خير الناس أنفعهم للناس د. محمد عامر
المقدمة
الحمد
لله رب العالمين, الحمد لله الذي أراد فقدر, وملك فقهر, وخلق فأمر وعبد فأثاب, وشكر,
وعصي فعذب وغفر, جعل مصير الذين كفرو إلي سقر, والذين اقو ربهم إلي جنات ونهر, ليجز
الذين كفرو بما عملو, والذين امنوا بالحسنى
واشهد
إن لا اله إلا الله, وحده لا شريك له, له الملك, وله الحمد, وهو علي كل شيء قدير
يارب
رضاك
خير إلي من الدنيا وما فيها يا مالك النفس قاصيها ودانيها
فنظرة
منك يا سـؤلي ويـا أملى خير إلى من الدنيـا وما فيها
فليـس
للنـفس أمـآل تحققـها سوى رضاك فذا أقصى أمانيها
وأشهد
أن سيدنا وحبيبنا وشفيعنا محمد عبد الله ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه
بلغ
الرسالة وأدى الأمانة وكشف الظلمة وأحاط به الغمة وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه
اليقين
يا
سيدي يا رسول الله :
أنت
الذي تستوجب التفضيل فصلوا عليه بكرة وأصيـلا
ملئت
نبوته الوـجود فأظهرا بحسامه الدين الحديد فأسفرا
ومن
لم يصلي عليه كان بخيل فصـلوا عليه وسلموا تسليما
وعلي
اله وأصحابه ومن سار على نهجه وتمسك بسنته واقتدى بهديه واتبعهم بإحسان إلي يوم الدين
ونحن معهم يا أرحم الراحمين
أما
بعد
قَالَ
تَعَالَى: ﴿ لاَ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ
أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ
اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمً ﴾ [النساء: 114]
ويقول
تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ
وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [الحج:77.
وفي
الصحيحين عن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا
يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ
وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ
يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَة".
فمن
كان الله في حاجته أتظنون أنه يخيب؟ أتظنون أنه يضيع؟ لا والله.
فكم
من إنسان ينام في فراشه ، لا يقوم الليل ولا يقرأ قرآنًا، بل هو نائم في نوم عميق تُقرع
أبواب السماء عشرات الدعوات له؛ من جائع أطعمه، أو عارٍ كساه، أو مكروب نفَّث عنه،
أو مستدين قَضَى عنه دَيْنه، هؤلاء يدعون له بالخير، يدعون له بالبركة، يدعون له بالرحمة؛
لأنه كان في نهاره أو في ليله وأيامه ساعيًا في قضاء حوائج المسلمين. كل منا بحاجة
إلى الناس، الغني عن الناس رب العالمين (إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ)
اسمحوا
لي في بداية خطبتي أن أعيش وإياكم مع شاب خرج من قريته بعد أن تآمر القوم على قتله،
خرج خائفا فقيرا جائعا يتوقع الشر في كل لحظة، هاربا من بطش الظالمين، شاب أنهكه التعب
والجوع والظمأ، لا يملك لا مالا ولا متاعا، شاب مشى حتى انتهى به المطاف إلى قرية ليستريح
فيها، وما كاد يجلس على الأرض ليستريح من عناء السفر حتى رأى منظرا استفز فيه رجولته
ونخوته ودينه، فيا ترى ماذا رأى؟!
رأى
فتاتين عفيفتين طاهرتين تتحاشيان الاختلاط بالرجال معهما أغنامهما ؛ وعلى الرغم من
أنه لا يعرفهما وليس له حاجة عندهما إلا أنه رأى أنها فرصة لأن يكسب الأجر عند الله
بقضاء حاجتهما، فسقى لهما ثم بعد أن أنجز تلك المهمة لم يطلب منهما أجرة ما عمل أو
انتظر منهن كلمة شكر، إنما تولى إلى الظل ليستظل من تلك الحرارة الشديدة، فيا ترى من
هو هذا الشاب؟
إنه
رسول من أولي العزم من الرسل، إنه كليم الله موسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم
التسليم.
واستمعوا
لربكم يقص عليكم ذلك الموقف: ﴿ فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ
نَجِّنِي مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ
عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ * وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ
وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنْ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمْ امْرَأتَيْنِ
تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ
وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ * فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ
رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ﴾ [القصص:21-24
هل
ذهب عمله ذلك هباء منثورا؟
لا
والله.. لقد تكفل بثمن عمله رب العالمين واسمعوا للثمن: ﴿ فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا
تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا
سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ
مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَاأَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ
خَيْرَ مَنْ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ * قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ
إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَةَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ
عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ
اللَّهُ مِنْ الصَّالِحِينَ ﴾ [القصص:25-27.
الله
أكبر! نتيجة قضاء حوائج المسلمين، وكشف كرباتهم، أمان بعد الخوف ورزق بعد الفقر وزوجة
بعد العزوبة هذا جزاء في الدنيا حصل عليه نبي الله موسى- عليه السلام -، فكيف بجزاء
الآخرة؟!.
أُمُّ
المُؤمِنِينَ خَدِيجَةُ رضي اللهُ عنها تَقُولُ عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم:
"إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتُكْسِبُ الْمَعْدُومَ،
وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ"رواه البخاري.
وأبواب
نفع الناس كثيرة:
_____________
كقضاء
ديونهم، أو الصدقة على الفقراء منهم، أو تفريج كربهم، أو الصلح بينهم، أو إدخال السرور
عليهم،.. وغيرها، روى البخاري ومسلم في صحيحيهما مِن حَدِيثِ سَعِيدِ بنِ أَبِي بُرْدَةَ
عَن أَبِيهِ عَن جَدِّهِ: عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم قَالَ: "كُلُّ
سُلَامَى مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ، كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ
قَالَ: تَعْدِلُ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ صَدَقَةٌ، وَتُعِينُ الرَّجُلَ فِي دَابَّتِهِ
فَتَحْمِلُهُ عَلَيْهَا أَوْ تَرْفَعُ لَهُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ، وَالْكَلِمَةُ
الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ خُطْوَةٍ تَمْشِيهَا إِلَى الصَّلَاةِ صَدَقَةٌ، وَتُمِيطُ
الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ".
ونفع
الناس، والسعي في كشف كروباتهم، من صفات الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، فالكريم
يوسف بن يعقوب ابن إسحاق عليه السلام مع ما فعله إخوته به جهزهم بجهازهم ولم يبخسهم
شيئًا منه، وموسى عليه السلام لما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من
دونهم امرأتين مستضعفتين، فرفع الحجر عن البئر وسقى لهما حتى رويت أغنامهما، وَأُمُّ
المُؤمِنِينَ خَدِيجَةُ رضي اللهُ عنها تَقُولُ عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم:
إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتُكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَقْرِي
الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ.
قصص
الصحابة والتابعين عن قضاء الحوائج
_________________________
والصحابة
رضي الله عنهم كانوا يسيرون على منهجه صلى اللهُ عليه وسلم، فيخدمون الناس وينفعونهم،
فأبو بكر الصديق رضي اللهُ عنه أسلم وله أربعون ألفًا، فأنفقها في سبيل الله، وأعتق
سبعة كلهم يعذَّب في سبيل الله، أعتق بلالًا، وعامر بن فهيرة، وزنبرة، والنهدية وابنتها،
وجارية بن مؤمل، وأم عبيس، وعمر بن الخطاب كان يتعاهد الأرامل يسقي لهن الماء ليلًا،
ورآه طلحة بالليل يدخل بيت امرأة، فدخل عليها طلحة نهارًا، فإذا عجوز عمياء مقعدة،
فسألها: ما يصنع هذا الرجل عندك؟ قالت: هذا منذ كذا وكذا يتعاهدني يأتيني بما يصلحني
ويخرج عني الأذى، وعثمان بن عفان اشترى بئر رومة بخمسة وثلاثين ألف درهم، وجعلها للغني
والفقير وابن السبيل
روى
أبو نعيم عن مالك الداراني:
_________________
أن
عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أخذ أربعمائة دينار فجعلها في صرة، فقال للغلام:
اذهب بها إلى أبي عبيدة بن الجراح، ثم انتظر ساعةً في البيت حتى تنظر ما يصنع، فذهب
بها الغلام، فقال: يقول لك أمير المؤمنين: اجعل هذه في بعض حاجتك، فقال: وصله الله
ورحمه، ثم قال: تعالي يا جارية، اذهبي بهذه السبعة إلى فلان، وبهذه الخمسة إلى فلان،
وبهذه الخمسة إلى فلان، حتى أنفذها، فرجع الغلام إلى عمر رضي الله تعالى عنه، وأخبره
فوجده قد أعد مثلها لمعاذ بن جبل، فقال: اذهب بها إلى معاذ وانتظر في البيت ساعةً حتى
تنظر ما يصنع، فذهب بها إليه، فقال: يقول لك أمير المؤمنين: اجعل هذه في بعض حاجتك،
فقال: رحمه الله ووصله، تعالي يا جارية، اذهبي إلى بيت فلان بكذا، اذهبي إلى بيت فلان
بكذا، فاطلعت امرأة معاذ، فقالت: ونحن والله مساكين فأعطنا، ولم يبق في الخرقة إلا
ديناران، فألقى بهما إليها - ورجع الغلام إلى عمر، فأخبره، فسُرَّ بذلك، وقال:
"إنهم إخوة بعضهم من بعض".
ثابت
البناني:
________
استعان
رجل بثابت البناني رحمه الله على القاضي في حاجة، فجعل لا يمر بمسجد إلا نزل فصلى حتى
انتهى إلى القاضي، فكلمه في حاجة الرجل فقضاها، فأقبل ثابت على الرجل، فقال:
"لعله شقَّ عليك ما رأيت؟"، قال: نعم، قال: "ما صليت صلاةً إلا طلبت
إلى الله تعالى في حاجتك"
الإمام
أبوحنيفة
________
قال
عبدالله بن رجاء الغداني البصري رحمه الله: كان لأبي حنيفة رحمه الله جار إسكاف -
(صانع الأحذية) - يعمل نهاره أجمع، فإذا جنَّه الليل رجع إلى منزله وقد حمل لحمًا فطبخه،
أو سمكةً فشواها، ثم لا يزال يشرب حتى إذا دبَّ الشراب فيه غزل بصوت يقول:
أضاعوني
وأي فتًى أضاعوا ♦♦♦ ليومِ كريهةٍ وسدادِ ثغرِ
فلا
يزال يشرب الخمر ويردد هذا البيت حتى يأخذه النوم، وكان أبو حنيفة يصلي الليل كله،
ففقَد أبو حنيفة ليلةً صوته، فاستخبر عنه، فقيل: أخذه العسس وهو محبوس، فلما صلى أبو
حنيفة الصبح من غده ركب بغلته، وجاء الأمير فاستأذن عليه، فأذِن له وألا ينزل حتى يطأ
البِساط، فلم يزل الأمير يوسع له في مجلسه حتى أنزله مساويًا له؛ فقال: ما حاجتك؟ فقال:
إسكاف أخذه الحرس ليأمر الأمير بتخليته، قال: نعم، وكل من أخذ معه تلك الليلة، فخلى
جميعهم، فركب أبو حنيفة والإسكاف يمشي وراءه، ولما نزل مضى إليه، وقال: يا فتى أضعناك؟
قال: لا، بل حفظت ورعيت جزاك الله خيرًا عن حرمة الجار ورعاية الحق، وتاب الرجل، ولم
يعد إلى ما كان فيه؛ (تاريخ بغداد؛ للخطيب البغدادي، ج15، ص 487).
الإمام
أبوحنيفة
________
قال
قيس بن الربيع رحمه الله: كان أبو حنيفة يبعث بالبضائع إلى بغداد، فيشتري بها الأمتعة
ويحملها إلى الكوفة، ويجمع الأرباح عنده من سنة إلى سنة، فيشتري بها حوائج الأشياخ
المحدثين وأقواتهم وكسوتهم، وجميع حوائجهم، ثم يدفع باقي الدنانير من الأرباح إليهم،
فيقول: أنفقوا في حوائجكم، ولا تحمدوا إلا الله، فإني ما أعطيتكم من مالي شيئًا، ولكن
من فضل الله علي فيكم، وهذه أرباح بضائعكم، فإنه هو والله مما يجريه الله لكم على يدي،
فما في رزق الله حول لغيره؛ (تاريخ بغداد، للخطيب البغدادي، ج13، ص362).
عبدالله
بن عامر بن كريز:
_______________
قال
عبدالله بن محمد الفروي رحمه الله: اشترى عبدالله بن عامر بن كريز من خالد بن عقبة
بن أبي معيط داره التي في السوق؛ ليفتح بها بابه على السوق بثمانين أو تسعين ألفًا،
فلما كان من الليل سمع بكاءً، فقال لأهله: "ما لهؤلاء يبكون؟"، قالوا: على
دارهم، قال: "يا غلام، ايتِهمْ وأعلِمهم أن الدار والمال لهم"؛ ( مكارم الأخلاق؛
لابن أبي الدنيا، ص86، رقم 351).
هارون
الرقي:
________
قال
الإمام ابن الجوزي رحمه الله: كان هارون الرقي رحمه الله قد عاهد الله ألا يسأله أحد
كتاب شفاعة إلا فعل، فجاءه رجل فأخبره أن ابنه قد أُسِر بالروم، وسأله أن يكتب إلى
ملك الروم في إطلاقه، فقال له: ويحك ومن أين يعرفني وإذا سأل عني قيل: هو مسلم، فكيف
يقضي حقي؟ فقال له السائل: اذكر العهد مع الله تعالى، فكتب له إلى ملك الروم، فلما
قرأ الكتاب، قال: من هذا الذي قد شفع إلينا؟ قيل: هذا رجل قد عاهد الله ألا يُسأل كتاب
شفاعة إلا كتَبه إلى أي من كان، فقال ملك الروم: هذا حقيق بالإسعاف، أطلقوا أسيره،
واكتبوا جواب كتابه، وقولوا له: اكتب بكل حاجة تعرض، فإنا نشفعك فيها؛ (الآداب الشرعية؛
لابن مفلح الحنبلي، ج2، ص181)
الساعي
لقضاء الحوائج موعود بالإعانة، مؤيد بالتوفيق:
__________________________
قال-
عليه الصلاة والسلام -: "...والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه..".
تعين
أخاك المسلم فيعينك الله، ترحمه فيرحمك، تستره فيسترك، تنفِّس عنه كربةً من كرب الدنيا،
فينفس الله عنك كربة من كرب القيامة، تضع عنه بعض الدين، يضع عنك بعض الوزر ، تفرج
عن عسرته، يفرج الله عن عسرك يوم القيامة وهكذا.
قال
إبراهيم بن أدهم: " من لم يواسِ الناس بماله وطعامه، وشرابه - فليواسهم ببسط الوجه،
والخلق الحسن"
أقول
ما تسمعون، وأستغفر الله فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة
الثانية
________
الحمد
لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن سار
على الدرب المستقيم من بعدهم إلى يوم الدين.
أيها
المسلمون عباد الله:
_____________
قضاء
حوائج الناس يعتبر من أعظم العبادات وأجل القربات إلى الله:
أخرج
الطبراني وغيره عن ابن عمرَ رضي الله عنهما أنّ رجلاً جاء إلى النبيّ- عليه الصلاة
والسلام - فقال:
يا
رسولَ الله، أيُّ الناسِ أحبّ إلى الله؟ وأيّ الأعمالِ أحبُّ إلى الله؟ فقال رسولُ
الله - صلى الله عليه وسلم -: "أحب الناس إلى الله - عز وجل - أنفعهم للناس، وأحب
الأعمال إلى الله سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه ديناً، أو تطرد
عنه جوعاً، ولأن أمشي مع أخ لي في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد شهراً (في
مسجد المدينة) ومن كف غضبه ستر الله عورته، ومن كظم غضبه ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ
الله قلبه رخاء يوم القيامة، ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى تتهيأ له ثبت الله قدمه يوم
تزول الأقدام". حسن الألباني إسناده في السلسلة الصحيحة.
هذا
الحديث لو عملنا بما فيه لكنا من أحب الناس إلى الله:
"أحبُّ
الناسِ إلى الله تعالى أنفعُهم للنّاس، وأحبّ الأعمال إلى الله سرورٌ يدخِله إلى مسلمٍ
أو يكشِف عنه كربةً أو تقضِي عنه دينًا أو تطرُد عنه جوعًا،...".
إن
قضاء حوائج الآخرين، أفضل من الاعتكاف في مسجد النبي شهرا:
"...ولأن
أمشيَ مع أخٍ لي في حاجةٍ أحبّ إليّ مِن أن أعتكِفَ في هذا المسجد - يعني مسجدَ المدينة
- شهرًا،..."
قضاء
حوائج المسلمين أمان من الفزع الأكبر:
جاء
في تكملة الحديث السابق: "...ومن مشى مع أخيه المسلمِ في حاجةٍ حتى تتهيأ له أثبتَ
اللهُ قدمَه يومَ تَزِلُّ الأقدامُ".
قال
ابن عباس: إن لله عباداً يستريح الناس إليهم في قضاء حوائجهم وإدخال السرور عليهم أولئك
هم الآمنون من عذاب يوم القيامة.
وجاء
في صحيح مسلم أن النبي- عليه الصلاة والسلام -قال: "من سرَّه أن ينجيه الله من
كرب يوم القيامة فلينفس عن معسر أو يضع عنه".
معاشر
المسلمين:
اصنعوا
المعروف لكي تنالوا مغفرة الله تعالى وتدخلوا جنته، وأحسنوا إلى عباد الله، وأدوا إليهم
حقوقهم الواجبة والمستحبة حتى يحسن الله إليكم، وييسر لكم أموركم، ويفرج عنكم كربكم
في الدنيا والآخرة. نسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يوفقنا وإياكم
لفعل الخير والإحسان إلى الخلق إنه سميع مجيب، واسأله أن يجعلني وإياكم من الذين يستمعون
القول فيتبعون أحسنة أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب.
عباد
الله: إن الله تعالى قد أمرنا بأمر بدأ فيه بنفسه فقال سبحانه: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ
يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا
تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56.
هذا
وما كان من توفيقٍ فمن الله وحده، وما كان من خطأٍ، أو سهوٍ، أو نسيانٍ، فمني ومن الشيطان،
وأعوذ بالله أن أذكركم به وأنساه، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمدٍ وعلى آله وأصحابه
الأطهار الأخيار ومَن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.