بناء الأسرة السوية وحمايتها للشيخ فوزي محمد ابوزيد


الحمد لله رب العالمين جعل عباده المؤمنين العاملين بكتاب الله والمتبعين لحبيبه ومصطفاه في أرغد عيشٍ وأسعد حالٍ وأهنأ بالٍ في هذه الحياة، 

وجعل للذين أعرضوا عن كتاب الله ونسوا إتباع حبيب الله ومصطفاه معيشةً ضنكا كما وصفها الله في كتاب الله:
وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا (124:طه).
وأشهد أن ألا إله إلا الله وحده لا شريك له أعلم بالخلق من أنفسهم، وأرحم بهم من آبائهم وأمهاتهم، ومن فرط رحمته ومن شدِّة شفقته ومن كريم عنايته أنزل لهم آيات بينات فيها صلاح الدنيا وسعادة الآخرة وقال فيها عزَّ شأنه:
قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ (44:فصلت).
وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله النبي الأمي الذي علمه مولاه وأولاه وأعطاه وطهَّر نفسه وصفَّى قلبه وزكاه، وألهمه بكل ما ينفع المؤمنين في الدنيا وما يرفع درجاته يوم لقاء الله.
اللهم صلى وسلم وبارك على سيدنا محمد وآله الطيبين وصحابته المباركين وكل من اهتدى بهديه ومشى على دربه إلى يوم الدين وعلينا معهم أجمعين
آمين آمين يا رب العالمين.
أيها الأخوة جماعة المؤمنين:
في الحقيقة أن الصادقين من هذه الأمة وأهل الورع والتقوى كلما نظروا إلى شباب الأمة، وأحوال أهل الأمة الآن يشفقون على هؤلاء الشباب، ويخافون على هذه الأمة، ما الذي غيَّر شئوننا، وما الذي محا أخلاقنا؟ وما الذي غيَّر قيمنا في تعاملاتنا في أسرنا؟ أين الأبناء البررة بالآباء؟ وأين الآباء الذين تمتلئ قلوبهم بالحنُو والعطف والشفقة على الأبناء؟
هؤلاء لو وُجدوا لكان مجتمع المؤمنين كمجتمع السابقين في عصر سيد الأولين والآخرين.
مجتمعٌ لا فيه جريمة ولا فيه سبٌّ ولا شتمٌ ولا لعنٌ ولا كيدٌ ولا غشٌّ ولا خداعٌ، كأنهم كانوا وهم في الدنيا في جنة النعيم بهذا الحال الكريم ما الذي غيَّرنا؟
لم نفهم الرسائل التي أرسلها الله عزَّ وجلَّ إلينا، وتركناها خلف ظهورنا ومشينا على أهوائنا، كل من يشكو من نفور أبنائه منه أو شذوذهم عنه، أو مخالفاتهم له.
تعالى يا أخي معي إلى رسالة الله لي ولك ولكل مؤمن لتعرف مهمتك وتحاسب نفسك على رسالته، يقول الله لنا في هذه الرسالة:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ..
رسالة للمؤمنين:
فنقول: لبيك ربنا وسعديك ماذا تريد منا؟
قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ الله مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6:التحريم).

أول مسؤولية كُلَّف رب البرية بها كل أبٍّ وقاية الأبناء من النار التي حذَّر الله عزَّ وجلَّ المؤمنين منها بعد مفارقة الدنيا، والمسؤولية التي قال فيها سيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وسلَّم:
(عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ فَالْإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالْمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا وَالْخَادِمُ فِي مَالِ سَيِّدِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ). (متفق عليه)
حكَّمنا أهوائنا وتركنا كتاب الله عزَّ وجلَّ ورسالته خلف ظهورنا وفقهنا من الآيات بنفوسنا أن الواجب علينا نحو أبنائنا أن نوفِّر لهم الغذاء والكساء والتعليم والدروس المدرسية، والدروس الجامعية وهذا هو الذي علينا ونسينا أهم بند في المسئولية وهو الوقاية من النار.
والوقاية من النار لا تكون إلا بالطريق القويم والمنهج المستقيم الذي جاءنا به الرؤوف الرحيم صلى الله عليه وسلَّم.
ذهب رجلٌ إلى سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يشكو عقوق ابنه ويقول إن أبنى قد عقني، فاستدعى عمر رضي اله عنه الابن وقال له:
لم عققت أباك؟ فقال: يا أمير المؤمنين أليس للأبناء حقٌ على الآباء؟ قال: نعم، فقال: وما هذه الحقوق؟
قال: أن ينتقى أمه وأن يحسن اسمه وأن يعلمه كتاب الله، قال: فإن أبى لم يفعل شيئاً من هذه الثلاث، تزوّج أمي أمةً سوداء كانت لرجلٍ مجوسي ، وسماني جعلم ـ وجعلم يعنى جعران خنفسة ـ ولم يعلمني كتاب الله، فقال عمر رضي الله عنه للرجل:
[اذهب يا رجل لقد عققته قبل أن يعقك] ـ
لأنك لم تقدم له الواجب عليك نحوه الذي بينته السنة، ووضحه كتاب الله عزَّ وجلَّ.
أول أساس على الأب نحو أبنائه أن يراعى مصدر الغذاء ومصدر الكساء ومصدر الدواء وأن تكون النفقة من حلال، وأن يبتعد عن الحرام بالكلية، إن كان غشٌّ أو كان تعاملاً بالربا، أو كان يأتي عن تطفيف في الكيل أو في الميزان أو خداعٌ في القول، أو أي أمرٍ لا يقبله الدين ولا يقره المسلمين، يجعل الغذاء من حلال.
فإذا كان الغذاء من حلال كان الولد والبنت هينيْن لينيْن في طاعة الله، بعيدين بالكلية عن معاصي الله، يقول سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما:
[إن اللقمة الحلال تجد لها نوراً في القلب وتدعو الأعضاء إلى طاعة الله، واللقمة الحرام تجد لها ظلمة في القلب وتجمِّد الأعضاء عن طاعة الله وتجعلها تتحرك لعصيان الله عزَّ وجلَّ ومخالفة أمره بالمطعم الحرام].
ولذلك كان رجلاً من الصالحين جالساً بين محبيه وإذا بهم يشهدون رجلاً كبرياً وابنه من صلبه يضربه، فأخذ بعضهم يسُب الابن ويقول: إنه ابن حرام فقال الرجل الصالح:
[لا تتهمُوا أمه فربما تكون قد تكونت نطفته من أكلة حرام أكلها هذا الرجل فجاء كما ترون الآن].
فأول أساس للمؤمن نحو أبنائه أن يحرص أن يطعمهم من حلال ويعرفهم ذلك ويبين لهم ذلك ويأمرهم أن يعينوه على ذلك، وقد كان على ذلك الصحابة الكرام.
كانت البنت تودّع أباها كل صباح على باب الدار ـ وكانوا يعملون باليومية ـ وتقول له: يا أبتاه تحرَّى لنا مطعماً حلالاً فنحن نصبر على الجوع ولا نصبر على النار.
أين بنات هذا الزمان من ذلك الآن؟ تقول: أريد كذا وكذا وكذا، يقول لها: من أين؟ تقول له: تصرَّف، كأنها لم تعرف ذلك.
تقول الأم لابنتها: يا بُنية ضعي على اللبن قدراً من الماء حتى يزيد دخلنا اليوم في بيع اللبن، فتقول البنت: يا أماه ألم تعلمي أن عمر أمير المؤمنين قد نهى عن غش اللبن بالماء، فقالت: الأم وأين أمير المؤمنين الآن؟ فقالت البنت: إذا كان أمير المؤمنين لا يرانا فالله عزَّ وجلَّ يرانا.
أنظر إلى هذه البنت، كان عمر يمر فوضع حجراً أمام المكان، وفى الصباح عقد اجتماعاً لبنيه، وقال لهم: لولا أنى كبُر سني ووهن جسمي لتزوجتها، من يتزوج هذه الفتاة وأتكفَّل له بمهرها وكل احتياجاتها، فقال رجلٌ منهم: أنا، وهو عاصم بن عمر بن الخطاب.
فتزوجها عاصم فولدت بنتاً، هذه البنت كانت أم عمر بن عبد العزيز الخليفة الراشد رضي الله عنه وأرضاه.
وكان السلف الصالح يتحرون ذلك ويبحثون عن ذلك إن كان لأبنائهم أو لبناتهم، لأنهم يعلمون أن الذي تكون من حلال ينبت منه زرع مبارك:
وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ (58:الأعراف).
كان رجلٌ من بلاد فارس من الأثرياء وعنده بساتين، فكلف عبداً أن يحرس هذه البساتين ولم يأذن له أن يأكل منها، وجاء ذات يوم فقال له: أريد رمانة حلوة، فذهب وجاء بواحدة فوجدها حامضة، فقال له: أريد رمانة حلوة، فذهب ورجع بواحدة ففتحها فإذا هي حامضة، قال له: بقى لك كذا وكذا من الأيام ولا تعرف الرمان الحلو من الرمان الحامض؟ قال:صبراً يا سيدي، أنت أمرتني أن أحرس الرمان ولم تأذن لي في أكله، فلم أعرف الحلو من الحامض.
فذهب الرجل إلى زوجته ـ وكان عنده ابنة تقية نقية كأنها من الحور العين ومن الجنان، جمال رباني ظاهري وجمال في الطبع وجمالٌ في الدين ـ وقد خطبها كثيرٌ من الوجهاء والأمراء فرفض لأنه يريد أن يزوجها بزوج صالح لا يهينها، إذا أحبها أكرمها وإذا أبغضها لم يهِنها.
عملا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ ، وَفَسَادٌ عَرِيضٌ" (الترمذي وابن ماجة عن أبي هريرة رضي الله عنه)
فقال لها: يا فلانة أريد أن أزوّج ابنتي من العبد فلان، قالت: أنا معك ولكن نسألها، فسألها فقالت لا أعصى لك أمراً يا أبتاه، وتزوجها فولدت عبد الله بن المبارك إمام الدنيا في زمانه في حديث رسول الله وفى الزهد والورع.
كانوا يتحرون ذلك ويحرصون على ذلك لأنهم رأوا النبي صلى الله عليه وسلَّم فعل ذلك، تقدم له كبار الصحابة للزواج بابنته التقية النقية السيدة فاطمة رضي الله عنها ولكنه زوجها لرجلٍ فقير لا يملك شيئاً من حطام الدنيا ولكن معه تقوى الله وخشية الله ومراقبة الله وهو الإمام على رضي الله عنه وكرَّم الله وجهه.
إذا ربيت ابنك على الحلال بعد ذلك لابد أن تُعلمه دين الله، والناس في هذه الأيام يحرصون في تعليم الدين على الشكليات كيف تكون لحيته، وكيف يكون جلبابه وكيف يكون مشيه، وكيف يكون كذا وكذا من هذه الشكليات وهى لا غنى عنها، لكن سلفنا الصالح كانت همتهم الأولى في خشية الله، والخوف من الله ومراقبة الله، والرحمة والشفقة بخلق الله يقضون على ميكروب الكبر في نفوس أبنائهم، ويخلعون الأحقاد والحسد من قلوب ذويهم وأبنائهم، ويملؤها بالحب لكل خلق الله لأن تلكم هي الأخلاق الإسلامية التي فرّت منا الآن وأصبح مجتمعنا شبه خالٍ منها ولا يصلح حالنا إلا بالرجوع إليها.
الرجوع إلى هذه الأخلاق الكريمة التي بعث الله بها نبيه وقال في شأنها:
(إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق).(رواه بن ماجة عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما
فأصبحت ترى ولداً حافظاً للقرآن ويصلى الفرائض في وقتها ولكنه متجهِّماً مع أبيه قاسٍ مع أمه، غليظ الطبع مع ذوى قرباه، وبعكس ذلك تجد حناناً أعلى من الحدّ مع زوجه وأولاده وبنيه، ما هذا؟ لأنه علّمه القرآن ولم يتعلم الأخلاق الإيمانية التي أمر بها القرآن.
ذهب سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنه إلى البصرة ووجد أهلها يحفظون القرآن، فسأل الأولاد عن بعض أحكام الإيمان فوجدهم لا يعرفون، وقال: يا أهل البصرة ما كنا على هذا في عصر حضرة النبي، أنتم تعلمون القرآن قبل الإيمان، ونحن كنا نتعلم الإيمان ثم القرآن.
الخشية من الله والخوف من الله، ومراقبة الله والمحبة لخلق الله والبر بالوالدين والشفقة والعطف والحنان على جميع المسلمين والمسلمات حتى يتحقق فينا قول النبي صلى الله عليه وسلَّم:
(ترى المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى عضوٌ منه تداعى سائر الجسد بالسهر والحمّى).(صحيح البخاري عن النعمان بن بشير)
أو كما قال:
(أدعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة).
الخطبة الثانية:
الحمد له رب العالمين الذي ملأ قلوبنا باليقين ونقش فيها بقلم قدرته الإيمان وجعلنا من عباده المسلمين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون.
وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله، الصادق الوعد الأمين
اللهم صلى وسلم وبارك على سيدنا محمد وارزقنا هداه ووفقنا لحسن إتباعه في الدنيا واجعلنا من أهل شفاعته يوم الدين وارزقنا جواره فى جنتك جنة النعيم يا أكرم الأكرمين.
أيها الإخوة جماعة المؤمنين:
بين الله في بيان شافي لا نستطيع حصره ولا الإحاطة به الآن حق الأبناء على الآباء، وبين كذلك حق الآباء على الأبناء، وجعله بياناً وافياً ومنهاجاً متكاملاً، لو مشى عليه كلا الطرفين كنا أهل الإسلام أجمعين داخلين في قول الله:
مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97:النحل).
يا من لسانهم لا يملّ من الشكوى في أي زمان ومكان من الأبناء حتى جعلونا نتحقق أنه ظهر في هذا الزمن علامة من علامات الساعة يقول فيها صلى الله عليه وسلَّم:
(أن يكون الولد غيظ أبيه) ـ (الطبراني عن أبي أمامة)معناه أن من يغيظ الأب هو ابنه وليس أحداً غريباً، لم وصل بكم الحال إلى هذا؟
أنت قصَّرت وأنت أسأت لأنك جعلت هناك سدَّاً بينك وبين أبنك، الابن الذي خرج منك عندما تطلع ناظريه إلى الحياة لا يجد إلا أباه، فتتعلق به عينه ويريد أن يجعله قدوة طيبة له ويقتدي به في كل أحواله، فإذا كان الأب صورة طيبة في سلوكياته وفى أخلاقه وفى معاملاته مع زوجه ومع أولاده ومع جيرانه ومع زملائه ومع أقاربه ومع بني بلدته.
كان هو الأسوة الطيبة لهذا الغلام وتجد الولد شبه أبيه تماماً بتمام، حتى أنك عندما تراه تعرفه وتقول هذا الولد ابن فلان، لأنه مثله في أخلاقه وسلوكياته ومعاملاته.
لكن الناس في هذا الزمان تخلوا عن الأخلاق الربانية والأوصاف العظيمة الجميلة المحمدية ومشوا بأهوائهم، ويريد كل رجلٍ في الدنيا الآن أن يُسيَّر الدنيا على هواه، بل إنه أحياناً يشكو مولاه إلى خلق الله لأنه لا يحقق له ما يتمناه، وأحياناً يسخط وأحياناً يتبرم وأحياناً يقول:
لماذا ؟ أنا يا رب الذي عملت فيَّ كذا وكذا مع أنني أصلى وأصوم وأفعل كذا وكذا؟ ـ يا أخي. لايُسأل عما يفعل وأنتم تُسألون.
" لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ"(23 الأنبياء)
هل رجعت نفسك؟ وهل رجعت إلى أعمالك ونظرت إلى أحوالك؟ أنت ترى لك حقاً، وعندما تنظر إلى نفسك صدقاً، ترى عليك حقوقاً لا عد لها ولا حد لها هي التي منعتك من هذا العطاء، وهى التي أنزلت بك هذا البلاء، قال صلى الله عليه وسلَّم:
(لا يَزيد في العُمْر إلا البِر، ولا يردُّ القدَرَ إلاَّ الدُّعاء، وإنَّ الرجل ليُحرم الرِّزقَ بالذنب يُصيبه).(احمد والنسائي وابن ماجة عن ثوبان رضي الله عنه)
ذنب عمله يحرم به هذا الرزق، وكان على هذا أصحاب النبي الكريم إذا تأخر عنهم دعاء بالإجابة أو نزل بهم بلاء يراجعون أنفسهم ـ ماذا حدث لنا؟ ماذا قصَّرنا فيه من الطاعات؟ ما الذي وقعنا فيه من المخالفات حتى نزل بنا هذا البلاء؟ أو حتى حلَّ بنا هذا العناء؟
يراجعون أنفسهم ـ لكن أهل هذا الزمان ينسون ذلك ويُرجعون كل شيءٍ إلى حضرة الرحمن سبحانه وتعالى، وهذا لا يليق بعظمته وكماله وعظيم قدرته عزَّ وجلَّ، فإنه قال:
وَمَا رَبُّكَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ (46:فصلت).
لابد لك أن تُغير أولاً:
إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ (11:الرعد).
عليك أن تعلم ذلك لأولادك من البدايات، ويكون ذلك بالمحبة والمودة إذا كان هناك حبل ومودة بين الابن وأبيه في كل شيءٍ قابل للصلاح والإصلاح، إذا قابلته على الدوام بالتجهم والشدة والعنت والتوبيخ والضرب والطرد، فما الذي يبقى بينك وبينه حتى يقبل منك؟
إنه لا يريد أن يراك، وكلما رآك في موضعٍ هرب من هذا المكان لأنك كلما تراه توبخه ولو أمام الآخرين أو تشتمه أو تضربه وتقول: هذا من حقي، من الذي قال لك أن تسب ابنك؟
الواجب عليك أن تعلمه القيم الكريمة القرآنية، والأخلاق العظيمة المحمدية وهذا لا يكون إلا بالمحبة والمودة، فإذا أحبك كان بغير كلام ينقل ما فيك من أخلاق إلى مسرح نفسه ويسير عليها ويمشى على هديها.
والأبناء نقول لهم هامسين:
اعلموا علم اليقين أن الله عزَّ وجلَّ لا يعجِّل بعقوبة في الدنيا إلا عقوق الوالدين، فإن معظم الأعمال يؤجّل الله عزَّ وجلَّ عقابها إلى الدار الآخرة إلا عقوق الوالدين فإنه يعجّل بها في الدنيا ليكون عبرةً لمن حوله من المؤمنين فيعتبروا بها أجمعين.
فإياك وعقوق الوالدين واحرص كل الحرص على العمل بقول الله عزَّ وجلَّ:
وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24:الإسراء).
وإياك أن يخرج قولك عن قول الله:
وَقُلْ لَهُمَا قَوْلا كَرِيمًا (23:الإسراء).
إياك أن تقول قولاً يغير القلب نحوك، أو يسبب لهما إساءة أو يكون فيه لهم إهانة، حتى ولو كنت لا تشعر فإن هذا لا ينبغي أن يحدث منك ولا يليق لمؤمن أن يفعل ذلك، لأن المؤمن حريصٌ كل الحرص على بر الوالدين.
لأن الله أمر في كتاب الله في أكثر من آية ببر الوالدين، بل جعل برهما قرينٌ بعبادته عزَّ وجلَّ، والإحسان إليهما قرينٌ بطاعته عزَّ وجلَّ.
الموضوع طويل ولا نستطيع أن نحيط به في هذا الوقت القصير، لكن كل ما أرجوه أن يفتح إخواني المؤمنين الرسائل الموجهة من رب العالمين في كتابه المبين ونقرأها ونتدبرها ونعمل بها فإن في ذلك سعادة الدنيا والرفعة والعزة في الآخرة.
نسأل الله عزَّ وجلَّ أن يصلح أحوالنا .... ثم الدعاء
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات