الاصطفاف والاجتماع لحماية أرضنا ومقدساتنا د/ خالد بدير





  
عناصر الخطبة:
العنصر الأول: دعوة الإسلام إلى الوحدة والاجتماع
العنصر الثاني: الغرب وتمزيق وحدة المسلمين
العنصر الثالث: وسائل حماية أرضنا ومقدساتنا
     المقدمة:                                                            أما بعد:
العنصر الأول: دعوة الإسلام إلى الوحدة والاجتماع
عباد الله: لقد حثنا الدين الإسلامي الحنيف على الوحدة والاعتصام والاجتماع والاصطفاف؛ والناظر إلى جميع العبادات يرى فيها معاني الاجتماع والوحدة ؛ فالصلاة التي نجتمع لها كل يوم خمس مرات، من أهم أهدافها اجتماع المسلمين في اليوم خمس مرات وتثبيت الألفة بين المصلين؛ لذلك حث الإسلام على صلاة الجماعة؛ فعن أبى الدرداء رضى الله عنه قال : سَمعتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " مَا مِنْ ثَلاثَةٍ فِي قَرْيَةٍ ، وَلا بَدْوٍ ، لا تُقَامُ فِيهِمُ الصَّلاةُ ، إِلا قَدِ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ ، فَعَلَيْـكُمْ بِالْجَمَاعَةِ ، فَإِنَّمَا يَأْكُلُ الذِّئْبُ مِنْ الغَنـَمِ الْقَاصِيَةَ ".  ( النسائي وأبو داوود والحاكم وصححه).  وترسيخا لمبدأ الوحدة، كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يقيم الصلاة حتى تتراص الصفوف ويقول: " لَتُسَوُّنَّ صُفُوْفَكُمْ، أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللهُ بَيْنَ وُجُوْهِكُمْ " . (متفق عليه) .
والصيام يذكر الغني بجوع الفقير، فيعتني به، ويحسن إليه، فتذوب الفوارق، وتتطهر القلوب ؛ كما إن اجتماع الناس في تراويح رمضان والعيد بعده فيه اجتماع وفرحة وبهجة وسرور.
وفي الزكاة حينما نعطي الفقير زكاته، نملأ صدره بالرضى، ونزيل من قلبه الانكسار، ونمنعه من الحقد والضغينة، ونحفظ بذلك وحدة الكلمة، وجمع الشمل.
وما اجتمع الناس في الحج والعمرة بالملايين إلا بسبب هذه الألفة التي يزرعها الإسلام في النفوس، حتى يجتمع في السكن الواحد عشرات من الناس، اختلفت جنسياتهم، وتوحدت معتقداتهم.
حتى في باب الأكل، أمرنا بالاجتماع تبركاً بدل التفرق. فعن وَحْشِيِّ بْنِ حَرْبٍ :" أَنَّهُمْ قَالُوا يَا رَسُولَ اللهِ ، إِنَّا نَأْكُلُ، وَلاَ نَشْبَعُ، قَالَ: فَلَعَلَّكُمْ تَأْكُلُونَ مُتَفَرِّقِينَ؟ قَالُوا: نَعَمْ ، قَالَ: فَاجْتَمِعُوا عَلَى طَعَامِكُمْ، وَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ، يُبَارَكْ لَكُمْ فِيهِ". ( ابن ماجة بسند حسن).
أيها المسلمون: إن المسلمين في الشرق والغرب يتجهون في الصلوات الخمس اليومية، وفي فريضة الحج إلى بيت الله الحرام، رغم اختلاف الألسنة والجنسيات والألوان، يجمعهم الدين الإسلامي الحنيف، وهذا ليعلم المسلم أنه لبنة في بناء كبير واحد مرصوص، فعَنْ أَبِي مُوسَى؛ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ الْمُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا وَشَبَّكَ أَصَابِعَهُ ". (متفق عليه) ، فالمسلمون يتعلمون وحدة القبلة، ووحدة الأمة في الهدف والغاية، وأن الوحدة والاتحاد ضرورة في كل شئون حياتهم الدينية والدنيوية؛ وهذا الذي حمل اليهود على حقدهم وحسدهم للوحدة الإسلامية في شعائرنا وفرائضنا الإسلامية، وقد أخبرنا صلى الله عليه وسلم بذلك حيث قال: " إِنَّهُمْ لَا يَحْسُدُونَا عَلَى شَيْءٍ كَمَا يَحْسُدُونَا عَلَى يَوْمِ الْجُمُعَةِ الَّتِي هَدَانَا اللَّهُ لَهَا وَضَلُّوا عَنْهَا ، وَعَلَى الْقِبْلَةِ الَّتِي هَدَانَا اللَّهُ لَهَا وَضَلُّوا عَنْهَا ، وَعَلَى قَوْلِنَا خَلْفَ الْإِمَامِ آمِينَ " ( أحمد وابن خزيمة بسند صحيح)، وتدبرت في هذه الثلاث فوجدت العلة واحدة وهي ( الوحدة والاجتماع في كل ) وهذا بلا شك يغضبهم ويحزنهم ويسوءهم.
ونحن نعلم ما سلكه اليهود مع الرسول في المدينة، وسعيهم إلى تمزيق وحدة المسلمين؛ ونزل بسبب ذلك قوله تعالى:{ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} ( آل عمران : 103) .
قال الطبري في قوله تعالى: { وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً }: يقتل بعضكم بعضا، ويأكل شديدكم ضعيفكم، حتى جاء الله بالإسلام، فألف به بينكم، وجمع جمعكم عليه، وجعلكم عليه إخوانا". وقوله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا }. قال عبد الله بن مسعود: "الجماعة". وقال القرطبي في التفسير: "فإن الله تعالى يأمر بالألفة، وينهى عن الفرقة، فإن الفرقة هَلَكَة، والجماعة نجاة ".
وقال الحافظ  ابن كثير في تفسيره : "أن هذه الآية نزلت في شأن الأوس والخزرج، وذلك أن رجلا من اليهود مَرَّ بملأ من الأوس والخزرج، فساءه ما هُمْ عليه من الاتفاق والألْفَة، فبعث رجلا معه وأمره أن يجلس بينهم ويذكرهم ما كان من حروبهم يوم بُعَاث وتلك الحروب، ففعل، فلم يزل ذلك دأبُه حتى حميت نفوس القوم وغضب بعضهم على بعض، وتثاوروا، ونادوا بشعارهم وطلبوا أسلحتهم، وتواعدوا إلى الحرة، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأتاهم فجعل يُسكِّنهم ويقول: "أبِدَعْوَى الجَاهِلِيَّةِ وأَنَا بَيْنَ أظْهُرِكُمْ؟" وتلا عليهم هذه الآية، فندموا على ما كان منهم، واصطلحوا وتعانقوا، وألقوا السلاح، رضي الله عنهم."أ.ه
وكما تضافرت آيات الذكر الحكيم التي تدل على الوحدة والاجتماع وعدم الفرقة؛ فكذلك تواترت السنة النبوية بذكر الأحاديث التي تدعو إلى الاصطفاف والاجتماع؛ فعَن ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: خَطَبنَا عُمَرُ بالْجَابِيَةِ فقالَ: يَا أَيَّهَا النَّاسُ! إِنِّي قُمْتُ فِيكُمْ كَمقَامِ رسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِينَا؛ فَقَالَ: " أُوصِيكُمْ بِأَصْحَابِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمُ، ثُمَّ يَفْشُو الْكَذِبُ حَتَّى يَحْلِفَ الرَّجُلُ وَلاَ يُسْتَحْلَفُ، وَيَشْهَدُ الشَّاهِدُ وَلاَ يُسْتَشْهَدُ، أَلاَ لاَ يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلاَّ كَانَ ثَالِثَهُمَا الشّيْطَانُ، عَلَيْكُمْ بِالْجَماعَةِ، وَإِيّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ، فَإِنَّ الشّيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ وَهُوَ مِنَ الاثْنَيْنِ أَبْعَدُ، مَنْ أَرَادَ بُحْبُوحَةَ الْجَنّةِ فَلْيَلْزَمِ الْجَماعَةَ، مَنْ سَرّتْهُ حَسَنَتُهُ وَسَاءَتْهُ سَيّئتُهُ فَذَلِكُمْ المُؤْمِنُ ". ( النسائي والترمذي وحسنه ). وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ تعالى يَرْضَى لَكُمْ ثَلاثًا, وَيَكْرَهُ لَكُمْ ثَلاثًا، فَيَرْضَى لَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ, وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا، وَيَكْرَهُ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ, وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ, وَإِضَاعَةِ الْمَالَ". ( مسلم ). يقول النووي:" قوله: ( ولا تفرقوا ) أمر بلزوم جماعة المسلمين وتألف بعضهم ببعض ، وهذه إحدى قواعد الإسلام ."
وهكذا يدعونا الإسلام إلى الوحدة والاجتماع والاصطفاف والاعتصام؛ وينهانا عن التفرق والتشرذم والاختلاف .
العنصر الثاني: الغرب وتمزيق وحدة المسلمين
عباد الله: عرفنا في عنصرنا السابق أن الإسلام يدعونا إلى الوحدة والاصطفاف والاجتماع؛ ولا شك أن الغرب وأعداء الإسلام – وعلى رأسهم اليهود – يتألمون حقداً وحسداً حينما يرون وحدة العرب والمسلمين، لذلك يسعون بكل جهودهم وطاقاتهم إلى تمزيق وحدتهم وجعلهم متفرقين دولاً وأحزاباً وجماعاتٍ متشاحنةً متحاربةً يقتل بعضهم بعضاً ؛  وقد صرحوا بهذا الحقد والحسد على وحدة المسلمين واجتماعهم في كتبهم واجتماعاتهم ومؤتمراتهم، ففي بروتوكولات (حكماء صهيون) قالوا: " إننا لن نستطيع التغلب على المسلمين ما داموا متحدين دولاً وشعوباً تحت حكم خليفة واحد ، فلا بد من إسقاط الخلافة و تقسيم الدولة الإسلامية إلى دويلات ضعيفة لا تستطيع الوقوف في وجهنا فيسهل علينا استعمارها " . 
وحتى تتضح الصورة جليةً أذكر لكم بعض أقوالهم ومؤامراتهم على تمزيق وحدة المسلمين .
يقول دافيد بن غوريون أول رئيس وزراء لإسرائيل في الفترة ( 1948 -  1954): « إن قوتنا ليست في سلاحنا النووي، وإنما في تفتيت ثلاث دول عربية كبيرة من حولنا هي: « العراق وسوريا ومصر » إلى دويلات متناحرة على أسس دينية وطائفية، ونجاحنا في هذا الأمر لا يعتمد على ذكائنا بقدر ما يعتمد على جهل وغباء الطرف الآخر »!
فهم نجحوا - إلى حد ما - في تخطيطهم لسوريا والعراق واليمن وليبيا وغيرها ؛ ويسعون بكل طاقاتهم وجهدهم إلى تفتيت وحدة مصرنا الحبيبة؛ وذلك عن طريق الفتن والإرهاب والتخريب وحرق المقدسات من مساجد وكنائس؛ ولكن هيهات هيهات لهم ذلك؛ بل هذا حافز لنا أن نتوحد جميعاً – مسلمين ونصاري – من أجل حماية أرضنا وبلادنا ومقدساتنا.
ويقول وزير المستعمرات البريطانية في وقته ( أوريسي جو ) : « إن سياستنا تهدف دائمًا وأبدًا إلى منع الوحدة الإسلامية أو التضامن الإسلامي, ويجب أن تبقى هذه السياسة كذلك ».
ويقول المؤرخ أرنولد توينبي: "إن الوحدة الإسلامية نائمة , لكن يجب أن نضع في حسباننا أن النائم قد يستيقظ "..
ويقول المستشرق لورانس براون: إذا اتحد المسلمون في إمبراطورية عربية، أمكن أن يصبحوا لعنةً على العالم وخطراً، أو أمكن أن يصبحوا أيضاً نعمة له، أما إذا بقوا متفرقين فإنهم يظلون حينئذ بلا وزن ولا تأثير؛ يجب أن يبقى العرب والمسلمون متفرقين، ليبقوا بلا قوة ولا تأثير.
ويقول لويس التاسع ملك فرنسا الذي أسر في دار ابن لقمان بالمنصورة في وثيقة محفوظة في دار الوثائق القومية في باريس: " إنه لا يمكن الانتصار على المسلمين من خلال الحرب وإنما باتباع ما يلي: -
-       إشاعة الفرقة بين قادة المسلمين ـ
-       عدم تمكين البلاد العربية والإسلامية أن يقوم فيها حكم صالح ـ
-       إفساد أنظمة الحكم في البلاد الإسلامية بالرشوة والفساد والنساء حتى تنفصل القاعدة عن القمة ـ
-       الحيلولة دون قيام جيش مؤمن بحق وطنه عليه، يضحي في سبيل مبادئه ـ
-       العمل على الحيلولة دون قيام وحدة عربية في المنطقة ـ
-       العمل على قيام دولة غربية في المنطقة العربية تمتد لتصل إلى الغرب .
فانظروا – أيها المسلمون – كيف يخطط لكم الأعداء ؟!! وكيف يمكرون بكم ليلاً ونهاراً ؟!!
عباد الله: إن الاجتماع والاصطفاف والاتحاد قوة ؛ وإن التفرق والتنازع ضعف وشر، والأعداء يعتمدون على قاعدة " فرق تسد " وقد نجحوا إلى حد ما في زرع الشحناء والبغضاء وإثارة الفتن، وربنا عز وجل حذرنا من ذلك فقال سبحانه { وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ } ( الأنفال: 46). وهناك مثل مشهور يقول : " لقد أُكِلتُ يومَ أُكِل الثورُ الأبيض." وله قصة فيها عبر تنزل على واقعنا المعاصر،  هي أنه في أحد الأزمنة عاشَ ثلاثة من الثيران في مرجٍ واسع، يرعون ويأكلون ويرتعون بأمانٍ، كان لأحدها لونٌ أبيض والآخر أحمر والأخير أسود, وكان يجاورهم في المرْعى أسدٌ يَطمع في الاعتداء عليها، ولكنَّه لَم يكنْ قادرًا على ذلك؛ خشية أن تجتمعَ عليه؛ فتَفتِكَ به نَطْحًا. ولأن الأسدَ لا يُمكنه النَّيْل منها إلا مُنفردة، قرَّر أن يُعْمِل الْحِيلةَ؛ ليَنال مُبْتغاه, وفعْلاً هذا ما لَجَأ إليه، ففي أحد الأيام وجَد الثورين الأسود والأبيض مُنفردين في المرْعى، فاقتربَ من الأسوَد، وهَمَس له ناصحًا بأنَّ رفِيقك الأبيض لافتٌ للنظر، وأنَّه متى جاء صيَّاد للمكان فلن يلبثَ أنْ يهتديَ إليكم بسبب لونه الفاضح, كما أنَّ خيرات المرْعى تناقصتْ مؤخَّرًا، فلو تخلَّصْتُم منه لكفتْكم خيراتُه أنت وأخوك الأحمر، كما أنَّ القِسمة على اثنين خيرٌ منها على ثلاثة. وهكذا لَم يزلْ به حتى أثَّرَتْ كلماتُه عليه، وأخذتْ في فِكْره القَبول, ولكنَّه لا يعرف كيف يُبِعد الأبيض عن المكان، فقال له الأسد: لا تحمل هَمًّا، أنا أكفيك أمرَه، وما عليك إلا الابتعادُ من هنا، ودَعْ أمرَه لي. تركَ الأَسْود المكان، فانفردَ الأسد بالثور الأبيض وفتَك به، وعندما عاد الأحمر أوْهَمَه الأَسْوَد بأنَّ الأبيض لَحِق به، وأنَّه للآن لَم يرجِع, وبعد مُرور مدة من الزمن، نُسِي أمرُه ويُئِسَ من عوْدته. ثم أقبلَ الأسد مرة أخرى مُسْدِيًا نُصحَه للأَسْوَد، ومُذكِّرًا له أنَّ المرْعى لواحدٍ خيرٌ منه لاثنين وهكذا، حتى تَمكَّن الأسد من النَّيْل من الثور الأحمر. ثم ما لبثَ الأسد أنْ عاد بعد أيَّام وفي عَينيه نظرة فَهمها الثورُ الأسوَد جيِّدًا، فأدْرَك أنَّه لاحِقٌ بصاحِبَيه، فصاحَ: لقد أُكِلتُ يومَ أُكِل الثورُ الأبيض!!!!
 والمعنى: أنَّه بسماحِهِ للأسَد بأكْلِ صاحبه الأول، فقد وضَع نفسَه في القائمة بعده دون أنْ يدري. ومَغْزى هذا الْمَثَل بيِّنٌ، فمتى ضَحَّينا بأحدٍ؛ لننالَ مكانه أو ما كان يناله، فقد حَكَمْنا على أنفسنا بنفس مصيره، ووضعْنا أنفسنا بعده في القائمة.
والعِبَر في هذه الحكاية مُمتدة، لأن غاية الغرب هي تمزيق وحدة المسلمين وجعلهم دويلات صغيرة حتى يقضوا عليها واحدة تلو الأخرى؛ لأنهم لا يستطيعون القضاء على المسلمين ما داموا مجتمعين، كما فعل الأسد، وهو ما يسعى إليه أعداؤنا في هذه المرحلة؛ فالفُرقة والاختلاف في الرأْي تُضْعِفُ الأفراد وتَكسِرهم، وتُمكِّن الأعداء وتحقِّق لهم مآرِبَهم.
العنصر الثالث: وسائل حماية أرضنا ومقدساتنا
أيها المسلمون: قد يقول قائل: وما الواجب علىَّ أن أفعله ؟! وما هي الوسائل التي من خلالها نحمى أرضنا ومقدساتنا ؟!!
أقول لكم: هناك عدة وسائل هامة إذا حققناها فإننا نستطيع - بحق - حماية أرضنا ومقدساتنا؛ وخاصة القدس الشريف مما يدبر له ويمكر به؛ ونستطيع بكل قوة وحزم الوقوف أمام كل ظلم وعدوان وتعدٍّ على أرضنا ومقدساتنا؛ وهذه الوسائل تتمثل فيما يلي:-
أولاً: ترك الخلاف فيما بيننا : وأن نتناسى أي شقاق أو نزاع أو فرقة ؛ لأن خصومنا يغتنمون فرصة الخلاف والنزاع بيننا ؛ في تنفيذ خطتهم وهدفهم ؛ وهذا ما حدث مع ملك الروم حينما رأي الخلاف محتدماً بين على ومعاوية – رضي الله عنهما – ؛ يقول الإمام ابن كثير – رحمه الله -: " لما رأى ملك الروم اشتغال معاوية بحرب عليّ ؛ تدانى إلى بعض البلاد في جنود عظيمة وطمع فيه، فكتب معاوية إليه: والله لئن لم تنته وترجع إلى بلادك يا لعين؛ لأصطلحنَّ أنا وابن عمي عليك ولأخرجنَّك من جميع بلادك، ولأضيقنَّ عليك الأرض بما رحبت. فعند ذلك خاف ملك الروم وانكف، وبعث يطلب الهدنة " . ( البداية والنهاية ).
ثانياً: التجرد من الوهن والضعف: فالعبرة بالقوة الروحية والمعنوية؛ وليست بالكثرة العددية كالغثاء لا وزن لها ولا مهابة . فَعَنْ ثَوْبَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يُوشِكُ الْأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا». فَقَالَ قَائِلٌ: أَوَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ؟! قَالَ: «بَلْ أَنْتُم يَوْمئِذٍ كثير وَلَكِن غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ؛ وَلَيَنْزِعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمُ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ؛ وَلَيَقْذِفَنَّ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهْنَ». قَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْوَهْنُ؟ قَالَ: «حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ». ( أبو داود والبيهقي بسند صحيح).
ثالثاً: الاصطفاف والاجتماع : فنجتمع جميعاً – شعوباً ودولاً عربيةً وإسلاميةً حكاماً ومحكومين- على قلب رجلٍ واحدٍ لحماية أراضينا ومقدساتنا؛ فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ قَالَ :" الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ , وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ ... ". ( أبو داود والنسائي وابن ماجة والحاكم وصححه). يقول ابن عبد البر: " ومعنى قوله ( وهم يد على من سواهم): أن أهل الحرب إذا نزلوا بمدينة أو قرية من قرى المسلمين فواجب على جماعة المسلمين أن يكونوا يداً واحدةً على الكفار حتى ينصرفوا عنهم ". ( الاستذكار ) .
رابعاً: يقظة الأمة : فنظهر أمام خصومنا أننا في يقظة مستمرة ليلاً ونهاراً ؛ لأن عدونا حينما يعتدي على أرضنا ومقدساتنا ؛ ولا يرى دفاعاً أو حمايةً أو مواجهةً من فعلٍ أو قولٍ أو تصريحٍ أو غضبٍ؛ فإن ذلك يعطيه جرأةً وقوةً وشجاعةً أن يفعل ما هو أكبر طالما هذه الأمة نائمة في سباتٍ عميقٍ ؛ كما قالت «جولدا مائير» يوم ارتكاب الصهاينة جريمة حرق المسجد الأقصى في 21 أغسطس عام 1969: « لم أنم ليلتها وأنا أتخيل كيف أن العرب سيدخلون إسرائيل أفواجًا أفواجًا من كل حدب وصوب.. لكني عندما طلع الصباح ولم يحدث شيء أدركت أن بمقدورنا أن نفعل ما نشاء.. فهذه أمة نائمة »!!
خامساً: الدعاء: فهو سلاح المؤمن؛ وما انتصر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في جميع غزواته إلا بهذا السلاح القوي؛ وليست غزوة بدر عنا ببعيدٍ ؛ فالنبي – صلى الله عليه وسلم – ظل يدعو ربه تعالى رافعاً يديه خاشعاً متذللاً حتى سقط رداؤه عن منكبيه؛ وأمده الله بمدد من الملائكة وكان النصر من عند الله ؛ والقصة كاملة في صحيح مسلم.
سادساً: ملازمة التقوى والعبادة: وتصحيح العقيدة ونبذ الشرك ؛ والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؛ فالله عز وجل ربط السبب بالمسبب؛ فالعبادة سبب النصر والغلبة والتمكين في الأرض للمسلمين؛ قال تعالى: { وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا }. (النور: 55). وقال تعالى: { الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} . (الحج: 41). وربط الله وحدة الأمة بالتقوى والعبادة فقال: { إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ}. ( الأنبياء: 92). وقال: {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ}. ( المؤمنون: 52).
ولقد أخبرنا النبي – صلى الله عليه وسلم – أن كل شيء يقاتل معنا حتى الحجر والشجر؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:” لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ الْيَهُودَ فَيَقْتُلُهُمْ الْمُسْلِمُونَ حَتَّى يَخْتَبِئَ الْيَهُودِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ فَيَقُولُ الْحَجَرُ أَوْ الشَّجَرُ: يَا مُسْلِمُ يَا عَبْدَ اللَّهِ هَذَا يَهُودِيٌّ خَلْفِي فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ؛ إِلَّا الْغَرْقَدَ فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرِ الْيَهُودِ . ” (البخاري ومسلم واللفظ له ).
وقد افتخر أحد المسلمين الفلسطينيين بهذا الحديث على يهودي؛ فرد عليه اليهودي قائلاً: لن يتحقق لكم ذلك حتى يكون عدد المسلمين في صلاة الفجر هو عدد المسلمين في صلاة الجمعة !!!  فالعبادة والتمسك بكتاب الله وسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم – والإيمان العميق أهم أسس ووسائل النصر والأمن والاستقرار والتمكين في الأرض.
أيها المسلمون: إنني أدعو جميع أطياف المجتمع إلى الاجتماع والاعتصام والوحدة، فالاجتماع والاتفاق سبيل إلى القوة والنصر، والتفرق والاختلاف طريق إلى الضعف والهزيمة ، وما ارتفعت أمة من الأمم وعلت رايتها إلا بالوحدة والتلاحم بين أفرادها، وتوحيد جهودها، والتاريخ أعظم شاهد على ذلك .
إنه يؤسفني ويحزنني أن يتحد الغرب ويسمون أنفسهم الولايات المتحدة ، ونحن لا أقول دولاً بل جماعات وأحزاب وفرق شتى، ولقد زار أحد المسلمين معظم دول العالم فتعجب من وحدة الغرب واجتماعه وتفرق المسلمين واختلافهم فأنشد قائلاً :
تجولت في طول البلاد وعرضها ....... وطفت بلاد الله غربا ومشرقا
فلم أر كالإسلام أدعى لوحدة.........ولا مثل أهليه أشد تفرقا
أحبتي في الله: إنَّ الأمة الإسلاميَّة متى اجْتمعتْ واتَّحدتْ، لَم تستطعْ أُمَّة مَهْمَا كانتْ قوَّتها النَّيْل منها؛ لأن يدَ الله مع الجماعة، ولأنها مع اتِّحادها مَحمية بربِّها، وهذا ما عُرِف على مَرِّ السنين، فما قَوِيَتْ أُمَّة مُتفرقة مُشَتَّتة، وما ضَعُفَتْ أُمَّة اجْتمعتْ وتكاتَفَتْ وارتبطتْ بربِّها.
لذلك أراد حكيم أن يعطى أولاده درساً في ليلة من ليالي الشتاء الباردة حين أحس بقرب أجله , فاجتمع أولاده حول سريره , وأراد أن يوصيهم بوصية تنفعهم قبل وفاته ، فطلب منهم أن يحضروا حزمة من الحطب , وطلب من كل واحد منهم أن يكسر الحزمة , فلم يستطع أي واحد منهم أن يكسرها , أخذ الحكيم الحزمة , وفرقها أعواداً , وأعطى كل واحد من أبنائه عوداً , وطلب منهم كسر الأعواد وهي متفرقة , فكسر كل واحد منهم عوده بسهولة . فقال الأب الذي هو الحكيم : يا أبنائي إياكم والتفرقة , كونوا كهذه الحزمة متحدين , حتى لا يقدر عدو على هزيمتكم .        كونوا جميعاً يا بني إذا اعترى.............. خطب ولا تتفرقوا آحـــادا
                      تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسراً ...........وإذا افترقن تكسرت أفرادا
ألا فلنحتد جميعاً من أجل حماية مجتمعنا ووطننا، من أجل حماية مصرنا، من أجل حماية مقدساتنا؛ من أجل حماية أقصانا ؛ من أجل بناء حضارتنا، بعيدين عن التفرقة، عن التشرذم ، عن التحزب، عن التشتت، حتى نحقق آمالنا، ويعلو بنياننا ، ونبلغ منانا ؛؛؛؛؛؛
الدعاء،،،،،،،                   وأقم الصلاة،،،،،                                                                       كتبه : خادم الدعوة الإسلامية

د / خالد بدير بدوي
منقول من موقع صوت الدعاة
التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات