احترام النظام العام للشيخ محمد الخراشي


عناصر الخطبة
1- الاسلام دين النظام .
2- أهمية النظام فى حياتنا .
3- الكون كله خلق بانتظام .
4- العبادات تسير بانتظام .
5- فوائد الانضباط والنظام
الخطبة
الحمد لله، الحمد لله أبدعَ ما أوجدَ، وأتقنَ ما صنَعَ، وكلُّ شيءٍ لجبروته ذلَّ ولعظمته خضَعَ، سبحانه وبحمده في رحمته الرجاء، وفي عفوِه الطمعُ، وأُثنِي عليه وأشكُره؛ فكم من خيرٍ أفاضَ ومكروهٍ دفَع، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعالى في مجده وتقدَّس وفي خلقِه تفرَّد وأبدَع، وأشهد أن سيدنا ونبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسوله أفضلُ مُقتدًى به وأكملُ مُتَّبَع، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه وعلى آله وأصحابه أهل الفضلِ والتّقَى والورَع، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ ولنهجِ الحق لزِم واتَّبَع، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
الله عزَّ شأنُه خلقَ فسوَّى، وقدَّر فهدَى، خلقَ كلَّ شيءٍ فقدَّره تقديرًا، ﴿ وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ * أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ * وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ ﴾ [الرحمن: 7- 9]، هذا خلقُ الله، هذا تقديرُه وتدبيرُه في انتِظامٍ واتِّزانٍ، ﴿ وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ * وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ * وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ ﴾ سورة الحجر .
الانضباط والنظام هو :- لزوم الشىء وحبسه ، والضابط هو الذي يلازم ما يضبطه ، ويصبر نفسه معه حفظاً وحزماً ، والأضبط الذي يعمل بيديه جميعاً ..
وضبط النفس وانضباطها يكون بحبسها عن الشر وإلزامها بالخير مع الصبر عليها والحزم معها .. وهو ما أطلق عليه علماء التربية بتزكية النفس .. وقد أقسم الخالق جل وعلا أقساماً سبعةً في مطلع سورة الشمس علي أن المفلح من زكي نفسه والخاسر من دساها ، فقال :-( والشمس وضحاها * والقمر اذا تلاها * والنهار اذا جلاها * والليل اذا يغشاها * والسماء وما بناها * والارض وما طحاها *ونفس وما سواها * فألهمها فجورها وتقواها * قد أفلح من زكاها *وقد خاب من دساها ) سورة الشمس :1ـ10
والارتقاء بالنفس والنهوض بها ـ باعتبار طبيعتها التغييرية يحتاج الي ضبط وانضباط خاصين ، يستمدان أصولهما من كتاب الله ، الذي تحدث عن مراتب النفس ، وبينها من خلال سوره وآياته .
آيات عديدة في القرآن الحكيم تلفتنا إلى أنّ الكون يخضع لنظام صارم ودقيق وضعه الله سبحانه وتعالى، فكل ذرة من ذرات هذا الكون لها مكانها وموقعها المحدد، ولها حركتها الخاصة بها. وهناك انسجام ونظام شامل يلف الحركة في الكون كله على سعة أرجائه.
منها قوله تعالى: ﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ﴾[2] ، وقوله تعالى ﴿ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ﴾[3] والآية الكريمة التي تبركنا بتلاوتها ﴿لاَ الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلاَ اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾.

المنظومة الشمسية التي نعيش فيها إنما هي جزء من مجرة، وهذه المجرة تحتوي على مائة مليار نجم، شمسنا واحدة منها. وهذه الشمس ليست أكبر نجم في هذه المجرة وإنما حجمها حجم متوسط، وهناك نجوم في نفس مجرتنا أكبر من شمسنا هذه بعشرات بل بمئات المرات. وهذه المجرة التي تتبعها منظومتنا الشمسية ليست هي المجرة الوحيدة في الكون لأنه يوجد في الكون -كما يقدّر العلماء أيضاً- مائة مليار مجرة.

وهذه الشمس التي نراها التي هي مركز المجموعة الشمسية (المنظومة الشمسية) تقدر سرعتها نسبة إلى سرعة النجوم المنافسة لها في نفس المجرة بـ 19,7كم في كل ثانية. والأرض تدور حول نفسها وحول الشمس بسرعة 30 كم في كل ثانية. والقمر يدور دورة كاملة حول نفسه وحول الأرض في كل 27 يوماً وثلث يوم. لكن كل شيء يدور في مداره ومساره.
وأسرع مجرة يذكرها العلماء تبلغ سرعتها 108000 كم في الثانية.
وكل مجرة في مسارها، وكل نجم في مساره، وكل منظومة في مسارها، لا يصطدم أحدها بشيء ولا يربك شيئاً، ذلك تقدير العزيز العليم.
وقد وُلِدَ علمٌ جديد له عقدان من الزمن يسمّونه علم الفوضى. يهتم بالظواهر التي نراها في الحياة ونعبّر عنها بالعشوائية، فينفي ذلك، ويوضح النظام الذي يحكم هذه الظواهر التي نراها في النظام فتبدو أمامنا مفاجئة وعشوائية. بدأ هذا العلم من الرياضيات والفيزياء ولكنه تفاعل الآن مع مختلف العلوم.
وقد نقلت إحدى الصحف مقابلة مع أحد العلماء المتخصصين في هذا العلم، وهو عالم مصري ومدرّس في جامعة إلينوي في أمريكا، قوله: إن كل الظواهر التي يراها الناس عشوائية ومفاجئة حتى في مجال الطب كاضطرابات عمل القلب والسكتة القلبية المفاجئة، وما يحصل من الكوارث الطبيعية، بل حتى تأرجح أسعار الأسهم في أسواقها.. كلها لها نظام. فليس هناك شيء في هذا الكون خارج النظام والتدبير.

والانضباط في الإسلام
وإذا ما نظرنا وجدنا أن الانضباط هو روح الإسلام .. فكلمة الإسلام تؤكد على ضبط هذا الجانب :- فمثلاً لا يجوز صرف أي نوع من العبادة لغير مستحقها وهو الله جل وعلا ، وتلزم المسلم بعدم إتباع أياً من الرسل سوى محمداً صلى الله عليه وسلم ..
فاذا تاملنا فى مخلوقات الله سنجد ان الكون كله يسير بانتظام فالنهار يبدأ اولا ثم يظهر الليل والشمس تشرق من المشرق وتغرب من المغرب , والقمر فى بداية الشهر الهجرى يبدأ هلالا ثم بدرا ثم محاقا وهذا دليل على عظمة الخالق ومدى يسير الكون بانتظام .
كذلك اذا تأملنا فى مرحلة خلق الانسان سنجد أن الله خلق الانسان فى بداية خلقه كان نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظاما ثم كسى العظام لحما ثم صار طفلا ثم صبيا ثم شابا ثم رجلا ثم شيخا وهذا دليل أيضا على النظام .
فإن الله - جل جلاله - خلقَ الإنسانَ وسوَّاه، وعدَلَه وخلقَه في أحسن تقويم، ومن وراء ذلك دينُ الله وشرعُه الحافظُ للمكرُمات، والعاصِمُ من الدنايا، والدالُّ على كل مسلَكٍ مُتَّزِن، وتعاليمُ هذا الدين ووصاياه تمتزِجُ بطوايا النفوس، وتُهذِّبُ طبائعَ البشر، حتى تضبِطَ اتجاهاتها، وتُوجِّه مساراتها، وتحفَظ توازُنها، وتُحكِم مسيرتَها.

تأمَّلوا - رحمكم الله - هذه الآيات في ترتيب الكونِ: ﴿ تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا * وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا ﴾ سورة الفرقان، ثم تأمَّلوا ما أعقبَها من جُملةٍ من أوصافِ عباد الرحمن في اتِّزانِهم، وانضِباطِهم، وآدابِهم؛ حيث قال - عزَّ شأنُه -: ﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا ﴾ سورة الفرقان ، ثم قال - سبحانه -: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا ﴾ [الفرقان: 67]، كما قال - سبحانه -: ﴿ وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا ﴾سورة الفرقان .

انضِباطُ المسار، وتوازُن المسيرة، وتهذيبُ السلُوك، وعلوُّ الذوقِ من أُصول الحياة السعيدة، وأُسُس التعامُل في دين الإسلام، وأكملُ المؤمنين إيمانُا أحسنُهم خُلُقًا، الاعتِدالُ والتوازُن والانضِباطُ والالتزامُ كلُّ ذلك تعكِسُه وتدلُّ عليه هيئةٌ راسِخةٌ في النفسِ البشرية السويَّة تجعلُ ما يصدُرُ عنها من أفعالٍ وتصرُّفاتٍ موافقةً للحق، مُجانِبةً لما يُستقبَح، مُراعِيةً للمشاعِر. التزامٌ في إعطاء الحقوق، وتوازُنٌ ومُوازنةٌ بين الحقوق والمسؤوليات.
النظامُ، والانضِباطُ، وحُسنُ الترتيبِ، وسلامةُ التقدير، وجمالُ الذوقِ كلُّ ذلك يحفَظُ الفردَ كما يحفَظُ الجماعةَ، ويُعينُ على تحمُّل المسؤولية وعلى أعبائِها، ويُثبِّتُ العلاقات الاجتماعية ويُنظِّمُها.
التعامُل المُنظَّمُ والتقديرُ الصحيحُ يهَبُ الحياةَ مذاقًا حُلوًا، ويقِي - بإذن الله - من أعباءٍ ثِقالٍ تُرهِقُ الفِكرَ والصحةَ والمالَ، مسالِكُ راقية، ومساراتٌ مُتوازِنة، يقودُها وعيٌ عميقٌ، وعزمٌ صادقٌ، وإصرارٌ لا يعرِفُ الكسلَ، ليس بالقوة تتحقَّقُ الآمال، ولكن بالعزيمةِ والإصرارِ وحُسن الأدبِ.
المُسلمُ المُستقيمُ الجادُّ في حياته، المُنظِّمُ لشؤونه يجعلُ لكلِّ جزءٍ من وقتِه هدفًا، ولكلِّ عملٍ من أعماله غايةً، لا وقتَ له يضيع، ولا شيءَ من حياته في فراغٍ، المُوازنةُ عنده ظاهرةٌ بين الأهمِّ والمُهِمِّ وما دون ذلك. وإن للمُسلِمِ في فرائضِ الإسلامِ وأحكامِه وآدابِه ما يُنبِّهُه إلى ضرورةِ الانضِباطِ ولُزومِ الآدابِ في حياته كلِّها.
تأمَّلوا - رحمكم الله - هذا الانضِباط والترتيبَ وتهذيبَ الذوق في المُسلم وهو يقومُ إلى صلاته، مُتطهِّرًا في بدنه وثوبه وبُقعته، يستاكُ، ويأخُذ زينتَه، ويمشي إلى بيتِ الله، وعليه السكينةُ والوقار، يجتنِبُ الروائحَ الكريهةَ من أجل نفسِه وإخوانه والملائكة المُقرَّبين، ثم آداب الخروج والدخول من منزله ومسجده، وخفضُ الصوت، وغضُّ البصر، والقراءة، والذِّكرُ، والدعاء، والمُناجاة، والإنصاتُ، ﴿ وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا ﴾
عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يمسَحُ مناكِبَنا في الصلاة ويقول: «استَوُوا، ولا تختَلِفوا فتختلِفَ قلوبُكم، ليلِنِي منكم أُولو الأحلامِ والنُّهَى، ثم الذين يلُونَهم، ثم الذين يلُونَهم»؛ رواه مسلم.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إنما جُعِل الإمامُ ليُؤتَمَّ به؛ فلا تختلِفُوا عليه، فإذا ركَعَ فاركَعوا، وإذا قال: سمِعَ الله لمن حمِده، فقولوا: ربَّنا لك الحمدُ، وإذا سجدَ فاسجُدوا، وإذا صلَّى جالِسًا فصلُّوا جُلوسًا أجمعون، وأقِيموا الصفَّ فإن إقامةَ الصفِّ من حُسن الصلاة»؛ متفق عليه.
واذا تأملنا فى العبادات سنجد ان الاسلام دعا الى المحافظة على العبادات .فالصلاة خمس فرائض يقوم بها المسلم فى اليوم والليلة يصليها فى وقتها بانتظام ولايمكنه أن يصلى الفريضة قبل دخول وقتها .
إنهم المُؤمنون في صلاتِهم خاشِعون، وعليها يُحافِظون، وعن اللغوِ مُعرِضون، ﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ﴾ سورة العنكبوت .
أما الزكاة؛ فهي زكاءٌ وطُهرٌ، ﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ سورة التوبة ، لا يُتبِعون صدقَاتهم ولا نفقَاتهم مَنًّا ولا أذًى، ﴿ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً ﴾ سورة البقرة
فالانسان يخرج زكاته بانتظام وضبط الامور اذا كانت مالية فيخرجها عند بلوغ النصاب واذا مر عليها عام كامل وفى زكاة الزروع والثمار يخرجها عند الحصاد فالامور تسير بضبط ونظام وليس سدى .

وفي الصيام صفاءٌ ونقاءٌ وصبرٌ، يدَعُ قولَ الزُّورِ والعملَ به والجهلَ.فالانسان منا يصوم رمضان من طلوع الفجر الصادق الى غروب الشمس ولايمكنه ان يخالف هذه الضوابط والشروط لان هذا نظام الهى وضعه ربنا لعباده خلال شهر رمضان فالمسلمون جيمعا يصومون سويا ويفطرون سويا الا اذا اختلف الساعات والازمنة من بلد مسلم الى آخر .
والحجُّ سكينةٌ وبُعدٌ عن التنطُّع والتكلُّف والغُلُوّ، فالحجُّ ليس بالإيضاع، «أيها الناس! اربَعوا على أنفسِكم؛ فإنكم لا تدعُون أصمَّ ولا غائِبًا، السَّكينةَ السَّكِينةَ، أمثالَ هؤلاء فارْمُوا، إياكُم والغُلُوَّ».والحج يسير أيضا بانتظام من طواف وتلبية وسعى بين الصفا والمروة والوقوف بعرفات والنحر ورمى الجمرات وهذا دليل على النظام الالهى الذى وضعه ربنا لنا فى سائر العبادات .
وفي حالِ الحربِ والقتالِ؛ فهناك آدابُ رفيعة، وتنظيماتٌ دقيقة، ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ ﴾ [الصف: 4]. أما أداءُ الصلاةِ في حالِ الحربِ فأمرُها عجيبٌ في لُزومِ الجماعة، والانضِباطِ في الإمامةِ والائتِمام، ﴿ وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ ﴾.
إِنَّ التَّقَيُّدَ بِالنِّظَامِ قَبلَ أَن يَكُونَ قِيمَةً حَضَارِيَّةً وَحَاجَةً تَنمَوِيَّةً، فَهُوَ فِطرَةٌ كَونِيَّةٌ وَضَرُورَةٌ شَرعِيَّةٌ، وَلا يُمكِنُ أَن يَصِحَّ مُجتَمَعٌ أَو تَصلُحَ أُمَّةٌ، وَفي أَعضَائِهَا خَلَلٌ يَقطَعُ دَائِرَةَ النِّظَامِ، أَو فَسَادٌ يُفقِدَ سِلسِلتَهُ إِحدَى حَلَقَاتِهَا، وَإِنَّ الحُكمَ عَلَى أَيِّ مُجتَمَعٍ بِالقُوَّةِ أَوِ الضَّعفِ، أَو وَصفَهُ بِالتَّقَدُّمِ أَوِ التَّخَلُّفِ، مَرهُونٌ بِمَدَى التِزَامِ أَفرَادِهِ وَمُؤَسَّسَاتِهِ بِالنَّظَامِ العَامِّ وَتَقيُّدِهِم بِالقَوَاعِدِ المُنَظِّمَةِ لِحَيَاتِهِم.

إِنَّهُ لَمِنَ الضَّعفِ الإِيمَانيِّ قَبلَ أَن يَكُونَ تَخَلُّفًا فِكرِيًّا وَخَلَلاً في التَّصَوُّرِ، أَن يَرَى بَعضُ النَّاسِ في التِزَامِ الأَنظِمَةِ نَقصًا في رَجُولَتِهِم، أَو حَطًّا مِن كِبرِيَائِهِم، أَو تَقيِيدًا لِحُرِّيَّتِهِم، أَو يَشعُرُوا أَنَّهُ يَحُولُ بَينَهُم وَبَينَ مَصالِحِهِم أَو يَعُدُّونَهُ ظُلمًا لَهُم، في حِينِ أَنَّ مِنَ المُتَقَرِّرِ لَدَى العُقَلاءِ، أَنَّهُ لا يُمكِنُ بِغَيرِ تَطبِيقِ النَّظَامِ أَن يَنَالَ النَّاسُ حَقًّا، وَلا أَن يَنعَمُوا بِعَدلٍ أَو يَجِدُوا أَمنًا، أَو يَشعُرُوا بِطُمَأنِينَةٍ أَو يَذُوقُوا لِلرَّاحَةِ طَعمًا. بِتَجَاوُزِ النَّظَامِ يَكثُرُ في المُجتَمَعِ التَّظَالُمُ وَالتَّعَدِّي وَالتَّجَاوُزُ، بِتَجَاوُزِ النَّظَامِ لَن يُبنى مُستَقبَلٌ، وَلَن تُعمَرَ دِيَارٌ وَلَن يَحصُلَ استِقرَارٌ.

إِنَّ أُمَّةَ الإِسلامِ يَجِبُ أَن تَتَخَلَّصَ مِن هَذِهِ النَّزعَةِ الجَاهِلِيَّةِ، الَّتي اعتَادَ أَهلُهَا الغَوغَائِيَّةَ وَخَرقَ النَّظَامِ انسِيَاقًا مَعَ هَوَى النُّفُوسِ، أَو إِبرَازًا لِقُوَّةِ الذَّاتِ وَضَعفِ الخَصمِ، أَو مُرَاعَاةً لِقَريبٍ أَو مُحَابَاةً لِصَدِيقٍ، أَو طَمَعًا في مَصلَحَةٍ شَخصِيَّةٍ، أَو حُبًّا لِمَدحٍ أَو خَشيَةً مِنَ ذَمٍّ.
انَّ النِّظَامَ هُوَ العَدلُ، وَعَلَى العَدلِ قَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرضُ، وَوَاللهِ لا يُمكِنُ أَن تَتَطَهَّرَ أُمَّةٌ مِن أَدرَانِهَا وَتَنَالَ مَا تَصبُو إِلَيهِ إِلاَّ بِالعَدلِ وَإِعطَاءِ كُلِّ ذَي حَقٍّ حَقَّهُ، قَالَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ -: " إِنَّهُ لا قُدِّسَت أُمَّةٌ لا يَأخُذُ الضَّعِيفُ فِيهَا حَقَّهُ غَيرَ مُتَعتَعٍ " رَوَاهُ ابنُ مَاجَهْ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.
وَإِنَّ اختِزَالَ النِّظَامِ في المَصَالِحِ الشَّخصِيَّةِ وَالرَّغَبَاتِ الفَردِيَّةِ وَنَحوِهَا، إِنَّهُ لَنَوعٌ مِن تَعَدِّي الحُدُودِ، وَذَلِكَ هُوَ الظُّلمُ بِعَينِهِ، وَالظُّلمُ سَبَبٌ لِخَرَابِ البِلادِ وَهَلاكِ العِبَادِ، وَمُؤذِنٌ بِتَسَلُّطِ بَعضِ النَّاسِ عَلَى بَعضٍ، وَقَد قَالَ - سُبحَانَهُ -: ﴿ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [البقرة: 229] ، وَقَالَ - تَعَالى -: ﴿ وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [الأنعام: 129].
أَلا فَلْيَتَّقِ اللهَ كُلُّ رَاعٍ فِيمَا استُرعِيَ، وَلْيَعُدِ النَّاسُ لِلجِدِّ وَالحَزمِ، وَلْيَلزَمُوا الصِّدقَ وَالوَفَاءَ، وَلْيَضَعُوا الأُمُورَ في أَنصِبَتِهَا وَلْيَعدِلُوا، قَالَ - سُبحَانَهُ -: ﴿ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ﴾.
هذه بعضُ مظاهر الآداب في الأحكام، يُضمُّ إلى ذلك: ما هو معلومٌ من آدابِ الإسلام وتنظيماته وترتيباته العالية في الأكلِ، والشربِ، واللِّباسِ، والسلامِ من القاعد والماشي والراكِب، وآداب الجُلوس والحديث، وتوقيرِ الكبير، ورحمةِ الصغير، والتيامُن في التنعُّل والترجُّل وفي الشأنِ كلِّه، وآدابِ الدخولِ والخروجِ للمنزل والمسجدِ والسوقِ وبيتِ الخلاءِ وقضاءِ الحاجة، وتخيُّر الأوقاتِ المُناسِبة في الزيارات.
أما آدابُ السفرِ والصُّحبَة؛ فاستذكِروا توجيهَ نبيِّكم محمدٍ - صلى الله عليه وآله وسلم - في قولِه: «إذا خرجَ ثلاثةٌ في سفَرٍ فليُؤمِّروا أحدَهم»؛ رواه أبو داود، وإسنادُه حسنٌ.
وعن أبي ثعلبَةَ الخُشَنيِّ - رضي الله عنه - قال: قال عمروٌ: "كان الناسُ إذا نزلَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - منزلًا تفرَّقُوا في الشِّعابِ والأودِية، قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن تفرُّقَكم في هذه الشِّعابِ والأودِية إنما ذلكم من الشيطان». فلم ينزِلوا بعد ذلك منزلًا إلا انضمَّ بعضُهم إلى بعضٍ، حتى لو بُسِطَ عليهم ثوبٌ لعمَّهم"؛ رواه أبو داود، وإسنادُه حسنٌ.
حتى من النظام ايضا فلقد وضع لنا الاسلام أسس وشروط وأداب للاستئذان
1- تقديم السلام قبل الاستئذان :
قال تعالى " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ"
عَنْ كَلَدَةَ بْنِ حَنْبَلٍ ، أَنَّ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ بَعَثَهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِلَبَنٍ وَجِدَايَةٍ وَضَغَابِيسَ _ نوع من الحشيش _ وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِأَعْلَى مَكَّةَ ، فَدَخَلْتُ وَلَمْ أُسَلِّمْ فَقَالَ : " ارْجِعْ فَقُلِ السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ " [ أخرجه الترمذي وأبو داود وأحمد وصححه الألباني ] ، وفي لفظ : " السلام عليكم أدخل " .
وعَنْ رِبْعِيٍّ قَالَ : حَدَّثَنَا رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَامِرٍ أَنَّهُ اسْتَأْذَنَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ فِي بَيْتٍ فَقَالَ : أأَلِجُ ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِخَادِمِهِ : " أخْرُجْ إِلَى هَذَا فَعَلِّمْهُ الاِسْتِئْذَانَ ، فَقُلْ لَهُ : قُلِ : السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ ، أَأَدْخُلُ " ، فَسَمِعَهُ الرَّجُلُ فَقَالَ : السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ ، أَأَدْخُلُ ؟ فَأَذِنَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَدَخَلَ " [ أخرجه أبو داود وأحمد وهو حديث صحيح ، صححه الألباني ] .

2- أن يبتعد المستأذن عن قبالة الباب :
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَتَى بَابَ قَوْمٍ ، لَمْ يَسْتَقْبِلِ الْبَابَ مِنْ تِلْقَاءِ وَجْهِهِ ، وَلَكِنْ مِنْ رُكْنِهِ الأَيْمَنِ أَوِ الأَيْسَرِ ، وَيَقُولُ : " السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ ، السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ " ، وَذَلِكَ أَنَّ الدُّورَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا يَوْمَئِذٍ سُتُورٌ " [ أخرجه أبو داود وأحمد وصححه الألباني ] .
وعَنْ هُزَيْلٍ قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ فَوَقَفَ عَلَى بَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَسْتَأْذِنُ ، فَقَامَ عَلَى الْبَابِ _ مُسْتَقْبِلَ الْبَابِ _ فَقَالَ لَهُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم : " هَكَذَا عَنْكَ ، أَوْ هَكَذَا ، فَإِنَّمَا الاِسْتِئْذَانُ مِنَ النَّظَرِ " [ أخرجه أبو داود وصححه الألباني ] .

3- الاستئذان ثلاثاً :
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " إِذَا اسْتَأْذَنَ أَحَدُكُمْ ثَلاَثاً فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ ، فَلْيَرْجِعْ " [ متفق عليه ] .
قال مالك رحمه الله : " الاستئذان ثلاثاً ، لا أحب أن يزيد أحد عليها ، إلا من علم أنه لم يُسمع ، فلا أرى بأساً أن يزيد ، إذا استيقن أنه لم يسمع " [ التمهيد لابن عبد البر 3/192 ] .
ولا بأس بالزيادة إذا علم أن أهل البيت لم يسمعوا .

4- تعريف المستأذن نفسه :
فلا يقل : أنا ، لأن أنا ليس فيها تعريف بالمستأذن ، فقول أنا : لم تفد شيئاً .
عن جَابِر رضي الله عنه قال : أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي دَيْنٍ كَانَ عَلَى أَبِى ، فَدَقَقْتُ الْبَابَ فَقَالَ : " مَنْ ذَا " ، فَقُلْتُ : أَنَا ، فَقَالَ : " أَنَا ، أَنَا " ، كَأَنَّهُ كَرِهَهَا " [ متفق عليه ] .
وعلى المستأذن أن يوضح لصاحب البيت من هو ، فيذكر اسمه أو كنيته ، كأن يقول : أنا أحمد ، أو محمد ، أو أبو عبد الله ، أو أم محمد وهكذا .
عن عبد الله بن بريده قال : خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى المسجد وأبو موسى يقرأ ، فقال : " من هذا ؟ " فقلت : أنا بريده جعلت فداك " ، فقال : " قد أعطي هذا مزماراً من مزامير آل داود " [ أخرجه البخاري في أدب المفرد والحاكم وصححه ، وصححه الألباني أيضاً ] .
ففي الصحيح أن أُمَّ هَانِئٍ بِنْتَ أَبِى طَالِبٍ ذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ الْفَتْحِ ، فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ ، وَفَاطِمَةُ ابنته تَسْتُرُهُ ، قالت : فسلمت عليه ، فَقَالَ : " مَنْ هَذِهِ ؟ " ، فَقُلْتُ : أَنَا أُمُّ هَانِئٍ " [ متفق عليه ] .

5- أن لا يطرق الباب بعنف :
من الناس من هو جلف في تعامله ، فيرن الجرس ، أو يطرق الباب بقوة وعنف ، وكأنه منذر جيش صبحكم أو مساكم ، أو ربما رن الجرس مدة طويلة ، وربما استخدم رجله وذراعيه واستعان ببعض المارة ليطرق معه الباب ، وكل هذا من سوء الأدب لا من حسنه وجماله .

6- تنبيه الزوجة عند الدخول :
ينبغي للرجل إذا دخل بيته أن يقول الأذكار الشرعية في ذلك ، ثم يتنحنح ، أو يحرك رجله ، أي أنه يصدر صوتاً ليسمعه من بالدار ، حتى لا يدخل على أهله ويراهم في منظر لا يحبون أن يراهم عليه ، بل يطرق الباب ، أو يصدر صوتاً يبين مجيئه .
ما لم يكن هناك ريبة أو شكاً له مكانه وأساسه من قبل الزوج ، لا أي شك يلقيه الشيطان في قلب الزوج حتى يفرق بين الزوج وزوجته .

7- تحريم النظر في بيت غيره إلا بإذنه :
حكمة مشروعية الاستئذان بسبب النظر .
ومن تعدى واطلع على عورات الناس في بيوتهم ، أو في محل سترهم ففقئت عينه ، فلا قصاص ولا دية ، ودليل ذلك :
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " مَنِ اطَّلَعَ فِي بَيْتِ قَوْمٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ ، فَقَدْ حَلَّ لَهُمْ أَنْ يَفْقَئُوا عَيْنَهُ " [ رواه البخاري ومسلم ] .
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " مَنِ اطَّلَعَ فِي بَيْتِ قَوْمٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ ، فَفَقَئُوا عَيْنَهُ ، فَلاَ دِيَةَ لَهُ وَلاَ قِصَاصَ " [ أخرجه النسائي وقال الألباني : سنده صحيح على شرط مسلم ، انظر صحيح الجامع رقم 6046 ] .
فيحرم على الإنسان أن يطلع على عورات المسلمين ، سواءً عن طريق الباب ، أو النوافذ ، أو الشقوق أو الفتحات الموجودة في الجدر ، أو من السطح ، أو عن طريق الدرابيل أو النواظير ، فكل ذلك حرام لا يجوز ، ومن فعل ذلك فهو آثم وعاص ، ويحل لهم في مثل هذه الأحوال أن يفقئوا عينه ، وهي هدر ، فعند أبي داود قال صلى الله عليه وسلم : " مَنِ اطَّلَعَ فِي دَارِ قَوْمٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ ، فَفَقَئُوا عَيْنَهُ ، فَقَدْ هَدَرَتْ عَيْنُهُ " ، وربما اتخذ بعض الناس نساءه أو محارمه عند جيرانه أو عند غيرهم ، ربما اتخذ ذلك وسيلة للنظر إلى بيوت الغير والنظر إلى محارمهم .
قيل : لا يجوز للأعمى أن يكون تلقاء باب البيت ، لئلا يسمع صوت النساء ، أو يسمع صوتاً لا يحب صاحب البيت لأحد أن يسمعه ، لاسيما وأن العميان في الغالب أشد إدراكاً وحساسية من المبصرين وهذا شيء معروف ، إذن لا يزال الخطر موجوداً في حق الأعمى .

8- إذا لم يُسمح للمستأذن فليرجع :
لا تحمل في نفسك شيئاً على أهل بيت يأذنوا لك ، فأنت لا تدري ما هي ظروفهم ، ربما كانوا نائمين ، ولو كان في غير وقت النوم .
وربما كانوا صائمين ، ولو كان في غير الأيام البيض ، أو الاثنين والخميس .
وربما كان لديهم ضيف قريباً لهم يريدون مجالسته ، وأنت تفرق بينهم .
وربما كان لديهم مريض .
وربما كان للأسرة درس أو لقاء يومي في وقت معين ، وأنت تقطع عليهم درسهم .
وربما لم يكونوا في المنزل ، أو لم يسمعوا استئذانك .
وربما كان صاحب البيت مشغولاً وقد أتيت بغير سابق موعد ، فتحرجه وتحرج نفسك.
المهم أن الأسباب كثيرة .
وخلاصة ذلك : إذا قيل لك ارجع فارجع ، ونفسك مطمئنة وراضية ، لأن هذا هو نص كتاب الله تعالى .
قال سبحانه : { وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ } [ النور28 ] .

9- عدم الدخول لبيت ليس فيه أحد :
قال الله تعالى : { فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَداً فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ } [ النور28 ] .
فإن لم تجدوا في بيوت الآخرين أحدًا فلا تدخلوها حتى يوجد مَن يأذن لكم، فإن لم يأذن، بل قال لكم: ارجعوا فارجعوا، ولا تُلحُّوا, فإن الرجوع عندئذ أطهر لكم؛ لأن للإنسان أحوالاً يكره اطلاع أحد عليها. والله بما تعملون عليم، فيجازي كل عامل بعمله .
ودخول الإنسان إلى بيت ليس فيه أهله خطأ ، فربما سُرق من البيت شيء فسوف يُتهم ذاك الذي دخل بدون استئذان .
أو ربما كان في البيت أحد نائم ممن لا يجوز لك الاطلاع على حاله كالنساء مثلاً .
المهم إذا لم تجد من يأذن لك بالدخول فلا تدخل .

10- من لا يحتاج إلى استئذان :
هناك من الناس من لا يحتاج إلى استئذان وهو من دعي أو أرسل له رسول ، فهذا لا يحتاج إلى استئذان لأن أهل البيت في انتظاره ، فله أن يدخل دون استئذان ، ودليل ذلك :
حديث أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " رَسُولُ الرَّجُلِ إِلَى الرَّجُلِ إِذْنُهُ " [ أخرجه أبو داود وصححه الألباني في الإرواء : سنده صحيح على شرط مسلم 7/17 ] .
وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : " إذا دعيت فقد أذن لك " [ رواه احمد وهو أثر صحيح ، وأخرجه البخاري في الأدب المفرد ] .
وقال : " إذا دعي الرجل ، فقد أذن له " [ وإسناده صحيح على شرط مسلم ] .
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى طَعَامٍ ، فَجَاءَ مَعَ الرَّسُولِ ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَهُ إِذْنٌ " [ أخرجه أحمد وأبو داود ، وصححه الألباني ] .

واستثنى بعض أهل العلم ما إذا تأخر المدعو عن الدعوة ، أو كان في مكان يُحتاج معه في العادة إلى الإذن ، فإنه يستأذن .

11- الاستئذان عند الخروج :
إذا أردا الإنسان الخروج من بيت مضيفه ، فإنه يجب عليه أن يستأذن للخروج ، كما استأذن للدخول ، ولا يخرج بدون استئذان ، لأنه ربما وقع النظر على أمر لا يحل له رؤيته ، أو غير مرغوب في النظر إليه ، فالاستئذان من أجل النظر ، ودليل ذلك :
عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه قَالَ : اطَّلَعَ رَجُلٌ مِنْ جُحْرٍ فِي حُجَرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، وَمَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِدْرًي يَحُكُّ بِهِ رَأْسَهُ فَقَالَ : " لَوْ أَعْلَمُ أَنَّكَ تَنْظُرُ لَطَعَنْتُ بِهِ فِي عَيْنِكَ ، إِنَّمَا جُعِلَ الاِسْتِئْذَانُ مِنْ أَجْلِ الْبَصَرِ " [ متفق عليه ] .
وعن بن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذَا زَارَ أحَدُكُمْ أخَاهُ فَجَلَسَ عِنْدَهُ ، فَلا يَقُومَنَّ حَتَى يَسْتَأذِنَهُ " [ صححه الألباني في صحيح الجامع برقم 583 ، وأورده في السلسلة الصحيحة وصححه 1/354 ] .

‌12- الاستئذان على المحارم من النساء :
المحارم مثل : الأم ، والأخت ، والبنت ومن في معناهم .
فهؤلاء لا يُدخل عليهم في أماكن راحتهن وغرفهن حتى يستأذن عليهن ، بطرق الباب ، أو التنحنح ، أو أي وسلة استئذان .
والعلة في ذلك :
أن البصر ربما وقع على عورة ، أو هيئة لا ينبغي النظر إليها ، وتكره النساء أن يراهن عليها أحد .
وكذلك على النساء أن لا يدخلن على محارمهن من الرجال دون استئذان ، فربما وقعت العين على ما يحرم أو يُستحيا من النظر إليه ، وأدلة ذلك :
عن علقمة قال : جاء رجل إلى عبد الله قال : أأستأذن على أمي ؟ فقال : " ما على كل أحيانها تحب أن تراها " [ أخرجه البخاري في الأدب المفرد وصححه الألباني ] .
وعن مسلم بن نذير قال : سأل رجل حذيفة فقال : أستأذن على أمي ؟ فقال : " إن لم تستأذن عليها رأيت ما تكره " [ أخرجه البخاري في الأدب المفرد وحسنه الألباني ] .
وعن عطاء بن أبي رباح قال : سألت بن عباس فقلت : أستأذن على أختي ؟ فقال : " نعم " ، فأعدت فقلت : أختان في حجري ، وأنا أموِّنهما ، وأنفق عليهما ، أستأذن عليهما ؟ قال : " نعم ، أتحب أن تراهما عريانتين " [ أخرجه البخاري في الأدب المفرد وصححه الألباني ] .

13- رد المستأذن بالعبارة الصريحة وغير الصريحة :
يقولون : في الإعادة إفادة ، فأقول :
الاستئذان : هو طلب الإذن من صاحب البيت أن يأذن لك بالدخول .
وعدم الإذن يتبين لك بأحد أمرين :
الأمر الأول / العبارة الصريحة :
فالعبارة الصريحة أن يقول لك : ارجع ، فينبغي لك أن ترجع ، ولا تغضب ، واعلم أن ذلك خيرٌ لك عند ربك ، فالله تعالى يقول : { وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ }
إن من علامات سعادة المرءِ - حفِظكم الله -: أن يُوهَبَ ذوقًا رفيعًا، ومسلَكًا مُهذَّبًا؛ حينئذٍ يستمتِعُ بالحياةِ، ويأنَسُ بالجليسِ، وتُقدِّرُه المشاعِر، صاحبُ الذوقِ السليمِ والأُسلوبِ المُهذَّب قادرٌ على استِجلابِ القلوبِ، وجذبِ النفوس، وإدخالِ السُّرور.
المُهذَّبُون يتخيَّرون الكلماتِ اللطيفة، ويختارون الأوقاتِ المُناسِبة والتصرُّفات المُلائِمة، أصحابُ الذوقِ الرَّفيع يتحاشَون النِّزاعَ، وحِدَّة الغضبِ، وينفِرون من الأقوال النَّابِية والأفعالِ الشائِنَة، ويجتنِبُون الجفاءَ والكَزازةَ والغِلظَة.
وإذا أردت - غفرَ لك الله - أن تختبِرَ أذواقَ الناسِ وانضِباطَهم والتِزامَهم فارقُبهم في مواطِنِ الزِّحام، وقيادة المَركَبات، ومدَى الالتِزام بقواعدِ السَّير، وآداب الاجتماع، وانتِظامِ الوقوفِ في الصُّفوف، وحديثِ الهواتِف، وحُسن استِعمال أنواع التِّقَنِيَّات والآلات ابتِداءً وإجابة، وآداب إرسالِ الرسائل واستِقبالِها صوتًا وكتابةً ومُشاهدةً.
فالاسلام دين النظام فى العبادات والمعاملات مع المسلمين وغير المسلمين فالنظام والانضباط طريقك الى الجنة اما الفوضى فهى طريقك الى الهلاك .
أقول قولى هذا واستغفر الله العظيم لى ولكم
الخطبة الثانية
الحمد لله، الحمد لله وفَّقَ من شاءَ من عباده إلى طريقِ السعادة، أحمده - سبحانه - وأشكرُه وقد أذِنَ للشاكِرين بالزيادة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً أرجُو بها الحُسنى وزِيادة، وأشهد أن سيدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه عبَدَ ربَّه حقَّ العبادة، صلّى الله وسلَّم وبارَك عليه وعلى آله وأصحابه أهلِ الشرفِ والعِزِّ والسِّيادة، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
ايها الاحباب
الاسلام يامرنا بالانضباط والالتزام والنظام فانه من يحافظ على هذه الاشياء فيكون محبوبا من الله ثم من الناس اما اذا كان الانسان غير ملتزم وغير منتظم ولم يكن لديه نظام فى عمله فسيجعله مهددا بالتشرد ومن ثم ان الناس يكرهون ذلك لان الفوضى وعدم الالتزام من صفات المنافقين .
انظر لتلك الشجرة
ذات الغصون النضرة
كيف نمت من حبة
وكيف صارت شجرة
فابحث وقل من ذا الذى
يخرج منها الثمرة
ذاك هو الذى انعمه منهمرة
ذو حكمة بالغة
وقدرة مقتدرة .
والسؤال هنا
كيف ينظم الإنسان حياته؟

نتحدث عن جانبين من الجوانب المهمة في ترتيب الحياة:

الجانب الأول: جانب الوقت:
الوقت هو رأس مال الإنسان الأساسي في هذه الحياة، بل الحياة هي الوقت، لذلك ورد في بعض النصوص: إنّما أنت أيام فكل يوم ذهب، ذهب معه بعض عمرك. وليس هناك شيء أغلى من الوقت في حياة الإنسان، بدليل أنه لو قيل لإنسان نستطيع أن نزيد في عمرك سنة بشـرط أن تتنازل عن بيتك، لفعل ذلك. ما قيمة البيت قبالة أن يعيش سنة أكثر في هذه الدنيا، فهي أهم له من هذا البيت. يتنازل الإنسان عن ثروته من أجل أن يعيش سنة أو شهراً أو يوماً زيادة على عمره المقدر له، مما يدل على أنّ الوقت والحياة غاليان.

دقات قلب المرء قائلة له *** إن الحياة دقائق و ثوان

فما دامت الحياة هي الوقت، ومادامت لا تعدوا أن تكون سوى دقائق و ثوان، يلزم على الإنسان أن لا يضيع هذا الوقت ولا يدع الزمن يمر عليه دون فائدة، بل يستفيد من كل دقيقة من الدقائق بما ينفعه في دنياه وآخرته وألا تأتي عليه لحظات يتمنى فيها ويقول: ﴿رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ﴾[6] .

تشير بعض الروايات: يطلب سنة، فيقال له: كم قضيت من السنوات، يطلب شهراً فيقال: كم قضيت من الشهور، يطلب يوماً يقال له:كم قضيت من الأيام، يطلب ساعة، فيقال له: كم قضيت من الساعات.

فما دام الإنسان يملك الوقت وهو على قيد الحياة فعليه أن يغتنم الوقت، وأن يستفيد منه (الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك) ولن تتأتى له الاستفادة من الوقت إلا بالتخطيط فمن المناسب أن يكون عند الإنسان لكل يوم تخطيط، كيف يقضي هذه الساعات في يومه؟.
وقد اعتادت الشركات أن توزع المفكرات اليومية وهي تساعد الإنسان على تسجيل المهام اليومية التي يريد إنجازها. وكثير من الأوقات تضيع في النوم لدرجة أنه يصبح عند بعض الناس هواية، مع إنه ضرورة للجسم؛ لأن الجسم يحتاج له بمقدار حاجته إلى الدواء وكلما وجد فرصة للنوم ينام أكثر وهذا يخسر من حياته الكثير من الوقت لأن من ينام في كل يوم 8 ساعات يخسر ثلث عمره فمن كان عمره 60 سنة فعمره في الحقيقة 40 سنة، 20 سنة ضاعت في النوم، خارج الإحساس بالحياة، وخارج إطار الفاعلية في الحياة. فلا بد للإنسان من أن ينظم وقته ولا يترك أوقات حياته تضيع هدراً.
ولا يُضيع الوقت في أشياء لا تنفع. ومما لا ينفع الساعات التي تقضى خلف سماعات التليفون، فهي ضياع للوقت والمال. ففي سنة 76 بلغت المكالمات الهاتفية داخل الدولة 300 مليون ساعة من المكالمات، ولعلّ القسم الأكبر منها كان ضياعاً للوقت والمال. نعم لا ضير في المكالمات مادامت لأداء غرض ما مهم للإنسان، وكانت لداعٍ معقول، ولم تتجاوز قدر الحاجة كثيراً. أمّا أن يضيع الإنسان وقته وأوقات الآخرين سدىً، فهذا خطأ.
إذن تنظيم الوقت مسألة مهمة حتى لا يضّيع أوقاته وأوقات الناس سدى.
هناك جوانب للنظام الاجتماعي.

الجانب الأول: احترام القوانين القائمة:
هناك جوانب لها قوانين في المجتمع فيجب على الفرد أن يرعى هذه القوانين، وكمثال ونموذج مهم قانون المرور، فكل شخص لديه سيارة يريد أن يمشي في الشارع، وله حق، لكن مع كثرة السيارات، ومع تعدد الاتجاهات لا بد من نظام، هذا النظام ينبغي أن يراعى وأن يحترم، وإذا لم يراعى هذا النظام تحدث الحوادث وتحصل المآسي كما أشرنا في الليلة السابقة خاصة عندنا هنا فالإحصاءات والأرقام مذهلة عن نتائج مخالفات نظام المرور. 65-70% من أسباب الوفيات هو المخالفات المرورية والحوادث التي تنتج عن المرور وفي السنة الماضية سنة 1997م ثمانية آلاف شخص ماتوا بسبب الحوادث المرورية.

وفي كل ساعة يقع 20 حادثاً، وتعادل خسائر البلد من الحوادث المرورية يومياً مليوني جنيها. كما يشغل المصابون في الحوادث المرورية أكبر عدد من الأسرة الموجودة في المستشفيات.فيبلغ عدد الأسرة المشغولة بالمصابين في حوادث المرور 30% من أسرة المستشفيات.
فلماذا هذه السرعة؟! ولماذا لا نراعي نظام المرور؟!
فمن الناحية الشرعية يحرم على الإنسان أن يخالف أنظمة المرور.

لماذا؟
لأن في هذه المخالفة خطراً على حياة المخالف نفسه وعلى حياة الآخرين.

إن الشاب عندما يجلس وراء مقود السيارة يريد أن يستعرض عضلاته وقوته وقدراته في قيادة السيارة، وهو في الحقيقة بما يسببه من حوادث يودي بحياته وحياة الآخرين، فيؤذي عائلته، ويؤذي الناس من حوله.

وهذا حرام من الناحية الشرعية، وواضح الخطأ من الناحية العقلية.

ولتجنب هذه الأخطار على الإنسان أن يراعي أنظمة المرور.

وليكن الالتزام بالنظام بشكل عام صفة للإنسان وجزءاً من حياته اليومية، ومن ذلك أنظمة المؤسسات العامة. فالموظف لابد أن يلتزم بالنظام وأن يحترم القانون، فلا يتأخر عن عمله، ولا يؤخر عمل الناس.

تكتب الصحف والمجلات بعض الأحيان عن حالات سيئة من هذا القبيل. وتشير إلى تأخر المعاملات وتراكمها على مكاتب الموظفين، بينما يقضي بعض الموظفين أوقات الدوام على أشياء خارج عملهم، في حين أن الموظف يتقاضى راتباً من المال العام. فكيف يكون هذا الراتب حلالاً؟ وكيف تكون اللقمة التي يأكلها وينشئ أبناءه عليها حلالاً وهو لا يقوم بالواجب المناط به؟!

من سبل الالتزام بالقوانين:
1- المساواة في تطبيق القانون:
على الإنسان أن يراعي النظام العام في المجتمع وهكذا في مختلف المجالات، فلا يصح أن تكون هناك محسوبيات في تطبيق الأنظمة؛ لأن المحسوبيات من أكثر العوامل الداعية إلى مخالفة النظام وتقويض دعائم الالتزام به.

فمن الأسباب التي تشجع على الالتزام بالنظام كونه يطبق على الجميع دون استثناء. فإذا رأوا الناس أنّ القانون يطبق على الجميع، يلتزمون به، أمّا إذا رأى الناس أن القانون يطبق على الجميع، يلتزمون به أما إذا رأوا فيه محسوبيات وتجاوزات نزولاً عند الواسطة، فيطبق على أناس دون غيرهم، فإن هذا يكون عاملاً مثبطاً عن الالتزام بالنظام.
وجاءت أحاديث تؤكد على احترام القانون وتطبيقه على الجميع دون محاباة.
فقد روي عن رسول الله محمد أنه رفض التوسط لديه لكي يعطل قانوناً، فلا يقيمه على امرأة شريفة من بني مخزوم، رفض ذلك وقال: «إنما هلك الناس قبلكم أنهم كانوا إذا سرق الشريف فيهم تركوه، وإذا سرق الضعيف فيهم أقاموا عليه الحد، والذي نفس محمد بيده لو أن فاطمة بنت محمد -وهي معصومة وذكرها لبيان أن القانون يطبق على الجميع- سرقت لقطعت يدها»[9] .
فالقانون ينبغي أن يطبق على الجميع لكي يحترمه الجميع.
2- الوعي بالقانون وأهميته:
مراعاة القانون والنظام في المجتمعات أيضاً تحتاج إلى وعي الإنسان بالقانون، وبأهميته في حياته.
والوعي لا يعني المستوى الدراسي والشهادة التي يحملها الإنسان، فقد جاء في تقرير أن 77% ممن حصلت لهم حوادث مرورية في سنة 97م هم من المتعلمين، فالوعي يعني أن يكون الإنسان مدركاً أن مخالفة القانون فيها ضرره وضرر مجتمعه. فيدعوه ذلك إلى مراعاة القانون في كل جوانب حياته الشخصية والعامة.
بعض الناس لا يهتم إلا ببيتة لكن إذا دخل مستشفى أو مدرسة أو حديقة عامة فلا يهتم لشأنها ويفسد فيها. وخاصة بعض الحالات السلبية التي تصدر عن بعض الشباب والأولاد، فيسيئون التصرف في الممتلكات العامة مثل إنارة الشوارع التي هي لصالح المجتمع فيعبثون بها ويكسرونها، والأشجار التي تزين الشوارع أو الموجودة في الحدائق، وكذا المرافق العامة، هذه ظاهرة خاطئة، فلا بد أن يربى الطفل من صغره على احترام المرافق العامة، وعلى احترام النظام، وعلى احترام الهدوء.

إن تطبيق النظام على الجميع سواسية من أبرز معالم التحضر عند الأفراد وفي المجتمعات. ولن يكون استخدام أحدث المنتجات التقنية من حاسبات آلية وغيرها دليلاً على التحضر، ما دمنا نعيش حالة البداوة في التعامل مع الناس، فلا نزال ننظر إلى الآخرين من منظور القبيلة والانتماء بشتى أنواعه.

وهنا يأتي دور التربية لتكون عاملاً مساعداً حتى ينشأ الفرد على أساس احترام النظام والقانون.

3- انسجام القانون مع مصالح الناس دينياً ودنيوياً:
ومن جانب آخر كلما كانت القوانين أكثر انسجاماً مع واقع الناس صار احترامها أكبر وأفضل، وقديما قيل: (إذا أردت أن تطاع فأمر بما يستطاع).

إذا كان القانون يخالف فطرة الناس، وإذا كان القانون يخالف دين الناس مثلاً، ويخالف عقيدتهم، ومصالحهم، فلن يكتب له السبيل إلى الاحترام والالتزام به. ولذلك ترى عدة دول تسن قوانين ثم يعترض الناس عليها فتغير وتبدل.

لماذا؟
لأن القانون إذا لم يكن منسجماً مع مصالح الناس، فإنهم يخرقونه ويتجاوزونه، لأن مصالحهم قد تدفعهم وقد تفرض عليهم –ونقصد المصالح الحقيقية وليست الأهواء والشهوات- مخالفة هذه القوانين.

الجانب الثاني: تنظيم الحياة الاجتماعية:
هناك بعض الجوانب في حياتنا ليست لها قوانين من قبل الدول، وهي متروكة لنا مثل الجوانب الدينية، والاجتماعية. لذا علينا أن ننظم نحن حياتنا في هذه الجوانب. فلا نحترم فقط القوانين والأنظمة التي تكون من قبل الحكومة، بل علينا نحن أن نعوّد أنفسنا على تنظيم حياتنا في هذه المجالات.
فالمجتمعات المتقدمة تنظم نفسها في مختلف الجوانب حتى في الدخول والخروج، فترى الحركة منسابة بهدوء واحد وراء الثاني وبشكل منظم. بينما ترى مجتمعات أخرى تتدافع في كل مكان، حتى عند ركوب الطائرة، مع أن كل واحد له مقعد محدد له فلن يجلس أحد على مقعده، لكنك لا ترى غالباً انتظاماً في الصعود إلى الطائرة. وإلا فما الداعي إلى التزاحم للوصول إلى الطائرة أولاً، مع ما في التزاحم من ضرر على الناس. ولذلك شواهد كثيرة، منها ما يحصل في الحج من تزاحم يسبب الفوضى وعدم النظام في أداء مناسك الحج، مع أنه عبادة عظيمة، لكنك ترى بعض الحجاج يدافع الناس من حوله، ويعرضهم إلى الأذى، هذا خطأ، يدل على عدم التربية على النظام ومراعاته، بينما المفروض أن يتعود الإنسان على النظام والانتظام مع الآخرين في حركته وفي علاقته معهم.
والشؤون الدينية والاجتماعية تحتاج إلى تنظيم، فيجب أن يكون هناك تنظيم للشؤون الدينية، في كل جوانبها.

ومن كان أمرُه فُرُطًا فهو من غلُظَت نفسُه، وجفَّ طبعُه، وقلَّ تهذيبُه، واضطرَبَ أمرُه؛ فلا تسَلْ عما يجلِبُه لنفسِه ولمن حولَه من التَّعَبِ والعبَثِ، لا يُراعِي مشاعِر، ولا يتحاشَى الزَّلَل، يُؤذِي بلفظِه، ويجرَحُ بلَحظِه، يقول الحافظُ ابن القيم - رحمه الله - في أمثالِ هؤلاء: "مُخالطتُه حُمَّى الروح، ثقيلُ النفسِ، بغيضُ العقل، لا يُحسِنُ أن يتكلَّمَ ويُفيدَك، ولا يُحسِنُ أن يُنصِتَ فيستفيدَ منك، ولا يعرِفُ نفسَه فيضعَها موضِعَها".

ويُذكَرُ عن الإمام الشافعيِّ - رحمه الله - أنه قال: "ما جلستُ إلى ثقيلٍ إلا وجدتُ الجانبَ الذي هو فيه أنزلَ من الجانبِ الآخر".
قِلَّةُ التهذيبِ تقودُ إلى سُوءِ التصرُّف، ونقصِ التدبيرِ، وعدمِ تقديرِ العواقِبِ، والنَّدَمِ بعد فواتِ
التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات