محاسبة النفـس للشيخ محمد حســــن داود








الموضـــــوع : الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه العزيز( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ )الحشر18) وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله،القائل في حديثه الشريف" الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ ، وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ " رواه الترمذي وقال حسن) اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد :
تتعاقب الأيام، وتتوالى الشهور ، والسنون تتلوها السنون، الأعمار تطوى، والآجال تقضى، والأجيال جيل بعد جيل يفنى، ويقف الإنسان بين يدي الله عز وجل (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَاللّهُ رَؤُوفُ بِالْعِبَادِ )آل عمران30) يسأل عن الصغير، والكبير، والقليل، والكثير، قال تعالى (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ* وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ) الزلزلة 7/8) وقال تعالى (وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا) (الكهف49) ويقول سبحانه على لسان لقمان( يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ )لقمان 16) فمن زجزج عن النار وادخل الجنة فقد فاز، قال تعالى ( كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ )آل عمران185) لذا لزم كل عاقل أن يقف مع نفسه وقفة محاسبة ومراجعة ينظر فيها إلى الربح والخسارة، كما يقف التاجر الأريب من تجارته أو من شريكه ينظر إلى ربحه وخسارته، باحثًا عن الأسباب، متأملا في الخطأ والصواب، فإذا كان بعضًا من الناس يعيش حالة الندم إذا لم يوفق في منفعة أو فقد نعمة من نعم الله، وإذا كان بعضا من الناس يمر عليه الليل وهو يتلوى من الحسرة والندامة على صفقة أو تجارة فاتته، وإذا كان بعضا آخر يعيش حالة الندم إذا ضاعت منه فرصة مالية علم بها أو لم يعلم، فكيف بمن يخسر نفسه والله تعالى يقول (قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ * لَهُم مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ النَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَٰلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ )الزمر15/16) .
يقول الماوردي رحمه الله في تعريفه للمحاسبة "أن يتصفّح الإنسان في ليله ما صدر من أفعال نهاره، فإن كان محموداً أمضاه وأتبعه بما شاكله وضاهاه، وإن كان مذموماً استدركه إن أمكن، وانتهى عن مثله في المستقبل ".
وقال الحارث المحاسبي: "هي التثبّت في جميع الأحوال قبل الفعل والترك من العَقد بالضمير، أو الفعل بالجارحة؛ حتى يتبيّن له ما يفعل وما يترك، فإن تبيّن له ما كره الله عز وجل جانَبَه بعَقد ضمير قلبه، وكفّ جوارحه عمّا كرهه الله عز وجل، ومَنَع نفسه من الإمساك عن ترك الفرض، وسارع إلى أدائه".
فمحاسبة النفس طريق النجاح، وسبب الفلاح، وأمارة السعادة، ودليل الرشاد، قال تعالى ﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾ النازعات 40/41) هي من اجل سمات أهل الإيمان إذ يقول الحسن البصري " إنَّ المؤمن والله ما تراه إلا يلوم نفسه على كل حالاته يستقصرها - أي يتهمها بالتقصير- في كل ما يفعل ، فيندم ويلوم نفسه ، وإن الفاجر ليمضي قُدماً لا يعاتب نفسه"، وهى علامة أهل التقوى،اذ يقول ميمون بن مهران رحمه الله " لا يكون الرّجل تقيّا حتّى يحاسب نفسه محاسبةَ شريكِه، وحتّى يعلمَ مِن أين ملبسُه ومطعمُه ومشربُه" أما غياب محاسبة النفس فهو نذير عقاب، وما أردى كل غافل في لجج العمى إلا ظنهم أنهم يمرحون كما يشتهون بلا رقيب، ويفرحون بما يهوون بلا حسيب، قال سبحانه عنهم( إِنَّهُمْ كَانُواْ لاَ يَرْجُونَ حِسَاباً )النبأ27) فما أضر على العبد من إهمال النفس وترك محاسبتها والاسترسال خلف شهواتها والله تعالى يقول ( وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) الحشر19)
فلقد تضافرت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية تدعونا إلى محاسبة النفس وتقييمها وعدم إهمالها، قال تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ )الحشر18) قال بن كثير "أي حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وانظروا ماذا ادّخرتم لأنفسكم من الأعمال الصالحة ليوم معادكم وعرضكم على ربكم" تفسير بن كثير) .
كما دعانا رسول الله صلى الله عليه وسلم،إلى مبدأ المحاسبة، ونقد الذات وتقييمها، فإنه لا أغرق غفلة؛ ممن يعلم أنه يحصى عليه مثاقيل الذر، وسيواجه بما عمله من خير أو شر، ويظل في سباته العميق لاهياً غير مستعتب لنفسه، ولا محاسب لها، فعَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ ، وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ ", (دَانَ نَفْسَهُ :اى حَاسَبَ نَفْسَهُ فِي الدُّنْيَا قَبْلَ أَنْ يُحَاسَبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ )رواه الترمذي و قَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ)،وعَنْ ابْنِ عُمَرَ , أَنَّهُ قَالَ : كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَجَاءَهُ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ , فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , ثُمَّ قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , أَيُّ الْمُؤْمِنِينَ أَفْضَلُ ؟ قَالَ : " أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا " , قَالَ : فَأَيُّ الْمُؤْمِنِينَ أَكْيَسُ ؟ قَالَ : " أَكْثَرُهُمْ لِلْمَوْتِ ذِكْرًا , وَأَحْسَنُهُمْ لِمَا بَعْدَهُ اسْتِعْدَادًا , أُولَئِكَ الْأَكْيَاسُ " رواه بن ماجة) . وعَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَا مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ ، فَيَنْظُرُ أَيْمَنَ مِنْهُ فَلَا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَ مِنْ عَمَلِهِ ، وَيَنْظُرُ أَشْأَمَ مِنْهُ فَلَا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَ ، وَيَنْظُرُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلَا يَرَى إِلَّا النَّارَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ ، فَاتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ " رواه البخاري)
ولقد ضرب لنا الرعيل الأول من الصحابة والتابعين أروع الأمثلة في محاسبة النفس وتقييم مسارها في ماضيها وحاضرها ومستقبلها ومن ذلك ما رواه مالك في الموطأ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه-، دَخَلَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ -رضي الله عنه-، وَهُوَ يَجْبِذُ لِسَانَهُ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: "مَهْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ" فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: "إِنَّ هَذَا أَوْرَدَنِي الْمَوَارِدَ".
وعَنْ حَنْظَلَةَ الْأُسَيِّدِيِّ، قَالَ: وَكَانَ مِنْ كُتَّابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: لَقِيَنِي أَبُوبَكْرٍ، فَقَالَ: كَيْفَ أَنْتَ يَا حَنْظَلَةُ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ، قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ مَا تَقُولُ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَكُونُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ، حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ، فَنَسِينَا كَثِيرًا، قَالَ أَبُوبَكْرٍ: فَوَاللهِ إِنَّا لَنَلْقَى مِثْلَ هَذَا، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأَبُوبَكْرٍ، حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قُلْتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ، يَا رَسُولَ اللهِ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "وَمَا ذَاكَ؟" قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ نَكُونُ عِنْدَكَ، تُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ، حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِكَ، عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ، نَسِينَا كَثِيرًا فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنْ لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي، وَفِي الذِّكْرِ، لَصَافَحَتْكُمُ الْمَلَائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ وَفِي طُرُقِكُمْ، وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً" ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. رواه مسلم)
وعن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ ، قَالَ : " سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَوْمًا وَخَرَجْتُ مَعَهُ حَتَّى دَخَلَ حَائِطًا ، فَسَمِعْتُهُ وَهُوَ يَقُولُ ، وَبَيْنِي وَبَيْنَهُ جِدَارٌ وَهُوَ فِي جَوْفِ الْحَائِطِ : عُمَرُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ، بَخٍ بَخٍ وَاللَّهِ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ لَتَتَّقِيَنَّ اللَّهَ أَوْ لَيُعَذِّبَنَّكَ " معرفة الصحابة لأبي نعيم)
هكذا كان سلفنا الصالح يتوقفون مع أنفسهم وقفات حاسمة ، فمن حاسب نفسه في دنياه خف حسابه في أخراه، قال الحسن البصري " المؤمن قوام على نفسه يحاسب نفسه لله وإنما خف الحساب يوم القيامة على قوم حاسبوا أنفسهم في الدنيا وإنما شق الحساب يوم القيامة على قوم أخذوا هذا الأمر من غير محاسبة "
كانوا يدققون النظر والفكر في أعمالهم إلى ماذا تؤهلهم؟ إذ يقول إبراهيم التيمي:"مثلت نفسي في الجنة آكل من ثمارها، وأشرب من أنهارها، وأعانق أبكارها، ثم مثلت نفسي في النار آكل من زقومها، وأشرب من صديدها، وأعالج سلاسلها وأغلالها، قلت لنفسي : يا نفس، أي شيء تريدين ؟ فقالت : أريد أن أرد إلى الدنيا فأعمل صالحاً ! قلت : فأنت في الأمنية فاعملي" (الزهد للإمام أحمد) .
وكان الربيع بن خيثم قد حَفر في داره فبرا فكان إذا وجد في قلبه قساوة دَخل فيه فاضطجع فيه ومكث ساعة ، ثم قال : " رب ارجعون لعلي أعمل صالحاً فيما تركت " ثم يقول : يا ربيع قد أُرْجِعْت فاعمل الآن قبل أن لا تَرْجِع .
وإن من اجل ثمار محاسبة النفس تزكيتها وتطهيرها وإصلاحها وإلزامها أمر الله تعالى قال سبحانه (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا* فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا* قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا* وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا) الشمس 7-10) فالنفوس بطبيعتها البشرية قد تتقلب ، ما بين حق وباطل ،وما بين معصية وطاعة، وما بين كسل وعمل ،قال تعالى (وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ )يوسف53)فالنفس هي الميدان الأول الذي يجب الاهتمام به ، فمنها يفلح الإنسان ، ومنها يخسر لذلك كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم " يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ "
كما أن المحاسبة باب للاستقامة قال تعالى ( وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ )ال عمران 135)
ومن ثمارها أنها توقظ الضمير، وما أزكاها من ثمرة لذلك يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه " حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا ، وَزِنُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُوزَنُوا ، فَإِنَّهُ أَهْوَنُ عَلَيْكُمْ فِي الْحِسَابِ غَدًا ، أَنْ تُحَاسِبُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ ، وَتَزَيَّنُوا لِلْعَرْضِ الأَكْبَرِ ، يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ " .
ومن ثم فالواجب علينا أن ننظر فى أعمالنا وأقوالنا ونحاسب أنفسنا قبل أن نحاسب، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعٍ : عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ ، وَعَنْ جَسَدِهِ فِيمَا أَبْلَاهُ ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ ، وَفِيمَا وَضَعَهُ ، وَعَنْ عِلْمِهِ مَاذَا عَمِلَ " فمن كان محسنا فليحمد الله ويزداد فقد قال الله جل وعلا( و تَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ ) البقرة197)وقال أيضا ( وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ) آل عمران133) وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " افْعَلُوا الْخَيْرَ دَهْرَكُمْ ، وَتَعَرَّضُوا لِنَفَحَاتِ رَحْمَةِ اللَّهِ ، فَإِنَّ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ نَفَحَاتٌ مِنْ رَحْمَتِهِ يُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ، وَسَلُوا اللَّهَ أَنْ يَسْتُرَ عَوْرَاتِكُمْ ، وَأَنْ يُؤَمِّنَ رَوْعَاتِكُمْ " ومن وجدا غير ذلك فليقلع وليرجع إلى الله تعالى فهو سبحانه القائل (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ )الزمر 53-55) قبل أن تمر الأيام وينتهي العمر وينقضي الأجل ولا ينفع يومئذ الندم، قال تعالى( أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَىٰ مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ )الزمر56) وقال سبحانه ( وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ * وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ المنافقون 10/11) واعلموا أن الأعمال هي حصيلة الإنسان التي يخرج بها من هذه الدنيا، ويترتب عليها مصيره في الآخرة، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " يَتْبَعُ الْمَيِّتَ ثَلَاثَةٌ ، فَيَرْجِعُ اثْنَانِ ، وَيَبْقَى مَعَهُ وَاحِدٌ : يَتْبَعُهُ أَهْلُهُ ، وَمَالُهُ ، وَعَمَلُهُ ، فَيَرْجِعُ : أَهْلُهُ وَمَالُهُ ، وَيَبْقَى عَمَلُهُ " .رواه البخاري ) وانه ما من محسن ولا مسيء إلا ندم على ما ترك من عمل صالح في حياته، فعن أبى هريرة أن رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : " مَا مِنْ أَحَدٍ يَمُوتُ إِلَّا نَدِمَ " ، قَالُوا : وَمَا نَدَامَتُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : " إِنْ كَانَ مُحْسِنًا نَدِمَ أَنْ لَا يَكُونَ ازْدَادَ ، وَإِنْ كَانَ مُسِيئًا نَدِمَ أَنْ لَا يَكُونَ نَزَعَ " رواه الترمذي).
وختاما (فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ) الكهف110)
تزود من معاشك للمعــــــاد * * * وقم لله واعمل خيـر زاد
ولا تجمع من الدنيا كثيـــراً * * * فإن المال يجمع للنفــــاد
أترضى أن تكون رفيق قوم * * * لهم زاد وأنت بغير زاد ؟
(فاللهم آت نفوسنا تقواها ، وزكها أنت خير من زكاها)

===== كتبه =====
محمد حســــــن داود
إمام وخطيـــب ومدرس
مديرية أوقاف كفر الشيخ

التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات