كن إيجابيا د محمد عامر




عناصر الخطبة
1- المقدمة
2- الإيجابية مطلب قرآني
3- الإيجابية سنة مهجورة
4- أهمية الإيجابية
5- أمثلة الإيجابية في القرآن.
6- الايجابية في سنة الرسول صلى الله عليه وسلم
7- كيف تكون إيجابيًا
المقدمة
الحمد لله رب الأرض ورب السماء، خلق آدم وعلمه الأسماء..
وأسجد له ملائكته، وأسكنه الجنة دار البقاء...
 وحذره من الشيطان ألد الأعداء، ثم أنفذ فيه ما سبق به القضاء، فأهبطه إلى دار الابتلاء...
 وجعل الدنيا لذريته دار عمل لا دار جزاء، وتجلت رحمته بهم فتوالت الرسل والأنبياء...
 وما منهم أحد إلا جاء معه بفرقان وضياء، ثم ختمت الرسالات بالشريعة الغراء...
ونزل القرآن لما في الصدور شفاء، فأضاءت به قلوب العارفين والأتقياء...
 وترطبت بآياته ألسنة الذاكرين والأولياء، ونهل من فيض نوره العلماء والحكماء...
نحمده تبارك وتعالى على النعماء والسراء، ونستعينه على البأساء والضراء...
 ونعوذ بنور وجهه الكريم من جَهد البلاء، ودرك الشقاء، وعضال الداء، وشماتة الأعداء...
 ونسأله عيش السعداء، وموت الشهداء، والفوز في القضاء، وأن يسلك بنا طريق الأولياء الأصفياء...
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده ليس له أنداد ولا أشباه ولا شركاء...
خلق السموات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء...
خلق الخلق فمنهم السعداء ومنهم الأشقياء...
محيط بخلقه فليس لهارب منه نجاء...
قادر مقتدر فكل الممكنات في قدرته سواء...
سميع بصير يرى النملة السوداء في الليلة الظلماء...
ويسمع دبيبها على الصخرة الصماء...
أجرى الأمور بحكمته وقسم الأرزاق وفق مشيئته بغير عناء...
لا يشغله شأن عن شأن، فكل شيء خُلق بقدَر، وكل أمر جرى بقضاء...
وأشهد أن سيدنا محمدًا خاتم الرسل والأنبياء...
وإمام المجاهدين والأتقياء...
والشهيد يوم القيامة على الشهداء...
المعصوم صلى الله عليه وسلم فما أخطأ قطُّ وما أساء...
دعا أصحابه إلى الهدى فلبَّوُا النداء...
فإذا ذاته رحمة لهم ونور، وإذا سلوكه إشراق وضياء...
هو القدوة النيرة في الصبر على البلاء، والعمل لدار البقاء...
وهو الأسوة المشرقة في الزهد في دار الفَناء...
فكم مرت شهور ولا طعام له ولأهل بيته إلا التمر والماء...
اشتهر من قبل البعثة بالصدق، فلم يعرف عنه كذب ولا نفاق ولا رياء...
لم يؤثر عنه غدر، بل إخلاص وأمانة ووفاء...
صلى الله عليه قديمًا، وكذا الملائكة في السماء...
وصلى هو في المسجد الأقصى بالرسل والأنبياء...
سبح الحصى في كفه بخير الأسماء...
وحين ظمئ أصحابه نبع من بين أصابعه الماء..
اللهم صلِّ وسلِّم وبارك عليه وعلى آله وصحابته الأجلاء...
وعلى السائرين على دربه والداعين بدعوته إلى يوم اللقاء...
ما تعاقب الصبح والمساء، وما دام في الكون ظلمة وضياء...
• • •
أما بعد
 الإيجابية تحمل معاني التجاوب، والتفاعل، والعطاء، والشخص الإيجابي: هو الفرد، الحي، المتحرك، المتفاعل مع الوسط الذي يعيش فيه
الفرق بين السلبي والإيجابي:
إنه الفرق بين الليل والنهار.. الجماد والكائن الحي.. الفرق بين الوجود والعدم. والدليل على هذا قوله تعالى ﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَم لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [النحل:76] لقد سمى الله السلبي في هذه الآية " كّلاً" والإيجابي بـ " يأمر بالعدل".. "كلّ" أصعب من سلبي. لأن سلبي معناها غير فعال أما كلّ فمعناها الثقيل الكسول وقبل هذا فهو "أبكم" لا يتكلم ولا يرتفع له صوت.
مِن هنا نُعرِّف الرجل الإيجابيَّ بأنه رجل لا يهدأ له بال، ولا تَنطفِئ له جَذوة، ولا يكلُّ ولا يملُّ؛ حتى يُحقِّق هدفه الذي يَسعى إليه وغايتَه المنشودة.
الإيجابية مطلب قرآني
تحدث القرآن الكريم عن فضيلة الإيجابية في مواضع كثيرة بألفاظ مثل المسارعة والمسابقة والمنافسة ، مثل قوله تعالى : "إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ " [الأنبياء:90 ]، وقوله تبارك وتعالى : "وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ " آل عمران:1144]، وقوله جل وعلا : " ": وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدِّتْ لِلْمُتَّقِينَ" [آل عمران : 133 ]، وقوله : " سَابِقُوا إلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ" [ الحديد 222]، وقوله : " وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ " [ المطففين :26]
 فالقرآن الكريم جاء ليغرس الفضائل في نفوس المؤمنين ويشحذ الهمم إلى معالي الأمور وينهى عن السلبية وعن سفاسف الأمور ومن أوضح المظاهر ظاهرة الإيجابية وإليكم أيها الأحباب أحباب رسول الله بعض تلك المظاهر
 • إيجابية التعاون على البر والتقوى: قال تعالى: ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ ﴾ [المائدة: 2.
 فهو يدعو إلى أن يكون المجتمع مجتمع مثالي يتعاون الجميع في رقية والنهوض به ولا يكون ذلك إلا بالبر والتقوى.
 • إيجابية التفاعل الاجتماعي وأن يكون المسلم عضوا فعالا في بيئته فهو يتحسس الفقراء والمساكين ويحنو على اليتامى والأرامل.
وهو يصلح بين أفراد المجتمع ويزيل الشحناء والبغضاء.
وهو يجود بماله ووقته من اجل ان يعيش غيره في سعادة وهناء.
 قال تعالى: ﴿ لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَٰلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 114.
والصلح وفقاً للمدرسة الإسلامية في التربية، يعد خيرا يقول تعالى: ﴿ فَاتَّقُواْ اللَّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بَيْنِكُمْ ﴾ [الأنفال:1.
 ومن أقوى المشاعر الإيجابية أن المسلم يتربى على الإيمان بأن المسلمين جميعاً إخوانه يقول تعالى: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [الحجرات: 10.
• ومن مظاهر الإيجابية في القران ان يعمل المسلم ولا يكون كلا على غيره فالإسلام يدعونا للنشاط والحيوية وحب العمل يقول تعالى: ﴿ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [الجمعة:10] وفي هذا المعنى الكريم يقول رسولنا العظيم: «لأن يأخذ أحدكم أحبله ثم يأتي الجبل فيأتي بحزمة من حطب على ظهره فيبيعها، فيكف الله بها وجهه، خير له من أن يسأل الناس، أعطوه أو منعوه» (رواه البخاري(.
• ومن مظاهر الإيجابية: محاربة الفساد بالأمر بالمعروف و النهي عن المنكر ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [آل عمران: 110)
إضافة إلى قصص الإيجابيين أمثال مؤمن آل فرعون – في سورة غافر – الذي وقف ينصر جماعة موسى – عليه السلام – أمام طغيان النظام الفرعوني المستبد، ومثال الرجل الصالح – في سور يس – الذي جاء من أقصى المدينة يسعى لنصرة أنبياء الله المستضعفين، ومثال تلك الجماعة التي أنكرت على أصحاب السبت فسادهم – في سورة الأعراف – وكان شعار هذه الجماعة المؤمنة هو الإعذار إلى الله ، حيث لما قال السلبيون " لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا" .. قال الإيجابيون : " مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ " [الأعراف : 164 .
 ومثال قصة هدهد سليمان – في سورة النمل – ذلك الهدهد الذي طار إلى مملكة سبأ في جنوب الجزيرة العربية تاركًا سليمان في الشام، بغير تكليف أو تنفيذ لأمر صادر، ليأتي بخبر عظيم إلى القيادة أدى إلى دخول أمة بأكملها في دين الله ..
الإيجابية سنة مهجورة !
وقد بينت السنة النبوية أهمية هذه القيمة الإسلامية العظيمة، فيقول- صلى الله عليه وسلم: " إن قامت الساعة و في يد أحدكم فسيلة ، فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها
 فليغرسها " [ صحيح، أحمد، عن أنس ].. فبين أن يكون المسلم إيجابيًا حتى قيام الساعة .. وحتى آخر رمق في حياته .
وقال – صلى الله عليه وسلم - : " مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ ..." الحديث [  مسلم، عن أبي سعيد ] .. فبين أن يكون المسلم إيجابيًا على الفور، حيث الفاء هنا في " فليغيره" للسرعة، حيث الإسراع في تغيير المنكر واجب كما أن تغيير المنكر نفسه واجب آخر .
 ويقول أيضًا : " مَثَلُ القَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، بَعْضُهُمْ أَعْلاهَا وَبَعْضُهُمْ أسْفَلَهَا، وَكَانَ الَّذِينَ فِي أسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنْ المَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا! فَإنْ تَرَكُوهُمْ وَمَا أرَادُوا هَلَكُوا، وَهَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أيْدِيهِمْ نَجَوْا، وَنَجُوا جَمِيعًا " [البخاري، النعمان بن بشير] .فهذا الحديث الكريم رسالة واضحة إلى هؤلاء الذين اتخذوا من كلمة " وانا مالي " شعارًا لهم، حيث ناموا عن الحق، وتركوا الباطل يكبر حتى أوشك على إهلاك الجميع .
أهمية الإيجابية
إن السلبية هي أخطر آفة يصاب بها فرد أو مجتمع، بينما الإيجابية هي أهم وسيلة لنهضة أي أمة؛ فمن الحقائق المسلِّم بها أن نهضة الأمم تقوم على أفراد إيجابيين مميزين بالأفكار الطموحة والإرادة الكبيرة، كما أنها نجاة من هلاك الأمم والشعوب قال تعالى: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} [هود:117] ولم يقل صالحون إنما قال مصلحون، وهناك فارق بين صالح ومصلح فالصالح صلاحه بينه وبين ربه، أما المصلح فإنه يقوم بإصلاح نفسه ودعوة غيره . فالمسلم الإيجابي عندما تعرض له مشكلة يفكر في الحل فهو يرى أن كل مشكلة لها حل والسلبي يفكر في أن المشكلة لا حل لها، بل يرى مشكلة في كل حل. المسلم الإيجابي لا تنضب أفكاره والسلبي لا تنضب أعذاره كذلك المسلم الإيجابي يرى في العمل والجد أملا والسلبي يرى في العمل ألما. والمسلم الإيجابي يصنع الأحداث والسلبي تصنعه الأحداث، والمسلم الإيجابي ينظر للمستقبل والسلبي يخاف المستقبل، كما ان المسلم الإيجابي يزيد في هذه الدنيا أما السلبي فهو زائد عليها . إيجابية الرسول في تطلعه للمستقبل لما اشتد الأذى على رسول الله بعد وفاة أبي طالب وخديجة رضي الله عنها خرج إلى الطائف فدعا قبائل ثقيف إلى الإسلام فلم يجد منهم إلا العناد والسخرية والأذى ورموه بالحجارة حتى أدموا عقبيه فقرر الرجوع إلى مكة. قال: «انطلقت -يعني من الطائف- وأنا مهموم على وجهي فلم استفق إلا وأنا بقرن الثعالب -ميقات أهل نجد- فرفعت رأسي فإذا سحابة قد أظلتني فنظرت فإذا فيها جبريل عليه السلام فناداني فقال: "إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردّوا عليك وقد أرسل لك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم". ثم ناداني ملك الجبال: "قد بعثني إليك ربك لتأمرني بما شئت إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين -جبلان بمكة-" فقال رسول الله: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً» (متفق عليه). وقد وقع الأمر كما تمناه النبي وخرج من صلب فرعون الأمة أبي جهل عكرمة رضى الله عنه، وخرج من صلب الوليد بن المغيرة المبشر بالنار في سورة المدثر سيف الله المسلول خالد بن الوليد. وهكذا المسلم يرى الأمل دائما غير منقطع وينظر إلى الواقع وإن اشتد عليه بايجابية وتفاؤل. وفي الحديث: «من قال هلك الناس فهو أهلكهم» (رواه مسلم عن أبي هريرة، فهو أهلكهم أي أشدهم هلاكاً). في هذا الحديث يبين صلى الله عليه وسلم عظم من قال في الناس أنهم هلكى، لأن في ذلك حكم على عموم الناس بالهلاك وهو أمر غيبي لا يستطيع أحد الاطلاع عليه إلا بالوحي، والوحي قد انقطع من السماء. فكان جزاؤه أن يخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن القائل بذلك أنه أهلك الناس وأفسدهم، وهذا على رواية الرفع (بضم الكاف من أهلكهم). أما على رواية النصب (بفتح الكاف من أهلكهم) فمعناها أنه أهلك الناس بكلامه ذلك وقنطهم من رحمة الله تعالى. قال الحافظ ابن عبد البر: "هذا الحديث معناه لا أعلم خلافاً فيه بين أهل العلم أن الرجل يقول ذلك القول احتقارًا للناس وازدراء بهم وإعجابًا بنفسه". وقال الخطابي: "معنى هذا الكلام أن لا يزال الرجل يعيب الناس ويذكر مساوئهم ويقول قد فسد الناس وهلكوا ونحو ذلك من الكلام، يقول صلى اللّه عليه وسلم: «إذا فعل الرجل ذلك فهو أهلكهم» وأسوأهم حالاً مما يلحقه من الإثم في عيبهم والازراء بهم والوقيعة فيهم، وربما أداه ذلك إلى العجب بنفسه فيرى أن له فضلاً عليهم وأنه خير منهم فيهلك .فانظروا إلى هذا القول فقط كيف يؤدي بالمرء إلى الهلاك والخسران، وهو مجرد قول لا مساس فيه بأموال الناس ودمائهم وأعراضهم، وكل هذا لأن قائل هذا القول نظرته للمجتمع سوداوي، لا أمل فيها. "يروى أن مسلمة بن عبد الملك كان في جملة من الجند يحاصرون إحدى قلاع الروم، وكانت محصنة والدخول إليها صعباً إلا من نقب فيها تخرج منه أوساخ المدينة، فوقف مسلمة ينادي في الجند: "من يدخل النقب ويزيح الصخرة التي تحبس الباب ويبكر حتى ندخل"، فقام رجل قد غطى وجهه بثوبه وقال: "أنا يا أمير الجند" ودخل النقب وفتح الباب ودخل الجند القلعة فاتحين. وبعدها وقف مسلمة بين الجند ينادي على صاحب النقب حتى يكرمه على ما فعل، وكان يردد: "من الذي فتح لنا الباب؟" فما يجيبه أحد! فقال: "أقسمت على صاحب النقب أن يأتيني في أي ساعة من ليل أو نهار". فطُرق باب مسلمة طارق ليلاً ، فيلقاه مسلمة مستبشراُ: "أنت صاحب النقب؟" فقال الطارق: "هو يشترط ثلاثة شروط حتى تراه". قال مسلمة: "وما هي؟" قال: "ألا ترفع اسمه لدى الخليفة ولا تأمر له بجائزة ولا تنظر له بعين من التمييز"، قال مسلمة: "افعل له ذلك". فقال الطارق: "أنا صاحب النقب" وانصرف وترك جيش مسلمة ذاهبًا إلى سد الثغور في أماكن أخرى" (ابن منظور: مختصر تاريخ دمشق 7/273) ويذكر أن مسلمة كان يدعو بعدها قائلاً: "اللهم احشرني مع صاحب النقب."
أمثلة الإيجابية في القرآن
أولاً: قصة مؤمن القرية: قال الله عز وجل: {وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ} [يس:200]. {وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ} لم  يمنعه بُعد المكان أن يأتي ليبلغ دعوته، وينشر معتقده، فقد جاء من أقصا المدينة! والغالب أن من يسكن أقصى المدينة هم ضعفاء الناس وفقراؤهم ولم يمنعه ذلك من اتيان قومه لدعوتهم ونصحهم . {رَجُلٌ} ورجل هنا نكرة أي أنه من عامة الناس وليس من وجهائهم. {يَسْعَى} ولم يأتِ ماشياً! فإن ما قام في قلبه من الهمة العالية، والرغبة، في نقل ما عنده للآخرين، حمله على أن يسعى . {قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ} فلم يكتف بوجود ثلاثة رسل وإنما جاء بنفسه  ليدعو قومه ويرغبهم في اتباع المرسلين . ثم يبين دليل صدق أنبيائهم {اتَّبِعُوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُم مُّهْتَدُونَ} [يس:21]. ثم يسوق الحجج العقلية، فيقول: {وَمَا لِي لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ . أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَن بِضُرٍّ لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلاَ يُنقِذُونِ . إِنِّي إِذًا لَّفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ . إِنِّي آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ} [يس:22-25]. هذا مثال لمؤمن حمله إيمانه الحق الصادق، على أن يجهر بدعوته، صريحة، واضحة، بين الناس. ونادى بملء فيه: {إِنِّي آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ} فقتله قومه. والقصة لم تنتهِ عند هذا الحد! قتل الرجل وبشرته الملائكة بالجنة {قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ . بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ} [يس:266]. سبحان الله! حتى بعد الموت،  والفوز بالجنة، لا يزال في قلبه الشعور بالرغبة في العطاء، والنصح للآخرين. ولم يشمت بهم، وإنما تمنى أن يعلم قومه بعاقبته، لعل ذلك يحملهم على أن يقبلوا نصحه. قال ابن عباس: "نصح قومه في حياته بقوله: {يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ}، وبعد مماته في قوله: {يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ. بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ}.
ثانيا: إيجابية نملة
: يقول تعالى: {حَتَّىٰ إِذَا أَتَوْا عَلَىٰ وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} [النمل:188] سليمان  نبي الله هو وجيشه يمشون في الطريق و أمامهم مجموعة من النمل يسعون لطلب الرزق.. تحملت نملة واحدة مسؤولية الإنذار والتحذير وصاحت في النمل {يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ} واعتذرت عن  سليمان وجنوده فقالت {وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ}. {قَالَتْ نَمْلَةٌ} نملة نكرة ليست معرفة! ومن ثم فأي واحد منا يتحمل المسؤولية يكون موضع تقدير واحترام لأنه يصبح إيجابياً.
 ولقد كانت هذه النملة على درجة عالية من البلاغة، استمعوا معي لقولها تجدونه يتضمن التالي:
1- يا أيها النمل: نداء.
2- ادخلوا: أمر.
3- لا يحطمنكم: نهي.
4- سليمان: خصصت.
5- جنوده: عممت.
6- وهم لا يشعرون: اعتذرت عنهم، أي عن غير قصد منهم؛ فهذه
 ليست أخلاق جيش سليمان، فجيش الحق والخير لا يقتل حتى النمل، والمؤمن لا يؤذي حتى النمل.
 ولهذا تبسم سليمان من قولها؛ لأنه تضمن إيجابية، والاعتذار عن الجيش. ثم شكر الله على أن وهبه القدرة على سماع ذبذبات صوت النمل.
ثالثا: قصة الهدهد:
يقول تعالى: {وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ * لأعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لأذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ} [النمل:20-21] فسيدنا سليمان يجمع كل صفات القائد العظيم:
1- يتفقد الجيش كل يوم.
22- حينما لم يجد الهدهد لم يتسرع في اتهامه، بل سأل هل هو حاضر أم غائب؟ فربما كان موجودًا في مكان ما بين أفراد الجيش ولم يره سيدنا سليمان.
3- الحزم: فقد هدد بعقاب الهدهد.
4- العدل: فقد طلب أن يأتيه الهدهد بسبب غيابه؛ حتى لا يوقع به العقاب.
5- الإنصات: منح الفرصة للهدهد للدفاع عن نفسه.
وجاء الهدهد من سبأ بنبأ يقين، سمع الهدهد بأن قومًا يعبدون الشمس، بمملكة سبأ باليمن، وهو في فلسطين، أي على بعد مسافة كبيرة من اليمن، فطار إلى اليمن يتفقدهم، حتى أنه ذهب إلى عرش الملكة وعاد بالأخبار، ليصبح سببًا في هداية أمة. إن الآفة التي أصابت الأمة حتى العقلاء الفاهمين منها هي آفة أنه واقف إلى أن يؤمر، سلبيٌ إلى أن يُحرَّك، ينتظر مَن يقول له افعل أو لا تفعل، وفي هذا كأنما احتقر عظيمًا وهبه الله إياه، فعطَّل في نفسه الذاتية، والإيجابية، والتفكير في مصير الأمة، وعطل في نفسه معنى المشاركة، واحتقر في نفسه أن يصلح ما يستطيع إصلاحه دون أن يأتيه أمر بإصلاحه، وهذه الآفة التي يقع فيها كثير من الناس حتى الملتزمون والعاملون في المجال الدعوي لله تبارك وتعالى هي التي أصابت العمل الإسلامي بنوع من الفتور في كثير من الأحيان. هذه هي الذاتية التي استشعرها الهدهد، فلم ينتظر إذنًا من أحد وقام غِيرةً على دين الله، قام لكي ينظر أين دين الله في هؤلاء الناس.
مريم عليها السلام
 أوحي الله تعالى لمريم وهي في لحظات التعب والشدة وبين وقع آلام المخاض والوحدة فقال سبحانه: وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا [مريم: 25]؟! أمرَها بالحركة والاجتهاد رغم آلامها وتعبها، وحثها على الكسب رغم شدتها ونصبها. وليس بعيدا عنها حال أم موسى عليها السلام، فلم يبرر لها قوة الظالمين من حولها أن تستكين، ولا سوَّغ لها الخمولَ سيطرةُ فرعون اللعين، بل أوحى الله تعالى لها بأن تتحرك لإنقاذ رضيعها، وتسعى بكل الحيل للنجاة بوليدها، قال سبحانه: وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ [القصص: 7]، وفي المقابل أنكر جل شأنه على قوم موسى حين طلبوا السعادة دون اجتهاد، ونشدوا الرقي بلا عناء وجهاد، وحسبوا أن الخير سيأتيهم به موسى عليه السلام دون مثابرة، وأن الله سيكتبه لهم بلا حركة ومناصرة، قال جل في علاه: قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَا هُنَا قَاعِدُونَ [المائدة: 24]، فماذا كانت النتيجة؟ إنها المنع والحرمان، قال تعالى: قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ [المائدة: 26].
الايجابية في سنة الرسول صلى الله عليه وسلم
حض الرسول صلى الله عليه وسلم على الاختلاط بالناس، وحضور جمعهم ومجالس الذكر وزيارة المريض وحضور الجنائز ومؤاساة المحتاج وإرشاد الجاهل. واهتم الرسول صلى الله عليه وسلم بالمواقف الايجابية والأخلاق النبيلة التي كان يتمتع بها غير المسلمين في عصره وإشادته بها ودعوته إلى الأخذ بها مع التأكيد على أن من الضروري أن يشترك المسلم بالعمل الايجابي من أي جهة أتى بل و يبادر إلى ذلك ، مثل حلف الفضول الذي اهتم بنصرة المظلومين والفقراء وقال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفًا لو دعيت به في الإسلام لأجبت». والسعي في نفع الناس جميعًا كان ملازمًا للنبي صلى الله عليه وسلم حتى قبل البعثة، فقد استدلت خديجة على أن ما حصل في غار حراء لا يمكن أن يكون شرًا للنبي صلى الله عليه وسلم فقالت له: "كلا والله لا يخزيك الله أبدًا، إنك لتصل الرحم وتحمل الكَلَّ وتكسب المعدوم وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق وتصل الرحم وتحمل الكَلَّ وتكسب المعدوم، وتَقْري الضيف، وتعين على نوائب الحق". ومعنى (تحمل الكَلَّ) يدخل في هذا الإنفاق على الضعيف واليتيم والعيال وغير ذلك وهو من الكلال وهو الإعياء، أما قولها (وتكسب المعدوم) تكسب غيرك المال المعدوم أو تعطيه إياه تبرعا. (تَقْري الضيف) تكرمه يقال للطعام المقدم للضيف قِراً. (وتعين على نوائب الحق) جمع نائبة وهي الحادثة ما يحدث في الناس من المصائب.
أولاً: قصة مساعدة النبي صلى الله عليه وسلم لبدوي غير مسلم ليسترجع دَيْنا له من أبي جهل رأس الكفر، فلم يمنع عدم إسلام الطرفين من بذل الجهد في عمل إيجابي. قدم رجل من أراش (اسم قبيلة) بإبل له بمكة، فابتاعها منه أبو جهل، فمطله بأثمانها (تأخر متعمدًا)، فأقبل الأراشي حتى وقف على ناد من قريش، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في ناحية المسجد جالس، فقال: "يا معشر قريش، من رجل يؤديني على أبي الحكم بن هشام فإني رجل غريب، ابن سبيل، وقد غلبني على حقي"، قال: فقال له أهل ذلك المجلس: "أترى ذلك الرجل الجالس -لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم يهزؤون به لما يعلمون بينه وبين أبي جهل من العداوة- اذهب إليه فإنه يؤديك عليه". فأقبل الأراشي حتى وقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "يا عبد الله، إن أبا الحكم بن هشام قد غلبني على حق لي قبله، وأنا رجل غريب ابن سبيل، وقد سألت هؤلاء القوم عن رجل يؤديني عليه، يأخذ لي حقي منه، فأشاروا لي إليك، فخذ لي حقي منه يرحمك الله" قال: «انطلق إليه» وقام معه رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما رأوه قام معه قالوا لرجل ممن معهم: "اتبعه فانظر ماذا يصنع" قال: وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جاءه فضرب عليه بابه فقال: "من هذا؟" فقال: "محمد فاخرج إلي"، فخرج إليه وما في وجهه من رائحة، قد انتقع لونه، فقال: "أعط هذا الرجل حقه"، قال: "نعم، لا تبرح حتى أعطيه الذي له". قال: فدخل فخرج إليه بحقه فدفعه إليه. ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال للأراشي: "الحق بشأنك". فأقبل الأراشي حتى وقف على ذلك المجلس، فقال: "جزاه الله خيراً فقد والله أخذ لي حقي". قال: وجاء الرجل الذي بعثوا معه، فقالوا: "ويحك ماذا رأيت؟" قال: "عجباً من العجب، والله ما هو إلا أن ضرب عليه بابه، فخرج إليه وما معه روحه، فقال له: أعطِ هذا حقه، فقال: نعم لا تبرح حتى أخرج إليه حقه، فدخل فخرج إليه بحقه، فأعطاه إياه". قال: ثم لم يلبث أبو جهل أن جاء، فقالوا: "ويلك مالك والله ما رأينا مثل ما صنعت قط"، قال: "ويحكم والله ما هو إلا أن ضرب عليّ بابي وسمعت صوته، فملئت منه رعبًا، ثم خرجت إليه، وإن فوق رأسه لفحلًا من الإبل ما رأيت مثل هامته ولا قصرته ولا أنيابه لفحل قط، والله لو أبيت لأكلني".
ثانياً : أحاديث تحث على الإيجابية
حديث «كل معروف صدقة» الذي يعني أن لدى الإنسان أشياء كثيرة يمكن أن يقدمها للناس ولنفسه كالصدقة والابتسامة وإماطة الأذى عن الطريق وكف الأذى والتسبيح والتهليل.
كما أن الأحاديث النبوية تحثنا على هذه القيمة العظيمة، فيقول صلى الله عليه وسلم «إذَا قَامَتْ السَّاعَةُ وَفِي يَدِ أحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ فَلْيَغْرِسْهَا» (صححه الألباني). «فَسِيلَةٌ» أي نخلة صغيرة. «فإن استطاع أن لا يقوم» من محله أي الذي هو جالس فيه. «حتى يغرسها فليغرسها» مبالغة في الحث على فعل الخير كغرس الأشجار فكما غرس لك غيرك فانتفعت به فاغرس لمن يجيء بعدك لينتفع وإن لم يبق من الدنيا إلا القليل.
ثالثاً:قصة كسرى والشيخ
وحكي أن كسرى خرج يوماً يتصيد فوجد شيخاً كبيراً يغرس شجر الزيتون فوقف عليه وقال له: "يا هذا أنت شيخ هرم والزيتون لا يثمر إلا بعد ثلاثين سنة فلم تغرسه؟" فقال: "أيها الملك زرع لنا من قبلنا فأكلنا فنحن نزرع لمن بعدنا فيأكل". فقال له كسرى: "زه" وكانت عادة ملوك الفرس إذا قال الملك منهم هذه اللفظة أعطى ألف دينار فأعطاها الرجل. فقال له: "أيها الملك شجر الزيتون لا يثمر إلا في نحو ثلاثين سنة وهذه الزيتونة قد أثمرت في وقت غراسها". فقال كسرى: "زه" فأعطى ألف دينار. فقال له: "أيها الملك شجر الزيتون لا يثمر إلا في العام مرة وهذه قد أثمرت في وقت واحد مرتين". فقال له: "زه" فأعطى ألف دينار أخرى. وساق جواده مسرعاً وقال: "إن أطلنا الوقوف عنده نفد ما في خزائننا".
الخطبة الثانية
كيف تكون إيجابيًا :
أذا أردت أن تتحلى بهذا الخلق الإسلامي فعليك بأربع:
الأولى : الإستعاذة بالله تعالى من الكسل والجبن صباًحًا ومساءً فتقول :
 "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَالْبُخْلِ وَالْجُبْنِ وَضَلَعِ الدَّيْنِ وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ"[ البخاري، أنس ]، وقد قال النبي – صلى الله عليه وسلم - هذا الدعاء وهو في طريقه لفتح خيبر .
 الثانية : مقاومة الكسل والجبن عمليًا بالتحرك السريع في إنجاز الفرائض والواجبات والمستحبات .
الثالثة : الثقة بالنفس، فلا إيجابية صادرة من شخص مائع مهزوز .
 الرابعة : حب الاقتحام والمغامرة، فالشخص الإيجابي هو الشخص المبادر الذي يقتحم صفوف الباطل، وأسوار الواقع المظلم .
قل ولا تقل :
 وإذا أردت أن تنضم إلى صفوف الإيجابيين وجماعتهم ، فاحذر أن تكون من الفئة التي سماها الله " المعوقين " فقال : قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَلِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا " الأحزاب : 18
ومن الإيجابية :
ومن الإيجابية أن تشارك في تغيير المنكر الذي تراه أمامك لو بشطر كلمة
 ومن الإيجابية أن تشارك في إصلاح مجتمعك ووطنك ومدينك ، سياسيًا واجتماعيًا واقتصاديًا ..
ومن الإيجابية أن تدلي برأيك في قضايا الأمة على المستويين العام والخاص
 ومن الإيجابية أن تدعم المخلصين من أبناء وطنك ممن حملوا قضية الإصلاح على عاتقهم .
أيها الإخوة الكرام، الإنسان يجب أن يكون إيجابياً، ودائماً إذا طُعِنت في الظهر فاعلم أنك في المقدمة، ولابد للمؤمن من مؤمن يحسده، أو منافق يبغضه، أو كافر يقاتله، أو نفس ترديه، أو شيطان يغويه.
 السؤال الآن: لماذا جاءت تُهَمُ الكفار للنبي في القرآن الكريم ؟ السبب أن هذا درس للدعاة، و قالوا: ساحر أو مجنون، قالوا: شاعر، التهم التي ألصقت بالنبي عليه الصلاة والسلام أثبتها الله في القرآن الكريم، فلذلك أيها الإخوة الكرام، لابد من أن نكون إيجابيين.
 أيها الإخوة الكرام، حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا، وسيتخطى غيرنا إلينا، فلنتخذ حذرنا، الكيس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني، والحمد لله رب العالمين.
.
 هذا وما كان من توفيقٍ فمن الله وحده، وما كان من خطأٍ، أو سهوٍ، أو نسيانٍ، فمني ومن الشيطان، وأعوذ بالله أن أذكركم به وأنساه، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمدٍ وعلى آله وأصحابه الأطهار الأخيار ومَن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات