الجليس الصالح والجليس السوء د محمد عامر
خطبة الجمعة القادمة
-------- محـمد عامـر -------
بتاريخ 23 من ذي الحجة
1440هـ الموافق 23 من أغسطس 2019م تحت عنوان
الصحبة
( الجليس الصالح والجليس
السوء )
العناصر
1-المقدمة .
2- الصحبة في القرآن والسنة .
3- فضل الصحبة الصالحة .
4- الصحبة يا رسول الله .
5- أحبك الله كما احببته .
6- إن صدقتي فأنتي حره .
7- صداقة لامثيل لها .
8- صحبة السوء
9- قصة ابوطالب مع اصدقاء
السوء .
10- ويوم يعض الظالم على
يديه .
11 – خطورة صحبة السوء
.
المقدمة
الحمد لله رب العالمين,
الحمد لله الذي أراد فقدر, وملك فقهر, وخلق فأمر وعبد فأثاب, وشكر, وعصي فعذب وغفر,
جعل مصير الذين كفرو إلي سقر, والذين اقو ربهم إلي جنات ونهر, ليجز الذين كفرو بما
عملو, والذين امنوا بالحسنى
واشهد إن لا اله إلا الله,
وحده لا شريك له, له الملك, وله الحمد, وهو علي كل شيء قدير
يارب
رضاك خير إلي من الدنيا
وما فيها يا مالك النفس قاصيها ودانيها
فنظرة منك يا سـؤلي ويـا
أملى خير إلى من الدنيـا وما فيها
فليـس للنـفس أمـآل تحققـها
سوى رضاك فذا أقصى أمانيها
وأشهد أن سيدنا وحبيبنا
وشفيعنا محمد عبد الله ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه
بلغ الرسالة وأدى الأمانة
وكشف الظلمة وأحاط به الغمة وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين
يا سيدي يا رسول الله :
أنت الذي تستوجب التفضيل
فصلوا عليه بكرة وأصيـلا
ملئت نبوته الوـجود فأظهرا
بحسامه الدين الحديد فأسفرا
ومن لم يصلي عليه كان بخيل
فصـلوا عليه وسلموا تسليما
وعلي اله وأصحابه ومن سار
على نهجه وتمسك بسنته واقتدى بهديه واتبعهم بإحسان إلي يوم الدين ونحن معهم يا أرحم
الراحمين
أما بعد
كم من شاب انحرف وسار في
درب الجريمة والرذيلة بسبب صحبة السوء وغياب الرقيب من الأهل.
كم من رجل وقع في الحرام
بسبب صاحبة ؟ كم صاحب أدمن بسبب صاحبة ؟
وكم من مُصَلٍّ تَرَك الصلاة
والمسجد بسبب صاحب السوء! وكم من إنسان لا
يدخِّن دخَّن بسبب قُرناء السوء! كم من إنسان
لا يَشرب الخمر شَرِبها بسبب قُرناء السوء!
وكم متحجِّبة رفعتِ الحجاب
وتبرَّجَتْ وفعلت الفاحشة بسبب قُرناء السوء! قرين السوء يدعو قرينه إلى معصية الله،
والطيور على أشكالها تقع.
لذلك فاعلموا أن كثيراً
من الناس إنما حصل له الضلال وجميع المفاسد بسبب صديقة وقرينه؛ ويروى عن النبي صلى
الله عليه وسلم أنه قال: ((المرء على دين خليله؛ فلينظر أحدكم من يخالل))؛ رواه أحمد،
والترمذي، وغيرهما.
فالأصدقاء منهم الخيِّر
والفاضل الذي يُنتفع بصحبته وصداقته، ومشاورته،
ومنهم الرديء الناقص العقل، والفاسد ولذا يقول
- صلى الله عليه وسلم - في وصف بني آدم واختلافهم:
((إن الله تعالى خلق آدم من قبضةٍ قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض؛ جاء منهم الأحمر، والأبيض،
والأسود، وبين ذلك، والسَّهْل، والحَزْن،
والخبيث، والطيب، وبين ذلك))؛ رواه أحمد، وأبو داود، وغيرهما.
فضل الصحبة الصالحة
________________
🔘قال الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
"ما أعطي العبد بعد الإسلام نعمة خيراً من أخ صالح، فإذا وجد أحدكم وداً
من أخيه فليتمسك به".
🔘قال الشافعي: "إذا كان لك صديق -يعينك على الطاعة- فشد يديك به؛ فإن اتخاذ الصديق صعب
ومفارقته سهلة".
🔘قال الحسن البصري: إخواننا أحب إلينا من
أهلنا وأولادنا، لأن أهلنا يذكروننا بالدنيا وإخواننا يذكروننا بالآخرة، ومن صفاتهم: الإيثار.
🔘قال لقمان الحكيم لابنه:
يابني؛ ليكن أول شيء تكسبه بعد الإيمان بالله أخا "صادقا"
فإنما مثله كمثل "شجرة"، إن جلست في ظلها أظلتك وإن أخذت
منها أطعمتك وإن لم تنفعك لم تضرك.
الصحبة يا رسول الله
_______________
تعالوا بنا لنعيش مَشهدا
تتجلَّى فيه الصَّدَاقة والصحبة الصالحة في أنْقَى معانيها، هذا أبو بكر الصديق – رضي
الله عنه – يهمُّ بالهجرة، فيطلب منه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أن ينتظرَ،
وعندما جاءه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – مُتَخَفِّيًا؛ ليخبرَه أنَّه أُذِن له
بالهجرة؛ فيكون أول شيءٍ من رَدِّ فِعْل أبي بكر – رضي الله عنه -: “الصحبة يا رسول
الله”.
هكذا كان شغف الصِّدِّيق
– رضي الله عنه – بنُصرة الدين: “الصحبة يا رسول الله”، وهي ليستْ صُحبة رجلٍ ذي ثراء
وأموال، وليستْ صُحبة رجلٍ يُسافر إلى دولة يترفَّه فيها ويتنعَّم، وليستْ صُحبة رجل
له موكبٌ وحاشية، وخَدَم وحَشم، إنها صُحبة رجل مُطَارَد مطلوب رأْسُه، فعَلامَ يَحرِص
الصِّدِّيق – رضي الله عنه – على هذه الصُّحبة ويفرح ويَفتخر بها؟! إنَّه الإيمان الذي
تميَّز به صِدِّيق هذه الأمة – رضي الله عنه – والذي جعَلَه يُسخِّر نفسَه وأهلَه ومالَه
من أجْل صاحبه ونبيِّه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فعَرَض نفسه لمصاحبته وخِدْمته
وحمايته في الهجرة، وأنْفَقَ مالَه في إعداد العُدَّة لذلك وفي استئجار الدليل، وعرَّض
ابنه عبدالله للخطر؛ حيث كان يُمسي عندهما عندما كانا في الغار، ويُصبح عند قريش يتسقط
الأخبار، وكان مولاه عامر بن فُهيرة يَسْرح بغَنمه عند الغار؛ ليسقيَهم من لبنها، وكذلك
فعلتْ أسماء التي حَفِظت السرَّ، والتي شقَّتْ نطاقها؛ لتضعَ فيه طعامهما، فسُمِّيتْ
ذات النطاقين، فكانتْ عائلة الصِّدِّيق كلها مُجَنَّدة في سبيل الله، وخادمة لرسول
الله – صلى الله عليه وسلم.
هذه هي الصداقة، وهذه هي
الصحبة الصالحة، هذا هو الوفاء مع الصاحب، هكذا يُعَلِّمنا الصِّدِّيق – رضي الله عنه
– درسًا في أهميَّة الصُّحبة على الطريق إلى الله، فأين هي الصُّحبة الصالحة في زماننا؟
وأين الوفاء في هذا المجتمع؟ أصبحتِ الدنيا مصالِحَ، كم من المسلمين في زماننا لا يَمشي
أحدهم مع أخيه إلا من أجْل مصلحة أو منفعة يعود خيرُها إليه! كَمْ من المسلمين مَن
لا يصادقك إلا مِن أجْل عملٍ، فإذا انتهى العمل تَرَكك! وكم من المسلمين مَن يُكثر
من زيارة أخيه الذي تولَّى مَنصبًا لا لله، بل من أجْل أن يصِلَ إلى غايته!
أحبك الله كما أحببته
____________
أخبرنا أبوهريرة عن رسول
الله – صلى الله عليه وسلم -:
” أَنَّ رَجُلًا زَارَ أَخًا
لَهُ فِي قَرْيَةٍ أُخْرَى فَأَرْصَدَ اللَّهُ لَهُ عَلَى مَدْرَجَتِهِ مَلَكًا قَالَ:
أَيْنَ تُرِيدُ؟ قَالَ: أُرِيدُ أَخًا لِي فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ. قَالَ: هَلْ لَكَ
عَلَيْهِ مِنْ نِعْمَةٍ تَرُّبُّهَا؟ قَالَ: لَا غَيْرَ أَنِّي أَحْبَبْتُهُ فِي اللَّهِ.
قَالَ: فَإِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكَ بِأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَبَّكَ كَمَا أَحْبَبْتَهُ
فِيهِ “. رَوَاهُ مُسلم(2567)
الله أكبر! يذهب إلى قرية
أخرى؛ لأنه يحبُّه في الله، وماذا قال له الملك؟
(( قال: فإني رسول الله
إليك، إنَّ الله قد أحبَّك كما أحببْتَه فيه))؛ رواه الإمام أحمد.
إن صدقتي فانتي حرة
_____________
ومِنْ حَقِّ الصُّحْبَةِ
الإِيثارُ بِالْمالِ، وبَذْلُ الفاضِلِ مِنْهُ عِنْدَ حاجَةِ صاحِبِهِ إِلَيْه، ويُرْوَى أَنَّ فَتْحًا الْمَوْصِلِيَّ جاءَ إِلى
صَدِيقٍ لَهُ يُقالُ لَهُ عِيسَى التَّمّار، فَلَمْ يَجِدْهُ في الـمَنْزِل، فَقالَ
لِلْخادِمَةِ أَخْرِجِي لي كِيسَ أَخِي، فَأَخْرَجَتْهُ فَأَخَذَ مِنْهُ دِرْهَمَيْنِ،
وجاءَ عِيسَى إِلى مَنْزِلِهِ فَأَخْبَرَتْهُ الجارِيَةُ بِذَلِكَ فَقالَ مِنْ فَرَحِهِ
إِنْ كُنْتِ صادِقَةً فَأَنْتِ حُرَّةٌ، فَنَظَرَ فَإِذا هِيَ قَدْ صَدَقَتْ فَعُتِقَتْ.
صداقة لا مثيل لها
_____________
ﻣﺮﺽ ﺍﻹﻣﺎﻡ ﺃﺣﻤﺪ رحمه الله
ﺫﺍﺕ ﻳﻮﻡ ﻭﻻﺯﻡ ﺍﻟﻔﺮﺍﺵ، ﻓﺰﺍﺭﻩ ﺻﺪﻳﻘﻪ ﺍﻹﻣﺎﻡ ﺍﻟﺸﺎﻓﻌﻲ رحمه الله ﻓﻠﻤﺎ ﺭﺃى ﻋﻠﻴﻪ ﻋﻼﻣﺎﺕ
ﺍﻟﻤﺮﺽ ﺍﻟﺸﺪﻳﺪ ﺍﺻﺎﺑﻪ ﺍﻟﺤﺰﻥ... ﻓﻤﺮﺽ ﺍﻟﺸﺎﻓﻌﻲ ﺃﻳﻀﺎ ﻓﻠﻤﺎ ﻋﻠﻢ ﺍﻹﻣﺎﻡ ﺃﺣﻤﺪ ﺑﺬﻟﻚ ﺗﻤﺎﺳﻚ ﻧﻔﺴﻪ
ﻭﺫﻫﺐ ﻟﺮﺅﻳﺔ ﺍﻟﺸﺎﻓﻌﻲ ﻓﻲ ﺑﻴﺘﻪ ﻓﻠﻤﺎ ﺭﺁﻩ ﺍﻟﺸﺎﻓﻌﻲ ﻗﺎﻝ :
ﻣﺮﺽ ﺍﻟﺤﺒﻴﺐ ﻓﺰﺭﺗﻪ ﻓﻤﺮﺿﺖ
ﻣﻦ ﺍﺳﻔﻲ ﻋﻠﻴﻪ
ﺷُﻔﻲ ﺍﻟﺤﺒﻴﺐ ﻓﺰﺍﺭﻧﻲ ﻓﺸُﻔﻴﺖ ﻣﻦ ﻧﻈﺮﻱ إليه
صحبة السوء وخطرها
____________
وأما مصاحبة الأشرار: فهي
السمُّ النَّاقع، والبلاء الواقع، فتجدهم يشجعون
بعضهم على فعل المعاصي والمنكرات، ويرغِّبون فيها، ويفتحون لمن خالطهم وجالسهم
أبواب الشرور، ويزيِّنون لمجالسيهم أنواع المعاصي، ويحثُّونهم على أذيَّة الخلق، ويذكِّرونهم
بأمور الفساد، التي لم تَدُرْ في خَلَدِهم، وإن همَّ أحدهم بتوبةٍ وانزجارٍ عن المعاصي،
حسَّنوا عنده تأجيل ذلك، وطولَ الأمل، وأن ما أنت فيه أهون من غيره، وفي إمكانك التوبة
والإنابة إذا كبرت في السن، وما يحصل من مخالطتهم ومعاشرتهم أعظم من هذا بكثير.
قال تعالى: ﴿ وَإِذَا رَأَيْتَ
الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ
غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ
الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾.
وقد ضرب النبي صلى الله
عليه وسلم مَثَلَيْن للجليس الصالح، وجليس السوء: فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( مَثَلُ الجليس الصالح وجليس السوء؛ كحامل
المسك ونافخ الكِير، فحامل المسك: إما أن يُحْذِيَك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد
منه ريحاً طيبة، ونافح الكِير: إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة)) ؛
متفقٌ عليه.
إذا عُلم هذا أيها الإخوة؛
فاعلموا أن كثيراً من الناس إنما حصل له الضلال وجميع المفاسد بسبب خليله وقرينه
قصة ابو طالب وجلساء السوء
____________________
وتأمَّل في حال أبي طالب
ومن كان يجالس، وكيف سرى أثر جلسائه عليه في خاتمة أمره - نسأله تعالى حسن الختام
-
فقد أخرج البخاري ومسلم
في صحيحيهما من حديث سَعِيدُبن الْمُسَيَّبِ عن أبيه قال لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا طَالِبٍ
الْوَفَاةُ جَاءَهُ رسول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَوَجَدَ عِنْدَهُ أَبَا جَهْلٍ
وَعَبْدَ اللَّهِ بن أبي أُمَيَّةَ بن الْمُغِيرَةِ فقال رسول اللَّهِ صلى الله عليه
وسلم يا عَمِّ قُلْ لَا إِلَهَ إلا الله كلمه أَشْهَدُ لك بها عِنْدَ اللَّهِ فقال
أبو جَهْلٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بن أبي أُمَيَّةَ يا أَبَا طَالِبٍ أَتَرْغَبُ عن مِلَّةِ
عبد الْمُطَّلِبِ فلم يَزَلْ رسول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَعْرِضُهَا عليه
وَيُعِيدُ له تِلْكَ الْمَقَالَةَ حتى قال أبو طَالِبٍ آخِرَ ما كَلَّمَهُمْ هو على
مِلَّةِ عبد الْمُطَّلِبِ وَأَبَى أَنْ يَقُولَ لَا إِلَهَ إلا الله فقال رسول اللَّهِ
صلى الله عليه وسلم أَمَا والله لَأَسْتَغْفِرَنَّ لك ما لم أُنْهَ عَنْكَ فَأَنْزَلَ
الله عز وجل: ﴿ ما كان لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ
وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى من بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لهم أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ
﴾، وَأَنْزَلَ الله تَعَالَى في أبي طَالِبٍ فقال لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه
وسلم: ﴿ إِنَّكَ لَا تَهْدِي من أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي من يَشَاءُ وهو
أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴾.
ويوم يعض الظالم على يدية
(قصة اصدقاء السوء)
_______________
( وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ
عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَى
لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ
إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا ) الفرقان : 27 – 29
وقد ذَكَر المفسرون في سبب
نزول هذه الآيات أنَّ عُقبة بن أبى معيط دَعا النبي – صلى الله عليه وسلم – لحضور طعام
عنده، فقال له النبي – صلى الله عليه وسلم-: ))لا آكلُ من طعامك؛ حتى تَنطِقَ بالشهادتين((،فنَطَق
بهما، فبلغ ذلك صَديقه أُمَيَّة بن خلف، فقال له: يا عُقبة، بَلَغني أنَّك أسلمتَ،
فقال له: لا، ولكن قلتُ ما قلتُ؛ تطييبًا لقلب محمد – صلى الله عليه وسلم – حتى يأكلَ
من طعامي، فقال له: كلامُك عليّ حرامٌ؛ حتى تشتمه و تفعلَ كذا وكذا بمحمد – صلى الله
عليه وسلم – ففَعَل الشقي ما أمَرَه به صَديقُه الذي لا يقلُّ شقاوة عنه؛ فأنزل الله
هذه الآيات.
( وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ
عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَى
لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ
إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا } [الفرقان : 27 – 29.
أقول ما تسمعون واستغفر
الله العظيم لي ولكم
الخطبة الثانية:ــــــــــــــ
الحمد لله رب العالمين،
والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد الصادق الأمين، وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى
يوم الدين.
أمَّا بعد
أمّا خطرها
________
فقد حذَّرنا الله من مجالسة
أهل السوء، ونهانا عن الجلوس في مجالسهم التي تنتهك فيها الحرمات، فقال سبحانه: ﴿ وَقَدْ
نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ
بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ
غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ
فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا ﴾النساء: 140
وأخبرنا سبحانه عن حال هؤلاء
الجلساء وبراءة بعضهم من بعض في الآخرة، فقال تعالى: (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ
لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ ) الزخرف: 67
ومما قيل في معنى هذه الآية:
ما روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه – في قوله تعالى:
( الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ
بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ ) الزخرف: 67-
قال: خليلان مؤمنان، وخليلان
كافران توفي أحد المؤمنين فبشر بالجنة، فذكر خليله فقال: اللهم إن خليلي فلانًا كان
يأمرني بطاعتك وطاعة رسولك، ويأمرني بالخير وينهاني عن الشر وينبئني أني ملاقيك، اللهم
فلا تضلَّه بعدي حتى تريه ما أريتني وترضى عنه كما رضيت عني، فيقال له: اذهب فلو تعلم
ما له عندي لضحكت كثيرًا ولبكيت قليلاً، ثم يموت الآخر، فيجمع بين أرواحهما، فيقال:
لِيُثْنِ كل واحد منكما على صاحبه، فيقول كل واحد منهما لصاحبه: نعم الأخ ونعم الصاحب
ونعم الخليل، وإذا مات أحد الكافرين بشر بالنار فيذكر خليله فيقول: اللهم إن خليلي
فلانًا كان يأمرني بمعصيتك ومعصية رسولك ويأمرني بالشر وينهاني عن الخير وينبئني أني
غير ملاقيك، اللهم فلا تهده بعدي حتى تريه مثل ما أريتني وتسخط عليه كما سخطت عليَّ،
فيموت الآخر، فيجمع بين أرواحهما، فيقال: لِيُثْنِ كل واحد منكما على صاحبه، فيقول:
كل واحد لصاحبه: بئس الأخ وبئس الصاحب وبئس الخليل. أخرجه عبدالرزاق وعبد بن حميد في
تفسيريهما، وغيرهما.
لذلك علينا بالصحبة النقيَّة،
الصحبة الخالصة لله – تعالى – لذلك النبي – صلى الله عليه وسلم – يُوصي أُمَّته فيقول
صلى الله عليه وسلم: ((لا تُصَاحِبْ إلا مُؤمِنًا، ولا يأكُلْ طَعَامَكَ إلا تَقِيٌّ)).
أبو داود والترمذي
عباد الله: إن الله تعالى
قد أمرنا بأمر بدأ فيه بنفسه فقال سبحانه: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ
عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا
﴾ [الأحزاب: 56.
هذا
وما كان من توفيقٍ فمن الله وحده، وما كان من خطأٍ، أو سهوٍ، أو نسيانٍ، فمني ومن الشيطان،
وأعوذ بالله أن أذكركم به وأنساه، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمدٍ وعلى آله وأصحابه
الأطهار الأخيار ومَن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.