الصحبة وأثرها في بناء الشخصية بين الواقع والمأمول المجتمع د/ خالد بدير
خطبة بعنوان: الصحبة
وأثرها في بناء الشخصية بين الواقع والمأمول
بتاريخ: 22ذو الحجة
1440ه – 23 أغسطس 2019م
عناصر الخطبة:
العنصر الأول: حث
الإسلام على حسن اختيار الصحبة
العنصر الثاني:
يحشر المرء مع من أحب
العنصر الثالث:
الصداقة الحقيقية على طريق الهجرة
العنصر الرابع:
عواقب صحبة السوء
العنصر الخامس:
ثمرات وفوائد الصحبة الصالحة
المقدمة:
أما بعد:
العنصر الأول: حث
الإسلام على حسن اختيار الصحبة
عباد الله: لقد
حث الإسلام على حسن اختيار الصحبة لأهميتها في بناء شخصية الأفراد؛ فينبغي على المرء
أن يحسن اختيار الصاحب، لأنه يكون على هديه وطريقته ويتأثر به، كما قيل: الصاحب ساحب،
حتى لو أردت أن تعرف أخلاق شخصٍ فسأل عن أصحابه. قال الشاعر:
عَنْ الْمَـــــــــــــرْءِ
لَا تَسْأَلْ وَسَلْ عَنْ قَرِينِهِ * * * فَكُلُّ قَـــــــــــــرِينٍ بِالْمُقَارَنِ
يَقْـــــــــــــــــــــتَدِي
إذَا كُنْت فِي
قَوْمٍ فَصَاحِبْ خِيَارَهُمْ * * * وَلَا تَصْحَبْ الْأَرْدَى فَتَرْدَى مَعَ الرَّدِي
وقال آخر: واحـذرْ مُصاحبـةَ اللئيـم
فـإنّـهُ * * * يُعدي كما يُعدي الصحيـحَ الأجـربُ
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الْمَرْءُ
عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ" [ أحمد والترمذي
وحسنه ] . قال العلماء: يعني لا تخالل إلا من رضيت دينه وأمانته فإنك إذا خاللته قادك
إلى دينه ومذهبه، ولا تغرر بدينك ولا تخاطر بنفسك فتخالل من ليس مرضيا في دينه ومذهبه.
( العزلة للخطابي ) .
وقد صور النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك فقال:" مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالسَّوْءِ
كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ، فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ
وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ
الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً"(
متفق عليه ) يعني: هو مستفيد على كل حال، إما أن يعطيك، وإما أن يبيع لك، وإما أن يعلق
فيك رائحة طيبة، كذلك الجليس الصالح: إما أن يأمرك بالخير، وإما أن ينهاك عن الشر،
وإما أن يدعوك إلى الخير ويحضك عليه، فأنت مستفيد، كذلك جليس السوء إما أن يزهدك من
الخير أو يرغبك في الشر، فأنت متضرر على كل حال.
حتى أن أثر الصحبة
– صالحة أو طالحة – تعدَّى من عالم الإنسان إلى عالم الكلاب. قال تعالى: {سَيَقُولُونَ
ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا
بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ } ( الكهف: 22) فقد استفاد
الكلب من صحبة الأخيار، وهو الآن معروف أنه من أخس الحيوانات، ومع ذلك لما صاحب الأخيار
صار له شأن وذكر معهم في القرآن وأصابه ما أصابهم،كما أن الكلب المعلم لما تعلم صار
له ميزة وارتفع شأنه بالعلم، وصار يصيد بالتعليم، وله حكم يختلف عن بقية الكلاب، قال
تعالى: {مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ } [المائدة:4]،
حتى الكلاب إذا تعلمت صار لها شرف ومزية على غيرها.
أيها المسلمون:
أكثروا من صحبة الصالحين، فإنهم عونٌ لكم على كل طاعة ، فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ ؛ أَنَّهُ
سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: « لَا تُصَاحِبْ
إِلَّا مُؤْمِنًا وَلَا يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلَّا تَقِيٌّ » [ أبو داود والترمذي بسند
حسن].
وعن مالك بن مغول
، قال : قال عيسى ابن مريم عليه السلام : « تحببوا إلى الله عز وجل ببغض أهل المعاصي
، وتقربوا إليه بالتباعد منهم ، والتمسوا مرضاته بسخطهم قالوا : يا روح الله من نجالس
؟ قال : جالسوا من يذكركم الله رؤيته ، ومن يزد في عملكم منطقه ، ومن يرغبكم في الآخرة
عمله » . ( شعب الإيمان للبيهقي ) .
ويقول الفاروق عمر
بن الخطاب رضي الله عنه: "ما أعطي العبد بعد الإسلام نعمة خيراً من أخ صالح ،
فإذا وجد أحدكم وداً من أخيه فليتمسك به ".
وقال – أيضاً – رضي الله عنه : « لولا ثلاث لأحببت أن أكون قد مت : لولا أن
أضع جبيني لله ساجداً ، أو أجالس أقواماً يلتقطون طيب الكلام كما يلتقط طيب التمر والبسر
، أو أكون في سبيل الله ، لأحببت أن أكون قد مت » . ( المتمنين لابن أبي الدنيا )
.
وقال الشافعي:
"إذا كان لك صديق يعينك على الطاعة فشد يديك به؛ فإن اتخاذ الصديق صعب ومفارقته
سهلة".
وقال لقمان الحكيم
لابنه:" يا بني؛ ليكن أول شيء تكسبه بعد الإيمان بالله أخاً صادقاً ؛ فإنما مثله
كمثل شجرة، إن جلست في ظلها أظلتك ؛ وإن أخذت منها أطعمتك ؛ وإن لم تنفعك لم تضرك.."
.
اصحب خيار الناس
أين لقيتهم ............. خير الصحابة من يكون ظريفا
والناس مثل دراهم
ميزتها ................... فوجدت فيها فضة وزيوفا
وقال الحسن البصري:
إخواننا أحب إلينا من أهلنا وأولادنا، لأن أهلنا يذكروننا بالدنيا ؛ وإخواننا يذكروننا
بالآخرة، ومن صفاتهم: الإيثار. ( إحياء علوم الدين ) .
وقال أبو حاتم-رضي
الله عنه-: "العاقل يلزم صحبة الأخيار ويفارق صحبة الأشرار؛ لأن مودَّةَ الأخيار
سريعٌ اتصالها، بطئ انقطاعها، ومودَّةُ الأشرار سريع انقطاعها، بطئ اتصالها، وصحبة
الأشرار، تورث سوء الظن بالأخيار، ومن خادَن الأشرار، لم يسلم من الدخول في جملتهم
. فالواجب على العاقل أن يجتنب أهل الرِّيَب، لئلا يكون مَريباً، فكما أن صحبة الأخيار
تورث الخير، كذلك صحبة الأشرار تورث الشر " . ( روضة العقلاء ونزهة الفضلاء –
البستي ) .
أيها المسلمون:
اعلموا أن كل صداقة لغير الله تعالى؛ تنقلب يوم القيامة عداوة، قال تعالى: { الأَخِلاَّءُ
يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ }. [الزخرف:67]، فالأصدقاء
في الآخرة يعادي بعضهم بعضًا إلا أصدقاء الإيمان، الذين بنوا صداقاتهم على الحب في
الله والبغض في الله .
وفي معنى الآية
الكريمة ؛ روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : « كان خليلان مؤمنان وخليلان
كافران، فمات أحد المؤمنين فقال: يا رب، إن فلانا كان يأمرني بطاعتك، وطاعة رسولك،
وكان يأمرني بالخير وينهاني عن الشر. ويخبرني أني ملاقيك، يا رب فلا تضله بعدي، واهده
كما هديتني، وأكرمه كما أكرمتني. فإذا مات خليله المؤمن جمع الله بينهما، فيقول الله
تعالى: ليثن كل واحد منكما على صاحبه، فيقول يا رب، إنه كان يأمرني بطاعتك وطاعة رسولك،
ويأمرني بالخير وينهاني عن الشر، ويخبرني أني ملاقيك، فيقول الله تعالى: نعم الخليل
ونعم الأخ ونعم الصاحب كان. قال: ويموت أحد الكافرين فيقول: يا رب، إن فلانا كان ينهاني
عن طاعتك وطاعة رسولك، ويأمرني بالشر وينهاني عن الخير، ويخبرني أني غير ملاقيك، فأسألك
يا رب ألا تهده بعدي، وأن تضله كما أضللتني، وأن تهينه كما أهنتني، فإذا مات خليله
الكافر قال الله تعالى لهما: ليثن كل واحد منكما على صاحبه، فيقول: يا رب، إنه كان
يأمرني بمعصيتك ومعصية رسولك، ويأمرني بالشر وينهاني عن الخير ويخبرني أني غير ملاقيك،
فأسألك أن تضاعف عليه العذاب، فيقول الله تعالى: بئس الصاحب والأخ والخليل كنت. فيلعن
كل واحد منهما صاحبه. قلت: والآية عامة في كل مؤمن ومتق وكافر ومضل » . ( تفسير القرطبي)
.
ولذلك كان صلى الله
عليه وسلم يستعيذ في دعائه من صاحب السوء ؛ فعَنْ عُقْبَةَ بن عَامِرٍ، قَالَ: كَانَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:" اللَّهُمَّ إِنِّي
أَعُوذُ بِكَ مِنْ يَوْمِ السُّوءِ، وَمِنْ لَيْلَةِ السُّوءِ، وَمِنْ سَاعَةِ السُّوءِ،
وَمِنْ صَاحِبِ السُّوءِ، وَمِنْ جَارِ السُّوءِ فِي دَارِ الْمُقَامَةِ ". [الطبراني
وابن حبان في صحيحه وحسنه ] .
أنتَ في النَّاس
تُقَاس ............... بالذي اختَرت خَلِيلا
فاصْحَب الأخيَار
تَعلو ................ وتَنل ذِكرًا جَميلا
صُحبة الخَامِل
تكسُو ............... من يُؤاخِيه خُمُولا
فلا تصاحب الفساق
والفاسدين فتكون مثلهم، ولا تجلس إلى أهل الدنايا فإن خلائق السفهاء تعدي، قال علي
بن أبي طالب : «لا تصاحب الفاجر فإنه يزين لك فعله ويود لو أنك مثله».
العنصر الثاني:
يحشر المرء مع من أحب
عباد الله:
" يحشر المرء مع من أحب " ؛ هذا من كلام المصطفى صلى الله عليه وسلم ؛ ومعناه:
أن الإنسان يحشر مع من أحبه في الدنيا ؛ إن كان صالحاً أم طالحاً ؛ وإن أجناس الناس
كأجناس الطير، والطيور على أشكالها تقع، فصاحب العقلاء تُنسب إليهم وإن لم تكن منهم،
ولا تصاحب الجهال فتُنسب إليهم وإن لم تكن منهم .
فعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ : " أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
عَنِ السَّاعَةِ ، فَقَالَ: مَتَى السَّاعَةُ ؟ ، قَالَ: ( وَمَاذَا أَعْدَدْتَ لَهَا
) ؟ قَالَ : لاَ شَيْءَ ، إِلَّا أَنِّي أُحِبُّ
اللَّهَ وَرَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَقَالَ: (أَنْتَ مَعَ مَنْ
أَحْبَبْتَ) . قَالَ أَنَسٌ: فَمَا فَرِحْنَا بِشَيْءٍ ، فَرَحَنَا بِقَوْلِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ) !! قَالَ أَنَسٌ:
" فَأَنَا أُحِبُّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ،
وَعُمَرَ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ مَعَهُمْ بِحُبِّي إِيَّاهُمْ ، وَإِنْ لَمْ أَعْمَلْ
بِمِثْلِ أَعْمَالِهِمْ " . ( متفق عليه ) .
فهذا الحديث ورد
في المحبة الإيمانية الشرعية ، التي أمر الله بها عباده ، وندبهم إليها ، وهي من عرى
الإيمان ، بل من أوثق عرى الإيمان وعلاماته : أن يحب الرجل أخاه ، لا يحبه لدنيا ولا
مال ولا جاه ؛ إنما يحبه لله جل جلاله .
قال ابن حجر رحمه
الله :" قَوْلُهُ : " إِنَّكَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ " أَيْ: مُلْحَقٌ
بِهِمْ حَتَّى تَكُونَ مِنْ زُمْرَتِهِمْ " . " فتح الباري" .
أما محبة الأشرار
فهي محبة فسوق وعصيان ، وعمل من أعمال الشيطان ، وحبل من حبالاته ، يوقع به من أطاعه
منهم ، فيخشى على أمثال هؤلاء أن يجتمعوا معا في سوء المآل عند الله والعياذ بالله
. قال تعالى { احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ
* مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ } . (الصافات: 22-23
). " قال عُمَرَ رضي لله عنه : { احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ
} قَالَ : " أَشْبَاهَهُمْ ، قَالَ: يَجِيءُ صَاحِبُ الرِّبَا مَعَ أَصْحَابِ
الرِّبَا، وَصَاحِبُ الزِّنَا مَعَ أَصْحَابِ الزِّنَا، وَصَاحِبُ الْخَمْرِ مَعَ أَصْحَابِ
الْخَمْرِ " . ( تفسير ابن كثير ) . ولهذا قَالَ تَعَالَى: { وَإِذَا النُّفُوسُ
زُوِّجَتْ } .( التكوير: 7 ). قال ابن القيم - رحمه الله - في هذه الآية : { وإذا النفوس
زوجت }" أي : قرن كل صاحب عمل بشكله ونظيره ؛ فقرن بين المتحابين في الله في الجنة
؛ وقرن بين المتحابين في طاعة الشيطان في الجحيم ؛ فالمرء مع من أحب شاء أو أبى
" . ( زاد المعاد ) .
ولهذا كان الصالحون
يسعون إلى صحبة الأخيار الأبرار الأطهار ؛ فهذا الإمام الشافعي الذي ملأ الدنيا بعلمه
وورعه وتقواه ؛ يبحث جاهداً عن صحبة الصالحين؛ ليشفعوا له في الآخرة؛ فيزور الإمام
أحمد بن حنبل وينشده قائلاً:
أحب الصالحين ولست
منهم *** وأرجو أن أنال بهم شفاعة
وأكره من تجارته
المعاصي *** وإن كنا سواء في البضاعة
فقال له من يعرف
الفضل لأهله إمام أهل السنة أحمد بن حنبل رحمه الله :
تحب الصالحين وأنت
منهم *** رفيق القوم يلحق بالجماعة
وتكره من بضاعته
المعاصي *** حماك الله من تلك البضاعة
فإذا كان هؤلاء
الأصفياء الأتقياء الأنقياء يفعلون ذلك ؛ فماذا أنتم فاعلون ؟!!
العنصر الثالث:
الصداقة الحقيقية على طريق الهجرة
عباد الله: ونحن
على أعتاب أهم حدث في التاريخ الإسلامي ؛ ألا وهو حدث الهجرة النبوية المباركة ؛ لا
يفوتنا أن نذكر صداقة أبي بكر رضي الله عنه الذي لقب بالصديق ؛ لتصديقه الرسول صلى
الله عليه وسلم في كل شيء؛ فحينما عاد صلى الله عليه وسلم من رحلة الإسراء والمعراج
وقص على قريش ما حدث كذبوه فيما قال؛ وعلى رأسهم المطعم بن عدي الذي قال: أنا أشهد
أنك كاذب، نحن نضرب أكباد الإبل إلى بيت المقدس مصعدا شهرا ومنحدرا شهرا، أتدعي أنت
أتيته في ليلة؟! واللات والعزى لا أصدقك. وانطلق نفرٌ من قريش إلى أبي بكر رضي الله
عنه يسألونه عن موقفه من الخبر ، فقال لهم: ” لئن كان قال ذلك لقد صدق” ، فتعجّبوا
وقالوا: ” أو تصدقه أنه ذهب الليلة إلى بيت المقدس وجاء قبل أن يصبح ؟! ” ، فقال:
” نعم؛ إني لأصدقه فيما هو أبعد من ذلك ، أصدقه بخبر السماء في غدوة أو روحة ” ، فأطلق
عليه من يومها لقب ” الصديق”. (عيون الأثر , وسبل الهدى والرشاد) .
ولا ننسى لهفة أبي
بكر وحبه لصحبة الرسول صلى الله عليه وسلم في الهجرة؛ وهذا الحب هو الذي أبكى أبا بكر
فرحاً بصحبته صلى الله عليه وسلم!! إن هذا الحب هو الذي أرخص عند أبي بكر كل ماله ليؤثر
به الحبيب صلى الله عليه وسلم على أهله ونفسه.
لهذا كان أمن الناس
على النبي - صلى الله عليه وسلم - في صحبته ؛ فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ ، قَالَ
: خَطَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : " إِنَّ اللَّهَ
خَيَّرَ عَبْدًا بَيْنَ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ فَاخْتَارَ مَا عِنْدَ اللَّهِ
، فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي
مَا يُبْكِي هَذَا الشَّيْخَ ؟ إِنْ يَكُنِ اللَّهُ خَيَّرَ عَبْدًا بَيْنَ الدُّنْيَا
وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ ، فَاخْتَارَ مَا عِنْدَ اللَّهِ ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ العَبْدَ ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ أَعْلَمَنَا
، قَالَ : يَا أَبَا بَكْرٍ لاَ تَبْكِ ، إِنَّ أَمَنَّ النَّاسِ عَلَيَّ فِي صُحْبَتِهِ
وَمَالِهِ أَبُو بَكْرٍ ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا مِنْ أُمَّتِي لاَتَّخَذْتُ
أَبَا بَكْرٍ ، وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الإِسْلاَمِ وَمَوَدَّتُهُ ، لاَ يَبْقَيَنَّ فِي
المَسْجِدِ بَابٌ إِلَّا سُدَّ ، إِلَّا بَابُ أَبِي بَكْرٍ " . ( البخاري )
.
وفي طريق الهجرة
كما ذكر ابن القيم في زاد المعاد، والبيهقي في الدلائل: ” أن أبا بكر ليلة انطلق مع
رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى الغار، كان يمشي بين يديه ساعة، ومن خلفه ساعة،
فسأله، فقال: أذكر الطلب (ما يأتي من الخلف) فأمشي خلفك، وأذكر الرصد (المترصد في الطريق)
فأمشي أمامك، فقال صلى الله عليه وسلم: ” لو كان شيء أحْبَبْتَ أن تُقتل دوني؟ “، قال:
أي والذي بعثك بالحق، فلما انتهيا إلى الغار قال: مكانك يا رسول الله حتى أستبرئ لك
الغار، فاستبرأه ”
لقد ضرب الصديق
لنا مثلا رائعا في أن الصداقة مبادئ ومواقف، وليست شعارات وأقوالا؛ وهكذا الصداقة الحقيقية
؛ ولله در من قال:
جزى الله الشدائد
كل خير * * * * * عرفت بها عدوي من صديقي
ومن مواقف الإخلاص
في الصداقة الحقيقية ما رواه أبو علي الرباطي قال: صحبت عبد الله الرازي وكان يدخل
البادية فقال: على أن تكون أنت الأمير أو أنا ؟ فقلت: بل أنت فقال: وعليك الطاعة فقلت:
نعم فأخذ مخلاة ووضع فيها الزاد وحملها على ظهره فإذا قلت له أعطني. قال: ألست قلت:
أنت الأمير؟ فعليك الطاعة فأخذنا المطر ليلة فوقف على رأسي إلى الصباح وعليه كساء وأنا
جالس يمنع عني المطر فكنت أقول مع نفسي: ليتني مت ولم أقل: أنت الأمير. ( إحياء علوم
الدين ) .
أين أخي الحبيب
هؤلاء من رفقة اليوم .. وصحبة هذا الزمن؟ ! إنك لو نظرت إلى واقعنا المعاصر تجد أن
الصداقة من أجل المصلحة والمنفعة والفائدة؛ فإذا انتهت المصلحة والفائدة انقطع حبل
الصداقة؛ وتجد الشخص يتودد إليك بالكلام المعسول؛ ويقابلك بالقبلات والأحضان والمعانقة؛
فإذا احتجت إليه وقت العسر والشدة كأنه لا يعرفك؛ وكان أبعد الناس منك؛ فمعك – مثلاً
– على الفيس وغير الفيس آلاف الأصدقاء ؛ ولكن لا تجدهم عند الحاجة ؛ فعن عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " إِنَّمَا النَّاسُ كَالْإِبِلِ الْمِائَةِ ؛ لَا
تَكَادُ تَجِدُ فِيهَا رَاحِلَةً " . ( متفق عليه ) . يقول ابن حجر - رحمه الله
- : " المعنى: لا تجد في مائة إبل راحلة تصلح للركوب ، لأن الذي يصلح للركوب ينبغي
أن يكون وطيئاً سهل الانقياد ، وكذا لا تجد في مائة من الناس من يصلح للصحبة ؛ بأن
يعاون رفيقه ويلين جانبه" . ( فتح الباري ) .
وفي ذلك يقول لقمان الحكيم: ثلاثة لا يعرفون إلا
عند ثلاثة: لا يعرف الحليم إلا عند الغضب؛ ولا يعرف الشجاع إلا عند الحرب؛ ولا يعرف
الأخ إلا عند الحاجة إليه.( المجالسة وجواهر العلم للدينوري).
وكفي بالواقع المعاصر
على ذلك دليلا!!! وصدق من قال:
لا خيرَ فـي ودِّ
امـريءٍ مُتملِّـقٍ ......... حُلـوِ اللسـانِ وقلبـهُ يتلهَّـبُ
يلقاكَ يحلفُ أنـه
بـكَ واثـقٌ ........ وإذا تـوارَى عنـكَ فهـوَ العقـرَبُ
يُعطيكَ من طَرَفِ
اللِّسانِ حلاوةً.... ويَروغُ منكَ كمـا يـروغُ الثّعلـبُ
العنصر الرابع:
عواقب صحبة السوء
أحبتي في الله:
والله إن الصاحب ساحب ؛ فإذا كان صالحاً سيأخذ بيديك إلى الجنة ، وإن كان طالحا يجرك
إلى جهنم جرا ، ولا شك أن لصحبة السوء أثراً سيئاً وعواقبَ وخيمةً في الدنيا والآخرة
.
فصاحب السوء يجرك
إلى المعاصي والفسوق والفساد جراً ؛ كم ضل من ضل بسبب قرينٍ فاسد أو مجموعة من القرناء
الأشرار، وكم أنقذ الله بقرناء الخير من كان على شفا جُرفٍ هار فأنقذه الله بهم من
النار، وكاذب ثم كاذب من ادَّعى قدرته على معايشة البيئة الفاسدة دون التأثر بغبارها
، لأن قلبه قلب بشر لا قلب مَلَك ، وسيتأثر حتماً بالبيئة المحيطة به سلباً أو إيجاباً
؛ فصحبة السوء تسوقك إلى جهنم سوقاً ؛ وسأضرب لكم مثالين:
الأول: لَمَّا حَضَرَتْ
أَبَا طَالِبٍ الْوَفَاةُ جَاءَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَوَجَدَ عِنْدَهُ أَبَا جَهْلٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا عَمِّ قُلْ لَا إِلَهَ
إِلَّا اللَّهُ كَلِمَةً أَشْهَدُ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ. فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ
وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ: يَا أَبَا طَالِبٍ أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ
عَبْدِ الْمُطَّلِبِ؟! فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَعْرِضُهَا عَلَيْهِ وَيُعِيدُ لَهُ تِلْكَ الْمَقَالَةَ حَتَّى قَالَ أَبُو طَالِبٍ
آخِرَ مَا كَلَّمَهُمْ: هُوَ عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَأَبَى أَنْ يَقُولَ
لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
أَمَا وَاللَّهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ
عَزَّ وَجَلَّ:{ مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ
وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ
الْجَحِيمِ } وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:{ إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ
اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ } ( متفق عليه ) .
فوجود أبي جهل والصحبة
السوء جعلت أبا طالب من أصحاب الجحيم، وحزن عليه النبي حزناً شديداً.
المثال الثاني:
عن ابن عباس قال: « كان عقبة بن أبي معيط لا يقدم من سفر إلا صنع طعاماً فدعا إليه
أهل مكة كلهم، وكان يكثر مجالسة النبي صلى الله عليه وسلم ويعجبه حديثه، وغلب عليه
الشقاء فقدم ذات يوم من سفر فصنع طعاماً ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى طعامه
فقال: ما أنا بالذي آكل من طعامك حتى تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله . فقال
: أطعم يا ابن أخي. قال : ما أنا بالذي أفعل حتى تقول . . . فشهد بذلك وطعم من طعامه
. فبلغ ذلك أُبي بن خلف فأتاه فقال: أصبوت يا عقبة؟ - وكان خليله - فقال: لا والله
ما صبوت. ولكن دخل عليَّ رجل فأبى أن يطعم من طعامي إلا أن أشهد له، فاستحييت أن يخرج
من بيتي قبل أن يطعم، فشهدت له، فطعم. فقال: ما أنا بالذي أرضى عنك حتى تأتيه فتبصق
في وجهه. ففعل عقبة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا ألقاك خارجاً من مكة
إلا علوت رأسك بالسيف، فأسر عقبة يوم بدر فقتل صبراً ولم يقتل من الأسرى يومئذ غيره
» .( الدر المنثور , للسيوطي ) وفي ذلك نزل قوله تعالى: { وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ
عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يَا
وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ
الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا
(29)} ( الفرقان ) .
فتخيل أنه فضل رضا صاحب السوء على رضا الله ورسوله
وكانت النتيجة جهنم وبئس المصير.
فهذه رسالة أوجهها
لآبائي وإخواني وأبنائي وكل فئات المجتمع أن يحسنوا اختيار الصحبة لشدة تأثيرها كما
ذكر.
العنصر الخامس:
ثمرات وفوائد الصحبة الصالحة
عباد الله: تكلمنا
مع حضراتكم في عنصرنا السابق عن عواقب صحبة السوء في الدنيا والآخرة ؛ وتعالوا معنا
في هذا العنصر لنقف مع ثمرات وفوائد الصحبة الصالحة في الدنيا والآخرة ؛ وبضدها تتميز
الأشياء ؛ ومن هذه الفوائد :
الفوز بمحبة الله
تعالى: وهل هناك أعظم من هذه الثمرة المباركة ؟!! شريطة أن يكون الحب خالصاً لله ؛
لا من أجل مصلحةٍ أو حاجةٍ ؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَنَّ رَجُلًا زَارَ أَخًا لَهُ فِي قَرْيَةٍ أُخْرَى ، فَأَرْصَدَ
اللَّهُ لَهُ ، عَلَى مَدْرَجَتِهِ ، مَلَكًا فَلَمَّا أَتَى عَلَيْهِ ، قَالَ : أَيْنَ
تُرِيدُ ؟ قَالَ : أُرِيدُ أَخًا لِي فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ ، قَالَ : هَلْ لَكَ عَلَيْهِ
مِنْ نِعْمَةٍ تَرُبُّهَا ؟ قَالَ : لَا ، غَيْرَ أَنِّي أَحْبَبْتُهُ فِي اللَّهِ
عَزَّ وَجَلَّ ، قَالَ : فَإِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكَ ، بِأَنَّ اللَّهَ قَدْ
أَحَبَّكَ كَمَا أَحْبَبْتَهُ فِيهِ " . ( مسلم ) . ويقول الله تعالى في الحديث
القدسي: " وَجَبَتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ ؛ وَالْمُتَجَالِسِينَ
فِيَّ ؛ وَالْمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ ؛ وَالْمُتَبَاذِلِينَ فِيَّ " . ( أحمد وابن
حبان والحاكم وصححه ) .
ومنها: الانتفاع
بدعائهم بظهر الغيب: فشتانَ بين من يقولون: { رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا
الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ
آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ }. [الحشر:10] ، وبين من يتخاصمون في الدنيا
ثم في نار جهنّم { كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا } . [الأعراف:38]!
ومنها: التقرب إلى
الطاعة في الدنيا: فالصحبة الصالحة تدفعك دفعاً إلى الطاعة وتعينك عليها ؛ فعن أبى
قلابة قال: « التقى رجلان في السوق فقال أحدهما للآخر: تعال نستغفر الله في غفلة الناس!
ففعلا ؛ فمات أحدهما، فلقيه الآخر في النوم، فقال: علمت أن الله غفر لنا عشية التقينا
في السوق » .
ولذا كان بعض الصالحين
بمجرد رؤيته ينتفع المرء به ؛ قال أبو إسحاق السبيعي: كان معاذ بن جبل – رضي الله عنه
– إذا رؤي ذكر الله". وقال يونس بن عبيد: "كان الرجل إذا نظر إلى الحسن انتفع
به وإن لم ير عمله ولم يسمع كلامه ".
ومنها: الشفاعة
في الآخرة : ولو لم يكن من صحبة المؤمن إلا شفاعته يوم القيامة لكفى، قال الحسن البصري
- رحمه الله -: « استكثروا من الأصدقاء المؤمنين فإن لهم شفاعةً يوم القيامة ». ؛ لذلك
يتحسر المشركون من عدم وجود صديق صالح يشفع لهم : { فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ *
وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ } ( الشعراء: 100 ؛ 101 ) .
وقد صور لنا النبي
صلى الله عليه وسلم شفاعة الصحبة الصالحة في الآخرة ؛ كما جاء في صحيح مسلم من حديث
أبي سعيد الخدري قال : قال: صلى الله عليه وسلم : " حَتَّى إِذَا خَلَصَ الْمُؤْمِنُونَ
مِنَ النَّارِ ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ بِأَشَدَّ
مُنَاشَدَةً لِلَّهِ فِي اسْتِقْصَاءِ الْحَقِّ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لِلَّهِ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ فِي النَّارِ ، يَقُولُونَ : رَبَّنَا كَانُوا
يَصُومُونَ مَعَنَا ، وَيُصَلُّونَ ، وَيَحُجُّونَ ، فَيُقَالُ لَهُمْ : أَخْرِجُوا
مَنْ عَرَفْتُمْ ، فَتُحَرَّمُ صُوَرُهُمْ عَلَى النَّار ، فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا
قَدْ أَخَذَتِ النَّارُ إِلَى نِصْفِ سَاقَيْهِ وَإِلَى رُكْبَتَيْهِ ، ثُمَّ يَقُولُونَ
: رَبَّنَا مَا بَقِيَ فِيهَا أَحَدٌ مِمَّنْ أَمَرْتَنَا بِهِ ، فَيَقُولُ : ارْجِعُوا
، فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ دِينَارٍ مِنْ خَيْرٍ ، فَأَخْرِجُوهُ
فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا ، ثُمَّ يَقُولُونَ : رَبَّنَا لَمْ نَذَرْ فِيهَا
أَحَدًا مِمَّنْ أَمَرْتَنَا ، ثُمَّ يَقُولُ : ارْجِعُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ
مِثْقَالَ نِصْفِ دِينَارٍ مِنَ خَيْرٍ فَأَخْرِجُوهُ ، فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا
، ثُمَّ يَقُولُونَ : رَبَّنَا لَمْ نَذَرْ فِيهَا مِمَّنْ أَمَرْتَنَا أَحَدًا ، ثُمَّ
يَقُولُ : ارْجِعُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ مِنْ خَيْر
، فَأَخْرِجُوهُ فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا ، ثُمَّ يَقُولُونَ : رَبَّنَا لَمْ
نَذَرْ فِيهَا خَيْرًا ". [ مسلم ].
ومنها: النجاة من
فزع يوم القيامة : قال تعالى: { الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ
إِلَّا الْمُتَّقِينَ * يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ
تَحْزَنُونَ } [الزخرف:67-68] .
ومنها : أن الصحبة
الصالحة في ظل عرش الرحمن : ففي حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا
ظله : " وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ ؛ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا
عَلَيْهِ " . ( متفق عليه ) . وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
:" أَيْنَ الْمُتَحَابُّونَ بِجَلَالِي؟! الْيَوْمَ أُظِلُّهُمْ فِي ظِلِّي يَوْمَ
لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلِّي " . ( مسلم ) .
وبعد أيها المسلمون:
فهذه ثمرات وفوائد الصحبة الصالحة في الدنيا والآخرة ؛ فاحرصوا على انتقاء الصحبة الصالحة
لكم ولأبنائكم وبناتكم وأزواجكم ؛ لتفوزوا بسعادة العاجل والآجل .
اللهم إنا نسألك
صحبة الأخيار، وعيشة السعداء، وميتة الشهداء، وحياة الأتقياء، ومرافقة الأنبياء، إنك
على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير .
الدعاء........
وأقم الصلاة،،،،