قضاء حوائج الناس أولى من حج النافلة ومقدم على نوافل العبادات للشيخ عبدالناصر بليح
إن
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ،
من يهده فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك
له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، صلوات الله وسلامه عليه ، وعلى آله وأصحابه ، والتابعين
ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد فيا جماعة الإسلام :
يقول
الله تعالي:" وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ
يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا
أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ
شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ"(الحشر/9).
أخوة
الإسلام :إن قضاء الحوائج واصطناع المعروف
باب واسع يشمل كل الأمور المعنوية والحسية التي حثنا الإسلام عليها , قال العلامة السعدي
رحمه الله : أي ليعن بعضكم بعضاً على البر وهو اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من
الأعمال الظاهرة والباطنة من حقوق الله وحقوق الآدميين"( تفسير السعدي :
218).
فمساعدة
الآخرين من أعظم أبواب الخير ولها مكانة عالية جداً في الإسلام الذي جاءت عقائده وشرائعه
لإصلاح العلاقة بين العبد وربه، وبين العباد أنفسهم، ولهذا حث الإسلام على إيصال النفع
للآخرين بقدر المستطاع ـ حتى ولو كانت هذه المساعدة لحيوان فلها أجر عظيم ـ ولأن هذه
المساعدة نوع من العبادة التي يرجو بها المسلم الثواب من ربه، فإن من شروط قبولها وحصول
المسلم على الأجر أن تكون هذه المساعدة خالصة لله تعالى يرجو بها المسلم رضا ربه، وأن
يرزقه الثواب المترتب على هذه المساعدة، ويمكن أن ينوي المسلم بهذه المساعدة أكثر من
نية مما لا تتعارض مع الإخلاص المطلوب، فيمكن أن ينوي إدخال السرور على المسلم وهذه
نية مطلوبة وممدوحة ويثاب المسلم عليها "وأحبُّ الأعمالِ إلى الله سُرُورٌ تُدْخِلُه
على مسلم "(الطبراني). ويمكن أن ينوي
شكر الله على نعمه عليه وأنه أغناه عن غيره فهو يخرج صدقة هذه النعمة ببذل المعونة
لغيره من المحتاجين والنوايا في هذا كثيرة، أما بذل المساعدة من أجل المصالح الشخصية،
فإن كنت تعني بالمصالح الشخصية أن يريد الإنسان الثناء من الناس ونحو ذلك، فإن ذلك
يتنافى مع الإخلاص، وبالتالي، فثواب المسلم منها هو ما يتحقق له من مصلحة في الدنيا،
أما في الآخرة فلا أجر له فيها، لأنه قد حصل في الدنيا على ما عمل لأجله، وأدلة ضرورة الإخلاص عند بذل المساعدة أو غيرها من أفعال
الخير كثيرة..
قضاء
الحوائج من مكارم الأخلاق :
عباد
الله :" السعي في قضاء حوائج الناس من الأخلاق الإسلامية العالية الرفيعة التي
ندب إليها الإسلام وحث المسلمين عليها , وجعلها من باب التعاون على البر والتقوى الذي
أمرنا الله تعالى به فقال في محكم تنزيله :" وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى
وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ
شَدِيدُ الْعِقَابِ "(المائدة/2).
ولقد
ضرب النبي صلى الله عليه وسلم المثل والنموذج الأعلى في الحرص على الخير والبر والإحسان
, وفي سعيه لقضاء حوائج الناس وبخاصة للضعفاء والأيتام ,والأرامل , فلقد أمره الله
تعالى بذلك في كتابه الكريم فقال : " عَنْ ثَابِتٍ ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه
أَنَّ امْرَأَةً كَانَ فِي عَقْلِهَا شَيْءٌ ، فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللهِ ، إِنَّ
لِي إِلَيْكَ حَاجَةً ، فَقَالَ : يَا أُمَّ فُلاَنٍ ، انْظُرِي أَيَّ السِّكَكِ شِئْتِ
، حَتَّى أَقْضِيَ لَكِ حَاجَتَكِ ، فَخَلاَ مَعَهَا فِي بَعْضِ الطُّرُقِ ، حَتَّى
فَرَغَتْ مِنْ حَاجَتِهَا.أ"( أحمد ومسلم).
نوع
من الإيثار علي النفس
وهو نوع من الإيثار الذي مدح الله تعالى به المؤمنين
فقال :" لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ
وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ
وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (8) وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ
مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ
حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ
وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (الحشر/8-9).
إخوة الإيمان : ولا يقتصر السعي في قضاء حوائج الناس
على النفع المادي فقط، ولكنه يمتد ليشمل النفع بالعلم، والنفع بالرأي ،والنفع بالنصيحة
، والنفع بالمشورة ،والنفع بالجاه ، والنفع بالسلطان . ومن نعم الله تعالى على العبد
أن يجعله مفاتحا للخير والإحسان , عَنْ سَهْلِ بن سَعْدٍ، عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "عِنْدَ اللَّهِ خَزَائِنُ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ،
مَفَاتِيحُهَا الرِّجَالُ، فَطُوبَى لِمَنْ جَعَلَهُ مِفْتَاحًا لِلْخَيْرِ، وَمِغْلاقًا
لِلشَّرِّ، وَوَيْلٌ لِمَنْ جَعَلَهُ مِفْتَاحًا لِلشَّرِّ، وَ مِغْلاقًا لِلْخَيْرِ"
(ابن ماجة والطبرانى ).
قال أبو العتاهية :اقض الحوائج ما استطعت*** وكن
لهم أخيك فارج.
فلخير
أيام الفتي ***يوم قضي فيه الحوائج.
شفاعة
حسنة :"عباد الله :"والسعي في قضاء حوائج الناس من الشفاعة الحسنة التي أمرنا
الله تعالى بها فقال : " مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ
مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ
عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا ( النساء/85)
.
أحب
الأعمال إلي الله : بل أنها من أحب الأعمال وأعلاها وأزكاها عند الله تعالى , فعن ابن
عمر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أحبُّ الناسِ إلى
الله أنفعُهم للناس وأحبُّ الأعمالِ إلى الله سُرُورٌ تُدْخِلُه على مسلم أو تَكْشِفُ
عنه كُرْبَةً أو تَقْضِى عنه دَيْناً أو تَطْرُدُ عنه جُوعاً ولأَنْ أمشىَ مع أخي المسلمِ
في حاجةٍ أحبُّ إِلَىَّ من أن أعتكفَ في هذا المسجدِ شهرًا ومن كفَّ غضبَه سترَ اللهُ
عورتَه ومن كَظَمَ غَيْظَه ولو شاء أن يُمْضِيَه أَمْضاه ملأ اللهُ قلبَه رِضًا يومَ
القيامةِ ومن مشى مع أخيه المسلمِ في حاجةٍ حتى تتهيأَ له أثبتَ اللهُ قدمَه يومَ تَزِلُّ
الأقدامُ وإنَّ سُوءَ الخُلُق لَيُفْسِد العملَ كما يُفْسِدُ الخلُّ العسلَ "
( الطبراني في الأوسط و الكبير و الصغير و ابن أبى الدنيا في كتاب قضاء الحوائج ).
صدقة ومنة :" إخوة الإيمان :"كما أنها
لون من ألوان الصدقة ,عَنْ أَبِي سَلاَّمٍ ، قَالَ أَبُو ذَرٍّ:عَلَى كُلِّ نَفْسٍ
فِي كُلِّ يَوْمٍ طَلَعَتْ فِيهِ الشَّمْسُ صَدَقَةٌ مِنْهُ عَلَى نَفْسِهِ ، قُلْتُ
: يَا رَسُولَ اللهِ ، مِنْ أَيْنَ أَتَصَدَّقُ ، وَلَيْسَ لَنَا أَمْوَالٌ ؟ قَالَ
: لأَنَّ مِنْ أَبْوَابِ الصَّدَقَةِ : التَّكْبِيرَ ، وَسُبْحَانَ اللهِ ، وَالْحَمْدُ
ِللهِ ، وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ ، وَتَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ
، وَتَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ ، وَتَعْزِلُ الشَّوْكَةَ عَنْ طَرِيقِ النَّاسِ ، وَالْعَظْمَ
، وَالْحَجَرَ ، وَتَهْدِي الأَعْمَى ، وَتُسْمِعُ الأَصَمَّ وَالأَبْكَمَ حَتَّى يَفْقَهَ
، وَتَدُلُّ الْمُسْتَدِلَّ عَلَى حَاجَةٍ لَهُ قَدْ عَلِمْتَ مَكَانَهَا ، وَتَسْعَى
بِشِدَّةِ سَاقَيْكَ إِلَى اللَّهْفَانِ الْمُسْتَغِيثِ ، وَتَرْفَعُ بِشِدَّةِ ذِرَاعَيْكَ
مَعَ الضَّعِيفِ ، كُلُّ ذَلِكَ مِنْ أَبْوَابِ الصَّدَقَةِ مِنْكَ عَلَى نَفْسِكَ
، وَلَكَ فِي جِمَاعِكَ زَوْجَتَكَ أَجْرٌ ، قَالَ أَبُو ذَرٍّ : كَيْفَ يَكُونُ لِي
أَجْرٌ فِي شَهْوَتِي ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أَرَأَيْتَ لَوْ
كَانَ لَكَ وَلَدٌ فَأَدْرَكَ ، وَرَجَوْتَ خَيْرَهُ ، فَمَاتَ ، أَكُنْتَ تَحْتَسِبُ
بِهِ ؟ قُلْتُ : نَعَمْ ، قَالَ : فَأَنْتَ خَلَقْتَهُ ؟ قَالَ : بَلِ اللَّهُ خَلَقَهُ
، قَالَ : فَأَنْتَ هَدَيَتَهُ ؟ قَالَ : بَلِ اللَّهُ هَدَاهُ ، قَالَ : فَأَنْتَ
تَرْزُقُهُ ؟ قَالَ : بَلِ اللَّهُ كَانَ يَرْزُقُهُ ، قَالَ : كَذَلِكَ فَضَعْهُ فِي
حَلاَلِهِ ، وَجَنِّبْهُ حَرَامَهُ ، فَإِنْ شَاءَ اللَّهُ أَحْيَاهُ ، وَإِنْ شَاءَ
أَمَاتَهُ ، وَلَكَ أَجْرٌ". (أحمد والنسائي ).
مغفرة
لذنوب العبد :" إخوة الإيمان :"وسبب للمغفرة وتثبيت أقدام العبد على الصراط
يوم القيامة , قَالَ الْحُسَيْنُ : سَأَلْتُ أَبِي عَنْ دُخُولِ النَّبِيِّ صلى الله
عليه وسلم ، فَقَالَ:كَانَ دُخُولُهُ لِنَفْسِهِ مَأْذُونًا لَهُ فِي ذَلِكَ ، فَكَانَ
إِذَا أَوَى إِلَى مَنْزِلِهِ جَزَّأَ دُخُولَهُ ثَلاَثَةَ أَجْزَاءٍ ، جُزْءًا ِللهِ
، وَجُزْءًا لأَهْلِهِ ، وَجُزْءًا لِنَفْسِهِ ، ثُمَّ جَزَّأَ جُزْأَهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ
النَّاسِ ، فَيَرُدُّ ذَلِكَ عَلَى الْعَامَّةِ بِالْخَاصَّةِ ، وَلاَ يَدَّخِرُ عَنْهُمْ
شَيْئًا ، وَكَانَ مِنْ سِيرَتِهِ فِي جُزْءِ الأُمَّةِ إِيثَارُ أَهْلِ الْفَضْلِ
نَادِيَهُ ، وَقَسْمُهُ عَلَى قَدْرِ فَضْلِهِمْ فِي الدِّينِ ، فَمِنْهُمْ ذُو الْحَاجَةِ
، وَمِنْهُمْ ذُو الْحَاجَتَيْنِ ، وَمِنْهُمْ ذُو الحَوَائِجِ ، فَيَتَشَاغَلُ بِهِمْ
، وَيَشْغَلَهُمْ فِيمَا أَصْلَحُهُمْ وَالأُمَّةَ مِنْ مُسَاءَلَتِهِمْ عَنْهُ ، وَإِخْبَارِهِمْ
بِالَّذِي يَنْبَغِي لَهُمْ ، وَيَقُولُ : لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ ، وَأَبْلِغُونِي
حَاجَةَ مَنْ لاَ يَسْتَطِيعُ إِبْلاَغِي حَاجَتَهُ ، فَإِنَّهُ مَنْ أَبْلَغَ سُلْطَا
نًا حَاجَةَ مَنْ لاَ يَسْتَطِيعُ إِبْلاَغَهَا إياه ، ثَبَّتَ اللَّهُ قَدَمَيْهِ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ .. مَنْ جَالَسَهُ ، أَوْ قَاوَمَهُ فِي حَاجَةٍ صَابَرَهُ ، حَتَّى
يَكُونَ هُوَ الْمُنْصَرِفُ ، وَمَنْ سَأَلَهُ حَاجَةً لَمْ يَرُدَّهُ إِلاَّ بِهَا
، أَوْ بِمَيْسُورٍ مِنَ الْقَوْلِ ، قَدْ وَسِعَ النَّاسَ منه بَسْطُهُ وَخُلُقُهُ
، فَصَارَ لَهُمْ أَبًا ، وَصَارُوا فِي الْحَقِّ عِنْدَهُ سَوَاءً .."(ابن سعد
والتِّرمِذي).
معية الله عز وجل :" عباد الله :" قال
تعالي :" إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوا وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ"(النحل
/128). ومعني إن الله مع الذين اتقوا أي هم الذين عظموا أوامر الله باتباعها واجتناب
النواهي والذين هم محسنون هم أهل الشفقة والرحمة
والعطف علي خلق الله ومعني أن الله معهم أي أنه يتولاهم بالحماية والرعاية والإحسان
والهداية ومن كان الله معه فقد ربح الدنيا
والآخرة ومن طرده الله من معيته فقد خسر الدنيا والآخرة وذلك هو الخسران المبين "فقضاء حوائج الناس والإحسان
إليهم سبب لأن يكون الله تعالى في عون العبد وحاجته كما كان في عون أخيه وحاجته , عَنْ
سَالِمٍ , عَنْ أَبِيهِ , أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"الْمُسْلِمُ
أَخُو الْمُسْلِمِ لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يُسْلِمُهُ مَنْ كَانَ في حَاجَةِ أَخِيهِ
كَانَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ في حَاجَتِهِ وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ
اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْهُ بِهَا كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ
سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"( أحمد والبُخَارِي ومسلم
وأبو داود والتِّرْمِذِيّ).
وسبب
لدفع السوء عن العبد :" إخوة الإيمان :"إن صنائع المعروف تقي مصارع السوء
. فلا ينبغي على المسلم أن تطرده الطيرة عن طلب حاجته أو السعي في قضاء حاجة غيره
, فعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو . قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:مَنْ
رَدَّتْهُ الطِّيَرَةُ مِنْ حَاجَةٍ ، فَقَدْ أَشْرَكَ . قَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ
، مَا كَفَّارَةُ ذَلِكَ ؟ قَالَ : أَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمْ : اللَّهُمَّ لاَ خَيْرَ
إِلاَّ خَيْرُكَ ، وَلاَ طَيْرَ إِلاَّ طَيْرُكَ ، وَلاَ إِلَهَ غَيْرُكَ."( أحمد).
بل
شرعت في الإسلام صلاة تسمى صلاة الحاجة , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى أَوْفَى الأَسْلَمِىِّ
قَالَ:خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ مَنْ كَانَتْ لَهُ
حَاجَةٌ إِلَى اللَّهِ أَوْ إِلَى أَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ فَلْيَتَوَضَّأْ وَلْيُصَلِّ
رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ لْيَقُلْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ الْحَلِيمُ الْكَرِيمُ سُبْحَانَ
اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ اللَّهُمَّ
إِنِّى أَسْأَلُكَ مُوجِبَاتِ رَحْمَتِكَ وَعَزَائِمَ مَغْفِرَتِكَ وَالْغَنِيمَةَ
مِنْ كُلِّ بِرٍّ وَالسَّلاَمَةَ مِنْ كُلِّ إِثْمٍ أَسْأَلُكَ أَلاَّ تَدَعَ لي ذَنْبًا
إِلاَّ غَفَرْتَهُ وَلاَ هَمًّا إِلاَّ فَرَّجْتَهُ وَلاَ حَاجَةً هي لَكَ رِضًا إِلاَّ
قَضَيْتَهَا لي ثُمَّ يَسْأَلُ اللَّهَ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ مَا شَاءَ
فَإِنَّهُ يُقَدَّرُ"( ابن ماجة والتِّرْمِذِيّ).
الخطبة
الثانية :
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي أشرف المرسلين
أما بعد فيا عباد الله لازلنا نواصل الحديث حول قضاء حوائج الناس وفقه الأولويات وأن
حج النافلة طالما حج المسلم حج الفريضة فهناك
أولويات تقدم عليه .. فالأكباد الجائعة أولي بالمال من بيت الله الحرام ..قال العز
بن عبد السلام : " إذا اجتمعت المصالح الأخروية الخالصة ، فإن أمكن تحصيلها حصلناها
، وإن تعذر تحصيلها حصلنا الأصلح فالأصلح والأفضل فالأفضل " ..
الصحابة
يقتدون بالرسول صلي الله عليه وسلم :" عباد الله :"ولقد اقتدى الصحابة الكرام
رضوان الله عليهم بالنبي صلى الله عليه وسلم في الحرص على السعي لقضاء حوائج الناس
, وكانوا يكتبون إلى ولاتهم بذلك , فقد كَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ
عَنْهُ إِلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ : إِنَّهُ لَمْ يَزَلْ لِلنَّاسِ وُجُوهٌ
يَرْفَعُونَ حَوَائِجَ النَّاسِ إِلَيْهِمْ ؛ فَأَكْرِمْ وُجُوهَ النَّاسِ ، فَبِحَسْبِ
الْمُسْلِمِ الضَّعِيفِ مِنَ الْعَدْلِ أَنْ يُنْصَفَ فِي الْحُكْمِ وَالْقِسْمَةِ
. "(ابن عبد البر : المجالسة وجواهر العلم ).وعن معمر عن عاصم بن أبي النجود أن
عمر بن الخطاب كان إذا بعث عماله شرط عليهم ألا تركبوا برذونا ولا تأكلوا نقيا ولا
تلبسوا رقيقا ولا تغلقوا أبوابكم دون حوائج الناس فإن فعلتم شيئا من ذلك فقد حلت بكم
العقوبة قال ثم شيعهم فإذا أراد أن يرجع قال إني لم أسلطكم على دماء المسلمين ولا على
أعراضهم ولا على أموالهم ولكني بعثتكم لتقيموا بهم الصلاة وتقسموا فيئهم وتحكموا بينهم
بالعدل فإن أشكل عليكم شيء فارفعوه إلي ألا فلا تضربوا العرب فتذلوها ولا تجمروها فتفتنوها
ولا تعتلوا عليها فتحرموها.( المصنف , لعبد الرزاق الصنعاني 11/ 324).وعنْ أَبِي الْحَسَنِ
، قَالَ : قَالَ عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ لِمُعَاوِيَةَ : إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ
صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:مَا مِنْ إِمَامٍ يُغْلِقُ بَابَهُ دُونَ ذَوِي الْحَاجَةِ
، وَالْخَلَّةِ ، وَالْمَسْكَنَةِ ، إِلاَّ أَغْلَقَ اللهُ أَبْوَابَ السَّمَاءِ دُونَ
خَلَّتِهِ ، وَحَاجَتِهِ ، وَمَسْكَنَتِهِ. فَجَعَلَ مُعَاوِيَةُ رَجُلاً عَلَى حَوَائِجِ
النَّاسِ .( أحمد والتِّرمِذي).
كان
أبو بكر الصديق رضي الله عنه يحلب للحي أغنامهم ، فلما استُخلف قالت جارية منهم : الآن
لا يحلبها ، فقال أبو بكر : بلى وإني لأرجو أن لا يغيرني ما دخلت فيه عن شيء كنت أفعله
ولقد
كان عمر يتعاهد الأرامل يستقي لهن الماء بالليل، ورآه طلحة بالليل يدخل بيت امرأة،
فدخل إليها طلحة نهارًا، فإذا هي عجوز عمياء مقعدة فسألها: ما يصنع هذا الرجل عندكِ؟
قالت: هذا مذ كذا وكذا يتعاهدني يأتيني بما يصلحني ويخرج عني الأذى، فقال طلحة: ثكلتك
أمك يا طلحة، أعورات عمر تتبع؟.وكان أبو وائل يطوف على نساء الحي وعجائزهن كل يوم فيشتري
لهن حوائجهن وما يصلحهن.وقال مجاهد: صحبت ابن عمر في السفر لأخدمه فكان يخدمني.
أحسن
إلى الناس تستعبد قلوبَهُم * * * فطالما استعبدَ الإنسانَ إحسانُ
وكُنْ
على الدّهرِ مِعْوَانًا لذي أملٍ * * * يرجو نَداكَ فإنّ الحُرَّ مِعْوانُ
واشْدُدْ
يديك بحبلِ اللهِ معتصمًا * * * فأنّه الرّكنُ إنْ خانتك أركانُ
من
كان للخير منّاعًا فليس له * * * على الحقيقة إخوانٌ وأخْدانُ
من
جاد بالمال مالَ النّاسُ قاطبةً * * * إليه والمالُ للإنسان فتّانُ
إخوة
الإيمان والإسلام : بعض الناس قد يغره المنصب والوجاهة والمكانة ، فيترفع عن قضاء حوائج
الناس ، فنقول له هذا خير الأمة بعد نبيها الصديق رضي الله عنه ، كان يواظب على خدمة
عجوز مقعدة ، فبعد أن وُلِّيَ الخلافة ذهب عمر رضي الله عنه لقضاء حوائجها ، ظاناً
أن أبا بكر ستشغله الخلافة ولو بشكل مؤقت عن ذلك العمل ، فإذا به يجد أن الخليفة قد
سبقه لذلك وهذا الفاروق عمر رضي الله عنه وهو خليفة ، وُجِد وهو يعِسُّ بالليل امرأة
في حالة المخاض تعاني من آلام الولادة ، فحثّ زوجته على قضاء حاجتها وكسب أجرها ، فكانت
هي تمرِّض المرأة في الداخل وهو في الخارج ينهمك في إنضاج الطعام بالنفخ على الحطب
تحت القدر حتى يتخلل الدخان لحيته وتفيض عيناه بالدمع لا من أثر الدخان الكثيف فحسب
بل شكراً لله أن هيأه وزوجته لقضاء حوائج الناس هذي مجموعه مقتطفه من الأحاديث والقصص
للخليفتين ابو بكر وعمر رضي الله عنهما ..