تربية النشء في الإسلام للشيخ عبدالناصر بليح
الحمد لله رب العالمين
الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى وهو الخلاق العليم القادر العظيم واشهد أن لا إله إلا
الله وحده لا شريك له المدبر الحكيم امتدح أولئك الفتية الذين آمنوا بربهم فقال تعالى
:" نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا
بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى وَرَبَطْنَا
عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ
لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهاً لَقَدْ قُلْنَا إِذاً شَطَطاً "(الكهف
13-14).
وأشهد أن سيدنا
ونبينا وحبيبنا وعظيمنا ومعلمنا محمد عبده ورسوله القائل : " رحم الله والداً
أعان ولده على بره "(ابن حبان) ويقول : " الزموا أولادكم وأحسنوا أدبهم
"(أبو داود). اللهم صلاة عليك يا رسول
الله وعلى آلك وصحبك وسلم. أما بعد فيا جماعة الإسلام :
يقول الله تعالي:"يَا
أَيُّهَاالَّذِينَ آمَنُواقُواأَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراًوَقُودُهَا النَّاسُ
وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَامَلائِكَةٌغِلاظٌ شِدَادٌلايَعْصُونَ اللَّهَ مَاأَمَرَهُمْ
وَيَفْعَلُونَ مَايُؤْمَرُونَ" (التحريم /6).
أخوة الإيمان والإسلام
:
في هذه الآية حثنا
الله سبحانه وتعالى على العمل بطاعته واتقاء معصيته وأن نأمر أولادنا بامتثال الأوامر
واجتناب النواهي فذلك وقاية للآباء والأبناء من نار وقودها الناس والحجارة ..
أيها الناس :
من شب على شيء شاب
عليه ومن أدب ولده صغيراً سر به وفرح به كبيراً ومن لا يتدبرالعواقب كان ولا شك من
النادمين الخاسرين،ينشأالإنسان في أول أمره وأيام طفولته وبدايةعمره على فطرة سليمة
ونفس صافية تتأثر بالخير كما تتأثر بالشروتنطبع فيها الأخلاق الحسنةكماتنطبع فيها الأخلاق
السيئة وفي ذلك يقول:" كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو
يمجسانه "(مسلم).
إخوة الإيمان والإسلام
:
لقد جعل الله عز
وجل الأولاد أمانة في أيدي الوالدين يُسألان عما صنعاه في تربيتهم ومختلف شئونهم بين
يدي الله رب العالمين عن الحسن رضي الله عنه عن نبي الله قال "إن الله سائل كل راع عما استرعاه حفظ أم ضيع حتى يسأل الرجل عن
أهل بيته"(ابن حبان). فإن ربي الأب الولد
وعوده الخير وعلمه نشأ عليه وسعد به في الدنيا والآخرة وإلا فقد هلك وشقي وكان الوزر
في رقبة ولي الأمر والذي ينظر إلى تعاليم الإسلام يجد أن الإسلام نظر إلى الولد وهو
لا يزال نطفة في علم الغيب إلى أن يصير شاباً ورجلاً يافعاً يقدر على الجهاد في معترك
الحياة.
1- اختيار أمه
:
إخوة الإسلام
:" وقد أمر الإسلام إلى أن نعتني بأمر الطفل وأول ما يجب العناية به أن يختار
له أماً صالحة كما أوصانا الإسلام في ذلك يقول صلي الله عليه وسلم:" الدنيا متاع
وخير متاعها الزوجة الصالحة "(مسلم). وفي ذلك يقول الحسن البصري لأولاده وهو يحتضر
على فراش الموت " يا أولادي لقد أحسنت إليكم صغاراً وكباراً وأحسنت إليكم قبل
أن تولدوا قالوا:" يا أبانا لقد أحسنت إلينا صغاراً وأحسنت إلينا كباراً وعرفنا
ذلك فكيف أحسنت إلينا قبل أن نولد قال لقد اخترت لكم أماً صالحة ".
وفي حقيقة الأمر
أن الإسلام ينظر إلى الزوجة نظرة ذات مقياس دقيق خلاف ما يعلق في تفكير الشباب فمنهم
من يريد صاحبة المال وآخر يريدها جميلة وآخر يريدها ذات حسب ونسب ولكن الرسول صلي الله
عليه وسلم يوصي بهذه المواصفات إن وجدت ولكن بشرط أساسي وهو الدين ؛ يقول صلي الله
عليه وسلم :" تنكح المرأة لأربع لجمالها ومالها وحسبها ودينها فاظفر بذات الدين
تربت يداك"(البخاري ومسلم). أي إن لم تظفر بذات الدين المحجبة والمحتشمةالتصقت
يداك بالتراب ويقول صلي الله عليه وسلم:" تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس"(
ابن ماجة وابن حبان). ويقول صلي الله عليه وسلم:" إياكم وخضراء الدمن : قالوا
: وما خضراء الدمن يا رسول الله ؟ قال المرأة الحسناء في المنبت السوء "(الدارقطني).وقال
صلي الله عليه وسلم:"خيرالنساء من إذانظرت إليهاسرتك,وإذا أمرتها أطاعتك,وإذاقسمت
عليهاأبرتك,وإذاغبت عنهاحفظتك في نفسها ومالك"(النسائي).
2- المطعم الحلال
:
عباد الله
:" ومن حق الولد على والده أن يطعمه من مطعم حلال وملبس حلال حتى قبل الولادة
وبعدها فقبل الولادة إذا غذي الرجل من الحرام فستكون النطفة حرام وكذلك إذاأكلت وتغذت
المرأةمن حرام وفي بطنها الجنين فسيصل إليه الحرام يقول صلي الله عليه وسلم:"
كل جسم نبت من حرام فالنارأولى به "( الترمذي).
3- الآذان في أذنه
: عباد الله : "ومن حق الولد على أبيه الآذان في أذنه وهذا من هدي الرسول صلي
الله عليه وسلم:" حينما ولد الحسن أذن
في أذنه اليمنى وأقام في أذنه اليسرى " وقال : من ولد له ولد فأذن في أذنه اليمنى
وأقام في اليسرى لم تمسه أم الصبيان"(ابن السني). تأتى هذه السنة فى سياق تدعيم
الفطرة السوية للمولود,وبث شعار الإسلام فى نفس المولود,وإعلان الإسلام فى قلبه قبل
أن تتلقطشه نداءات الشيطان,وتجتذبه أصوات الغناء.وتستهويه ميوعة المنحلين .
إن هذا النداءيتضمن معانى الإسلام وشعائره ، من تكبير
وتهليل وإثبات لرسالة المصطفى صلى الله عليه وسلم ونداءات لإقامة الصلاة،ودعوة صريحة
للفلاح العام الشامل فى الدنيا والأخرة الذى تتضمنه رسالة الإسلام للبشرية جمعاء.
4- اختيار اسمه
:
أحباب رسول الله صلي الله عليه وسلم :"ومن حق
الولد على أبيه أن يحسن اسمه أي أن يختار له اسماً حسناً ينادى به فعن رسول الله صلي
الله عليه وسلم:" حسنواأسماءكم فإنكم تنادون يوم القيامةبأسمائكم وأسماءآبائكم"(أحمد
وأبوداود).
وعن ابن عمر رضي
الله عنهما قال قال رسول الله صلي الله عليه وسلم:" : "أحب الأسماء إلى الله:
عبد الله وعبد الرحمن، وأصدقها حارث وهمام"(أبوداود). وعند مسلم بلفظ: "إن
أحب أسمائكم إلى الله: عبد الله وعبد الرحمن" لذلك جاء رجل إلى عمر بن الخطاب يشكوا سوء معاملة
ولده فأرسل عمر بن الخطاب إلى الولد فسأل الولد عمر فقال له أليس للولد حق على أبيه
؟ قال نعم أن يختار له أماً صالحة وأن يحسن اسمه وأن يعلمه القرآن ، فقال الولد فإن
أبي لم يفعل معي أي شيء من هذا فقد اختار لي أماًزنجيه من الزنوج السود ، وسماني جعلاً
أو جعراناً ولم يعلمني حرفاً واحداً من القرآن .
فقال عمر بن الخطاب
للرجل :"أخذت تشكو إلي عقوق ابنك وأنت الذي عققته ثم التفت إلى الولد وقال له
أحسن إلى والدك" .
5- العقيقة : عباد
الله ومن حقوق الأبناء علي الأباء العقيقة وتعرف العقيقة في اللغة بأنها القطع، أما
في الشرع فهي الذبيحة التي تذبح عن المولود سواء أكان ذكراً أم أنثى، وذلك شكراً لله
سبحانه وتعالى على عطائه وكرمه، ولا بد من الإشارة إلى أنها سميت بذلك لأن عروقها تقطع
عند الذبح، كما تسمى بالتميمة لأنها تتمّم أخلاق المولود، إلا أنّ الكثير من الناس
يجهلونها، ولا يعرفون حكمها، أو الحكمة منها، قال صلي الله عليه وسلم: " الغلام
مرتهن بعقيقته تذبح عنه يوم السابع ويسمى فيه ويحلق رأسه "( أصحاب السنن وصححه
الترمذي).
وإن أهل الحديث
قاطبة وفقهاؤهم وجمهور أهل العلم قالوا:"هي من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم
واحتجوا على ذلك بما رواه سلمان بن عمار الضبي رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم ( مع الغلام عقيقة فأهريقوا عنه دماً وأميطوا عنه الأذى(البخاري) . وتكون
في اليوم السابع كما كان يفعل الرسول صلي الله
عليه وسلم :"فيذبح للغلام الذكر شاتين وللبنت شاة واحدة ويدعوا إليهما الفقراء
والأقارب والأهل والجيران "(أبوداود ).
والحكمة من العقيقة
أنها تعتبر سبيلاً لتخليص المولود من الشيطان، ولحمايته منه، ولا بد من الإشارة إلى
أن التفريط بها يفقد المولود الكثير من الخير، وذلك بسب تفريط الوالدين بحقه. تعتبر
قرباناً يقرّب به عن المولود في أول أيام خروجه إلى الحياة الدنيا. تفك العقيقة رهان
المولود، لأنه مرتهنٌ بها، حتى يتمكن من الشفاعة لوالديه. تعد فديةً يفدى بها المولود،
وذلك كما فدى الله سبحانه وتعالى إسماعيل بذبحٍ من عنده. تعتبر العقيقة استبشاراً بالمولود
سواء أكان ذكراً أم أنثى. تشهر نسب المولود، وتظهره. تعوّض الأم ما فقدته خلال فترة
الحمل والولادة، وذلك بتناولها جزءاً منها.
6- وحلق شعره
عباد الله ومن حق
الولد علي والده حلق شعره كماورد في السُنة النبوية الشريفة وفي أكثر من موضع ذِكر
لحلق شعر المولود عن الحسن عن سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الغلام
مرتهن بعقيقته، تذبح عنه يوم السابع، ويسمى، ويحلق رأسه"(أحمد الترمذي). وقال
صلى الله عليه وسلم لفاطمة لما ولدت الحسن: "احلقي رأسه وتصدَّقي بوزن شعره فضة
على المساكين"(أحمد).
وروى الإمام مالك
أن فاطمة الزهراء - رضي الله عنها - وزنت شعر الحسن والحسين وزينب وأُم كلثوم، فتصدَّقت
بزنة ذلك فضَّة"(مالك).
الحكمة من ذلك
:" ونحن نعلم بأنه ليس هُناك من أمر شرعيّ إلا وله فوائد للإنسان سواء من الناحية
الصحية أو الاجتماعية وهذا كُله تم اكتشافه بعد مُضي عدة قرون على ما جاء في القُرآن
الكريم وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وحلق رأس المولود سُنة نبوية يُفضل اتباعها وليست
فرضاً ولكن الأَوْلى أن يتبعها المُسلمون. لنظافة فروة رأس المولود من الميكروبات وعما
علق بها أثناء الولادة من المواد الدهنية التي تؤثر علي الشعر لأن الإسلام قد اعتني
بشعر المسلم عناية فائقة فمن كان له شعر فليكرمه.. وقد نهي النبي صلى الله عليه وسلم
عن القزع عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ :"نَهَى عَنْ الْقَزَعِ"قيل لنافع:ماالقزع ؟:قال:"أن يحلق
بعض رأس الصبي ويترك بعضه"( البخاري ومسلم) .وعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :"رَأَى صَبِيًّا قَدْ حُلِقَ
بَعْضُ شَعَرِهِ وَتُرِكَ بَعْضُهُ،فَنَهَى عَنْ ذَلِكَ،وَقَالَ :"احْلِقُوا كُلَّهُ
أَوْ اتْرُكُوا كُلَّهُ "( أحمد).
عباد الله :
7- تأديبه : وعلى الوالدين أن يؤدبا ولدهما فهو حق
من حقوقه فيعلم الولد طريقة الأكل كما كان الرسول صلي الله عليه وسلم يعلم عبد الله بن عباس رضي الله عنهما :" يا
غلام سمي الله وكل بيمينك وكل مما يليك(متفق عليه) " كذلك يعلم الولد طريقة الكلام
مع الآخرين ويعلمه الصدق ويكون ذلك عملياً يحسن القدوة فقد رأى الرسول صلي الله عليه
وسلم امرأة تنادي على ولدها تعالى سأعطيك تمرة فقال لها رسول الله صلي الله عليه وسلم
:"أتعطيه تمرة فقالت له نعم هذه في يدي فقال لها إذا لم تعطيه فتكتب عليك كذبة
"(أبوداود ).
ومن التأديب أن
يعلمه إلقاء السلام كما كان الرسول صلي الله عليه وسلم يفعل مع الصبية عندما كان يمر عليهم فيلقي عليهم السلام
فيردون عليه .
كذلك يمنع الولد
من الحلف رأساً صادقاً أم كاذباً حتى لا يتعود على ذلك وإذا كان لآبد فليتعلم أن يحلف
بالله عز وجل :" من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت "(صحيح الجامع) وعلى
الجملة فالمربي كالطبيب الحاذق الماهر الذي يعرف العلة ويصف لها الدواء ولآبد من المراقبة
الفعلية لقوله صلي الله عليه وسلم:" ما كان الرفق في شيء إلا زانه ولا نزع من
شيء إلا شانه "(مسلم ).
عباد الله :"وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ
رَحِيمٌ "( البقرة/199].
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين ..أما بعد
يقول صلي الله عليه
وسلم :" مروا أولادكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع "(أبوداود والترمذي
وحسنه). هنا يأمر الولد بالصلاة لسبع سنين فإذا بلغ عشر يضرب عليها ثم بعد ذلك يفرق
بينهما في المضاجع وهنا ننتقل بالولد من مرحلة الطفولة والصبا إلى مرحلة المراهقة والتمييز
فإذا كان صبياً مميزاً فأول شيء يفعله المربي يأمره بالصلاة لسبع سنين وإذا لم يصلي
يضربه عليها لعشر سنين وإذا بلغ سن المراهقة لآبد أن يفرق بينهما في المضاجع فلا تنام
البنات مع الصبيان في حجرة واحدة فإذا لم توجد إلا حجرة واحدة يفرق بينهما في الأسرة
تنام البنت على سرير وينام الولد على سرير آخر ويراقبا .
كما ينبغي على ولي
الأمر أن يحول بينه وبين الأشرار وصحبة السوء وفاسدي الأخلاق ويمنع من الذهاب إلى الأماكن
المشبوهة وأماكن الفسق والفجور الخ .
- غرس العقيدة ويقظة
الضمير :كذلك يجب أن يربى الولد على عقيدة راسخة ويقظة ضمير وتعالوا إلى تعاليم الإسلام
فالرسول صلي الله عليه وسلم عندما يركب خلفه ابن عمه عبد الله بن عباس يجد أنها فرصة
لتعليمه العقيدة .
يقول عبد الله بن
عباس كنت ردف رسول الله صلي الله عليه وسلم
فقال لي:" يا غلام احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك تعرف إلى الله
في الرخاء يعرفك في الشدة إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله وإذا توكلت
فتوكل على الله واعلم أنه لو اجتمعت الأمة الإنس والجن على أن ينفعوك بشيء فلن ينفعوك
إلا بشيء قد كتبه الله لك واعلم أنه لو اجتمعت الأمة والإنس والجن على أن يضروك بشيء
فلن يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك طويت الصحف وجفت الأقلام "(الترمذي). ،
تعليم عظيم من رسول كريم لغلام صغير!
طفل تربى ونشأ على
هذا الخلق وهذه العقيدة الراسخة القوية كيف تكون أخلاقه صار ترجمان القرآن فهو الذي
ترجم القرآن أي فسره وكان يقول والله ما من آية في كتاب الله إلا وأعرف متى نزلت وأين
نزلت فيمن نزلت ولما نزلت والله لو ضاع مني عقال بعير لوجدته في كتاب الله عز وجل.
أخا الإسلام :
العدل بين الأولاد
: عباد الله :" يأمرُ الإسلامُ بالعَدْلِ بيْن الأولادِ في المُعاملةِ وفي العطاءِ،
فلا يُفضّل الذَّكر على الأُنْثى، ولا البِكْر على الباقين، ولا الأخير على غَيرِه،
ويقولُ في هذا سيِّدُنا رسولُ اللهِ - صلَّى الله عليه وسلَّم:"اتَّقوا اللهَ
واعْدِلوا بيْن أولادِكم"، والأسرةُ الإسلاميَّةُ التي أقامَها الإسلامُ على المودَّةِ
والرحمةِ والصفاءِ، إذا ما فُضِّل فيها واحدٌ مِن الأبناءِ على الآخرين، تحوَّلتِ العلاقةُ
مِن مودَّةٍ إلى شقاقٍ، ومن رحمةٍ إلى قَسوةٍ، ومِن اطمئنانٍ وسُكونٍ إلى اضطرابٍ وهجْرٍ،
ولعلَّ قضيةَ سيِّدِنا يُوسُفَ - عليه السلام - خيرُ شاهِدٍ على ذلك؛ فيُوسُفُ - عليه
السلام - يقولُ لأبيه:"إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ
رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ"(يوسف: 4). فيعلمُ يعقوبُ - وهو نبيٌّ - مِن هذه
الرُّؤيا أنَّ ابنَه سيكونُ نبيًّا مِن بعدِه، فيفرحُ به ويَميلُ بقلبِه إليه، فكان
إذا دخَل عليه ابتسمَ له - ويعقوبُ نبيٌّ - لا يُمكن أنْ تقولَ: إنَّه يُفضِّلُ يوسفَ
على غيره، ولكن الذي يَملِكُ القلبَ هو اللهُ، فقلبُه كان يميلُ إلى يوسفَ لِمَا ينتظرْه
من النُّبوَّةِ، هذه الابتسامةُ جرَّتْ على يوسفَ الويلاتِ، جعلتْ الإخوةَ يَقولون:"لَيُوسُفُ
وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ
مُبِينٍ اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ
أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ"(يوسف:
8 – 9).، فابتسامةٌ مِن سيِّدِنا يعقوبَ ليوسفَ جرَّت على يوسفَ الويلات.
وتُحدِّثُنا السنَّةُ
أنَّ النُّعمانَ بنَ بَشيرٍ - رضي الله عنهما - كان محبوبًا لدَى والدِه، وكانَ صغيرًا،
فأراد أنْ يُفضِّله على بقيَّة أولادِه فأبتْ زوجتُه، وقالتْ: لا أقبلُ حتى تُشهِدَ
عليه رسولَ اللهِ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فإنْ كان مُباحًا أجازَه، وإلاَّ منعكَ،
فذهبَ بَشيرٌ إلى رسولِنا مُحَمَّدٍ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فسألُه الرسولُ:
"أَكُلَّ ولدِكَ نَحلتَ مِثِلَ هذا؟" قال: لا، فقال رسولُ اللهِ - صلَّى
الله عليه وسلَّم:"لا تُشهِدوني إذًا، لا أشهدُ على جَورٍ، لا أشهدُ على جَوْرٍ،
لا أشهدُ على جَورٍ، أَشْهِدْ على ذلك غيري"(متفق عليه).
نعم أخوة الإيمان
والإسلام :"
احفظوا أنفسكم وأولادكم
وقوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة وإذا كان الأب يصون ولده من نار الدنيا
فلأن يصونه من نار الآخرة أحق وأولى. واعلموا بأنكم مسؤلون أمام الله عن أولادكم لإن
الله عز وجل سأل كل راع عما استرعاه حفظ أم ضيع , وليس العبرة بكثرة النسل والولد لأن
الحكمة من التناسل والتكاثر عمارة الكون والمباهاة يوم القيامة أن يباهي الرسول صلي
الله عليه وسلم بنا الأمم يوم القيامة ولكن ماالحكمة لو كانت الكثرة غثاء كغثاء السيل
وأعداد غفيرة ولكنها خاوية علي عروشها فاقدة لهويتها تميل أينما الريح مالت إمعات إذا
أحسن الناس أحسنوا وإذا أساء الناس أساءوا ؟
كماأخبر الرسول
صلي الله عليه وسلم:" يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها"
فقال قائل: ومِن قلة نحن يومئذ؟ قال: "بل أنتم يومئذٍ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء
السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن"، فقال
قائل: يا رسول الله وما الوهن ؟ قال: "حب الدنيا، وكراهية الموت"(أبوداود
وأحمد).
أما الذي يباهي
الرسول بهم الأمم يوم القيامة قوم عقيدتهم راسخة وإيمانهم قوي شامخ فأنت في حاجة إلى
الأولاد رجالا كانوا أو نساء، ذكورا أو إناثا، تحتاج لأن يخرج من صلبك من يقول:"
لا إله إلا الله، يذكر الله سبحانه وتعالى، حتى يكاثر بنا الأمم يوم القيامة حتى نرد
حوضه، وهو ينظر إلى عدد أمته. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"أَلَا
إِنِّي فَرَطُكُمْ" -وسابقكم- "عَلَى الْحَوْضِ"، -الكوثر،"إنا
أعطيناك الكوثر "، وهو الحوض العظيم الذي اختص به النبي صلى الله عليه وسلم-
"وَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الْأُمَمَ فَلَا تَقْتَتِلُنَّ بَعْدِي"( ابن
ماجه). فالاقتتال الذي يحدث بين المسلمين دون وجه حقٍّ يَحْرِم صاحبه من الورود على
الحوض، فابتعدوا عن الفتن يا عباد الله!
اللهم اجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه
..