القرآن الكريم وأثره في الجوانب الإيمانية والنفس البشرية للشيخ السيد مراد سلامة
الحمدُ لله معطي الجزيلَ لمنْ
أطاعه ورَجَاه، وشديد العقاب لمن أعرضَ عن ذكره وعصاه، اجْتَبَى من شاء بفضلِهِ
فقرَّبَه وأدْناه، وأبْعَدَ مَنْ شاء بعَدْلِه فولاَّه ما تَولاَّه، أنْزَل
القرآنَ رحمةً للعالمين ومَنَاراً للسالِكين فمنْ تمسَّك به نال منَاه، ومنْ تعدّى
حدوده وأضاع حقُوقَه خسِر دينَه ودنياه، أحْمدُه على ما تفضَّل به من الإِحسانِ
وأعطاه، وأشْكره على نِعمهِ الدينيةِ والدنيويةِ وما أجْدَرَ الشاكرَ بالمزيدِ
وأوْلاه، وأشهد أنْ لا إِله إلاَّ الله وحده لا شريك له الكاملُ في صفاتِهِ
المتعالي عن النُّظَراءِ والأشْباءه، وأشهد أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه الَّذِي
اختاره على البشر واصْطفاه، صلَّى الله عليه وعلى آلِهِ وأصحابه والتابعينَ لهم
بإِحسانٍ ما انْشقَّ الصبحُ وأشْرقَ ضِياه، وسلَّم تسليماً.
إخوة الإسلام القرآن الكريم
كتاب عظيم لأنه كلام رب عظيم وصفه الله تعالى في غير ما آية من كتبه بالصفات
العليا وإليكم طرفا منها يتفق مع موضوع خطبتنا:
فهو كتاب هداية إلى الصراط
المستقيم: {الم * ذَلِكَ
الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِين} (سورة البقرة، الآية: 1 -2.).
{الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ
لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى
صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (1)}
وهو يهدي للتي هي أقوم:
{إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي
هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ
أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا } [الإسراء: 9].
والقرآن الكريم نور: يهدي به الله من يشاء من عباده: {وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي
بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا} [الشورى: 52] وقال تعالى { يَاأَيُّهَا
النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ
نُورًا مُبِينًا (174) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ
فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا
مُسْتَقِيمًا (175)} [النساء: 174، 175]
والقرآن الكريم فرقان يفرق به
المسلم بين الحق والباطل بين الهدى والضلال قال الله تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي
نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} (الفرقان
:1).
و القرآن الكريم شفاء للأمراض
القلبية قال { يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ
وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ } [يونس: 57]
، { وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ
وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا} [الإسراء: 82]
والقرآن نور يتخلل القلوب ويهذب
النفوس له تأثيرا قوي يستمد قوته من قوة قائله سبحانه وتعالى وإليكم بيان ذلك:
أولا: تأثير القرآن على أهل الكتاب: و إذا أردت أخي المسلم أن ترى أثر القران الكريم على القلوب و
النفوس فتأمل أثره على أهل الكتاب قال الله تعالى: {وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ
إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ
مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِين} سورة
المائدة، الآية: 83..
الذين أوتوا العلم من قبله
يتأثَّرون به، قال الله تعالى: {قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُواْ إِنَّ
الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ
لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ
رَبِّنَا لَمَفْعُولا * وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ
خُشُوعًا} سورة الإسراء، الآيات: 107 – 109..
الذين أنعم الله عليهم إذا تتلى
عليهم آيات الرحمن خرُّوا سُجَّداً وبُكِيّاُ: قال تعالى: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ
أَنْعَمَ الله عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ
حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ
هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا
سُجَّدًا وَبُكِيًّا} (3).
وبالمثال
يتضح المقال:
فها هو النجاشي-رضي الله
عنه-وأساقفته ما إن يسمعوا القران حتى يبكوا وتبتل لحاهم من كثرة دموعهم لما عرفوا
من الحق عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَتْ: …. فَقَالَ النَّجَاشِيُّ: هَلْ مَعَكُمْ مِمَّا أُنْزِلَ
عَلَيْهِ شَيْءٌ تَقْرَؤُونَهُ عَلَيَّ؟ قَالَ جَعْفَرٌ: نَعَمْ فَقَرَأَ كهيعص،
فَلَمَّا قَرَأَهَا بَكَى النَّجَاشِيُّ حَتَّى أَخْضَلَ لِحْيَتَهُ وَبَكَتْ
أَسَاقِفَتُهُ حَتَّى أَخْضَلُوا مَصَاحِفَهُمْ، وَقَالَ النَّجَاشِيُّ: إِنَّ
هَذَا الْكَلَامَ وَالْكَلَامَ الَّذِي جَاءَ بِهِ عِيسَى لَيَخْرُجَانِ مِنْ
مِشْكَاةٍ وَاحِدَةٍ “([1])
ورغم العداء الذي كان يكنه كفار
مكة وغيرهم للنبي صلى الله عليه وسلم إلا أنهم كانوا يتأثرون بسماع القران ويقود
البعض منهم إلى الهداية والإيمان بالله تعالى:
كان الطفيل بن عمرو الدوسي
يحدث: أنه قدم مكة ورسول الله -صلى الله عليه وسلم -بها، فمشى إليه رجال من قريش،
وكان الطفيل رجلًا شريفا شاعرًا لبيبًا، فقالوا له: يا طفيل إنك قدمت بلادنا، وهذا
الرجل الذي بين أظهرنا قد أعضل بنا، وقد فرق جماعتنا، وشتت أمرنا، وإنما قوله
كالسحر يفرق بين الرجل وبين أبيه، وبين الرجل وبين أخيه، وبين الرجل وبين زوجته،
وإنا نخشى عليك وعلى قومك ما قد دخل علينا، فلا تكلمنه ولا تسمعن منه شيئا.
قال: فوالله ما زالوا بي حتى
أجمعت أن لا أسمع منه شيئًا ولا أكلمه، حتى حشوت في أذني حين غدوت إلى المسجد
كرسفا فرقا من أن يبلغني شيء من قوله، وأنا لا أريد أن أسمعه. قال: فغدوت
إلى المسجد، فإذا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قائم يصلى عند الكعبة. قال:
فقمت منه قريبا، فأبى الله إلا أن يسمعني بعض قوله. قال: فسمعت كلامًا حسنًا. قال
فقلت في نفسي: واثكل أمي، والله إني لرجل لبيب شاعر ما يخفى علي الحسن من القبيح،
فما يمنعني أن أسمع من هذا الرجل ما يقول! فإن كان الذي يأتي به حسنًا قبلته، وإن
كان قبيحًا تركته.
قال: فمكثت حتى انصرف رسول الله
– صلى الله عليه وسلم – إلى بيته فاتبعته، حتى إذا دخل بيته دخلت عليه، فقلت: يا
محمد، إن قومك قد قالوا لي كذا وكذا، للذي قالوا، فوالله ما برحوا يخوفونني أمرك
حتى سددت أذني بكرسف لئلا أسمع قولك، ثم أبى الله إلا أن يسمعني قولك، فسمعته قولا
حسنا، فاعرض علي أمرك. قال: فعرض علي رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام، وتلا
علي القرآن فلا والله سمعت قولا قط أحسن منه، ولا أمرًا أعدل منه. قال: فأسلمت
وشهدت شهادة الحق، وقلت: يا نبي الله، إني امرؤ مطاع في قومي وأنا راجع إليهم،
وداعيهم إلى الإسلام، فادع الله أن يجعل لي آية تكون لي عونًا عليهم فيما أدعوهم إليه
فقال: “اللَّهم اجعل له آية”.
قال: فخرجت إلى قومي،
حتى إذا كنت بثنية تطلعني على الحاضر وقع نور بين عيني مثل المصباح، فقلت: اللَّهم
في غير وجهي. إني أخشى إن يظنوا أنها مثلة وقعت في وجهي لفراقي دينهم. قال: فتحول
فوقع في رأس سوطي. قال: فجعل الحاضر يتراءون ذلك النور في سوطي كالقنديل المعلق،
وأنا أهبط إليهم من الثنية، قال: حتى جئتهم فأصبحت فيهم. ([2])
النبي – صلى الله عليه وسلم
أرسله الله تعالى للإنس و الجن جميعا و عندما عرض القران على نفر من الجن ما زادهم
إلا إيمانا بالله تعالى و تغيرت أحوالهم كما بين الله تعالى لنا في محكم التنزيل
فقال {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ
فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ
مُنْذِرِينَ (29) قَالُوا يَاقَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ
بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى
طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (30) يَاقَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ
يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (31) وَمَنْ
لَا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ
دُونِهِ أَوْلِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [الأحقاف: 29 – 32]
القرطبي-رحمه الله-يقول: قد
قيل: إن الجن أتوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-على دفعتين:
الأولى: بمكة، وهي التي ذكرها
ابن مسعود.
والثانية: بنخلة، وهي التي
ذكرها ابن عباس -رضي الله عنهما.
وقال الحافظ ابن كثير -رحمه
الله-: هذه الطرق كلها تدل على أنه -صلى الله عليه وسلم-ذهب إلى الجن قصدًا، فتلا
عليهم القرآن، ودعاهم إلى الله، وشرع الله لهم على لسانه ما هم محتاجون إليه في
ذلك الوقت.
بين الله تعالى لكم أثر القرآن
الكريم على المؤمنين في غير ما آية من كتابه بين أثره على قلوبهم وعلى أخلاقهم
وعلى أعمالهم وإليكم أيها الأحباب رشفات من بحر لا ينبض معينه
المؤمن إذا سمع القرآن بكت عينه
واقشعر جلده ولان قلبه: قال سبحانه: {اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا
مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ
رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللهِ ذَلِكَ
هُدَى اللهُ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء وَمَن يُضْلِلْ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَاد}
(سورة الزمر، الآية: 23.).
وبالمثال يتضح لنا ولكم المقال:
أثر القرآن على سيد ولد عدنان: عنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” اقْرَأْ فَقُلْتُ: أَقْرَأُ عَلَيْكَ وَعَلَيْكَ
أُنْزِلَ؟ قَالَ: نَعَمْ فَقَرَأْتُ سُورَةَ النِّسَاءِ حَتَّى بَلَغْتُ {فَكَيْفَ
إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ
شَهِيدًا} [النساء: 41] قَالَ: حَسْبُكَ الْآنَ قَالَ: فَالْتَفَتُّ إِلَيْهِ
فَإِذَا عَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ “([3])
أثر القرآن على أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم–وكيف
أنهم تركوا شرب الخمر واستقامة أخلاقهم بترك شربها والانقياد إلى مراد الله ومراد
رسوله – صلى الله عليه وسلم-
أَنَسٍ رضي الله عنه،
قَالَ: كُنْتُ سَاقِيَ الْقَوْمِ، فِي مَنْزِلِ أَبِي طَلْحَةَ، وَكَانَ
خَمْرُهُمْ يَوْمَئِذٍ الْفَضِيخَ فَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم
مُنَادِيًا يُنَادِي: أَلاَ إِنَّ الْخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ قَالَ: فَقَالَ لِي
أَبُو طَلْحَةَ: اخْرُجْ فَأَهْرِقْهَا فَخَرَجْتُ فَهَرَقْتُهَا، فَجَرَتْ فِي
سِكَكِ الْمَدِينَةِ فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: قَدْ قُتِلَ قَوْمٌ وَهِيَ فِي
بُطُونِهِمْ فَأَنْزَلَ اللهُ (لَيْسَ عَلَى الَّذِين آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا) الآية ([4])
عن أمِّ سلمة، قالت: لما
نزلت {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} [الأحزاب: 59]، خرجَ نِسَاءُ
الأنصارِ كأن على رؤوسِهِنَّ الغِرْبانَ مِنَ الأكْسِيَة ([5]).
فالقرآن الكريم أحباب
رسول الله – صلى الله عليه وسلم-جاء ليهذب الأخلاق ويسمو بالنفوس قال الله تعالى
قال تعالى: {لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ
رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ
وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ
مُّبِينٍ} [آل عمران: 164]. قال ابن
كثير -رحمه الله-: “يُذكّر -تعالى- عباده المؤمنين ما أنعم عليهم من بعثة الرسول
صلى الله عليه وسلم يتلو عليهم آيات الله المبينات ويزكيهم أي يطهرهم من رذائل
الأخلاق ودنس النفوس وأفعال الجاهلية” ([6])
وقال ابن
سعدي -رحمه الله-“ويزكيكم أي يطهر أخلاقكم ونفوسكم بتربيتها على الأخلاق الجميلة
وتنزيهها عن الأخلاق الرذيلة، وذلك كتزكيتهم من الشرك إلى التوحيد، ومن الرياء إلى
الإخلاص، ومن الكذب إلى الصدق، ومن الخيانة إلى الأمانة، ومن الكبر إلى التواضع،
ومن سوء الخلق إلى حسن الخلق، ومن التباغض والتهاجر والتقاطع إلى التحاب والتواصل
والتوادد، وغير ذلك من أنواع التزكية” ([7])
عن سعد بن هشام -رحمه
الله-قال: سألت عائشة -رضي الله عنها-: أخبريني عن خلق رسول الله -صلى الله عليه
وسلم-، فقالت: “كان خلقه القرآن” ([8])
وعن أبي
هريرة -رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما بعثت لأتمم
صالح الأخلاق» ([9])
قال ابن عبد البر: “يدخل في هذا
المعنى الصلاح والخير كله والدين والفضل والمروءة والإحسان والعدل، فبذلك بُعث
ليتممه -صلى الله عليه وسلم-، وقد قال العلماء: إن أجمع آية للبر والفضل ومكارم
الأخلاق قوله عز وجل: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء
ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ
لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل: 90].
وفي سورة الإسراء جملة من
الآيات الكريمة التي تحث على التخلق بالأخلاق الحسنة التي لها علاقة مباشرة بتهذيب
النفوس وطهارتها، ومنها بر الوالدين، والإحسان إلى ذوي القربى والمساكين وابن
السبيل، والنهي عن التبذير، وعدم قتل الأولاد، والبعد عن قربان الفاحشة، وقتل
النفس، وقربان مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن، وفيها المحافظة على العدل، وأن يراقب
الإنسان ربه فيما يسمع ويبصر وأن يوثق الإنسان علاقته بربه، وأن يحذر من الكبر
والتعدي على عباد الله، وغير ذلك مما له أبلغ الأثر في تهذيب النفوس وإصلاحها.
والمسلم إذا تدبر الأوامر والنواهي الواردة في القرآن الكريم وعمل بمقتضاها فإن
نفسه تسمو ويحظى بمحبة الله تعالى ومحبة عباد الله الصالحين، وتلك درجة طيبة ينال
بها صاحبها خيرات كثيرة ومناقب جمة. فندعو إخواننا وأبناءنا وبناتنا إلى بذل المزيد
من العناية بالقرآن الكريم والمحافظة على فرائض الله وبر الوالدين وصلة الرحم
والإحسان إلى الناس والعفو عمن أساء والبعد عن الأخلاق السيئة التي حذر القرآن
الكريم منها، ومن أشدها التهاون بالصلاة وعقوق الوالدين وقطيعة الرحم وارتكاب
المظالم والحقد والحسد والسخرية والبعد عن سفاسف الأمور وغيرها. وأسأل الله تعالى
أن يوفق الجميع لكل خير، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي
ولكم إنه هو الغفور الرحيم.
أما بعد
إن القرآن العظيم يؤثر في
القلوب القاسية، ويتغلغل إلى النفوس اللاهية، يحرِّك فيها مكامن الاتعاظ
والاعتبار، كيف لا؟ وهذا القرآن لو أنزل على جبل، لرأيته خاشعًا متصدعًا؛ قال
-تعالى -: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا
مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} [الحشر: 21]،
وقال -تعالى -: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ
أَقْفَالُهَا} [محمد: 24].
سأل أحدهم أحد العلماء: لماذا الكنائس في بنيانها تعمر أكثر من المساجد؟! والمساجد تتشقق أسرع من
الكنائس؟
فالكنائس تعيش لمئات السنين
بينما المساجد خلال هذه الفترة ربما قامت بأعمال صيانة كثيرة!
ماذا تتوقع الرد! هل سكت الشيخ!
هل أتى بالجواب! هل كانت الإجابة واقعية! هل كانت من السنة! لقدر رد الشيخ بكل
هدوء فقال: قال تعالى: {لَوْ أَنزلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ
لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ}
سبحان الله إذا الجبل يتصدع
ويتشقق من خشية الله فما بالك بالمساجد!
فتَبيَّن بهذا: أن تلاوة القرآن
في المساجد لا تأثير له على الحجارة، ولا على البناء كلّه.
قالوا عن القران الكريم
قال كعب الأحبار: “عليكم بالقرآن، فإنه فهم للعقل، ونور الحكمة، وأحدث الكتب عهداً بالرحمن،
ولعظيم ما فيه من البركات كانت تلاوته واستماعه من أعظم القربات، والاشتغال بتعلمه
وتعليمه من أسمى الطاعات، وكان لأهله أعلى الدرجات وأوفى الكرامات”.
العالم الإيطالي كونت ادوارد
كيوجا
لقد طالعت وبدقه الأديان
القديمة والجديدة وخرجت بنتيجة هي أن الإسلام هو الدين السماوي والحقيقي الوحيد
وان الكتاب السماوي لهذا الدين وهو “القرآن الكريم” ضم كافة الاحتياجات المادية
والمعنوية للإنسان ويقوده نحو الكمالات الأخلاقية والروحية.
الزعيم الهندي الراحل المهاتما
غاندي
يمكن لأي شخص من خلال تعلم علوم
“القرآن الكريم” أن يعرف أسرار وحكم الدين دون أن يحتاج إلى خصائص نص مصطنعه. لا
يوجد في “القرآن الكريم” أمر بإجبار الآخرين عن الرجوع عن مذاهبهم فهذا الكتاب
المقدس يقول وبأبسط صورة “لا إكراه في الدين”
الدعاء بارك الله لي لكم في
القرآن العظيم