قضاء حوائج الناس والمجتمع للشيخ فوزي محمد ابوزيد
الحمد
لله ربِّ العالمين، ولىِّ المتقين، وناصر المستضعفين، ورافع الكرب عن المكروبين، وملبِّى
الدعاء للسائلين من المؤمنين أجمعين.
سبحانه
.. سبحانه، مَنْ توكَّلَ عليه كفاه، ومَنْ ناداه لبَّاه، ومَنْ دعاه أجاب دعاه، ومن
استنصر به نَصَرَهُ على جميع عِداه.
وأشهد
أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، (يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ)
(222البقرة).
وأشهد
أنَّ سيدنا محمداً عَبْدُهُ ورسولُه، خير مَنْ أرسله المَلِكُ العلاَّم، وأفضل مَنْ
عمل أعمال البرِّ التي بها وَصَلَ إلى أعلى مقام.
اللهُمَّ
صلِّ وسلِّمْ وباركْ على حبيبك ومصطفاك، وقرُّة عينك ومجتباك، سيدنا محمد وآله وصحبه،
والسالكين على نهجه، والماشين على شرعه إلى يوم الدين، وعلينا معهم أجمعين، آمين
.. آمين، يا ربَّ العالمين.
أيها
الأخوة جماعة المؤمنين:
سمع
أصحابُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلَّم حديثه القدسيّ الذي يرويه عن مولاه جلَّ في
عُلاه، والذي يقول سبحانه وتعالى في فحواه:
(ما
تقرَّب إلىَّ عبدي بشيء أحب إلىَّ مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلىَّ بالنوافل
حتى أحبَّه، فإذا أحببتُهُ كنتُ سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يُبصر به، ولسانه الذي
ينطق به، ورجله التي يمشي بها، ويده التي يبطش بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذ
بي لأعيذنه) ( البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه)
فعرفوا
أن الباب لِحُبِّ الله، والوصول إلى هذا المقام الكريم الذي تحدَّث عن أوصافه جلَّ
الله، هي النوافل.
أيُّ
النوافل يتقربون بها إلى الله؟!!
انقسموا
إلى فريقين:
فريقٌ
سارع في نوافل العبادات؛ كإحياء الليل بصلاة القيام، وإحياء النهار بالصيام، وقطع الوقت
على الدوام بتلاوة القرآن، وذكر الله عزّ وجلَّ على كلِّ الحالات. وبعضهم بالغ في ذلك!!
حتى أن: (ثلاثة منهم جلسوا مع أنفسهم وتعاهدوا فيما بينهم، قال أولهم: أما أنا فأقوم
الليل أبداً - ولا أنام الليل، وقال الثاني: وأما أنا فأصوم النهار أبدا، وأما الثالث
فقال: وأنا لا أتزوج النساء). يعني: يتفرغون لطاعة الله وعبادة الله، وظنُّوا أن هذا
هو الطريق الميمون الموصل إلى محبَّة الله جلَّ في عُلاه.
فسمعهم
النبيُّ التقيُّ النقيُّ الذكيُّ الألمعيِّ الذي علَّمه مولاه العلىُّ:
(وَعَلَّمَكَ
مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا) (113النساء).
علَّمه
الله من علمه المكنون، فقال: (أنتم الذين تقولون كذا؟!! فسكتوا. فقال: (أما أنا فأقوم
وأرقد، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس منى) ( متفق عليه عن أنس
رضي الله عنه)
أما
الطائفة النُّجَبَاء، الأعلى في المقام في معية سيد الرسل والأنبياء، فقد فَطِنُوا
إلى كلام الحقّ، واستنُّوا بسنَّةِ سيِّد الخَلْق، فعلموا أن النوافل التي تُوجب محبَّة
الله، هي التي يتقرَّب العبد بها بخلق الله ولِخَلْقِ الله إلى جناب الله جلَّ في عُلاه.
هناك
نوافل بينك وبين الله، وهناك نوافل – خدمات، إعانات، مساعدات - تقدمها لخَلْقِ الله
طلباً لمرضاة الله، وهذه هي الأعلى في المقام عند الله جلَّ في عُلاه.
مَنْ
الذي يريد أن يكون في درجته ومعيته – صلى الله عليه وسلم - يوم القيامة وفي جنت النعيم؟
ويكون له بالإضافة إلى ذلك أجرُ قيام الليل وصيام النهار والجهاد في سبيل الله؟!! وكلُّها
في وقتٍ واحد!! يعني يكون طوال عمره يُكتب له أجر المجاهدين في سبيل الله، وأجر القائمين
طوال الليل في عمره كلِّه الذي كتبه له مولاه، وأجر صيام النهار أيام دهره الذي قدَّره
له الله، مَنْ الذي يريد ذلك؟!! وبأيِّ عملٍ يحصل على ذلك؟!! اسمعوا لحضرة النَّبِيِّ
- وصَلُّوا عليه - وهو يُبيِّن لنا ذلك:
يقول
صلى الله عليه وسلَّم: (الساعي على الأرملة والمسكين، كالمجاهد في سبيل الله، والقائم
لا ينام، والصائم لا يفطر) ( البخاري ومسلم وأحمد والنسائي والترمذي وابن ماجة عن أبي
هريرة رضي الله عنه).
الذي
يسعى على أرملة ضعيفة - ليُطعمها أو يعالجها أو يوفر لها ضروراتها - أو الذي يبحث عن
مسكين - يقدِّم له ما يحتاجه طلباً لمرضاة ربِّ العالمين عزّ وجلَّ.
ثم
يبين في حديث آخر فيقول صلى الله عليه وسلَّم: (أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين
- وأشار إلى أصبعيه) ( البخاري وأبو داود وأحمد والترمذي والبيهقي وابن حبان عن سهل
بن سعد رضي الله عنه)
أي
أن الذي يكفل يتيماً يكون مع حضرة النَّبِيِّ في درجته ومعيته:
(فَأُوْلَـئِكَ
مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء
وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقًا) (69النساء).
من
الذي يستطيع أن يثبت اقدامه يوم تزل الأقدام!! وهل ذلك ممكن؟!! جعله النَّبِيُّ ممكناً
لنا جماعة المؤمنين!! قال صلى الله عليه وسلَّم : (من مشى مع أخيه المسلمِ في حاجةٍ
حتى تتهيأَ له أثبتَ اللهُ قدمَه يومَ تَزِلُّ الأقدامُ) ( روى الطبراني وابن أبي الدنيا
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما).
وليس
ذلك فقط، بل يقول النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلَّم في منزلتك يوم القيامة: (من سعى
في حاجة أخيه المؤمن - قُضِيَتْ أو لم تُقْضَ - ابتغاء وجه الله، كنتُ واقفاً عند ميزانه
يوم القيامة، فإن رجحت كفَّة حسناته وإلا شفعت له) ( رواه أبو نعيم في الحلية عن عبد
الله بن عمر رضي الله عنهما)
ينال
شفاعة الرسول لأنه يسعى في مصالح ومنافع المؤمنين، لا لعلَّة دنيوية، ولا لغرضٍ فانٍ،
وإنما لمرضاة الله، وابتغاء شفاعة حبيب الله ومصطفاه صلى الله عليه وسلَّم.
ولذا
كان كُمَّلُ أصحاب النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلَّم ورضوان الله تبارك وتعالى عليهم
أجمعين، كانت هذه نوافلهم التي يتقربون بها إلى الله.
تعالوا
معي ننظر إلى رجلٍ يُقال فيه:
(لو
وُزن إيمان هذه الأمة في كفّة، وإيمان أبي بكرٍ في كفة، لرجحت كفة أبي بكر) ( رواه
البيهقي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مرفوعاً ورواه غيره موقوفاً)
كم
ركعة كان يصليها في الليل لله؟
وكم
ختمة كان يختمها للقرآن في الفجر بين يدي الله؟
وكم
مرةً كان يُسبِّح الله؟
لا
هذا ولا ذاك. إذن ما هي طاعته التي كان يقدمها لله في جوف الليل؟!! كان يبحث عن المستضعفين
- والمساكين الذين لا عائل لهم، ولا أنيس لهم، ولا خادم لهم - ويجعل قيامه الليل في
خدمتهم، وتنظيف بيوتهم، وتوفير حاجاتهم. ولم يكن وحده في ذلك، بل كان يتنافس معه عُمَرُ
وغيره من أصحاب النبي الأمين!! لأنهم سمعوا قول الله في ذلك: (وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ
الْمُتَنَافِسُونَ) (26المطففين)
يروى
عمر رضي الله عنه أنه أخذ يبحث عن امرأة مُقعدة في المدينة - ليس لها عائلٌ ولا زائرٌ
ولا أنيس - ليخدمها ابتغاء وجه الله، وَبَعْدَ جهدٍ؛ وجد امرأة ليس لها أبٌ ولا أخٍ
ولا أخت، ولا ابن ولا ابنة، أي: منقطعة، ومقعدة لا تستطيع الحركة - وكان يذهب إليها
بالليل، لأنهم كانوا يحرصون على إخفاء العمل عن الناس حتى لا يطَّلع عليهم إلا ربُّ
الناس عزَّ وجلَّ، لا يتباهون بين الخلق بهذا العمل، ولا يطلقون ألسنتهم عمَّا فعلوا
أو عملوا، بل يجعلون هذا سرًّا بينهم وبين الخالق الباري عزَّ وجلَّ - فيذهب إليها
في الليل، وكلَّما ذهب إليها وجد البيت نظيفاً، وبجوارها الماء، وبجوارها الطعام، وبجوارها
كل ما تحتاج إليه،
فيسألها:
يا أمَةَ الله، مَنْ الذي يصنع لكِ ذلك؟
فتقول:
رجلٌ يأتيني لا أعرفه ويقوم بكل ذلك، فدفعته نفسه وفضوله إلى التعرُّف على هذا الرجل،
فسألها يوماً: متى يأتيكِ؟ قالت: قبل الفجر بساعة - في الوقت الذي يقول فيه الله:
(كَانُوا
قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ. وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)
(17الذاريات).
هذا
كان قيامه الليل لله عزّ وجلَّ وليس في المسجد، وهذا يراه وهذا يطلع عليه ويسألوه:
ماذا تفعل وماذا تسوِّي؟ لا يطَّلع عليه إلا مولاه جلَّ في عُلاه، وعبادته هي جَبْرُ
خاطر هذه المسكينة لوجه الله، وهذه أعلى وأغلى من آلاف الركعات التي يصليها المرء لله
جلَّ في عُلاه. فذهب قبل الميعاد واستخفى في مكان ليرى هذا الرجل، وإذا به يرى هذا
الرجل هو أبو بكر رضي الله عنه، فقال لنفسه معنِّفاً ومؤنِّباً: تبَّاً لك يا عمر،
أتتبع عثرات أبي بكر؟!!
هذا
كان دأبهم!! وهذا كان شأنهم!! وهذه كانت نوافلهم التي يتقرَّبون بها إلى الله جلَّ
في عُلاه، وهي رعاية الأيتام، ورعاية الفقراء، ورعاية المساكين، ورعاية المرضى، ورعاية
ذوي العاهات والحاجات!!!
من
الذي يريد أن يدخل الجنة بغير صلاة ولا صيام؟ (نافلة) وهل أحدٌ يدخل الجنة بغير صلاة
ولا صيام؟!! أوجب النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلَّم للمرء أن يدخل الجنة إذا مشي أربعين
خطوة - ولكنها بشرط!! أن يمسك بيده رجلٍ أعمى لا يبصر ويقوده في الطريق، فقال صلى الله
عليه وسلَّم: (من قاد أعمى أربعين خطوة وجبت له الجنة)( الطبراني في الكبير وأبو يعلى
عن ابن عمر رضي الله عنهما )
انظر
إلى عناية الدِّينِ بهذه العبادة التي غَفَلَ عنها شبابنا وشيوخنا، وأقبلوا على الطاعات
والعبادات التي بينهم وبين الله، ونسوا سُنَّة التكافل التي سَنَّها لنا رسول الله
صلى الله عليه وسلَّم!!!
كان
على هذا الهَدْيِ الصحابة الكرام، ومَنْ بعدهم مِنْ السلف الصالح أجمعين، وانظر إلى
كلِّ المقربين والصالحين من عصر حضرة النَّبِيِّ إلى يومنا هذا، تجدهم على هذه الشاكلة
وعلى هذا الحال.
مات
الإمام على زين العابدين بن الإمام الحسين - وكانوا يلقبونه: بـــ (زَيْنِ العَابِدِينَ)،
لكثرة عبادته لله!! - وبعد موته وضعوه على خشبة الغسل لتغسيله، فإذا بهم يفاجئون أن
ظهره فيه كالُّو كبيرٍ!! كأنه يعمل عتالاً يحمل الأثقال على ظهره!! وهم يعلمون أنه
رجلٌ مرفَّه، ومن الوجهاء والأغنياء، وعنده الخدم وعنده الأولاد!! فتعجَّبوا من هذا
الأمر. وبعد شهرٍ من دفنه فوجئوا بثلاثين أسرة في المدينة ينكشف حالهم ولا يجدون القُوتَ
الضروري!!! فذهبوا إليهم وسألوهم: كيف كنتم تعيشون؟! وكيف كنتم تقتاتون؟!!
فقالوا
جميعاً: كان يأتينا رجلٌ مع مطلع الهلال - يعني في أول كلِّ شهر عربيّ - يحمل جوالَ
دقيقٍ على ظهره، وفي يده اليمنى وعاءٌ فيه سمنٌ، وفي يده اليُسرى صُرَّة فيها نقود،
فيدق الباب، فإذا سمع ردَّنا وقالوا: من بالباب؟ خرجنا فوجدنا هذه الأشياء ولم نجد
أحداً بالباب!!
فعلموا
أنه رضي الله عنه كان يَكْفُلُ هذه الأسر كلَّها ولا يعلمون ولا تعلم حتى زوجته ولا
ولده شيئاً، لأنه يعمل لله طلباً لمرضاة الله جلَّ في عُلاه!!! (يَدْعُونَ رَبَّهُم
بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) (28الكهف).
ولا
علاج لأحوال مجتمعنا، ولا خروج من مشكلاتنا، إلاَّ إذا أعدنا هذا التكافل الإسلامي
فيما بيننا، ونعمل هذا لله - لا للشهرة بين الخَلْق، ولا رغبة في الظهور، ولا رغبة
في أن يُقال عن الإنسان أنه جوادٌ أو كريم، أو كذا وكذا - ولكن رغبةً في رضاء الله،
ورغبةً في مشاركة حبيب الله ومصطفاه في درجته العُليا عند الله، يوم لقاء الله عزّ
وجلَّ.
من
استطاع أن يفعل ذلك، وجاهد نفسه في ذلك، فهنيئاً له المقام العلىّ، وهنيئاً له بالدرجة
الكريمة، ونبشِّرُه بأنه يوم القيامة سيكون مع النَّبِيِّ وأصحاب النَّبِيِّ في الموقف
العظيم، وفي الجنة العُظمى يوم القيامة بين يدي الكريم، يدخل في قول الله:
(محمد
رسول الله والذين معه) (29الفتح).
قال
صلى الله عليه وسلَّم:
(الراحمون
يرحمهم الرحمن ارحموا من فسي الأرض من السماء) ( أبو داود والترمذي عن عبد الله بن
عمرو بن العاص رضي الله عنهما).
أو
كما قال: (تُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)
(31النور)
الخطبة
الثانية:
الحمد
لله ربِّ العالمين، الذي أحيا قلوبنا بالنور والهُدَى والإيمان واليقين، وجعلنا من
عباده المسلمين.
وأشهد
أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يوفِّق مَنْ يحبُّه للعمل بما يحبُّه ويرضاه
في كل وقتٍ وحين.
وأشهد
أنَّ سيدنا محمداً عَبْدُ اللهِ ورسوله، الصادقُ الوعد الأمين.
اللهم
صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها
الأخوة المؤمنون:
إن
الله عزّ وجلَّ مِنْ حنانته وشفقته ورحمته بعباده المؤمنين، جعل لهم في كلِّ عملٍ
- وإن كان ظاهره عملاً دنيويًّا - إذا سبقته نيَّةٌ صالحة لله، ونَوَى به العبد وَجْهَ
مولاه، أجوراً لا تُعدُّ عند الله عزّ وجلَّ!!
كلُّنا
يسعى لينفع نفسه وبنيه، ويكفيهم ويكفُّهم عن الحاجة. سارع الناس في هذا الزمان إلى
السعي السريع وإن خالف شَرْعَ الله، والمكسب السريع وإن خالف سُنَّةَ رسول الله، وظنُّوا
أن الأمر أمر المال والدنيا، وتناسوا أنَّ السعي إذا كان في الحلال وكان فيه تعب، وكان
فيه مشقة، وكان فيه عنت، فإن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم يقول في شأنه:
(من بات كالاًّ – يعنى: مُتْعَباً - من عمله، بات مغفوراً له) (رواه ابن عساكر عن المقدام
رضي الله عنه).
من
يسعى في الحلال، وآخر النهار يبيت متعباً من العمل، يبيت وقد غفر الله له ذنوبه!! وما
جاء به لأهله، كيف يعامله الله عزّ وجلَّ فيه؟
يقول
صلى الله عليه وسلَّم: (نفقة الرجل على أهله كالنفقة في سبيل الله، الدرهم بسبعمائة
ألف درهم) ( روى الإمام أحمد من حديث أبو عبيدة بن الجراح)
.
كلُّ درهمٍ ينفقه على أولاده - إن كان لمطعم أو لمشرب، أو لملبس أو لمسكن، أو لتعليم
أو لعلاج - الدرهم له أجر سبعمائة ألف دررهم!!!
أما
الذي يتعجَّل الحرام فإنَّ مَالَهُ كلَّه عليه ذنوبٌ وآثام، لأنه يُسأل عن كلِّ قرشٍ
جَنَاه، مِنْ أين اكتسبه؟ أي: من حلال أم من حرام – وفيما أنفقته؟ ثم بعد ذلك كلُّ
مالٍ جاء من الحرام يُسلَّط صاحبه على إنفاقه في الذنوب والآثام!! وانظروا تروا العجب
العجاب، كل ما جاء مِنْ حرام يُنْفَقُ على الذنوب والآثام!!
كَثُرَتْ
المخدرات والمسكرات، لماذا؟!! أموالٌ اكتسبوها مِنْ حرام، فلابد أن ينفقوها في اكتساب
الذنوب والآثام!! يشترون بأموالهم جهنم وبئس القرار!! لا يُوفق لإنفاقها على بيتٍ من
بيوت الله، ولا يوفق للذهاب بها إلى بيت الله، إلاَّ إذا كان للشهرة والسمعة، وذلك
عليه وليس له عند الله جلَّ وعلا.
ولذلك
عَيَّنَ هارون الرشيد أخاه مفتشاً على الأسواق في عصره، وبعد سنة استدعاه، وقال له:
تعالى يا أخي، لَـمْ أرك تُحَرِّرُ محضراً واحداً مع كثرة الغشاشين والنصابين وكذا
وكذا - وكان أخوه من الصالحين - فقال: يا أمير المؤمنين، نظرت فوجدت الله يقتصُّ من
الظالمين أولاً بأول، قال: كيف؟ قال: كل مالٍ جمعوه من حرام سلَّطهم الله على إنفاقه
في الذنوب والآثام. فماذا بعد ذلك؟!!
فيحاسب
عليه كله: من أين اكتسبته وفي ما أنفقته، ثم يشتري به المعاصي والذنوب والعيوب،
أي:
يشترى به أن يدخل به جهنم وبئس القرار، لأنه تعجَّل وحاول أن يحصل على الرزق من الحرام
مع أن الله عزّ وجلَّ أمر المؤمنين بتحري المطعم الحلال:
(يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ) (172البقرة).
وأنا
متأكد أنه لو استطعنا في مجتمعنا أن نقضى على المُسكرات والمخدرات، لذهب 99% من الحوادث
والقضايا والأشياء التي تحدث في مجتمعنا!! فإنَّه ما لوَّث مجتمعنا إلاَّ من هذه المسكرات
وهذه المنكرات. فإن الذي يتعاطاها لا يدرى من أمر نفسه شيئاً، لا يعرف التي أمامه!!
إن كانت أخته أو زوجه أو أمه أو ابنته، لا يعرف من هذا الذي أمامه!! إن كان أخوه أو
أبوه، ثم يتعلل بعد ذلك ويقول: إني كنت كذا وكذا.
آفة
المجتمع في هذه الأيام – يا إخواني - هذه المسكرات، ولو تعلمون ما يُنفق فيها لعجبتم:
أربعون ملياراً تُنفق في مصر على المسكرات والمخدرات، ثم نشكو الفقر، ونشكو العوَز،
ونشكو البطالة!!
أربعون
ملياراً تُنفق في هذا الباب!!! هلاَّ أنفقناها في أقوات نسوقها إلى الخَلْق؟!! هلاَّ
أنفقناها في تزويج الشباب والبنات؟!! هلاَّ أنفقناها في عمل مصانع أو إصلاح أرض لتشغيل
العاطلين؟
نسأل
الله عزّ وجلَّ أن يوفِّق شبابنا وبناتنا إلى الهُدى والنهج القويم، وأن يأخذ بأيدينا
وأيديهم إلى الصراط المستقيم، وأن يوفِّقنا وإياهم إلى كلِّ عملٍ كريم، وأن يحفظنا
وبناتنا وأولادنا من مخالفة الله وعصيان أمره، ويجعلنا وإياهم بشريعة الله عاملين،
وبِسُنَّةِ حبيبه صلى الله عليه وسلَّم آخذين، وعن المعاصي والمخالفات كلِّها مُنتهين.
.... ثم الدعاء