حق الطفل في الإسلام د. محمد عامر





عناصر الخطبة
1- اختيار الزوجة الصالحة.
2- تعامل النبي مع الطفل عند الولادة.
3- اختيار الإسم الحسن للطفل .
4- تعامل النبي مع الأطفال في الصلاة.
5- مداعبة الأطفال.
6- الاهتمام بوقت الطفل.
7- تجنيبهم قرناء السوء.
8- كن رحيماً مع أهل بيتك.
9 - علموا أطفالكم.
10- اجعل أولادك يحترمونك .

المقدمة

الحمد لله رب العالمين, الحمد لله الذي أراد فقدر, وملك فقهر, وخلق فأمر وعبد فأثاب, وشكر, وعصي فعذب وغفر, جعل مصير الذين كفرو إلي سقر, والذين اقو ربهم إلي جنات ونهر, ليجز الذين كفرو بما عملو, والذين امنوا بالحسنى
واشهد إن لا اله إلا الله, وحده لا شريك له, له الملك, وله الحمد, وهو علي كل شيء قدير
يارب
رضاك خير إلي من الدنيا وما فيها يا مالك النفس قاصيها ودانيها
فنظرة منك يا سـؤلي ويـا أملى خير إلى من الدنيـا وما فيها
فليـس للنـفس أمـآل تحققـها سوى رضاك فذا أقصى أمانيها
وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وشفيعنا محمد عبد الله ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه
بلغ الرسالة وأدى الأمانة وكشف الظلمة وأحاط به الغمة وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين
يا سيدي يا رسول الله :
أنت الذي تستوجب التفضيل فصلوا عليه بكرة وأصيـلا
ملئت نبوته الوـجود فأظهرا بحسامه الدين الحديد فأسفرا
ومن لم يصلي عليه كان بخيل فصـلوا عليه وسلموا تسليما
وعلي اله وأصحابه ومن سار على نهجه وتمسك بسنته واقتدى بهديه واتبعهم بإحسان إلي يوم الدين ونحن معهم يا أرحم الراحمين

أما بعد

يقول الله تعالى:

) الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا.. (الكهف: 46
ويقول تعالى ( وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (233) البقرة
وقال تعالى : (وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا ) (31) الاسراء

أيها المسلمون
الأطفال هم زهرة الحياة الدنيا وزينتها، وهم بهجة النفوس وقُرَّة الأعين، وهم شباب الغد ، ورجال المستقبل.
والطفولة عند الإنسان هي المرحلة الأولى من مراحل عمره، وتبدأ منذ ميلاده وتنتهي ببلوغه سنَّ الرشد.
ولما كانت مرحلة الطفولة من المراحل المهمة والأساسية في بناء شخصيَّة الفرد فقد جاء الإسلام ليُقَرِّرَ أن لهؤلاء الأطفال حقوقًا وواجبات، لا يمكن إغفالها أو التغاضي عنها، وذلك قبل أن تُوضَع حقوق ومواثيق الطفل بأربعة عشر قرنًا من الزمان!
فقد سبق الإسلام غيره في الاهتمام بهذه الحقوق بداية من اختيار الأم الصالحة، ثم الاهتمام به في حالة الحمل فأقرّ تحريم إجهاضه وهو جنين ، وإجازة الفطر في رمضان للمرأة الحامل، وتأجيل حدِّ الزنا حتى يُولد وينتهي من الرضاع، وإيجاب الدية على قاتله.
وجعل الاسلام من حقوق الطفل بمجرد ولادته الاستبشار بقدومه، والتأذين في أذنيه، واستحباب تحنيكه حلق شعر رأسه والتصدق بوزنه، واختيار الاسم الحسن للمولود، والعقيقة، وإتمام الرضاعة، والختان والحضانة والنفقة والتربية الإسلامية الصحيحة.
وقد اهتم الاسلام بتربية الأطفال وراعى الجوانب المتعددة للتربية : ومنها التربية الإيمانية العبادية، والتربية البدنيَّة، والتربية الأخلاقية، والتربية العقلية، والتربية الاجتماعية.والتربية بالإشارة، والتربية بالموعظة وهدي السلف، والتربية بالعادة، والتربية بالترغيب والترهيب.

أيها المسلمون
وإنّ من أهمّ حقوق الطفل في الإسلام، ما يلي:
1- اختيار الزوجة الصالحة
_________________________
فقد حرص الإسلام على أن تنشأ الأسرة في الأساس بزوج تقيٍّ وزوجة صالحة،
وفي ذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم الزوج باختيار الزوجة الصالحة ذات الدين ففي الصحيحين :
(عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لأَرْبَعٍ لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَلِجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ

جاء رجل إلى عمر بن الخطاب يشكو إليه عقوق ولده، فأمر عمر بإحضار الولد، وأنّبَ عمر الولد لعقوقه لأبيه، فقال الولد: يا أمير المؤمنين، أليس للولد حقوق على أبيه؟! قال: بلى، قال: فما هي يا أمير المؤمنين؟ قال عمر: أن ينتقي أمه، ويحسن اسمه، ويعلمه الكتاب ـ أي:القرآن ـ، قال الولد: يا أمير المؤمنين، إن أبي لم يفعل شيئا من ذلك؛ أما أمي فإنها زنجية كانت لمجوسي، وقد سماني جعلا، ولم يعلمني من الكتاب حرفا واحدا، فالتفت عمر إلى الرجل وقال له: جئت تشكو عقوق ابنك وقد عققته من قبل أن يعقَّك، وأسأت إليه من قبل أن يسيء إليك. علي بن نايف الشحود: موسوعة الدفاع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم 4/184 .

2- تعامل النبي مع الطفل عند الولادة
__________________

أمر عليه الصلاة والسلام {أن يؤذن في أذنه اليمنى، وفي لفظ -لكنه ضعيف- وأن يقام في اليسرى} ولـابن القيم كلام جميل في تحفة المودود يقول: أمر عليه الصلاة والسلام أن يؤذن، ليكون أول ما يطرق قلب الطفل التوحيد (لا إله إلا الله محمد رسول الله) فينشأ على حب الله وعلى حب رسول الله، وتغرس في قلبه شجرة الإيمان، ويطرد منه الشيطان؛ لأن الشيطان يفر من الأذان، إذا أذن المؤذن فر الشيطان فهو لا يقبل الأذان ولا يقبل ذكر الله، فالوصية كما ثبت عند أبي داود والترمذي: أن يؤذن في أذنه اليمنى، كما في حديث أبي رافع وابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم {لما ولد لابنته فاطمةالحسن بن علي أذن في أذنه اليمنى} وينسب إلى عمر بن عبد العزيز أنه قال: [[ويقام في الأذن اليسرى]].
هذه معالم التوحيد، بيوتنا تبدأ بلا إله إلا الله وتنتهي بلا إله إلا الله، أول ما يقع رأس الطفل في الأرض ينبغي أن يعلم بأنه لا إله إلا الله، ويؤذن في أذنه، ويوم تقبض روحه عليه أن يختم حياته بلا إله إلا الله.
صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله، دخل الجنة}.

3- اختيار الإسم الحسن للطفل
______________
أولها: أن تختار لابنك الاسم الحسن، وهذا من واجب الابن عليك، لا تختار له اسماً يعير به وينادى به في الحياة وينادى به يوم العرض الأكبر، ففي السنن عن أبي الدرداء أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {أحسنوا أسماء أبنائكم فإنهم يدعون بها يوم القيامة} أو كما قال عليه الصلاة والسلام، يوم يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد، يسمعهم الداعي وينفذهم البصر وينادى أين فلان بن فلان؟ فيقوم على رءوس الأشهاد، فالواجب اختيار الاسم الحسن.

4- تعامل النبي مع الأطفال في الصلاة
___________________
الحسين والحسن جدهما محمد صلى الله عليه وسلم، فنحب الأحفاد لحب الجد الكبير العظيم، وإنما الشاهد في القصة أنه صلى الله عليه وسلم تحبب إلى الأطفال، أتى يصلي إما العصر وإما الظهر صلى الله عليه وسلم فأخذ أمامة وعمرها ثلاث وقيل: أربع سنوات وهي بنت زينب، وزينب بنته صلى الله عليه وسلم، أي: أنها بنت بنته، فحملها في الصلاة، صلى بالمسلمين وبعلماء الصحابة وساداتهم وشجعانهم وشهدائهم فحمل أمامة على كتفه عليه الصلاة والسلام، فإذا سجد وضعها وإذا قام رفعها حتى سلم من الصلاة.
وعند النسائي والحاكم أنه عليه الصلاة والسلام: {خرج يصلي بالناس صلاة العصر أو الظهر فلما سجد أطال السجود -بأبي هو وأمي- فلما سلم بالناس قالوا: يا رسول الله! أطلت سجدة. قال: إن ابني هذا (قيل: الحسن وقيل: الحسين) ارتحلني (أي: صعد على ظهري) -لما رأى المصطفى صلى الله عليه وسلم ساجداً أعجبه المنظر -وكان طفلاً- فصعد على ظهر الحبيب- قال: إن ابني هذا ارتحلني فخشيت أن أقوم فأؤذيه فانتظرت حتى نزل من على ظهري}. يا للخلق! ويا للطافة! ويا للسماحة! وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4].

5- مداعبة الأطفال
__________


ومما ينبغي كذلك على المسلم لأطفاله في سن الطفولة أن يلاعبهم، والملاعبة سنة، ومن قال: إنها ضياع للوقت فهو مخالف، بل هي سنة محمد صلى الله عليه وسلم، أكثر من اشتغل بأمور الأمة، وحوادث العالم محمد عليه الصلاة والسلام ومع ذلك كان يقبِّل الأطفال، كان يجلس في مجامع الناس فيأتي الحسن وهو صغير فيفتح يديه عليه الصلاة والسلام ويضحك ويخرج لسانه للحسن فيأتي الحسن مسرعاً حتى يرمي بنفسه على المصطفى عليه الصلاة والسلام، خلق كالشهد المصفى، ولذلك صح عنه صلى الله عليه وسلم في صحيح البخاري وغيره: أنه قام يخطب الناس على المنبر فلما انتصف في الخطبة جاء الحسن وعمره ما يقارب خمس سنوات، وعنده ثوب طويل -مسبل وهو طفل لم يبلغ التكليف- فكان يعثر في ثوبه في المسجد بين الصفوف، يقوم إذا عثر ثم يمشي قليلاً ثم يعثر على وجهه؛ فانشغل عليه الصلاة والسلام به عن الخطبة، فترك الخطبة ونزل واحتضنه وقبله وحمله على كتفيه حتى صعد به على المنبر ثم وضعه في جانبه، ثم التفت إلى طفله الحسن وقال: {إن ابني هذا سيد -أي: إنه بطل من السادات- إن ابني هذا سيد، وسيصلح الله به بين فئتين تقتتلان من المسلمين}
وقد أوْرد الإمام البخاري في صحيحه: قبَّل رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - الحسن بن علي، وعنده الأقرع بن حابس التَّميمي جالسًا، فقال الأقرع: إنَّ لي عشرةً من الولد ما قبَّلت منهم أحدًا، فنظر إليه رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ثمَّ قال: ((مَن لا يَرحم لا يُرحم))؛ ولذلك قال العرب: لاعب ابْنَك سبعًا، وأدِّبْه سبعًا، وصاحِبْه سبعًا.

6- الاهتمام بوقت الطفل
_____________


ومن معالم تربيته: الاهتمام بوقت الشاب وهي مهمة جداً:
العطل الصيفية تذهب كثيراً على أطفالنا وعلى شبابنا بلا برنامج، لا حفظ قرآن، لا تعليم، ؛ إنما همهم الأكل والشرب، وفي السكك والشوارع، فتنتهي العطلة الصيفية ولا حفظ جزءاً ولا حديثاً، أو طالع باباً أو استفاد فائدة أو تأدب أدباً.. هذا ليس بصحيح يا مسلمون، ولذلك تكثر الإيذاءات من الشباب الفارغين والأطفال المتفلتين، وليس في الإسلام تفلت أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ [المؤمنون:115-116] أَيَحْسَبُ الْأِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً * أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى * ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى * فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى [القيامة:36-40].

7- تجنيبهم قرناء السوء:
____________

مما يجب الاهتمام به السعي لتجنيب الأطفال من القرناء السوء فإنهم يهدمون ما يبنيه الوالدان في سنوات, والمرء على دين خليله, وكل قرين بالمقارن يقتدي, وليس أضر على الطفل من صاحب السوء, حيث حذر النبي صلى الله عليه وسلم من جليس السوء بقوله: "مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير, فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحا طيبة, ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد ريحا خبيثة"(متفق عليه). قال أبو حاتم بن حبان: "فالواجب على العاقل أن يجتنب أهل الريب, لئلا يكون مريبا, فكما صحبة الأخيار تورث الخير, كذلك صحبة الأشرار تورث الشر ".
وينشأ ناشئ الفتيان منا على ما كان عوده أبوه

8- كن رحيماً مع أهل بيتك
____________

إن بعض الآباء لا يعرف إلا معاني القسوة والغلظة في معاملته مع أبناءه , فإذا دخل بيته قام الجالس واعتدل القاعد واستيقظ النائم وسكت الضاحك وقطب الباسم ، ولا يعرف غير السوط أو العصا لغة للتفاهم , فمثل هذا لا يُنتظر من أولاده سوى الجفاء والعقوق

أيها المسلمون
________

ولا بُدَّ أن يشعر كِلا الأبوين أنهما مسئولان عن أطفالهما، وهما محاسبان على التقصير في تربيتهما، وعن هذه المسئولية يقول النبي صلى الله عليه وسلم ، كما في صحيح البخاري : ( عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ – رضى الله عنهما – أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ
) كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، فَالإِمَامُ رَاعٍ ، وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ ، وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالْمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهْىَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا ، وَالْخَادِمُ فِي مَالِ سَيِّدِهِ رَاعٍ ، وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ » .
وقد أمرنا الله أن نحمي أنفسنا وأبناءنا من النار يوم القيامة، فقال تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم: 6.
فمسؤولية تربية الأولاد هي من أهم الواجبات التي يطالب بها الوالدان حقاً لأولادهما، وإن من أكبر الأخطاء التي يرتكبها الأولياء والآباء أن يتخلوا عن هذه المهمة أو أن يقصروا فيها بأن لا يعملوا على تربية وتعويد الأولاد والأطفال على خير الأخلاق والصفات والأفعال.
.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية

9 - علموا أطفالكم
__________

ومن صور التوجيه النبوي للصغار، والحرص على إرشادهم للخطأ في سلوكهم وتصرفاتهم لكي لا يألفوه
فيعلم رسول الله صلى الله عليه و سلم : طفلاً من أطفال المسلمين فعَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ : قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { يَا غُلَامُ سَمِّ اللَّهَ وَكُلْ بِيَمِينِك وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
فيعلمه صلى الله عليه و سلم : أحسن الأدب في تناول الطعام، وبهذا يُعَوِّدُهُ على أحسن الأخلاق وأرقها.
ويقول صلى الله عليه و سلم لآخر : « يَا غُلاَمُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ رُفِعَتِ الأَقْلاَمُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ » رواه الترمذي.
فرسول الله صلى الله عليه و سلم يعلم الأطفال دائماً مكارم الأخلاق وأسماها: من التوكل على الله ،والاستعانة بالله ،وقطع الأمل فيما عند الناس ،ورجاء ثواب ما عند الله.
ويؤكد القرآن الكريم على تعليم الأطفال وتعويدهم على مكارم الأخلاق فيأمر الوالدين أن يعودوا أولادهما على الاستئذان في أوقات محددة وهي الأوقات التي هي مظنة التخفف من الثياب ، فقال تعالى :
) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمْ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلمَ مِنْكُمْ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاَةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ منَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْد صَلاَةِ الْعِشَاءِ ثَلاثُ عَوْرَات لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلاَ عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآياتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } النور 58،
10- اجعل أولادك يحترمونك :
_____________________

إن أطفالنا نبتات طرية فإذا تركت دون ركائز مالت واعوجت، وما ينشأ عليه الطفل من صغره يصبح ملازماً وراسخاً معه في كبره وقد قال الشاعر:
وينشأ ناشئ الفتيان فينا *** على ما كان عوّده أبوه
ولكي يحترمك أولادك لابد أن تكون قدوة لهم في جميع تصرفات, فلا يصح أن تنهاهم عن الكذب وتكذب أمامهم و ولا أن تأمرهم بالعفة والشرف وأنت بمنأى عن ذلك .
وإذا أحبك أولادك واحترموك فإنهم سوف يجدون في تلبية رغباتك وتنفيذ طلباتك , حتى لو كان ذلك يتصادم ورغباتهم وما يحبونه .
يروى أن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهما كان قد تزوج عاتكة بنت عمرو بن نفيل وكانت من أجمل نساء قريش , وكان عبد الرحمن من أحسن الناس وجها وأبرهم بوالديه فلما دخل بها غلبت على عقله ، وأحبها حبا شديدا فثقل ذلك على أبيه فمر به أبو بكر يوما وهو في غرفة له فقال: يا بني إني أرى هذه قد أذهلت رأيك وغلبت على عقلك فطلقها قال لست أقدر على ذلك فقال أقسمت عليك إلا طلقتها فلم يقدر على مخالفة أبيه فطلقها فجزع عليها جزعا شديدا وامتنع من الطعام والشراب فقيل لأبي بكر أهلكت عبد الرحمن فمر به يوما وعبد الرحمن لا يراه وهو مضطجع في الشمس ويقول هذه الأبيات :
فوالله لا أنساك ما ذر شارق ‍. . . وما ناح قمري الحمام المطوق
فلم أر مثلي طلق اليوم مثلها ‍. . . ولا مثلها في غير شيء يطلق
لها خلق عف ودين ومحتد . . . وخلق سوي في الحياء ومنطق
فسمعه أبوه فرق له وقال له راجعها يا بني فراجعها وأقامت عنده حتى قتل عنها يوم الطائف مع رسول الله أصابه سهم فقتله فجزعت عليه جزعا شديدا وقالت ترثيه:
فآليت لا تنفك نفسي حزينة ‍. . . عليك ولا ينفك جلدي أغبرا
فتى طول عمري ما أرى مثله فتى . . . ‍ أكر وأحمى في الهياج وأصبرا
إذا شرعت فيه الأسنة خاضها ‍. . . إلى القرن حتى يترك الرمح أحمرا
أبو الفتح الأبشيهي: المستطرف في كل فن مستظرف ص 483 .

فانظر كيف سارع الولد في تلبية رغبة أبيه محبة واحتراماً وإجلالا له , على الرغم من مقاساته ومعاناته من تلبية هذه الرغبة .

ولذا نستطيع أن نقول : إن الإسلام أعطى الطفل حقه كاملاً ومناسباً للمرحلة العمرية التي يمر بها .
عباد الله: إن الله تعالى قد أمرنا بأمر بدأ فيه بنفسه فقال سبحانه: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56.

هذا وما كان من توفيقٍ فمن الله وحده، وما كان من خطأٍ، أو سهوٍ، أو نسيانٍ، فمني ومن الشيطان، وأعوذ بالله أن أذكركم به وأنساه، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمدٍ وعلى آله وأصحابه الأطهار الأخيار ومَن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات