حتمية الاصطفاف الوطنــــي والعربــــــي لتحقيق العزة والكرامة وحماية المقدسات للشيخ / محمد حســــــن داود
الموضـــــوع : الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه العزيز( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إخْوَانًا) آل عمران103) وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله،القائل في حديثه الشريف" إِنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثًا، وَيَكْرَهُ لَكُمْ ثَلَاثًا، فَيَرْضَى لَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا ولا تَفَرَّقُوا، وَيَكْرَهُ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ وَإِضَاعَةِ الْمَالِ"رواه مسلم) اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد
إن من أعظم غايات الإسلام اجتماعَ الكلمة، ووحدة الصف، فبالاتحاد: تنال الأمة مجدها، وتصل إلى مبتغاها، وتعيش حياة آمنة مطمئنة، بالاتحاد: تكون الأمة مرهوبة الجانب، مهيبة الحمى، عزيزة السلطان، لذلك ما من نبي إلا وبعث بالألفة ونبذ الفرقة كما قال الإمام البغوي " بعث الله الأنبياء كلهم بإقامة الدين والألفة والجماعة وترك الفرقة والمخالفة" تفسير البغوى)
ولأهمية الاصطفاف والوحدة، تنوعت أساليب الشرع في الدلالة على وجوبه، إذ تجد الأمر صريحاً به كما في قوله تعالى ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إخْوَانًا) آل عمران103)قال القرطبي رحمه الله: "فإن الله تعالى يأمر بالألفة وينهى عن الفرقة، فإن الفرقة هلكة، والجماعة نجاة"، ورحم الله ابن المبارك حيث قال:
إن الجماعة حبـل الله فاعتصموا** منه بعروته الوثقى لمن دانا
ولقد ضرب لنا القران مثلاً فيه العبرة والعظة بمكانة الاصطفاف والاتحاد، فها هو ذا القرنين مع ما أوتي من قوة وشدة -إذ مكن الله له في الأرض وأتاه من كل شيء سببا- نراه مع قوته وشدته، لم يستغن عن التعاون والاشتراك، قال تعالى ( حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْمًا لَّا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا * قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَىٰ أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا * قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا * آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّىٰ إِذَا سَاوَىٰ بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا حَتَّىٰ إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا) الكهف93-96)
كما أن الناظر في جميع العبادات يجدها تنادى بالوحدة، والاصطفاف، فالصلاة من شأنها اجتماع المسلمين في مكان واحد، وفى وقت واحد، خلف إمام واحد، قبلتهم واحدة، ابتغاء وجه الله الواحد، يناجونه جميعا بقولهم ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾ ولما فيها من اجتماع القلوب عظم الشرع أجرها ورفع درجتها،وحذر من التهاون بها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " صلاةُ الجَمَاعَةِ أَفْضَلُ من صَلاَةِ الفَذِّ بِسَبْعٍ وعِشرين دَرَجَة ".(متفق عليه)
والصدقة من شأنها أنها تبعث روح التعاون والألفة والمحبة بين إفراد المجتمع الواحد، وإذا عم الود والألفة والمحبة فكان الاتحاد و نبذ الفرقة .
كما أن الصيام من شانه تهذيب النفس عن كل قول أو فعل يدعو إلى الفرقة،ن فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ ".البخاري) وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَيْسَ الصِّيَامُ مِنَ الأَكْلِ وَالشُّرْبِ ، إِنَّمَا الصِّيَامُ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ ، فَإِنْ سَابَّكَ أَحَدٌ أَوْ جَهِلَ عَلَيْكَ ، فَلْتَقُلْ : إِنِّي صَائِمٌ ، إِنِّي صَائِمٌ " .
وفى الحج ترى المسلمون يجتمعون من جميع أقطار الأرض على اختلاف ألوانهم وألسنتهم في مكان واحد بلباس واحد ابتغاء وجه الله الواحد، قال تعالى (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ)الحج 27) .
و من يتأمل التنزيل، ويراجع التفسير والتأويل، يجد أن الله تعالى خاطب عباده بصيغ تحثهم على الوحدة والاصطفاف، فيقول تعالى: (يا بني آدم) و ( يا أيها الناس) و (يا أيها الذين امنوا) في دلالة قرآنية، وإشارة إلهية، إلى أهمية الوحدة والإصطفاف.
فبالإصطفاف تزدهر المجتمعات، وتقوم الحضارات، لذا كان أول أساس وضعه النبي في المدينة أن دعا الجميع إلى الاتحاد فصاروا بالاتحاد أعوانا وأنصارا، وأصبحوا بالوحدة قوة ومنعة، وتحولت حياتهم من تنازع وفرقة إلى اجتماع وألفة، وتبدلت اهتماماتهم من صراع على الماء والكلأ والعصبية البغيضة، إلى بناء حضارة إنسانية، أساسها الوحدة ، فنزع الله تعالى من نفوسهم الغل والبغضاء، وألف بينهم بالمحبة والصفاء، قال الله سبحانه:( ُهوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ). الأنفال 62/63) فاتحدت قلوبهم، وتآلفت نفوسهم، وتجانست أرواحهم، فكانوا كما قال صلى الله عليه وسلم :"المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا" وعلى مثل هذا المنهج صار الصحابة الأخيار الأطهار يدعون إلى الإصطفاف وينهون عن الفرقة والاختلاف فعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: خَطَبَنَا عُمَرُ بِالْجَابِيَةِ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ: إِنِّي قُمْتُ فِيكُمْ كَمَقَامِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِينَا، ثم ذكر خطبة جاء فيها: "عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ، وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ، وَهُوَ مِنْ الاثْنَيْنِ أَبْعَدُ، مَنْ أَرَادَ بُحْبُوحَةَ الْجَنَّةِ فَلْيَلْزَمْ الْجَمَاعَةَ، مَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ، فَذَلِكُمْ الْمُؤْمِنُ" رواه الترمذي) ويقول ابن مسعود رضى الله عنه " عليكم بالجماعة فإنها حبل الله الذي أمر به، وإن ما تكرهون في الجماعة والطاعة خير مما تحبون في الفرقة ".
ومما لاشك فيه أن امتنا العربية والإسلامية تواجه هذه الأيام تحديات خطيرة تحاول النيل من عزتها وكرامتها ومقدساتها مما يحتم علينا اصطفافا وطنيا وعربيا لتحقيق العزة والكرامة وحماية المقدسات؛ فالاعتداء على المقدسات اعتداء على كل القيم الإنسانية والحضارية، ولا يولد إلا العنف والكراهية البغيضة
فإن وحدة الصف الوطني والعربي وتوحيد الجهود ونبذ الخلافات واجب على الأمة في كل زمان ومكان وهو في هذه المرحلة اوجب فلا سبيل أمامنا إلا أن نكون كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ ، مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى " رواه مسلم ) وقوله " الْمُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا ، وَشَبَّكَ أَصَابِعَهُ "رواه البخاري ) فأمة ربها واحد، ودينها واحد ، ونبيها واحد ، وقبلتها واحدة ، ولغتها واحدة ، حرى بها أن تكون قلبا واحدا، ويدا واحدة، فقد قال الله تعالى (وَإِنَّ هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وٰحِدَةً وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَٱتَّقُونِ ) المؤمنون51) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يد الله مع الجماعة" . فالمسلمون في نظر الإسلام بنيان واحد، لبناته أبناء هذه الأمة، وكل لبنة في هذا البنيان تكون دعما لغيرها تشد البناء وتقيمه، بمقدار ما تكون قوية متماسكة، مترابطة.
وكما دعانا الإسلام إلى الاصطفاف، نهانا عن الفرقة والاختلاف، فقال تعالى (وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ) الأنفال 46 ) فلما كان التعاضد والاتحاد وإصلاح ذات البين يصنع النجاح وينهض بالأمم والحضارات، كان التنازع والاختلاف وفساد ذات البين يضعف الأقوياء ويهلك الضعفاء، فليست ثمة قضية أجمع عليها المسلمون قديما وحديثا مثلما أجمعوا على خطورة التفرق والتنازع ، وأن الاجتماع قوة تتضاءل إلى جانبها كل القوى المتفرقة، وان التفرق ضعف لا يضاهيه ضعف، لذلك نبذ الإسلام الفرقة وكرهها لأبنائه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إِنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثًا، وَيَكْرَهُ لَكُمْ ثَلَاثًا، فَيَرْضَى لَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا ولا تَفَرَّقُوا، وَيَكْرَهُ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ وَإِضَاعَةِ الْمَالِ"رواه مسلم) فالفرقة ضعف وهلاك وشتات، والاتحاد قوة وثبات .
فإذا كانت الفرقة تذهب بركة الطعام كما جاء عن وَحْشِيٍّ بْنِ حَرْبٍ،رضى الله عنه : أَنَّ أَصْحَابَ النَّبِيِّ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نَأْكُلُ وَلَا نَشْبَعُ ، قَالَ :" فَلَعَلَّكُمْ تَفْتَرِقُونَ ؟ " قَالُوا : نَعَمْ ، قَالَ : "فَاجْتَمِعُوا عَلَى طَعَامِكُمْ ، وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ يُبَارَكْ لَكُمْ فِيهِ "رواه أبو داود ) فكيف بما هو اكبر من ذلك ؟.
فبالاصطفاف تتقدم الأمم والفرقة تؤخرها ، بالاصطفاف تقوى الأمم و الفرقة تضعفها وتذهب مهابتها فعَنْ ثَوْبَانَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يُوشِكُ الْأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا"، فَقَالَ قَائِلٌ: وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: "بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ، وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ، وَلَيَنْزَعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمُ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ، وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهْنَ"، فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الْوَهْنُ؟ قَالَ: "حُبُّ الدُّنْيَا، وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ" رواه أبو داود ) ولا أدل على ضرر الفرقة من واقع رآه ملك الروم في اشتغال "معاوية "- رضي الله عنه - "بحرب " علي "- رضي الله عنه - ؛ مما جعله يتدانى إلى بعض البلاد في جنود عظيمة وطمع فيه، فكتب معاوية إليه: "والله لئن لم تنته وترجع إلى بلادك يا لعين لأصطلحن أنا وابن عمي عليك، ولأخرجنك من جميع بلادك، ولأضيقن عليك الأرض بما رحبت". فعند ذلك خاف ملك الروم وانكف وبعث يطلب الهدنة. وفى ذلك أراد حكيم أن يعطى أولاده درساً في ليلة من ليالي الشتاء الباردة حين أحس بقرب أجله , فاجتمع أولاده حول سريره , وأراد أن يوصيهم بوصية تنفعهم قبل وفاته ، فطلب منهم أن يحضروا حزمة من الحطب , وطلب من كل واحد منهم أن يكسر الحزمة , فلم يستطع أي واحد منهم أن يكسرها , أخذ الحكيم الحزمة , وفرقها أعواداً , وأعطى كل واحد من أبنائه عوداً , وطلب منهم كسر الأعواد وهي متفرقة , فكسر كل واحد منهم عوده بسهولة . فقال الأب الذي هو الحكيم : يا أبنائي إياكم والتفرقة , كونوا كهذه الحزمة متحدين , حتى لا يقدر عدو على هزيمتكم .
كونوا جميعاً يا بني إذا اعترى *** خطب ولا تتفرقوا آحـــــادا
تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسراً *** وإذا افترقن تكسرت أفرادا
ومن ثم فان وحدة الأمة واصطفافها ونبذها للتفرق واجب لا مفر منه ؛ حماية للمقدسات والحرمات من أن تنتهك أو تغتصب، وعلى رأسها المسجد الأقصى المبارك فهو منتهى إسراء سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم، و بداية المعراج إلى الملأ الأعلى، قال تعالى ( سُبْحٰنَ الَّذِيْ أَسْرٰى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْـمَسْجِدِ الحَرَامِ إِلى الْـمَسْجِدِ الأقصى الذي بَارَكْنَا حَوْلَهُ)الاسراء1) وهو قبلة المسلمين الأولى، عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، " أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَوَّلَ مَا قَدِمَ الْمَدِينَةَ نَزَلَ عَلَى أَجْدَادِهِ ، أَوْ قَالَ : أَخْوَالِهِ مِنْ الْأَنْصَارِ ، وَأَنَّهُ صَلَّى قِبَلَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا ، وَكَانَ يُعْجِبُهُ أَنْ تَكُونَ قِبْلَتُهُ قِبَلَ الْبَيْتِ ، وَأَنَّهُ صَلَّى أَوَّلَ صَلَاةٍ صَلَّاهَا صَلَاةَ الْعَصْرِ وَصَلَّى مَعَهُ قَوْمٌ ، فَخَرَجَ رَجُلٌ مِمَّنْ صَلَّى مَعَهُ فَمَرَّ عَلَى أَهْلِ مَسْجِدٍ وَهُمْ رَاكِعُونَ ، فَقَالَ : أَشْهَدُ بِاللَّهِ لَقَدْ صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِبَلَ مَكَّةَ فَدَارُوا كَمَا هُمْ قِبَلَ الْبَيْتِ " (رواه البخاري) كما عظم ربنا جل وعلا اجر الصلاة فيه ،فعن أبي الدّرداء رضي الله عنه قال: قال رسول اللهِ صلّى الله عليه وسلّم:"فَضْلُ الصًّلاَةِ فِي المَسْجِدِ الحَرَامِ عَلَى غَيْرِهِ مِائَةُ أَلْفِ صَلاَةٍ، وَفِي مَسْجِدِي أَلْفُ صَلاَةٍ، وَفِي مَسْجِدِ بَيْتِ المَقْدِسِ خَمْسُمِائَةِ صَلاَةِ "، ولعل فى دعوة سيدنا سليمان الخير العظيم والأجر الوفير لمن دخله لا يريد إلا الصلاة فيه، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " لَمَّا فَرَغَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ مِنْ بِنَاءِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ ، سَأَلَ اللَّهَ ثَلَاثًا : حُكْمًا يُصَادِفُ حُكْمَهُ ، وَمُلْكًا لَا يَنْبَغِي لَأَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ ، وَأَلَّا يَأْتِيَ هَذَا الْمَسْجِدَ أَحَدٌ لَا يُرِيدُ إِلَّا الصَّلَاةَ فِيهِ إِلَّا خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ " ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَمَّا اثْنَتَانِ فَقَدْ أُعْطِيَهُمَا ، وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ قَدْ أُعْطِيَ الثَّالِثَةَ " .(رواه بن ماجه ) قيل: لأجل هذا الحديث كان ابن عمر رضي الله عنهما يأتي من الحجاز، فيدخل المسجد الأقصى فيصلي فيه، ثم يخرج ولا يشرب فيه ماءً مبالغةً منه لتمحيص نية الصلاة دون غيرها، لتصيبه دعوةُ سليمان عليه السلام.
وهو ثاني مسجد وضع في الأرض، كما ورد في الحديث الشريف عن الصحابي الجليل أَبِى ذَرٍّ- رضي الله عنه- قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ : أَىُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِى الأَرْضِ أَوَّلُ ؟ قَالَ : "الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ"، قُلْتُ : ثُمَّ أَىٌّ ؟ قَالَ : "الْمَسْجِدُ الأَقْصَى"، قُلْتُ : كَمْ بَيْنَهُمَا ؟ قَالَ: "أَرْبَعُونَ سَنَةً ، وَأَيْنَمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلاَةُ فَصَلِّ فَهُوَ مَسْجِدٌ" "صحيح مسلم)، وهو أرض المحشر والمنشر ، فعَنْ مَيْمُونَةَ مَوْلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفْتِنَا فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ! قَالَ: "أَرْضُ الْمَحْشَرِ وَالْمَنْشَرِ ، ائْتُوهُ فَصَلُّوا فِيهِ، فَإِنَّ صَلَاةً فِيهِ كَأَلْفِ صَلَاةٍ فِي غَيْرِهِ" قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ أَتَحَمَّلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: "فَتُهْدِي لَهُ زَيْتًا يُسْرَجُ فِيهِ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَهُوَ كَمَنْ أَتَاهُ"، كما أن له ارتباط وثيق وعلاقة قوية بالمسجد الحرام، فالأقصى هو ثالث الحرمين الشريفين، يقول (صلى الله عليه وسلم) "لاَ تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلاَّ إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ، وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ - صلى الله عليه وسلم - ، وَمَسْجِدِ الأَقْصَى" .
كما انه يحتل مكانة عند أتباع نبي الله عيسى عليه السلام فقد ولد عيسى عليه السلام في بيت لحم في فلسطين، فالمساس بالقدس هو مساس بجميع المسلمين والمسيحيين.
إن مما يجب أن تتعلمه الأجيال أن للاصطفاف معان سامية، من أهمها حب الوطن، والانتماء إليه، والحفاظ عليه والدفاع عنه والتضحية من اجله بكل غال ونفيس، وقد قال الله تعالى( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾المائدة2) وكذلك يتحتم علينا الحفاظ على المقدسات، حتى تمضي مسيرة التقدم والرقى، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " مَنْ فَارَقَ الجَمَاعَة، وَخَرَجَ مِنَ الطَّاعَةِ، فَمَاتَ فَمِيتَتَهُ جَاهِلِية، "
ومن هنا فإننا جميعا أبناء الوطن الواحد في حاجة إلى الدرجات القصوى من التماسك والاصطفاف سندا لوطننا وعونا، ومعاول بناء لرقيه وتقدمه وازدهاره ، وسيفا على أعداءه، حفاظا عليه ودفاعا عنه، وتضحية من اجله.
كما أنه يتحتم على جميع أبناء الأمة العربية والإسلامية أن يكونوا يدا واحدة وقلبا واحدا في مواجهة التحديات،
بل ومن المشترك الإنساني ،اصطفافا إنسانيا من كل محبي السلام ورافضي العنف والإرهاب لدحر قوى الشر والإرهاب وتحقيق السلام العالمي لصالح الإنسانية جمعاء .
فاللهم وحد صفوفنا، وألف بين قلوبنا، وأصلح ذات بيننا،
ولا تجعل لأعدائنا علينا سبيلا )
===== كتبه =====
محمد حســــــــن داود
إمام وخطيـــب ومدرس
مديرية أوقاف كفر الشيخ