المفاهيم الصحيحة للهجرة إلى الله ورسوله للشيخ ابراهيم مراسي
إنَّ الحَمدَ لله نَحمدُهُ“ونستعينُهُ ونستهديهِ
ونشْكرُهُ ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسِنَا ومن سيئاتِ أعمالنا، مَن يهدِ الله فلا مُضِلَّ
لهُ ومن يُضلِل فلا هادِيَ له، وأشهدُ أن لا إلـهَ إلا الله وحدَهُ لا شريكَ لهُ ولا
مثيلَ لهُ، ولا ضِدَّ ولا نِدَّ لهُ، وأشهدُ أنَّ سيّدَنا وحبيبَنا وعظيمَنا وقائِدَنا
وقُرَّةَ أعينِنَا محمَّدًا عبدهُ ورسولهُ وصفيُّه وحبيبُه، بلّغَ الرسالةَ وأدَّى
الأمانةَ ونصحَ الأُمَّةَ فجَزاهُ الله عنَّا خيرَ ما جزى نبيًّا مِن أنبيائِهِ.
الصَّلاةُ والسلامُ عليكَ سيّدي يا عَلَمَ
الهُدى يا أبا الزهراءِ يا أبا القاسِمِ يا محمَّدُ.
أمَا بعدُ عبادَ الله، فإني أوصيكُم ونفسي
بتقوى الله العليّ العظيم، والسَّيرِ على خُطى رسولِهِ الكريمِ، يَقُولُ الله تعالى
في مُحكمِ كتابِه : ﴿ إِلاَّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ
الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ
لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ
بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ
اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [سورة التوبة]. النّبي هاجر من
مكّة إلى المدينة امتثالا لأمر الله وليس هربا أو جُبْنا، فهذا لا يليق بأنبياء الله
الذين هم أشجع خلق الله. النبي محمد هو أشجع النّاس وقد أوتي قوة أربعين رجل من الأشدّاء.
إخوةَ الإيمانِ يا أحبابَ الحبيبِ، دعَا
النبيُّ صلى الله عليه وسلم إلى العَدلِ والإِحسَانِ ومكارِمِ الأخلاقِ ونَهَى عنِ
المنكَرِ والبغيِ. فهوَ أفْضَلُ الأَوَّلينَ والآخِرِينَ على الإطلاقِ، هُوَ محمَّدٌ
صلى الله عليه وسلم الذي عرَفَهُ قومُهُ قبلَ نزولِ الوحيِ بِلَقَبِ الأَمِينِ فلم
يَكُنْ سَارِقًا ولَم يَكُن رَذِيلاً ولم يكن مُتَعَلّقَ القلبِ بالنّساءِ، وكانَ يدُورُ
في المواسِمِ التي يجتَمِعُ فيها الناسُ ويقولُ: « أيُّها الناسُ قولوا لا إلـهَ إلا
الله تُفلِحُوا ». وكانَ يَتْبَعُهُ رَجُلٌ منَ المشركينَ ويقولُ: «أيُّها الناسُ لا
تُصَدّقوهُ».
صَبَرَ صلى الله عليه وسلم على إيذاءِ المشركينَ
أيَّ ما صَبْرٍ!! أَلَمْ يَرْمِ عَدُوُّ الله عقبةُ بن أبي مُعَيْطٍ سَلَى جزورٍ!!
أي كيسَ وَلَدِ الناقة، على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما كان ساجدًا يصلي
عند الكعبة ؟ وذلكَ المُشرِكُ عُقبةُ بنُ أبي مُعيْطٍ أرادَ أن يَخْنُقَهُ بِثَوبِهِ
فَمَنَعَهُ سيدنا أبو بكرٍ وقالَ : « أتَقتُلونَ رجُلاً أن يَقولَ ربِّيَ الله ؟
». أليسَ كُسِرَتْ رَباعِيَتُهُ مِن أسنَانِهِ ؟ أليسَ ضُرِبَ بالحجَارةِ عليهِ الصلاةُ
والسلامُ ؟ وَلَكِنْ هذا النبيُّ المؤيَّدُ بنَصْرِ الله الـمُبِينِ ثبَتَ كمَا أمَرَهُ
الله، فليس هناك نبيّ يتخلَّى عنِ الدعوةِ إلى الله لِشِدَّةِ إيذاءٍ، الكفارُ تعجَّبُوا
لهذا الصَّبْرِ فقالُوا لأبي طالبٍ : « يا أبا طالبٍ ماذا يريدُ ابنُ أخيكَ ؟ إِنْ
كانَ يُريدُ جَاهًا أعطيناهُ فلنْ نُمْضِيَ أَمْرًا إلا بعدَ مَشُورَتِهِ، وإنْ كانَ
يُريدُ مالاً جَمَعْنَا لهُ المالَ حتَّى يصيرَ أَغْنانَا، وإنْ كانَ يريدُ الـمُلْكَ
تَوَّجْنَاهُ علينَا ». ولكنَّ النبيَّ أَجَابَ عمَّهُ بِقولِهِ : « والله يا عمّ لوْ
وضَعُوا الشمسَ في يميني والقمرَ في شمالي ما تَرَكْتُ هذا الأمرَ حتى يُظْهِرَهُ الله
أوْ أَهْلِكَ دُونَهُ » !! ثَبَتَ ثباتًا يتضاءَل أمامه ثبَاتُ الجبالِ الراسيات!
فأجمَعَ المشركونَ على قتلِ رسول الله صلى
الله عليه وسلم وَجَمَعُوا منْ كلّ قبيلةٍ رَجُلاً جَلْدًا لِيَضْرِبُوهُ ضَرْبَةَ
رجلٍ واحدٍ حتى يَتَفَرَّقَ دَمُهُ بينَ القبائِلِ، فأتى جبريلُ عليهِ السلامُ وأخبَرَهُ
بكَيْدِ المشركينَ وأمَرَهُ بأنْ لا يَبيتَ في مَضْجَعِهِ الذي كانَ يَبِيْتُ فيهِ.
فَدَعَا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عليَّ بنَ أبي طالبٍ رضيَ الله عنه وأَمَرَهُ
أنْ يَبِيتَ على فِراشِهِ ويَتَسَجَّى بِبُرْدٍ لهُ أَخْضَرَ فَفَعَلَ، ثُمَّ خَرَجَ
صلى الله عليه وسلم وهُمْ على بابِه ومَعَهُ حَفْنَةُ ترابٍ فجَعَلَ يَذُرُّهَا على
رُؤُوسِهِمْ وهوَ يَقْرَأُ قول الله تعالى : ﴿ يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ إِنَّكَ
لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ
لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ
عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلاَلاً
فَهِيَ إِلَى الأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ
سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ ﴾[سورة
يس].
واختار رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حبِيبَهُ
أبا بكرٍ الصّدّيقَ رضيَ الله عنهُ ليُرافِقهُ في الهِجْرَةِ، فانطلقا حتى وصلا إلى
غارِ ثَوْرٍ، وكانت في الغارِ ثُقُوبٌ فجَعَلَ الصِّدِّيقُ رضيَ الله عنهُ يَسُدُّها
بثوبِهِ، وبقيَ ثَقْبٌ فَسَدَّهُ برِجْلِهِ لِيَحْمِيَ حبيبَهُ وقرَّةَ عينِهِ مُحَمَّدًا،
فَلَدَغَتْهُ الأَفْعَى بِرِجْلِهِ فَمَا حَرَّكَهَا ومَا أَزَاحَها، فقامَ صلى الله
عليه وسلم ومَسَحَ لهُ بِرِيقِهِ الطَّاهِرِ فَشُفِيَ بِإِذْنِ الله تعالى.
وحمَى الله تعالى حبيبَهُ بخَيطِ العنكبوتِ،
حَمَى الله تعالى حبيبَهُ بأَضْعَفِ البيوتِ وأوْهَنِ البيوتِ بيتِ العنكبوتِ، فأرسلَ
الله حَمَامةً باضَتْ على فَمِ الغارِ ونَسَجَتِ العنكبوتُ خيطَهَا. قال تعالى: ﴿ يُرِيدُونَ
أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ
نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ﴾ [سورة التوبة].
والمؤمنونَ في المدينةِ المنوَّرَةِ ينتظرونَ
حبًّا وشَوْقًا، ينتظرونَ وصولَ الحبيبِ المصطفى صلى الله عليه وسلم، فكانوا يَتَوافَدونَ
إلى مشارِفِ المدينةِ مِنْ ناحيَةِ طريقِ مكَّةَ، وكان بعضُهُم يتسلَّقُ الأشجارَ وينْظُرُ
إلى بُعْدٍ عَلَّهُ يرى أثرًا لقُدومِ الحبيبِ صلى الله عليه وسلم، وتَمْضِي الأيامُ
والسَّاعاتُ ويعودونَ حزينينَ. وذاتَ يومٍ والنَّاسُ في انتظارٍ بلَهْفٍ وشَوْقٍ وقدِ
انتصفَ النَّهارُ واشتدَّ الحرُّ رجَعُوا جماعةً بعدَ جماعةٍ وإذْ برَجُلٍ ينادي بأعلى
صوتِهِ : « ها قَدْ جاءَ مَنْ تنْتَظِرونَ يا أهْلَ المدينةِ ». فَتَكُرُّ الجموعُ
عائِدَةً لاستقبالِ الحبيبِ المحبوبِ والحُبُّ يَسْبِقُهَا ولسانُ حالِهَا يقولُ :
« طَلَعَ البدرُ عليْنا مِنْ ثَنِيَّاتِ الوَداعِ ».
الهجرةُ النبويّةُ أيها الإخوةُ لَمْ تكنْ
هروبًا من قتالٍ ولا جُبْنًا عنْ مُواجَهَةٍ ولا تخاذُلا عن إحقاقِ حقّ أو إبطالِ باطلٍ،
بل هِجْرَةٌ بأمرِ الله تعالى. إن أنبياءَ الله تعالى يستحيلُ عليهمُ الجُبْنُ، فالأنبياءُ
هُمْ أشجعُ خلقِ الله، وقد قالَ بعضُ الصحابةِ : «كنَّا إذا حَمِيَ الوَطِيسُ في المعْرَكَةِ
نحتمي برسولِ الله صلى الله عليه وسلم ». فقدْ أعطى الله نبِيَّنا قوّةَ أربعينَ رجلاً
مِن الأشدَّاءِ.
فالجبنُ والهَرَبُ لا يليقان بأنبياءِ الله
تعالى. فلا يُقالُ عنِ النبيّ «هَرَبَ» لأنَّ كلمة «هَرَبَ» تُشْعِرُ بالجُبنِ، أمّا
إذا قيلَ «هاجَرَ فِرارًا منَ الكفارِ» أيْ مِنْ أذى الكفّارِ فلا يُشْعِرُ بالجُبْنِ
بلْ ذلكَ جائزٌ لغةً وشرعًا ما فيهِ نقصٌ.
اللهمَّ أعِدْ علينا هذِهِ الذِكْرى بالأمْنِ
والأمانِ يا ربَّ العالمينَ.
واعلَموا أنَّ الله أمرَكُمْ بأمْرٍ عظيمٍ،
أمرَكُمْ بالصلاةِ والسلامِ على نبيِهِ الكريمِ فقالَ ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ
يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا
تَسْلِيمًا ﴾ اللّهُمَّ صَلّ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا صلّيتَ
على سيّدنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيم، وبارِكْ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى
ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا بارَكْتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ،
إنّكَ حميدٌ مجيدٌ .
يقول الله تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ
اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا
تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا
وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ
﴾ ، اللّهُمَّ إنَّا دعَوْناكَ فاستجبْ لنا دعاءَنا فاغفرِ اللّهُمَّ لنا ذنوبَنا وإسرافَنا
في أمرِنا، اللّهُمَّ اغفِرْ للمؤمنينَ والمؤمناتِ الأحياءِ منهُمْ والأمواتِ، ربَّنا
ءاتِنا في الدنيا حسَنةً وفي الآخِرَةِ حسنةً وقِنا عذابَ النارِ، اللّهُمَّ اجعلْنا
هُداةً مُهتدينَ غيرَ ضالّينَ ولا مُضِلينَ، اللّهُمَّ استرْ عَوراتِنا وءامِنْ روعاتِنا
واكفِنا مَا أَهمَّنا وَقِنا شَرَّ ما نتخوَّفُ. عبادَ الله إنَّ الله يأمرُ بالعَدْلِ
والإحسانِ وإيتاءِ ذِي القربى، وينهى عَنِ الفحشاءِ والمنكرِ والبَغي، يعظُكُمْ لعلَّكُمْ
تذَكَّرون. اذكُروا الله العظيمَ يذكرْكُمْ واشكُروهُ يزِدْكُمْ، واستغفروه يغفِرْ
لكُمْ واتّقوهُ يجعلْ لكُمْ مِنْ أمرِكُمْ مخرَجًا.
وايضا ما حَصَلَ في الهِجْرَة النَّبَوِيَّة
المبارَكَة
روى البخاري في الصحيح عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: بُعِثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لأَرْبَعِينَ سَنَةً، فَمَكُثَ بِمَكَّةَ ثَلاثَ عَشْرَةَ سَنَةً يُوحَى إِلَيْهِ،
ثُمَّ أُمِرَ بِالْهِجْرَةِ فَهَاجَرَ عَشْرَ سِنِينَ، وَمَاتَ وَهُوَ ابْنُ ثَلاثٍ
وَسِتِّينَ.اهـ
وقد كانت هجرته عليه السلام في شهر ربيع
الأول سنة ثلاث عشرة من بعثته عليه السلام وذلك في يوم الاثنين كما رواه الإمام أحمد
عن ابن عباس أنه قال: ولد النبي صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين واستنبئ يوم الاثنين
وتوفي يوم الاثنين وخرج مهاجرا من مكة الى المدينة يوم الاثنين وقدم المدينة يوم الاثنين
ورفع الحجر الأسود يوم الاثنين.اهـ
– سبب هجرته صلى الله عليه وسلم أن قريشًا
لما رأت خروج من أسلم إلى المدينة بالذراري والأطفال، خافت خروج المصطفى، وعلمت أنه
قد صار للمسلمين منعة وقوة، فاجتمعوا للتشاور في أمره في دار الندوة، وحضرهم إبليس
في صورة شيخ نجدي، فأشار كل برأي، وإبليس يرده، إلى أن قال أبو جهل: نأخذ من كل قبيلة
من قريش غلامًا بسيف فيضربونه ضربة رجل واحد فيتفرق دمه في القبائل فلا يمكن بنو عبد
مناف حرب الكل فيرضوا بالعقل، فقال النجدي: هذا هو الرأي، فتفرقوا عليه، وأخبر جبريل
النبي بذلك، فلم ينم في مضجعه تلك الليلة، واجتمعوا ببابه يرصدونه لينام، فيثبوا عليه،
فقال لعلي: “نم على فراشي وتسجَّ ببردي فلن يخلص إليك شيء تكرهه” وأخذ حفنة تراب وخرج
عليهم فلم يروه فوضع التراب على رؤوسهم وهو يتلو سورة يس إلى قوله تعالى: ﴿ فَأَغْشَيْنَاهُمْ
فَهُمْ لاَ يُبْصِرُون ﴾[سورة يس] ثم انصرف فأتاهم ءاتٍ فقال: خرج محمد وما منكم إلا
مَنْ وضع على رأسه ترابًا، فوضع كل منهم يده على رأسه، فوجد التراب، ثم جعلوا يتطلعون،
فيرون عليًا على الفراش متسجيًا ببرد رسول الله، فيقولون: هذا هو نائم على فراشه، فلم
يبرحوا كذلك حتى أصبحوا فقام عليّ من الفراش.
– روى البيهقي في دلائل النبوة: خرج رسول
الله ليلا فتبعه أبو بكر، فجعل يمشي مرة أمامه، ومرة خلفه، ومرة عن يمينه، ومرة عن
يساره، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ما هذا يا أبا بكر ؟ ما أعرف هذا من
فعلك ؟ » قال: يا رسول الله، أذكر الرصد فأكون أمامك، وأذكر الطلب فأكون خلفك، ومرة
عن يمينك ومرة عن يسارك، لا آمن عليك.
ولما وصلا فم الغار، قال: والذي بعثك بالحق
لا تدخله حتى أدخله، فإن كان فيه شيء نزل بي قبلك، فدخل فلم ير شيئا، ثم دخل رسول الله،
وكان في الغار خرق فيه حيات وأفاع، فخشي أبو بكر أن يخرج منهن شيء يؤذي رسول الله صلى
الله عليه وسلم، فألقمه قدمه فجعلن يضربنه ويلسعنه الحيات والأفاعي، وجعلت دموعه تنحدر
ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له: « يا أبا بكر لا تحزن، إن الله معنا ».
وروى البيهقي في دلائل النبوة: أمر الله
عز وجل بشجرة، فنبتت في وجه النبي صلى الله عليه وسلم فسترته، وأمر الله العنكبوت فنسجت
في وجه النبي صلى الله عليه وسلم فسترته، وأمر الله حمامتين وحشيتين فوقفتا بفم الغار،
وأقبل فتيان قريش من كل بطن رجل، بعصيهم وهراويهم وسيوفهم، حتى إذا كانوا من النبي
صلى الله عليه وسلم بقدر أربعين ذراعا، فجعل رجل منهم لينظر في الغار فرأى حمامتين
بفم الغار، فرجع إلى أصحابه، فقالوا له ما لك لم تنظر في الغار ؟ فقال: رأيت حمامتين
بفم الغار، فعلمت أنه ليس فيه أحد.اهـ
وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا
معمر، أخبرني عثمان الجزري أن مقسمًا مولى ابن عباس أخبره عن ابن عباس في قوله تعالى:
﴿ وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ
يُخْرِجُوكَ ﴾ [الأنفال: 30] قال: تشاورت قريش ليلة بمكة. فقال بعضهم: إذا أصبح فأثبتوه
بالوثاق يريدون النبي صلى الله عليه وسلم. وقال بعضهم: بل اقتلوه. وقال بعضهم: بل أخرجوه.
فأطلع الله نبيه صلى الله عليه وسلم على ذلك، فبات عليّ على فراش النبي صلى الله عليه
وسلم تلك الليلة، وخرج النبي صلى الله عليه وسلم حتى لحق بالغار، وبات المشركون يحرسون
عليًا يحسبونه النبي صلى الله عليه وسلم. فلما أصبحوا ثاروا عليه، فلما رأوا عليًا،
ردَّ الله عليهم مكرهم. فقالوا: أين صاحبك هذا ؟ فقال: لا أدري. فاقتفوا أثره فلما
بلغوا الجبل اختلط عليهم، فصعدوا الجبل فمروا بالغار، فرأوا على بابه نسج العنكبوت.
فقالوا: لو دخل هاهنا أحد لم يكن نسج العنكبوت على بابه، فمكث فيه ثلاث ليال.اهـ
– بعد أن مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم
وصاحبه أبو بكر الصديق رضي الله عنه في غار ثور، ثلاث ليال، ارتحلا، ومعهما عامر بن
فهيرة يخدمهما، واستأجرا عبد الله بن أريقط، يدلهما على الطريق، فأخذوا نحو طريق الساحل
أسفل من عُسفانَ، والحق سبحانه، شاغل لعدوهم عن اتباع ءاثارهم من تلك الجهة.
وبلغ سراقة بن مالك بن جُعشم الـمُدلـِجي
أن سوادًا مرّ بالساحل، فركب فرسه، منتهزًا للفرصة، خفية من قومه، يريد برسول الله
صلى الله عليه وسلم فتكًا أي قتلاً ليحصل على ما جعلت قريش لمن رده أو قتله، وهو غير
فاتك به لأن الله حماه وعصمه.
فحث في الطلب حتى أدركهما، فصُرع عن فرسه،
فأخرج الأزلام فاستقسم بها فخرج ما يكره، فركب وحثَّ في الطلب، فصار أبو بكر يكثر التلفت،
والمصطفى يقرأ ولا يلتفت، فلما قرب منهما قال: “اللهم اكفناه كيف شئت وبما شئت“. ودعا
عليه فساخت يدا فرسه إلى بطنها في أرض جَلَدٍ وخرَّ عنها فناداه بالأمان، لحبسه عن
لحوقه له، فدعا له، فانطلق فرسه، ووقف المصطفى، حتى جاءه فأخبره ما يريدُ به قومه،
وأنهم قد جعلوا فيه الدية، فقال: أخف علينا، فرجع، فوجدهم يلتمسونه، فقال: ارجعوا فقد
استبرأت لكم ما ههنا، قال: فخرجتُ وأنا أحبُّ الناس في تحصيلهما ورجعتُ، وأنا أحَبُهم
في أن لا يعلمَ بـهما أحد، وفي ذلك يقول مخاطبًا لأبي جهل:
أبا حكمٍ لو كنتَ واللهِ شاهدًا لأمرِ جَوادي
إذ تسيخُ قوائمُهْ
علمتَ ولم تشكُكْ بأنّ محمدًا رسولٌ ببرهانِ
فمَنْ ذا يقاومُهْ
عليكَ بكفِ القومِ عنه فإنني أرى أمرَه
يومًا ستبدُو معالـِمُهْ
بأمرٍ يَوَدُّ الناسُ فيه بأسرِهِمْ بأنّ
جميعَ الناس طُرًّا تُسالـِمُهْ
ويقال: إن المصطفى كتب له كتابًا بالأمان
في عظم أو أَدَم، وأنه وافاه به يوم الفتح فرحب به وأمّنه، ووقع لسراقة هذا عَلَمٌ
من أعلام النبوة وهو قول المصطفى: “كيف بك إذا لبست سِوارَي كسرى” فلبسهما أيام عمر.دور
المرأة فى الهجرة لعبت المرأة المسلمة دورها ليس في الهجرة فحسب ، بل كان لها دورها
في مختلف المواقف والمراحل عبر تاريخنا الإسلامي بأكمله .. فالمرأة المسلمة كانت موجودة
في بيعة العقبة الثانية التي مهدت لهجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم .. وكذلك بادرت
بالهجرة كما بادر الرجل ، بل وشاركت فى صنع الحدث قدر استطاعتها .. فكانت أهلاً لتؤتمن
على سر هجرة الحبيب صلى الله عليه وسلم حيث لم يعلم بهذا السر إلا بضعة أشخاص منهم
عائشة وأسماء .. وكان إسهامها قدر إمكانياتها وطاقاتها وقدراتها .. وإليك أسماء وعائشة
، وكذلك أم سلمة ، وأختهم أم معبد وكثير وكثير ..
اليوم التاريخى ..
نعم كان يوماً تاريخياً .. يوم خرج النبى
صلى الله عليه وسلم مهاجرًا إلى يثرب إلى طيبة إلى المدينة المنورة .. يوم نجاه الله
تعالى من أيدي الظالمين ، يوم ترصدوا لقتله على باب داره .. وفي صباح ليلة الهجرة كان
المفاجأة .. قريش لا تجد محمد فى فراشه .. محمد وصاحبه تركا مكة .. فطاش صوابهم وطارت
عقولهم .. جُنَّ جنون فرعون الأمة " أبو جهل" لعنه الله فأتى دار أبي بكر
يطرق الباب فخرجت له أسماء ، أسماء الصغيرة .. فسألها :- أين أبوك يا فتاة ؟ فأجابت
- في ثقة وإباء أجابة فى لحظة سبقت بها أقرانها أجابت وهي تلمح الشرر يتطاير من عيني
الطاغية :- " لا أدري " ، فما كان منه إلا أن صفعها على وجهها صفعةً شديدة
أطارت قرطها من أذنها ، لكنها لم تبال واستمرت واقفةً بالباب كالسد المنيع حتى ولى
مخذولاً مدحورًا هو ومن معه تعقبهم الحسرة والخزي ، وكان هذا الصمود سمة من سمات ذات
النطاقين يذكره لها التاريخ بكل فخر واعتزاز ؛ لتكون مثالاً يحتذى لكل النساء المسلمات
على مر الدهور .. كتاب دور المرأة في حمل الدعوة محمد حسين عيسى ، بتصرف
فتاة صغيرة ودور كبير..
أراد أبو قحافة جد أسماء وعائشة أن يثير
حنق الأبناء على أبيهم فقال: "إني على يقين أن أباك لم يترك لكم درهمًا واحدًا!
لقد ضيع كل أمواله وثروته في تحرير العبيد وعتقهم من الرق، لقد أفقر نفسه وأفقركم معه".
وهنا يتبدَّى ذكاء أسماء وحضور ذهنها رضي
الله عنها، إذ تشير إلى أم رومان زوجة أبيها وإلى أختها عائشة ألا ينطقا بكلمة، وقالت
لجدها أبي قحافة: أنت تخطئ يا جداه، بل ترك لنا الكثير، ثم تناولت كيسًا عمدت إلى ملئه
حصى وهزته فأشبه الصوت خشخشة الدراهم فسكنت ثائرة الرجل وهدأ .. راجع سيرة ابن هشام،
و البداية والنهاية لابن كثير، فصل في سبب هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه
الكريمة
ذات النطاقين..
فى هذا اليوم لعبت أسماء دورا عظيما، ودخلت
بنطاقيها من أوسع أبواب التاريخ.. حين لم تجد ما تضع فيه طعام الحبيب والصديق، نعم
لم تجد إلا نطاقها الذي تلفه على وسطها.. فشقته نصفين وربط بأحدهما السقاء والآخر السفرة.
ومن وقتها صارت ذات النطاقين .. والحديث في الصحيحين بطوله.
العجوز تسبق الصغيرة..
وقد سبقت السيدة أسماء عجوز خاطرت بحياتها
من أجل النبي صلى الله عليه وسلم، وهى رقيقة بنت صيفي، يقول عنها الكاتب الإسلامي عبد
الله عفيفي يرحمه الله:
لما أدركها الإسلام كانت قد تطاول عليها
القدم وجاوزت حد الهرم، تلك هي المرأة التي استشفت خبر قريش يوم ائتمروا بالنبي ليقتلوه
ليلا في عقر داره، فذهبت تدرج حتى انتهت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحذرته
مبيته في داره، وأشارت عليه بالنقلة والرحيل، وحدثته حديث القوم، وكان عمرها إذ ذاك
يقترب من المئة عام، ففارق رسول الله لساعته وطنه الأعز، مدرج طفولته، ومعقد ألفته،
ومهبط نبوته، ومرتقى مناجاته، وعبادته إلى دار هجرته، وموطن أنصاره وشيعته .. كتاب
المرأة العربية للأستاذ عبد الله عفيفي
أم معبد الخزاعية..
لقد مر الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبه
أبو بكر رضي الله عنه أثناء هجرته بخيمة امرأة يقال لها أم معبد الخزاعية، فسألها:
هل عندها شيء يشترونه؟ فقالت: والله لو عندنا شيء ما أعوزكم القرى، والشاء عازب - وكانت
سنة شهباء - فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شاة في كسر الخيمة، فقال: ما هذه
الشاة؟ قالت: خلفها الجهد عن الغنم. فقال: هل بها من لبن؟ قالت: هي أجهد من ذلك. قال:
أتأذنين لي أن أحلبها؟ قالت: نعم، إن رأيت بها حليبا فاحلبها.
فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده
ضرعها، وسمى الله ودعا، فدر الضرع لبنا كثيرا. فدعا بإناء لها فحلب فيه حتى علته الرغوة
فسقاها، فشربت حتى رويت وسقى أبا بكر حتى ارتوى، ثم شرب هو صلى الله عليه وسلم, وحلب
فيه ثانيا فملأ الإناء, ثم غادره عندها وارتحلا. فما لبثت أم معبد أن جاء زوجها يسوق
أعنزا عجافا يتساوكن هزالا. فلما رأى اللبن قال: من أين هذا؟ والشاء عازب. ولا حلوبة
في البيت؟ قالت: لا والله إلا أنه مر بنا رجل مبارك ـ فداه أبي وأمي ـ وكان من حديثه
كيت وكيت، قال: صفيه لي يا أم معبد، فأخذت تصفه له كأنه يراه، قال أبو معبد: هذا -
والله ـ صاحب قريش الذي تطلبه، ولقد هممت أن أصحبه ولأفعلن ، إن وجدت إلى ذلك سبيلا
.. جزء من حديث أم معبد الطويل رواه ابن هشام، ورواه الحاكم في مستدركه، وقال:"
هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، ورواه الطبراني في الكبير، ورواه ابن كثير في البداية.
وقال الهيثمي في المجمع:في إسناده جماعة لم أعرفهم، وبعض العلماء حسنه لوروده من طريق
آخر.