مراعاة المصالح في الإسلام للشيخ ماهر خضير




وقفات الخطبة .........
الوقفة الأولى/ سعادة البشرية بنعمة دين الإسلام
الوقفة الثانية / مراعاة المصالح ودرء المفاسد من مقاصد الشرع
الوقفة الثالثة / تقديم المصلحة العامة على الخاصة وأمثلة على ذلك
.........................أما بعد .............................................
عباد الله: تكلمنا في اللقاء السابق عن فضل قضاء حوائج الناس وبيان ان قضاء حاجة الناس المحتاجة أولى من تكرار الحج والعمرة واستكمالا لهذ الموضوع نقول بحول الله تعالى
إن اعظم نعمة أنعم الله على عباده بها هي نعمة الإسلام وما منّ به عليهم من منة هي أعظم وأجل من نعمة الإسلام، فقد شرع لنا سبحانه من الدين ما فيه سعادة البلاد والعباد، وهدانا إلى ما فيه صلاح المعاش والمعاد، وبيَّن لنا في كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، سبيل الهدى والرشاد، وأوضح لنا معالم الصلاح والفساد؛ لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ [الأنفال42].
فان البشرية قبل الإسلام كانت في ظلام فجاء الرسول الكريم بنور الهداية والرشاد من عند الله تعالى (ليخرج الناس من الظلمات الى النور)
لقد كان الناس قبل الإسلام على جانبٍ عظيم من الغي والضلال، يعيشون حياة الشرك والوثنية ، يعبدون الأشجار والأحجار، ويحيون حياة السلب والنهب والفتك والقتال، والظلم والجور والعداء وسيء الأفعال، إلى أن بعث الله رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم، فأخرجهم -بإذن ربهم- من الظلمات إلى النور، من ظلمات الشرك والكفر والوثنية إلى نور الحق والإيمان، ورفعهم من حضيض الجهالة وسوء الحال إلى ذروة المجد وقمة الكمال.
أيها المسلمون: لقد كان الإسلام نقطة تحول في تاريخ هذه الأمة؛ تحولٍ إلى الطريقة المثلى، وهداية للتي هي أقوم، في كل مجالٍ من مجالات الحياة، وما أروع ما وصف به جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه، حال الناس قبل الإسلام وبعده، حيث يقول بعزة المسلم، أمام النجاشي ملك الحبشة وهو يتقدم وفد المهاجرين: [[لقد كنا أهل جاهلية وشر، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك، حتى بعث الله إلينا رسولاً منا نعرف نسبه، وصدقه، وأمانته، وعفافه ، فدعانا إلى الله، لنوحده ونعبده، ونخلع ما كنَّا نعبد -نحن- وآباؤنا من الحجارة والأوثان. أمرنا أن نعبد الله وحده فلا نشرك به شيئاً، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنات، فحرَّمنا ما حرَّم علينا، وأحللنا ما أحل لنا ]] الله أكبر!
عباد الله : الإسلام سعدت به البشرية لأنه دين الفطرة
قال تعالى: { وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ ألَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ } سورة الأعراف: 172.
قال ابن كثير: \"يخبر تعالى أنه استخرج ذرية بني آدم من أصلابهم شاهدين على أنفسهم أن الله ربهم ومليكهم، وأنه لا إله إلا هو، كما أنه تعالى فطرهم على ذلك وجبلهم عليه.
قال تعالى: { فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ } سورة الروم: 30 , انظر تفسير ابن كثير 3/500.
عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلاَّ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ ، كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ ، هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ.ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : \" فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ \".أخرجه أحمد والبُخاري ومسلم.
سئل أعرابي عن الدليل فقال : البعرة تدل على البعير . والروث على الحمير ، وآثار الأقدام على المسير ، فسماء ذات أبراج ، وأرض ذات فجاج . وبحار ذات أمواج ، أما تدل على الصانع الحليم العليم القدير؟. قال سبحانه : {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ الله } سورة الزخرف : 87 .
قال الشاعر : تأمل في نبات الأرض وانظر * * * إلى آثار ما صنع المليك
عيون من لجين شاخصات * * * وأزهار كما الذهب السبيك
على قضب الزبرجد شاهدات * * * بأن الله ليس له شريك
وقال آخر : فيَا عَجَباً كيف يُعْصَى الإلهُ * * * أم كيف يَجْحَدُه الجاحدُ؟!
وللهِ في كل تحريكةٍ * * * وتسكينةٍ أبداً شاهدُ
وفي كُلِّ شَيءٍ له آيةٌ * * * تَدُلُّ على أنَّه واحِدُ
وها هو الصحابي الجليل أبا ذر الغفاري ذهب ذات يوم ليقدم مراسيم الطاعة لصنمه ، وبينما هو كذلك وجد ثعلبا متسلق على رأس الصنم وقد بال عليه فوقف متعجبا\" ساخرا\" مما حدث وانشد قائلا:
رب يبول الثعلبان برأسه * * * لقد ذل من بالت عليه الثعالب
فلو كان ربا كان يمنع نفسه * * * فلا خير في رب نأته المطالب
برئت من الأصنام في الأرض كلها * * * وآمنت بالله الذي هوغالب
الإسلام دين سعدت به البشرية لأنه دين العدالة المطلقة، تلك العدالة التي لا تفرق بين حاكم ومحكوم، أو بين ذي سلطان ومن لا سلطان له، أو بين قوي وضعيف، فالجميع أمام القضاء الإسلامي سواء. قال تعالى: \"إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ\" سورة النحل: 90.
وقال: \"إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ\" سورة النساء: 58.
وهو دين المساواة بين جميع البشر قال تعالى: \"يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ\" [الحجرات: 13].
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ وَفَخْرَهَا بِالآبَاءِ مُؤْمِنٌ تَقِىٌّ وَفَاجِرٌ شَقِىٌّ وَالنَّاسُ بَنُو آدَمَ وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ فَخْرَهُمْ بِرِجَالٍ أَوْ لَيَكُونَنَّ أَهْوَنَ عِنْدَ اللهِ مِنْ عِدَّتِهِمْ مِنَ الْجِعْلاَنِ الَّتِى تَدْفَعُ بِأَنْفِهَا النَّتَنَ.أخرجه أبو داود (5116) و\"التِّرمِذي\" 3956 .
الإسلام سعدت به البشرية لانه دين السماحة وعدم الإكراه:قال تعالى: \"لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ\" سورة البقرة: 256 ,وقال: \" فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ\" سورة الكهف: 29.
عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ ، عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أبنَاءِ أصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، عَنْ آبَائِهِمْ دِنْيَةً ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالََ :ألاَ مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِدًا ، أو انْتَقَصَهُ ، أوْ كَلَّفهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ ، أوْ أخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ ، فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَة.أخرجه أبو داود (3052).
فالمسلم مطالب بدعوة الناس إلى الإسلام الحق وأما الهداية فهي بيد الله تعالى وحده , قال سبحانه: \" وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (99)سورة يونس .
وقال لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : \" إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (56) سورة القصص .
الإسلام سعدت به البشرية لانه دين اليسر ورفع الحرج:الإسلام هو دين اليسر والسهولة ورفع الحرج عن الأمة قال تعالى: \" وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ\" سورة الحج: 78.
عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَِمْعَانَ الأَنْصَارِيِّ ، قَالَ:سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْبِرِّ وَالإِثْمِ ؟ فَقَالَ : الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ ، وَالإِثْمُ مَا حَاكَ فِي صَدْرِكَ ، وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ. أخرجه أحمد 4/182 (17781) والبخاري في \"الأدب المفرد\"295 و302 و\"مسلم\"8/6(6608).
وعَنْ وَابِصَةَ بْنِ مَعْبَدٍ ، قَالَ:أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ لاَ أَدَعَ شَيْئًا مِنَ الْبِرِّ وَالإِثْمِ إِلاَّ سَأَلْتُهُ عَنْهُ ، وَإِذَا عِنْدَهُ جَمْعٌ ، فَذَهَبْتُ أَتَخَطَّى النَّاسَ ، فَقَالُوا : (إِلَيْكَ يَا وَابِصَةُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، إِلَيْكَ يَا وَابِصَةُ ، فَقُلْتُ : أَنَا وَابِصَةُ ، دَعُونِي أَدْنُو مِنْهُ ، فَإِنَّهُ مِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ أَنْ أَدْنُوَ مِنْهُ ، فَقَالَ لِى : ادْنُ يَا وَابِصَةُ ، ادْنُ يَا وَابِصَةُ ، فَدَنَوْتُ مِنْهُ حَتَّى مَسَّتْ رُكْبَتِي رُكْبَتَهُ ، فَقَالَ : يَا وَابِصَةُ ، أُخْبِرُكَ مَا جِئْتَ تَسْأَلُنِي عَنْهُ ، أَوْ تَسْأَلُنِي ؟ فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، فَأَخْبِرْنِي ، قَالَ : جِئْتَ تَسْأَلُنِي عَنِ الْبِرِّ وَالإِثْمِ ، قُلْتُ : نَعَمْ ، فَجَمَعَ أَصَابِعَهُ الثَلاَثَ ، فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِهَا فِي صَدْرِي ، وَيَقُولُ : يَا وَابِصَةُ ، اسْتَفْتِ نَفْسَكَ ، الْبِرُّ مَا اطْمَأَنَّ إِلَيْهِ الْقَلْبُ ، وَاطْمَأَنَّتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ ، وَالإِثْمُ مَا حَاكَ فِي الْقَلْبِ ، وَتَرَدَّدَ فِي الصَّدْرِ ، وَإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ) أخرجه أحمد و\"الدارِمِي
عباد الله من عدالة الإسلام انه راعى المصالح الخاصة والعامة
والمصلحة كما قال الإمام الغزالي: المحافظة على مقصود الشرع من الخلق خمسة: أن يحفظ عليهم دينهم، ونفسهم، وعقلهم، ونسلهم، ومالهم، فكل ما يتضمن حفظ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة، وكل ما يفوت هذه الأصول فهو مفسدة، ودفعها مصلحة.
ولقد جاء في القران الكريم فى تعليل رسالة محمد صلى الله عليه وسلم (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) ومن الواضح ان الرحمة هذه تتضمن رعاية مصالح العباد ودرء المفاسد عنهم .
وتعليل الاحكام بجلب المصلحة ودرء المفسدة فيه إعلام للمكلفين بان تحصيل المصالح هو مقصود الشارع الحكيم , وان الاحكام ما شُرعت الا لهذا الغرض فمن ذلك قوله تعالى (ولكم في القصاص حياة يا اولي الالباب لعلكم تتقون) فتشريع القصاص مصلحة مؤكدة للناس , لان فيه زجرا وردعا لمن تسول نفسه الاعتداء على ارواح الناس , فتحفظ حياتهم بذلك , وقول الله تعالى في تعليل النهي عن الخمر والميسر (إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون) فالنهي عن الخمر والميسر يحقق مصلحة مؤكدة هي دفع ما يريد الشيطان إيقاعه بين المسلمين من عداوة وبغضاء وصد عن ذكر الله وعن الصلاة .....
والمصلحة نوعان:
النوع الأول: مصلحة عامة ويقصد بها ما فيه صلاح عموم الأمة أو الجمهور
النوع الثاني: مصلحة خاصة وهي ما فيه نفع الآحاد باعتبار صدور الأفعال من آحادهم
وعند التعارض بين مصلحة عامة وأخرى خاصة فكلا المصلحتين معتبر شرعا وإلغاء المصالح العامة لصالح الخاصة كما هو الشأن في النظم الليبرالية مذموم وإلغاء المصلحة الخاصة لصالح العامة كما هو الحال في النظم الشيوعية أيضا مذموم وإنما نسعى للتوفيق بينهما وتحقيقهما سويا فإن لم يكن فالمصلحة العامة مقدمة على ألا تلغى الخاصة تمامًا وإنما نسعى لتعويض المضرور ومن نماذج تقديم المصلحة العامة على الخاصة مسائل مثل تلقي الركبان لما فيه من ضرر بأهل السوق
لذلك قال عليه الصلاة والسلام أيضاً:
(( لا تَلَقَّوُا الرُّكْبَانَ وَلا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ وَلا تَنَاجَشُوا وَلا يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ وَلا تُصَرُّوا الْغَنَمَ وَمَنِ ابْتَاعَهَا فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْتَلِبَهَا إِنْ رَضِيَهَا أَمْسَكَهَا وَإِنْ سَخِطَهَا رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ ))[البخاري عن أبي هريرة]
ومن نماذج تقديم المصلحة العامة على الخاصة إجبار المحتكر على بيع سلعته فلقد نهى الإسلام عن الاحتكار ويعتبر من يمارس هذا العمل مخطئ في حق مجتمعه، ويصف حجة الإسلام أبو حامد الغزالي في كتابه إحياء علوم الدين احتكار الطعام لانتظار غلاء الأسعار بالظلم العام وصاحبه مذموم في الشرع‏.
بل ومن روائع ما طالعنا ان الفقهاء اتفقوا على أن الحكمة في تحريم الاحتكار هو رفع الضرر عن عامة الناس، ولذا فقد أجمع العلماء على أنه لو احتكر إنسان شيئًا، واضطر الناس اليه ، و لم يجدوا غيره ، أجبر على بيعه دفعًا للضرر عن الناس ، و تعاونًا على حصول العيش. ويقول ابو طالب المكي في كتابه قوت القلوب الاحتكار من الظلم، وحدثونا عن بعض السلف أنه كان بواسط فجهز سفينة حنطة إلى البصرة وكتب إلى وكيله : بع هذا الطعام في يوم تدخل البصرة فلا تؤخره إلى غد، قال: فوافق السعر فيه سعة، قال له التجار: إن أخرته جمعة ربحت فيه أضعافاً فأخره جمعة فربح فيه أمثاله، وكتب إلى صاحبه بذلك فكتب إليه صاحب الطعام: يا هذا قد كنا قنعنا أن نربح الثلث مع سلامة ديننا وإنك قد خالفت أمرنا وقد جنيت علينا جناية، فإذا أتاك كتابي فخذ المال كله فتصدق به على فقراء أهل البصرة وليتني أنجو من الاحتكار كفافاً لا علي ولا لي.
عباد الله ادعوا الله يستجب لكم واستغفروه يغفر لكم
الخطبة الثانية أما بعد /
عباد الله : لقد ابطل الإسلام مصالح خاصة لكونها تتعارض مع المصالح العامة مثل مصلحة المرابي في زيادة ماله، فقد ألغاه الشارع لأنها تضر المجتمع ، قال الله تعالى: ﴿ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ﴾
وكذلك المرأة التي سرقت ابى رسول الله صلى الله عليه وسلم تركها لان هذا حق مجتمع فعنْ عَائِشَةَ ؛أن قُرَيْشا أهَمَّهُمْ شَانُ الْمَرْاةِ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِى سَرَقَتْ . فَقَالُوا : مَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللهِِ صلى الله عليه وسلم ؟ فَقَالُوا : وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إلا أُسامة ، حِبُّ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم . فَكَلَّمَهُ أُسامة . فَقَالَ رَسُولُ اللهِِ صلى الله عليه وسلم : أتشفع في حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللهِ ؟ ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ . فَقَالَ : أَيُّهَا النَّاسُ إنما هْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ انَّهُمْ كَانُوا إذا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ ، تَرَكُوهُ وإذا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ ، اقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ ، وَايْمُ اللهِ ، لَوْ أن فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا. أخرجه أحمد 6/41 و\"البُخَارِي\" 4/213 و5/29 و\"مسلم\" 5/114.
كما أجاز قتل الجاسوس فجمهور الفقهاء – رحمهم الله تعالى - ، فقد أجازوا القتل في حالات معينة مثل الجاسوس المسلم إذا كان يتجسس لصالح العدو.
وها هو الإسلام يدعو الى خدمة المجتمع
فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم – يرغب في النفع المطلق؛ فعن جابر بن عبدالله - رضي الله عنه - قال: لدغتْ رجلاً منا عقرب ونحن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال رجل: يا رسول الله، أرقيه؟ فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل))، وهذا الحديث عام في كل ما ينتفع به، فمن استطاع نفع أخيه المسلم فعليه أن يفعل ذلك.
ومنها ترغيبه - صلى الله عليه وسلم - في خدمة الرجل لأصحابه، فقد مرَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - برجل يعالج طلمة - أي: خبزة، وهي التي تسميها الناس: الملة - لأصحابه في سفر وقد عرق وآذاه وهج النار، فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يصيبه حرُّ جهنم أبدًا))، قال أبو عبيد: "والذي يراد من هذا الحديث أنه حمد الرجل على أن خدم أصحابه في السفر؛ يعني أنه خبز لهم".
ومنها ترغيبه - صلى الله عليه وسلم - في السعي على الأرملة والمسكين؛ قال - صلى الله عليه وسلم -: ((الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله، وكالذي يصوم النهار ويقوم الليل)).
ومنها ترغيبه - صلى الله عليه وسلم - في الإحسان إلى الأيتام وقضاء حوائجهم؛ قال - صلى الله عليه وسلم -: ((أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا)) وقال بإصبعه السبابة والوسطى.
عباد الله وختاماً نقول
ما أحوجنا الى طبيب أمين يقدم المصلحة العامة على مصلحته الخاصة فلا يترك عمله في المستشفى ليذهب الى عيادته الخاصة
ما أحوجنا الى المعلم الأمين الذى المصلحة العامة على الخاصة فلا يراعى ضميره في المدرسة ليذهب الى الدروس الخصوصية وكذلك الصانع وغيره وغيره ممن هو امين على المصالح العامة للعباد
اللهم انا نسألك العفو والعافية ...... الدعاء ......................... وأقم الصلاة

التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات