الحكمة من الإنجاب في شريعة رب الأرباب للشيخ السيد مراد سلامة





الخطبة الأولى
أمة الإسلام: حديثنا في ذلك اليوم الطيب الأغر مع نعمة من أجل النعم على بني الإنسان إنها نعمة الأبناء الذين هم قرة عيون الموحدين وعماد ظهور الإباء والأمهات وهم حملة الرسالة ومستقبل الأمة، ولحن الخلود لنتكلم عن الغايات والأهداف التي من أجلها ينجب المسلم والمسلمة الأبناء ليتميز عن سائر البشر الذين يتوالدون ويتكاثرون كما تتوالد الحيوانات دون هدف أو غاية
الحقيقة المرة أننا لما غابت تلك الغايات عن أذهان الآباء والأمهات نشأ جيل لا يعرف غايته ولا يسعى لخدمة امته بل همه شراب ومدام وكساء ونساء
ملياركم لا خير فيه كأنما ** كتيت وراء الواحد الأصفار
الحكمة الأولي تحقيق الغاية التي من أجلها خلق الله تعالى الخلق و هي عبادته
=====================
اعلم بارك الله فيك: أن الحكمة و الغاية من انجاب الذرية إنما هو تحقيق الخلافة الصالحة التي من أجلها خلق الله تعالى أبينا ادم عليه السلام قال الله تعالى {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً } [البقرة: 30]
وقال الله تعالى {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ } [الذاريات: 56 - 58]
و تأملوا كيف حرص الصالحون على انجاب الأولاد ليكونوا لله تعالى عابدين فها هي أم مريم عليها السلام لما أحست بالحمل في أحشائها توجهت اللي الله تعالى بالدعاء و الابتهال و نذرت ما في بطنها لخدمة بيت المقدس والعبادة قال الله تعالى { إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (35) فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ } [آل عمران: 35، 36]
كانت امرأة عمران لا تريد مما في بطنها أن يكون قرة عين، أو أن يكون معها، إنها تريده محررا لخدمة البيت المقدس، وكان يستلزم ذلك في التصور البشري أن يكون المولود ذكرا؛ لأن الذي كان يقوم بخدمة البيت هم الذكران .
ونحن نعرف أن كلمة « الولد » يطلق أيضا على البنت ، ولكن الاستعمال الشائع ، هو أن يطلق الناس كلمة « ولد » على الذكر .( )
وقصة النذر تكشف لنا عن قلب « امرأة عمران » - أم مريم - وما يعمره من إيمان ، ومن توجه إلى ربها بأعز ما تملك . وهو الجنين الذي تحمله في بطنها . خالصاً لربها ، محرراً من كل قيد ومن كل شرك ومن كل حق لأحد غير الله سبحانه . والتعبير عن الخلوص المطلق بأنه تحرر تعبير موح . فما يتحرر حقاً إلا من يخلص لله كله ، ويفر إلى الله بجملته وينجو من العبودية لكل أحد ولكل شيء ولكل قيمة ، فلا تكون عبوديته إلا لله وحده .
فهذا هو التحرر إذن . . وما عداه عبودية وإن تراءت في صورة الحرية!
ومن هنا يبدو التوحيد هو الصورة المثلى للتحرر . فما يتحرر إنسان وهو يدين لأحد غير الله بشيء ما في ذات نفسه ، أو في مجريات حياته ، أو في الأوضاع والقيم والقوانين والشرائع التي تصرف هذه الحياة . . لا تحرر وفي قلب الإنسان تعلق أو تطلع أو عبودية لغير الله . وفي حياته شريعة أو قيم أو موازين مستمدة من غير الله . وحين جاء الإسلام بالتوحيد جاء بالصورة الوحيدة للتحرر في عالم الإنسان . .
وهذا الدعاء الخاشع من امرأة عمران ، بأن يتقبل ربها منها نذرها - وهو فلذة كبدها - ينم عن ذلك الإسلام الخالص لله ، والتوجه إليه كلية ، والتحرر من كل قيد ، والتجرد إلا من ابتغاء قبوله ورضاه :{ رب إني نذرت لك ما في بطني محرراً فتقبل مني . إنك أنت السميع العليم } . .ولكنها وضعتها أنثى؛ ولم تضعها ذكراً!
{ فلما وضعتها قالت : رب إني وضعتها أنثى - والله أعلم بما وضعت - وليس الذكر كالأنثى . وإني سميتها مريم . وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم } . .
لقد كانت تنتظر ولداً ذكراً؛ فالنذر للمعابد لم يكن معروفاً إلا للصبيان ، ليخدموا الهيكل ، وينقطعوا للعبادة والتبتل . ولكن ها هي ذي تجدها أنثى . فتتوجه إلى ربها في نغمة أسيفة :
{رب. إني وضعتها أنثى} . .
{والله أعلم بما وضعت } . . ولكنها هي تتجه إلى ربها بما وجدت ، وكأنها تعتذر إن لم يكن لها ولد ذكر ينهض بالمهمة .{ وليس الذكر كالأنثى } . .ولا تنهض الأنثى بما ينهض به الذكر في هذا المجال : { وإني سميتها مريم } . .( )
عن عمر قال: والله إني لأكره نفسي على الجماع رجاء أن يخرج الله مني نسمة تسبح.
و تأملوا عباد الله في دعاء عباد الرحمن {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا } [الفرقان: 74]
يقول ابن كثير رحمه الله-وقوله: { وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ } يعني: الذين يسألون الله أن يخرج من أصلابهم وذرياتهم من يطيعه ويعبده وحده لا شريك له.
قال ابن عباس: يعنون من يعمل بالطاعة، فتقر به أعينهم في الدنيا والآخرة.
وقال عكرمة: لم يريدوا بذلك صباحة ولا جمالا ولكن أرادوا أن يكونوا مطيعين.
وقال الحسن البصري -وسئل عن هذه الآية -فقال: أن يري الله العبد المسلم من زوجته، ومن أخيه، ومن حميمه طاعة الله. لا والله ما شيء أقر لعين المسلم من أن يرى ولدا، أو ولد ولد، أو أخا، أو حميما مطيعا لله عز وجل.
وقال ابن جريج في قوله: { وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ } قال: يعبدونك ويحسنون عبادتك، ولا يجرون علينا الجرائر.( )
يقول ابن عاشور: إنها جامعة للكمال في الدين واستقامة الأحوال في الحياة، إذ لا تقر عيون المؤمنين إلا بأزواج وأبناء مؤمنين، فمن أجل ذلك جعل دعاؤهم هذا من أسباب جزائهم بالجنة، وإن كان فيه حظ لنفوسهم بقرّة أعينهم.
الحكمة الثانية لتكثير سواد الأمة
=========================
عن معقل بن يسار رضي الله عنه عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((تزوَّجوا الودودَ الولود؛ فإني مكاثِر بكم الأممَ يومَ القيامة))( )
إن تكثير سواد الأمة وإن كان مقصدا شرعيا مرغوبا فيه إلا أن الشريعة إحاطته بشروط تضبطه، فهي لا تقصد إلى كثرة غثائية، بل إلى نسل قوي مؤمن يسعى إلى مرضاة ربه وخدمة أمته وحسن عمارة الأرض. يقول الشيخ شلتوت: إن الشريعة في الوقت الذي حثت فيه على كثرة النسل إنماء للأمة وتكوينها لقوتها قضت بصيانة هذه الكثرة من الضعف ومن أن تكون غثاء كغثاء السيل: وإلى هذا تشير الكثير من الآيات القرآنية،
و انظروا إلى فرحة النبي –صلى الله عليه وسلم – بكثرة امته عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: تَحَدَّثْنَا عِنْدَ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَيْلَةً حَتَّى أَكْرَيْنَا الْحَدِيثَ ثُمَّ رَجَعْنَا إلَى أَهْلِينَا فَلَمَّا أَصْبَحْنَا غَدَوْنَا عَلَى نَبِيِّ اللهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ: " عُرِضَتْ عَلَيَّ الْأَنْبِيَاءُ بِأُمَمِهَا وَأَتْبَاعِهَا مِنْ أُمَّتِهَا فَجَعَلَ النَّبِيُّ يَمُرُّ وَمَعَهُ الثَّلَاثَةُ مِنْ أُمَّتِهِ وَالنَّبِيُّ مَعَهُ الْعِصَابَةُ مِنْ أُمَّتِهِ وَالنَّبِيُّ مَعَهُ النَّفَرُ مِنْ أُمَّتِهِ وَالنَّبِيُّ وَمَا مَعَهُ أَحَدٌ مِنْ أُمَّتِهِ حَتَّى مَرَّ عَلَيَّ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ فِي كَبْكَبَةٍ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ أَعْجَبُونِي فَقُلْتُ: يَا رَبِّ مَنْ هَؤُلَاءِ قَالَ: هَذَا أَخُوكَ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ وَمَنْ تَبِعَهُ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ فَقُلْتُ: يَا رَبِّ فَأَيْنَ أُمَّتِي؟ قَالَ: انْظُرْ عَنْ يَمِينِكَ فَنَظَرْتُ فَإِذَا الظِّرَابُ ظِرَابُ مَكَّةَ تَهَوَّشُ قَدْ سُدَّ بِوُجُوهِ الرِّجَالِ قَالَ: رَضِيتَ؟ قُلْتُ: رَبِّ رَضِيتُ , مَنْ هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ أُمَّتُكَ أَفَرَضِيتَ؟ قُلْتُ: رَضِيتُ رَبِّ. ثُمَّ قَالَ: انْظُرْ عَنْ يَسَارِكَ فَنَظَرْتُ فَإِذَا الْأُفُقُ قَدْ سُدَّ بِوُجُوهِ الرِّجَالِ قَالَ: رَضِيتَ؟ قُلْتُ: رَبِّ رَضِيتُ قَالَ: فَإِنَّ مَعَ هَؤُلَاءِ سَبْعِينَ أَلْفًا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ لَا حِسَابَ عَلَيْهِمْ "( )
الحكمة الثالثة تنجب أبناء للدفاع عن الإسلام وحماية راية التوحيد
=============================
وهي الأمنية الكبرى أن تنجب أبناء ليكونوا حماة للإسلام والمسلمين ليرفعوا راية التوحيد ويكونوا حصنا للإسلام تتحطم عليه أطماع الحاقدين والكافرين
فها هو نبي الله سليمان الذي أعطاه الله ملكا لم يعطه أحدا من قبله و لا أحدا من بعده يتمنى ان ينجب أبناء ليجاهدوا في سبيل الله يصور لنا ذلك المشهد الرائع من الامنيات السليمانية
عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "قال سليمان بن داود عليهما السلام: لأطوفن الليلة على مائة امرأة فتأتي كل امرأة برجل يضرب بالسيف؛ ولم يقل إن شاء الله فطاف عليهن فجاءت واحدة بنصف ولد، ولو قال سليمان إن شاء الله لكان ما قال"( ).
عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "قال سليمان بن داود: لأطوفن الليلة على سبعين امرأة تحمل كل امرأة فارسا يجاهد في سبيل الله، فقال له صاحبه: إن شاء الله، فلم يقل ولم تحمل شيئا إلا واحدا ساقطا أحد شقيه" فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لو قالها لجاهدوا في سبيل الله"( )
قاله -عليه السلام -على سبيل التمني للخير، وإنما جزم به لأنه غلب عليه الرجاء، لكونه قصد به الخيرَ وأمرَ الآخرة، لا غرض الدنيا
انظر إلى الغثائية التي تحيها الأمة في الحقبة الأخير كما صورها خير البرية – صلى الله عليه وسلم-
عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « يُوشِكُ الأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا ». فَقَالَ قَائِلٌ وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ قَالَ « بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ وَلَيَنْزِعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمُ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِى قُلُوبِكُمُ الْوَهَنَ ». فَقَالَ قَائِلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْوَهَنُ قَالَ « حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ ».( )
أما أمة الإسلام في عصرنا الحاضر فعددها مئات الملايين وكيانها دول ودويلات متناثرة ضعيفة متخاذلة يحيط بها أعداؤها كما تحيط الأكلة الجياع بقصعتها ولكنهم مع هذه الكثرة كما قال الرسول "غثاء كغثاء السيل" لا قوة ولا منعة ونحن نحس هذا ونشاهده ونحترق بناره
هذه الألف مليون من البشر التي تعمر الأرض الإسلامية غثاء كغثاء السيل، لا يقام له وزن، تقضى الأمور وهو غائب. كما كان الشاعر العربي القديم يقول عن قبيلة "تيم":
ويقضي الأمر حين تغيب تيم ولا يستأذنون وهم شهود
الحكمة الرابعة تنجب أبناء ليكونوا زينة الحياة الدنيا
=================================
قد عد الإسلام النسل من النعم التي تبهج الحياة وتحقق السعادة قال تعالى: ﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا ﴾ [سورة الكهف آية: 46].
إن الإنجاب من النعم الكبرى التي أنعم الله بها على كثير من خلقه، ووهبها الكثير من عباده، في حين حكم على بعضهم بالعقم، وعدم الإنجاب، لحكمة ربانية يعلمها الله وحده - تبارك وتعالى – ولا بد من الرضا بالقضاء والقدر. قال تعالى: ﴿ لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ﴾ [سورة الشورى الآيتان: 49-50] .
فحكمة الله -تعالى -هي الغالبة، وما قد يراه الإنسان شرًّا قد يكون خيرًا له، فلو قدر لهما إنجاب أطفال لجاءوا غير أصحاء أو أشقياء، فيعكرون على الأب والأم حياتهما، وتصبح حياة الأسرة نكدًا وجحيمًا، فلا يجوز للمرء ندب قدره.
الحكمة الخامسة: ليكونوا رصيدك بعد موتك
===============================
أيها الآباء والأمهات من الحكمة العلية والغايات السنية للإنجاب أن تنجب أبناء ليكونوا رصيدا لك بعد موتك
عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا مات الإنسانُ انقطع عنه عملهُ إلا من ثلاثةٍ: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له)) ( ) رواه مسلم
في الحديث فضل الولد الصالح؛ حيث إنه مِن عمل والده إذا أحسن تربيته، ففيه الحث على تربية الأولاد الصالحين؛ فهم الذين ينفعون والديهم في الآخرة، ومِن نفعهم أنهم يدعون لهم، وهذا الدعاء منه ما هو مباشر من قِبلهم، ومنه ما هو بالتسبُّب إذا أحسنوا إلى الناس دعوا لوالديهم، وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله عز وجل لَيرفع الدرجة للعبد الصالح في الجنة، فيقول: يا رب، أنَّى لي هذه؟ فيقول: باستغفار ولدك لك))؛ رواه أحمد( )، والحديث يشمل جميع الأولاد الصالحين؛ فيدخل فيهم البنات وأولاد البنين، كما أن في الحديث حثًّا للأولاد على الدعاء لوالديهم.( )
أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم الكريم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
=============
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما.
أما بعد:
الحكمة السادسة ليكونوا شفعاء لك ليوم القيامة
=======================
في ذلك اليوم الذي وصفه الله تعالى بقوله { يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ } [عبس: 34 - 37]
قال عكرمة: يلقى الرجل زوجته فيقول لها: يا هذه أي بعل كنت لك؟ فتقول: نعم البعل كنت، وتثني بخير ما استطاعت، فيقول لها: فإني أطلب إليك اليوم حسنة واحدة تهبيها لي لعلي أنحو مما ترين، فتقول له: ما أيسر ما طلبت، ولكن لا أطيق أن أعطيك شيئاً أتخوف مثل الذي تخاف، قال : وإن الرجل ليلقى ابنه فيعلق به فيقول : يا بني أي ولد كنت لك؟ فيثني بخير، فيقول له : يا بني إني احتجت إلى مثقال ذرة من حسناتك لعلي أنجو بها مما ترى فيقول ولده : يا أبتِ ما أيسر ما طلبت ، ولكني أتخوف مثل الذي تتخوف ، فلا أستطيع أن أُعطيك شيئاً ، يقول الله تعالى : { يَوْمَ يَفِرُّ المرء مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وصاحبته وَبَنِيهِ } وفي الحديث الصحيح في أمر الشفاعة : « حتى عيسى ابن مريم يقول : لا أسأله اليوم إلاّ نفسي ، لا أسأله مريم التي ولدتني »( )
في ذلك اليوم يفرح الآباء بأبنائهم الطائعين المؤمنين في عرصات يوم القيامة
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يجيء القرآن يوم القيامة فيقول : يا رب حلِّه ، فيلبس تاج الكرامة ثم يقول : يا رب زِدْه ، فيلبس حلة الكرامة ، ثم يقول : يا رب ارض عنه فيرضى عنه ، فيقال له : اقرأ وارق وتزاد بكل آية حسنة " .( ).
• أنه يَشفع فيه القرآن عند ربِّه .
عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلم : " يجيء القرآن يوم القيامة كالرجل الشاحب يقول لصاحبه : هل تعرفني ؟ أنا الذي كنتُ أُسهر ليلك وأظمئ هواجرك ، وإن كل تاجر من وراء تجارته وأنا لك اليوم من وراء كل تاجر فيعطى الملك بيمينه والخلد بشماله ويوضع على رأسه تاج الوقار ، ويُكسى والداه حلَّتين لا تقوم لهما الدنيا وما فيها ، فيقولان : يا رب أنى لنا هذا ؟ فيقال لهما : بتعليم ولدكما القرآن "( ) ..
وعن بريدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من قرأ القرآن وتعلَّم وعمل به أُلبس والداه يوم القيامة تاجاً من نور ضوؤه مثل ضوء الشمس، ويكسى والداه حلتين لا تقوم لهما الدنيا فيقولان : بم كسينا هذا ؟ فيقال: بأخذ ولدكما القرآن " . ( )

التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات