فضل المسجد الأقصى وواجبنا نحوه للشيخ أحمد أبو عيد
العناصر
أولًا:
فضل المسجد الأقصى
ثانيًا:
عمر بن الخطاب رضى الله عنه وفتح بيت المقدس
ثالثًا:
صلاح الدين وفتح بيت المقدس
رابعًا:
واجبنا نحو المسجد الأقصى
الموضوع
أولًا: فضل المسجد الأقصى:
ثاني المساجد في الأرض: عن أَبِي ذَرٍّ رضي
الله عنه، قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ (أيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الأَرْضِ أَوَّلُ
قَالَ: الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ قَالَ: قُلْتُ ثُمَّ أيُّ قَالَ: الْمَسْجِدُ الأَقْصى
قُلْتُ: كَمْ كَانَ بَيْنَهُمًا قَالَ: أَرْبَعُونَ سَنَةً، ثُمَّ أَيْنَمَا أَدْرَكَتْكَ
الصَّلاَةُ بَعْدُ، فَصَلِّ، فَإِنَّ الْفَضْلَ فِيهِ) ([1])
من تكريم الله لبيت المقدس أن أمر نبيه سليمان بإعاده بناءه: عن عبد الله بن عمرو
عن النبي صلى الله عليه و سلم قال (لما فرغ سليمان بن داود من بناء بيت المقدس سأل
الله ثلاثا حكما يصادف حكمه وملكا لا ينبغي لأحد من بعده وألا يأتي هذا المسجد أحد
لا يريد إلا الصلاة فيه إلا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه فقال النبي صلى الله عليه
و سلم أما اثنتان فقد أعطيهما وأرجو أن يكون قد أعطي الثالثة)([2])
وقد ثبت ثبوتاً قطعياً
أن بين بناء البيت الحرام والمسجد الأقصى أربعين عاماً، ومن المعلوم أن بين إبراهيم
عليه السلام - وبين سليمان عليه السلام ما يقارب الألف عام؛ مما يؤكد قطعاً أن المسجد
الأقصى بُنِي قبل سليمان بمئات السنين.
وإنما كان لسليمان
عليه السلام شرف إعادة البناء والتجديد؛ كما فعل ذلك أولياء الله من أنبيائه بمساجد
الله ومواضع عبادته، وكما فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه ومن بعده من خلفاء الإسلام.
أولى القبلتين: عن
البراء بن عازب ـ t ـ
قال: أن النبي - r - كان أول ما قدم المدينة نزل على أجداده - أو قال أخواله - من
الأنصار وأنه - r - صلى قِبَل بيت المقدس ستة عشر شهراً أو سبعة عشر شهراً، وكان
يعجبه أن تكون قبلته قِبل البيت، وأنه صلى أول صلاة صلاها صلاة العصر وصلى معه
قوم، فخرج رجل ممن صلى معه فمر على أهل مسجد وهم راكعون، فقال: أشهد بالله، لقد
صليت مع رسول الله - r - قِبل مكة، فداروا كما هم قِبل البيت، وكانت اليهود قد أعجبهم إذ
كان يصلي قبل بيت المقدس وأهل الكتاب، فلما ولى وجهه قبل البيت أنكروا ذلك)([3])
وإذا كان المسلمون في كلِّ بقاع الأرض أصبحوا يتَّجهون في صلاتهم إلى المسجد
الحرام، فإنَّهم لا ينسَوْن أنَّ نبيَّهم محمَّدًا وأسلافهم الصَّالحين قد اتَّجهوا
- قبل نزول آيات حديث القِبلة إلى الكعبة - إلى المسجد الأقْصى أُولى القِبلتين، ولا
زالت مدينة الرسول - عليْه الصَّلاة والسَّلام - تضم مسجدًا يسمى "مسجد القبلتين"
شاهدًا حيًّا على الترابط الديني بين مكَّة والقدس، والمسجد الحرام والمسجد الأقصى.
لا تشد الرحال إلا لثلاثة مساجد: عن أَبِي هُرَيْرَةَ
رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: (لاَ تُشَدُّ الرِّحَالُ
إِلاَّ إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ: الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ
صلى الله عليه وسلم، وَمَسْجِدِ الأَقْصى) ([4])
مسرى النبي r: قال تعالى: ( سُبْحَانَ
الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ
الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ) (الإسراء: ١)
هي القدس مسرى النبي الأمين ** هي القدس يا اخوتي المسلمين
كم تستغيث فلبوا الندا ** وهبوا لنجدتها مسرعين
هناك البراق هناك الحرم ** هناك القداسة منذ القدم
ومسرى الرسول ومعراجه ** ومهد المسيح وكل القيم
فلا تحزني ياعروس البلاد ** وتحرير ارضك من ديننا
سيبزغ فجرك عما قريب ** وتشرق شمسك في العالمين
فيه صلى رسول الله r : عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -r- قَالَ «
أُتِيتُ بِالْبُرَاقِ - وَهُوَ دَابَّةٌ أَبْيَضُ طَوِيلٌ فَوْقَ الْحِمَارِ
وَدُونَ الْبَغْلِ يَضَعُ حَافِرَهُ عِنْدَ مُنْتَهَى طَرْفِهِ - قَالَ
فَرَكِبْتُهُ حَتَّى أَتَيْتُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ - قَالَ - فَرَبَطْتُهُ
بِالْحَلْقَةِ الَّتِى يَرْبِطُ بِهِ الأَنْبِيَاءُ - قَالَ - ثُمَّ دَخَلْتُ
الْمَسْجِدَ فَصَلَّيْتُ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ... ) ([5])
إمامة النبي r للأنبياء: يقول ابن القيم:
(ثم أسري برسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ بجسده على الصّحيح من المسجد الحرام
إلى البيت المقدس راكباً على البراق صحبةً جبرائيل، فنَزل هناك، وصلّى بالأنبياء إماماً،
وربط البراق بحلقة باب المسجد) ([6]).
الأنبياء والأقصى: هذا هو المكان الذي
كلَّم الله فيه موسى، وتاب على داود وسليمان، وبشَّر زكريا بيحيى، وسخَّر لداود الجبال
والطَّير، وأوْصى إبراهيم وإسحاق أن يُدفنا فيه، وفيه وُلِد عيسى، وتكلَّم في المهد،
وأُنزِلت عليه المائدة ورُفِع إلى السَّماء، وماتَت مريم ..... عليهم السلام جميعا
([7]).
تمنى سيدنا موسى u أن يتوفاه الله بأرض
المقدس: عن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: (أُرْسِلَ مَلَكُ الْمَوْتِ
إِلَى مُوسى عَلَيهِ السَّلاَمُ فَلَمَّا جَاءَهُ صَكَّهُ فَرَجَعَ إِلَى رَبِّهِ،
فَقَالَ: أَرْسَلْتَنِي إِلَى عَبْدٍ لا يُرِيدُ الْمَوْتَ فَرَدَّ اللهُ عَلَيْهِ
عَيْنَهُ وَقَالَ: ارْجِعْ فَقُلْ لَهُ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى مَتْنِ ثَوْرٍ فَلَهُ بِكُلِّ
مَا غَطَّتْ بِهِ يَدُهُ، بِكُلِّ شَعْرَةٍ سَنَةٌ قَالَ: أَيْ رَبِّ ثُمَّ مَاذَا
قَالَ: ثُمَّ الْمَوْتُ قَالَ: فَالآنَ فَسَأَلَ اللهَ أَنْ يُدْنِيَهُ مِنَ الأَرْضِ
الْمُقَدَّسَةِ رَمْيَةً بِحَجَرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:
فَلَوْ كُنْتُ ثَمَّ لأَرَيْتُكُمْ قَبْرَهُ إِلَى جَانِبِ الطَّرِيقِ، عِنْدَ الْكَثِيبِ
الأَحْمَرِ) ([8])
هي الأرض التي بارك الله فيها: ففي تفسير قوله تعالى: ﴿ وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي
بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 71] قال مقاتل بن سليمان:
هي بيت المقدس
وقال تعالى:
{...إلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ} [الإسراء: 1]
وقد يخطئ بعض الناس
في فهم البركة فيما حول المسجد الأقصى. فيقصرها على البركة الزراعية فهي الأرض التي
تدر زيتوناً و عنباً. صحيح أن هذه البركة موجودة لكنها بركة من بركات كثيرة، ومظهر
من مظاهر البركة العديدة، فهي مباركة بركة إيمانية، فللإيمان فيها وجود راسخ ثابت أصيل،
قبل إبراهيم عليه السلام و بعده، وهي بلاد نبوات و رسالات، وهي مباركة بركة إيمانية
قديمة و معاصرة و مستقبلية. فتاريخها الأصيل هو تاريخ للإسلام والإيمان والعبودية لله،
وهي مباركة بركة جهادية حضارية حركية، فعليها كان يسجل التاريخ الإيماني منعطفاته الخطيرة
وأحداثه العظيمة. وعليها كان يسجل التاريخ
الجاهلي هزائمه و نكساته وزواله. التاريخ عليها حي فاعل متحرك لا يتوقف، و تُقدم أعوامه
و شهوره و أيامه مفاجآت عجيبة و أحداثاً خطيرة و معارك فاصلة، و زوال دول و أنظمة و
ولادة أخرى.
ولو لم تكن له فضيلة
إلا هذه الآية لكانت كافية، وبجميع البركات وافية؛ لأنه إذا بورك حوله، فالبركة فيه
مضاعفة. ومن بركته أن فُضِّل على غيره من المساجد سوى المسجد الحرام ومسجد الرسول صلى
الله عليه وسلم.
هي الأرض المقدسة: ، وقال تعالى: ﴿
يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا
تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ ﴾ [المائدة: 21] فالأرض المقدسة هي بيت
المقدس.
المسجد الأقصى رابع أربعة أمكنة لا يسلط عليها المسيح الدجال: فقد ذكر الألوسي في تفسيره: أن الدجال يطوف الأرض إلا أربعة مساجد: مسجد
المدينة، ومسجد مكة، والأقصى، والطور ([9])
من أكبر المساجد
مساحة: فإن مساحته 144 ألف متر مربع تسع 800 ألف للصلاة وله 4 مآذن.
إطلالة على بيت المقدس خير من الدنيا وما فيها: فعن أبي ذر - رضي
الله عنه - قال: تذاكرنا ونحن عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أيهما أفضل؛ أمسجد
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أم بيت المقدس، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم
-: ((صلاة في مسجدي أفضل من أربع صلوات فيه، ولنعم المصلَّى هو، وليوشكنَّ أن يكون
للرجل مثل شطن فرسه من الأرض، حيث يرى منه بيت المقدس، خير له من الدنيا جميعًا))،
قال أو قال: ((خير له من الدنيا وما فيها)) ([10])
والشّطن: هو الحبل،
والمقصود: أنّ الرّجل يتمنّى أن يكون له بيتٌ بمقدار شطن الفرس، يُطِلّ منه على بيت
المقدس، فذلك حينئذٍ خير له من الدّنيا وما فيها.
فكأنه إشارة إلى
أن المسلمين سيمنعون زيارة هذا البيت المبارك فحينئذ يتمنى المسلم- وهو المشتاق إلى
هذا البيت- أن يكون له مكان من الأرض قريب من البيت ولو بقدر الحبل - وفي رواية
"أن يكون للرجل مثل بسط فرشه من الأرض " من أجل أن يرى منه بيت المقدس ،
وأن ينال هذا خير له من الدنيا وما فيها . والله أعلم
ولا شك أن يكون بعد
ذلك الفرج والنصر إن شاء الله ، ولله الأمر من قبل ومن بعد ، والله غالب على أمره ،
ولكن أكثر الناس لا يعلمون "
وقد يتوهم البعض
أن هناك تعارض بين حديث أن الصلاة فيه بخمسمائة صلاة وفي حديث أبي ذر هذا أن صلاة في
مسجده عليه الصلاة والسلام أفضل من أربع صلوات في المسجد الأقصى
فإنه يفيد أن فضل
الصلاة فيه أربعة أضعاف الصلاة في الأقصى، وينتج منه أن الصلاة في المسجد الأقصى على
الربع من الصلاة في المسجد النبوي أي : بمائتين وخمسين صلاة .
وهذه النتيجة لا
تتفق مع ما ثبت في الأحاديث الكثيرة المتقدمة أن الصلاة في الأقصى بألف أو بخمسمائة
، فيقال : إن الله سبحانه وتعالى جعل فضيلة الصلاة في الأقصى مائتين وخمسين صلاة أولا
، ثم أوصلها إلى الخمسمائة ثم إلى الألف فضلا منه تعالى على عباده ورحمة . والله تعالى
أعلم بحقيقة الحال([11])
.
سَيُصَّلي فيه المسلمون ويفتحوه رغما عن اليهود وأعوانهم: عن عوف بن مالك قال
: أتيت النبي صلى الله عليه و سلم في غزوة تبوك وهو في قبة من أدم فقال ( اعدد ستا
بين يدي الساعة موتي ثم فتح بيت المقدس ثم موتان يأخذ فيكم كقعاص الغنم ثم استفاضة
المال حتى يعطى الرجل مائة دينار فيظل ساخطا ثم فتنة لا يبقى بيت من العرب إلا دخلته
ثم هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر فيغدرون فيأتونكم تحت ثمانين غاية تحت كل غاية
اثنا عشر ألفا )([12])
[ ش ( قبة ) كل بناء مدور . ( أدم ) جلد مدبوغ .
( اعدد ستا ) من العلامات . ( بين يدي الساعة ) قدام قيامها ومن أشراطها القريبة منها
. ( موتان ) موت كثير الوقوع بسبب طاعون أو نحوه . ( كقعاص الغنم ) داء يصيب الغنم
فيسيل من أنوفها شيء فتموت فجأة . ( استفاضة المال ) كثرته وزيادته عن الحد المعتاد
. ( فتنة ) تقاتل واضطراب في الأحوال . ( هدنة ) صلح . ( بني الأصفر ) هم الروم .
( غاية ) راية سميت بذلك لأنها غاية المتبع إذا وقفت وقف وإذا مشت مشى ]
بعض الصحابة الذين دخلوه: أمَّا الصحابة والفُقهاء
وأعلام الفِكْر الإسلامي الذين زاروا بيت المقدس، وبعضُهم أقام فيه، فهُم أكثر من أن
يُحصَوا، وحسبُنا أن نذكُر بعضهم لندلَّ على المكانة الدينيَّة التي احتلَّها بيتُ
المقدس في فِكْر المسلمين وحضارتِهم.
فمِن هؤلاء: أبو
عبيدة بن الجرَّاح، وصفيَّة بنت حُيَي زوْج رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ومعاذ
بن جبَل، وبلال بن رباح مؤذِّن الرسول - الذي رفَض الأذان بعدَ وفاة الرسول، فلم يؤذِّن
إلاَّ بعد فتْح بيت المقدس - وعياض بن غُنم، وعبدالله بن عمر، وخالد بن الوليد، وأبو
ذر الغفاري، وأبو الدَّرداء عوَيمر، وعُبادة بن الصَّامت، وسلمان الفارسي، وأبو مسعود
الأنصاري، وتميم الداري، وعمرو بن العاص، وعبدالله بن سلام، وسعيد بن زيد، وشدَّاد
بن أوس، وأبو هريرة، وعبدالله بن عمرو بن العاص، ومعاوية بن أبي سفيان، وعوف بن مالِك،
وأبو جمعة الأنصاري، وكل هؤلاء مِن طبقة صحابة الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم،
ومن التَّابعين والفقهاء الأعلام: مالك بن دينار، وأويْس
القرني، وكعْب الأحْبار، والإمام الأوزاعي، وسفْيان الثَّوري، وإبراهيم بن أدهم، ومقاتل
بن سفيان، واللَّيْث بن سعد، ووكيع بن الجرَّاح، والإمام الشافعي، وأبو جعفر الجرشي،
وبشر الحافي، وثوبان بن يمرد، ذو النون المصري، وسُليم بن عامر، والسري السقطي، وبَكْر
بن سهل الدمياطي، وأبو العوَّام مؤذِّن بيت المقدس، وسلامة المقدس الضرير، وأبو الفرج
عبدالواحد الحنبلي، والإمام الغزالي، والإمام أبو بكر الطرطوشي، والإمام أبو بكر العربي،
وأبو بكر الجرجاني، وأبو الحسن الزهري... ومئات غيرهم. ([13])
مِنْ أجلِها ذَرَفَتْ عُيُون وَلِتُرْبِهَا حَنَّتْ قُلُـوب:
إنها أرضُ القدس، أرضُ الأقصى، ومَسرى
نبيِّنا صلى الله عليه وسلم، والقبلةِ التي توجّه إليها رسولُ الله بعد الهجرة سبعة
عشر شهرا .
إنها أرضُ الكثير
من الأنبياء والمرسلين، فعلى أرضها عاش إبراهيمُ وإسحاقُ ويعقوب ويوسف ولوط وداود وسليمان
وزكريا ويحيى وعيسى عليهم السلام وغيرُهمُ الكثيرُ ممن لم تُذكَر أسماؤهم من أنبياءِ
بني إسرائيل.
إنها أرضُ بَيْتِ
الْمَقْدِسِ، وبيتُ المقدس أَرْضُ الْمَحْشَرِ وَالْمَنْشَرِ، إنها مَصْرَعُ الدَّجَّالِ
ومَقتلُه حيثُ يلقاه عيسى عليه السلام، إنها من الشام الأرض التي دعا لها رسولُ الله
بقوله: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَامِنَا وَفِي يَمَنِنَا .
ومِنْ أجلِها انتفضَ
أبناءُ الحجارةِ يحمِلُون حصَى أرضِهم وترابها ليَرْمُوا بها وجوهَ الدُّخلاء الغاصبين.
نعم يا فلسطين …
من أجلِكِ نهض هؤلاء.
واليومَ يهرعُ أعداؤُنا
إلى ذبحِنا وما مِن مجيبٍ ولا ناصر!!
واليومَ بُحَّتْ
أصواتُ المنادِين والمستغيثينَ وكثيرٌ مَن يتصامَمُ عن نداءِ إخوانِنا !
ومن أجلها قال السلطانُ
العادلُ محمود نور الدين زنكي: أَسْتَحِي مِنَ اللهِ أنْ أَتَبَسَّمْ وبيتُ المقدسِ
في الأسر.
وَمِنْ أَجْلِهَا
شمخَ صلاحُ الدِّين برأسِه وأعدَّ عدَّتَه لِيحرِّرَ أرضَ الأقصى، وقد نصره اللهُ وفتحَ
بيتَ المقدس.
ومن أجلِها صاحَ
المظفَّر قُطُز صيحتَه الشهيرة (وا إسلاماه).
ومن أجلها ضحّى عبدُ
الحميد بعرشِه وملكِه وقال: لا أقدِرُ أنْ أبيعَ ولو قدمًا واحدًا من فلسطين
ثانيًا: عمر بن الخطاب y وفتح بيت المقدس
لحظة تاريخية، جليلة،
ذهبية تلك التي تسلم بها، أمير المؤمنين، خليفة المسلمين، عمر بن الخطاب رضي الله عنه،
مفاتيح بيت المقدس.
هذه هي جيوش المسلمين،
تقتحم معاقل الفرس والروم وتدكها، ولم يبقى غير القدس هدفاً، لكن نصارى القدس، لم يحبذوا
فكرة دخول المسلمين إلى الأرض المقدسة بسيوفهم، وتسيل الدماء هناك، فأرسلوا للخليفة
العادل، يطلبون منه المجيء لديارهم، ليسلموها له، ويسلموه مفاتيحها.
وصل رجاءهم لخليفة
المسلمين عمر رضي الله عنه، فلم يخيب رجاءهم، وكان بإمكانه، وهو قائد المسلمين أن يرفض،
ويدخلها عبر السيف والدماء، ويأمر باقتحامها، كما فتحت أكثر المدن في عصره، لكنه لم
يفعل، وهنا تبدأ حكاية ذلك الفتح التاريخي، والذي كلما قرأته في كتب التاريخ مرة بعد
مرة، انتابني ذلك الشعور بالبكاء، والعزة والفخر، بالبكاء على حال قدسنا اليوم، وعزتي
بغبار إسلامي، فكيف فتح الخليفة العادل القدس؟.
لم يمشي عمر بن الخطاب
للقدس بخيل قوية مطهمة، ولا بجيوش جرارة، ولا بعظمة وأبهة غير عظمة الإيمان في قلبه،
مشى إليها بناقة وخادم معه، وزاد هو عبارة عن كفايته الطريق من الماء والخبز والتمر.
ومشى إليها يقطع
الفيافي، في رحلة تاريخية، من المدينة للقدس، يقطع وخادمه الصحراء، وحيدين، أعزلين،
يتلوان سورة يس، كان عمر رضي الله عنه يركب ناقته ساعة، ويمشي خادمه، ثم ينزل ليركب
خادمه ساعة أخرى، ويمشي هو، ثم يمشي الاثنان ليريحا الناقة، حتى الناقة كانت في حساب
الاستراحة،مسافة 2400كيلومتر، في رحلة شاقة، يرافقهما لهيب الصحراء، يمشيان، ويركبان،
حتى وصلا قريباً من الجيش المحاصر للقدس بقيادة أبو عبيدة الجراح، وبينهما منخفض ملئ
بالماء والطين، وكان الخادم راكباً، وعمر ماشياً بيده مقود الناقة، لم يأمر عمر خادمه
أن يتنحى ليركب الناقة ويجتاز الوحل أمامه، وكان الخادم يريد أن ينزل ليمشى ويركب أمير
المؤمنين إلا أن الخليفة العادل أبى ذلك كله، وبعظمة العدل والرحمة والتواضع، خلع أمير
المؤمنين نعليه، قائد جيوش الفتوحات الإسلامية الكبيرة، هازمة الروم والفرس، خلعهما
ووضعهما على عاتقه، شمّر ثيابه إلى ما فوق ركبتيه وخاض الوحل، حتى يجتاز المنخفض من
جهة قواد جيوش المسلمين!!!!، فتمرغت ساقاه بالوحل، وعندما علمت جيوش المسلمين بمقدم
أمير المؤمنين، هب قائدها أبو عبيدة مع قواده الأربعة ليستقبلوه استقبالا يليق بمقام
خليفة المسلمين، حين شاهد أبو عبيدة ما ناب ساقي أمير المؤمنين من الوحل قال له عن
طيب نية، والحرص على أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه:" يا أمير المؤمنين لو أمرت
بركوب، فإنهم ينظرون إلينا".
غضب عمر بعد مقولة
أبي عبيدة هذه غضبته التاريخية الشهيرة، وصاح بوجه هذا القائد الذي هزم الدولة البيزنطية،
وأحد العشرة المبشرين بالجنة، صاح به قائلا مقولته التاريخية الشهيرة:" والله
لو غيرك قالها يا أبا عبيدة لجعلته عبرة لآل محمد صلى الله عليه وسلم!!! لقد كنا أذلة
فأعزنا الله بالإسلام، فإذا ابتغينا عزاً بغير الإسلام أذلنا الله".
الله! الله! ما أعظمه
من درس تاريخي يا عمر، تخبأه لجند فلسطين اليوم، تحثهم على استمرارهم في مسيرة تحرير
القدس من اليهود الغاصبين، المحتلين، بالإسلام فقط سنحرر فلسطين، وبهجره نخسرها ونخسر
القدس أجمعين، ونخسر مكانتنا وقيمتنا بين الأمم والشعوب.
لم يمكث عمر الوقت
الطويل عند أبي عبيدة، فهو لم يأتي للسياحة والتنزه والاستراحة، فالوقت غال وثمين،
وفتح القدس قاب قوسين وأدنى، بل واصل الركب المسير باتجاه القدس، إذ هي قريبة من مركز
القيادة، وكان عمر رضي الله عنه راكباً، وخادمه ماشياً، يقرآن سورة يس، وانتهت المدة
التي يستريح بها أمير المؤمنين فوق الناقة، ويجب أن يستريح خادمه، ياااااااااه لعدلك
يا عمر ورحمتك ورأفتك!!!!! وكم نفتقد لأمثال ذلك بيننا في أيامنا هذه، فنزل عمر عن
الناقة ليمشي، وركب خادمه، وأخذ عمر بزمام الناقة، ورجلاه لا تزالا ممرغتين بالوحل.
وصل الركب الفاتح،
المثل الأعلى للحضارة، والقيم الرفيعة العظيمة والنبل السامية ممثلةً بأمير المؤمنين
عمر بن الخطاب، إلى باب دمشق، أحد أسوار القدس، والخليفة يمشي يقود الناقة، وخادمه
راكب، وحشود الروم من عسكريين ومدنيين متجمهرين عند الأسوار، يتفرجون مذهولين مصعوقين
غير مصدقين، لأغرب مشهد تاريخي حضاري لا يحلمون برؤيته، ولا حتى نحن جيل القرن الواحد
والعشرين، وقد كان هناك فنانون ورسامون فرسم أحدهم صورة له تحدث عنها بعض الكتب العربية
فجاء فيها : " كتاب يوناني مخطوط في دير المصابة، يذكر حادثة مجيء الخليفة عمر
بن الخطاب رضي الله عنه يتسلم بيت المقدس، ومع النص رسم يمثل أمير المؤمنين عمر رضي
الله عنه حين دخوله القدس، وقد رسموه في ثياب أهل الجزيرة العربية، ملتحياً داخلاً
من باب دمشق، باب العمود، ذا مهابة ووقار، ماشياً على قدميه في تواضع المخلصين الأبرار،
آخذاً مقود الراحلة بيسراه، وإلى أعلى الرسم غلام أجرد أسود، مستقراً فوق رحلها، رافعاً
في وجه القوم عصاه، مستنكراً سجودهم لمولاه_يعني عمر بن الخطاب_، صائحاً فيهم: ويحكم!
ارفعوا رؤوسكم، فانه لا ينبغي السجود إلا لله."
حتى إذا استقر الركب
عند الباب، نزل إليه رئيس الأساقفة " صفر يانوس"، البطريرك، وبيده مفاتيح
القدس، وبعد أن سلّم عليه، قال له: إن صفات من يتسلم مفاتيح إيلياء (بيت المقدس) ثلاثة،
وهي مكتوبة في كتابنا - يقصد شروح الإنجيل- :
أولها: يأتي ماشياً
وخادمه راكب.
ثانيها: يأتي ورجلاه
ممرغتان في الوحل.
وثالثها: لو سمحت
أن أعدّ الرقع التي في ثوبك.
فعدّها، فإذا هي
سبع عشرة رقعة! فقال: وهذه هي الصفة الثالثة، يا سلام، لا تسلم مفاتيح القدس إلا لقائد
أمير يمتلك أوسمة ثلاثاً هي من أرفع أوسمة التاريخ وأشرفها وأعلاها وأغلاها قيمة، ركب
الخادم، الوحل، والرقع على الثوب، وهل هناك بعد من أوسمة أخرى أعلى من هذه الأوسمة
لتفتح بها القدس مسرى رسولنا الكريم، وهل أعلى من هذا الشرف ليسلم البطريرك المفاتيح،
نعم هذه هي أوسمة الإسلام الذهبية، حين تأكد البطريرك من ثبوت العلامات الثلاث سلّم
أمير المؤمنين مفاتيح القدس، واتجه إلى زاوية يبكي، فأتاه عمر رضي الله عنه يسليه ويعزّيه،
بسماحة القائد المنتصر، بدلا من اهانته وتحقيره والاستعلاء عليه والتعاظم والتفاخر،
كما يحصل في أيامنا هذه، بل تقدم عمر العادل من البطريك"صفر" وقال له برحمة
المسلمين "إن الدنيا دول وأنشد: فيوم علينا ويوم لنا ويوماً نُساءُ ويوماً نُسرّ"
فأجابه بطريرك القدس:"
ما حزنت لأنكم دخلتم دخول الفاتحين الغزاة، لتكون الدنيا دول بيننا، ونستردها يوماً
ما، ولكنكم ملكتموها إلى الأبد بعقيدة الإسلام وحكم الإسلام، وأخلاق الإسلام".
وضاع منا اليوم الإسلام
فخسرناها خسران الفاشلين الجبناء الصامتين.
الوثيقة العمرية
وبعد أن تسلم الفاروق
مفاتيح بيت المقدس، وقّع مع أهلها النصارى" الوثيقة العمرية"
"بسم الله الرحمن
الرحيم، هذا ما أعطى عبد الله أمير المؤمنين أهل إيلياء من الأمان: أعطاهم أمانًا لأنفسهم
وأموالهم، ولكنائسهم وصُلبانهم، وسقيمها وبريئها، وسائر مِلَّتها؛ أنه لا تُسكَن كنائسهم،
ولا تُهدم ولا يُنتقص منها، ولا من خيرها، ولا من صليبهم، ولا من شيء من أموالهم، ولا
يُكرهون على دينهم، ولا يُضام أحد منهم، ولا يَسكن بإيلياء معهم أحد من اليهود، وعلى
أهل إيلياء أن يُعطوا الجزية كما يُعطي أهل المدائن، وعليهم أن يُخرجوا منها الروم
واللصوص، فمن خرَج منهم، فإنه آمِنٌ على نفسه وماله حتى يبلغوا مأمنهم، ومن أقام منهم،
فهو آمِنٌ، وعليه مثل ما على أهل إيلياء من الجزية، ومن أحب من أهل إيلياء أن يَسير
بنفسه وماله مع الروم، (ويُخلي بِيَعهم وصُلُبهم)، فإنهم آمنون على أنفسهم وعلى بِيَعهم
وصُلُبهم، حتى يبلغوا مأمنهم، ومن كان بها من أهل الأرض قبل مقتل فلان، فمن شاء منهم
قعَد، وعليه مثل ما على أهل إيلياء من الجزية، ومن شاء سار مع الروم، ومن شاء رجَع
إلى أهله، فإنه لا يُؤخذ منهم شيء حتى يُحصَد حصادُهم، وعلى ما في هذا الكتاب عهد الله
وذِمة رسوله، وذمة الخلفاء وذمة المؤمنين، إذا أعطوا الذي عليهم من الجِزية.
شهِد على ذلك:
خالد بن الوليد،
وعمرو بن العاص، وعبدالرحمن بن عوف، ومعاوية بن أبي سفيان. وكتَب وحضر سنة خمس عشرة
هـ.
وقد نصت الوثيقة
على أن يعامل فيها أهل إيلياء بالمساواة، بالحقوق والواجبات، من دون تمايز الفاتحين
على المغلوبين ومن دون تفضيل المسلمين على النصارى في المعاملات، وسجل في الوثيقة أن
لأهل إيلياء ما للمسلمين، وعليهم ما على المسلمين، كما اشترط أهل إيلياء النصارى على
خليفة المسلمين عمر رضي الله عنه أن لا يسمح ليهودي أن يسكنها معهم كما هو مبين في
نص الوثيقة أعلاه*" ولا يسكن بايلياء معهم أحد من اليهود". فوافق على ذلك،
لعلمه بما كان هناك من أحقاد وضغينة ومجازر فظيعة قام بها اليهود، وبما يكيد اليهود
دائما من الدسائس وفوضى، فأمر عمر بإخراجهم منها.
ثم دخل الفاروق القدس،
ودخل كنيسة القيامة، وتروي بعض كتب التاريخ أنه رأى بعض آثار هيكل سليمان وما تبقى
منها وعليه التراب، فانحنى إليه يمسحه بطرف ثوبه، فأقبل من ورائه الجند يزيحون عنه
الغبار، حتى تلألأ ، ورمم عمر من الهيكل ما استطاع، وبنى فيه الجامع المنسوب إليه جامع
عمر، ويعلق المؤرخون على ذلك: أن لو كان للهيكل لسان لقال: هذه حرية الإسلام، وعدالة
الإسلام، والهياكل محرّمة في الإسلام، وهيكل اليهود لا يقرّه الإسلام ولا يعترف بقدسيته،
ولكنه احترام لمشاعر أهل الكتاب، وترك الحرية التامة لهم بممارسة شؤونهم الدينية من
غير تدخل في شؤونهم، ولو كانت طقوسهم مغايرة أو مضادة لعقيدة المسلمين.
ثم جاء وقت الصلاة،
وهو في كنيسة القيامة، فأعلن لمن معه أن الكنيسة مكان عبادة الله، ومسموح له أن يصلي
فيها، ولكن يخاف أن يأتي يوم يقول فيه المسلمون : أن عمر الفاروق صلى هنا، فيقتطعون
من الكنيسة مسجداً لهم، فخرج وصلّى على بعد 500متر منها، حيث أشيد مكان صلاته مسجد
سمّي بمسجد عمر، وهو يبعد كذلك بنفس المسافة عن الأقصى الذي كان منه معراج الرسول صلى
الله عليه وسلم إلى السماء.
ولعمري هذا هو ما
كنت أتكلم عنه وما نعنيه اليوم من سماحة الإسلام تجاه أهل الكتاب، واحترام مشاعرهم
وشعائرهم وتقاليدهم.
بعد كل نصر تاريخي،
يكون هناك احتفال تاريخي، لكن احتفال عمر والمسلمين بفتح القدس كان احتفالاً نوعي متميّز،
كفتحهم النوعي المجيد، فأمضى الليل والمسلمين بالابتهال لله والدعاء والقيام، وكان
عمر رضي الله عنه إذا اعتدل من سجوده، رأوه يبكي، قالوا له يا أمير المؤمنين أتبكي
ساعة النصر؟ ! قال نعم ذكرت حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بما معناه : { لا الفقر
أخشى عليكم، ولكن أخشى أن تقبل عليكم الدنيا، كما أقبلت على من كان قبلكم فتنافسوا
كما تنافسوها، فتهلككم كما أهلكتهم.}
ثالثًا: صلاح الدين وفتح بيت المقدس
أمر صلاح الدين العساكر فاجتمعتْ، ثم سار نحو بيت
المقدس، فنزل غربيَّ المقدس في الخامس عشر من رجب سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة - فوجد
البلد قد حصِّنت غاية التحصين، وكانوا ستين ألف مقاتل - دون بيت المقدس - أو يزيدون،
وكان صاحب القدس يومئذٍ رجلاً يقال له بالبان بن بازران، ومعه مَن سَلِم من وقعة حطِّين
يوم التقى الجمعان من الداوية والإسبتارية أتباع الشيطان وعَبَدة الصلبان، فأقام السلطان
بمنزلِه المذكور خمسة أيام، وسلم إلى كل طائفة من الجيش ناحية من السور وأبراجه، ثم
تحول السلطان إلى ناحية الشام؛ لأنه رآها أوسع للمجال والجلاد والنزال، وقاتل الفرنج
دون البلد قتالاً هائلاً، وبذلوا أنفسهم وأموالهم في نصرة دينهم وقمامتهم.
واستشهد في الحصار بعض أمراء المسلمين، فحنق عند
ذلك كثير من الأمراء والصالحين، واجتهدوا في القتال، ونصب المجانيق والعرادات على البلد،
وغنَّت السيوف وَعُمِلت السمهريات، والعيون تنظر إلى الصلبان منصوبة فوق الجدران، وفوق
قبة الصخرة صليب كبير، فزاد ذلك أهل الإيمان الحنق الكثير وشدة التشمير، وكان ذلك يومًا
عسيرًا، على الكافرين غير يسير، فبادر السلطان بأصحابه إلى الزاوية الشرقية الشمالية
من السور، فنقبها، وعلقها، وحشاها بالنيران وأحرقها، فسقط ذلك الجانب وخرَّ البرج برمَّته
فإذا هو واجب، فلما شاهد الفرنج ذلك الحادث الفظيعَ، والخطب المؤلم الوجيع، قصد أكابرُهم
السلطانَ صلاح الدين، وتشفعوا إليه أن يعطيهم الأمان، فامتنع من ذلك، وقال: لا أفتحها
إلا عَنوة كما افتتحتموها أنتم عَنوة، ولا أترك بها أحدًا من النصارى إلا قتلته كما
قتلتم أنتم مَن كان بها من المسلمين، فطلب صاحبها بالبان بن بازران الأمان ليحضر عنده
فأمَّنه، فلما حضر ترقَّق للسلطان، وذل ذلاًّ عظيمًا، وتشفَّع إليه بكل ما أمكنه، فلم
يُجِبه إلى الأمان لهم، فقالوا: إن لم تعطنا الأمان رجعنا فقتلنا كل أسير بأيدينا،
وكانوا قريبًا من أربعة آلاف، وقتلنا ذرارينا وأولادنا ونساءنا، وخربنا الدُّور والأماكن
الحسنة، وأحرقنا المتاع، وأتلفنا ما بأيدينا من الأموال، وهدمنا قبة الصخرة، وحرقنا
ما نقدر عليه، ولا نبقي ممكنًا في إتلاف ما نقدر عليه، وبعد ذلك نخرج فنقاتل قتال الموت،
ولا خير في حياتنا بعد ذلك، فلا يقتل واحد منا حتى يقتل أعدادًا منكم، فماذا ترتجي
بعد هذا من الخير؟!
شروط الصلح:
لما سمع السلطان
ما قاله بالبان بن بازران حاكم القدس، وافق على الصلح وأناب، على أن يبذل كل رجل منهم
عن نفسه عشرة دنانير، وعن المرأة خمسة دنانير، وعن كل صغير وصغيرة دينارين، ومَن عجز
عن ذلك كان أسيرًا للمسلمين، وأن تكون الغلات والأسلحة والدُّور للمسلمين، وأنهم يتحوَّلون
منها إلى مأمنهم، وهي مدينة صور، فكتب الصلح بذلك، وأن مَن لم يبذل ما شرط عليه إلى
أربعين يومًا، فهو أسير، فكان جملة مَن أسر بهذا الشرط ستة عشر ألف أسير من رجال ونساء
وولدان.
ودخل السلطان والمسلمون
البلد يوم الجمعة قبل وقت الصلاة بقليل، وذلك يوم السابع والعشرين من رجب، ولم يتَّفق
للمسلمين صلاة الجمعة يومئذٍ؛ خلافًا لمن زعم أنها أقيمت يومئذٍ، وأن السلطان خطب بنفسه
بالسواد، والصحيح أن الجمعة لم يتمكنوا من إقامتها يومئذٍ؛ لضيق الوقت، وإنما أُقِيمت
في الجمعة المقبلة، وكان الخطيب محيي الدين بن محمد بن علي القرشي بن الزكي، ولكن نظفوا
المسجد الأقصى مما كان فيه من الصلبان والرهبان والخنازير، وخربت دُور الداوية، وكانوا
قد بنوها غربيَّ المحراب الكبير، واتخذوا المحراب حشًّا - لعنهم الله - فنظِّف من ذلك
كله، وأُعِيد إلى ما كان عليه في الأيام الإسلامية، وغُسِلت الصخرة بالماء الطاهر،
وأعيد غسلها بماء الورد والمسك الفاخر، وأبرزت للناظرين وقد كانت مستورة مخبوءة عن
الزائرين، ووُضِع الصليب عن قبَّتها، وعادت إلى حرمتها، وقد كان الفرنج قلعوا منها
قطعًا فباعوها من أهل البحور الجوانية بزنتِها ذهبًا، فتعذَّر استعادة ما قطع منها،
ثم قبض من الفرنج ما كانوا بذلوه عن أنفسهم من الأموال.
وأطلق السلطان صلاح الدين خلقًا، منهم بنات الملوك،
بمَن معهن من النساء والصبيان والرجال، ووقعت المسامحة في كثير منهم، وشفع في أناس
كثير فعفا عنهم، وفرق السلطان جميع ما قبض منهم من الذهب في العسكر، ولم يأخذ منه شيئًا
مما يقتني ويدخر، وكان - رحمه الله - حليمًا، كريمًا، مقدامًا، شجاعًا، رحيمًا.
وكان أول جمعة أُقِيمت في اليوم الرابع من شعبان،
بعد يوم الفتح بثمان، فنصب المنبر إلى جانب المحراب، وبسطت البسط، وعلقت القناديل،
وتلي التنزيل، وجاء الحق، وبطلت الأباطيل، وصُفَّت السجادات، وكثرت السجدات، وتنوعت
العبادات، وارتفعت الدعوات، ونزلت البركات، وانجلت الكربات، وأقيمت الصلوات، وأذَّن
المؤذنون، وخرس القسيسون، وزال البوس، وطابت النفوس، وأقبلت السعود، وأدبرت النحوس،
وعُبِد اللهُ الأحد الصمد، الذي لم يَلِد ولم يُولَد، ولم يكن له كفوًا أحد، وكبَّره
الراكع والساجد، والقائم والقاعد، وامتلأ الجامع، وسالت لرقة القلوب المدامع، ولما
أذَّن المؤذنون للصلاة قبل الزوال، كادت القلوب تطير من الفرح في ذلك الحال، ولم يكن
عيَّن السلطان خطيبًا، فبرز من السلطان المرسوم الصلاحي - وهو في قبَّة الصخرة - أن
يكون القاضي محيي الدين بن الزكي اليوم خطيبًا، فلبس الخلعة السوداء، وخطب للناس خطبة
سنية، فصيحة بليغة، ذكر فيها شرف البيت المقدس، وما ورد فيه من الفضائل والترغيبات،
وما فيه من الدلائل والأمارات([14]).
رابعًا: واجبنا نحو المسجد الأقصى
أن نعلم أن أرض فلسطين حق للمسلمين: يجب علينا أن ندرك أن عدوان اليهود على المسجد الأقصى، وعلى أرض فلسطين،
وعلى المسلمين في فلسطين، ليس مجرد نزاع على أرض، وأن ندرك أن قضية فلسطين قضيةٌ إسلامية،
يجب أن يُؤرِّق أمرُها بال كل مسلم، ففلسطين بلد الأنبياء، وفيها ثالث المساجد الثلاثة
المعظمة، وهي مسرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفيها قِبلة المسلمين الأُولى،
وليس لأحد فيها حقٌّ إلا الإسلام وأهله؛ ﴿ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ
مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [الأعراف : 128]
تحقيق التوحيد لله تعالى ، قال تعالى: "
يعبدونني لا يشركون بي شيئاً " فلا يتنـزل النصر مع الإشراك بالله تعالى ، ثم
العمل على توحيد الأمة الإسلامية والسعي للوحدة الجامعة التي تربط المؤمنين بعضهم البعض
، مما ينتج عنه إسلامية قضية فلسطين ورفض أي حلول يضيع بها المسجد الأقصى أو إعطاء
الوصاية لليهود على المسجد الأقصى بالمعاهدات والوثائق .
الدعاء : وهو السلاح الذي لا يستطيع أحد أن يسلبه
من المؤمنين، فعلى المسلم ألا يغفل عن الدعاء لإخوانه المجاهدين بظهر الغيب، وأن يجأر
إلى الله تعالى بأن يرد المسجد الأقصى والقدس الشريف إلى أمة الإسلام، وأن يخلصهما
من أيدي اليهود الغاصبين، والدعاء للمجاهدين بالثبات , والدعاء بأن يرد هذا العدوان
العنصري الغاشم عنهم في كل صلاة وفي كل وقت ،وأهم شيء الإخلاص فكما قال أمير المؤمنين
عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إنكم لا تُنصرون بعتاد ولا عدد إنما تُنصرون من السماء
، فإني لا أحمل همَّ الإجابة ، إنما أحمل همَّ الدعاء. فكم مرة دعوت الله فيها بصدق
وحرارة لإخوانك؟ ومنذ متى؟ وهل أرقتك الأخبار التي تسمع فقمت تدعو وتناشد ربك بصدق
وتركت النوم ذات مرة ؟ ، عن ثوبان رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه
و سلم (لا يَرُدُّ الْقَدَرَ إِلا الدُّعَاءُ…) ([15])
والدعاء ينفع فيما نزل وفيما لم ينزل، وطلب النصر على الأعداء من الله
تعالى أولى من طرق أبواب الشرق والغرب، لكي يتعاطفوا معنا، فليس لرحل حطه الله حامل،
ومن يهن الله فما له من مكرم.
تربية الأبناء تربية إسلامية: وربطهم بمقدساتهم وترسيخ محبة المسجد الأقصى في قلوبهم.
فمن سيحرر الأقصى
ليست الأنظمه الحاكمه وليست الجيوش النظاميه وانما من سيحرر الأقصى شباب تربو على عقيدة
لا اله الا الله . تربو فى معسكر التوحيد لا فى معسكرات سب الدين ولا معسكرات احتساء
الخمور، قيل أن النساء المسلمات كانت قديماً عندما تريد أن ترضع طفلها تُسَمِّ الله
بنية أن يكون ذا شأن عظيم عندما يكبر فارساً.. عالماً.. قائداً أو أو..
لهذا كان أجدادنا
عظماء، أما اليوم فنسائنا ترضع طفلها بنية أن ينام، لذلك الأمه كلها نيام ولا نية للصحوة.
بِإِذنِ اللهِ سَوفَ تَرَى الشبَابَا ** يُذيقونَ العَدُوَّ هُنَا عَذَابَا
يُنادِي المَسجِدُ الأَقصَى عَلَيْهِمْ ** فَيَلقَى فِي صُدورِهِمُ الجَوَابَا
وَيُرْسِلُ شَوقَهُ فِي كِلِّ وَقْتٍ ** عَسَى يَجِدُ السلامَةَ وَالإيَابَا
شَبَابٌ آثَرَتْ جَناتِ عَدْنٍ *** وَتُرْسِلُ للشيُوخِ هُنَا عِتَابَا
شَهِيدٌ فِي الثرَى القُدسِيِّ يَمْضِي **وَيُرْشِدُ كُلَّ مَنْ ضَلُّوا
صَوَابَا
فَلو غَابَتْ عَنِ الأَقْصَى جُيوشٌ **يَظَلُّ لَهُ الأَحِبَةَ وَالصِحَابَا
وَمَا نَفْعُ الجُيوشِ بِأَيِّ أَرْضٍ ** إذا لَم تَطردُ الآنَ الكِلابَا؟
تَصُونُ المَسْجِدَ الأَقْصَى وَقُدْساً ** وتُبْعِدُ عَنْ مَساجِدِنَا
الذِّئابَا
إستحضار نية الجهاد والاستعداد للتضحية والاستشهاد في سبيل الله إن قدر للمرء ذلك، وهذه النية
لابد أن تكون ملازمة للمسلم في كل وقت يستجمعها ويستحضرها في صحوه ومنامه؛ سَهْلِ بْنِ
حُنَيْفٍ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم-
قَالَ « مَنْ سَأَلَ اللَّهَ الشَّهَادَةَ بِصِدْقٍ بَلَّغَهُ اللَّهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ
وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ ([16])
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ مَاتَ
وَلَمْ يَغْزُ وَلَمْ يُحَدِّثْ بِهِ نَفْسَهُ مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنْ نِفَاقٍ
»([17])
اليقين أن النصر للإسلام والمسلمين والعاقبة للمتقين : علينا أن نوقن
أن النصر من عند الله، وأنه كائن لا محالة، والشاك في ذلك عليه أن يصحح إيمانه قال
تعالى: (إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ)
، وقا (قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ)، قال
تعالى: (كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي ۚ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ)
، وعلى المسلمين أن يتدارسوا المبشرات ليواجهوا المثبطين ، وعلينا أن نذكر الناس بأن
الله سيجلى اليهود عن ديار المسلمين، ولا ينجيهم حجر ولا شجر.. وأحاديث ملاحم آخر الزمان
محفوظة ومعلومة، وما علينا إلا الإيمان بها والسعي لأن نكون من جنود الحق في وقتها.
الإبتعاد عن المعاصي والذنوب : يجب علينا - عباد
الله - أن ندرك أن تغلب هذه الشرذمة المرذولة، والفئة المخذولة وتسلُّطهم على المسلمين،
إنما هو بسبب الذنوب والمعاصي، وإعراض كثير من المسلمين عن دينهم الذي هو سبب عِزهم
وفلاحهم ورِفْعتهم في الدنيا والآخرة؛ قال الله - تعالى -: ﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ
مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ﴾ [الشورى:
30]،
وما هزيمة أحد بسبب
عصيان بعض الرماة عنا ببعيد، ولنعلم أن الأعداء لم ينالوا منا ذلك إلا ببعدنا عن شرع
الله عز وجل
وما يبلغ الأعداء من جاهل *** ما يبلغ الجاهل من نفسه
فالنصر للمؤمنين
لا غير ووعد الله للصالحين لا للطالحين
قال تعالى: (وَلَقَدْ
كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ
الصَّالِحُونَ)
فلا بد - عباد الله
- من عودة صادقة وأوْبَة حميدة إلى الله - جلّ وعلا - فيها تصحيح للإيمان وصلة بالرحمن،
وحِفاظ على الطاعة والإحسان، وبُعد وحذر من الفسوق والعصيان؛ لينال المؤمنون بذلك العزّ
والتمكين، والنصر والتأييد، وعليكم - عباد الله - بالصدق مع الله - تبارك وتعالى -
في الدعاء؛ فإن المؤمن في كل أحواله وجميع شؤونه؛ في شدته ورخائه، وسرائه وضرَّائه
لا مفزع له إلا الله، ولا ملجأ له إلا إلى ربِّه وسيده ومولاه، يتوجه إليه بالدعاء
والأمل والرجاء.
وجوب التخلص من الوهن: لقد شخص النبي صلى الله عليه وسلم المرض الذي أصاب الأمة قبل أربعة عشر
قرناً من الزمان، عن ثوبان قال : قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم : ( يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها
" . فقال قائل : ومن قلة نحن يومئذ ؟ قال : " بل أنتم يومئذ كثير ولكن غثاء
كغثاء السيل ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن في قلوبكم الوهن
" . قال قائل : يا رسول الله وما الوهن ؟ قال : " حب الدنيا وكراهية الموت
") ([18])،
وما كان الصحابة رضي الله عنهم يعرفون الوهن، بل كانوا يعرفون العزة والرفعة والكرامة،
كانوا يعرفون طريق النصر وطريق الشهادة في سبيل الله عز وجل، ولكنهم سألوا عباد الله
من أجل أن نستفيد نحن؛ لأنه قد أصابنا الوهن: (فقالوا: وما الوهن يا رسول الله؟ قال:
حب الدنيا وكراهية الموت).
حمل عبء قضية الأقصى والاهتمام به: بمعرفة تاريخهاوماجاء
فيها من أخبار وآثار إسلامية ، ليتحصن المسلم من شبهات اليهود ، ويرد عليها .
فكل مسلم يجب بدوره
في التوعية الصحيحة لبيته ولأهله ولجيرانه ولأصحابه ، بقضية فلسطين ومكانتها ، ويبين
لهم بأنها دولة عربية إسلامية ، احتلها الصهاينة ، وأن المسجد الأقصى شأنه شأن المسجد
الحرام والمسجد النبوي ، كلها مساجد للأمة الإسلامية ، يجب الجهاد من أجل الدفاع عنها
، وتحريرها ، ولا يجوز التعدي عليها ، وأن العقيدة الإسلامية توجب علينا نصرة المسلمين
على أرض فلسطين ، وصدق الله تعالى : { وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ
أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ }
وجوب نبذ الفرقة، وتوحيد الصف، وتحقيق معنى الأخوة : الفرقة شر، والخلاف هزيمة وضعف، قال الله جل وعلا:{ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا
وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ }[الأنفال:46] أي: تضيع قوتكم. واليهود ما تلاعبوا
بالأمة، وضربوا الأمة بالنعال على أم رأسها إلا يوم أن علم اليهود يقيناً أن الأمة
مبعثرة متشرذمة؛ إذ كل دولة في الأمة لا همّ لها إلا أن تحفظ حدودها، وإلا أن ترفع
قوميتها ووطنيتها، فالأمة قد تمزقت إلى دويلات، بل وتفتت الدويلات هي الأخرى إلى دويلات!!!
على الأمة إلا أن
توحد الصف، وأن تنبذ الفرقة والخلاف، وأن تحقق معنى الأخوة، كما قال عز وجل: (إِنَّمَا
الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) [الحجرات:10].
البراءة من اليهود - أعداء الله تعالى - وبغضهم ورفض التطبيع
معه: لو خرجتم أيها المسلمون اليوم بهذه العقيدة،
بعقيدة الولاء والبراء.. بعقيدة الحب لله ولرسوله.. ثم بتحويل هذه العقيدة والحب لرسول
الله في حياتكم إلى واقع عملي، وإلى منهج حياة، وتبرأتم من اليهود، ومن الشرك والمشركين،
وعلَّمتم نساءكم وبناتكم وأولادكم هذه العقيدة، وأُشْرِبَ الجيلُ هذه العقيدة، فإن
هذه خطوة عملية على الطريق. والله لن يسألنا عن النتائج.. بل أمرنا أن نبذل أقصى ما
في طوقنا، وهذا هو الآن ما في مقدورنا نحن الضعفاء، ولندع النتائج بعد ذلك إلى الله.
وغيرها الكثير
والكثير .......
يقول الأستاذ
تيسير أحمد
هيا انهضي لا توجلي يا دعوتي لا ترهبي سجنـا ولا سجانـا
هيا اكسري قيدا بليل الظلمة كي يشرق الفجر الصبيـح الآنـا
هيا إلى الأقصى معا والقبـة يعلـو المـآذن صوتنـا رنانـا
هيا إلى المسرى وأول قبلة ولسائـر الحرميـن كـل خطانـا
هيا نجهـز جيشنـا للهجمـة هيـا لنشحـن جندنـا إيمانـا
ونعد ما نسطيعه من قوة لهـم ونرهـب مـن يريـد حمانـا
يا أيها الأقصى أما من وقفة تحكي لنـا زمنـا مضـى ريانـا
طار البراق وحط في ذي البقعة يسري بخير العالميـن جنانـا
سبحان من أسرى به في ليلة ومضى صعودا بعد ذاك عيانـا
يرقى ويصعد فوق كل سقيفة حتـى رأى الأهـوال والنيرانـا
ورأى الجنان ويا لها من رؤية أشري لها الآبـاء والإخوانـا
صُدقت يا خير البرايـا فاثبـت لا تخـش تكذيبـا ولا نكرانـا
عمر افتح القدس المباركة التي وليت وجهك شطرهـا أزمانـا
وافتح قلوب العالمين بشرعة وكن المثال لهم كما قـد كانـا
مالي أراك تخوض في ذي السبخة وغلامك المحظوظ يركب آنا
ها قد أتينا أهل هـذي الملـة أفـلا نريهـم عزنـا وغنانـا
فأجاب ذو الرقع الخليفة: عزتي ليست بثوبٍ قد كسـا دنيانـا
لن أبتغي في غير ديني رفعتي أبـدا ولا لـن أهـدم البنيانـا
أقدم صلاح وأغث مساجدنا التي ذاقت على أيدي الصليـب هوانـا
واحشد جيوش الحق يا ذا الهمة من كل فـجٍ تلتقـي بربانـا
بتلال حطين الشهـادة بغيتـي كـلٌ يـردد واشهـدي عكانـا
أرناط ويلك ها أتى الليث الفتي وخراب دولتك السقيمـة حانـا
ويعود مسجدنا بأبهى حلـة لبنيـه يرجـع سالمـا فرحانـا
يا أيها السلطان كن كالشعلة في ليل ظلمتنـا وطـول دجانـا
واستبقِ روح العز في ذي الأمة وصن الربى عبد الحميد ربانـا
لا لن أبيع القدس تلك ديانتي لو قطعت منـي السنـان بنانـا
واخسأ أيا رأس الصهاينة اسكت لم يبق غيرك يشتري السلطانا
ثر وانتفض أسد البراق بقـوة لا تخـش كفرانـا ولا طغيانـا
واحمل على أعداء دين العزة يا عـز ديـنٍ واحمـل الإيمانـا
واغسل أيا قسام أرض الثورة بدم الكتائـب ساخنـا غضبانـا
أشعل فلسطين الحبيسة واكبت فيها غزاة قـد سبـوا أقصانـا
كل الرجال أتوا ليفدوا بلدتي بالنفس والمـال النفيـس طعانـا
وقد اشتروا بهما الجنان ببيعـة قدسيـة الأركـان لا تتوانـى
أحماس كم في محنة من منجة وبُعيـد شدتنـا يحـل هنانـا
لا تخشوا الباغي فكل الرهبة في قلبه منكـم فقومـوا الآنـا
كالريح بل كالبرق طيروا إخوتي لخراب دولتهم وبعـث قرانـا
أماه إن جاء البشير بقتلتي زحفا، فصبرا واسألـي الرحمانـا
أن يدخل الشهداء دار الرحمـة ويتـم نعمتـه لهـم إحسانـا
******
وصلِّ اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
إعداد: الشيخ احمد أبو عيد
01098095854