تهاون الشباب والمسلمين في العبادة للشيخ أحمد أبو عيد
الحمد لله رب العالمين، سبحانه وتعالى بيده الحركة والسكون، وهو الذي يقول للشيء كن فيكون، يعطي ويمنع، ويخفض من يشاء ويرفع، لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع.
وأشهد أن لا إلاه إلا الله وحده لا شريك له، سبحانه لا يخيِّب من رجاه، أخذ موسى من أمه طفلا فرعاه، وساقه إلى عدوه فرباه، وامتن عليه بنعم لا تحصى وأعطاه، وكان من غاية موسى أنه خرج ليطلب نارا فناداه ربه يا موسى إنني أنا الله، فأكرمه بالنبوة واجتباه.
وأشهد أن سيدنا محمدا رسول الله، خير الخلق في طفولته، وأطهر المطهَّرين في شبابه، وأنجب البشريَّة في كهولته، وأتقى الناس في حياته، وأعدل القضاة في قضائه، وأشجع قائدٍ في جهاده؛ اختصَّه الله بكلِّ خلقٍ نبيلٍ؛ وطهَّره من كلِّ دنسٍ، وحفظه من كلِّ زلل، وأدَّبه فأحسن تأديبه، وجعله على خلقٍ عظيمٍ؛ فلا يدانيه أحدٌ في كماله وعظمته، وصدقه وأمانته، وزهده وحيائه وعفَّته.
العناصر:
أولًا: أسباب وقوعه وخاصة من الشباب
ثانيًا: الترهيب منه
ثالثًا: نماذج لتهاون الشباب وغيرهم في أوامر الله ونواهيه
رابعًا: وسائل تعينك على الإقدام على الطاعة وترك التهاون فيها
الموضوع
التهاون لغة: مصدر قولهم: تهاون بالشّيء استحقره فرآه هيّنا، والهون: مصدر هان عليه الشّيء أي خفّ، وهوّنه الله عليه سهّله وخفّفه، والهون (بالضّمّ) : الهوان، وأهانه استخفّ به، والاسم من ذلك: الهوان والمهانة، يقال: رجل فيه مهانة أي ذلّ وضعف، واستهان به مثل تهاون به أي استحقره
التهاون اصطلاحا: استحقار الشّيء والاستخفاف به والتّفريط في أدائه على الوجه الصّحيح.
أولًا: أسباب وقوعه وخاصة من الشباب
مكايد الشيطان ومكره ([1]): احذروا مكايد الشيطان ومكره فإنه يتنوع في ذلك ويتلون، فهذا يأتيه من قبل الإيمان والتوحيد فيوقعه في الشك أحيانا، وفي الشرك أحيانا، وهذا يأتيه من قبل الصلاة فيوقعه في التهاون بها والإخلال، وهذا يأتيه من قبل الزكاة فيوقعه في البخل بها أو صرفها في غير مستحقها، وهذا يأتيه من قبل الصيام فيوقعه فيما ينقضه من سيء الأقوال والأفعال، وهذا يأتيه من قبل الحج فيوقعه في التسويف به حتى يأتيه الموت وما حج، وهذا يأتيه من قبل حقوق الوالدين والأقارب فيوقعه في العقوق والقطيعة، وهذا يأتيه من قبل الأمانة فيوقعه في الغش والخيانة، وهذا يأتيه من قبل المال فيوقعه في اكتسابه من غير مبالاة فيكتسبه عن طريق الحرام بالربا تارة وبالغرور والجهالة تارة، ويأخذ الرشوة أحيانا، وبإهمال عمله تارة إلى غير ذلك من أنواع المعاصي وأجناسها التي يغر بها الشيطان بني آدم، ثم يتخلى عنهم أحوج ما يكونون إلى المساعد والمعين، اسمعوا قول الله تعالى في خداع الشيطان لأبوينا آدم وحواء حين أسكنهما الله تعالى الجنة وأذن لهما أن يأكلا رغدا من حيث شاءا من أشجارها وثمارها سوى شجرة واحدة عينها لهما بالإشارة: {وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ} ولكن الشيطان وسوس لهما وقال: {مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ*وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ * فَدَلَّاهُمَا} أي أنزلهما من مرتبة الطاعة وعلو المنزلة {بِغُرُورٍ}.
واسمعوا خداعة لقريش في الخروج إلى بدر وتخليه عنهم حيث يقول الله تعالى في ذلك: {وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ} سورة الأنفال.
واسمعوا قول الله تعالى في خداع الشيطان لكل إنسان وتخليه عنه حيث يقول الله تعالى: {كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ}، {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِي مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (22) سورة إبراهيم.
المعاصي: قال تعالى: "ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ"الروم:41، وقال تعالى: "وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ"الشورى:30، وقال جل وعلا "ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِبَغْيِهِمْ"الأنعام.
الران: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ}[سورة المطففين (14)] َإِنَّمَا حَجَبَ الله قُلُوبَهُمْ عَنِ الْإِيمَانِ بِهِ، مَا عَلَيْهَا مِنَ الرَّيْنِ الَّذِي قَدْ لَبِسَ قُلُوبَهُمْ، مِنْ كَثْرَةِ الذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا، وَلِهَذَا قَالَ تعالى: {مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} وَالرَّيْنُ يَعْتَرِي قُلُوبَ الْكَافِرِينَ، والغَيْن للمقربين، وقد روى الترمذي والنسائي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أنه قَالَ: " ِنَّ العبد إذا أخطأ نكت في قلبه نكتة سوداء، فَإِنْ هُوَ نَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ وَتَابَ صُقِلَ قَلْبُهُ، فَإِنْ عَادَ زِيدَ فِيهَا حَتَّى تَعْلُوَ قَلْبَهُ، فهو الرَّانُ الَّذِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} " ([2])
وقال الحسن البصري: هو الذَّنْبِ حَتَّى يَعْمَى الْقَلْبُ فَيَمُوتُ (وَكَذَا قَالَ مجاهد وقتادة وابن زيد) ، فإن من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا يأبى أن يكون في عداد العصاة والمجرمين والمنتهكين للحرمات.. فما بال البعض منا يعمل المنكرات والموبقات وهو لا يدري! إنها الغفلة يا عباد الله، والرين الذي أدى إلى قسوة القلوب، فعميت عن مشاهدة عيوبها، وملاحظة سيئاتها..
ولو علم المسلم أنه عاص لله تعالى لأقلع، لكن كثيراً من الناس واقع بين الجهل، أو التأويل الشيطاني للوقوع في المحرمات، وقليل من يعتقد أنه على معصية يتوب منها..!
وهذه التأويلات الشيطانية والوساوس الإبليسية هي التي دمرت أمماً ودولاً ماضية وحاضرة، وهي التي زينها الشيطان لأصحابها حتى ظنها الكثير حلالا أو مباحا أو جائزاً، وهي في قمة المنكرات..!
ألم يتجرأ الكثير على تسمية الأمور بغير اسمها، فسمي الربا فوائد؟! والخمر مشروبات روحية؟! والتبرج والسفور حرية وحقوقاً مشروعة؟؟ والتنصل من الإسلام حرية اعتقاد؟ والشذوذ حرية شخصية؟! والزنا علاقات جنسية؟ وتولي اليهود والنصارى علاقات ثنائية ومصالح مشتركة؟
أيها المسلمون: إن كل ذلك ينبئك على خطورة التهاون بالمعاصي أو تهوينها للناس، أو الدخول من باب شيطاني كبير يلج منه كل جبار عنيد، وكل مريض القلب بالشهوات والشبهات.
أئمة مضللون: عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ لاَ يَقْبِضُ العِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ العِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ العِلْمَ بِقَبْضِ العُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ
رُءُوسًا جُهَّالًا، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا» ([3])
ألم يحلل بعض الأئمة المضلين الزنا تحت مسمى المتعة وهي في الحقيقة عين الزنا لما فيه من اختلاط النطف والأنساب، وشيوع الأمراض والأوبئة المدمرة للأمم؟!
ألم يحلل بعض الأئمة المضلين الربا، وسماه بغير اسمه، ألم يحل الغناء والموسيقى وتوابعها بحجة الترويح عن النفوس من بعض الأئمة المضلين..!
وهكذا يتتابع المضلون في التحلل من أحكام الإسلام بحجة مسايرة العصر وحاجات المرحلة الراهنة على حساب الدين ومسلمات الإسلام..!
الم تحلل ألوان مختلفة من اللباس والحجة هي الموضة، فلما تقول لهؤلاء سنة رسول الله ﷺ يقول لك هي موضة قديمة منذ قرون.
تذكر دائما قول الله تعالى: (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا) [سورة الكهف].
فكم خسر عدد كبير من الناس بسبب عمله للحرام وهو يظن أنه يعمل الحلال، ومهما ذكرته بخطورة ما هو عليه أصر بأنه على صواب.
فيا أيها الشباب اثبتوا فو الله إن الأمير خطير، وإن الخطب جليل، وإن القضية جنة أو نار، لا ينفعك فلان أو علان إذا تنصلت من أحكام الإسلام، أو وقعت في الحرام بحجة أن فلاناً الضال المضل أفتاك، لقد بين النبي ﷺ أن الحلال بين وأن الحرام بين، وأن الإثم ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس وإن أفتاك الناس، فوالله إن الفضيلة واضحة ظاهرة، وإن الرذيلة ظاهرة بينة، فلا تعلل بقول فلان أو غيره ما دام قولهم مخالفا لأمر الله ورسوله ﷺ.
ثانيًا: الترهيب منه
ذنب عظيم: قال تعالى: ] إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ ما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ [ [سورة النور (15)] ، أي حين تتلقفون الإفك وتتناقلونه بأفواهكم، وهو قول باطل، وليس عندكم به علم، وهما محظوران: التكلم بالباطل، والقول بلا علم، وتظنون ذلك شيئًا هيِّنًا، وهو عند الله عظيم. وفي هذا زجر بليغ عن التهاون في إشاعة الباطل.
هم الخاسرون: قال تعالى: ] قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذا جاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قالُوا يا حَسْرَتَنا عَلى ما فَرَّطْنا فِيها وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ [سورة الأنعام (31)]
قد خسر الكفار الذين أنكروا البعث بعد الموت، حتى إذا قامت القيامة، وفوجئوا بسوء المصير، نادَوا على أنفسهم بالحسرة على ما ضيَّعوه في حياتهم الدنيا، وهم يحملون آثامهم على ظهورهم، فما أسوأ الأحمال الثقيلة السيئة التي يحملونها!! ([4])
وكذلك كل من فرط في حق ربه تهاونا بأمر ربه سبحانه وتعالى، سيكون حتما من الخاسرين لما ضيعه وفرط فيه، ويزداد خسرانه بحمله الأوزار والذنوب على ظهره فبئس ما فعلوا بتهاونهم في حق ربهم سبحانه وتعالى.
تحذير النبي ﷺ منه: عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «يَا عَائِشَةَ إِيَّاكِ َمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ فَإِنَّ لَهَا مِنَ اللَّهِ طَالِبًا» ([5]) محقرات الذنوب أي صغائرها يتهاون فيها العبد حتى يعتاد عليها فتصير كبائر بإصراره عليها ولا يستطيع الابتعاد عنها من كثرة طلبه لها وتعلقه بها.
عذاب النار: قال تعالى: ] وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ ما يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنى لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ[ [سورة النحل (62)] {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ} أَيْ مِنَ البنات ومن الشركاء الذين هم عَبِيدِهِ وَهُمْ يَأْنَفُونَ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ أَحَدِهِمْ شَرِيكٌ لَهُ فِي مَالِهِ، وَقَوْلُهُ: {وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الكذب أن لهم الحسنى} إنكاراً عَلَيْهِمْ فِي دَعْوَاهُمْ مَعَ ذَلِكَ أَنَّ لَهُمُ الحسنى في الدنيا، كقوله: {وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِّنَّا مِن بَعْدِ ضَرَّآءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَآ أَظُنُّ السَّاعَةَ قَآئِمَةً وَلَئِن رُّجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِندَهُ للحسنى} ، وَقَوْلُهُ: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مالا وولدا} فَجَمَعَ هَؤُلَاءِ بَيْنَ عَمَلِ السُّوءِ، وَتَمَنِّي الْبَاطِلَ بِأَنْ يُجَازَوْا عَلَى ذَلِكَ حُسْنًا وَهَذَا مُسْتَحِيلٌ، يعملون السيئات ويجزون الحسنات؟ أيجتبى من الشوك العنب؟ ولهذا قال تعالى رداً عَلَيْهِمْ فِي تَمَنِّيهِمْ ذَلِكَ: {لاَ جَرَمَ} أَيْ حَقًّا لَا بُدَّ مِنْهُ، {أَنَّ لَهُمُ النَّارَ} أَيْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، {وَأَنَّهُمْ مُّفْرَطُونَ} ، قَالَ مُجَاهِدٌ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَقَتَادَةُ وَغَيْرُهُمْ: مَنْسِيُّونَ فِيهَا مُضَيَّعُونَ، وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَآءَ يَوْمِهِمْ هَذَا} وَعَنْ قَتَادَةَ أَيْضًا {مُّفْرَطُونَ} : أَيْ مُعَجَّلُونَ إِلَى النَّارِ مِنَ الْفَرَطِ وَهُوَ السَّابِقُ إِلَى الْوِرْدِ، وَلَا مُنَافَاةَ لِأَنَّهُمْ يُعَجَّلُ بِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى النَّارِ وَيُنْسَوْنَ فِيهَا أَيْ يَخْلُدُونَ.
سخط الله على العبد: عَن بلالِ بن الحارثِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنَ الْخَيْرِ مَا يَعْلَمُ مَبْلَغَهَا يَكْتُبُ اللَّهُ لَهُ بِهَا رِضْوَانَهُ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ. وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنَ الشَّرِّ مَا يَعْلَمُ مَبْلَغَهَا يَكْتُبُ اللَّهُ بِهَا عَلَيْهِ سَخَطَهُ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ»
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ، قَالَ: «إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ، مَا يَتَبَيَّنُ مَا فِيهَا، يَهْوِي بِهَا فِي النَّارِ، أَبْعَدَ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ» ([6]) ، [(ما يتبين ما فيها) معناه لا يتدبرها ويتفكر في قبحها ولا يخاف ما يترتب عليها وهذا كالكلمة عند السلطان وغيره من الولاة وكالكلمة يقذف أو معناه كالكلمة التي يترتب عليها إضرار مسلم ونحو ذلك].
من مساوئ الأعمال: عَنْ أَبِي ذَرٍّ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، قَالَ: «عُرِضَتْ عَلَيَّ أَعْمَالُ أُمَّتِي حَسَنُهَا وَسَيِّئُهَا، فَوَجَدْتُ فِي مَحَاسِنِ أَعْمَالِهَا الْأَذَى يُمَاطُ عَنِ الطَّرِيقِ، وَوَجَدْتُ فِي مَسَاوِي أَعْمَالِهَا النُّخَاعَةَ تَكُونُ فِي الْمَسْجِدِ، لَا تُدْفَنُ» ([7]) ، النخاعة هي البزقة التي تخرج من أصل الفم مما يلي النخاع.
إهانة الله له : قال تعالى: ] أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ [ [سورة الحج (18)]
ألم تعلم- أيها الرسول- أن الله سبحانه يسجد له خاضعًا منقادًا مَن في السموات من الملائكة ومَن في الأرض من المخلوقات والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب؟ ولله يسجد طاعة واختيارًا كثير من الناس، وهم المؤمنون، وكثير من الناس حق عليه العذاب فهو مهين، وأيُّ إنسان يهنه الله فليس له أحد يكرمه. إن الله يفعل في خلقه ما يشاء وَفْقَ حكمته.
قال تعالى: ] وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ[ [سورة النساء (14)] ، ومَن يَعْصِ الله ورسوله، بإنكاره لأحكام الله، وتجاوزه ما شرعه الله لعباده بتغييرها، أو تعطيل العمل بها، يدخله نارًا ماكثًا فيها، وله عذاب يخزيه ويهينه.
وعن سعيد بن المسيّب قال: لا تهاون بالحقّ فيهنك الله ولا تسألنّ عمّا لم يكن حتّى يكون، ولا تضع حديثك إلّا عند من يشتهيه، وعليك بالصّدق وإن قتلك الصّدق، واعتزل عدوّك، واحذر صديقك إلّا الأمين ولا أمين إلّا من يخشى الله، وشاور في أمرك الّذين يخشون ربّهم بالغيب ([8])
من الكبائر: عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «إِنَّكُمْ لَتَعْمَلُونَ أَعْمَالًا، هِيَ أَدَقُّ فِي أَعْيُنِكُمْ مِنَ الشَّعَرِ،
إِنْ كُنَّا لَنَعُدُّهَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ ﷺ مِنَ المُوبِقَاتِ» قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: «يَعْنِي بِذَلِكَ المُهْلِكَاتِ» ([9])،(أدق في أعينكم) كناية عن احتقارهم لها واستهانتهم بها. (المهلكات) الذنوب الكبيرة.
الهلاك يوم القيامة: عن سهل بن سعد السّاعديّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: (إيّاكم ومُحقّرات الذّنوب، فإنَّما مَثَلُ مُحقّرات الذُّنوب كمثل قومٍ نزلوا بطن وادٍ، فجاء ذا بعودٍ وذا بعودٍ، حتى جمعوا ما أنضجوا به خُبزهم، وإنّ مُحقّرات الذّنوب متى يُؤخذ بها صاحبها تُهلكه) ([10]) ، مُحقّرات الذّنوب: جمع مُحقّرة، وهي الشيء الصّغير الذي لا يُأبه به، والمُراد صغار الذّنوب الّتي يحتقرها فاعلها "الصّغائر"
يُشبّه النّبيّ ﷺ صغائر الذّنوب الّتي يحتقرها فاعلها بالأعواد الصّغيرة الّتي لا قيمة لها بمفردها، لكنّها تكون ذات تأثيرٍ عظيمٍ إذا اجتمعت مع غيرها، فإن الأعواد الصغيرة إذا اجتمعت مع غيرها كانت سببًا في إنضاج الطّعام، رغم أنها لا يمكن أن تكون سببًا لذلك الإنضاج بمفردها (كمثل قومٍ نزلوا بطن وادٍ، فجاء ذا بعودٍ وذا بعودٍ، حتى جمعوا ما أنضجوا به خُبزهم)، فكذلك صغائر الذّنوب الّتي تجتمع مع مثيلاتها فتكون سببًا في إهلاك صاحبها يوم القيامة (وإنّ مُحقّرات الذّنوب متى يُؤخذ بها صاحبها تهلكه).
يقول الغزاليّ في بيان ما تعظم به الصّغائر من الذّنوب: (اعلم أنّ الصّغيرة تكبر بأسباب منها: أن يتهاون بستر الله عليه، وحلمه عنه وإمهاله إيّاه ولا يدري أنّه إنّما يمهل مقتا ليزداد بالإمهال إثما فيظنّ أنّ تمكّنه من المعاصي عناية من الله به، فيكون ذلك لأمنه من مكر الله وجهله بمكامن الغرور بالله، كما قال تعالى: وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِما نَقُولُ (المجادلة/ 8)) ([11])
وقال الإمام الغزالي: "صغائر المعاصي يجرُّ بعضها إلى بعض، حتى تفوّت أهل السّعادة بهدم أصل الإيمان عند الخاتمة"؛ لأنّ المُحقّرات إذا كثُرت صارت كبارًا، فأودت بصاحبها وأهلكته .
الندم: قال تعالى: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا} (27) سورة الفرقان ، فيجب على المسلم أن يكون وقافاً عند حدود الله مستجيباً لندائه وأمره، مبتعداً عن المحرمات ما ظهر منها وما بطن، وأن يكون حريصا على تحري الحق والحلال وتجنب الباطل والحرام، وإلا خبط في هذه الدنيا خبط عشواء، وتصرف تصرف الظالمين الذين يندمون على ظلمهم وتقصيرهم في جنب الله.
ثالثًا: نماذج لتهاون الشباب وغيرهم في أوامر الله ونواهيه
التهاون في الصلاة: قال تعالى {فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} (59) سورة مريم.
فأتى مِن بعد هؤلاء المنعَم عليهم أتباع سَوْء تركوا الصلاة كلها، أو فوتوا وقتها، أو تركوا أركانها وواجباتها، واتبعوا ما يوافق شهواتهم ويلائمها، فسوف يلقون شرًا وضلالا وخيبة في جهنم.
فانظروا كم تهاون الكثير من الناس وخاصة الشباب منهم في أداء الصلاة والحفاظ عليها، وكم يسمع النداء لكل صلاة ولا يجيب حتى أصبح يفضل المباريات والمسلسلات ووسائل التواصل وغيرها على حفاظه على الصلاة واجابته لنداء ربه وما ينفعه بين يدي الله تعالى، وليست الصلوات اليومية فحسب بل كذلك صلاة الجمعة، فلا يعجبه النوم ولا السفر او غيرها إلا في وقت صلاة الجمعة وكأنه نسي أو تناسى قول النبي ﷺ فيما روي عَنْ أَبِي الْجَعْدِ الضُّمَيْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَنْ تَرَكَ ثَلَاثَ جُمَعٍ تَهَاوُنًا بِهَا طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ» ([12])
وكذلك الزكاة والصيام والحج وغيرها من العبادات التي أمر بها ربنا سبحانه وتعالى.
أكل الربا: فقد أصبح ظاهرة شائعة في تعاملات كثير من الدول والمؤسسات والأفراد، وقد تهاونوا بهذا وتساهلوا بجريمة هي من أكبر الجرائم التي ورد فيها وعيد شديد وتهديد رهيب، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ} (278-279) سورة البقرة.
فأي تحذير أشد من هذا لمن عصى الله وتجرأ على دينه وتهاون بشرعه وتجاوز حدوده التي حدها للناس؟!
وكذلك الرشاوي وبيع وشراء المحرمات ليلًا ونهارا ومجاهرة الله بالعصيان في كل وقت، فنسأل الله السلامة من الحرام.
النظر إلى ما حرم الله من صور النساء على مختلف وسائل الإعلام المرئية والمقروءة، من تلفاز وانترنت وصحف ومجلات وغير ذلك، فقد أصبحت ظاهرة سيئة، جلبت على الناس المعاصي والذنوب وقست بسبب ذلك القلوب، فنتج عن ذلك بعد عن الله وتهاون بالصلاة وتضييع لأوقاتها، ووقع الفساد الأخلاقي جراء ذلك..
الكذب في الكلام وإخلاف المواعيد، فلا تكاد تجد أحداً يصدق في قول أو يلتزم بوعد إلا من رحم الله وخاف يوم الوعيد، إنك لتجد كذباً في البيع والشراء وغشاً في المعاملات، وضعف ثقة بين المسلمين بسبب الكذب المنتشر، والإفك المستمر، إن الكذب يوصل صاحبه إلى الفجور والزور ثم إلى النار فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «.... وَإِنَّ الكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الفُجُورِ، وَإِنَّ الفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا» ([13])
(يهدي) يوصل. (الفجور) اسم جامع لكل شر أي الميل إلى الفساد والانطلاق إلى المعاصي. (يكتب) يحكم له (كذابا) صيغة مبالغة من الكذب وهو من يصبح الكذب صفة ملازمة له]
قال ابن الجوزيّ: ( كثير من النّاس يتسامحون في أمور يظنّونها قريبة وهي تقدح في الأصول كاستعارة طلّاب العلم جزءا لا يريدونه، وقصد الدّخول على من يأكل ليؤكل معه. والتّسامح بعرض العدوّ التذاذا بذلك، واستصغارا لمثل هذا الذّنب واطلاق البصر استهانة بتلك الخطيئة. وأهون ما يصنع ذلك بصاحبه أن يحطّه من مرتبة المتميّزين بين النّاس، ومن مقام رفعة القدر عند الحقّ، أو فتوى من لا يعلم، لئلّا يقال: هو جاهل ونحو ذلك ممّا يظنّ صغيرا وهو عظيم. وربّما قيل له بلسان الحال: يا من أؤتمن على أمر يسير فخان. كيف ترجو بتدليسك رضا الدّيّان؟
قال بعض السّلف: تسامحت بلقمة فتناولتها، فأنا اليوم من أربعين سنة إلى خلف. فالله الله، اسمعوا ممّن قد جرّب، كونوا على مراقبة. وانظروا في العواقب واعرفوا عظمة النّاهي. واحذروا من نفخة تحتقر، وشررة تستصغر، فربّما أحرقت بلدا، وهذا الّذي أشرت إليه يسير يدلّ على كثير، وأنموذج يعرّف باقي المحقّرات من الذّنوب) ([14])
وهناك الكثير والكثير من الأمور التي تهاون فيها شبابنا وشيخونا وتكاسلوا عنها، فنسأل الله تعالى
لهم الهداية والإقدام على الطاعة، وهذه بعض الوسائل التي تعينك على ذلك.
رابعًا: وسائل تعينك على الإقدام على الطاعة وترك التهاون فيها
الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم: عباد الله: إن كل ما تجدون في نفوسكم من تكاسل عن الطاعات وتهاون بالمعاصي فإنه من وساوس الشيطان ونزغاته، فإذا وجدتم ذلك فاستعيذوا بالله منه، فإن في ذلك الشفاء والخلاص قال الله تعالى: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} (200-201) سورة الأعراف.
التوبة والرجوع إلى الله: عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -ﷺ- أَنَّهُ قَالَ « قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِى بِى وَأَنَا مَعَهُ حَيْثُ يَذْكُرُنِى وَاللَّهِ لَلَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ يَجِدُ ضَالَّتَهُ بِالْفَلاَةِ وَمَنْ تَقَرَّبَ إِلَىَّ شِبْرًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا وَمَنْ تَقَرَّبَ إِلَىَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا وَإِذَا أَقْبَلَ إِلَىَّ يَمْشِى أَقْبَلْتُ إِلَيْهِ أُهَرْوِلُ » ([15])
لا تنظر إلى صغر المعصية، ولكن انظر إلى عظم من عصيت، فهناك فرق كبير أن تعصى ولدك أو صديقك فلا تستجيب له، وبين أن تعصى خالقك سبحانه وتعالى وهو الذي أمدك بنعم لا تعد ولا تحصى، كيف تعصاه وهو مالك السماوات والأرض ومن فيهن، أنت تخاف إن عصيت ملك من ملوك الدنيا فما بالك بملك الملوك سبحانه وتعالى!
وعَنِ الحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، حَدِيثَيْنِ: أَحَدُهُمَا عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، وَالآخَرُ عَنْ نَفْسِهِ، قَالَ: «إِنَّ المُؤْمِنَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَأَنَّهُ قَاعِدٌ تَحْتَ جَبَلٍ يَخَافُ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ، وَإِنَّ الفَاجِرَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَذُبَابٍ مَرَّ عَلَى أَنْفِهِ» فَقَالَ بِهِ هَكَذَا، قَالَ أَبُو شِهَابٍ: بِيَدِهِ فَوْقَ أَنْفِهِ ([16])
(الآخر عن نفسه) أي لم يروه عن النبي ﷺ وهو قوله إن المؤمن. (أن يقع عليه) المعنى أنه يخاف ألا ينجو من الهلاك كما لو كان جبل سيسقط عليه. (الفاجر) العاصي والفاسق. (كذباب مر على أنفه) كناية عن عدم اكتراثه بالذنب.
تذكر شهادة جوارحك عليك: كم جادلت وخاصمت الكثير والكثير عنها، لكن تأكد تماما أنها ستشهد عليك يوم أن تقف بين يدي الله تعالى يوم القيامة ولا يمكنك حينها أن تمنعها، وهي التي متعتها كثيرا بالحرام، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ ﷺ فَضَحِكَ، فَقَالَ: «هَلْ تَدْرُونَ مِمَّ أَضْحَكُ؟» قَالَ قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: " مِنْ مُخَاطَبَةِ الْعَبْدِ رَبَّهُ، يَقُولُ: يَا رَبِّ أَلَمْ تُجِرْنِي مِنَ الظُّلْمِ؟ قَالَ: يَقُولُ: بَلَى، قَالَ: فَيَقُولُ: فَإِنِّي لَا أُجِيزُ عَلَى نَفْسِي إِلَّا شَاهِدًا مِنِّي، قَالَ: فَيَقُولُ: كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ شَهِيدًا، وَبِالْكِرَامِ الْكَاتِبِينَ شُهُودًا، قَالَ: فَيُخْتَمُ عَلَى فِيهِ، فَيُقَالُ لِأَرْكَانِهِ: انْطِقِي، قَالَ: فَتَنْطِقُ بِأَعْمَالِهِ، قَالَ: ثُمَّ يُخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَلَامِ، قَالَ فَيَقُولُ: بُعْدًا لَكُنَّ وَسُحْقًا، فَعَنْكُنَّ كُنْتُ أُنَاضِلُ " ([17]) (لأركانه) أي جوارحه (أناضل) أي أدافع وأجادل.
العـمر ينقص والذنـوب تـزيد وتُقال عثرات الفتى فيعود
هل يستطيع جحود ذنبٍ واحدٍ رجلٌ جوارحه عليه شهود
تقوى الله تعالى: قال تعالي: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا) [سورة الطلاق (2-3)]
دوام المراقبة والمحاسبة: فهي تجعل العبد على علم بمكانه من الله وهل هو في ازدياد أو نقصان، ودوام محاسبة النفس يعيد الأمور إلى نصابها ويجعله يستدرك الأمور قبل استفحال خطرها، " يأيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون" ومعالجة الأمر في البدايات أيسر.
اغتنم شبابك ولا تضيعه: عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ الْأَوْدِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِرَجُلٍ وَهُوَ يَعِظُهُ: " اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ " ([18])
توثيق الصلة بالله و تدبر القرآن، وذلك عن طريق قراءة القرآن قراءة تفكر وتدبر ، واستشعار عظم الله تعالى من عظمة كتابه ،. فإن ضعف الإيمان مرض قلبي، والله أنزل القرآن شفاء لأدواء القلب والبدن: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِين َ} وقال تعالى: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} .
ذكر الله فهو جلاء القلوب من صدئها وشفاؤها من أمراضها، ودواؤها عند اعتلالها، وهو روح الأعمال الصالحة، والفلاح يترتب عليه: {وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ} وقال تعالى: {أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} يقول ابن القيم : "في القلب قسوة لا يزيلها إلا ذكر الله تعالى، فينبغي للعبد أن يداوي قسوة قلبه بذكر الله".
الدعاء والانكسار بين يدي الله: قال تعالى: { وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} وأقرب باب يدخل منه العبد على الله باب الافتقار والمسكنة، ولذلك أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، وخاصة في جوف الليل الآخر ، فما خاب من لجأ إلى ربه واستعان بمولاه ليثبته على الطاعة ويعينه على حسن أدائها.
المداومة على النوافل والاستمرار عليها، وإن كانت قليلة فمن أكثر أسباب إصابة المسلم بالفتور هو الاندفاع بالطاعة والإكثار منها في أول الطريق قبل ان يعتادها فعليك أن تعتاد الطاعة أولا.
الحرص على الصحبة الصالحة النشيطة، فصاحب الهمة يزيدك نشاطا، فابحث عن صحبة لها همم تسعى للحفظ وطلب العلم والدعوة إلى الله، فمثل هؤلاء يحثونك على العبادة ويدلونك على الخير.
نسأل الله تعالى أن يرزقنا النشاط في الطاعة، ويجنبنا التهاون والكسل في عبادته سبحانه إنه ولي ذلك والقادر عليه
وصلِّ اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
إعداد: الشيخ أحمد أبو عيد
0109 809 58 54
نسألكم الدعاء