فَأَمَّا الْيَتِيـمَ فَلَا تَقْهَـرْ للشيخ عبد الناصر بليح
الحمد لله رب العالمين .. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في سلطانه أجزل الخير للطائعين كافلي اليتامى والمساكين ..وأشهد أنَّ سيدنا محمدًا عبد الله ورسوله، سيد الهداة الصادقين، وقدوة العاملين بإحسانٍ إلى يوم الدينالقائل :”مَنْ مَسَحَ رَأْسَ يَتِيمٍ لَمْ يَمْسَحْهُ إِلاَّ لِلَّهِ كَانَ لَهُ بِكُلِّ شَعْرَةٍ مَرَّتْ عَلَيْهَا يَدُهُ حَسَنَاتٌ وَمَنْ أَحْسَنَ إِلَى يَتِيمَةٍ أَوْ يَتِيمٍ عِنْدَهُ كُنْتُ أَنَا وَهُوَ فِى الْجَنَّةِ كَهَاتَيْنِ وَفَرَّقَ بَيْنَ أُصْبُعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى.”( أحمد).. اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد فيا جماعة الإسلام :
يقول الله تعالي لنبيه صلي الله عليه وسلم :” فَأَمَّا الْيَتِيـمَ فَلَا تَقْهَـرْ“(الضحي/9).
إخوة الإيمان :” إنَّ اليتامى في قلب المجتمع المسلم يمثلون نقطة مُضيئة بالحسنات، والأجور العاليات، من ربِّ الأرض والسموات، وذلك لمن نَظَرَ إلى الأمر بعين قلبه، وألقى سمعه إلى أمر الله – تعالى – وبيان رسوله – صلَّى الله عليه وسلَّم – وإحساسُهُ الإيمانيُّ حاضرٌ لا يغيب.
وإن الإحسان إلى اليتيم خلق إسلامي رفيع حثنا الإسلام عليه وندبنا إليه , بل وجعله من أفضل الأعمال وأزكاها , قال تعالى : ” لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقابِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ”( البقرة/177).
من هو اليتيم :
إخوة الإيمان اليتيم من البشر: مَن فَقَدَ أباه وهو دون الحُلُم، ومن فَقَدَ أبويه فهو لطيم، واليتيم من الطير أو الوحش مَن فقد أُمَّه، وأما عن اليُتْمِ في اللغة، فله معانٍ قد تتعدد منها:
- الغفلة، وذلك ببيان حال اليتيم أنَّ كافله وراعيه يَموت حين يفقد والدَه نَبْعَ الحنان والرعاية، وغطاء الأسرة الساجي، ثم يكون بعد ذلك محتاجًا إلى من يهتم به وقت ما تغافل عنه الناس، وانشغلوا كلٌّ بما يغنيه..
ومن معاني اليتم: الانفراد، يقول الناس في أمثالهم: هذه دُرَّة يتيمة؛ أي: إنَّها شيء منفرد، وهذا عالم يتيم في بابه؛ أي: إنَّه لا يوجد له نظير، وهذا إنسان يتيم في أخلاقه، بمعنى عَزَّ أن يوجد مثله.
- ومن معاني اليتم: الفقد، بمعنى أنَّ اليتيم يفقد حاجيَّات يجدها غيره، يفقد ثوبًا يريد أن يسترَ به بدنَه، أو يفقد معنًى يُكسبه الشعور بالثِّقة وعدم الاضطراب، أو ربَّما يفقد مالاً يريد أن يحقق به مصلحة أو يدرك به مآرب أخرى.
أيتام وأباؤهم أحياء
وهناك أيتام يُقاسون اليتم على معنى آخر، في قلب مُجمعاتنا الكبيرة والصَّغيرة على السواء، لهم آباء ولهم أمَّهات؛ لكنهم – مع الأسف – يتجرَّعون مرارات اليتم، ويَشعرون به، ذلكم الذين يعالج آباؤهم وأمهاتهم أمورَهم من زوايا مادية أو شكلية أو مظهرية، و يهتمون فقط بملء بطونهم من جوع، أو بسترة أجسامهم من عراء، ثم لا يأبهون – بعد ذلك – بتطلعات الرُّوح وملء شآبيب القلوب رِيًًّا وحنانًا، وحشو الجنان آدابًا وأخلاقًا، وببقية أمور التربية والتعليم والإصلاح، فتنشأ أجيالٌ فاقدة لحسن الخلق، بعيدةً عن ساحات المساجد، تربيها الأيام والليالي، ولا تربيها صيحات المنابر، ولا تلاوات المحاريب؛ لأنَّ الوالدين لم يكونا أَدِلاَّءَ خيرٍٍ على طريق المسجد، فصار الوالدُ والوالدة عائقًا وسببًا في عدم إكرام الأولاد، وحسن تربيتهم في الإسلام، مع أنَّهم نشؤوا على قوة البدن، لكنَّهم في ميدان التربية الخلقيَّة والرُّوحية
أيتام، وفي ذلك قول أمير الشعراء:
لَيْسَ الْيَتِيمُ مَنِ انْتَهَى أَبَوَاهُ مِن هَمِّ الْحَيَاةِ وَخَلَّفَاهُ ذَلِيــــلاً
فَأَصَابَ بِالدُّنْيَا الْحَكِيمَةِ مِنْهُمَا وَبِحُسِنِ تَرْبِيَةِ الزَّمَانِ بَدِيلاَ
إِنَّ الْيَتِيمَ هُوَ الَّذِي تَلْقَى لَه أُمًّا تَخَلَّتْ أَوْ أَبًا مَشْغُـــــــــولاَ
إِنَّ الْمُقَصِّرَ قَدْ يَحُولُ وَلَنْ تَرَى لِجَهَالَةِ الطَّبْعِ الْغَبِيِّ مُحِيلاَ
حينما يترك الوالدُ ولدَه للشوارع والشاشات وعروضها الفاسدة، تُجَمِّلُ في المخيلة الساذجة منازعَ الحمق والفساد، وحثالة الأفكار، ورَدِيء الفلسفات، ثم يَمتطي هذا الوالد صهوة الفخر الكذوب، ويقول: أنا ربيت أولادي أفضلَ تربية وأكملها، ونحن بدورنا نؤكد ونوقن أن أولادَه يعانون اليُتْمَ من أعمق معانيه.
أو حينما يكون هذا الوالد ذاته سببًا في فساد أولاده، يشكل لهم القُدوة السيئة في أبهى حللها، كأنْ يكون كذابًا، فيتعلمون منه الكذب، أو مختالاً بطرًا يتشربون منه الكبر والخيلاء والاستطالة على عباد الله، أو يأكل الحرام، ولا يبالي من أيِّ طريق قد جمع أرزاقه، فينشأ أولاده وقد مردوا منذ أزمان على أشباه هذه المعاني يومًا بعد يوم، فيترسب في قرائحهم أنَّ هذا هو الحق، وأنَّ غيره هو عين الباطل، وحال الوالد والولد ..
أولادنا مُحتاجون إلى مَن يُربي عقولهم وأفكارَهم وقلوبَهم وضمائرهم بعيدًا عن التشابه في تربية الدَّواب، أو تربية الأشكال – وإلاَّ فهم أشباه الأيتام – فإنَّ الإنسان يرقى أجواز العُلا بروحه لا بجسمه وصورته.
أولادنا في أمس الحاجة إلي نظرة عطف وحنان ورعاية تشملهم جميعاً .. لأن حال الكثير من اليتامى اليوم كما صوره القائل :”
يمشي اليتيم وكل شيء ضده *** والناس تغلق دونه أبوابها.
وتراه ممقوتاً وليس بمذنب***ويرى العداوة لا يرى أسبابها.
حتى الكلاب إذا رأت ذا ثروة ***خضعت لديه وحركت أذنابها.
وإذا رأت يومـاً يتيمــــاً عابراً*** نبحت عليه وكشرت أنيابها.
يُتْمُ النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – :”
يتم النبي صلي الله عليه وسلم تكريمٌ إلهي، وقد تشرَّف معنى اليتم ذاته؛ لما نسب إلى الحبيب سيدنا محمد – صلَّى الله عليه وسلَّم – قال الله – تعالى: ” أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى “(الضحى/ 6). ذاك لأنَّه في حياة النَّبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – تكريم وكمال نعمة إلهيَّة، أما في حياة الناس فهو نقص، فالشعور باليتم ينقض الظهور القويَّة، ويربك المشاعر، ويمعن في تذكير النفس بالاحتياج والضجر، وذلك بعد رحيل الوالد في بني البشر؛ حيث يفقد اليتيم بعده مصدر الحنان الفطري الدَّائم، والذي يُمثل قمة العطاء بلا حدود، فالوالد بفطرته لا يهنأ ولا يستريحُ إلا مع أولاده – غالبًا – ولا يفرح إلا لهم وبهم؛ بل يقدم إرضاءَهم – أحيانًا – على رضا نفسه، ..
أمَّا اليتم في حياة الحبيب سيدنا محمد – صلَّى الله عليه وسلَّم – فقد تَمَيَّز بحيازة الكمال في التربية برعاية ربِّه له، والذي خاطبه – سبحانه – في معرض المنِّ والتَّذكير بالنِّعمة في قوله – تعالى -: ” أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى “(الضحى/6). رَغْمَ أنه انتقل – صلَّى الله عليه وسلَّم – في أطوار الرعاية الأولى بين حنان الأم الذي لم يدُم سوى ست سنوات من عمره المبارك، وبين رعاية الجد عبدالمطلب، والتي لم تدم بعد فَقْدِ الوالدة سوى عامين، ثم كانت الكفالة من عَمِّه أبي طالب، حتَّى شبَّ عن الطوق، ودخل في سن الشباب – صلَّى الله عليه وسلَّم – وليست هذه مصادفة وقعت في قلب الأحداث، بل إنَّها من القدر السعيد المُعَدِّ لرسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – قال الله – تعالى -:” إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ”(القمر/ 49). ، فلا يحدث في ملك الله إلا ما أراد، وشاءت إرادة العَلِي القدير أنْ ينشأ سيد الناس يتيمًا؛ ليجيره رب الناس من شدَّة اليتم وزيغ الآراء؛ طلبًا للهداية إلى طريقةٍ لإصلاح الذين يرتعون في عمايات الجاهليَّة، ثم أغناه الله – تعالى – به عن كل معين ونصير؛ قال تعالى:” أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى “(الضحى: 6-8). فهذا من صور الإعداد الخاص والعناية العظمى بسيد البشر – صلَّى الله عليه وسلَّم – من قِبَلِ ربه ومولاه؛ لذا كان أدبه هو الكامل الجمَّ الذي وسع كل مؤالف ومجانف؛ لأنَّه حاز حدود مراقي العُلا في تربيته؛ لأن ربَّه – سبحانه – هو الذي تولاه؛ لهذا على كلِّ عاقل أنْ يعلمَ أنَّ تربية الرجال ناقصة والكمال لله، فلا تقل: “رباني أبي”، ولكن قل: “رباني الإسلام”، إن استطعت أن تكمِّل النواقص في تربية الآباء، والله معين.
حث القرآن الكريم علي الإحسان إلي اليتامي :
أخوة الإيمان والإسلام :ولقد أكد القرآن الكريم على حقيقة الإحسان إلى اليتيم , وعدم الاعتداء على ماله , قال تعالى : ” وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152) وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (الأنعام/ 153). وقال : ” وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا” ( الإسراء/34).
كما أكد الإسلام على أن إكرام اليتيم سبيل إلى الفوز بالجنة , قال تعالى في وصف المؤمنين المتقين :”وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا “(الإنسان/8-12(.
وأكد القرآن كذلك على أن الله تعالى يحفظ حق اليتيم ويبقى صلاح الوالدين له بعد الممات , قال تعالى : ” وَأَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما وَيَسْتَخْرِجا كَنزَهُما رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذلِكَ تَأْوِيلُ ما لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً” (الكهف /82).
وحذر القرآن من إهانة اليتيم وأذاه بأي نوع من الاهانة والأذى , قال سبحانه: ” فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ “( الفجر/15-18). وقال تعالي : ” فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ”(الضحى/9) وقال تعالي :” أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ “( الماعون/1-2). أي: يظلمه ويهينه بأي صورة.
وقد حذر القرآن الكريم ونعي علي من يأكل أموال اليتامى ظلماً قال الله – تعالى -:” إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا” (النساء: 10). إنَّ كلمات القرآن بهذا الصدد تصور مشهدًا صعبًا عجيبًا عصيًّا على التخيُّل من شديد آلامه؛فهل لأحد طاقة علي أن يأكل النار.. فما بال أكلة أموال اليتامى لا يلتزمون بأوامر الله – تعالى – القائل: ” وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا “(النساء: 6).
بل أمر المولي عز وجل في القرآن الكريم بإعطائهم حقوقَهم كاملة العد والقيمة بلا إبطاء؛ قال الله – تعالى -: ” وَآَتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا “(النساء: 2)، فوصف أكل أموالهم بالظلم الكبير، الذي لا يعلم حدوده إلا الله – تعالى – ولهذا كان جزاء من يأكلون أموال اليتامى عاقبة الخسار والنَّدم.
ومن أجلِّ المواقف الإيمانيَّة للصحابة الكرام الوقَّافين عند حدود الله، وطوع أمره: ما ورد عن عطاء، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: “لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ – عَزَّ وَجَلَّ :” وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ “(الإسراء: 34). و” إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا “. [النساء: 10] الْآيَةَ، انْطَلَقَ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ يَتِيمٌ، فَعَزَلَ طَعَامَهُ مِنْ طَعَامِهِ، وَشَرَابَهُ مِنْ شَرَابِهِ، فَجَعَلَ يَفْضُلُ مِنْ طَعَامِهِ، فَيُحْبَسُ لَهُ؛ حَتَّى يَأْكُلَهُ أَوْ يَفْسُدَ، فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فَأَنْزَلَ اللَّهُ – عَزَّ وَجَلَّ -: “… وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ… ” (البقرة: 220)، فَخَلَطُوا طَعَامَهُمْ بِطَعَامِهِ وَشَرَابَهُمْ بِشَرَابِهِ”؛ (سنن أبي داوود).
فضل الإحسان إلي اليتامي في السنة المطهرة :
أيها الناس :” الأيتام هم رافدٌ من روافدِ السعادة في مجتمع المسلمين؛ لأنَّهم يملئون فراغًا روحيًّا صاديًا عند مَن أكرمه الله – تعالى – برقة القلب لهم، والحُنُوِّ الدائم عليهم، فهم من أسباب رقة القلوب الحاضرة، والنُّفوس الشاكرة، ويجمعون – مع ذلك – أرواحًا من شتاتها في بوتقة الإيمان؛ لصيانة سلامة المجتمع وحصاد الحسنات، تلك التي تأتلف على سَوْقِ الأفراح إلى القلوب التي يحتويها اليتم، فيتحول الأسى والحرمان إلى مُرُوج من العطاء والإكرام، بعيدًا عن الأحزان.
لهذا؛ كان الحديث عن اليتامى مُتْرَعًا بالبركات، دَرْجَ القرآن الكريم والسنة المطهرة، وكيف لا، وقد أفاض الله – تعالى – الحديث عنهم في غير موضعكما استمعنا أنفاً ، وفصَّل النبي الكريم – صلَّى الله عليه وسلَّم – حُقُوقهم، وحثَّ على الوفاء بها، بل حذَّر من المساس بأموالهم وأكلها بالباطل؟! فلا جَرْمَ أنْ أكرمَ بيوت الخلق تلك التي فيها أيتامٌ مكرمون” .
أحباب رسول الله :” لقد جاء الإسلام واليتيم ليس له حظ في الحياة فأمر بإكرامه والإحسان إليه ,حينما هاجر المسلمون إلى الحبشة وأرادت قريش إرجاعهم , وقف جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أمام النجاشي ملك الحبشة يشرح له محاسن الإسلام وأخلاقياته السامية فَقَالَ لَهُ : أَيُّهَا الْمَلِكُ ، كُنَّا قَوْمًا أَهْلَ جَاهِلِيَّةٍ ، نَعْبُدُ الأَصْنَامَ ، وَنَأْكُلُ الْمَيْتَةَ ، وَنَأْتِي الْفَوَاحِشَ ، وَنَقْطَعُ الأَرْحَامَ ، وَنُسِيءُ الْجِوَارَ ، يَأْكُلُ الْقَوِيُّ مِنَّا الضَّعِيفَ ، فَكُنَّا عَلَى ذَلِكَ ، حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْنَا رَسُولاً مِنَّا ، نَعْرِفُ نَسَبَهُ وَصِدْقَهُ ، وَأَمَانَتَهُ وَعَفَافَهُ، فَدَعَانَا إِلَى اللهِ لِنُوَحِّدَهُ وَنَعْبُدَهُ ، وَنَخْلَعَ مَا كُنَّا نَحْنُ نَعْبُدُ وَآبَاؤُنَا مِنْ دُونِهِ مِنَ الْحِجَارَةِ وَالأَوْثَانِ ، وَأَمَرَنَا بِصِدْقِ الْحَدِيثِ ، وَأَدَاءِ الأَمَانَةِ ، وَصِلَةِ الرَّحِمِ ، وَحُسْنِ الْجِوَارِ ، وَالْكَفِّ عَنْ ا لْمَحَارِمِ وَالدِّمَاءِ ، وَنَهَانَا عَنِ الْفَوَاحِشِ ، وَقَوْلِ الزُّورِ ، وَأَكْلِ مَالَ الْيَتِيمِ ، وَقَذْفِ الْمُحْصَنَةِ ، وَأَمَرَنَا أَنْ نَعْبُدَ اللهَ وَحْدَهُ ، لاَ نُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا ، وَأَمَرَنَا بِالصَّلاَةِ ، وَالزَّكَاةِ ، وَالصِّيَامِ . ( أحمد وابن خزيمة).
أخوة الإيمان والإسلام :” قد جعل الإسلام من السبع الموبقات التي توبق صاحبها وتدخله نار جهنم :” أكل مال اليتيم “.عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، عَنِ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم ، قَالَ: ” اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ ، وَمَا هُنَّ ؟ قَالَ : الشِّرْكُ بِاللهِ ، وَالسِّحْرُ ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ، وَأَكْلُ الرِّبَا ، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلاَتِ. “.( البخاري ومسلم). عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ :” وَلاَ تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ” وَ:” إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا”. قَالَ اجْتَنَبَ النَّاسُ مَالَ الْيَتِيمِ وَطَعَامَهُ فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَشَكَوْا ذَلِكَ إِلَى النَّبِىِّ صلي الله عليه وسلم فَأَنْزَلَ اللَّهُ :”وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاَحٌ لَهُمْ خَيْرٌ” إِلَى قَوْلِهِ :” لأَعْنَتَكُمْ “( أحمد وأبو داود).
قال الشاعر : تنتهب مال اليتامى ظالما * * * ودع الربا فكلاهما فسقان
وقد تمادى بعض الذين ظلموا أنفسهم بإيذاء اليتامى، بعد أن أكرمهم الله – تعالى – بأن جعلهم مسئولين عنهم، كأعمامهم، أو أزواج أمَّهاتهم، فساموهم سوء العذاب، وحوَّلوا حياة أيتامهم إلى جحيم لا يطاق، وأكلوا أموالهم، وواقعُ الحياة زاخر بأمواج البشر الذين آذوا اليتامى، وكانوا لهم في الأرض فتنة، وقصص الأشقياء بظُلمهم مَروية في سمع الأيام غير مطويَّة، نقرؤها بمداد الأسى على صفحات الجرائد، ونراها على الشاشات، ونطالع فصولاً حيَّةً من هذا اللؤم الاجتماعي الرخيص في بيوت الجيران أحيانًا، فأين هم من تحذير النبي الكريم – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنِّي أحرِّج حقَّ الضَّعيفين: اليتيمِ والمرأةِ””( أحمد وابن ماجه ).
أخوة الإيمان والإسلام :كما أكد الإسلام على أن إكرام اليتيم سبيل إلى الفوز بالجنة .فقد جعل النبي صلي الله عليه وسلم حق الضعيفين : اليتيم والمرأة من أولى الحقوق بالرعاية والعناية , عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيِّ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلي الله عليه وسلم : “اللَّهُمَّ إِنِّي أُحَرِّجُ حَقَّ الضَّعِيفَيْنِ : حَقَّ الْيَتِيمِ ، وَحَقَّ الْمَرْأَةِ”.(النسائي).
كما قال الشاعر:
كفاك بالعلم في الأُمِّيِّ معجزةً * * * في الجاهلية والتأديب في اليتمِ
ذُكِرتَ بِاليُتمِ في القُرآنِ تَكرِمَةً *** وَقيمَةُ اللُؤلُؤِ المَكنونِ في اليُتُمِ
أخوة الإيمان والإسلام :”كافل اليتيم يصحب الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم في الجنّة، وكفى بذلك شرفاً وفخراً .فقد جعل صلي الله عليه وسلم كافل اليتيم مرافقاً ومصاحباً له في الجنة , فعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ , قَالَ : قَالَ رَسُولُ الله , صلي الله عليه وسلم :” أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ كَهَاتَيْنِ فِى الْجَنَّةِ , وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى , وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا قَلِيلاً.”( اْحمد والبخاري ). وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلي الله عليه وسلم : كَافِلُ الْيَتِيمِ لَهُ ، أَوْ لِغَيْرِهِ ، أَنَا وَهُوَ كَهَاتَيْنِ فِي الْجَنَّةِ ، إِذَا اتَّقَى اللهَ. وَأَشَارَ مَالِكٌ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى. “( أحمد ومسلم ).
قال : كعب بن مالك : أول أمر عتب على أبي لبابة أنه كان بينه و بين يتيم عذق ، فاختصما إلى النبي صلي الله عليه وسلم ، فقضى النبي صلي الله عليه وسلم لأبي لبابة ، فبكى اليتيم ، فقال النبي صلي الله عليه وسلم : “دعه له “، فأبى ، قال : ” فأعطه إياه و لك مثله في الجنة “، فأبى فانطلق ابن الدحداح فقال لأبي لبابة : بعني العذق بحديقتين . قال : نعم . ثم انطلق إلى النبي صلي الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ! أرأيت إن أعطيت هذا اليتيم هذا العذق ، ألي مثله في الجنة ؟ قال : نعم ، فأعطاه إياه ، قال : فكان النبي صلي الله عليه وسلم يقول :” كم من عذق دواح لأبي الدحداح في الجنة “(أحمد والحاكم).
أخوة الإيمان والإسلام : ” كفالة اليتيم والمسح على رأسه وتطييب خاطره يرقّق القلب ويزيل عنه القسوة” . فقد جعل الإسلام ذلك سبباً لجلاء ومعالجة قسوة القلب ,
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَجُلاً شَكَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صلي الله عليه وسلم قَسْوَةَ قَلْبِهِ ، فَقَالَ لَهُ : إِنْ أَرَدْتَ أَنْ يَلِينَ قَلْبُكَ فَأَطْعِمِ الْمِسْكِينَ ، وَامْسَحْ رَأْسَ الْيَتِيمِ.”( أحمد ).
وعَنْ أَبِى أُمَامَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم قَالَ:” مَنْ مَسَحَ رَأْسَ يَتِيمٍ لَمْ يَمْسَحْهُ إِلاَّ لِلَّهِ كَانَ لَهُ بِكُلِّ شَعْرَةٍ مَرَّتْ عَلَيْهَا يَدُهُ حَسَنَاتٌ وَمَنْ أَحْسَنَ إِلَى يَتِيمَةٍ أَوْ يَتِيمٍ عِنْدَهُ كُنْتُ أَنَا وَهُوَ فِى الْجَنَّةِ كَهَاتَيْنِ وَفَرَّقَ بَيْنَ أُصْبُعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى.”( أحمد).
*كفالة اليتيم دليل على صلاح المرأة إذا مات زوجها فعالت أولادها وخيريّتها في الدّنيا وفوزها بالجنّة ومصاحبة الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم في الآخرة. قال رسول الله صلي الله عليه وسلم أنا وامرأة سفعاء الخدين كهاتين يوم القيامة وأومأ يزيد بالوسطى والسبابة امرأة أمت من زوجها ذات منصب وجمال حبست نفسها على يتاماها حتى بانوا أو ماتوا”(أبو داود(.
وخير البيوت البيت الذي فيه يتيم يكرم وشرها البيت الذي فيه يتيم يهان , فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ: خَيْرُ بَيْتٍ فِي الْمُسْلِمِينَ بَيْتٌ فِيهِ يَتِيمٌ يُحْسَنُ إِلَيْهِ ، وَشَرُّ بَيْتٍ فِي الْمُسْلِمِينَ بَيْتٌ فِيهِ يَتِيمٌ يُسَاءُ إِلَيْهِ ، ثُمَّ قَالَ بِإِصْبَعَيْهُ :أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ هَكَذَا ،وَهُوَ يُشِيرُ بِإِصْبُعَيْهِ”(البُخاري وابن ماجة).
الخطبة الثانية :
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي أشرف المرسلين ..أما بعد فياجماعة الإسلام ..
لقد جاء الإسلام واليتيم ليس له حظ في الحياة فأمر بإكرامه والإحسان إليه ,حينما هاجر المسلمون إلى الحبشة وأرادت قريش إرجاعهم , وقف جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أمام النجاشي ملك الحبشة يشرح له محاسن الإسلام وأخلاقياته السامية فَقَالَ لَهُ : أَيُّهَا الْمَلِكُ ، كُنَّا قَوْمًا أَهْلَ جَاهِلِيَّةٍ ، نَعْبُدُ الأَصْنَامَ ، وَنَأْكُلُ الْمَيْتَةَ ، وَنَأْتِي الْفَوَاحِشَ ، وَنَقْطَعُ الأَرْحَامَ ، وَنُسِيءُ الْجِوَارَ ، يَأْكُلُ الْقَوِيُّ مِنَّا الضَّعِيفَ ، فَكُنَّا عَلَى ذَلِكَ ، حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْنَا رَسُولاً مِنَّا ، نَعْرِفُ نَسَبَهُ وَصِدْقَهُ ، وَأَمَانَتَهُ وَعَفَافَهُ، فَدَعَانَا إِلَى اللهِ لِنُوَحِّدَهُ وَنَعْبُدَهُ ، وَنَخْلَعَ مَا كُنَّا نَحْنُ نَعْبُدُ وَآبَاؤُنَا مِنْ دُونِهِ مِنَ الْحِجَارَةِ وَالأَوْثَانِ ، وَأَمَرَنَا بِصِدْقِ الْحَدِيثِ ، وَأَدَاءِ الأَمَانَةِ ، وَصِلَةِ الرَّحِمِ ، وَحُسْنِ الْجِوَارِ ، وَالْكَفِّ عَنْ الْمَحَارِمِ وَالدِّمَاءِ ، وَنَهَانَا عَنِ الْفَوَاحِشِ ، وَقَوْلِ الزُّورِ ، وَأَكْلِ مَالَ الْيَتِيمِ ، وَقَذْفِ الْمُحْصَنَةِ ، وَأَمَرَنَا أَنْ نَعْبُدَ اللهَ وَحْدَهُ ، لاَ نُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا ، وَأَمَرَنَا بِالصَّلاَةِ ، وَالزَّكَاةِ ، وَالصِّيَامِ . ( أحمد وابن خزيمة).
ولقد جاء في فضل الإحسان إلى الأرملة واليتيم :” أن امرأة مسلمة مات زوجها وأصابها وبناتها بعده الفقر والقلة فخرجت ببناتها إلى بلدة أخرى خوف شماتة الأعداء واتفق خروجها في شدة البرد فلما دخلت ذلك البلد أدخلت بناتها في بعض المساجد المهجورة ومضت تحتال لهم في القوت فمرت برجل وشرحت حالها له وقالت أنا امرأة مسلمة ومعي بنات أيتام أدخلتهم بعض المساجد المهجورة وأريد الليلة قوتهم فقال لها أقيمي عندي البينة إنك مسلمة شريفة فقالت أنا امرأة غريبة ما في البلد من يعرفني فأعرض عنها ..
فمضت من عنده منكسرة القلب فجاءت إلى رجل مجوسي فشرحت له حالها وأخبرته أن معها بنات أيتام وهي امرأة شريفة غريبة وقصت عليه ما جرى لها مع الشيخ المسلم فقام وأرسل بعض نسائه وأتوا بها وبناتها إلى داره فأطعمهن أطيب الطعام وألبسهن أفخر اللباس وباتوا عنده في نعمة وكرامة قال فلما انتصف الليل رأى ذلك
الشيخ المسلم في منامه كأن القيامة قد قامت وقد عقد اللواء على رأس النبي وإذا القصر من الزمرد الأخضر شرفاته من اللؤلؤ والياقوت وفيه قباب اللؤلؤ والمرجان فقال يا رسول الله لمن هذا القصر قال لرجل مسلم موحد فقال يا رسول الله أنا رجل مسلم موحد فقال رسول الله أقم عندي البينة أنك مسلم موحد قال فبقي متحيراً فقال له
لما قصدتك المرأة المسلمة الموحدة قلت أقيمي عندي البينة إنك فكذا أنت أقم عندي البينة إنك مسلم فانتبه الرجل حزينا على رده المرأة خائبة ثم جعل يطوف بالبلد ويسأل عنها حتى دل عليها أنها عند المجوسي فأرسل إليه فأتاه فقال له أريد منك المرأة الشريفة المسلمة وبناتها فقال ما إلى هذا من سبيل وقد لحقني من بركاتهم ما لحقني قال خذ مني ألف دينار وسلمهن إلي فقال لا أفعل فقال لا بد منهن فقال الذي تريده أنت أنا أحق به والقصر الذي رأيته في منامك خلق لي أتدل علي بالإسلام فو الله ما نمت البارحة أنا وأهل داري حتى أسلمنا كلنا على يد هذه المرأة ورأيت مثل الذي رأيت في منامك وقال لي رسول الله المسلمة وبناتها عندك قلت نعم يا رسول الله قال القصر لك ولأهل دارك وأنت وأهل دارك من أهل الجنة خلقك الله مؤمنا في الأزل قال فانصرف المسلم وبه من الحزن والكآبة ما لا يعلمه إلا الله فانظر رحمك الله إلى بركة الإحسان إلى الأرملة والأيتام ما أعقب صاحبه من الكرامة في الدنيا.( الذهبي : الكبائر (.
إخوة الإيمان والإسلام :” وعلي الجملة فإن من فضائل كفالة اليتيم :
- كفالة اليتيم صدقة يضاعف لها الأجر إن كانت على الأقرباء”أجر الصّدقة وأجر القرابة”.
- كفالة اليتيم والإنفاق عليه دليل طبع سليم وفطرة نقيّة.
- كفالة اليتيم تعود على الكافل بالخير العميم في الدّنيا فضلا عن الآخرة.
- كفالة اليتيم تساهم في بناء مجتمع سليم خال من الحقد والكراهيّة، وتسوده روح المحبّة والودّ.
- في إكرام اليتيم والقيام بأمره إكرام لمن شارك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في صفة اليتم، وفي هذا دليل على محبّته صلّى اللّه عليه وسلّم.
- كفالة اليتيم تزكي المال وتطهّره وتجعله نعم الصّاحب للمسلم.
- كفالة اليتيم من الأخلاق الحميدة الّتي أقرّها الإسلام وامتدح أهلها .
- في كفالة اليتيم بركة تحلّ على الكافل وتزيد من رزقه.
اللهم إنا نسألك رضاك والجنة ونعوذ بك من سخطك والنار..اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا إتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه .. اللهم أتنا في الدنيا حسنة والآخرة حسنة وقنا عذاب النار..وقوموا إلي صلاتكم يرحمكم الله ..وأقم الصلاة ..