تقديم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة د.محمد عامر
عناصر الخطبة
1- المقدمة
2- الأدلة من القرأن الكريم على تقديم
المصلحة العامة على المصلحة الخاصة .
3- التعدي على المصالح العامة هو تعدي
على المجتمع كله .
4- النبي صلى الله عليه وسلم والمرأة
المخزومية .
5- عمربن الخطاب مع ابنه عبدالله بن عمر
وتقديمة للمصلحة العامة .
6- عمر بن الخطاب وهدم بيوت الصحابة
لتوسعة الحرم .
7- عثمان بن عفان رضي الله عنه وهدم بيوت
الصحابة .
8- قواعد وأسس مهمه .
المقدمة
الحمد لله رب العالمين, الحمد لله الذي أراد فقدر, وملك فقهر, وخلق
فأمر وعبد فأثاب, وشكر, وعصي فعذب وغفر, جعل مصير الذين كفرو إلي سقر, والذين اقو
ربهم إلي جنات ونهر, ليجز الذين كفرو بما عملو, والذين امنوا بالحسنى
واشهد إن لا اله إلا الله, وحده لا
شريك له, له الملك, وله الحمد, وهو علي كل شيء قدير
يارب
رضاك خير إلي من الدنيا وما فيها يا
مالك النفس قاصيها ودانيها
فنظرة منك يا سـؤلي ويـا أملى خير إلى
من الدنيـا وما فيها
فليـس للنـفس أمـآل تحققـها سوى رضاك
فذا أقصى أمانيها
وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وشفيعنا محمد
عبد الله ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه
بلغ الرسالة وأدى الأمانة وكشف الظلمة
وأحاط به الغمة وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين
يا سيدي يا رسول الله :
أنت الذي تستوجب التفضيل فصلوا عليه
بكرة وأصيـلا
ملئت نبوته الوـجود فأظهرا بحسامه
الدين الحديد فأسفرا
ومن لم يصلي عليه كان بخيل فصـلوا
عليه وسلموا تسليما
وعلي اله وأصحابه ومن سار على نهجه
وتمسك بسنته واقتدى بهديه واتبعهم بإحسان إلي يوم الدين ونحن معهم يا أرحم
الراحمين
أما بعد
إن تقديم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة هو منهج الرسل الكرام،
فقد كان هذا لسان حالهم ومقالهم، قال تعالى: ﴿ يَاقَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ
عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلَا
تَعْقِلُونَ ﴾ [هود: 51 ، وقال عن نبينا - صلى الله عليه وسلم -: ﴿ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ
عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ﴾ [الشورى: 23
إن بعض المجتمعات الإسلامية للأسف
الشديد اليوم تعاني من تقديم المصالح الخاصة على المصالح العامة في الكثير من شؤون
الحياة، وقد أشتهر تسمية ذلك بين الناس بالفساد الإداري، وأي فساد، وضرر أعظم من
التعدي على المال العام، والحقوق العامة، والتساهل في ذلك دون خوف من الله تعالى،
أومن خلقه.
إن التعدي على المصالح العامة تعدٍّ على حقوق المجتمع بأكمله، وضرر
يلحق بالجميع، بل هو في الحقيقة جريمة في حق المجتمع لما له من آثار سلبية خطيرة،
ولا نبالغ في القول أن ذلك أصبح مشكلة متلازمة مع المجتمعات النامية ومنها بعض
المجتمعات في العالم الإسلامي.
إن الإسلام بتشريعاته أرسى دعائم
المجتمع بحفظ الحقوق العامة، والخاصة من التعدي بأي صورة من صور التعدي، فلا يجوز
لأحد كائن من كان أن يتعدى، أو يستخدم سلطته في تحقيق مصالحه الخاصة البتة، وقد
كانت سيرة نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وصحابته الكرام، وسلف الأمة الصالح
- رضي الله عنهم - زاخرة بالمواقف الناصعة، والمشرقة في المحافظة على المصالح
العامة، وعدم استخدام المصالح الخاصة، بل جعلوا مصالحهم الخاصة مسخرة لخدمة
المصالح العامة.
النبي صلى الله عليه وسلم والمرأة المخزومية
_________________________
ومن الأمثلة التطبيقية في حياة رسولنا
صلى الله عليه وآله وسلم ما جاء في الحديث الشريف: عن أم المؤمنين السيدة عائشة -
رضي الله عنها - أن قريشاً أهمتهم المرأة المخزومية التي سرقت فقالوا من يكلم رسول
الله صلى الله عليه وسلم، ومن يجترئ عليه إلا أُسامة حِب رسول الله صلى الله عليه
وسلم، فَكَلَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: " أتشفع في حد من حدود
الله "،ثم قام فخطب، قال: " يا أيها الناس إنما ضل من قبلكم أنهم كانوا
إذا سرق الشريف تركوه، وإذا سرق الضعيف فيهم أقاموا عليه الحد، وايم الله لو أن
فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها
والحديث الشريف يتضمن المحافظة على المصالح الخاصة، وتتمثل في عدم
التعدي على حقوق الآخرين، وإيذائهم بسرقة أموالهم، كما يتضمن المحافظة على المصالح
العامة بتطبيق الحق العام، وهو إقامة حد السرقة على السارق، وفيه ردع لكل من تسوّل
له نفسه التعدي على حقوق الآخرين سواء عامة، أو خاصة.
وقد تضمن الحديث الشريف فوائد تربوية عظيمة جداً ترسم منهجاً واضحاً
في المحافظة على المصالح العامـة، والمصالح الخاصـة على حـد سـواء، وسوف أشير إلى
بعض هذه الفوائد المهمة ذات العلاقة بمـوضوعنا، ومنها:
الأولى: المحافظة على الحق العام
بتطبيق شرع الله تعالى على كل من وجب عليه حد من حدود الله تعالى، وهذا من أهم
وأعظم المصالح العامة التي تجب المحافظة عليها.
الثانية: قَسَم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وهو الصادق المصدوق
بقطع يد ابنته فاطمة الزهراء الشريفة - رضي الله عنها - فيما لو سرقت، وحاشاها -
رضي الله عنها -، وهذا تأكيد منه صلى الله عليه وآله وسلم بأنه أول من يحافظ على
المصالح العامة، وعدم محاباة من له صلة قرابة في تقديم المصالح العامة لصالحه دون
غيره.
الثالثة: بيان الآثار السلبية لتفشي تقديم المصالح الخاصة على المصالح
العامة، وأنها دليل الضلال، والهلاك للأمم في شؤون الحياة كلها: الاقتصادية،
والسياسية، والتربوية، والاجتماعية، والثقافية،... الخ، وهذا توجيه نبوي شريف بأن
الأمم السابقة (ضلت) كما هي رواية البخاري، (وهلكت) كما هي رواية مسلم عند عدم
المحافظة على المصالح العامة بإقامة العدل، والمساواة بين الجميع.
الرابعة: الاهتمام والعناية بشدة إنكار عدم المحافظة على المصالح
العامة، وتسلط المصالح الخاصة، وكَشْف خيانة من يثبت تعديه على المصالح العامة
ليكون أبلغ في الإنكار، وعبرة للغير.
الخامسة: السرعة في معالجة ذلك بالوسائل الممكنة، فقد قام الرسول صلى
الله عليه وآله وسلم بإلقاء خطبة بليغة تحتوي على عبارات قصيرة، ولكن تحتوى معان
واسعة ترسم وتوضح منهج الإسلام في قضية رعاية المصالح العامة، وعدم تسلط المصالح
الخاصة عليها.
السادسة: وضع القوانين، والعقوبات اللازمة، والرادعة لكل من تسوّل له
نفسه الاعتداء على حق المال العام.
السابعة: شدة غضب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وإنكاره لأسامة -
رضي الله عنه - في هذا الموضوع لأنه من الموضوعات المهمة التي لا تقبل المسامحة،
أو التنازلات، لأنه سيترتب عليها فساد، وضلال، وهلاك للمجتمع.
الثامنة: تحذير الناس وتنبيههم إلى خطـورة الشفاعـة المفسدة (وليست
الحسنة)، والتي يسعى لها بعض الناس دون إدراك ووعي في أنها تعدي على المصالح
العامة، واهتزاز للموازين في العدل، والمساواة بين الناس، وأن هذه صفة من صفات
الجاهلية، وأهل الضلال، ووضع الأمور في غير موضعها.
ومن الأمثلة المشرقة في حياة سلف الأمة
_______________________
عمربن الخطاب
ما قام به الخليفة الراشد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - في المحافظة
الشديدة على المصالح العامة، فمن مواقفه المعروفة: إن ابنه عبد الله بن عمر - رضي
الله عنه -: اشترى إبلاً وأرسلها إلى الحمى حتى سمنت، فدخل عمر السوق فرأى إبلاً
سماناً فقال: لمن هذه الإبل؟ قيل: لعبد الله بن عمر، قال: فجعل يقول: يا عبد الله
بن عمر بخ... بخ... ابن أمير المؤمنين، ما هذه الإبل؟ قال: قلت: إبل اشتريتها
وبعثت بها إلى الحمى، أبتغي ما يبتغي المسلمون، قال: فقال: فيقولون: ارعوا إبل ابن
أمير المؤمنين، اسقوا إبل ابن أمير المؤمنين، يا عبد الله بن عمر اغد إلى رأس
مالك، واجعل باقيه في بيت مال المسلمين.
موقف في غاية الورع، والزهد، والمحافظة على المصالح العامة، وعدم
تقديم المصالح الخاصة عليها، وفي الحقيقة أن السيرة النبوية الشريفة، وسيرة
الخلفاء الراشدين، وسلف الأمة الصالح زاخرة بهذه المواقف المضيئة، والمشرقة في
سماء المجتمع المسلم، ولا شك أن هذا سر عظيم، ومفتاح أساس في المحافظة على
المجتمع، وتطوره، والرقي به، فحينئذ نحن بحاجة ماسة جداً للعودة الصادقة إلى سيرة
سلف الأمة، وتلمس أسرار نجاحها، وتفوقها حتى نستطيع أن نعيد للأمة مجدها وعزها.
عمر بن الخطاب رضي الله عنه وتوسعة المسجد الحرام
_________________________________
• كانت توسعة عمر
بن الخطاب في العام السابع عشر من الهجرة وفيها تم زيادة مساحة المسجد 560 م2، فقد
كان المسجد الحرام على عهده قد أتاه سيل جارف عرف بسيل " أم نهشل " نسبة
إلى سيدة جرفها السيل، وقد اقتلع السيل مقام إبراهيم من موضعه الحالي فقام عمر برد
الحجر إلى مكانه ، ولم يكن بالمسجد جدران تحيطه ، إنما كانت الدور مطله عليه من كل
مكان، فضاق على الناس المكان فاشترى عمر البيوت القريبة من الحرم وهدمها، وقد رفض
البعض أن يأخذ ثمن البيت ، وامتنع أخرون عن البيع، فوضعت أثمان بيوتهم في خزانة
الكعبة حتى أخذوها فيما بعد ، ثم أحاط المسجد بجدار قصير، وقال عمر: " إنما
نزلتم على الكعبة فهَو فناؤها ، ولم تنزل الكعبة عليكم
"" .
•
عثمان بن عفان رضي الله عنه وتوسعة
المسجد الحرام
_____________________________
قام أمير المؤمنين عثمان بن عفان ، في عام 26هــ بزيادة مساحة المسجد
لتصبح حوالي 4390 م2 ، وتقدر الزيادة بـ 2040 م2 تقريباً [2]، وفيها تم هدم البيوت
التي تحيط بالمسجد الحرام، وأدخلت أرضها في المسجد، و كان عثمان بن عفان هو أول من
أدخل الأروقة المسقوفة والأعمدة الرخامية للمسجد الحرام ، حيث كان المسجد قبل ذلك
متسعاً فسيحاً . وقد تعرض عثمان لما تعرض له عمر بن الخطاب من امتناع أصحاب البيوت
عن بيعها واستلام أثمانها من أجل التوسعة ، فما كان منه إلا أن ثمنها وأمر بهدمها
على أصحابها، فصاحوا به فقال: " جرّأكم علي حلمي عنكم ، فقد فعل بكم عمر هذا
فلم يصح به أحد" فأمر بهم إلى الحبس، فشفع فيهم عبد الله بن خالد بن أسيد
أمير مكة فأخرجهم وأخذوا قيمة دورهم
.
عباد الله أقول ما تسمعون، وأستغفر
الله فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
________
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله
وصحبه أجمعين، ومن سار على الدرب المستقيم من بعدهم إلى يوم الدين.
قواعد وأسس مهمة:
___________
لقد مر معنا سابقاً حديث المرأة المخزومية، وقد تضمن العديد من
الفوائد العظيمة التي ترسم وتضع العلاج الناجع للمحافظة على المصالح العامة، وسوف
أشير إلى بعض المنطلقات والأسس المهمة في ذلك:
أولاً: غرس العناية بالمصالح العامة،
وتقديمها على المصالح الخاصة في الناشئة منذ المراحل الأولى في حياتهم، ابتداء من
الأسرة، فالمدرسة، فالجامعة، وأن يكون الوالدان، والمعلمون قدوة حسنة للنشء.
ثانياً: تكثيف الدروس، ولمحاضرات، والخطب، واستخدام كل الأساليب،
والوسائل الدعوية، والإعلامية الممكنة، لغرس الوازع الديني في نفوس الناس،
بالرقابة الذاتية، والورع من التعدي على المصالح العامة.
ثالثاً: على الإنسان المسلم العاقل البالغ أن يعرف أن المحافظة على
المصالح العامة، وعدم تقديم مصلحته الخاصة عليها واجب ديني، ووطني، فقد قال رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم: " لا ضرر ولا ضرار ".، وأن تقصيره في ذلك
محاسب عليه ومجزي به، قال تعالى: ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا
يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (
رابعاً: إن شيوع مشكلة ضعف المحافظة على المصالح العامة قد يكون بسبب
وجود مشاكل أدت إلى ذلك، وقبل أن نعالج النتائج يجب أن نبحث عن الأسباب
خامساً: وضع سياسات، وآليات واضحة،
ومعلنة للمحافظة على المال العام في كافة المستويات، والتأكد من عدم وجود ثغرات في
النظام يتسلل منها ضعاف النفوس.
سادساً: أهمية وجود نظام دقيق للمحاسبة لكل من يعتدي على المال العام،
فبعض النفوس لا يفيد معها الوعظ والإرشاد، فيكون العقاب المحسوس أكبر رادع لهم عند
تجاوزهم.
سابعاً: أهمية إبراز القدوات الحسنة في المجتمع على مختلف المستويات،
والتي تميزت بالمحافظة على المصالح العامة، ليكون مثابة نماذج ُيحتذى بها.
عباد الله: إن الله تعالى قد أمرنا بأمر بدأ فيه بنفسه فقال سبحانه: ﴿
إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56.
هذا وما كان من توفيقٍ فمن الله وحده، وما كان من خطأٍ، أو سهوٍ، أو
نسيانٍ، فمني ومن الشيطان، وأعوذ بالله أن أذكركم به وأنساه، وصلى الله وسلم وبارك
على نبينا محمدٍ وعلى آله وأصحابه الأطهار الأخيار ومَن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم
الدين.