأَمْرِ المُؤمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلُّهُ
خَيْرٌ، ولَيسَ ذَلِكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلمُؤمِنِ، إِنْ أصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ
فَكَانَ خَيْراً لَهُ، وإِنْ أَصابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ))، والمُؤمِنُ
دائماً يَضَعُ نُصْبَ عَينَيْهِ قَولَ اللهِ تَعالَى: ((وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً
وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ))، وهُوَ
عَلَى يَقِينٍ بِأَنَّ مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ، ومَا أَخْطَأَهُ لَمْ
يَكُنْ لِيُصِيْبَهُ كَما قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- : ((لاَ يُؤمِنُ عَبْدٌ
حَتَّى يُؤمِنَ بِالقَدَرِ خَيْرِهِ وشَرِّهِ، وحَتَّى يَعلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَهُ
لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ، ومَا أَخْطأَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ))، وشَتّانَ مَا
بَيْنَ حَالِ المُتفائِلِ والمُتشَائِمِ، إِذِ المُتشائِمُ لاَ يَرَى فِي الوُجُودِ
إِلاَّ الظَّلاَمَ والشَّقاءَ، ولاَ يَرَى الحَياةَ إِلاَّ بِنَظْرَةٍ سَوْداءَ، فَحَكَمَ
عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ مِنَ التُّعساءِ.
عِبادَ اللهِ :
جَدِيرٌ أَنْ يَلِدَ الإِيمَانُ الأَمَلَ،
وأَنْ تُثْمِرَ شَجَرَةُ اليَقِينِ التَّفاؤلَ، وأَنْ يَكونَ المُؤمِنُ أَوْسَعَ النَّاسِ
أَمَلاً، وأَكْثَرَهُمْ استِبْشَاراً وتَفاؤلاً، فَهَذا رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه
وسلم- الذِي أَرْسَلَهُ اللهُ بَشِيراً ونَذِيراً، ودَاعِياً إِلَيْهِ بِإِذْنِهِ وسِراجاً
مُنِيراً، مَكَثَ فِي مَكَّةَ ثَلاَثَةَ عَشَرَ عَاماً يَدْعُو النَّاسَ إِلَى الإِسْلاَمِ،
لِيُخْرِجَهُمْ مِنْ عِبادَةِ الأَصْنامِ، إِلى عِبادَةِ المَلِكِ العَلاَّمِ، فَجَابَهَ
طَواغِيتُ الشِّرْكِ دَعْوَتَهُ بِالاستِهزاءِ والعِصْيانِ، ورَفَضُوا عِبادَةَ الواحِدِ
الدَّيّانِ، وواجَهُوا آياتِ رَبِّهِ بِالسُّخْرِيَةِ والاستِهزاءِ، وأَذاقُوا أَصْحابَهُ
أَلواناً مِنَ الإِيذَاءِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَضْعُفْ أَو يَستَكِينْ، ولَمْ يَنْطَفئْ
فِي صَدْرِهِ الأَمَلُ والتَّفاؤلُ، وحِينَ اشْتَدَّ عَلَيهِ وعَلَى صَاحِبِهِ الطَّلَبُ
أَيَامَ الهِجْرَةِ، وَوصَلَ المُشْرِكونَ إِلَى غَارِ ثَوْرٍ كَانَ -صلى الله عليه
وسلم- يَقُولُ لأَبِي بَكْرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- بِلُغَةِ الواثِقِ بِرَبِّهِ، الذِِِِِِي
لَمْ يَتَسرَّبِ اليَأسُ إِلَى قَلْبِهِ: ((ما ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللهُ ثالثُهُما)).
ولاَ عَجَبَ أَنْ يَكونَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- بِهذَا اليَقِينِ والتَّفاؤلِ؛
فَهَذِهِ صِفَاتُ إِخْوانِهِ المُرْسَلَيِنَ مِنْ قَبْلِهِ، وقَدْ أَمَرَهُ رَبُّهُ
أَنْ يَقْتَدِيَ بِهِمْ فِي قَولِهِ: ((أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ
اقْتَدِهْ )))، فَهَذَا إِبراهِيمُ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- قَدْ صَارَ شَيْخاً كَبِيراً،
ولَمْ يُرزَقْ بِولَدٍ، فَدَفَعَهُ حُسْنُ ظَنِّهِ بِالوَاحِدِ الأَحَدِ، وتَفَاؤلُهُ
بِالفَرْدِ الصَّمَدِ، أَنْ يَدْعُوَهُ لِيَرزُقَهُ وَلَداً مِنَ الصَّالِحينَ فَقَالَ:
((رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ))، فَاستَجابَ لَهُ رَبُّهُ ووَهَبَهُ إِسْماعِيلَ
وإِسْحَاقَ نَبِيَّينِ مِنَ الصَّالِحينَ، وهَذا نَبِيُّ اللهِ يَعقُوبُ -عَلَيْهِ
السَّلاَمُ- فَقَدَ ابنَهُ يُوسُفَ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- ثُمَّ أَخَاهُ، فَصَبَرَ
عَلَى مِحنَتِهِ وبَلْواهُ، إِذْ لَمْ يَتْرُكْ لِليَأْسِ مَجالاً فَيُثَبِّطهُ، ولاَ
سَرَى فِي عُروقِهِ الشَّكُّ بِرَبِّهِ فَيُقْنِطهُ، بَلْ تَفاءَلَ ورَجَا، أَنْ يَجِدَ
لِمِحنَتِهِ مَخْرَجاً، فَقَالَ بِقَلْبٍ مِلْؤُهُ اليَقِينُ، وإِحْسَاسُ الصَّابِرينَ
المُتفائِلِينَ: ((فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً
إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ))، ومَا أَجْمَلَهُ مِنْ تَفاؤُلٍ وأَمَلٍ، تُعَزِّزُهُ
الثِّقَةُ بِاللهِ حِينَ قَالَ: ((يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ
وَأَخِيهِ وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ
إِلا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ))، وأَيُّوبُ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- ابتَلاَهُ رَبُّهُ
بِذَهَابِ المَالِ، وَفَقْدِ العَافِيَةِ والعِيالِ، ثُمَّ مَاذَا؟! قَالَ تَعالَى:
((وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ،
فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ
مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ))إِنَّ المُؤمِنَ بِقَضاءِ
اللهِ وقَدَرَهِ، وخَيْرِهِ وَشَرِّهِ، يَعلَمُ أَنَّ كُلَّ مَا أَلمَّ بِهِ وأَصَابَهُ،
قَدْ قَدَّرَهُ اللهُ عَلَيْهِ وكَتَبَهُ، إِيماناً بِقَولِهِ تَعالَى: ((قُلْ لَنْ
يُصِيبَنَا إِلا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ
الْمُؤْمِنُونَ))، إِنَّ المُؤمِنَ إِذ جَدَّ فِي الحَياةِ واجتَهَدَ لِلحُصُولِ عَلَى
أَحَدِ المَطالِبِ، وواجَهَ مَشَقّاتٍ ومَصَاعِبَ ثُمَّ فَشَلَ؛ فَلاَ يَسْخَطُ ولاَ
يَقْنَطُ، ولاَ يَيأْسُ ولاَ يُحْبَطُ، فَالحَياةُ كُلُّها تَجارِبُ وابتِلاءاتٌ، والأَمَلُ
والتَّفاؤلُ مَطلَبٌ لِلتَّغلُّبِ عَلَى الأَزَماتِ، يُعْطِي المُؤمِنَ قُوَّةً وعَزِيمَةً،
وطَاقَةً عَظِمَيةً، فَهُوَ إِذا أَحْسَنَ الظَّنَّ بِرَبِّهِ، لاَ يَعْرِفُ طَرِيقاً
لِلفَشَلِ، ولاَ يُخالِجُهُ الكَسَلُ والمَلَلُ، ولَوِ استَبْطأَ الفَرَجَ، وكَثُرَ
دُعاؤه وتَضَرَّعَ، ولَمْ يَظْهَرْ أَثَرٌ لِلإِجابَةِ، يَظَلُّ مُتفائِلاً فِي حَياتِهِ،
لاَ يُؤَثِّرُ ذَلِكَ عَلَى سُلُوكِهِ وتَصَرُّفاتِهِ، فَمَا أَصَابَهُ ابتِلاَءٌ واختِبارٌ،
مُقدَّرٌ عَلَيْهِ مِنَ الوَاحِدِ القَهَّارِ، وهَذَا دَلِيلُ مَحَبَّةِ اللهِ سُبْحانَهُ
لِعَبْدِهِ، قَالَ تَعالَى: ((مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ
يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)).
فَاتَّقوا اللهَ –عِبادَ اللهِ-، واجْعَلُوا
في حَيِاتكُمُ التَّفَاؤُلَ والأَمَلَ، ولاَ تَركَنُوا إِلى اليأْسِ والفَشَلِ، واستَعِينُوا
بِاللهِ وتَوكَّلُوا عَلَيْهِ ((وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ
إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ ))
أقُولُ قَوْلي هَذَا وَأسْتغْفِرُ اللهَ
العَظِيمَ لي وَلَكُمْ، فَاسْتغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ إِنهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ،
وَادْعُوهُ يَسْتجِبْ لَكُمْ إِنهُ هُوَ البَرُّ الكَرِيْمُ.
*** *** ***
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وَالعَاقِبَةُ
لِلْمُتَّقِيْنَ، وَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَنْ لاَ
إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ وَلِيُّ الصَّالِحِيْنَ، وَنَشْهَدُ
أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ إِمَامُ الأَنبِيَاءِ
وَالْمُرْسَلِيْنَ، وَأَفْضَلُ خَلْقِ اللهِ أَجْمَعِيْنَ، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ
عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِيْنَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ
الدِّيْنِ.
أَمَّا بَعْدُ، فَيَا أيُّها المُسلِمونَ:
إِنَّ الذِينَ يُحْسِنُونُ صِناعَةَ الحَياةِ،
ويَبنُونُ أُسُسَ الحَضارَةِ هُمْ أَكْثَرُ النَّاسِ تَفاؤلاً وأَمَلاً، وإِنَّ المُتشائِمينَ
لاَ يَصنَعونَ حَضارَةً، ولاَ يَبنُونَ وَطَناً، ولاَ يَعْمُرونَ دُنْيا، فَكُونُوا
-عِبادَ اللهِ- مِنْ أَهلِ الأَمَلِ والتَّفاؤُلِ تَنالُوا فَضْلَهُ، وإِيَّاكُم واليَأْسَ
وأَهلَهُ، فَإِنَّهُ يُطْفِئُ جَذْوَةَ الأَمَلِ فِي النُّفُوسِ، ويَقْطَعُ خُيوطَ
الرَّجاءِ مِنَ القُلُوبِ، فَيُوْرِثُ الهُمومَ والكُروبَ، ويَقْتُلُ بَواعِثَ الجِدِّ
والعَمَلِ، ويُسلِمُ صِاحِبَهُ لِلْكَآبَةِ والمَلَلِ، ولَيسَ اليأْسُ والقُنوطُ مِنْ
صِفاتِ المُؤمِنينَ، كَما قَالَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ فِي كِتَابِهِ المُبِينِ: (( وَمَنْ
يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلا الضَّالُّونَ ))، وَقَالَ عَبْدُاللهِ بنُ مَسْعودٍ
–رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: ((أَكْبَرُ الكَبائرِ: الإِشْراكُ بِاللهِ، والأَمْنُ مِنْ
مَكْرِ اللهِ، والقُنُوطُ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ، واليَأْسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ)).
عِبادَ اللهِ :
إِنَّ الحَياةَ قَصِيرَةٌ فَلاَ تُقَصِّروها
بِالهُمومِ والأَحْزانِ، ولاَ تَحْمِِلوا الأَرضَ فَوقَ رُؤوسِكُم، وقَدْ جَعَلَها
اللهُ تَحْتَ أَقْدامِكُم، ولاَ تَخْشَوا الظَّلاَمَ ولاَ تَذْرِفُوا لَهُ دُمُوعاً،
بَلْ أَوقِدُوا لِتَبْدِيدِهِ أَضْواءً وشُموعاً، ولاَ تُنَغِّصُوا عَيشَ اليَوْمِ
بِالتَّفْكِيرِ والخَوفِ مِنَ المُستَقبَلِ، إِنَّ الحَياةَ هَكَذا خُلِقَتْ، لاَ تَصفُو
لأَحَدٍ مِنَ الكَدَرِ، فَلاَ مُبَرِّرَ لِلْخَوفِ مِنْها والحَذَرِ، ولَولاَ أَنَّها
دَارُ ابتِلاَءٍ واختِبارٍ لَمْ تَكُنْ فِيها الأَمْراضُ والأَكْدارُ، ولَمْ يَضِقِ
العَيشُ فِيها عَلَى الأَنْبِياءِ الأَخْيارِ، واعلَمُوا أَنَّ بَسْمَةَ الحَياةِ ولَذَّتَها
مِنْ نَصِيبِ أَربابِ الأَمَلِ وأَصْحابِ التَّفاؤلِ، ورُبَّ مِحنَةِ تَلِدُ مِنْحَةً،
ورُبَّ نُورٍ يَشِعُّ مِنْ كَبِدِ الظَّلاَمِ، وإِنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، والفَرَجَ
بَعْدَ الكَرْبِ، وإِنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْراً، فَأَبْشِروا وأَمِّلُوا، فَمَا بَعْدَ
دَياجِيرِ الظَّلاَمِ إِلاَّ فَلَقُ الصُّبْحِ المُشْرِق.
فَاتَّقوا اللهَ -عِبادَ اللهِ-، وأَحْسِنوا
الظَّنَّ بٍاللهِ وتَفاءلُوا، ولاَ تَجْعلُوا لِليأْسِ طَرِيقاً إِلَيكُم فَتَهلَكُوا
وتَفْشَلوا، وتَذكَّروا قَولَ اللهِ فِي الحَدِيثِ القُدُسيِّ: ((أَنَا عِنْدَ ظَنِّ
عَبْدِي بِي، إِنْ ظَنَّ خَيْراً فَلَهُ، وإِنْ ظَنَّ شَرّاً فَلَهُ)).
هَذَا وَصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَى إِمَامِ
الْمُرْسَلِيْنَ، وَقَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِيْنَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى
بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ عَزَّ قَائِلاً
عَلِيْماً: (( إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّوْنَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا
الَّذِيْنَ آمَنُوْا صَلُّوْا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوْا تَسْلِيْمًا ))
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ
وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ
وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى
آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى
آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، فِي العَالَمِيْنَ إِنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ، وَارْضَ
اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِيْنَ، وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ،
وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِيْنَ، وَعَنْ المُؤْمِنِيْنَ وَالمُؤْمِنَاتِ
إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ.
اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعاً
مَرْحُوْماً، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقاً مَعْصُوْماً، وَلا تَدَعْ
فِيْنَا وَلا مَعَنَا شَقِيًّا وَلا مَحْرُوْماً.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى
وَالتُّقَى وَالعَفَافَ وَالغِنَى.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَرْزُقَ
كُلاًّ مِنَّا لِسَاناً صَادِقاً ذَاكِراً، وَقَلْباً خَاشِعاً مُنِيْباً، وَعَمَلاً
صَالِحاً زَاكِياً، وَعِلْماً نَافِعاً رَافِعاً، وَإِيْمَاناً رَاسِخاً ثَابِتاً،
وَيَقِيْناً صَادِقاً خَالِصاً، وَرِزْقاً حَلاَلاً طَيِّباً وَاسِعاً، يَا ذَا الْجَلاَلِ
وَالإِكْرَامِ.
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِيْنَ،
وَوَحِّدِ اللَّهُمَّ صُفُوْفَهُمْ، وَأَجمع كلمتهم عَلَى الحق، وَاكْسِرْ شَوْكَةَ
الظالمين، وَاكْتُبِ السَّلاَمَ وَالأَمْنَ لِعَبادك أجمعين.
اللَّهُمَّ رَبَّنَا احْفَظْ أَوْطَانَنَا
وَأَعِزَّ سُلْطَانَنَا وَأَيِّدْهُ بِالْحَقِّ وَأَيِّدْ بِهِ الْحَقَّ يَا رَبَّ
العَالَمِيْنَ.
اللَّهُمَّ رَبَّنَا اسْقِنَا مِنْ فَيْضِكَ
الْمِدْرَارِ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الذَّاكِرِيْنَ لَكَ في اللَيْلِ وَالنَّهَارِ، الْمُسْتَغْفِرِيْنَ
لَكَ بِالْعَشِيِّ وَالأَسْحَارِ.
اللَّهُمَّ أَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِ
السَّمَاء وَأَخْرِجْ لَنَا مِنْ خَيْرَاتِ الأَرْضِ، وَبَارِكْ لَنَا في ثِمَارِنَا
وَزُرُوْعِنَا وكُلِّ أَرزَاقِنَا يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.
رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً
وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوْبَنَا بَعْدَ
إِذْ هَدَيْتَنَا، وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً، إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ.
رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ
لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُوْنَنَّ مِنَ الخَاسِرِيْنَ.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِيْنَ وَالْمُؤْمِنَاتِ،
وَالْمُسْلِمِيْنَ وَالْمُسْلِمَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ
سَمِيْعٌ قَرِيْبٌ مُجِيْبُ الدُّعَاءِ.
عِبَادَ اللهِ :
(( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ
وَإِيْتَاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْي لعلكم
تذكرون)