درس من خطبة الوداع حرمة الدماء للشيخ عبدالناصر بليح
الحمد لله رب العالمين يارب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك
وعظيم سلطانك ..ولك الحمد حمد حمداً كيراً طيباً مباركاً فيه .. وأشهد أن لا إله
إلا الله وحده لا شريك له في سلطانه وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله
القائل :" وَسَلَّمَ : " مَنْ أَعَانَ عَلَى قَتْلِ مُسْلِمٍ بِشَطْرِ كَلِمَةٍ ، لَقِيَ
اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَكْتُوبٌ فِي جَبْهَتِهِ : آيِسٌ مِنْ
رَحْمَةِ اللَّهِ" (أحمد).
أما بعد فيا جماعة
الإسلام ..
فإن خطبة النبي - صلى الله عليه وسلم - في عرَفات في حَجَّة
الوداع فيها مِن الدروس ما فيها، يشعُّ منها النور، فلو تدبَّرها المسلمون وعملوا
بما فيها، لكانت سببًا لسعادتهم في الدنيا والآخِرة، وإن شاء الله - عز وجل -
سأُحاول بيان بعض الدُّروس والفوائد مِن هذه الخطبة الجامِعة الشاملة، وأسأل الله
- عز وجلَّ - أن يَرزقنا العلم النافع والعمل الصالح.
وقد جاء في الخطبة :" إن دماءكم وأموالكم حرامٌ عليكم،
كحُرمة يومكم هذا، في شَهرِكم هذا، في بلدكم هذا، ألا وإن كل شيء مِن أمر
الجاهليَّة تحت قدميَّ هاتَين موضوعٌ، ودماء الجاهليَّة".
ومن الدروس المستفادة من هذه الخطبة درس حرمة الدماء :
أيها الناس :" إن النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بيَّن
حُرمة الدماء والأموال، ووضَّح لنا أن هذه الحُرمة تُساوي حُرمة اليوم والشهر
والبلد، ومعلومٌ أن حُرمة البلد الحرام - وهو مكة - حُرمةٌ عظيمة، وحُرمة الشهر
الحرام - وهو شهر ذي الحجَّة - حرمة عظيمة؛ فالله - سبحانه وتعالى - جعَل عدَّة
الشهور اثنَي عشر شهرًا، منها أربعة أشهر حرم، فالأَشهُر الحرُم هي: ذو القِعدة،
وذو الحَجَّة، والمُحرَّم - ثلاثة أشهر مُتواليات - ورجب، فهذه أربعة أشهر حرُم
لها حُرمَة عظيمة، فحُرمة الدِّماء والأموال حُرمة شديدة وعَظيمة، ولو تدبَّر الناس هذا الكلام،
لَمَا تعدَّى أحد على أحد، ولَمَا سُفكَت الدماء، ولَمَا خُطفَت الأموال، ولما
سُرقَت، ولَما اغتُصبَت، ولَعاش الناس عيشةً هنيئةً فيها سعادتهم الدُّنيوية قبل
الأُخرويَّة، فهذا التحريم يجعل الإنسانَ يعمل ألف حِساب قبْل أن يتعدَّى على
غَيره ليَسفك دمه أو ليأخُذ ماله دون وجْه حقٍّ، ولأمِن الناس على دمائهم
وأموالهم، ولما عاشوا في رعْب وخَوف، ويقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في
الحديث الصحيح: "لا يَحلُّ دم امرِئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنَّفس،
والثيِّب الزاني، والتارك لدينه المُفارِق للجَماعة"(صحيح).
أخي المسلم الكريم : إياك إياك والوقوع في دماء المسلمين فإنَّ
مما عُلِمَ من الدين بالضرورة وتواترتْ به الأدلة من الكتاب والسنة حُرمة دم
المسلم ؛ فإنَّ المسلم معصوم الدم والمال ، لا تُرفعُ عنه هذه العصمة إلاّ بإحدى
ثلاث ؛ إذ يقول الرسول صلى الله عليه وسلم :" لا يَحلُّ دمُ امرئ مسلم إلاّ
بإحدى ثلاث : كَفَرَ بعدَ إسلامهِ ، أو زَنَى بعد إحصانهِ ، أو قَتَلَ نفساً بغير
نفس "(أبوداود والترمذي)، وما عدا ذلك ، فحرمة المسلم أعظم عند الله من حرمة
الكعبة ، بل من الدنيا أجمع .
وفي ذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم :" والذي نفسي
بيده لقتل مؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا "(النسائي) وهذا الحديث وحده
يكفي لبيان عظيم حرمة دم المسلم ، ثم تبصّر ماذا سيكون موقفك عند الله يوم القيامة
إنْ أنت وقعت في دم حرام ، نسأل الله السلامة .
و عَنْ يَزِيدَ بْن أَبِي زِيَادٍ
الشَّامِيِّ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ أَعَانَ عَلَى قَتْلِ مُسْلِمٍ بِشَطْرِ كَلِمَةٍ ، لَقِيَ
اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَكْتُوبٌ فِي جَبْهَتِهِ : آيِسٌ مِنْ
رَحْمَةِ اللَّهِ" (أحمد).
جماعة الإسلام : ومما لا بد من علمه أخي المسلم أن الله عز وجل لم يجعلْ عقوبةً بعد عقوبةِ الشرك بالله أشدَّ من عقوبة قتل المؤمن عمداً حيث يقول : " وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً "( النساء : 93 ] ، وقد اختلف الصحابة في هذه الآية فذهب بعض الصحابة إلى أنَّ هذه الآية محكمةٌ وأنها آخر ما نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وممن ذهب إلى ذلك الإمام الحبر الصحابي الجليل وترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما فعن سالم بن أبي الجعد عن ابن عباس أنَّ رجلاً أتاه فقال : أرأيتَ رجلاً قتل رجلاً متعمداً ؟ قال : جزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعدّ له عذاباً عظيماً ، قال : أُنزِلتْ في آخر ما نزل ، ما نسخها شيءٌ حتى قُبضَ رسولُ الله رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : أرأيتَ إنْ تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى ؟ قال : وأنى له التوبة ، وقد سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( ثكلتْهُ أُمُه رجلٌ قتلَ رجلاً متعمداً يجيء يومَ القيامة آخذاً قاتله بيمينه أو بيساره وآخذاً رأسه بيمينه أو شماله تشخبُ أوداجه دماً في قبل العرش يقول : يا رب سَلْ عبدك فيم قتلني ؟ " ، وفي الحديث الصحيح الذي يرويه النسائي عن معاوية رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم - قال : سمعته يخطب - يقول : " كلُّ ذنبٍ عسى اللهُ أنْ يغفره إلاّ الرجلُ يقتلُ المؤمنَ متعمداً أو الرجل يموتُ كافراً" فأيُّ خطر هذا ، وأي مهلكة يقدم عليها المرء ويجازف بها ، حياةٌ لا ممات فيها وخلودٌ في مستقر لا تَقَرُّ به عينٌ ولا تُرفعُ به عقيرةٌ فخراً وزهواً ، وغَضَبٌ من الله وعذابٌ عظيم وخزي في الدنيا والآخرة مع مكث ولبث طويلين لا يعلم أمدهما إلاّ الله جل في علاه نسأل الله السلامة لنا ولمن اتعظ واتّبع . ثم تبصّرْ أخي المسلم الكريم الحديث جيداً لتنظر كيف أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قد قرن بين قتل المؤمن والشرك بالله تعالى ، وجعلهما مشتركين في استبعاد الغفران .
إثم من قتل معاهداً
بغير جرم:
عباد الله : عن عبدا لله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى
الله عليه وسلم قال: "من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها يوجد من مسيرة
أربعين عاماً"( البخاري) .
النهي عن الإشارة بالسلاح إلى مسلم:
عن أيوب عن ابن سيرين سمعت أبا هريرة
يقول قال أبو القاسم صلى الله عليه
وسلم من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه حتى
يدعه وإن كان أخاه لأبيه
وأمه "(مسلم).
قوله صلى الله عليه وسلم : ( من أشار
إلى أخيه بحديدة
فإن الملائكة تلعنه ، حتى وإن كان أخاه لأبيه وأمه ) ، فيه تأكيد حرمة المسلم ، والنهي الشديد عن ترويعه
وتخويفه والتعرض له بما قد يؤذيه . وقوله
صلى الله عليه وسلم : ( وإن كان أخاه لأبيه وأمه ) مبالغة في إيضاح عموم النهي في كل أحد ، سواء من يتهم فيه ، ومن لا يتهم ، وسواء
كان هذا هزلا ولعبا ، أم لا ; لأن ترويع المسلم
حرام بكل حال ،
. وعن أَبُي عُبَيْدَةَ ،
عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ ، قَالَ :
بَلَغَنِي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ :
" مَنْ رَوَّعَ مُسْلِمًا رَوَّعَهُ
اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَمَنْ
أَفْشَى سِرَّ أَخِيهِ أَفْشَى
اللَّهُ سِرَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
عَلَى رُءُوسِ الْخَلائِقِ " (حديث مرفوع).
من حمل علينا السلاح فليس
منا
يقول صلي الله عليه
وسلم:" من حمل علينا السلاح فليس منا " (متفق عليه ).
من حمل السِّلاح يُريدُ قتل المُسلم مع عِلْمِهِ بِتحريمهِ واعتقادِهِ بذلك فالأمر خَطير جِدًّا، :"لزَوَالُ الدُّنيا أَهْوَنُ عِنْد الله من إِرَاقَة دمِ مُسْلِم""ولا يَزَالُ المُسلم في فُسْحَة من دينِهِ حتَّى يُصيب دماً حراماً" وفي ذلكم الوعيد الشَّديد :"وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا"( النساء/93). حتى قال ابن عباس: إنَّهُ لا توبة لهُ, فالأمر خطير جدُّ خطير:"من حمل علينا السلاح فليس منا"وكلامُ أهل العلم في مثل هذا بِحَمْلِهِ على الخُرُوج عن الإِسلام والحُكم عليهِ بالكُفر المُخْرِج عن المِلَّة إنْ اسِتَحَلّ ذلك، إنْ اسْتَحَلّ قَتل المُسلم المَعْصُوم مَعْصُوم الدَّم؛ لأنَّ من اسْتَحَلّ الُمحَرَّم المعلُوم تَحْريمُهُ بالضَّرُورة من دين الإِسلام كَفَر, كما أنَّ من حَرّم ما أَحَلَّهُ الله المَعْلُوم حِلُّهُ بالضَّرُورة من دين الإسلام كَفَر -نسأل الله العافية-.
من حمل السِّلاح يُريدُ قتل المُسلم مع عِلْمِهِ بِتحريمهِ واعتقادِهِ بذلك فالأمر خَطير جِدًّا، :"لزَوَالُ الدُّنيا أَهْوَنُ عِنْد الله من إِرَاقَة دمِ مُسْلِم""ولا يَزَالُ المُسلم في فُسْحَة من دينِهِ حتَّى يُصيب دماً حراماً" وفي ذلكم الوعيد الشَّديد :"وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا"( النساء/93). حتى قال ابن عباس: إنَّهُ لا توبة لهُ, فالأمر خطير جدُّ خطير:"من حمل علينا السلاح فليس منا"وكلامُ أهل العلم في مثل هذا بِحَمْلِهِ على الخُرُوج عن الإِسلام والحُكم عليهِ بالكُفر المُخْرِج عن المِلَّة إنْ اسِتَحَلّ ذلك، إنْ اسْتَحَلّ قَتل المُسلم المَعْصُوم مَعْصُوم الدَّم؛ لأنَّ من اسْتَحَلّ الُمحَرَّم المعلُوم تَحْريمُهُ بالضَّرُورة من دين الإِسلام كَفَر, كما أنَّ من حَرّم ما أَحَلَّهُ الله المَعْلُوم حِلُّهُ بالضَّرُورة من دين الإسلام كَفَر -نسأل الله العافية-.
أول مايقضي في الدماء
واعلم أخي المسلم أنَّ أول ما يُقضَى يوم القيامة بين العباد في
الدماء ففي ذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : (( أولُ ما يُحاسَبُ به العبدُ
الصلاةُ ، وأولُ ما يُقضَى بينَ الناسِ الدماءُ )) (10) وما ذلك إلا لعظم خطرها
يوم القيامة فاستعد للموقف العظيم ، والسؤال الصعب الذي ما بعده إلا جنة أو نار .
وكل الذنوب يُرجَى معها العفو والصفح إلاّ الشرك ، ومظالم العباد وإياك إياك أخي
المسلم أنْ تُضيع على نفسك فرصة النجاة فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن
النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم : "لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم
يُصِبْ دماً حراماً " أخي المسلم الكريم ، هل أنت على استعداد أنْ تفوّت على
نفسك فرصة النجاة العظيمة من النار ، وقد روى البخاري ومسلم عن النبي صلى الله
عليه وسلم أنه قال : "ألا لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض" . ثم اجعل دائماً أخي المسلم نُصْبَ عينيك أنَّ
دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم محرمة من بعضهم على بعض ، ولا تحل إلا بإذن الله
ورسوله .
واعلم أخي المسلم : أنَّ ما أوردناه غيض من فيض وقليل من كثير
فهو إشارات لكثير من العبارات التي وردت في الكتاب والسنة ، تحث المسلمين على
الورع والكف عن دماء إخوانهم ، ولما سبق ذكره كان الصحب الكرام والتابعون لهم
بإحسان أشد ما يكونون من الورع والوجل من أنْ يغمس أحدهم يده بمظلمة في حق مسلم ،
وكانوا كذلك رحمهم الله ورضي عنهم لشدة ما سمعوا ووعوا من كلام النبوة في التحذير
من الانغماس في الفتن والشبهات والتزام النفس والبيت ، وعدم الولوج في حرمات
المسلمين حتى بالكلام ، صوناً لهم عن التسبب في مظالم للمسلمين فضلاً عن الخوض
فيها .
قال أبو موسى الأشعري رضي الله عنه : "إنَّ بعدكم فتناً
القاعد خير من الساعي ، حتى ذكر الراكب ، فكونوا فيها أحلاس بيوتكم ".
وعن جندب رضي الله عنه قال: "ستكون فتن ، فعليكم بالأرض ،
وليكن أحدكم حلس بيته ؛ فإنه لا ينبجس لها أحدٌ إلاّ أَرْدَتْهُ "
وحينما اعتزل سعد بن مالك وعبدُ الله بن عمر رضي الله عنهم
الفتنةَ قال علي رضي الله عنه : (( للهِ دَرُّ منـزلٍ نَزلَه سعد بن مالك وعبد
الله بن عمر ، واللهِ إنْ كان ذنباً إنه لصغير مغفور ، ولئن كان حسناً إنه لعظيم
مشكور "من حرض علي أو اعان علي قتل مسلم أيس من رحمة الله فمابال من قتل وخرج
وقت الفتنة :
تذكّر أخي المسلم ما في الصحيحين من حديث أبي بكرة نفيع بن الحارث رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار ، قلت : يا رسول الله ، هذا القاتل فما بال المقتول ، قال : إنه كان حريصاً على قتل صاحبه ".
وفي الصحيحين أيضاً من حديث الأحنف بن قيس قال : ذهبتُ لأنصر هذا الرجل – يعني : علي بن أبي طالب – فلقيني أبو بكرة فقال : أين تريد ؟ قلت : أنصر هذا الرجل ، قال : ارجع فإني سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار … "ثم ذكر بقية الحديث . وفي رواية أخرى للبخاري عن الحسن قال : خرجتُ بسلاحي ليالي الفتنة فاستقبلني أبو بكرة فقال : أين تريد ؟ قلت : أريد نصرة ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا تواجه المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار" ، وفي رواية لمسلم : " إذا المسلمان حمل أحدهما على أخيه السلاح فهما على جرف جهنم ، فإذا قتل أحدهما صاحبه دخلا جميعاً " وهذا كله إذا كان القتل غير مأذون به شرعاً ، وقد قصّ الله علينا في كتابه العظيم خبر أول حادثة قتل وقعت في تاريخ البشرية حين قتل أحد ابني آدم أخاه قتله ظلماً وبغياً وحسداً فقال تعالى :" وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ"(المائدة / 27 ).
أخي المسلم الكريم ، إنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قد حذّر
أمته أشد التحذير من هذه الجريمة فقال : " سباب المسلم فسوقٌ وقتاله كفر "
وقال : " لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض ))(31) وبيّن أنَّ هذه
الجريمة من السبع الموبقات المهلكات فقد قال : " اجتنبوا السبع الموبقات :
الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال
اليتيم والتولي يوم الزحف ، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات "(صحيح) فاحذر
أخي المسلم كل الحذر أنْ تقع في دم حرام فتقتل أحداً من أجل فلان أو مُلْكِ فلان
أو إمارة فلان ، فإنهم لن ينفعوك شيئاً عند الله ، ولن يدفعوا عنك شيئاً من عذاب
الله . وروى النسائي من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال : سمعت نبيكم صلى الله
عليه وسلم يقول : " يجيء المقتول متعلقاً بالقاتل تشخب أوداجه دماً فيقول :
أي رب سَلْ هذا فيم قتلني ؟ " وعند ابن ماجه
والترمذيعن ابن عباس رضي الله عنهما أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال
: " يجيء المقتول بالقاتل يوم القيامة ناصيته ورأسه بيده ، وأوداجه تشخب دماً
فيقول : يا رب سَلْ هذا فيم قتلني ؟ حتى يدنيه من العرش ".
إذن احذر أخي المسلم أنْ يكون لك أحدٌ بالمرصاد يوم القيامة فإنَّ من تقتله في الدنيا لن يتركك في الآخرة ، بل هو لك بالمرصاد . والله سبحانه وتعالى لما جعل للنفس المسلمة هذه الحصانة الكبيرة ؛ ذلك لأنَّ نفس المسلم لها مكانة وحرمة ، فليس أحد يملكها أو يملك إزهاقها ، بل إنَّ ذلك ممنوع غاية المنع ، ولا يجوز إلا بإذن من الله تبارك وتعالى وإذن رسوله صلى الله عليه وسلم .
حرمة الانتحار:
إذن احذر أخي المسلم أنْ يكون لك أحدٌ بالمرصاد يوم القيامة فإنَّ من تقتله في الدنيا لن يتركك في الآخرة ، بل هو لك بالمرصاد . والله سبحانه وتعالى لما جعل للنفس المسلمة هذه الحصانة الكبيرة ؛ ذلك لأنَّ نفس المسلم لها مكانة وحرمة ، فليس أحد يملكها أو يملك إزهاقها ، بل إنَّ ذلك ممنوع غاية المنع ، ولا يجوز إلا بإذن من الله تبارك وتعالى وإذن رسوله صلى الله عليه وسلم .
حرمة الانتحار:
أخي المسلم : بل حتى
نفسك التي بين جنبيك لا تملكها أنت ولا يحل لك إزهاقها ؛ ولهذا جاء الوعيد الشديد
فيمن يقتل نفسه متعمداً ؛ ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ
النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال : " من تَردَّى من جبل فقتل نفسه فهو في
نار جهنم يَتردّى فيها خالداً مُخلَّداً فيها أبداً ، ومن تَحسَّى سُماً فقتل نفسه
فَسُمُّه في يده يتحسَّاهُ في نار جهنم خالداً مُخلّداً فيها أبداً ، ومن قتلَ
نفسَه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في نار جهنم خالداً مُخلّداً فيها أبداً ".
و عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال : "والذي
يخنق نفسه يخنقها في النار ، والذي يطعن نفسه يطعن نفسه في النار ، والذي يقتحم
يقتحم في النار "(البخاري). . ونبينا الأكرم صلى الله عليه وسلم قد بيّن لنا
فضل من خرج من الدنيا ولم يتلطخ بدم المسلم فقال : " من لقي الله لا يشرك به
شيئاً لم يتند بدم حرام دخل الجنة "(صحيح) . فهنيئاً لمن خرج من الدنيا ولم
يتلطخ بدم مسلم ، وهنيئاً لمن خرج من الدنيا ولم يحمل مسلماً على ظهره يأتي به يوم
القيامة ، هنيئاً لمن خرج من الدنيا وقد سلم المسلمون من لسانه ويده ، هنيئاً لمن
فارق الدنيا ولم يقترف جريمة يسفك بها دم مسلم .
فاحذر أخي المسلم كل الحذر أنْ يحول بينك وبين الجنة ملء كف من دم تهريقه بغير حقه .
النهي عن مقدمات القتل :
واعلم أخي المسلم الكريم أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان
يحذِّر أمته من الأمور التي تدعو الإنسان إلى أنْ يقتل مسلماً أو أنْ يجرح مسلماً
، ومن ذلك أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم نهى أنْ يمر المسلم ، ومعه السهام في
أسواق المسلمين ، أو في مساجد المسلمين ، أو في أي مكان من أماكن تجمعهم ، إلا أن
يكون النصل مغطىً حتى لا يجرح به مسلماً ، وهو لا يشعر . فقد صحَّ عنه صلى الله
عليه وسلم أنَّه قال : " إذا مَرَّ أحدكم بمسجدنا أو في سوقنا ، ومعه نبل
فليمسك عن نصالها بكفه ، لا يعقر مسلماً "(البخاري ومسلم) ومن تلك الأمور
التي حذّر منها النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه نهى عن الإشارة إلى المسلم بأي شيء
يحتمل أنْ يقتله أو يجرحه ، نهى عن ذلك وأخبر أنّ من فعل ذلك فأنَّه ربما نال
اللعنة والوعيد الشديد ؛ لذلك قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم : " لا
يُشِرْ أحدُكم على أخيه بالسلاح ؛ فإنَّه لا يدري لعل الشيطان ينـزع يده فيقع في
حفرة من النار "(البخاري ومسلم).
وصحّ أنَّه صلى الله عليه وسلم قال : " من أشار إلى أخيه بحديدة فإنَّ الملائكة تلعنه ، وإنْ كان أخاه لأبيه وأمه ))(مسلم ). وصحّ أنَّه صلى الله عليه وسلم نهى أنْ يُتعاطَى السيف مسلولاً (أبوداود)، وكل هذا الاحتراز لشدة حرمة المسلم على المسلم ؛ فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك خشية أنْ يكون هناك خطأ فيقع السيف ويجرحك أو يؤذيك أو يقع على أخيك ، وإذا كان ذلك في الأسلحة القديمة فهو في الأسلحة الحديثة أشد تأكيداً ؛ لأنَّ الضرر أعظم ، والخطر أكبر ، والعلة تدور مع الحكم وجوداً وعدماً . ومن الأمور التي يستفاد منها خطورة أمر دماء المسلمين ، هو أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم حذّر من الدخول في الفتن ، وما ذلك إلا لأن لا يقع المسلم في دماء المسلمين ؛ لخطورة الأمر وشدته ، فالفتن مظنة لأنْ يكون هناك قاتل ومقتول ، فالفتن إذا سعرت وابتدأت صعب على الناس إطفاؤها . فنبينا صلوات الله وسلامه عليه قد حذّر أمته من الفتن ، وبيّن أنَّها ستحدث وستكون في هذه الأمة فقد صحّ أنه صلى الله عليه وسلم قال : " ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم ، والقائم فيها خير من الماشي ، والماشي فيها خير من الساعي من تَشرّف لها تستشرفه ، ومن وجد فيها ملجئاً أو معاذاً فليعذ به "( البخاري) هكذا بيّن لنا النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أنَّ المخلَص من الفتن أنْ يهرب منها المسلم قدر الاستطاعة .
وصحّ أنَّه صلى الله عليه وسلم قال : " من أشار إلى أخيه بحديدة فإنَّ الملائكة تلعنه ، وإنْ كان أخاه لأبيه وأمه ))(مسلم ). وصحّ أنَّه صلى الله عليه وسلم نهى أنْ يُتعاطَى السيف مسلولاً (أبوداود)، وكل هذا الاحتراز لشدة حرمة المسلم على المسلم ؛ فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك خشية أنْ يكون هناك خطأ فيقع السيف ويجرحك أو يؤذيك أو يقع على أخيك ، وإذا كان ذلك في الأسلحة القديمة فهو في الأسلحة الحديثة أشد تأكيداً ؛ لأنَّ الضرر أعظم ، والخطر أكبر ، والعلة تدور مع الحكم وجوداً وعدماً . ومن الأمور التي يستفاد منها خطورة أمر دماء المسلمين ، هو أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم حذّر من الدخول في الفتن ، وما ذلك إلا لأن لا يقع المسلم في دماء المسلمين ؛ لخطورة الأمر وشدته ، فالفتن مظنة لأنْ يكون هناك قاتل ومقتول ، فالفتن إذا سعرت وابتدأت صعب على الناس إطفاؤها . فنبينا صلوات الله وسلامه عليه قد حذّر أمته من الفتن ، وبيّن أنَّها ستحدث وستكون في هذه الأمة فقد صحّ أنه صلى الله عليه وسلم قال : " ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم ، والقائم فيها خير من الماشي ، والماشي فيها خير من الساعي من تَشرّف لها تستشرفه ، ومن وجد فيها ملجئاً أو معاذاً فليعذ به "( البخاري) هكذا بيّن لنا النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أنَّ المخلَص من الفتن أنْ يهرب منها المسلم قدر الاستطاعة .
الخطبة الثانية :
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي أشرف المرسلين .أما
بعد فياجماعة الإسلام .
هل يجوز المصالحة في الدماء ؟؟؟
وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا
بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا
فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا (الإسراء/33) .
يقول تعالى ناهيًا عن قتل النفس بغير حق شرعي، كما ثبت في
الصحيحين؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يحل دم امرئ مسلم يشهد
أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والزاني
المحصن، والتارك لدينه المفارق للجماعة" ( متفق عليه) .
وفي السنن: "لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل مسلم " .
وقوله: { وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا
لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا } أي: سلطة على القاتل، فإنه بالخيار فيه إن شاء قتله
قَودًا، وإن شاء عفا عنه على الدية، وإن شاء عفا عنه مجانًا، كما ثبتت السنة بذلك.
وقد أخذ الإمام الحبر ابن عباس من عموم هذه الآية الكريمة ولاية معاوية السلطنة،
وأنه سيملك؛ لأنه كان ولي عثمان، وقد قتل عثمان مظلومًا، رضي الله عنه، وكان
معاوية يطالب عليًا، رضي الله عنه، أن يسلمه قتلته حتى يقتص منهم؛ لأنه أموي، وكان
علي، رضي الله عنه، يستمهله في الأمر .حتى يتمكن ويفعل ذلك، ويطلب علي من معاوية
أن يسلمه الشام فيأبى معاوية ذلك حتى
يسلمه القتلة، وأبى أن يبايع عليًا هو وأهل الشام، ثم مع المطاولة تمكن معاوية
وصار الأمر إليه كما تفاءل (6) ابن عباس واستنبط من هذه الآية الكريمة. وهذا من
الأمر العجب وقد روى ذلك الطبراني في معجمه حيث قال:
حدثنا يحيى بن عبد الباقي، حدثنا أبو عمير بن النحاس، حدثنا
ضَمْرَةُ بن ربيعة، عن ابن شوذب، عن مطر الوراق، عن زَهْدَم الجَرْمي قال: كنا في
سمر ابن عباس فقال:" إني محدثكم حديثا ليس بسر ولا علانية؛ إنه لما كان من
أمر هذا الرجل ما كان -يعني عثمان -قلت لعلي: اعتزل فلو كنت في جحر طلبت حتى
تستخرج، فعصاني، وايم الله ليتأمرن عليكم معاوية، وذلك أن الله تعالى يقول: {
وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلا يُسْرِفْ
فِي الْقَتْلِ " الآية
وليحملنكم قريش على سنة فارس
والروم وليقيمن عليكم النصارى واليهود والمجوس، فمن أخذ منكم يومئذ بما يُعْرَف
نجا، ومن ترك وأنتم تاركون، كنتم كقرن من القرون، هلك فيمن هلك " .
وقوله تعالى:" فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ " قالوا:
معناه: فلا يسرف الولي في قتل القاتل بأن يمثل به أو يقتص من غير القاتل.وقوله: "
إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا "أي أن الولي منصور على القاتل شرعًا، وغالبًا
قدرًا. تفسير ابن كثير (5/ 74):
فاتقوا الله - أيها الناس :"وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا
يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا
﴾ [لقمان: 33]، اتقوا الله - سبحانه وتعالى - في دماء المسلمين؛ فسوف تُحاسَبون عن
كل نفس قُتلتْ بغير حقٍّ، سوف تُسألون، واذكر - أيها القاتل - حالك عندما تَحمل
رأسَ المقتول في يدك يوم القيامة، ويقول المقتول: سلْه يا رب فيمَ قتَلني؟ فماذا
أنت قائل؟ وما هي إجابتك؟ يوم لا ينفع مال ولا بنون، يوم الحسرة والنَّدامة،"
يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ
ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى
وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ " (الحج: 2).
فيا أيها الناس، حرِّموا الدماء واتقوا الله في الدماء،
وحرِّموا الأموال واتقوا الله في الأموال، ولا يأخذ أحد مالاً إلا بحقِّه؛ فالله -
عز وجل - سوف يسأل كل صاحب مال مِن أين اكتسبَه؟ وفيمَ أنفقه؟ وليستعدَّ كلٌّ منا
للسؤال عن المال مِن أين اكتسبه؟ (ما هي إجابته؟) وفيمَ أنفقَه؟ (ما هي إجابته)،
وأيما جسْم نبَت مِن سحْت فالنار أولى به، فكيف يَعلم الناسُ هذا ويأخُذون الأموال
بغير حقٍّ، وتَزيد الحرمة عندما يأخذ بعض الناس الأموال بغير حقٍّ، ليس من المال
الخاص؛ بل من المال العام مِن أموال الدولة، التي هي حقٌّ لكل واحد في الدولة،
فحُرمة المال الخاص وحُرمة المال العام تجعلنا نتقي الله - عز وجل - في كسْب
الأموال وتحصيلها.
نسأل الله السلامة ..