العيد تضحية وأضحية للشيخ السيد أبو احمد
الحمد لله رب العالمين .. الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا
الله أكبر، الله أكبر ، الله أكبر، لا إله إلا الله إلا الله ، الله أكبر ولله الحمد .. الله أكبر تكبيرة كل عابد ، الله أكبر صيحة كل مجاهد . الله أكبر بها فتحنا حصون خيبر ، الله أكبر بها انتصرنا علي جحافل كسري وقيصر . الله أكبر ما وفق الله المسلمين لحج بيته الحرام ، الله أكبر ما تركوا ديارهم وأموالهم وأولادهم وخرجوا لأداء فريضة الحج طمعا في الرحمة والرضوان .
الله أكبر ما تجردوا من ثيابهم وارتدوا ملابس الإحرام .
الله أكبر ما ارتقعت أصواتهم بالتلبية والتهليل والتكبير لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك .
الله أكبر ما استلَمُوا الحجر، وطافُوا بالبيت، وصلُّوا عند المقام، الله أكبر ما اهتدوا بنور القرآن، وفرحوا بهدي الإسلام، الله أكبر عدد ما رفعوا من الدعوات، الله أكبر عدد ما سكبوا من العَبرات، الله أكبر عدد ما رموا من الجمرات.
الله أكبر ما تضرَّعوا في الصفا والمروة بخالص الدعوات.
الله أكبر ما غفَر لهم ربهم، وتحمَّل عنهم التَّبعات، الله أكبر ما رموا وحلَقُوا وتحلَّلوا ونحَرُوا، فتمَّت بذلك حجَّة الإسلام، الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسُبحان الله بُكرةً وأصيلاً.
الله أكبر ما خرجوا من مكة إلي عرفات ، الله أكبر ما تجلي عليهم ربهم في هذا المكان بالرحمات.
الله أكبر ما أزيلت الفوارق بين الطبقات وتمت المساواة بين الأغنياء والفقراء ،ووقفوا صفا واحدا أمام الواحد الديان .
الله أكبر ما تجلي رب الكائنات علي كل واحد منهم فطهرة من ذنوبه وكفر عنهم سيئاته ومنحه بفضله الأجرالعظيم والثواب الأكبر .
الله أكبر ما ذبح كل مسلم أضحيته في هذا اليوم العظيم وعلي مقاومة النفس والشيطان صبر وانتصر ، سبحانك يا من جمعت القلوب علي الحق بحكمتك ووسعت كل شيئ بعلمك وقدرتك ورحمتك ، سبحانك تخلق ما تشاء وتختار سبحانك أنت الواحد القهار ، سبحانك آناء الليل وأطراف النهار . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له .. صدق وعده ، ونصرعبده , وأعز جنده ، وهزم الأحزاب وحده .. وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله ،و صفيه من خلقه وحبيبه ، بلغ الرسالة ،وأدي الأمانة ، ونصح للأمة وكشف الله به الغمة ، وجاهد في الله حق جهاده حتي أتاه الله اليقين . فاللهم صل علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلي يوم الدين ..
الله أكبر ما ارتقعت أصواتهم بالتلبية والتهليل والتكبير لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك .
الله أكبر ما استلَمُوا الحجر، وطافُوا بالبيت، وصلُّوا عند المقام، الله أكبر ما اهتدوا بنور القرآن، وفرحوا بهدي الإسلام، الله أكبر عدد ما رفعوا من الدعوات، الله أكبر عدد ما سكبوا من العَبرات، الله أكبر عدد ما رموا من الجمرات.
الله أكبر ما تضرَّعوا في الصفا والمروة بخالص الدعوات.
الله أكبر ما غفَر لهم ربهم، وتحمَّل عنهم التَّبعات، الله أكبر ما رموا وحلَقُوا وتحلَّلوا ونحَرُوا، فتمَّت بذلك حجَّة الإسلام، الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسُبحان الله بُكرةً وأصيلاً.
الله أكبر ما خرجوا من مكة إلي عرفات ، الله أكبر ما تجلي عليهم ربهم في هذا المكان بالرحمات.
الله أكبر ما أزيلت الفوارق بين الطبقات وتمت المساواة بين الأغنياء والفقراء ،ووقفوا صفا واحدا أمام الواحد الديان .
الله أكبر ما تجلي رب الكائنات علي كل واحد منهم فطهرة من ذنوبه وكفر عنهم سيئاته ومنحه بفضله الأجرالعظيم والثواب الأكبر .
الله أكبر ما ذبح كل مسلم أضحيته في هذا اليوم العظيم وعلي مقاومة النفس والشيطان صبر وانتصر ، سبحانك يا من جمعت القلوب علي الحق بحكمتك ووسعت كل شيئ بعلمك وقدرتك ورحمتك ، سبحانك تخلق ما تشاء وتختار سبحانك أنت الواحد القهار ، سبحانك آناء الليل وأطراف النهار . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له .. صدق وعده ، ونصرعبده , وأعز جنده ، وهزم الأحزاب وحده .. وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله ،و صفيه من خلقه وحبيبه ، بلغ الرسالة ،وأدي الأمانة ، ونصح للأمة وكشف الله به الغمة ، وجاهد في الله حق جهاده حتي أتاه الله اليقين . فاللهم صل علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلي يوم الدين ..
أما بعــــــــــــــد :ــ فيا أيها المؤمنون ..
إن العيد من شعائر الإسلام العظيمة الظاهرة، والعيد يتضمن معاني سامية جليلة، ومقاصد عظيمة فضيلة، وحِكماً بديعة، فنحن نعيش الآن الساعات الأولى من يوم عيد النحر المبارك، يوم العيد الأكبر، يوم الفداء والتضحية من أجل الله تعالي ومن أجل دينه الإسلام الذي أكمله وارتضاه لنا حيث قال اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ) المائدة . وفي هذاليوم العظيم يتجلي لنا درس التضحية والاستسلام الكامل والثبات أمام المحن . فهذا خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام يتعرض للمحن أكثر من مرة فيثبت ويكون حاله الاستسلام الكامل لأمر الله تعالي ويقدم أروع نموذج للتضحية من أجل الدين . إنها التضحية، التضحية بماذا؟ التضحية بالابن الوحيد الذي طالما تطلع إليه إبراهيم عليه السلام، إنه الابتلاء الذي لا مثيل له في تاريخ البشر، إنها التضحية التي تعجز عقول البشر أن تتصورها مجرد تصور فحسب،…وانطلق إبراهيم للتنفيذ فعلاً: ﴿ فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ ﴾ [الصافات: 103] وهنا نادى الله جل وعلا على إبراهيم: ﴿ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ * وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ * سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ ﴾ [الصافات: 105-109]. سلام على خليل الرحمن سيدنا إبراهيم الذي علم الدنيا خلق التضحية في سبيل الله. ولا بد أن نعلم أنه ما من شيء على سطح هذه الأرض إلا وله ثمن، كبر ذلك الشيء أم صغر، بدءًا من السلع الدنيوية الرخيصة، وانتهاءً بالغايات الكبرى والأهداف النبيلة، فالآمال والأمنيات والمبادئ ثمنها ما يبذله طالبها في سبيل تحقيقها، فربما يتحقق بعضها ببعض المجهود والسهر والتعب والإرهاق، وربما لا يتحقق بعضها الآخر إلا ببذل الأنفس والدماء، وكلاهما يحتاج إلى نفس تربت على البذل والتضحية والجود بما لا يُجاد به عادة من ذوي الأنفس البليدة. ومن أهم ما تبذل المهج من أجله وتسترخص الدماء في سبيله الإسلام، الدين الحق، الذي ما وصل إلينا إلا على أشلاء وجماجم من ضحوا في سبيله بأرواحهم واسترخصوها لله تعالى. فأين مسلم اليوم من خلق التضحية؟ ما هو دوره من التضحية؟ ماذا بذل وقدم من تضحية لدينه وعقيدته؟ معني التضحية في سبيل الله :ـ التضحيه هي البذل والعطاء من أجل تحقيق غاية سامية عظيمة ، ففي الإسلام :الغاية هي نصرة دين الله عز وجل ونصرة رسوله ، ونصرة تطبيق شرعة حتى يعيش الناس جميعا في أمن وسلام . حاجة الأمة إلي التضحية :ـ يجب علي المسلم معرفة حجم وصور الضربات القاسية التي توجه للمسلمين في كل مكان حتى يجسم مقدار التضحية الواجبة واللازمة للذود عنهم وحماية الإسلام . إن الإسلام دين العزة والكرامة والرحمة، وقد تداعت الأمم وتكالب الكفار على الكيد لهذه الأمة، قال تعالي ( الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ ۚ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ ۗ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (67) التوبة ، وقال تعالي (وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا ۚ (217) البقرة . وقال تعالي (وَلَنْ تَرْضَىٰ عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ۗ)(120) البقرة. وقال تعالي ( وَلَنْ تَرْضَىٰ عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ۗ)(20) الكهف .
وأخبر النبي صلي الله عليه وسلم عن تكالب الأمم علينا أمة الإسلام فقال صلي الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه أحمد وغيره من حديث ثوبان: «يوشك أن تداعى عليكم الأمم من كل أفق، كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، قيل: يا رسول الله! فمن قلة يومئذ؟ قال: لا، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، يجعل الوهن في قلوبكم، وينزع الرعب من قلوب عدوكم؛ لحبكم الدنيا وكراهيتكم الموت». فلابد من التضحية والبذل في سبيل الله كل بما يستطيع، من أجل نصرة الإسلام وإعزاز دين الله، ولا يمكن أن تسود أمة من الأمم إلا إذا كان هذا الأمر ظاهرًا، سواء كانت التضحية بالمال أو بالجاه أو بالنفس والدم أو بمفارقة الأهل والولد أو البذل للوقت والجهد والخبرة وغير ذلك.. إن التضحية هي أساس عزة الأمة، وقدوتنا في ذلك أنبياء الله، وصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولذلك سلفنا الصالح ضحوا بالغالي والرخيص والدم والنفيس لوجه الله جل وعلا، تحمَّلوا الجوع والعطش والبرد والأذى لخدمة هذا الدين، صبروا على الامتحان، وآثروا العقيدة على نعيم الدنيا، تركوا أموالهم وعشيرتهم وأوطانهم، ضحوا بالمصالح، وأواصر القربى والعلاقات والروابط، ضحوا بعلاقاتهم مع آبائهم وأبنائهم، وإخوانهم وأخواتهم وعشيرتهم في سبيل مرضاة الله جل وعلا، وفي سبيل إعلاء دينه، ورفعة كلمته. حكم من يتقاعس عن التضحية في سبيل الله :ــ من قعد أو تقاعس عن التضحية فهو أثم ، لأنه يعتبر الدنيا أكبر همه، فهو يؤثر الحياة الدنيا علي الآخرة ، باع آخرته بعرض من الدنيا ، فمن يبخل بالتضحية بما لديه فهو الخاسر في ميزان الشريعة الإسلامية ، ودليل ذلك من القرآن الكريم قول الله تبارك وتعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ ) [التوبة آية: (38)] وقوله عز وجل قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي القَوْمَ الفَاسِقِينَ ) [التوبة آية: (24)] وقوله سبحانه وتعالي:( ...وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَاللَّهُ الغَنِيُّ وَأَنتُمُ الفُقَرَاءُ وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ )[محمد آية: (38)] ، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ” من مات ولم يغز، ولم يحدث نفسه بالغزو، مات علي شعبة من النفاق” (رواه مسلم).
وسائل التضحية المشروعة:ـ من أهم وسائل التضحية المشروعة كما ورد في القرآن الكريم والسنة المطهرة مايلي:ـ
• التضحية بالنفس. • التضحية بالمال. • التضحية بالأولاد والأهل. • التضحية بالمنصب و الوظيفة. • التضحية بالتعرض للابتلاء والأذى. • التضحية بمفارقة الأحباب والأقارب. • التضحية بالشهوات والغرائز المباحة.
نماذج للتضحية :ـ ما ترك النبي صلى الله عليه وسلم معنى من معاني التضحية والفداء إلا وتحمله وبذله، لقد تحمل بنفس هادئة راضية الأذى والاضطهاد. والمقاطعة له ولأنصاره، فلا يبيع منهم ولا شراء ولا مزاوجة ولا نكاح. لقد رُجم بالأحجار حتى سالت الدماء على عقبيه فتحمل ذلك غير واهن ولا خائر وصودرت أمواله وداره فلم يحزن ولم ييأس، ودبرت المؤامرات المتنوعة لاغتياله فلم يهن ولم يحزن. – إيذاء قريش له بكافة أنواع الإيذاء ، وقال قولته المشهورة صلى الله عليه وسلم : ” والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته” . والحصار الاجتماعي والاقتصادي لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث سنوات في شعب أبي طالب . لقد قدم سخياً راضياً كل ما يملك من مال وروح، وراحة ومهجة، مضحياً باذلاً كل ذلك في سبيل الله ولإعلاء كلمته، فعلم أصحابه البذل والتضحية والفداء بأقواله وأعماله وأخلاقه وسيرته تضحيات الصحابة الكرام رضي الله عنهم :ـ أيقن هؤلاء الرجال أن الدعوة لا تنتصر إلا بالجهاد و التضحية ، والبذل وتقديم النفس و المال ، ولذلك قدم هؤلاء الرجال النفوس وبذلوا الأرواح ، وجاهدوا في الله حق جهاده ، وسمعوا هاتف الرحمن يهتف بهم { قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدى القوم الفاسقين } التوبة 24 . فأصاخوا للنذير ، وخرجوا عن كل شئ طيبة بذلك نفوسهم ، وتركوا أموالهم وديارهم في سبيل نصرة الإسلام راضية قلوبهم مستبشرين ببيعهم الذي بايعوا الله به . تضحية سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه :ـ أخذ سيدنا أبو بكر الصديق ماله كله في الهجرة وجاء والده أبو قحافة، قائلاً لبنيه: “ما أرى أبا بكر إلا فجعكم في ماله” فاحتالت السيدة أسماء على جدها وكان أعمى فجعلت بعض الأحجار في كوة بالبيت، وألقت عليها ثوباً وأخذت بيد أبي قحافة ليمسها توهمه أنه مال. وفي غزوة تبوك حين انتدب الرسول صلى الله عليه وسلم المسلمين لتجهيز جيش العسرة وجد عمر بن الخطاب الفرصة سانحة للتنافس مع أبي بكر في الخير فأتى بنصف ماله وإذا به يجد أبا بكر – رضي الله عنه – قدم ماله كله فقال: “والله لا أسبقه إلى خير أبداً”. وأعتق أبو بكر رضي الله عنه – عدداً من العبيد المسلمين الضعفاء أمثال بلال بن رباح وغيره في بداية الدعوة. تضحية مصعب ابن عمير الصحابي الجليل رضي الله عنه :ـ أول سفير للنبي (صلى الله عليه وسلم) إلى أهل المدينة، الرجل الذي سجل موقفا عظيما في التضحية، مصعب كان أجمل شباب قريش، وأعطرهم، وأطيبهم، وأترفهم دلالاً، فلما خالط الإيمان بشاشة قلبه، وآمن بالله ربا وبالإسلام دينا وبسيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) نبيا ورسولا، فسمعت به أمه فجاءت إليه فقال يا مصعب سمعت أنك آمنت بدعوة محمد (صلى الله عليه وسلم) قال نعم يا أماه قالت له أريدك أن تكفر بدعوة محمد (صلى الله عليه وسلم) فقال لها لا يكون ذلك يا أماه. قالت له: سأحرمك من نعيمك ومن ترفك، وما أنت فيه؟ فماذا يفعل مصعب هل يتخلى عن المال والجاه والترف؟ أم يتخلى عن دين سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم)؟ وكلنا يعرف أن المال شقيق الروح، وأن المال له سحره وبيانه ، وكم رأينا في دنيا اليوم من أخوين ناما في فراش واحد ورضعا من ثدي واحد وأكلا من رغيف واحد فرق بينهما المال.. وكم رأينا أرحام تقاطعت بسبب المال.. وكم من أسرة تفرقت بسبب المال.. وكم إنسان قتل أخاه من أجل المال.. وكم من إنسان باع دينه وضميره من أجل الحصول على المال. لكن سيدنا مصعبا لم يؤثر فيه حب المال بل ضحى بالمال والترف والنعيم واختار دين محمد (صلى الله عليه وسلم) فقدمها وبذلها لله، فلبس أخشن اللباس، وبقي زاهداً في ذلك كله، حتى إنه رضي الله عنه لما استشهد لم يجدوا ما يكفنونه به، فكفن بعباءة إذا غطي رأسه بدت رجلاه، وإذا غطيت رجلاه بدا رأسه، وكان من أعطر وأثرى وأجمل وأترف شباب قريش، ولما مر النبي (صلى الله عليه وسلم) على مصعب بن عمير وهو مقتول على طريقه، وقف ودعا له، ثمّ تلا قوله تعالى: ﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً ﴾ [الأحزاب: 23]. فأين الأمة من تضحية سيدنا مصعب (رضي الله عنه)؟ هذا درس عظيم في التضحية يقدمه سيدنا مصعب لكل من باع دينه من أجل المال، وكل من ضحى بدينه من أجل الوظيفة. وكل من باع دينه من أجل الجاه والمنصب. ليقول لهم: ضحوا بكل شيئ من أجل دينكم وعقيدتكم. فالدنيا زائلة والآخرة هي خير وأبقى. وكأنه يقول لكل مسلم بلسان الحال
تهون الحياة وكل يهون **** ولكن إسلامنا لا يهون نضحي له بالعزيز الكريم**** ومن أجله نستحب المنون
تضحية حنظلة بن أبي عامر رضي الله عنه :ـ عندما سمع حنظلة بن أبي عامر الراهب، داعي الجهاد ليلة زفافه، نهض من فراش عروسه إلى المعركة، دون أن يغتسل، ولقي الله شهيداً، فأخبر – صلى الله عليه وسلم – أنه رأى الملائكة تغسله بين السماء والأرض، وسمي “غسيل الملائكة”، إنه ضحى بليلة عمره، كما يقولون بل بحياته كلها وضحى بعروسه في ليلتها الأولى، لتعانقه الحور العين في جنة الفردوس، ووجد أبوخيثمة في جيش العسرة امرأتيه قد أعدتا له طعاماً شهياً وماء بارداً ومجلساً ليناً وظلاً ظليلاً، فصرخ: ما هذا بالنَّصف (أي بالعدل)، رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحر وأنا هنا؟! جهزاني، وما نزل عن راحلته حتى لحق برسول الله صلى الله عليه وسلم -.. تضحية صهيب الرومي رضي الله عنه :ـ لقد ساوم الكفار صهيب الرومي على ماله أو يمنعوه من الهجره، فترك لهم ماله كله ولحق برسول الله صلى الله عليه وسلم – في المدينة فتلقاه قائلاً: “ربح البيع أبا يحيى، ربح البيع أبا يحيى”.
تضحية غلام أحيت أمة كاملة :ـ هذا الغلام والراهب والساحر الذي حدثنا عنه النبي (صلى الله عليه وسلم) كيف ضحى بنفسه من أجل دينه وعقيدته فاسمع إلى قصته التي سأختم بها كلامي: كان ملك فيمن كان قبلكم وكان له ساحر فلما كبر قال للملك إني قد كبرت فابعث إلي غلامًا أعلمه السحر فبعث إليه غلامًا يعلمه فكان في طريقه إذا سلك راهب فقعد إليه وسمع كلامه فأعجبه، فكان إذا أتى الساحر مر بالراهب، وقعد إليه فإذا أتى الساحر ضربه فشكا ذلك إلى الراهب فقال: إذا خشيت الساحر فقل: حبسني أهلي وإذا خشيت أهلك فقل: حبسني الساحر، فبينما هو كذلك إذ أتى على دابة عظيمة قد حبست الناس فقال (الغلام): اليوم أعلم آلساحر أفضل أم الراهب أفضل؟، فأخذ حجرًا فقال: اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك من أمر الساحر فاقتل هذه الدابة حتى يمضي الناس فرماها فقتلها ومضى الناس فأتى الراهب فأخبره فقال له الراهب: أي بني أنت اليوم أفضل مني قد بلغ من أمرك ما أرى وإنك ستبتلى فإن ابتليت فلا تدل علي، وكان الغلام يبرئ الأكمه والأبرص ويداوي الناس من سائر الأدواء، فسمع جليس للملك كان قد عمي فأتاه بهدايا كثيرة فقال: ما هاهنا لك أجمع إن أنت شفيتني، فقال: إني لا أشفي أحدًا إنما يشفي الله فإن أنت آمنت بالله دعوت الله فشفاك؛ فآمن بالله فشفاه الله، فأتى الملك فجلس إليه كما كان يجلس فقال له الملك: من رد عليك بصرك؟ قال: ربي، قال: ولك رب غيري؟ قال: ربي وربك الله، فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دل على الغلام؛ فجيء بالغلام فقال له الملك: أي بني قد بلغ من سحرك ما تبرئ الأكمه والأبرص وتفعل وتفعل، فقال: إني لا أشفي أحدًا إنما يشفي الله، فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دل على الراهب فجيء بالراهب فقيل له: ارجع عن دينك، فأبى فدعا بالمنشار فوضع المنشار في مفرق رأسه فشقه حتى وقع شقاه ثم جيء بجليس الملك فقيل له: ارجع عن دينك فأبى فوضع المنشار في مفرق رأسه فشقه به حتى وقع شقاه ثم جيء بالغلام فقيل له: ارجع عن دينك فأبى فدفعه إلى نفر من أصحابه فقال: اذهبوا به إلى جبل كذا وكذا فاصعدوا به الجبل فإذا بلغتم ذروته فإن رجع عن دينه وإلا فاطرحوه فذهبوا به فصعدوا به الجبل فقال: اللهم اكفنيهم بما شئت فرجف بهم الجبل فسقطوا وجاء (الغلام) يمشي إلى الملك فقال له الملك: ما فعل أصحابك؟ قال: كفانيهم الله فدفعه إلى نفر من أصحابه فقال: اذهبوا به فاحملوه في قرقور (قيل معناها السفينة الصغيرة) فتوسطوا به البحر فإن رجع عن دينه وإلا فاقذفوه فذهبوا به فقال: اللهم اكفنيهم بما شئت فانكفأت بهم السفينة فغرقوا وجاء يمشي إلى الملك فقال له الملك: ما فعل أصحابك؟ قال: كفانيهم الله فقال للملك: إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به قال: وما هو؟ قال: تجمع الناس في صعيد واحد وتصلبني على جذع ثم خذ سهمًا من كنانتي ثم ضع السهم في كبد القوس ثم قل: باسم الله رب الغلام ثم ارمني فإنك إذا فعلت ذلك قتلتني فجمع الناس في صعيد واحد وصلبه على جذع ثم أخذ سهمًا من كنانته ثم وضع السهم في كبد القوس ثم قال: باسم الله رب الغلام ثم رماه فوقع السهم في صدغه فوضع يده في صدغه في موضع السهم فماتفقال الناس: آمنا برب الغلام آمنا برب الغلام آمنا برب الغلام فأتي الملك فقيل له: أرأيت ما كنت تحذر قد والله نزل بك حذرك قد آمن الناس فأمر بالأخدود في أفواه السكك فخدت وأضرم النيران وقال: من لم يرجع عن دينه فأحموه فيها (اطرحوه) أو قيل له اقتحم ففعلوا حتى جاءت امرأة ومعها صبي لها فتقاعست (توقفت) أن تقع فيها فقال لها الغلام: يا أمه اصبري فإنك على الحق)). الله أكبر!! أمةٌ بأكملها دخلت في دين الله عز وجل، والسبب هي التضحية التي قدمها غلام صغير.. ألوان أخرى من التضحية:ـ لا تقتصر التضحية على لون معين، بل كل ما يقدمه العبد في سبيل الله تضحية. قال تعالى -: “وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون”60 (الأنفال). و”ما” في الآية نكرة تفيد العموم، وكذلك كلمة “شيء” لذا كانت التضحية بكل محبوب مرغوب سبباً في تحقيق النصر. ومن صورها كذلك التضحية بالنوم أو الراحة عموماً، حيث نقل عن صلاح الدين الأيوبي – رضي الله عنه – أنه ما شبع من النوم ليالي المعارك كلها وما شبع من الطعام، وكان مريضاً وكان قوله دائماً آنذاك في حرقة وأسى “وا إسلاماه وا إسلاماه”، كما روي عنه أنه ترك التبسم حزناً على المقدسات حتى تحررت. وقال كيف أبتسم والمسجد الأقصي محاصر. وعَلْية بن زيد واحد من أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم الذين لم يجد رسول الله ما يحملهم عليه هجر منامه وقام ليلة يصلي وتصدق على كل مسلم ظلمه بالعفو عنه، فلما أصبح قال – صلى الله عليه وسلم -: يا علية، لقد قبل الله صدقتك الليلة في الصدقات. وطلب القائد قتيبة بن مسلم من أحد قواده أن ينظر مَن في المسجد قبل أن يغادر المدينة للمعركة، فجاءه قائلاً: ليس إلا رجل واحد هو محمد بن واسع رافعاً أصبعه إلى السماء يسأل الله النصر للمسلمين، قال قتيبة: “لأصبع محمد بن واسع عندي خير من ألف فارس”. جزاء من قام بالتضحية :ـ التضحية من أجل الدين أحسن وأغلى ما يقدمه الإنسان إلى الله من عمل صالح، بل هي قمة العمل الصالح الذي يُرضي الله تبارك وتعالى فيجزى عليه أحسن الجزاء، قال الله تعالى : ” إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ، جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ ” وقال تعالي (الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (20) يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ (21) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (22) ) التوبة . وقال تعالي (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ۚ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ۖ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ ۚ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ۚ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ ۚ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ(111)) التوبة .
الأضحية عنوان التضحية :ـ
عباد الله!
إن يومكم هذا هو يوم الحج الأكبر، وهو عيد الأضحى والنحر، وإن من أعظم ما يؤدى في هذا اليوم الأضحيةَ الشرعية التي ماعمل ابن آدم يوم النحر عملاً أحبَّ إلى الله من إراقة دم، وإن للمضحي بكل شعرة وبكل صوفة حسنة، وهي سنة أبينا إبراهيم المؤكدة، ويكره تركها لمن قدر عليها، وذبحها أفضل من التصدق بثمنها. وتجزئ الشاة عن واحد، والبدنة والبقرة عن سبعة. والانفراد بالشاة أفضل من سبع البقرة والبدنة.
روى الترمذي عن عائشة أن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، قال : ما عمل آدمي من عمل يوم النحر أحب إلى الله من إهراق الدم. إنها لتأتي يوم القيامة بقرونها وأشعارها وأظلافها ، وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع على الأرض ، فطيبوا بها نفسا ” .
ثم اعلموا أن للأضحية شروطاً ثلاثة:
الأول: أن تكون الأضحية من الإبل والبقر والغنم ، ولا تجزئ من غير هذه الثلاثة . يقول الله سبحانه : ” ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام ” سورة الحج آية رقم 34 ويجزئ من الضأن ما له نصف سنة ، ومن المعز ما له سنة ، ومن البقر ما له سنتان ، ومن الإبل ما له خمس سنين ، يستوي في ذلك الذكر والأنثى .
والشرط الثاني: أن تكون سالمة من العيوب التي نهى عنها الشرع،
فلا تجوز الأضحية بالمعيبة مثل :
1 – المريضة البين مرضها
2 – العوراء البين عورها
3 – العرجاء البين ظلعها
4 – العجفاء التي ذهب مخها من شدة الهزال التي لا تنفي رواه الترمذي وقال : حسن صحيح
5 – العضباء التي ذهب أكثر أذنها أو قرنها . يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” أربعة لا تجزئ في الأضاحي : العوراء البين عورها والمريضة البين مرضها والعرجاء البين ظلعها والعجفاء التي لا تنقي ” . المقصود بالمعيبة : هوالعيب الظاهر الذي ينقص اللحم ، فإذا كان العيب يسيرا فإنه لا يضر .
وكلما كانت أكملَ في ذاتها وصفاتها فهي أفضل.
والشرط الثالث: أن تقع الأضحية في الوقت المحدد شرعاً والذي يبدأ من الفراغ من صلاة العيد وينتهي بغروب شمس آخر أيام التشريق الثلاث . فعن البراء ، رضي الله عنه ، عن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، قال : إن أول ما نبدأ به في يومنا ثم نرجع فننحر ، فمن فعل ذلك فقد أصاب سنتنا ، ومن ذبح قبل فإنما هو لحم قدمه لأهله ليس من النسك في شئ ”
ويسن لمن يحسن الذبح أن يذبح أضحيته بيده ويقول : بسم الله والله أكبر ، اللهم هذا عن فلان – ويسمي نفسه فإن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، ذبح كبشا وقال : بسم الله والله أكبر ، اللهم هذا عني وعن من لم يضح من أمتي ” . رواه أبو داود والترمذي .
فإن كان لا يحسن الذبح فليشهده ويحضره ، فإن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، قال لفاطمة : يا فاطمة ، قومي فاشهدي أضحيتك فإنه يغفر لك عند أول قطرة من دمها كل ذنب عملته ، وقولي : ” إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين ، لا شريك له ، وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين ” . فقال أحد الصحابة : يا رسول الله ، هذا لك ولأهل بيتك خاصة أو للمسلمين عامة ؟ قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : بل للمسلمين عامة .
ويسن للمضحي أن يأكل من أضحيته ويهدي الأقارب ويتصدق منها على الفقراء ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” كلوا وأطعموا وادخروا ” وقد قال العلماء : الأفضل أن يأكل الثلث ويتصدق بالثلث ويدخر الثلث . ويجوز نقلها ولو إلى بلد آخر ، ولا يجوز بيعها ولا بيع جلدها . [ ولا يعطى الجزار من لحمها شيئا كأجر،وله أن يكافئه نظير عمله ] وإنما يتصدق به المضحي أو يتخذ منه ما ينتفع به .
وعند أبي حنيفة أنه يجوز بيع جلدها ويتصدق بثمنه وأن يشتري بعينه ما ينتفع به في البيت .
هذا، ويستحب إظهار الفرح والسرور في هذا اليوم بما لا يُتجاوز فيه حد المشروع، وأن توصل الأرحام، ويعفى عن المظالم، وأن يوسع على العيال.
الخاتمة :ـ أخيرا أيها المسلمون :ـ
علينا أن نهيئ أنفسنا للتضحية بالنفس، للتضحية بالمال، للتضحية بالأولاد، للتضحية بالأوقات، للتضحية بأغلى ما نملك لدين الله جل وعلا، وبغير هذه التضحية لا عزة لنا ولا كرامة. والله ثم والله لا عزة ولا كرامة للأمة إلا بالتضحية. فالمسلم الذي يحافظ على صلاته في وقتها هذه تضحية.
الموظف الذي يؤدي وظيفته بأمانة وإتقان هذه تضحية.
العامل الذي يعمل بإخلاص ولا يغش هذه تضحية.
الطبيب الذي يخدم الإنسان بعلمه هذه تضحية.
الزوج الذي يعمل ليعف نفسه وأهله هذه تضحية.
الزوجة التي تطيع زوجها وتقوم على خدمتها هذه تضحية.
الولد الذي يعمل جاهدا على إرضاء أبويه هذه تضحية.
المسلم الذي يعفو ويسامح الآخرين هذه تضحية.
وكل مسلم يقدم خدمة لله ولمجتمعه ولأمته فهذه تضحية….
فأين من يسلك طريق التضحية ويسجل له موقفا ينفعه هناك يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. أسأل الله تبارك وتعالى أن ينصر الإسلام وأن يعز المسلمين، اللهم لا تخرجنا من هذه الأيام المباركة إلا بذنب مغفور، وسعي مشكور، وتجارة لن تبور برحمتك يا عزيز يا غفور، اللهم اجعل بلادنا وبلاد المسلمين واحة للأمن والأمان وجميع بلاد المسلمين يا أرحم الراحمين.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام علي المرسلين والحمد لله رب العالمين .
وكل عام وحضراتكم بخير .. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وأخبر النبي صلي الله عليه وسلم عن تكالب الأمم علينا أمة الإسلام فقال صلي الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه أحمد وغيره من حديث ثوبان: «يوشك أن تداعى عليكم الأمم من كل أفق، كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، قيل: يا رسول الله! فمن قلة يومئذ؟ قال: لا، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، يجعل الوهن في قلوبكم، وينزع الرعب من قلوب عدوكم؛ لحبكم الدنيا وكراهيتكم الموت». فلابد من التضحية والبذل في سبيل الله كل بما يستطيع، من أجل نصرة الإسلام وإعزاز دين الله، ولا يمكن أن تسود أمة من الأمم إلا إذا كان هذا الأمر ظاهرًا، سواء كانت التضحية بالمال أو بالجاه أو بالنفس والدم أو بمفارقة الأهل والولد أو البذل للوقت والجهد والخبرة وغير ذلك.. إن التضحية هي أساس عزة الأمة، وقدوتنا في ذلك أنبياء الله، وصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولذلك سلفنا الصالح ضحوا بالغالي والرخيص والدم والنفيس لوجه الله جل وعلا، تحمَّلوا الجوع والعطش والبرد والأذى لخدمة هذا الدين، صبروا على الامتحان، وآثروا العقيدة على نعيم الدنيا، تركوا أموالهم وعشيرتهم وأوطانهم، ضحوا بالمصالح، وأواصر القربى والعلاقات والروابط، ضحوا بعلاقاتهم مع آبائهم وأبنائهم، وإخوانهم وأخواتهم وعشيرتهم في سبيل مرضاة الله جل وعلا، وفي سبيل إعلاء دينه، ورفعة كلمته. حكم من يتقاعس عن التضحية في سبيل الله :ــ من قعد أو تقاعس عن التضحية فهو أثم ، لأنه يعتبر الدنيا أكبر همه، فهو يؤثر الحياة الدنيا علي الآخرة ، باع آخرته بعرض من الدنيا ، فمن يبخل بالتضحية بما لديه فهو الخاسر في ميزان الشريعة الإسلامية ، ودليل ذلك من القرآن الكريم قول الله تبارك وتعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ ) [التوبة آية: (38)] وقوله عز وجل قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي القَوْمَ الفَاسِقِينَ ) [التوبة آية: (24)] وقوله سبحانه وتعالي:( ...وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَاللَّهُ الغَنِيُّ وَأَنتُمُ الفُقَرَاءُ وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ )[محمد آية: (38)] ، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ” من مات ولم يغز، ولم يحدث نفسه بالغزو، مات علي شعبة من النفاق” (رواه مسلم).
وسائل التضحية المشروعة:ـ من أهم وسائل التضحية المشروعة كما ورد في القرآن الكريم والسنة المطهرة مايلي:ـ
• التضحية بالنفس. • التضحية بالمال. • التضحية بالأولاد والأهل. • التضحية بالمنصب و الوظيفة. • التضحية بالتعرض للابتلاء والأذى. • التضحية بمفارقة الأحباب والأقارب. • التضحية بالشهوات والغرائز المباحة.
نماذج للتضحية :ـ ما ترك النبي صلى الله عليه وسلم معنى من معاني التضحية والفداء إلا وتحمله وبذله، لقد تحمل بنفس هادئة راضية الأذى والاضطهاد. والمقاطعة له ولأنصاره، فلا يبيع منهم ولا شراء ولا مزاوجة ولا نكاح. لقد رُجم بالأحجار حتى سالت الدماء على عقبيه فتحمل ذلك غير واهن ولا خائر وصودرت أمواله وداره فلم يحزن ولم ييأس، ودبرت المؤامرات المتنوعة لاغتياله فلم يهن ولم يحزن. – إيذاء قريش له بكافة أنواع الإيذاء ، وقال قولته المشهورة صلى الله عليه وسلم : ” والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته” . والحصار الاجتماعي والاقتصادي لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث سنوات في شعب أبي طالب . لقد قدم سخياً راضياً كل ما يملك من مال وروح، وراحة ومهجة، مضحياً باذلاً كل ذلك في سبيل الله ولإعلاء كلمته، فعلم أصحابه البذل والتضحية والفداء بأقواله وأعماله وأخلاقه وسيرته تضحيات الصحابة الكرام رضي الله عنهم :ـ أيقن هؤلاء الرجال أن الدعوة لا تنتصر إلا بالجهاد و التضحية ، والبذل وتقديم النفس و المال ، ولذلك قدم هؤلاء الرجال النفوس وبذلوا الأرواح ، وجاهدوا في الله حق جهاده ، وسمعوا هاتف الرحمن يهتف بهم { قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدى القوم الفاسقين } التوبة 24 . فأصاخوا للنذير ، وخرجوا عن كل شئ طيبة بذلك نفوسهم ، وتركوا أموالهم وديارهم في سبيل نصرة الإسلام راضية قلوبهم مستبشرين ببيعهم الذي بايعوا الله به . تضحية سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه :ـ أخذ سيدنا أبو بكر الصديق ماله كله في الهجرة وجاء والده أبو قحافة، قائلاً لبنيه: “ما أرى أبا بكر إلا فجعكم في ماله” فاحتالت السيدة أسماء على جدها وكان أعمى فجعلت بعض الأحجار في كوة بالبيت، وألقت عليها ثوباً وأخذت بيد أبي قحافة ليمسها توهمه أنه مال. وفي غزوة تبوك حين انتدب الرسول صلى الله عليه وسلم المسلمين لتجهيز جيش العسرة وجد عمر بن الخطاب الفرصة سانحة للتنافس مع أبي بكر في الخير فأتى بنصف ماله وإذا به يجد أبا بكر – رضي الله عنه – قدم ماله كله فقال: “والله لا أسبقه إلى خير أبداً”. وأعتق أبو بكر رضي الله عنه – عدداً من العبيد المسلمين الضعفاء أمثال بلال بن رباح وغيره في بداية الدعوة. تضحية مصعب ابن عمير الصحابي الجليل رضي الله عنه :ـ أول سفير للنبي (صلى الله عليه وسلم) إلى أهل المدينة، الرجل الذي سجل موقفا عظيما في التضحية، مصعب كان أجمل شباب قريش، وأعطرهم، وأطيبهم، وأترفهم دلالاً، فلما خالط الإيمان بشاشة قلبه، وآمن بالله ربا وبالإسلام دينا وبسيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) نبيا ورسولا، فسمعت به أمه فجاءت إليه فقال يا مصعب سمعت أنك آمنت بدعوة محمد (صلى الله عليه وسلم) قال نعم يا أماه قالت له أريدك أن تكفر بدعوة محمد (صلى الله عليه وسلم) فقال لها لا يكون ذلك يا أماه. قالت له: سأحرمك من نعيمك ومن ترفك، وما أنت فيه؟ فماذا يفعل مصعب هل يتخلى عن المال والجاه والترف؟ أم يتخلى عن دين سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم)؟ وكلنا يعرف أن المال شقيق الروح، وأن المال له سحره وبيانه ، وكم رأينا في دنيا اليوم من أخوين ناما في فراش واحد ورضعا من ثدي واحد وأكلا من رغيف واحد فرق بينهما المال.. وكم رأينا أرحام تقاطعت بسبب المال.. وكم من أسرة تفرقت بسبب المال.. وكم إنسان قتل أخاه من أجل المال.. وكم من إنسان باع دينه وضميره من أجل الحصول على المال. لكن سيدنا مصعبا لم يؤثر فيه حب المال بل ضحى بالمال والترف والنعيم واختار دين محمد (صلى الله عليه وسلم) فقدمها وبذلها لله، فلبس أخشن اللباس، وبقي زاهداً في ذلك كله، حتى إنه رضي الله عنه لما استشهد لم يجدوا ما يكفنونه به، فكفن بعباءة إذا غطي رأسه بدت رجلاه، وإذا غطيت رجلاه بدا رأسه، وكان من أعطر وأثرى وأجمل وأترف شباب قريش، ولما مر النبي (صلى الله عليه وسلم) على مصعب بن عمير وهو مقتول على طريقه، وقف ودعا له، ثمّ تلا قوله تعالى: ﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً ﴾ [الأحزاب: 23]. فأين الأمة من تضحية سيدنا مصعب (رضي الله عنه)؟ هذا درس عظيم في التضحية يقدمه سيدنا مصعب لكل من باع دينه من أجل المال، وكل من ضحى بدينه من أجل الوظيفة. وكل من باع دينه من أجل الجاه والمنصب. ليقول لهم: ضحوا بكل شيئ من أجل دينكم وعقيدتكم. فالدنيا زائلة والآخرة هي خير وأبقى. وكأنه يقول لكل مسلم بلسان الحال
تهون الحياة وكل يهون **** ولكن إسلامنا لا يهون نضحي له بالعزيز الكريم**** ومن أجله نستحب المنون
تضحية حنظلة بن أبي عامر رضي الله عنه :ـ عندما سمع حنظلة بن أبي عامر الراهب، داعي الجهاد ليلة زفافه، نهض من فراش عروسه إلى المعركة، دون أن يغتسل، ولقي الله شهيداً، فأخبر – صلى الله عليه وسلم – أنه رأى الملائكة تغسله بين السماء والأرض، وسمي “غسيل الملائكة”، إنه ضحى بليلة عمره، كما يقولون بل بحياته كلها وضحى بعروسه في ليلتها الأولى، لتعانقه الحور العين في جنة الفردوس، ووجد أبوخيثمة في جيش العسرة امرأتيه قد أعدتا له طعاماً شهياً وماء بارداً ومجلساً ليناً وظلاً ظليلاً، فصرخ: ما هذا بالنَّصف (أي بالعدل)، رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحر وأنا هنا؟! جهزاني، وما نزل عن راحلته حتى لحق برسول الله صلى الله عليه وسلم -.. تضحية صهيب الرومي رضي الله عنه :ـ لقد ساوم الكفار صهيب الرومي على ماله أو يمنعوه من الهجره، فترك لهم ماله كله ولحق برسول الله صلى الله عليه وسلم – في المدينة فتلقاه قائلاً: “ربح البيع أبا يحيى، ربح البيع أبا يحيى”.
تضحية غلام أحيت أمة كاملة :ـ هذا الغلام والراهب والساحر الذي حدثنا عنه النبي (صلى الله عليه وسلم) كيف ضحى بنفسه من أجل دينه وعقيدته فاسمع إلى قصته التي سأختم بها كلامي: كان ملك فيمن كان قبلكم وكان له ساحر فلما كبر قال للملك إني قد كبرت فابعث إلي غلامًا أعلمه السحر فبعث إليه غلامًا يعلمه فكان في طريقه إذا سلك راهب فقعد إليه وسمع كلامه فأعجبه، فكان إذا أتى الساحر مر بالراهب، وقعد إليه فإذا أتى الساحر ضربه فشكا ذلك إلى الراهب فقال: إذا خشيت الساحر فقل: حبسني أهلي وإذا خشيت أهلك فقل: حبسني الساحر، فبينما هو كذلك إذ أتى على دابة عظيمة قد حبست الناس فقال (الغلام): اليوم أعلم آلساحر أفضل أم الراهب أفضل؟، فأخذ حجرًا فقال: اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك من أمر الساحر فاقتل هذه الدابة حتى يمضي الناس فرماها فقتلها ومضى الناس فأتى الراهب فأخبره فقال له الراهب: أي بني أنت اليوم أفضل مني قد بلغ من أمرك ما أرى وإنك ستبتلى فإن ابتليت فلا تدل علي، وكان الغلام يبرئ الأكمه والأبرص ويداوي الناس من سائر الأدواء، فسمع جليس للملك كان قد عمي فأتاه بهدايا كثيرة فقال: ما هاهنا لك أجمع إن أنت شفيتني، فقال: إني لا أشفي أحدًا إنما يشفي الله فإن أنت آمنت بالله دعوت الله فشفاك؛ فآمن بالله فشفاه الله، فأتى الملك فجلس إليه كما كان يجلس فقال له الملك: من رد عليك بصرك؟ قال: ربي، قال: ولك رب غيري؟ قال: ربي وربك الله، فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دل على الغلام؛ فجيء بالغلام فقال له الملك: أي بني قد بلغ من سحرك ما تبرئ الأكمه والأبرص وتفعل وتفعل، فقال: إني لا أشفي أحدًا إنما يشفي الله، فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دل على الراهب فجيء بالراهب فقيل له: ارجع عن دينك، فأبى فدعا بالمنشار فوضع المنشار في مفرق رأسه فشقه حتى وقع شقاه ثم جيء بجليس الملك فقيل له: ارجع عن دينك فأبى فوضع المنشار في مفرق رأسه فشقه به حتى وقع شقاه ثم جيء بالغلام فقيل له: ارجع عن دينك فأبى فدفعه إلى نفر من أصحابه فقال: اذهبوا به إلى جبل كذا وكذا فاصعدوا به الجبل فإذا بلغتم ذروته فإن رجع عن دينه وإلا فاطرحوه فذهبوا به فصعدوا به الجبل فقال: اللهم اكفنيهم بما شئت فرجف بهم الجبل فسقطوا وجاء (الغلام) يمشي إلى الملك فقال له الملك: ما فعل أصحابك؟ قال: كفانيهم الله فدفعه إلى نفر من أصحابه فقال: اذهبوا به فاحملوه في قرقور (قيل معناها السفينة الصغيرة) فتوسطوا به البحر فإن رجع عن دينه وإلا فاقذفوه فذهبوا به فقال: اللهم اكفنيهم بما شئت فانكفأت بهم السفينة فغرقوا وجاء يمشي إلى الملك فقال له الملك: ما فعل أصحابك؟ قال: كفانيهم الله فقال للملك: إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به قال: وما هو؟ قال: تجمع الناس في صعيد واحد وتصلبني على جذع ثم خذ سهمًا من كنانتي ثم ضع السهم في كبد القوس ثم قل: باسم الله رب الغلام ثم ارمني فإنك إذا فعلت ذلك قتلتني فجمع الناس في صعيد واحد وصلبه على جذع ثم أخذ سهمًا من كنانته ثم وضع السهم في كبد القوس ثم قال: باسم الله رب الغلام ثم رماه فوقع السهم في صدغه فوضع يده في صدغه في موضع السهم فماتفقال الناس: آمنا برب الغلام آمنا برب الغلام آمنا برب الغلام فأتي الملك فقيل له: أرأيت ما كنت تحذر قد والله نزل بك حذرك قد آمن الناس فأمر بالأخدود في أفواه السكك فخدت وأضرم النيران وقال: من لم يرجع عن دينه فأحموه فيها (اطرحوه) أو قيل له اقتحم ففعلوا حتى جاءت امرأة ومعها صبي لها فتقاعست (توقفت) أن تقع فيها فقال لها الغلام: يا أمه اصبري فإنك على الحق)). الله أكبر!! أمةٌ بأكملها دخلت في دين الله عز وجل، والسبب هي التضحية التي قدمها غلام صغير.. ألوان أخرى من التضحية:ـ لا تقتصر التضحية على لون معين، بل كل ما يقدمه العبد في سبيل الله تضحية. قال تعالى -: “وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون”60 (الأنفال). و”ما” في الآية نكرة تفيد العموم، وكذلك كلمة “شيء” لذا كانت التضحية بكل محبوب مرغوب سبباً في تحقيق النصر. ومن صورها كذلك التضحية بالنوم أو الراحة عموماً، حيث نقل عن صلاح الدين الأيوبي – رضي الله عنه – أنه ما شبع من النوم ليالي المعارك كلها وما شبع من الطعام، وكان مريضاً وكان قوله دائماً آنذاك في حرقة وأسى “وا إسلاماه وا إسلاماه”، كما روي عنه أنه ترك التبسم حزناً على المقدسات حتى تحررت. وقال كيف أبتسم والمسجد الأقصي محاصر. وعَلْية بن زيد واحد من أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم الذين لم يجد رسول الله ما يحملهم عليه هجر منامه وقام ليلة يصلي وتصدق على كل مسلم ظلمه بالعفو عنه، فلما أصبح قال – صلى الله عليه وسلم -: يا علية، لقد قبل الله صدقتك الليلة في الصدقات. وطلب القائد قتيبة بن مسلم من أحد قواده أن ينظر مَن في المسجد قبل أن يغادر المدينة للمعركة، فجاءه قائلاً: ليس إلا رجل واحد هو محمد بن واسع رافعاً أصبعه إلى السماء يسأل الله النصر للمسلمين، قال قتيبة: “لأصبع محمد بن واسع عندي خير من ألف فارس”. جزاء من قام بالتضحية :ـ التضحية من أجل الدين أحسن وأغلى ما يقدمه الإنسان إلى الله من عمل صالح، بل هي قمة العمل الصالح الذي يُرضي الله تبارك وتعالى فيجزى عليه أحسن الجزاء، قال الله تعالى : ” إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ، جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ ” وقال تعالي (الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (20) يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ (21) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (22) ) التوبة . وقال تعالي (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ۚ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ۖ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ ۚ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ۚ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ ۚ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ(111)) التوبة .
الأضحية عنوان التضحية :ـ
عباد الله!
إن يومكم هذا هو يوم الحج الأكبر، وهو عيد الأضحى والنحر، وإن من أعظم ما يؤدى في هذا اليوم الأضحيةَ الشرعية التي ماعمل ابن آدم يوم النحر عملاً أحبَّ إلى الله من إراقة دم، وإن للمضحي بكل شعرة وبكل صوفة حسنة، وهي سنة أبينا إبراهيم المؤكدة، ويكره تركها لمن قدر عليها، وذبحها أفضل من التصدق بثمنها. وتجزئ الشاة عن واحد، والبدنة والبقرة عن سبعة. والانفراد بالشاة أفضل من سبع البقرة والبدنة.
روى الترمذي عن عائشة أن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، قال : ما عمل آدمي من عمل يوم النحر أحب إلى الله من إهراق الدم. إنها لتأتي يوم القيامة بقرونها وأشعارها وأظلافها ، وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع على الأرض ، فطيبوا بها نفسا ” .
ثم اعلموا أن للأضحية شروطاً ثلاثة:
الأول: أن تكون الأضحية من الإبل والبقر والغنم ، ولا تجزئ من غير هذه الثلاثة . يقول الله سبحانه : ” ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام ” سورة الحج آية رقم 34 ويجزئ من الضأن ما له نصف سنة ، ومن المعز ما له سنة ، ومن البقر ما له سنتان ، ومن الإبل ما له خمس سنين ، يستوي في ذلك الذكر والأنثى .
والشرط الثاني: أن تكون سالمة من العيوب التي نهى عنها الشرع،
فلا تجوز الأضحية بالمعيبة مثل :
1 – المريضة البين مرضها
2 – العوراء البين عورها
3 – العرجاء البين ظلعها
4 – العجفاء التي ذهب مخها من شدة الهزال التي لا تنفي رواه الترمذي وقال : حسن صحيح
5 – العضباء التي ذهب أكثر أذنها أو قرنها . يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” أربعة لا تجزئ في الأضاحي : العوراء البين عورها والمريضة البين مرضها والعرجاء البين ظلعها والعجفاء التي لا تنقي ” . المقصود بالمعيبة : هوالعيب الظاهر الذي ينقص اللحم ، فإذا كان العيب يسيرا فإنه لا يضر .
وكلما كانت أكملَ في ذاتها وصفاتها فهي أفضل.
والشرط الثالث: أن تقع الأضحية في الوقت المحدد شرعاً والذي يبدأ من الفراغ من صلاة العيد وينتهي بغروب شمس آخر أيام التشريق الثلاث . فعن البراء ، رضي الله عنه ، عن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، قال : إن أول ما نبدأ به في يومنا ثم نرجع فننحر ، فمن فعل ذلك فقد أصاب سنتنا ، ومن ذبح قبل فإنما هو لحم قدمه لأهله ليس من النسك في شئ ”
ويسن لمن يحسن الذبح أن يذبح أضحيته بيده ويقول : بسم الله والله أكبر ، اللهم هذا عن فلان – ويسمي نفسه فإن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، ذبح كبشا وقال : بسم الله والله أكبر ، اللهم هذا عني وعن من لم يضح من أمتي ” . رواه أبو داود والترمذي .
فإن كان لا يحسن الذبح فليشهده ويحضره ، فإن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، قال لفاطمة : يا فاطمة ، قومي فاشهدي أضحيتك فإنه يغفر لك عند أول قطرة من دمها كل ذنب عملته ، وقولي : ” إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين ، لا شريك له ، وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين ” . فقال أحد الصحابة : يا رسول الله ، هذا لك ولأهل بيتك خاصة أو للمسلمين عامة ؟ قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : بل للمسلمين عامة .
ويسن للمضحي أن يأكل من أضحيته ويهدي الأقارب ويتصدق منها على الفقراء ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” كلوا وأطعموا وادخروا ” وقد قال العلماء : الأفضل أن يأكل الثلث ويتصدق بالثلث ويدخر الثلث . ويجوز نقلها ولو إلى بلد آخر ، ولا يجوز بيعها ولا بيع جلدها . [ ولا يعطى الجزار من لحمها شيئا كأجر،وله أن يكافئه نظير عمله ] وإنما يتصدق به المضحي أو يتخذ منه ما ينتفع به .
وعند أبي حنيفة أنه يجوز بيع جلدها ويتصدق بثمنه وأن يشتري بعينه ما ينتفع به في البيت .
هذا، ويستحب إظهار الفرح والسرور في هذا اليوم بما لا يُتجاوز فيه حد المشروع، وأن توصل الأرحام، ويعفى عن المظالم، وأن يوسع على العيال.
الخاتمة :ـ أخيرا أيها المسلمون :ـ
علينا أن نهيئ أنفسنا للتضحية بالنفس، للتضحية بالمال، للتضحية بالأولاد، للتضحية بالأوقات، للتضحية بأغلى ما نملك لدين الله جل وعلا، وبغير هذه التضحية لا عزة لنا ولا كرامة. والله ثم والله لا عزة ولا كرامة للأمة إلا بالتضحية. فالمسلم الذي يحافظ على صلاته في وقتها هذه تضحية.
الموظف الذي يؤدي وظيفته بأمانة وإتقان هذه تضحية.
العامل الذي يعمل بإخلاص ولا يغش هذه تضحية.
الطبيب الذي يخدم الإنسان بعلمه هذه تضحية.
الزوج الذي يعمل ليعف نفسه وأهله هذه تضحية.
الزوجة التي تطيع زوجها وتقوم على خدمتها هذه تضحية.
الولد الذي يعمل جاهدا على إرضاء أبويه هذه تضحية.
المسلم الذي يعفو ويسامح الآخرين هذه تضحية.
وكل مسلم يقدم خدمة لله ولمجتمعه ولأمته فهذه تضحية….
فأين من يسلك طريق التضحية ويسجل له موقفا ينفعه هناك يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. أسأل الله تبارك وتعالى أن ينصر الإسلام وأن يعز المسلمين، اللهم لا تخرجنا من هذه الأيام المباركة إلا بذنب مغفور، وسعي مشكور، وتجارة لن تبور برحمتك يا عزيز يا غفور، اللهم اجعل بلادنا وبلاد المسلمين واحة للأمن والأمان وجميع بلاد المسلمين يا أرحم الراحمين.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام علي المرسلين والحمد لله رب العالمين .
وكل عام وحضراتكم بخير .. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته