العدل أساس الملك للشيخ السيد مراد سلامة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحابته والتابعين لهم إلى يوم الدين وبعد: إن
أما بعد: * فالعدل له منزلة عظيمة عند الله، قال تعالى: {وأقسطوا إن الله يحب المقسطين} [الحجرات: 9]. وكان الصحابي الجليل أبو هريرة -رضي الله عنه-يقول: عمل الإمام العادل في رعيته يومًا أفضل من عبادة العابد في أهله مائة سنة.([1])
* العدل أمان للإنسان في الدنيا، وقد حُكي أن أحد رسل الملوك جاء لمقابلة
عمر بن الخطاب، فوجده نائمًا تحت شجرة، فتعجب؛ إذ كيف ينام حاكم المسلمين دون حَرَسٍ، وقال: حكمتَ فعدلتَ فأمنتَ فنمتَ يا عمر.
* العدل أساس الملك، فقد كتب أحد الولاة إلى الخليفة عمر بن عبد العزيز
-رضي الله عنه-يطلب منه مالاً كثيرًا ليبني سورًا حول عاصمة الولاية. فقال له عمر: ماذا تنفع الأسوار؟ حصنها بالعدل، ونَقِّ طرقها من الظلم.
* العدل يوفر الأمان للضعيف والفقير، ويُشْعره بالعزة والفخر.
* العدل يشيع الحب بين الناس، وبين الحاكم والمحكوم.
* العدل يمنع الظالم عن ظلمه، والطماع عن جشعه، ويحمي الحقوق والأملاك والأعراض.
الظلم:
حذَّر الله -تعالى-من الظلم، فقال عز وجل: {ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص في الأبصار} [إبراهيم: 24].
وقال تعالى: {فويل للذين ظلموا من عذاب يوم أليم} [_الزخرف: 65].
وقال تعالى: {ألا لعنة الله على الظالمين} [_هود: 18].
وقد حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم أيضًا من الظلم، عن جابر – رضي الله عنه – : أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ، قال : (( اتقوا الظلم ؛ فإن الظلم ظلمات يوم القيامة . واتقوا الشح ؛ فإن الشح أهلك من كان قبلكم . حملهم على أن سفكوا دماءهم ، واستحلوا محارمهم )) رواه مسلم].([2])
أنواع الظلم:
ظلم الإنسان لربه: وذلك بألا يؤمن الإنسان بخالقه ويكفر بالله -عز وجل-وقد جعل الله الشرك به -سبحانه-من أعظم الظلم، فقال: {لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم} [لقمان: 13].
ظلم الإنسان للإنسان: وذلك بأن يعتدي الظالم على الناس في أنفسهم أو أموالهم أو أعراضهم، فشتم المسلمين ظلم، وأخذ أموالهم ظلم، والاعتداء عليهم ظلم، والمسلم بعيد عن كل هذا.
ظلم الإنسان لنفسه: وذلك بارتكاب المعاصي والآثام، والبعد عن طريق الله -سبحانه-واتباع طريق الشيطان.
لذا جاءت آيات القرآن تدعوا إلى إقامة العدل في أرض الله وبين عباده فقال سبحانه ) الله الذي نزل الكتاب بالحق والميزان ([ الشورى ] أي بالعدل والإنصاف ، كما في قوله {وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ } [الرحمن: 7]
قال قتادة ومجاهد ومقاتل: العدل، وسمي العدل ميزانا لأن الميزان أله الإنصاف والتسوية، وعبر عن العدالة بالميزان إذ كان من أثرها، ومن أظهر أفعالها.
ولقد أمر الإسلام بالعدل في الرضا والغضب ونهى عن الجور والظلم والطغيان قال تعالى {وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الحجرات: 9] أي: اعدلوا، إن الله يحب العادلين، اعدلوا في الرضا والغضب اعدلوا في الحكم على العدو والصديق والبعيد والقريب فالعدل أقرب للتقوى والمرء المسلم مطالب بالعدل مع نفسه ومع الآخرين ومع ربه سبحانه وتعالي.
ثمرات العدل للعدل فوائد جليلة وآثار عظيمة وعلى الفرد والمجتمع في الدنيا والأخرة و هاكم بيانها:
أولا: العدل سبب المحبة بين أفراد الرعية
اعلموا عباد الله أن العدل سبب رئيس من أسباب المحبة بين أفراد الأسرة والمجتمع فالعدل يغرس المحبة والألفة والتماسك بين الجميع لذا جاءت التعليمات والأوامر بالعدل فعندما يعدل الوالد بين أبناءه تجد الأسرة قوية متحابة فيما بينهم
ولقد امر النبي بالعدل بينهم في العطية فقد روى ابن أبي الدنيا بسنده قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلادِكُمْ فِي النُّحْلِ، كَمَا تُحِبُّونَ أَنْ يَعْدِلُوا بَيْنَكُمْ فِي الْبِرِّ وَاللُّطْفِ» ” ([3])
و يكرر النبي الوصية مرة و مرتين قال صلى الله عليه وسلم: ” اعدلوا بين أبنائكم، اعدلوا بين أبنائكم ” ([4])
* قصة: أيها الإباء تأملوا هذه القصة لترو مدى الظلم الذي يقع فيه الإباء وقال الحسن: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث أصحابه إذ جاء صبي حتى انتهى إلى أبيه ، في ناحية القوم ، فمسح رأسه وأقعده على فخذه اليمنى ، قال : فلبث قليلاً ، فجاءت ابنة له حتى انتهت إليه ، فمسح رأسها وأقعدها في الأرض ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” فهلا على فخذك الأخرى ” ، فحملها على فخذه الأخرى ، فقال صلى الله عليه وسلم : ” الآن عدلت ” .كتاب العيال ،وهوحديث مرسل رجاله رجال الصحيح
و تأملوا في عدل من ملء الأرض عدل كيف كان يعدل بين أبنائه روي عن عمر بن عبدالعزيز رحمه الله ضم ابناً له ، وكان يحبه ، فقال : يا فلان ، والله إني لأحبك ، وما أستطيع أن أوثرك على أخيك بلقمة . ([5]) .
قصة: سألوا امرأة أعرابية أي أولادك أحب إلى قلبك؟
فأجابت:
“الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يشفى، والغائب حتى يعود”.
وقس على ذلك أفراد الرعية عندما يكون الحاكم عادلا بين أفراد رعيته تجد الرعية كالجسد الواحد إذا اشتكى عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر و الحمى
وهكذا هو الشأن بالنسبة للعاملين في المؤسسة الواحدة فعندما لا يلتزم رئيس المؤسسة بالعدل بين مرؤوسيه ويعمل على تمييز فرد على حساب آخر سواء في التعامل أو في الترقيات أو الحوافز والعلاوات فإنه بسلوكه وتصرفه هذا يسبب في زرع العداوة والبغضاء بين العاملين
ثانيا: الأمن العام على الدماء والأعراض والأموال والممتلكات
كل ذلك سببه إقامة العدل لان العدل هو إقامة الحق في موضعه ودرء الظلم عن المظلوم لان العدل هو اخذ الحق للفقير من الغني ومن القوي إلى الضعيف
يقول ابن القيم رحمه الله : الطبقة الخامسة : أئمة العدل وولاته الذين تؤمن بهم السبل ويستقيم بهم العالم ويستنصر بهم الضعيف ، ويذل بهم الظالم ، ويأمن بهم الخائف ، وتقام بهم الحدود ، ويدفع بهم الفساد ، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ، ويقام بهم حكم الكتاب والسنة ، وتطفأ بهم نيران البدع والضلالة ، هؤلاء الذين تنصب لهم المنابر من نور عن يمين الرحمن عز وجل يوم القيامة فيكونون عليها ، والولاة الظلمة قد صهرهم حر الشمس ، وقد بلغ منهم العرق مبلغه وهم يحملون أثقال مظالمهم العظيمة على ظهورهم الضعيفة في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ثم يرى سبيل أحدهم إما إلى الجنة وإما إلى النار
قال النبي (صلى الله عليه وسلم): المقسطون على منابر من نور يوم القيامة عن يمين الرحمن تبارك وتعالى، وكلتا يديه اليمين، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما لوا . ([6])
عمر رضي الله عنه واليهودي.
أخرج مالك عن سعيد بن المسيب أن مسلما ويهوديا اختصما إلى عمر رضي الله عنه فرأي الحق لليهودي فقضي له به ، فقال له اليهودي : والله لقد قضيت بالحق ، فضربه عمر بالدرة ، وقال وما يدريك ؛ فقال : والله إنا نجد في التوارة ليس قاض يقضي بالحق إلا كان عن يمينه ملك ، وعن شماله ملك يسددانه ويوفقانه ما دام مع الحق فإذا ترك الحق عرجا وتركاه([7])
وأخيرا حكمت فعدلت فأمنت فنمت عمر.
عن أنس بن مالك: أن الهرمزان رأى عمر بن الخطاب نائما في مسجد المدينة فقال: هذا والله هو الملك الهنيء .)([8])
ويقول حافظ إبراهيم: –
قد راع صاحب كسرى أن رأي عمرا بين الرعية عطلا وهـــو راعيهـــا
وعهـــده بملـــوك الفـــرس أن لها سورا من الجند والأحراس يحميهـا
رآه مستغـــــرقا في نومـــه فـــرأى فيـــه الجلالــة في أســمى معانيها
فوق الثري تحت ظل الدوح مشتمـلا ببـردة كــاد طول العهــد يبليهـــا
فهـــان في عينـــه ما كــان يكـــبره مـن الأكاســــر والدنيــــا بأيديهــا
أمنـــت لما أقمـــت العـــدل بينهـم فنمــت نوم قرير العيـــن هانيهــا)
ثالثا تماسك بنيان الأمة و تجمع الجماهير سياسيا و اقتصاديا و اجتماعيا حول قادتها
ومن ثمرات العدل في الأمة أن تجد الأمة كالبنيان المرصوص تسير في تماسك و تعاضد و تتآلف على حكامها و تدعوا لهم بالتوفيق و السداد
قال سفيان بن عيينة : لما رجع عمر بن عبد العزيز من دفن سليمان كان أول شيء راعهم منه ، حين قدموا إليه مركبه ، فقال : أخروه ، فقربوا إليه بغلته فركبها ، فلما رجع إلى منزله دخل ، فقال له مولاه : يا أمير المؤمنين : كأنك مهتم فقال : لمثل الأمر الذي نزل بي اهتممت إنه ليس من أمة محمد في مشرق ولا مغرب ، أحد إلا له قبلي حق يحق علي أدواءه إليه ، غير كاتب إليّ فيه ولا طالبة مني . ([9])
لما أستخلف – رحمه الله – جاءه الناس من كل مكان، فجلس على المنبر، وحمد الله وأثني عليه ثم قال: أما بعد أيها الناس !! فالحقوا ببلادكم، فإني أنساكم هاهنا وأذكر كم في بلادكم، و إني قد استعملت عليكم عمالا، ولا أقول هم خياركم ، فمن ظلمة عامل بمظلمة ، فلا إذن له عليّ ليأتني ، وأيم الله لئن كنت منعت نفسي وأهلي هذا المال ، ثم ضننت به عليكم إني إذا لضنين والله لو لا أن أعش سنة وأسير بحق ما أحببت أن أعيش فواقا . ([10])
أنظر إلى عدله الرائع الباهر وموقفه الجميل من قضية ” كنيسة يوحنا ” بدمشق فقد كان ، الوليد بن عبد الملك ، قد هدم جزء كبيرا من كنيسة يوحنا ليقيم عليه امتداد المسجد الأموي وصار هذا الجزء مسجدا ، وإن اقصى ما يستطيعه حاكم عادل في مثل هذا الموقف أن يعطي تعويضا سخيا ، أو أرضا بديلة لكن ( ابن عبد العزيز ) يتعامل مع العدل بالحق بأسلوب مختلف عن أساليبنا إنه أسلوب قديس جليل !! وهكذا أصدر أمره العجيب بهدم ذلك الجزء الكبير من المسجد وأعاده الأرض التي أقيم عليها إلى الكنيسة ، ودارت الأرض بعلماء دمشق وفقهائها ، فأرسلوا وفدهم لإقناع أمير المؤمنين بالعدول عن قراره ، ولكن أمير المؤمنين أصدر أمرا جديدا حدد فيه اليوم بل الساعة التي يجب أن تتم فيها عملية الهدم والتسليم !! ولم يجد العلماء لإنقاذ المسجد سوي أن يفاوضوا زعماء الكنيسة في دمشق ويعقدوا معهم اتفاقا يرضونه ، ويتنازلون بموجبه عن الجزء المأخوذ من كنيستهم ، ثم ذهب وفد الفريقين لإبلاغ الخليفة نبأ الاتفاق فيحمد الله عليه ثم يقرره ويرضاه . ([11])
رابعا التحفيز على الإقبال العمل والإنتاج
ومن ثمرات العدل العاجلة النمو الاقتصادي والإقبال على العمل والجد
فالموظف عندما يعلم انه إذا أدى عمله لم يخبث في أجره وراتبه فإنه سيدعوه ذلك إلى التفاني والعمل
والموظف عندما يرى العدل قد بسط جناحيه على سائر أفراد الرعية فلا محابة ولا محسوبية ولا وساطة ولا عنصرية فانه سيتفانى في عمله ويجد ليحقق الرخاء الاقتصادي المنشود
يقول ابن خلدون: اعلم أن العدوان على الناس في أموالهم ذاهب بآمالهم في تحصيلها واكتسابها لما يرونه من أن غايتها انتهابها من أيديهم
أما إذا تبدلت الأحوال وعم الظلم وفاحت رائحته فالعامل يرى غيره يتقاضى الألاف وهو يتقاضى دراهم بخس معدودة فإن ذلك يدعوه إلى التكاسل وإلى الهرب وإلى عدم المواظبة على عمله بل يكون حينها أداة دمار ومعول هدم ونقمة على المجتمع الذي يعيش فيه
لذا جاء الإسلام وحث على إعطاء الأجير أجره قبل أن يجف عرقه حتى يحسن ويتقن عمله «أَعْطُوا الْأَجِيرَ حَقَّهُ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ »
5 ـ سبب في كثرة الخيرات وتنزل البركات
عندما يكون العدل هو السائد بين الناس تكثر الخيرات ويعم الرخاء ويفيض المال وينعدم الفقر والجوع ولقد حدث في زمن خامس الخلفاء الراشدين عمر بن عبد العزيز أن فاض المال في الأيدي حتى صار الناس يبحثون عن من يأخذ الزكاة فلا يجدونه
ويؤكد هذا المعنى ما روي عن وهب بن منبه أنه قال :
“إذا همّ الوالي بالعدل، أدخل الله البركات في أهل مملكته حتى في الأسواق والأرزاق وإذا همّ بالجور أدخل الله النقص في مملكته حتى في الأسواق والأرزاق”
عندما كان العدل هو الذي يتحكم في سلوك الناس وتصرفاتهم شاهد الناس العجب
بعدله رعت الذئب مع الغنم ولم تضرها.
قال حسين القصاب: رأيت الذئاب ترعى مع الغنم بالبادية في خلافة عمر بن عبد العزيز ، فقلت : سبحان الله !!
ذئب في غنم لا يضرها؛ فقال الراعي: إذا صلح الرأس فليس على الجسد بأس. ([12])
وقال مالك بن دينار: لما ولي عمر بن عبد العزيز قالت رعاء الشاء، من هذا الصالح الذي قام على الناس خليفة، عدله كف الذئاب عن شائنا .
وقال موسى بن أعين: كنا نرعى الشاء بكرمان في خلافة عمر بن عبد العزيز فكانت الشاه والذئب ترعى في مكان واحد ، فبينا نحن ذات ليلة إذ عرض الذئب للشاة ، فقلت : ما نرى الرجل الصالح إلا قد هلك فحسبوه فوجدوه مات تلك الليلة . ([13])
ثمرات العدل في الآخرة
أولا العدل طريق إلى التقوى:
إن التقوى التي هي مطلب كل مسلم ومرغوب كل مؤمن والتي أعد الله لأهلها جنة عرضها السماوات والأرض أخبرنا القرآن الكريم أن الطريق المؤدي للتقوى والموصل لها هو : العدل
قال تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } [المائدة: 8]
: أي قد فرضت عليكم العدل فرضا لا هوادة فيه ، اعدلوا هو – أي العدل المفهوم من ” اعدلوا ” – أقرب لتقوى الله ; أي لاتقاء عقابه وسخطه باتقاء معصيته ، وهي الجور الذي هو من أكبر المعاصي ; لما يتولد منه من المفاسد (واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون) . الخبرة : العلم الدقيق الذي يؤيده الاختبار ; أي لا يخفى عليه تعالى شيء من أعمالكم ظاهرها وباطنها ، ولا من نياتكم وحيلكم فيها ، وهو الحكم العدل القائم بالقسط فاحذروا أن يخزيكم بالعدل على ترككم العدل ، فقد مضت سنته العادلة في خلقه بأن جزاء ترك العدل وعدم إقامة القسط في الدنيا هو ذل الأمة وهوانها ، واعتداء غيرها من الأمم على استقلالها ، ولجزاء الآخرة أذل وأخزى ، وأشد وأبقى. ([14])
ثانيا :يسبقون لظل الرحمن يوم القيامة:
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: «أَتَدْرُونَ مَنْ السَّابِقُونَ إِلَى ظِلِّ اللَّهِ عز و جل يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟» قَالُوا: اللَّهُ عز و جل وَرَسُولُهُ صلى الله عليه و سلم أَعْلَمُ. قَالَ: «الَّذِينَ إِذَا أُعْطُوا الْحَقَّ قَبِلُوهُ، وَإِذَا سُئِلُوهُ بَذَلُوهُ، وَحَكَمُوا لِلنَّاسِ حُكْمَهُمْ لِأَنْفُسِهِمْ». قال الملا علي القاري: «حكموا للناس أي للأجانب ولو كان حقيرا كحكمهم لأنفسهم أي لذواتهم وقراباتهم».([15])
ثالثا :على منابر من نور:
عن عبد الله بن عمرو: قال صلى الله عليه و سلم: «إنّ المُقْسِطِينَ عِنْد الله يَوْمَ القيَامَةِ على منَابِرَ مِنْ نُورٍ عنْ يَمينِ الرَّحمن، وَكِلتا يَدَيْهِ يَمِينٌ، الذينَ يَعْدِلونَ في: حُكْمِهِمْ، وأهْلِيهِمْ، وما وُلُّوا». قال النووي: «والمقسطون هم العادلون».([16])
رابعا :العادلون أقرب الناس لله سبحانه وتعالى يوم القيامة:
عن أبى سعيد الخدري رضى الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ أَحَبَّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَجْلِسًا إِمَامٌ عَادِلٌ، وَأَبْغَضَ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ وَأَبْعَدَهُمْ مِنْهُ مَجْلِسًا إِمَامٌ جَائِرٌ». ([17])
تفريط الخلف في إقامة العدل وعقوباته
وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ” ما من رجل يلي أمر عشرة فما فوق ذلك ، إلا أتي الله به مغلولا يده إلى عنقه ، فكه بره أو أوثقه إثمه ، أولها ملامة وأوسطها ندامة وآخرها خزي يوم القيامة ” ([18]).
فهذا حال من يلي عشرة فما بالك بمن يلي الملايين ثم يظلهم وينتقصهم حقوقهم ويسلبهم حرياتهم واسمعوا إلى شدة العقاب والبعد عن ثواب الكريم الوهاب فهي رسالة عاجلة إلى كل راع يسترعيه الله رعية أن يلزم الصراط المستقيم ويحذر الظلم والجور .
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أربعة يبغضهم الله تعالى البياع الحلاف ، والفقير المختال ، والشيخ الزاني ، والأمام الجائر . ([19])
وليعلم كل ذي لب أن الجزاء من جنس العمل، فمن أحسن، أحسن الله إليه ومن أساء ،أساء الله إليه ، فمن عذب البراء ورمي بهم في غياهب السجون ومن نهب الأموال وصادر الممتلكات فعقابه عند الله شديد ، عن خالد بن الوليد ، وعياض بن غنيم رضي الله عنه : أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال : أشد الناس عذابا للناس في الدنيا ، أشد الناس عذابا عند الله يوم القيامة . ([20])
وها هو النبي (صلى الله عليه وسلم) يخبرنا ويحذرنا من ستت أصناف من المسلمين ، وما حذر منه النبي وما تخوف منه قد وقع وعم بلاء هؤلاء الستة فإلى الله المشتكى وحسبنا الله ونعم الوكيل . فعن عوف بن مالك t قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ” أخاف عليكم ستا : إمارة السفهاء ، وسفك الدماء ، وبيع الحكم ، وقطيعة الرحم ، ونشوا يتخذون القرآن مزامير وكثرة الشرط ” ([21]).
ولقد توعد الله تعالى الملك الكذاب بالعذاب الأليم والعقوبة المغلظة ، فكم وكم نرى من يخدع أمته ويسلب عقولهم بالكلام المعسول والله يشهد انه لكاذب ، فهو يعد بالإصلاح … وذلك يعد برفع الأجور ، وآخر يعد بتوفير فرص عمل للعاطلين وكل سراب خادع ، و كذب فاضح يفضح سريرة صاحبه فعن أبي هريرة t قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ” ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليم : شيخ زان ، وملك كذاب ، وعائل مستكبر ” ([22])
وإلى الذين حجبوا أنفسهم دون رعاياهم، بل إن المواطن العادي لا يجرء أن يقترب من باب أحدهم أو أن يقدم له بمظلمة بل لا يستطيع أحد أن يقول له اتق الله .. إلى هؤلاء إن جزاؤهم من جنس العمل فمن حجب نفسه ومنع وصول مطالب رعيته فقد حجب الله عنه الخير وقد حجب الله عنه الرحمة وهو بذلك قد قطع عن نفسه أبواب السعادة وفتح عليها أبواب الشقاء.
فعن عمرو بن مرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )
” ما من إمام أو وال يغلق بابه دون ذي الحاجة والخلة والمسكنة إلا أغلق الله أبواب السماء دون خلته وحاجته ومسكنته ([23]).
وعن أبي مريم عمرو بن مرة الجهني-رضي الله عنه-أنه قال لمعاوية سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ” من ولاه الله شيئا من أمور المسلمين فاحتجب دون حاجتهم وخلتهم وفقرهم احتجب الله دون حاجته وخلقه وفقره يوم القيامة . ([24])
[1] – المقاصد الحسنة للسخاوي (ص: 532)
[2] – أخرجه : مسلم 8/18 ( 2578 ) .
[3] – أخرجه ابن حبان (11/503 ، رقم 5104) ، والبيهقي (6/178 ، رقم 11783)
[4] – أخرجه أبو داود (3/293 ، رقم 3544) ، والنسائي (6/262 ، رقم 3687)
[5] – العيال (1/ 177)
[6] – أخرجه أحمد (2/159، رقم 6485) ، ومسلم (3/1458 ، رقم 1827) .
[7] – أخرجه مالك (2/719، رقم 1400). وصححه الألباني في صحيح الترغيب ح 2197،
[8] – تاريخ مدينة دمشق – (44 / 319)
[9] – أخبار أبي حفص عمر بن عبد العزيز – (1 / 55)
[10] – المعرفة والتاريخ – (1 / 319)و مختصر تاريخ دمشق – (4 / 251)
[11] – ترطيب الأفواه جـ1 ص164 – 165 نقلا عن خلفاء رسول لخالد محمد خالد ص580 – 581.
[12] – تاريخ دمشق – (45 / 223) تاريخ الخلفاء ص266 .، عمر بن عبد العزيز – (4 / 215)
[13] – الطبقات الكبرى – (5 / 387) المتفق والمفترق للخطيب البغدادي – (3 / 276) تاريخ الخلفاء – (1 / 201)
[14] – تفسير المنار (6/ 227)
[15] – أخرجه أحمد (6/67، رقم 24424) ، وأبو نعيم في الحلية (1/16 ، 2/187)
[16] – أخرجه أحمد (2/159، رقم 6485)، ومسلم (3/1458، رقم 1827)
[17] – أخرجه أحمد (3/22، رقم 11190)، والترمذي (3/617، رقم 1329)
[18] – أخرجه ابن المبارك (1/11، رقم 33) ، والترمذي (4/603 ، رقم 2403) صحيح الجامع رقم 5594
[19] – أخرجه النسائي (5/86، رقم 2576)، صحيح الجامع رقم 839.
[21] – أخرجه الطبراني (18/57، رقم 105). وصححه الألباني في الصحيحة رقم 979.
[22] – أخرجه أحمد (2/480، رقم 10232)، ومسلم (1/102، رقم 107
[23] – أخرجه أحمد (4/231 ، رقم 18062) ، وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم 5561.
[24] – أخرجه أبو داود (3/135 ، رقم 2948)