الجوانب الإنسانية في خطبة الوداع للشيخ السيد أبو أحمد



الحمد لله رب العالمين أحل الحلال ، وحرم الحرام ، وشرع الشرائع ، وحد الحدود ، وأتم علينا النعمة ، وأكمل لنا الدين ، ورضي لنا الإسلام دينا ،فقال تعالي }الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا (3){ المائدة .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له .. خصنا بخير كتاب أنزل ، وشرفنا بخير نبي أرسل وجعلنا بالإسلام خير أمة أخرجت للناس تأمر بالمعروف ، وتنهي عن المنكر ، وتؤمن بالله فقال تعالي}كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ (110){ آل عمران .  
 وأشهد أن سيدنا محمدا رسول الله صلي الله عليه وسلم .. بلغنا كل شيئ عن الله تعالي فقال صلي الله عليه وسلم } خذوا عني مناسككم لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا {.                                            
  فاللهم صل علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلي يوم الدين .  
  أما بعد .. فيا أيها المؤمنون .               
 لقد ظل رسول الله صلي الله عليه وسلم في المدينة تسع سنين يعلم الناس صلاتهم وصيامهم وزكاتهم وما يتعلق بهم من عبادات وواجبات ،وبقي أن يعلمهم مناسكهم وكيفية أدائهم شعائر الحج المباركة بعد أن طويت تلك التقاليد الجاهلية الباطلة المتوارثة أيام موسم الحج في الجاهلية من تصدية وصفير وعري أثناء الطواف، وقضي عليها مع القضاء على الأوثان وتطهير بيت الله الحرام منها ببزوغ وانبلاج نور التوحيد وشمس دين الإسلام، لقد جاء الإسلام ليغسل هذه الشعيرة المباركة مما قد علق بها من أدران نتنة وليعيدها نقية صافية تشع بنور التوحيد، وتقوم على أساس العبودية المطلقة لله رب العالمين.
 وقد كان لحجة الرسول صلى الله عليه وسلم التي حجها مع أصحابه معلما إياهم مناسكهم معنى كبيرا وجليلا يتعلق بالدعوة الإسلامية والمنهج العام للنظام الإسلامي، ومن أجل ذلك أذن الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم في الناس أنه حاج إلى بيت الله الحرام، ومن أجل ذلك أقبل الناس من كل حدب وصوب يريدون أن يأتموا به صلى الله عليه وسلم ليتعلموا منه الأعمال الصحيحة للحج فلا يقعوا في رواسب التقاليد الجاهلية البائدة. 
 لقد كان المسلمون- وهم كثرة متفرقون- يوم نودي وأذن بين الناس أن الرسول صلى الله عليه وسلم سوف يحج في غاية الشوق إلى لقاء نبيهم صلى الله عليه وسلم والإستفادة من هديه ونصائحه، وكان به أيضٌا صلى الله عليه وسلم شوق إلى مزيد من اللقاء معهم لا سيما تلك الحشود التي دخلت في الإسلام حديثا من مختلف جهات الجزيرة العربية، ممن لم تتح لهم فرص اللقاء الكافي معه صلى الله عليه وسلم، وإن أكبر وأجمل فرصة لذلك إنما هو فرصة اللقاء معه صلى الله عليه وسلم في الحج إلى بيت الله الحرام، وفي سفوح عرفات، إنه لقاء بين أمة ورسولها وقائدها في ظل شعيرة هي من أكبر شعائر الإسلام، إنه لقاء مبارك ميمون، كان في علم الله تعالى وإلهام رسوله صلى الله عليه وسلم لقاء توصية ووداع.                                
وركب النبي صلي الله عليه وسلم ناقته القصواء فلما استوي عليها وهمت به قائمة أهل ملبيا (لبيك اللهم لبيك ،لبيك لا شريك لك لبيك ،إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبيك ) فصاح الناس يلبون عن يمينه وشماله بين يديه ومن خلفه ، ولبت معه الكائنات كلها الحجر والشجر ،وانطلقت الأصوات تعج بالتلبية وتهل بالتوحيد .  
وخرج رسول الله صلي الله عليه وسلم لخمس لبال بقين من ذي القعدة حتي وصل إلي مكة فلما رأي البيت الحرام رفع يديه ،ثم قال (اللهم زد هذا البيت تشريفا ،وتعظيما وبرا ،وزد من عظمه ممن حجه واعتمره تشريفا وتعظيما وتكريما ومهابة  وبرا). 
وأقام رسول الله صلي الله عليه وسلم في مكة حتي يوم التروية فلما زاغت الشمس مالت عند الظهر في ذلك اليوم ركب إلي مني فبات بها ثم أصبح فصلي بها الصبح ثم سار إلي عرفة حين رأي الشمس قد طلعت ، فلما صار ببطن عرفة وقف علي راحلته فخطب في الناس خطبته الجامعة ، والله ما أروعها من كلمات تلك التي ألقاها الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم في سفوح عرفات، راح فيها صلى الله عليه وسلم يخاطب فيها الآلاف المؤلفة من المؤمنين بعد أن أدى صلى الله عليه وسلم الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله، وفي سبيل الدعوة إلى الله تعالى ثلاثة وعشرين عاما لا يكل ولا يمل.
والله ما أروعها من ساعة، تلك التي اجتمع فيها حول رسول الله صلى الله عليه وسلم، أعظم قائد عرفه التاريخ، الآلاف المؤلفة من المؤمنين الذين اجتمعوا حول قائدهم ونبيهم صلى الله عليه وسلم خاشعين لله تعالى، ومتضرعين.وطالما تربصوا به من قبل ذلك متآمرين ،ومحاربين آلاف مؤلفة يملؤن ما يمتد به النظر من كل الجهات تردد بلسان حالها قول الله تعالي } إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ (51) {غافر. وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر من خلال وجوههم إلى  الأجيال المقبلة ، إلي العالم الإسلامي الكبير الذي سيملأ شرق الأرض وغربها ، وراح الرسول الأعظم والقائد الأكبر صلوات ربي وسلامه عليه يلقي على مسامعهم خطابه البليغ المودع،وكان ربيعة ابن أمية ابن خلف ابن عدو الله واقفا تحت صدر الناقة يردد قول النبي صلي الله عليه وسلم وكان صيتا الصوت كلما قال رسول الله صلي الله عليه وسلم كلمة صرخ بها ربيعة يبلغها في الناس .                               
ومما بدأ به رسول الله صلي الله عليه وسلم خطابه المودع كما روي عن بعض العلماء بهذه العبارة المؤثرة: "أيها الناس اسمعوا قولي فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا بهذا الموقف أبدا".                                                           
وأنصتت الآلاف المؤلفة من المؤمنين، إلى نبيهم عليه الصلاة والسلام لتسمع خطبته البليغة والمؤثرة، بل وأنصت الحجر والقفر والمدر إلى الكلمة المودعة الجامعة ينطق بها فم رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم وأشرف رسل الله تعالى، وسيد الأولين والآخرين، بعد أن سعدت به الدنيا كلها ثلاثة وستين عاما.
ها هو الآن يلمح بالرحيل بعد أن قام بأمر ربه وغرس الأرض بغراس الإيمان ، وها هو الآن يلخص المبادئ التي جاء بها ، وجاهد في سبيلها في كلمات جامعة وبنود معدودة يلقي بها علي سمع العالم ،وهذا نص خطبته الجامعة ..               
  أَيُّهَا النَّاسُ!                                                                                                                                                    إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ إِلَى أَنْ تَلْقَوْا رَبَّكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا. أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟ اللَّهُمَّ فَاشْهَدْ! فَمَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ أَمَانَةٌ فَلْيُؤَدِّهَا إِلَى مَنِ ائْتَمَنَهُ عَلَيْهَا وَإِنَّ رِبَا الجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ وَإِنَّ أَوَّلَ رِبًا أَبْدَأُ بِهِ رِبَا الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ، وَإِنَّ دِمَاءَ الجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ وَإِنَّ أَوَّلَ دَمٍ أَبْدَأُ بِهِ دَمُ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الحَارِثِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ. وَإِنَّ مَآثِرَ الجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ غَيْرَ السِّدَانَةِ وَالسِّقَايَةِ. وَالْعَمْدُ قَوَدٌ وَشِبْهُ الْعَمْدِ مَا قُتِلَ بِالْعَصَا وَالحَجَرِ وَفِيهِ مِائَةُ بَعِيرٍ فَمَنْ زَادَ فَهُوَ مِنَ الجَاهِلِيَّةِ.  
   أَيُّهَا النَّاسُ! 
إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يُعْبَدَ بِأَرْضِكُمْ هَذِهِ وَلَكِنَّهُ قَدْ رَضِيَ بِأَنْ يُطَاعَ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ فِيمَا تُحَقِّرُونَ مِنْ أَعْمَالِكُمْ. أَيُّهَا النَّاسُ! إِنَّمَا النَّسِي‏ءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عاماً لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللهُ وَإِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَإِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنا عَشَـرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ثَلَاثَةٌ مُتَوَالِيَةٌ وَوَاحِدٌ فَرْدٌ: ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالمُحَرَّمُ وَرَجَبٌ بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ. أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟ اللَّهُمَّ فَاشْهَدْ! 
 أَيُّهَا النَّاسُ ! 
إِنَّ لِنِسَائِكُمْ عَلَيْكُمْ حَقّاً وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ حَقّاً. حَقُّكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ وَلَا يُدْخِلْنَ أَحَداً تَكْرَهُونَهُ بُيُوتَكُمْ إِلَّا بِإِذْنِكُمْ وَأَنْ لَا يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ فَإِنْ فَعَلْنَ فَإِنَّ اللهَ قَدْ أَذِنَ لَكُمْ أَنْ تَعْضُلُوهُنَّ وَتَهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ‏ وَتَضْـرِبُوهُنَّ ضَرْباً غَيْرَ مُبْرِحٍ، فَإِذَا انْتَهَيْنَ وَأَطَعْنَكُمْ فَعَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالمَعْرُوفِ، أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِِ اللهِ فَاتَّقُوا اللهَ فِي النِّسَاءِ وَاسْتَوْصُوا بِهِنَّ خَيْراً. أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟ اللَّهُمَّ فَاشْهَدْ!   
يُّهَا النَّاسُ!
إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ وَلَا يَحِلُّ لِمُؤْمِنٍ مَالُ أَخِيهِ إِلَّا مِنْ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ. أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟ اللَّهُمَّ فَاشْهَدْ! فَلَا تَرْجِعُنَّ بَعْدِي كُفَّاراً يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ فَإِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إِنْ أَخَذْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا (وفي روايةٍ لَمْ تَضِلُّوا) كِتَابَ اللهِ (وفي روايةٍ: و سُنَّةَ نبيِّه، وفي روايةٍ: وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي)، أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟ اللَّهُمَّ فَاشْهَدْ! 
   أَيُّهَا النَّاسُ!                                                                                            
 إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، كُلُّكُمْ لِآدَمَ وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ وَلَيْسَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ فَضْلٌ إِلَّا بِالتَّقْوَى أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ!
أَيُّهَا النَّاسُ! 
 إِنَّ اللهَ قَدْ قَسَمَ لِكُلِّ وَارِثٍ نَصِيبَهُ مِنَ الْمِيرَاثِ وَلَا يَجُوزُ لِمُورِثٍ وَصِيَّةُ أَكْثَرَ مِنَ الثُّلُثِ. وَالْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الحَجَرُ، مَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ وَمَنْ تَوَلَّى غَيْرَ مَوَالِيهِ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يَقْبَلُ اللهُ مِنْهُ صَرْفاً وَلَا عَدْلًا.       وَالسَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ.
  وبعد أن فرغ النبي صلي الله عليه وسلم من إلقاء الخطبة نزل عليه قوله تعالي (﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾المائدة (3) ، ولما نزلت بكي عمر ابن الخطاب رضي الله عنه فقال له النبي صلي الله عليه وسلم (ما يبكيك ؟ قال أبكي إنا كنا في زيادة من ديننا فأما إذا كمل فإنه لم يكمل شيئقط إلا نقص فقال صلي الله عليه وسلم صدقت .  
 لقد تضمنت هذه الخطبة الجامعة المانعة جملة من المبادئ الإنسانية العالية التي تحتاج إليها البشرية الشاردة المعذبة التائهة لترشد وتسعد  قال تعالي } فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123)  طه .  فقد أرسي فيها مبادئ الرحمة والإنسانية ، وأرسي دعائم السلم والسلام وأقام أواصر المحبة والأخوة .
فكانت الخطبة بمثابة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان المحدد في عدة جوانب ..
المبدأ الأول :ـ حرمة سفك الدماء: 
 فالمبدأ الأول الذي أرساه الرسول الكريم في خطبته هو حرمة سفك الدماء بغير حق، وفي هذا يقول عليه الصلاة والسلام: ( أيها الناس، إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم إلى أن تلقوا ربكم، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا ، في بلدكم هذا ) فقد نادى هذا النبي العظيم بحقوق الإنسان، وأنه لابد أن يكون محترمًا، له مكانته بين الناس.               
 و قد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه نظر إلى الكعبة وقال: "ما أعظمك، وما أشد حرمتك، والذي نفسي بيده، للمؤمن أشد حرمة عند الله منك" فأين أمة الإسلام اليوم من تطبيق هذا المبدأ، وقد أخذ بعضها برقاب بعض، وتسلط القوي فيها على الضعيف .  
المبدأ الثاني  حرمة مال الإنسان:ـ 
 فكما حرم سفك الدماء فقد حرم سلب المال بغير وجه حق فقال ( إنما المؤمنون إخوة و لا يحل لامرئ مال أخيه إلا عن طيب نفس منه ) .                 
 وقد كرر عليه الصلاة والسلام هذه الوصية في خاتمة خطبته -كما ذكر ابن هشام في سيرته- مؤكدًا ضرورة الاهتمام بها بقوله: "تعلَمُنَّ أن كل مسلم أخ للمسلم، وأن المسلمين أخوة، فلا يحل لامرئ من أخيه إلا ما أعطاه عن طيب منه، فلا تظلمن أنفسكم...".  
  لقد قرر الرسول صلى الله عليه وسلم في خطبته حرمةَ الأموال التي يكدحُ المرءُ بجمعها، ليستمتعَ بالحلال من الطيبات والرزق ويصونَ نفسه ومن يعول عن مذلَّة السؤال، وصيانةً لحرمة المال قال تعالى: ﴿ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾.ولذا حض على أداء الأمانات إلى أهلها فقد قال ( فمن كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها ) كما أنه حرم استغلال الإنسان لحاجة و فقر أخيه فقال ( و إن كل ربا موضوع ) حيث كانت الربا من موبقات الجاهلية المتأصلة التي يستغل فيها الأغنياء حاجة الفقراء. 
 كما انه حرم حرمان الوارث من نصيبه فقال ( أيها الناس إن الله قد قسم لكل وارث نصيبه من الميراث ) و حفظا لحقوق الوارثين منع الوصية بأكثر من الثلث أو لمستحق للميراث ( و لا تجوز لوارث وصية و لا تجوز وصية في أكثر من الثلث ). 
 المبدأ الثالث :ــ المساواه بين الجميع :ـ 
 فقد كان رسول الله صريحا في عباراته التي تقطع على المتشككين فكرهم حين يعتقد البعض أن الرسول الكريم يستثني أقاربه من التكليفات الإلهية بل انه بلغ قمة النقاء و العدل حين بدأ بأقاربه و ذوي رحمه فقال ( إن ربا الجاهلية موضوع وإن أول ربا أبدأ به ربا عمي العباس بن عبد المطلب ، وإن دماء الجاهلية موضوع، وإن أول دم أبدأ أضع دم عامر ابن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب).       
وقضي علي كل أشكال التمييز فقد أعلن الرسول الكريم أن الناس متساوون في التكاليف حقوقاً وواجباتٍ، لا فرق بين عربيٍ ولا عجمي إلا بالتقوى، لا تفاضل في نسب، ولا تمايز في لون، فالنزاعات العنصرية والنعرات الوطنية لا يعتد بها الإسلام فالكل سواسية أمام الله ففي الإسلام لا فرق بين أبيض، ولا أسود، ولا أحمر؛ و لا يوجد نسب، ولا مال، ولا جاه الكل سواء أمام الله ( أيها الناس إن ربكم واحد و إن أباكم واحد كلكم لآدم و آدم من تراب أكرمكم عند الله اتقاكم ليس لعربي فضل على أعجمي إلا بالتقوى ).  
  ومن المساواة العملية التي قررها الإسلام قولاً وطبقها فعلاً المساواة أمام قانون الإسلام وأحكام الشرع.           الحرام في شريعة الإسلام يَتَّسِم بالشمول والاطِّراد، فليس هناك شيء حرام على الأعجمي، حلال على العربي، وليس هناك شيء محظور على الملون، مباح للأبيض، وليس هناك جواز أو ترخيص، ممنوح لفئة من الناس، تقترف باسمه ما طوع لها الهوى، بل ليس للمسلم خصوصية تجعل الحرام على غيره حلالاً له، كلا إن الله رب الجميع، والشرع سيد الجميع، فما أحل الله بشريعته فهو حلال للناس كافة، وما حرَّم فهو حرام على الجميع كافة إلى يوم القيامة.  
  السرقة مثلاً حرام، سواء أكان السارق ينتمي إلى المسلمين، أمْ لاَ ينتمي، وسواء أكان المسروق ينتمي إلى المسلمين، أم لا ينتمي، والجزاء لازم للسارق، أياً كان نسبه أو مركزه   
وقد حاول بعض الصحابة أن يُشَفِّعوا أسامةَ بن زيد، حِبِّ رسـول الله صلى الله عليه وسلم وابن حَبِّه في امرأة من قريش، من بني مخزوم، سرقت فاستحقت أن يُقام عليها حدُّ السرقة، فكلَّمه أسامة فيها، فغضب عليه الصلاة والسلام غضبته التاريخية المعروفة، وقال قولته التي خلَّدها التاريخ، فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا (إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا) [البخاري ومسلم] وكان عمر رضي الله عنه، إذا أراد إنفاذ أمر، جمع أهله وخاصته، وقال لهم: (إني أمرت الناس بكذا ونهيتهم عن كذا، والناس كالطير، إن رأوكم وقعتم وقعوا، وايمُ الله لا أوتَيَنَّ بواحد وقع في ما نهيت الناس عنه، إلا ضاعفتُ له العقوبة لمكانه مني) فصارت القرابة من عمر مصيبة.    
 وبموجب هذا البند أصبح لكل إنسان حق التمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة في هذا الإعلان، دون أي تمييز، كالتمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين..........         
 البند الرابع :ـ قطع الصلة بالجاهلية وما كانت عليه :ــ  
لقد أشار النبي صلي الله عليه وسلم إلي أهمية قطع المسلم علاقته بالجاهلية وما كان عليه في السابق ولم يكن حديثه مجرد توصية وإنما كان قرارا أعلن فيه للملأ كله، قوله صلى الله عليه وسلم: "ألا إن كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع، دماء الجاهلية موضوعة... وربا الجاهلية موضوع...". وهذا نص واضح، وتصريح صارخ أن كل ما كان عليه أمر الجاهلية قد بَطَل، ولم يبقَ له أي اعتبار، بل هو جيفة منتنة، لا يمكن أن ينهض بأمة، بَلْهَ أن يبني حضارة تكون هدى للبشرية، بل هو إلى الهدم والخراب أقرب. 
 وأكَّد صلى الله عليه وسلم في خطبته على تحريمِ صورٍ من المعاملاتِ الجاهليةِ، وأهمها الربا الذي هو أسوأ ما تعاملت به الإنسانية في شؤونها المالية، فكم خرَّب من بيوت عامرة، وكم دمَّر من قرى قائمة، وكم جلب من محن وبلايا، لقد أبطل ربا الجاهلية الذي يقوم على أساس الحصول على المال بأي وسيلة حتى ولو كان فيها سحق البشرية لمصلحة المرابي، ومن أجل ذلك فقد أعلن الله حربه على المرابين الذين يصرون على أكل الربا..     فقال تعالي: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾. 
 وبين النبي صلى الله عليه وسلم خطورة التعامل بالربا، وأنه من الذنوب التي لا يستطيع من كان في قلبه مثقال حبة من إيمان استحلالها؛ فعن أنس قال: "إن الدرهم يصيبه الرجل من الربا أعظم عند الله في الخطيئة من ست وثلاثين زنية"؛ صححه الألباني.                     
 هذا الذنب العظيم في حقِّ من أكل درهمًا واحدًا، فكيف بمن يأكل الملايين أخذًا أو عطاءً أو كتابةً أو رصدًا أو حراسةً! كل هؤلاء سواء، عليهم كِفْلٌ ونصيبٌ من الذنب لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((من زاد أو استزاد فقد أربى الآخذ والمعطي فيه سواء)).  
  وعند مسلم قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (الربا ثلاثة وسبعون بابًا، أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه). 
 يا لها من جريمة عظيمة فظيعة تصك الآذان وتقشعر منها الجلود والأبدان، هذا في حق من تعامل بأيسر أنواع الربا؛ فكيف بمن تعامل بها كلها أيها المسلمون، أيرضى أحدنا أن ينكح أمه؟
   والجواب: كلنا لا يرضى، فلماذا نرضى بالربا ونتعامل مع المرابين، ونساهم في البنوك الربوية، ونودع فيها أموالنا، ونأخذ عليها فوائد، وهي ربا، علمًا أنه أشد جرمًا وأفظع خطرًا من أن ينكح أحدنا أمه. 
 بل بين النبي صلى الله عليه وسلم أن أَكِل الربا سبب لحلول العذاب والدمار؛ فعند الحاكم - وحسَّنه الألباني - عن ابن عباس رضي الله عنهما، يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا ظهر الزنا والربا في قرية فقد أحلُّوا بأنفسهم عذاب الله). 
 ولعن رسول الله آكل الربا وموكِلَهُ وكاتبه وشاهدَيْه، فاتقوا الله يا من أكلتم الربا، احذروا من المصير السيئ الذي ينتظر المرابين كما أخبر الله عنه فقال: ﴿ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ﴾؛ أي إنه يقوم كالمصروع؛ كلما قام وقع وقد انتفخ بطنه، لا يستطيع أن يقوم، كلما قام وقع.
البند الخامس :ــ و لكم في القصاص حياة:ـ 
فقد عالجت الخطبة قضية خطيرة ألا و هي حفظ النفوس وصيانة الدماء من خلال حكم القصاص في النفس والجراحات، و الذي كان من حكمه التشريعية: زجر المجرمين عن العدوان. 
والنبي صلى الله عليه وسلم قام لجنازة لرجل وصفه القرآن بأنه من أشد الناس عداوة للذين آمنوا، فلما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك قال: أليس إنساناً، لذلك عدّ الإسلام الاعتداء على أية نفس اعتداء على الإنسانية كلها، كما عدّ إنقاذَ أية نفس إحياء للناس جميعاً، وهذا ما قرره القرآن الكريم بوضوح جلي، قال الحكيم الخبير: ﴿مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾ [سورة المائدة، الآية 32 ] 
مَنْ مِن الناس يهنأ له عيش ويقرُّ له قرار إلى إذا كان أمِنِ على روحه وبدنه وماله وعِرْضِه، لا يخشى الاعتداء عليها، ولهذا كان القصاص: ﴿ وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾. 
 في القصاص حياة حين يرتدع كل من يهم بالجريمة عن الإجرام، وتشفي صدور أولياء المقتول من الثأر الذي لا تقف معه الدماء عن السيلان.                                                   
 فَحِفْظُ النفوس وصيانةُ الدماء والأموال والأعراض قضيةٌ من قضايا الإسلام الكلية ومقاصدِه الضروريةِ، فكلُ المسلم على المسلم حرام؛ دمه وماله وعرضه .        
ولقد قرر النبي صلى الله عليه وسلم حرمة الأعراض التي ينشأ في ظلها النسل الطاهر النظيف؛ ليكون دعامةً صالحةً في مجتمعٍ صالحٍ، وصيانةً للأعراض قال تعالى: ﴿ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾، وذلك لغير المحصن، وأما المحصن وهو المتزوِّج فجعل عقوبته الرجم حتى الموت؛ ففي القرآن المنسوخ لفظه والباقي حكمه: ﴿ الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إِذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا الْبَتَّةَ نَكَالاً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾. 
وقد عجزت الأمم المعاصرة بتقدمها وتقنية وسائلها أن توقف سيل الجرائم، وإزهاق النفوس حين ألغت حد القصاص، بل إننا نرى مايحدث من بلطجة وقتل وسرقة بالإكراه واعتداء علي الحرمات  كل هذا بسبب تعطيل حد من حدود الله تعالي  ولكن الرسول قد حسم الأمر بالقصاص العادل وفق الآية الكريمة: (وَلَكُمْ فِي القِصَاصِ حَيَوةٌ يا أولي الألباب).                     
إن في القصاص حياة حين يكفُّ من يَهمُّ بالجريمة عن الإجرام، وفي القصاص حياةٌ حين تشفى صدور أولياء القتيل من الثأر الذي لم يكن يقف عند حدٍّ لا في القديم ولا في الحديث.  
  ويأتي حسمٌ عمليٌّ ومباشرة تطبيقية من النبي في هذا الموقف العظيم، وفي إلغاء حكم جاهلي في مسألة الثأر كما رأينا أنه بدأ بوضع دم ابن ربيعة بن الحارث. 
 كما أنه فرق في الخطبة بين القتل العمد و القتل الخطأ ووضح لكل منهما حكمه فقال ( و العمد قود و شبه العمد ما قتل بالعصا و الحجر و فيه مائة بعير فمن زاد فهو من أهل الجاهلية ). 
المبد أ السادس :ـ إعلان حقوق المرأة:ـ 
ويأتي التركيز في ثنايا خطبته على قضية المرأة وكأنها هي القضية المهمة في كل عصر وأمَّة؛ فلقد منيت المرأة عبر التاريخ بفئتين ظالمتين بخستها حقها وداست كرامتها. 
 أما الفئة الأولى: فهي الجاهلية الأولى التي جعلت المرأة وسيلة للكسب والتجارة، تُباع وتُشترى، وتُوهب وتُكترى، وتُسبى وتُوأد، دون أن يكون لها رأي أو حق أو نصيب.
وأما الفئة الثانية: فهي المدنية المعاصرة، التي جعلت المرأة مستنقعًا للشهوات ووكرًا للرذيلة، تُهان فيه كرامتها وتُقتل عفتها، بدعوى التطوُّر والمدنية وإعطائها حريتها! ﴿ كَبُرَت كلمةً تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبًا ﴾.
لقد صان الإسلام المرأة وجعلها مربيةَ الأجيال وصانعةَ الأبطال، فأوصى بهن خيرًا لأنهن أسيرات عند الرجال، فمن حقِّهِنَّ على الرجال أن يعتنوا بهنَّ ويحموهنَّ من مزالق الفتن، ويربُّونَهنَّ على الفضيلة والحشمة والحياء والعفاف المتمثِّل في الحجاب والقرار في البيوت والبعد عن مزاحمة الرجال، وأن يُباعدوا بينهنَّ وبين الدعوات المسعورة البرَّاقة الداعية إلى نزع حجابهنَّ وإخراجهنَّ من بيوتهنَّ، لِيَكُنَّ أطباقًا شهية لعُبَّاد المرأة، يقضون منها الوَطَر المحرَّم ثم يلفظونها لفظ النواة. 
  فأوصى صلى الله عليه وسلم بالنساء خيرًا، وأكد على حقِّهِنَّ الذي جاء به الإسلام: ﴿ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ﴾. 
 فقد أعلن النبي صلي الله عليه وسلم في خطبته حقوق المرأة، وأنها إنسانة لها شأنها في المجتمع، فهي تمثل نصف الأمة، ثم هي تلد النصف الآخر، فهي أمة كاملة.                                                                                                                                            ففي خطبته صلى الله عليه وسلم كانت وصيته بالنساء خيرًا ( واستوصوا بالنساء خيرًا) ما أروعها من وصية، وما أحرى بالإنسانية اليوم أن تلتزم بها وتهتدي بهديها، بعد أن أذاقت المرأة أشد العذاب - تحت شعار حرية المرأة - ودفعت بها إلى مهاوي الذل والرذيلة، وجردتها من كل معاني الكرامة والشرف، تحت شعارات مزيفة، لا تمت إلى الحقيقة بصلة.  
 فلقد جهل أصحاب تلك الشعارات بل تجاهلوا الفرق بين كرامة المرأة وحقوقها الطبيعية التي كفلها لها شرع الله، وما نادوا به من شعارات تطالب بحرية المرأة.        
  فهي كإنسانة لا تفترق عن الرجل و في الحقوق أيضا (أيها الناس، إن لكم على نسائكم حقًّا، ولهن عليكم حقًّا، لكم عليهن ألا يُوطئن فرُشكم أحدًا تكرهونه، وعليهن ألا يأتين بفاحشة مبينة) 
ثم كان الأمر بالترفق بهن و القضاء على كل أشكال العنف و القهر التي كانت تمارس ضد المرأة ( فإن فعلن فإن الله قد أذن لكم أن تهجروهن في المضاجع وتضربوهن ضربًا غير مبرِّح ) . فإن إصلاح عوج المرأة راجع إلى زوجها؛ ليمنع العوج والنشوز، وليعيد الاستقرار إلى جوانب البيت في معالجة داخلية. 
 ثم حدد حقوق الزوجة على زوجها في وجوب الإنفاق عليها و كسوتها مع معاملتها بالمعروف ( فإن انتهين فلهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف، واستوصوا بالنساء خيرًا، فإنهن عندكم عوانٍ لا يملكن لأنفسهن شيئًا، وإنكم إنما أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله)                                                              
 و المتأمل في مواريث العرب والجاهلية قبل الإسلام يجد أنها احتقرت المرأة ، بل لعلها رأت أنها شرٌ لابد منه. وإذا كانت مواريث الجاهلية قد جعلت المرأة في خلفية الصورة و نظرت إليها على أنها شؤم و عار، فإن مسلك التقدم المعاصر قد جعلها مصيدةً لكل الآثام، ولكنَّ هدي النبي الكريم أعطى كل ذي حق حقه، وحفظ لكلٍّ نصيبه.
كما انه حمى حق المرأة و الطفل و الأسرة كلها بتقريره قاعدة (الولد للفراش ) ليحافظ على الأسرة الطاهرة النقية المتماسكة.                                                                                                                             المبدأ السابع :ـ التحذير من الشيطان وحزبه :ــ 
و حذر من الانقياد وراء الشيطان الذي يريد إيقاع العداوة و البغضاء بين المسلمين فقال ( ألا إن الشيطان قد يئس أن يعبده المصلون، ولكن في التحريش بينهم ) لذا حذر من الانقياد وراء الفتن فقال ( فلا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض )                                                                                                       المبدأ الثامن :ـ تحديد مصدر العصمة من الفتن والضلال :ـ  
وفي ختام خطبته صلى الله عليه وسلم أكَّد على ما فيه عصمتنا من الضلال والانحراف فقال: (وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنْ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ: كِتَابُ اللَّهِ)).
 إنَّ ما تعيشه الأمة الإسلامية إنَّما هو بسبب إعراضها عن كتاب الله، فكتاب الله هو النور المبين والحبل المتين والذكر الحكيم وصراطه المستقيم، الذي أنزله الله على رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد بيَّنه صلى الله عليه وسلم لأمَّته غاية البيان، وأمرها بالتمسك به وبسنَّته، فعند الحاكم عن أبي هريرة وصحَّحه، قال صلى الله عليه وسلم: إني قد تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما: كتاب الله وسنتي، ولن يتفرَّقا حتى يَرِدَا علي الحوض).
 فلنعتصم أيها المسلمون بهما، ولنعلم يقينًا أن الأمة لا تزال بخير ما استمسكت بهما واعتصمت بحبلهما وعملت بشريعتهما، ولا يحيد عن الكتاب والسنة إلا هالك ضالٌّ.
قال تعالي ﴿ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾. 
 إن هذه القوانين الرائعة، والقواعد السامية أُعلنت منذ أكثر من أربعة عشر قرنًا من الزمان، وأُعلنت هكذا كاملة دون نقص، ومحكمة دون ثغرة، وهذا من أبلغ دلائل نبوته .    
إننا نحتاج أن نفهم ديننا، وأن نعرف قصة حبيبنا صلى الله عليه وسلم، وأن نفخر بدستورنا وشرعنا.
 ونحتاج أيضًا أن نرفض الظلم بكل صوره، وأن نغضب لإهدار حق إنسان واحد، فضلاً عن إهدار حقوق الشعوب.               
 ونحتاج فوق هذا أن نحمل رسالة ديننا إلى العالمين؛ ليعلم الجميع أن دين الله حق، وأن شريعته عادلة، وأن سعادة الدنيا والآخرة في تطبيقها واتِّباعها.                                                                                       
 نسأله سبحانه وتعالى أن يرزقنا الفهم الصحيح لديننا وأن يوفقنا للعمل بما فيه ، إنه ولي ذلك والقادر عليه .
 تمت بفضل الله وتوفيقه

التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات