لزوم التقوى في الحج وبعده للشيخ أحمد أبو عيد








 الحمد لله الذي جعل الظلمات والنور، خلق سبع سماوات طباقًا ما ترى فيها من تفاوت أو فطور، أنزل من السماء ماء فمنه أنهار وآبار وبحور، وفي الأرض قطع متجاورات منها الخصبة ومنها البور، جعل الليل لباسًا والنوم سباتًا وفي النهار نشور.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له لا تَنقضي نعمه، ولا تحصى على مر الدهور، وسع الخلائق حِلمه مهما ارتكبوا من شرور، سبقت رحمته غضبه من قبل خلق الأيام والشهور، يتوب على من تاب ويغفر لمن أناب ويجبر المكسور.
وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله كامل النور، المرفوع ذكره في التوراة والإنجيل وكذلك في الزبور، المزمل بالفضيلة، والمدثر بالطهر والعفاف، والمبرأ من الشرور، ما كان سبابًا، وما كان صخابًا، ولا دعا بالويل أو الثبور، ما كان خداعًا، وما كان مرتابًا، ولا سلب بالحيلة أهل الدثور، ما لبس الحرير، وما نام على الوثير، ولا شيدت لسكناه القصور.
اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على نبينا بدر البدور، وعلى الصحب والآل ومن تبِع، وقِنا بحبهم كل الشرور
العناصر
أولًا: صفات المتقين
ثانيًا: فضل التقوى وثمراتها
ثالثًا: أثر التقوى في الذرية
الموضوع
تعريف التقوى:
قال الرّاغب: التّقوى في تعارف الشّرع: حفظ النّفس عمّا يؤثم وذلك بترك المحظور.
وقال الجرجانيّ: التّقوى في الطّاعة يراد بها الإخلاص وفي المعصية يراد بها التّرك والحذر،
وقيل هي: «الاحتراز بطاعة الله عن عقوبته وصيانة النّفس عمّا تستحقّ به العقوبة من فعل أو ترك» ، وقيل: هي المحافظة على آداب الشّريعة ومجانبة كلّ ما يبعد المرء عن الله تعالى، وقيل: هي ترك حظوظ النّفس ومباينة الهوى.
وسأل رجل أبا هريرة- رضي الله عنه-: ما التّقوى؟ قال: ﴿هل أخذت طريقا ذا شوك؟﴾ قال: نعم، قال: ﴿فكيف صنعت؟﴾ . قال: إذا رأيت الشّوك عدلت عنه أو جاوزته أو قصرت عنه، قال: ﴿ذاك التّقوى)([1])
خل الذنوب صغيرها وكبيرها فهو التقي  *** واصنع كماش فوق أر ض الشوك يحذر ما يرى
لا تحقرن صغيرة إن الجبال من الحصى
وقال طلق بن حبيب رحمه الله : التقوى أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله وأن تترك معصية الله على نور من الله تخاف عقاب الله.
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : تمام التقوى أن يتقي الله العبد حتى يتقيه من مثقال ذرة وحتى يترك بعض ما يرى أنه حلال خشية أن يكون حراما يكون حجابا بينه وبين الحرام فإن الله قد بين للعباد الذي يصيرهم إليه فقال : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ(7)وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ)الزلزلة ،فلا تحقرن شيئا من الخير أن تفعله ولا شيئا من الشر أن تتقيه .
أولًا: صفات المتقين
الإيمان وإقامة الصلاة والإنفاق في سبيل الله: قال تعالى: ﴿الم (1) ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5)البقرة
ايتاء الزكاة والوفاء بالعهد والصبر : قال تعالى: ﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقابِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177)﴾ البقرة
كظم الغيظ والعفو عن الناس والتوبة والاستغفار: قال تعالى: ﴿وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ﴾
العدل: قال تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (8)﴾ المائدة
الصدق: قال تعالى:﴿ وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (33)﴾ الزمر
قوة لغلبة الشيطان : قال تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ) (الأعراف:201)
صفات أخرى: عن مالك بن أنس- رضي الله عنه- قال: ﴿بلغني أنّ رجلا من بعض الفقهاء كتب إلى ابن الزّبير- رضي الله عنهما- يقول: ألا إنّ لأهل التّقوى علامات يعرفون بها، ويعرفونها من أنفسهم، من رضي بالقضاء، وصبر على البلاء، وشكر على النّعماء، وصدق في اللّسان، ووفّى بالوعد والعهد، وتلا لأحكام القرآن، وإنّما الإمام سوق من الأسواق، فإن كان من أهل الحقّ حمل إليه أهل الحقّ حقّهم، وإن كان من أهل الباطل حمل إليه أهل الباطل باطلهم﴾([2])
ثانيًا: فضل التقوى وثمراتها
 أمر الله جميع الخلق بتقواه الأولين والآخرين: وقال سبحانه: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ) [النساء:1]، وقال تعالى: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنْ اتَّقُوا اللَّهَ) [النساء:131]
أمر بها المؤمنين خصوصاً: قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، وقال تعالى: ﴿ قُلْ يا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ واسِعَةٌ إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ (10)﴾ الزمر، وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [الحشر:18]
أمر بها النبي r خاصة وهو أمر كذلك للأمة: فقال سبحانه: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعْ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً) [الأحزاب:1]
أنبياء الله يدعون الى التقوى:  قال تعالى: (إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلا تَتَّقُونَ) (الشعراء:106)
وقال تعالى: (إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلا تَتَّقُونَ) (الشعراء:124)
وقال تعالى: (إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلا تَتَّقُونَ) (الشعراء:142)
وقال تعالى: (إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ) (الشعراء:161)
وقال تعالى: (إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلا تَتَّقُونَ) (الشعراء:177)
وقال تعالى: (وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (العنكبوت:16)
وقال تعالى: ﴿وَإِنَّ إِلْياسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (123) إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَلا تَتَّقُونَ (124)﴾ الصافات
التقوى هي خير الزاد للآخرةقال تعالى: (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى) [البقرة:197]
لهم الاجر العظيم: قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (172)﴾ آل عمران، وقال تعالى: ﴿ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ (179)﴾ آل عمران
محبة الله للمتقين: قال تعالى:﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (4) التوبة
هم أولياء الله: قال تعالى: ﴿ أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ يونس
هم الفائزون: قال تعالى:﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ (52)﴾ المؤمنون
هم الناجون: قال تعالى: ﴿ وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (53)﴾ النمل، وقال تعالى: ﴿ وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (61)﴾  الزمر
سبب لرحمة الله: قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾
صلاح الحال وغفران الذنوب: قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً* يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) [الأحزاب:70-71]
والسديد هو الكلام الصالح المفيد للإنسان ولغيره.
التقوى هي ميزان التفاضل بين الخلق: قال تعالى:﴿ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13) الحجرات
وعَنْ أَبِي نَضْرَةَ : " حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ خُطْبَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَقَالَ : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى ، ألا هل بغت  ؟ ) قَالُوا : بلى يا
رَسُولُ اللَّهِ "([3]).
معية الله لهم: قال تعالى ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (36) التوبة
تفريج الكروب وتيسير الأمور والرزق الوفير: قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (3)﴾ الطلاق ، وقال تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا (4)الطلاق
استقامة الأعضاء: عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- رفعه، قال: « إِذَا أصْبَحَ ابْنُ آدَمَ ، فَإنَّ الأعْضَاءَ كُلَّهَا تَكْفُرُ اللِّسانَ ، تَقُولُ : اتَّقِ اللهَ فِينَا ، فَإنَّما نَحنُ بِكَ ؛ فَإنِ اسْتَقَمْتَ اسْتَقَمْنَا ، وإنِ اعْوَجَجْتَ اعْوَجَجْنَا » ([4])
العاقبة للمتقين في الدنيا والآخرة : قال تعالى: (قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) (الأعراف:128)
 وقال تعالى: (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) (القصص:83)
دخول الجنة: قال تعالى: ﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (45) ادْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ (46)﴾ الذاريات
عن أبي أُمَامَةَ صُدَيّ بنِ عجلانَ الباهِلِيِّ - رضي الله عنه - ، قَالَ : سَمِعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ في حجةِ الوداعِ ، فَقَالَ : ( اتَّقُوا الله وَصلُّوا خَمْسَكُمْ ، وَصُومُوا شَهْرَكُمْ ، وَأَدُّوا زَكاةَ أَمْوَالِكُمْ ، وَأَطِيعُوا أُمَرَاءكُمْ تَدْخُلُوا جَنَّةَ رَبِّكُمْ) ([5])
تقوى الله حق تقاته: قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ) [آل عمران:102]
 قال السلف: هي أن يُطاع فلا يُعصى وأن يُذكر فلا يُنسى وأن يُشكر فلا يُكفر ، ولا شك أن الإنسان عرضة للخطأ وعرضة للمخالفات، ولذلك لما نزلت هذه الآية، شقت على المسلمين وقالوا أينا يُطيق ذلك أيُنا يتق الله حق تقاته فلا يحصل منه خطأ ولا يحصل منه مخالفة ولا يحصل منه غفلة فأنزل الله سبحانه وتعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) [التغابن:16]، ففسرت هذه الآية (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) [التغابن:16] قوله: (حَقَّ تُقَاتِهِ) [آل عمران:102]، فمن اتقى الله حسب استطاعته فقد اتقى الله حق تقاته: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا) [البقرة:286]، (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) [البقرة:286]، قال الله جل وعلا قد فعلت، فمن اتقى الله على حسب استطاعته فقد اتقاه حق تقاته وهذا تيسير من الله وتخفيف على عباده.
 وقال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب tعنه التقوى هي الخوف من الجليل والعمل بالتنزيل والاستعداد للرحيل فمن فعل ذلك فقد اتقى الله حق تقاته، الخوف من الجليل وهو الله سبحانه وتعالى، والعمل بالتنزيل وهو الكتاب والسنة، والاستعداد للرحيل من هذه الدنيا إلى الدار الآخرة وذلك بالعمل الصالح، وهذا كما في قوله تعالى: (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى) [البقرة:197]، لعمرك ما السعادة جمعَ مال ولكن التقيَ هو السعيد وتقوى الله خير الزاد ذخراً وعند الله للأتقى مزيد فليكن شعار المؤمن دائماً وأبداً تقوى الله في السراء والضراء في حالة غيبته عن الناس وفي حالة وجوده معهم، يتق الله دائماً وأبداً فيترك ما حرم الله عليه، ويفعل ما أمره الله به، ويكثر من التوبة والاستغفار عما يحصل منه من التقصير، هذه هي تقوى الله سبحانه وتعالى، يستشعرها المسلم دائماً وأبداً في جميع أحواله في السراء والضراء في الشدة والرخاء في حال غيبته عن الناس وفي حال وجوده مع الناس يتقي الله، وإذا قيل له اتق الله فإنه ترتعد فرائصه من خوف الله سبحانه وتعالى هذا هو التقي، أما الشقي فإنه كما قال الله جل وعلا: (وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ) [البقرة:206]، فعلى المسلم أن يتقيَ الله فيما بينه وبين الله وأن يتقيَ الله فيما بينه وبين نفسه. ([6])
ثالثًا: أثر التقوى في الذرية
تأمين الله لذريتك من بعدك
قال تعالى: ﴿وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (9)﴾ النساء
وللمفسرين فى تفسير هذه الآية الكريمة أقوال :
أولها : أن الآية الكريمة أمر للأوصياء بأن يخشوا الله تعالى ويتقوه فى أمر اليتامى ، فيفعلوا بهم مثل ما يحبون أن يفعل بذريتهم الضعاف بعد وفاتهم .
فقد أخرج بان جرير عن ابن عباس أنه قال فى قوله تعالى : { وَلْيَخْشَ الذين لَوْ تَرَكُواْ } . . . الخ .
يعنى بذلك الرجال يموت وله أولاد صغار ضعاف يخاف عليهم العيلة والضيعة ، ويخاف بعده ألا يحسن إليهم من يليهم يقول : فإن ولى مثل ذريته ضعافا يتامى ، فليحسن إليهم ولا يأكل أموالهم إسرافا وبدارا خشية أن يكبروا . .
أما القول الثاني : فيرى أصحابه أن الآية الكريمة أمر لمن حضر المريض من العواد عند الإيصاء بأن يخشوا ربهم؛ فيوصوا المريض فى أولاده خيراً ويشفقوا عليهم كما يشفقون على أولادهم .
وقد رجح هذا الوجه الإِمام ابن جرير فقال : وأولى التأويلات بالآية قول من قال : تأويل ذلك : وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم العيلة لو كانوا فرقوا أموالهم فى حياتهم ، أو قسموها وصية منهم لأولى قرابتهم ، وأهل اليتيم والمسكنة؛ فأبقوا أموالهم لولدهم خشية العيلة عليهم من بعدهم ، فليأمروا من حضروه - وهو يوصى لذوى قرابته وفى اليتامى والمساكين وفى غير ذلك - بما له بالعدل ، وليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا ، وهو ان يعرفوه ما أباحه الله له من الوصية ، وما اختاره المؤمنون من أهل الإِيمان بالله وبكتابه وسنته.
حفظ الذرية من بعده
قال تعالى: ﴿فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا (77)﴾ الكهف
وقال تعالى: ﴿ وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (82)﴾ الكهف
في الآيتين السابقتين دلالة واضحة على أنّ صلاح الآباء له آثار طيّبة على سعادة الأبناء.
قال محمد بن المنكدر: ( إن الله تعالى ليحفظ بالرجل الصالح ولده وولد ولده ، ومَسربته التي هو فيها ، والدويرات التي حولها ، فلا يزالون في حفظ الله وستره ) .
وكان سعيد بن المسيب يقول لولده : إني لأزيد في صلاتي من أجلك ، رجاء أن أُحْفَظَ فيك ، ويتلو هذه الآية. ويؤخذ من الآية : القيام بحق أولاد الصالحين؛ إذ قام الخضر عليه السلام بذلك.
إذن فالعلة في هذه العملية هي الحماية لليتيمين، ولنلق بالا ولنهتم بملاحظ النص، لابد أن العبد الصالح قد أقام الجدار بأسلوب جدد عمرا افتراضيا للجدار بحيث إذا بلغ اليتيمان الرشد وقع الجدار أمامهما؛ ليرى كلاهما الكنز، لقد تم بناء الجدار على مثال القنبلة الموقوتة بحيث إذا بلغا الرشد ينهار الجدار ليأخذ الكنز، إنه توقيت إلهي أراده الله؛ لأن والد اليتيمين كان صالحا، اتقى الله فيما تحت يده فأرسل الله له جنودا لا يعلمهم ولم يرتبهم ليحموا الكنز لولديه اليتيمين.
وَقَوْلُهُ:{وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا} فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الرَّجُلَ الصَّالِحَ يحفظ في ذريته، وتشمل بركة عِبَادَتِهِ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، بِشَفَاعَتِهِ فِيهِمْ وَرَفْعِ دَرَجَتِهِمْ إِلَى أَعْلَى دَرَجَةٍ فِي الْجَنَّةِ لِتَقَرَّ عَيْنُهُ بِهِمْ، كَمَا جَاءَ فِي الْقُرْآنِ وَوَرَدَتِ السُّنَّةُ بِهِ . قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ – رضي الله عنهما: “حُفِظَا بِصَلَاحِ أَبِيهِمَا، وَلَمْ يُذْكَرْ لَهُمَا صَلَاحٌ.
والمؤكد أن الغلامين لو كانا على علم بالكنز ما انتظرا حتى يكبرا ليستخرجاه، بل لأخذاه إلى مكان آمن محروز. لكن الله الذي يرعاهما حتى يكبرا هو نفسه الذي قسم لهما الرزق وهو الذي يحفظ الكنز رزقهما.
ولاية الله تعالى له ولذريته في الدنيا والآخرة
قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31)﴾ فصلت
ومعنى الآيات الكريمة:{رَبُّنَا اللَّهُ} وَحَّدُوا {اسْتَقَامُواْ} على التوحيد أو على لزوم الطاعة وأداء الفرائض، أو على إخلاص الدين والعمل إلى الموت، أو استقاموا في أفعالهم كما استقاموا في أقوالهم، أو استقاموا سراً كما استقاموا جهراً {تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلآئِكَةُ} عند الموت، أو عند الخروج من قبورهم {لا تخافوا} أمامكم {ولا تحزنوا} عَلَى مَا خَلَّفْتُمُوهُ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا، مِنْ وَلَدٍ وَأَهْلٍ، وَمَالٍ أَوْ دَيْنٍ، فَإِنَّا نَخْلُفُكُمْ فِيهِ {وأبشروا} يبشرون عن الموت ثم في القبر ثم في البعث. فالاستقامة على أمر الله جماع الخيرات.
أشار القرآن الكريم إلى الآثار الاجتماعية المترتّبة على التقوى في هذه النشأة:
1- قال تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَات مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ) ، أي أنّ أهل القرى لو آمنوا واتّقوا لفتح الله سبحانه بركات السماء من الأمطار والثلوج والحرّ والبرد وغير ذلك، كلّ في موقعه وبالمقدار النافع منه، وبركات الأرض من النبات والفواكه والأمن وغيرها، وهذا خير دليل على أنّ افتتاح أبواب البركات مسبّب لإيمان أهل القرى جميعاً وتقواهم، أي أنّ ذلك من آثار إيمان النوع الإنساني وتقواه)
2- قوله تعالى: (وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً)الجن، (والمراد بالطريقة: طريقة الإسلام، والاستقامة عليها: لزومها والثبات عليها، على ما تقتضيه من الإيمان بالله وآياته. والماء الغدق: الكثير منه. ولا يبعد أن يستفاد من السياق أنّ قوله (لأسقيناهم ماءً غدقاً) وهو مثل اُريد به التوسعة في الرزق، فيكون معنى الآية (وأنّه لو استقاموا) أي الجن والإنس على طريقة الإسلام لله، لرزقناهم رزقاً كثيراً لنمتّعهم في رزقهم)  
التقوى تنفع الذرية
الوالدين الصالحين أحدهما أو كلاهما ينعكس صلاحهما منفعةً ماديةً ومعنوية على ذريتهما، لكن يبقى للذرية الخيار في اتباع والديهم على طريق الصلاح، أو اتباع خطوات الشيطان. أي أن الوالد الصالح يموت عن بنيه الصغار ولكن الله الحي الذي لا يموت يرعاهم من بعده حتى يشتد عودهم ويشبوا عن الطوق. يخرج المؤمن الصادق مجاهداً في سبيل الله عن ذرية ضعفاء، ويستودع ذريته الله أمانة حتى يعود. ويقتل في سبيل الله فهل تظن أن أحداً أحفظ للأمانة من الله الذي لا تضيع عنده الودائع؟ ، وكان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يصلي من الليل وابنه الصغير نائم فيقول: هذا من أجلك يا بني! ويتلو وهو يبكي قوله تعالى : ﴿وكان أبوهما صالحاً﴾.
الولد التقي يعين على  طاعة الله: قال تعالى: ﴿ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102)﴾ الصافات
فلما كان الولد تقيا لم يتردد لحظة في تنفيذ امر الله مع ان هذا الامر في أغلى شيء لديه وهو نفسه ومع ذلك فكلما علمه وعوده والده أن أمر الله فوق كل شيء.
فهل علمت ولدك تقوى الله تعالى وطاعته وكنت قدوة له؟
تعويد الأولاد على تقوى الله في كل مكان
عن أبي ذر جُنْدُب بنِ جُنادَةَ وأبي عبدِ الرحمانِ معاذِ بنِ جبلٍ رضي الله عنهما ، عن رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( اتَّقِ الله حَيْثُمَا كُنْتَ وَأتْبعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمْحُهَا ، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ ))([7])
دخل المسلمون في يوم العيد ليهنئوا امير المؤمنين الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز
فلما انصرف الرجال ودخل الغلمان ، كان من بينهم ابن عمر بن عبد العزيز وهو يلبس ثياباً رثة
(قديمة)، وأبناء الرعية يلبسون الثياب الجديدة الجميلة .
فبكى عمر بن عبد العزيز، فتقدم إليه هذا الابن المبارك ، فقال له: يا أبتاه! ما الذي طأطأ برأسك وأبكاك؟ قال : لا شيء يا بني سوى أني خشيت أن ينكسر قلبك وأنت بين أبناء الرعية بتلك الثياب البالية القديمة وهم يلبسون الثياب الجديدة .
قال الغلام لأبيه: يا أبتاه انما ينكسر قلب من عرف الله فعصاه ، وعق أمه وأباه ، أما أنا فلا والله
انما العيد لمن أطاع الله، فانظر كيف أثرت التقوى فيه.
وعن عبدالله بن زيد بن أسلم عن أبيه عن جده أسلم قال بينا أنا مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو يعس بالمدينة إذ أعيا فاتكأ على جانب جدار في جوف الليل فإذا امرأة تقول لابنتها قومي إلى ذلك اللبن فامذقيه بالماء فقالت يا أمتاه وما علمت ما كان من عزمة أمير المؤمنين اليوم قالت وما كان من عزمته قالت إنه أمر مناديا فنادى لا يشاب اللبن بالماء فقالت لها يا ابنتاه قومي إلى اللبن فامذقيه بالماء فإنك في موضع لا يراك عمر ولا منادي عمر فقالت الصبية والله ما كنت لأطيعه في الملأ وأعصيه في الخلاء وعمر يسمع كل ذلك فقال يا أسلم علم الباب واعرف الموضع ثم مضى في عسه فلما أصبح قال يا أسلم امض إلى الموضع فانظر من القائلة ومن المقول لها وهل لهم من بعل فأتيت الموضع فإذا أيم لا بعل لها وإذا تيك أمها وإذا ليس لهم رجل فأتيت عمر بن الخطاب فأخبرته فدعا عمر ولده فجمعهم فقال هل فيكم من يحتاج إلى امرأة أزوجه ولو كان بأبيكم حركة إلى النساء ما سبقه منكم أحد إلى هذه الجارية فقال عبدالله لي زوجة وقال عبدالرحمن لي زوجة وقال عاصم يا أبتاه لا زوجة لي فزوجني فبعث إلى الجارية فزوجها من عاصم فولدت لعاصم بنتا وولدت عمر بن عبدالعزيز ([8]).
لزوم الصحبة الصالحة: عن أبي سعيد الخدريّ- t- عن النّبيّ r، قال: ﴿ لا تُصَاحِبْ إلاَّ مُؤْمِناً ، وَلاَ يَأْكُلْ طَعَامَكَ إلاَّ تَقِيٌّ ﴾ ([9])
سؤال الله التقوى: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ « اللَّهُمَّ إِنِّى أَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالْعَفَافَ وَالْغِنَى » ([10]).
من ترك شيئًا لله عوضه الله خيرًا منه
عن نافع - رحمه الله تعالى - قال : خرجت مع ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - في بعض نواحي
 المدينة ، ومعه أصحاب له ، فوضعوا سفرة - أي : طعامًا - فمرّ بهم راع .
- فقال له عبد الله - رضي الله تعالى عنهما - : هلمّ يا راعي ، فأصب من هذه السفرة - يعني : هيا تعال وتناول معنا الطعام -، - فقال : إنّي صائم ، - فقال له عبد الله - رضي الله تعالى عنهما -: في مثل هذا اليوم الشديد حرّه، وأنت في هذه الشِعاب في آثار هذه الغنم ، وبين الجبال ترعى هذه الغنم وأنت صائم ، - فقال الراعي : أبادر أيامي الخالية. فعجب ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما -.
- وقال : هل لك أن تبيعنا شاة من غنمك نجتزرها - نذبحها - ونطعمك من لحمها ما تفطر عليه ونعطيك ثمنها ....؟
- قال: إنّها ليست لي، إنّها لمولاي- أي : لسيدي ومالك أمري - ، - قال: فما عسيت أن يقول لك مولاك إن قلت أكلها الذئب ...؟ فمضى الراعي وهو رافع إصبعه إلى السماء وهو يقول : فأين الله ...؟ - قال : فلم يزل ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - يقول : قال : الرّاعي فأين الله ...؟
فلما قدم المدينة ، فبعث إلى سيّده، فاشترى منه الراعي والغنم، وأعتق الراعي ، ووهب له الغنم - رضي الله تعالى عنهما.
تعقيب على القصة: ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أحبّ أن يختبر أمانة الراعي فأعجبه جوابه وقيل: إنّه بكى لقول الراعي وهو رافع إصبعيه إلى السماء فأين الله..؟ وهنا درس عظيم الأثر وهو تنمية الصّلة بالله- تبارك وتعالى- وخشيته في الغيب والشهادة، وغرس روح المراقبة في النفوس.
ولا شكّ أنَّ ذكر الدروس المستفادة من القصة يرسخ ملكة المراقبة عندهم، فمثلاً نستفيد من قصة الراعي (أنَّ من ترك شيئًا لله عوضه الله خيرًا منه)، إنّها قاعدة عظيمة لو شربها أطفالنا منذ الصّغر ، من ترك شيئًا لله - يا بني - عوّضه الله خيرًا منه في الدنيا قبل الآخرة ، يا لها من قاعدة - يا أيها الآباء - لو فهمها الأولاد لجنّبتهم الكثير من الحرام والمنكرات في وقت الشباب، ومَن حفظ الله تعالى صغيرًا حفظه الله تعالى كبيرًا.
ذكر القصص التربوية التعليمة
كان لأحد الشيوخ غلام مقرّب عنده، فسأله التلاميذ: لماذا تُقرِّب زميلنا هذا منك أكثر منا، فأجابهم إجابة عملية.. بأن أعطَى كل واحد منهم طائرًا، وقال لهم: كل واحد يذبح هذا الطائر في مكان لا يراه فيه أحد. فكل تلميذ أخذ طائره واختبأ في مكان وذبحه، ورجع الجميع ومعهم الطيور مذبوحة إلا هذا الغلام لم يذبح الطائر. فسأله الشيخ: لماذا لم تذبح الطائر؟ فقال: يا شيخي، لقد قلت لنا كل واحد يذبح الطائر في مكان لا يراه فيه أحد. وكلّما ذهبت إلى مكان أجده معي. فقال: مَن؟ فقال: الله.
وهكذا نذكر لهم قصص المراقبة، ولكن بأسلوب سهل جميل وبسيط، وبطريقة مشوّقة، ومرغبة وجذابة، ثمَّ نذكر لهم الدروس المستفادة من هذه القصص.
لا شك أنَّ هذه الوسائل كفيلة بإذن الله بإحياء خلق المراقبة في نفوس الأبناء، وندرّبهم عليه كثيرًا، ونُذكِّرهم بالله كلِّ مدَّة، ولكن لا بد أن نكون نحن قدوة لأبنائنا قبل كل شيء، حتى تؤتي كلماتنا ثمارها معهم، ففاقد الشيء لا يعطيه .
نصائح سريعة لحماية الأسرة ورعايتها ([11])
كيف نربي أولادنا تربية إسلامية صحيحة ؟
1- اجعل ولدك وقفاً  لله عز وجل                       2-  الإكثار من الدعاء بصلاح الذرية
3- استغفر لولدك                                         4- لقنوا أولادكم الخير والصلاح
5- لا تكلف أولادك فوق طاقتهم                       6- شجع أولادك على قيام الليل
7- أكثر من تقبيله فكان النبي r يقبل الصغار     8- عليك بإشباع عواطف أولادك          
9- احرص على ألا تتكلم إلا بالكلام الطيب         10_ الحرص على تحفيظ الأولاد كتاب الله
11- لا تبغض ولدك لدمامته                            
13- وصية غالية للوالدين
أيها الأب الكريم : لا تهن الأم أمام أبنائها وبناتها إذا أردت أن ترشدها إلى شيء فليكن ذلك فيما بينها وبينك كي لا تسقط كرامتها  ولا تذهب هيبتها أمام أبنائها فمن ثم لا يطيعوا أوامرها في غيابك ، ويفشل البيت في غيابك ، وفضلاً عن ذلك ففي إسرارك بحديثك مع زوجتك وعقابك لها فيما بينك وبينها ستر عليها ،
وأنت أيها الأم الفاضلة : لا تنشزي على زوجك ولا تخالفيه وتعصي أمره ، فتتعلم منك بناتك النشوز على الأزواج وعصيان أوامرهم ، فتفشل حينئذ حياتك مع زوجك وحياة بناتك فيما بعد مع الأزواج .
14- لا تنشغل بهموم الدنيا عن أولادك وصدق من قال :
    ليس اليتيم من انتهى أبواه من  **    هم الحياة وخلفاه ذليلا
    إن اليتيـــم هو الذي تلقى له      **         أماً تخلت وأباً مشغولا
** اهتموا أيها الآباء الكرام بمن أمنكم الله تعالى عليهم ولا تكونوا ممن خان الأمانة
ومن العيب أن نرى الأن القدوة لأبنائنا هم الغرب والموضة والصحبة الفاسدة لأنهم لم يروا قائدا صالحا في المنزل لأنه قد تنازل عن مكانته وابتعد عما امر الله تعالى.
ومن العيب ان نرى أولادنا لا يخشون من الله ولا يراقبونه ، فلا يلتزموا بصلاة ولا صيام ولا طاعة لله وانما همهم هو الاهتمام بالأفلام والمسلسلات والمباريات واللهو او اللعب وكل ما هو ضار.
فلابد أن نعيد أبنائنا إلى ما أمر الله ونعلمهم تقوى الله فهو سبيل نجاتهم وفلاحهم في الدنيا والآخرة.
وصلِّ اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
إعداد: الشيخ احمد أبو عيد
01098095854






([1]) الدر المنثور للسيوطي
([2]) جامع الأصول
([3]) السلسلة الصحيحة
([4]) صحيح سنن الترمذي
([5]) صحيح سنن الترمذي
([6]) الشيخ صالح بن فوزان
([7]) صحيح سنن الترمذي
([8]) تاريخ ابن عسكر
([9]) صحيح سنن الترمذي
([10]) صحيح مسلم
([11])كيف نربي أولادنا تربية صحيحة إسلامية للشيخ محمود المصري
التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات