الجوانب الإنسانية في خطبة حجة الوداع للشيخ ابراهيم مراسي بركات
الحمد لله ربِّ العالمين، وأشهد أن لا إله
إلا الله وليُّ الصالحين، وأشهد أن سيدنا ونبيَّنا محمدًا رسول الله، صلى الله عليه
وآله وصحبِه وسلَّم.
ثم أما بعد:
فإن خطبة النبي - صلى الله عليه وسلم - في عرَفات في حَجَّة الوداع فيها مِن
الجوانب الإنسانية ما فيها، يشعُّ منها النور، فلو تدبَّرها المسلمون وعملوا بما فيها،
لكانت سببًا لسعادتهم في الدنيا والآخِرة، وإن شاء الله - عز وجل - سأُحاول بيان بعض
الجوانب الإنسانية والفوائد مِن هذه الخطبة الجامِعة الشاملة، وأسأل الله - عز وجلَّ
- أن يَرزقنا العلم النافع والعمل الصالح.
أولاً
حج الرسول عليه الصلاة والسلام في حياته مرة واحدة فقط ، كانت في العام العاشر
من الهجرة ، حيث نادي صلّ الله عليه وسلم في أصحابه فتجمع حوله خلقًا كثير من داخل
المدينة ، كما سمع المسلمون من القبائل المحيطة بالمدينة ، فأتوا إلى رسول الله صلّ
الله عليه وسلم ، وقيل أنه قد تجمع مائة وأربعة وأربعون ألفًا من المسلمون للحج مع
النبي عليه الصلاة والسلام .
ترك الرسول عليه الصلاة والسلام أبا دجانة الأنصاري على المدينة ، وقد توجه
عليه الصلاة والسلام إلى منطقة تدعى ذي الحليقة ويقال لها الآن أبيار علي وأحرم للحج
من هناك هو وأصحابه وقد أصبحت تلك المنطقة ميقاتا لأهل المدينة ، ثم شرع الرسول عليه
الصلاة والسلام في التلبية حتى وصل إلى مكة .
وفي يوم الثامن من ذي الحجة وصل عليه الصلاة نزل عليه الصلاة والسلام بمنى ،
وصلى فيها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر قصرًا بدون جمع ، ولما طلعت شمس اليوم
العاشر من ذي الحجة توجه عليه الصلاة والسلام إلى عرفات وخطب في الناس خطبته العظيمة
الجامعة التي أطلق عليها خطبة الوداع .
خطبة الوداع :
قال ابن إسحاق أن الرسول عليه الصلاة والسلام في خطبة الوداع حمد الله وأثنى
عليه ثم قال : أيها الناس اسمعوا قولي ، فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا
بهذا الموقف أبدا ، أيها الناس إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام إلى أن تلقوا ربكم كحرمة
يومكم هذا ، وكحرمة شهركم هذا ، وإنكم ستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم وقد بلغت ، فمن
كان عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها ، وإن كل ربا موضوع ولكن لكم رءوس أموالكم
لا تظلمون ولا تظلمون .
قضى الله أنه لا ربا ، وإن ربا عباس بن عبد المطلب موضوع كله وأن كل دم كان
في الجاهلية موضوع وإن أول دمائكم أضع دم ابن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب ، وكان
مسترضعا في بني ليث فقتلته هذيل فهو أول ما أبدأ به من دماء الجاهلية .
أما بعد أيها الناس فإن الشيطان قد يئس من أن يعبد بأرضكم هذه أبدا ، ولكنه
إن يطع فيما سوى ذلك فقد رضي به بما تحقرون من أعمالكم فاحذروه على دينكم أيها الناس
إن النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا ، يحلونه عامًا ويحرمونه عامًا ، ليوطئوا
عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرم الله ويحرموا ما أحل الله .
إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض وإن عدة الشهور عند
الله اثنا عشر شهرًا ، منها أربعة حرم ثلاثة متوالية ورجب مضر ، الذي بين جمادى وشعبان
، أما بعد أيها الناس ، فإن لكم على نسائكم حقًا ، ولهن عليكم حقا ، لكم عليهن أن لا
يوطئن فرشكم أحدًا تكرهونه وعليهن أن لا يأتين بفاحشة مبينة فإن فعلن فإن الله قد أذن
لكم أن تهجروهن في المضاجع وتضربوهن ضربًا غير مبرح فإن انتهين فلهن رزقهن وكسوتهن
بالمعروف واستوصوا بالنساء خيرًا ، فإنهن عندكم عوان لا يملكن لأنفسهن شيئًا ، وإنكم
إنما أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمات الله فاعقلوا أيها الناس قولي
.
فإني قد بلغت ، وقد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبدًا ، أمرا بينا
، كتاب الله وسنة نبيه ، أيها الناس اسمعوا قولي واعقلوه تعلمن أن كل مسلم أخ للمسلم
وأن المسلمين إخوة فلا يحل لامرئ من أخيه إلا ما أعطاه عن طيب نفس منه فلا تظلمن أنفسكم
اللهم هل بلغت ؟ فذكر لي أن الناس قالوا : اللهم نعم فقال رسول الله صلّ الله عليه
وسلم : اللهم فاشهد .
رمي الجمرات وطواف الوداع :
وبعد الغروب توجه عليه الصلاة والسلام إلى مزدلفة وصلى بها المغرب ثلاثة ركعات
والعشاء ركعتين بأذان واحد وإقامتين ثم بات بها وصلى الفجر ، وقبل طلوع الشمس ذهب عليه
الصلاة والسلام لرمي جمرة العقبة بسبعة حصيات وكان يكبر مع كل حصاة ، ثم نحر هديه ثم
حلق عليه الصلاة والسلام .
ثم رجع عليه الصلاة والسلام إلى منى وأقام بها حتى الثالث من ذي الحجة ، وفي
كل يوم كان يذهب لرمي الجمرات بسبع حصيات بعد الزوال ، وبعد زوال اليوم الثالث عشر
نزل بوادي الأبطح وصلى به الظهر والعصر والعصر والمغرب والعشاء ، ثم نزل مكة في آخر
الليل وصلى الفجر ، ثم طاف طواف الوداع وعاد إلى المدينة .
وفي يوم عرفات نزلت الآية الكريمة {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ
عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا } المائدة الآية 3 ، ولما
سمعها عمر بن الخطاب رضي الله عنه بكى فلما سألوه ما يبكيك قال لهم ما تم الشيء إلا
نقص ، وقد علم أن أجل الرسول عليه الصلاة والسلام قد اقترب وقد التحق عليه الصلاة والسلام
بالرفيق الأعلى بعد أقل من عام في العام الحادي عشر للهجرة .
2 -
بيَّن النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - حُرمة الدماء والأموال، ووضَّح لنا أن
هذه الحُرمة تُساوي حُرمة اليوم والشهر والبلد، ومعلومٌ أن حُرمة البلد الحرام - وهو
مكة - حُرمةٌ عظيمة، وحُرمة الشهر الحرام - وهو شهر ذي الحجَّة - حرمة عظيمة؛ فالله
- سبحانه وتعالى - جعَل عدَّة الشهور اثنَي عشر شهرًا، منها أربعة أشهر حرم، فالأَشهُر
الحرُم هي: ذو القِعدة، وذو الحَجَّة، والمُحرَّم - ثلاثة أشهر مُتواليات - ورجب، فهذه
أربعة أشهر حرُم لها حُرمَة عظيمة، فحُرمة الدِّماء والأموال حُرمة شديدة وعَظيمة،
ولو تدبَّر الناس هذا الكلام، لَمَا تعدَّى أحد على أحد، ولَمَا سُفكَت الدماء، ولَمَا
خُطفَت الأموال، ولما سُرقَت، ولَما اغتُصبَت، ولَعاش الناس عيشةً هنيئةً فيها سعادتهم
الدُّنيوية قبل الأُخرويَّة، فهذا التحريم يجعل الإنسانَ يعمل ألف حِساب قبْل أن يتعدَّى
على غَيره ليَسفك دمه أو ليأخُذ ماله دون وجْه حقٍّ، ولأمِن الناس على دمائهم وأموالهم،
ولما عاشوا في رعْب وخَوف، ويقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح:
((لا يَحلُّ دم امرِئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنَّفس، والثيِّب الزاني، والتارك
لدينه المُفارِق للجَماعة)).
فقتْل النفس بغير حقٍّ حرام، فقد جاء في كتاب الله - عز وجل - قولُه تعالى:
﴿ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ﴾ [الأنعام:
151]، فقتْل النفس حرام بالكتاب والسنَّة.
فكيف يتجرَّأ بعض الناس ويَسفِكون الدماء، ويَهدِمون بُنيان النفس، وقد حرَّم
الله - عز وجل - ذلك وحرَّمه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -؟! وكان النبي - صلى
الله عليه وسلم - إذا أرسل جيشًا أوصاهم ألا يَقتلوا شيخًا كبيرًا، ولا امرأة ولا طفلاً
صغيرًا، فحتى القتال في سبيل الله - عز وجل - فيه حقْن الدماء، فالذي لا يُحارِب لا
يُقتَل، هذا مع الكفار، فما بالُنا بحُرمة دماء المسلمين؟
فاتقوا الله - أيها الناس - ﴿ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ
وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا ﴾ [لقمان: 33]، اتقوا
الله - سبحانه وتعالى - في دماء المسلمين؛ فسوف تُحاسَبون عن كل نفس قُتلتْ بغير حقٍّ،
سوف تُسألون، واذكر - أيها القاتل - حالك عندما تَحمل رأسَ المقتول في يدك يوم القيامة،
ويقول المقتول: سلْه يا رب فيمَ قتَلني؟ فماذا أنت قائل؟ وما هي إجابتك؟ يوم لا ينفع
مال ولا بنون، يوم الحسرة والنَّدامة، ﴿ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ
عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى
وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ﴾ [الحج: 2].
فيا أيها الناس، حرِّموا الدماء واتقوا الله في الدماء، وحرِّموا الأموال واتقوا
الله في الأموال، ولا يأخذ أحد مالاً إلا بحقِّه؛ فالله - عز وجل - سوف يسأل كل صاحب
مال مِن أين اكتسبَه؟ وفيمَ أنفقه؟ وليستعدَّ كلٌّ منا للسؤال عن المال مِن أين اكتسبه؟
(ما هي إجابته؟) وفيمَ أنفقَه؟ (ما هي إجابته)، وأيما جسْم نبَت مِن سحْت فالنار أولى
به، فكيف يَعلم الناسُ هذا ويأخُذون الأموال بغير حقٍّ، وتَزيد الحرمة عندما يأخذ بعض
الناس الأموال بغير حقٍّ، ليس من المال الخاص؛ بل من المال العام مِن أموال الدولة،
التي هي حقٌّ لكل واحد في الدولة، فحُرمة المال الخاص وحُرمة المال العام تجعلنا نتقي
الله - عز وجل - في كسْب الأموال وتحصيلها.
2: وضَع النبي - صلى الله عليه وسلم - كلَّ شيء مِن أمر الجاهلية، فقال: ((ألا
وإنَّ كل شيء مِن أمر الجاهلية موضوعٌ تحت قدميَّ هاتَين))، فكل شيء مِن أمر الجاهليَّة
باطل، فالإسلام قد أبطَل أمور الجاهليَّة؛ فلا كِبر، ولا بطَر، ولا أشَر، ولا لوأْد
البنات (دفنهنَّ أحياء)، ولا فضْل لقبيلةِ كذا على قبيلةِ كذا، ولا أبيض على أسود إلا
بالتقوى والعمل الصالح.
ودماء الجاهلية موضوعة، ومِن عدل النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه لم يَحكُم
على الناس بما لم يحكُم به على نفسِه، ونتعلم مِن ذلك أننا لا بدَّ أن نُنفِّذ أوامر
الله - عزَّ وجلَّ - وأوامر النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل أن نأمُر غيرَنا، لا
بدَّ أن نلاحظ أنفسنا أولاً؛ حتى نكون مُنصفين، وحتى لا نكون مِن الذين قال الله -
تعالى - فيهم: ﴿ أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ
تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ ﴾ [البقرة: 44].
فبيَّن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن أول دمٍ يَضعه دم ابن ربيعة، وأيضًا
بيَّن أن الربا موضوع وباطل، وأول ربًا يضعه - صلى الله عليه وسلم - رِبا العباس بن
عبدالمطَّلب؛ فالرِّبا باطل وحرام، والله - عز وجل - قد حرّم الربا؛ يقول تعالى: ﴿
وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ﴾ [البقرة: 275]، ويقول تعالى: ﴿ يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا إِنْ
كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ
﴾ [البقرة: 278 - 279]، فهذا وعيد شديد لمَن لم يَنتهِ عن الرِّبا.
ويقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لعَن الله آكِل الربا، وموكِلَه، وكاتبه،
وشاهديه - وقال: هم سواء)).
فآكِل الربا مَلعون، واللعنَةُ: هي الطرد مِن رحمة الله - عز وجل - فعلينا بتقوى
الله - سبحانه وتعالى - وأكْل الحلال، والبُعد عن أكل الحَرام، والبُعد عن التعامل
بالربا الذي يُطرَد آكِلُه من رحمة الله تعالى.
3 - المُعامَلة الحسَنة مع النساء:
يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((فاتَّقوا الله في النساء؛ فإنكم أخذتموهنَّ
بأمانة الله، واستحللتُم فروجهنَّ بكلمة الله))، فأمرنا النبي - صلى الله عليه وسلم
- بتقوى الله تعالى في النساء، وعلَّمنا أن نؤدي الحقوق التي علَينا قِبَل النساء،
وبيَّن لنا - عليه الصلاة والسلام - أن أصل الفروج حرام بقوله: ((واستحللتُم))، فالأصل
أن الفروج حرام، ولا يحلُّ منها إلا ما أحله الله - تعالى - وقد أمَرنا الله - تعالى
- بغضِّ الأبصار؛ فقال - عزَّ وجل -: ﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ
وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ
* وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ
وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ
عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ
أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ
إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ
أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوْ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإِرْبَةِ مِنْ
الرِّجَالِ أَوْ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا
يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا
إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [النور:
30 - 31].
فالأمر بغضِّ البصر الذي هو بَريد الزنا يدلُّ على تحريم الفروج؛ حيث منع ما
يُتوصَّل به إليه، والله - عزَّ وجل - قال: ﴿ وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ
فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً ﴾ [الإسراء: 32]، وبيَّن - عز وجل - المحرَّمات من النساء
في كتابه العزيز، وبيَّنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الأحاديث الصَّحيحة.
وإذا كان الله - سبحانه وتعالى - أحلَّ لنا الزواج مِن النساء، فقد أمَرنا الرسول
- صلى الله عليه وسلم - بتقوى الله - تعالى - في النساء والإحسان إليهنَّ، فعلى الأزواج
أن يُحسِنوا في إطعامهن، وكسوتهنَّ، وأن يُعاشِروهنَّ بالمعروف؛ يقول الله تعالى:
﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا
شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 19]، وكان النبي - صلى
الله عليه وسلم - خير الناس لأهلِه، وهو قُدوتنا - صلى الله عليه وسلم.
ونُلاحِظ مِن خلال الخُطبَة الجامِعة أن على النساء ألا يوطِئنَّ فرُش الرجال
أحدًا يَكرهه الزوج، وبيَّن - عليه الصلاة والسلام - أن هذا حقٌّ للرجال على النساء،
فإن خالَفتْ ذلك، فهي تستحقُّ الضرب غير المُبرِّح، فالضرب هنا ليس للتعذيب وليس للانتقام،
ولكن للتقويم؛ حتى يفهم الناس السنَّة على حقيقتِها.
4- الاعتصام بالقرآن والسنة:
فقد بيَّن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن اعتصامنا بالكتاب والسنَّة فيه النجاة
مِن كل شرٍّ وسوء، فإذا أراد المسلمون الثبات على الهداية، فعليهم أن يتمسَّكوا بالقرآن
والسنَّة، والقرآنُ الكريم والسنَّة المشرَّفة فيهما سعادة مَن تمسَّك بهما في الدارَين
(الدنيا والآخِرة)؛ يقول الله - عز وجلَّ -: ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ
الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ﴾ [البقرة:
185].
ويقول عزَّ وجل: ﴿ الر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنْ
الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ
﴾ [إبراهيم: 1].
والنبي - صلى الله عليه وسلم - قد بيَّن لنا كل شيء؛ فما كان فيه خير لنا، فقد
أمَرنا به، وما كان فيه شرٌّ لنا، فقد نهانا عنه.
وسبحانه الله العظيم! جعَل الدِّين يُسرًا، ففي أحكام الشريعة كل التيسير، ونُلاحظ
أن الله - سبحانه وتعالى - ذكَر آيةً عظيمة في القرآن الكريم يجب علينا أن نتدبَّرها،
وقد ذكرها - عز وجل - بعد الأمر بالصيام، فقال تعالى: ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ
وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ﴾ [البقرة: 185]، ففي أحكام الله - عزَّ وجل - اليُسر
على الخَلق.
فعلينا أن نتمسَّك بكتاب الله - عز وجل - وبسنَّة رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - حتى نَثبُت على الهداية، على الصِّراط المستقيم - إن شاء الله تعالى.
5- ((اللهم اشهَد، اللهم اشهد)):
بعدما بيَّن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما بيَّن في خطبته، قال للصحابة:
((وأنتم تُسألون عني، فما أنتم قائلون؟!)) قالوا: "نشهد أنك قد بلَّغتَ رسالات
ربك، وأدَّيت، ونصَحت لأمَّتك، وقضيتَ الذي عليك"، فقال بإصبعه السبابة، يَرفعها
إلى السماء ويَنكتها إلى الناس: ((اللهم اشهَد، اللهم اشهَد)).
وفيه دليل على أن الله - عز وجلَّ - في السماء، هذه هي العقيدة الصحيحة والإيمان
الموافق للكتاب والسنَّة، ولا نقول كما يقول بعضهم: الله في كل مكان، أو أن الله ليس
له مكان، كلُّ هذه اعتقادات باطلة؛ لأن القرآن والسنَّة فيهما شفاء لما في الصدور،
وقد جاء في القرآن قوله تعالى: ﴿ أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ
الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ ﴾ [الملك: 16]، وقد أقرَّ النبي - صلى الله عليه وسلم
- الجارية التي سألها: ((أين الله؟)) قالت: في السماء، فقال - عليه الصلاة والسلام
-: ((أَعتِقها؛ فإنها مؤمنة))، فعلينا بالاتِّباع؛ ففيه النجاة، ولا داعي للتأويل،
والتحريف، والتمثيل، ما دام أن النُّصوص واضِحة ولا لَبس فيها.
ويشهد الصحابة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أدَّى ما عليه، وما قصَّر
في شيء، ونحن نشهد بذلك؛ فالنبي - عليه الصلاة والسلام- أدى الأمانة، وبلَّغ الرسالة،
ونصَح الأمة، فكشف الله به الغمَّة، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبِه، ومَن
اهتدى بهدْيه وعمل بسنَّتِه إلى يوم الدِّين، فلنأخُذ هذه الدروس التي يَنفعنا الله
- تعالى - بها، وعلينا اتِّباع السنَّة، ولنبتعد عن كل بدعة؛ لأن كل بدعة ضلالة، وقد
جاء في الصحيحَين عن أمِّ المؤمنين عائشةَ - رضي الله عنها - قالت: سمعت رسول الله
- صلى الله عليه وسلم - يقول: ((مَن أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه، فهو ردٌّ))، وفي
رواية مسلم: ((مَن عمل عملاً ليس عليه أمرنا، فهو ردٌّ))، فعلينا باتِّباع السنة المطهَّرة؛
حتى يُطهِّر الله قلوبنا وأعمالنا مِن البِدع والمُحدَثات.
وصلِّ اللهم وسلِّم وبارك على
نبينا محمد - صلى الله عليه وآله وسلَّم - سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا
أنت، أستغفرك وأتوب إليك.