أُسُسٌ بِنَاءِ الشَّخْصِيَّةِ المُسْلِمَةُ الشيخ/ عبد الناصر بليح
الحمد لله ربِّ العالمين، إن الحمد لله نحمده سبحانه ونستعينه ونستهديه ونسأله التوفيق والسداد والعفاف والغني والهدي والتقي :"مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ ۖ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُّرْشِدًا"(الكهف/17).
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، في سلطانه ولي الصالحين..
وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله،وصفيه من خلقه وحبيبه .قال وماينطق عن الهوي:"لَا تَكُونُوا إِمَّعَةً تَقُولُونَ إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَحْسَنَّا وَإِنْ ظَلَمُوا ظَلَمْنَا وَلَكِنْ وَطِّنُوا أَنْفُسَكُمْ إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَنْ تُحْسِنُوا وَإِنْ أَسَاءُوا فَلَا تَظْلِمُوا"(الترمذي). اللهم صلّاةِ وسلّاِماْ عليك ياسيدي يارسول الله ..أما بعد فياجماعة المؤمنين :
يقول الله تعالي :"وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَ اأَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ"(القصص/77). يقول تعالى ذكره مخبراً عن ماقال قوم قارون له:"لا تبغ يا قارون على قومك بكثرة مالك, والتمس فيما آتاك الله من الأموال خيرات الآخرة, بالعمل فيها بطاعة الله في الدنيا وقوله: "وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا" يقول:ولا تترك نصيبك وحظك من الدنيا, أن تأخذ فيها بنصيبك من الآخرة, فتعمل فيه بما ينجيك غدا من عقاب الله.
أخي المسلم :"إن الإيمان الحق يدفع إلى السلوك المستقيم، حيث جاء الإنسان إلى الحياة ومعه فطرة نقية مهيأة لقبول الحق وكل تغيير لنقاء هذه الفطرة وصفائها ما هو إلا تشويه لشخصيةالمسلم الذي ينبغي أن يتجه اتجاها مستقيماًلا عوج فيه،وهوالاتجاه نحوالله تعالى والاستسلام له والاستعانة منه في كل أموروشؤون الحياة. ونحن نقف اليوم مع بعض سمات الشخصية الإسلامية..
فمن سمات الشخصية الإسلامية، أنها طائعة لله، منصاعة لهديه، أوابة إلى حماه، راضية بقضائه وقدره،إنها شخصية متوازنة، لا تهرب من الحياة وتعذب الجسد، وتكبت هواتفه، ولا تنغمس في ملذات الحياة الدنيا، متجاوزة حدود الله تعالى.. ومن هذه السمات .
#القدوة والأسوة:"
إخوة الإيمان :" إن الأساس الأول لشخصية المسلم هو الأسوة الحسنة إذ يبدأ المسلم تكوين شخصيته الإسلامية سلوكاً وتطبيقاً من القرآن الكريم ومنهج الرسول صلى الله عليه وسلم وأهل بيته الكرام رضي الله عنهم، فقد ذكر القرآن الصفات الأساسية التي تشكل صورة واضحة الملامح لشخصية المؤمن كما أرادها الله تعالى وهي الصورة التي تمثلها شخصية النبي محمد صلى الله عليه وسلم لأن خلقه القرآن ولأن الله تعالى قد أدبه فأحسن تأديبه.وطالبنا المولي عز وجل بالتأسي به والاقتداء بهديه فقال تعالي :"لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا"(الأحزاب/21).
إخوة الإسلام :"من ينظر في أحوال المسلمين الآن يرى عجباً!! تقاتلٌ بين المؤمنين، وتناحرٌ بين المسلمين، وخلافات في المحاكم لا حدَّ لها تحتاج للحُكم فيها إلى سنين.
وترى المسلمين منهم السبَّاب، ومنهم اللَّعان، ومنهم الذي يتكلم بأفحش الألفاظ، ومنهم الذي يصنع أحط الأعمال، والكلُّ يزعم أنه باسم الإسلام يتحرك، وباسم الإيمان يفعل، وبالإقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلَّم يصنع ذلك.
ما هذا العجب العجاب؟!!
وهل كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين كانوا حوله على هذه الشاكلة؟
لا والله، كانوا كما وصفهم اللهفي قرأنه:"مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ"(الفتح/29). التراحم والتواد، والشفقة، والعطف، والرحمة والحنان، والإيثار ـكيف كان حديثهم مع بعضهم؟ كما وصفهم القرآن "وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ" (23الحج).
لا ينطقون إلا بالكلام الطيب، يُعبِّر عنه أحدهم فيقول:"كنا ننتقى أطايب الكلام كما تنتقون أطايب الطعام". ينتقون الكلمات الطيبة التي تسُّر الخاطر، والتي تُفرح الحزين، والتي تُذهب الألم، والتي تجعل الناس يشعرون جميعاً بقول الله:"إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ" (10الحجرات). الكلُّ حريصٌ على أخيه، والكلُّ يحب الخير لأهله وذويه، والكلُّ يسارع في جلب الخير لأى مسلمٍ من المسلمين ولو بلا طلب، يتبرَّع بذلك ويسعى نحو ذلك، طلباً لمرضاة الله جلَّ في عُلاه.
كان مجلسهم لايقوم علي الغيبة ولا النميمة ولاالوقيعة بين الناس ولا التخطيط لأذية الناس ولكن كان مجلسهم :" هيا بنا نؤمن ساعة، فإن القلب أسرع تقلبًا من القدر إذا استجمعت غليانًا، كلمات قالها عبد الله بن رواحة لأبي الدرداء، وتشابهت مع ما قاله معاذ بن جبل لصاحبه وهو يذكره: "اجلس بنا نؤمن ساعة".
فلِما كانوا كذلك؟!! وتربوا علي هذه الأخلاق الكريمة وتأسوا بها ..
دخل جنود المسلمين فاتحين لبلاد فارس، وفُتحت قصور كسرى وبها خزائن لا يعلم مداها إلا الله، من الجواهر والأموال والسلاح وغيرها من أصناف الحياة الدنيا التي أغلبها لم يرها هؤلاء لأنهم كانوا فقراء ويسكنون في الصحراء.
رجلٌ من الجند عَثَرَ على الصندوق الذي تدخر فيه زوجة كسرى حُليِّها وجواهرها، ونظر إلى ما كان في هذا الصندوق من جواهر وذهبٍ وغيره لزوجة كسرى، وبعد انتهاء الجند من دخول القصور وأخذ ما فيها من متاع، إذا بنداء قائد الجيش سعد بن أبي وقَّاص رضي الله عنه ينادي:"من وجد من الجند شيئاً فليحضره إلى موضع الأمير". فسارعوا، حتى كان الرجل يُحضر الإبرة التي وجدها - وجاء الرجلٌ بالصندوقٍ لا يستطيع حمله. ففتحه فوجد فيه الذهب واللؤلؤ وما ذكرناه، فقال له:أتعلم ما في هذا الصندوق؟ قال: نعم، فتحتُه ورأيتُ ما فيه.قال: هل تدرى قيمته؟ قال: نعم.قال:ألم تُسِّولْ لك نَفْسُكَ أن تأخذ بعض ما فيه؟!!قال: لو سوَّلت لي نفسي ما جئتك به ، وإنِّي جئتك به لا خوفاً منك، ولكن خوفاً ممن يطلع على السرائر ويرى غيب الضمائر عزّ وجلَّ.خوف من الله، وصدق إيمانٍ بحضرة الله جلَّ في عُلاه.
فأمر أن يجهزِّوا قافلة لحمل هذه الغنائم - انظروا قدر هذه القافلة، قافلة من الإبل أولها في المدينة المنورة وآخرها في بلاد فارس، حوالى ثلاثة آلاف كيلومتراً!! جِمَالٌ مرصوصة محمَّلة بهذه الجواهر وهذه الغنائم - ووُضعت في مكان في المسجد فلم يسعها، فوُضعت في مكان فسيح، فلما رآها عمر ومن معه قال:"إن قوماً أدُّوا هذا لأُمناء". فقال علىٌّ بن أبي طالب رضي الله عنه وكرَّم الله وجهه:"عَفَفْتَ فعفَّت رعيتك يا أمير المؤمنين".
لأنك عففت نفسك عن ذلك، رزق الله الرعية أن تمشي وراءك، والناس على دِينِ ملوكهم كما يقول البعض.فكانوا كلهم على هذه الشاكلة!!، الأخ عندهم في الله أغلى من الدنيا وما فيها، وفعل الخير أهم عندهم من ادخار المال، وفتح الكنوز،
أهم ما كان يحرصون عليه هو رضاء الله، والعمل بشرع الله، وطاعة حبيب الله ومصطفاه، والتنزُّه عن الدخول في هذه الدنيا طمعاً ورغبة لأنهم يعلمون علم اليقين أن الدنيا إلى زوال، وأن الآخرة خيرٌ وأبقى عند الواحد المتعال:"قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالاخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلا" (77النساء).
نحن نسينا الموت ونسير نحوه، ونرى كل يومٍ أُناساً يموتون وقد يأتيهم الموت فجأة وبغتة ولا يستطيع أن يقدِّم حسنة أو يتوب من ذنبٍ جناه، ومع ذلك نغفُل عن تلك الخاتمة، وتُسوِّل لنا أنفسنا بأننا باقون ولن نخرج من الدنيا، ونهجر القريب ونقطع الأرحام، ونُكِّسر القواعد التي وضعها المصطفى صلي الله عليه وسلم.
#العلم والتعلم :
أيها الناس :" أما الأساس الثاني لبناء شخصية المسلم فهو العلم، حيث تتسامى شخصية المسلم بالعلم الذي يكشف له طريق الحق والخير وينير مسالك الحياة فيمضي فيها على هدى، فتتميز شخصيته عن غيره بالفكر والعلم المفيد،
يُقدِّم التعليمُ القائمُ على القِيَم بيئةً ناجحةً لتدريس وتَعلُّم مجموعة شاملة من المهارات الأكاديمية والاجتماعية والشخصية، والقِيَم في التعليم هي المناقب التي تُشكِّل الإنسانَ، وهي تَبني في قالبها سلوكنا وعلاقاتنا وخياراتنا، حتى شعورنا بمن نحن! وكلما تزداد الإيجابية في قيمنا، تزداد الإيجابية في أعمالنا أيضًا، وهذا أحد الأسباب لإدراج التعليم القائم على القِيَم في جميع أنواع التعلُّم، فهو يقوم بدورٍ كبير في نجاح الطلاب في مِهَنِهم التي يختارونها بأنفسهم، والتعليم وسيلة المعرفة والنجاح والحفاظ الذاتي، ولا ينحصر دور التعليم في توفير المنصَّة للنجاح فحسب، بل يسعى للمعرفة عن السلوك والتعامل والقوة الاجتماعية والاحترام الذاتي، والمجموعة الشاملة من القِيَم هي الهديَّة العُظْمى التي يمنحُها إيَّانا التعليمُ.
قال تعالي :"قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ"(الزمر/9).
فالعلم شرف لا قدر له، ولا يجهل قدر العلم وفضله إلا الجاهلون. قال عبد الملك بن مروان لبنيه: "يا بَني, تعلموا العلم؛ فإن كنتم سادة فقتم، وإن كنتم وسطاً سدتم، وإن كنتم سوقة عِشتم".
وقد دعي الإسلام إلي تعلم العلم وجعله فريضة :" طَلَبُ العِلْمِ فَرِيْضَةٌ عَلَىْ كُلِّ مُسْلِمٍ"(ابن ماجه). فالعلْم الحقيقي الذي ينفع صاحبه؛ويشكل شخصيته ووجدانه :" وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ ۖ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ"(العنكبوت/43).
نعم فإن العلم ليس عن كثرة المعرفة والحفظ، ولكن العلم عن كثرة الخشية، فهو نور يجعله الله في القلب، ولقد أحسن من قال:
لا تَحْسَبَنَّ العِلْمَ يَنْفَعُ وَحْدَهُ ♦♦♦ ما لَمْ يُتَوَّجْ رَبُّهُ بِخَلاقِ
فَإِذا رُزِقـتَ خَليقَـةً مَحمـودَةً♦♦♦فَقَدِ اِصطَفـاكَ مُقَسِّـمُ الأَرزاقِ
فالعلم بغيرورع ولا طاعة كالسراج يضيء البيت بنوره، ويحرق نفسه. وماذا يفيد العلم جُمَّاعَ القول المصرين على معاصيهم وأخطائهم،الذين يستمعون القول ولا يتبعون أحسنه.
#الثبات علي الموقف :"
إخوة الإسلام :" ومن ملامح شخصية المسلم أيضاً، الثبات في العسر وفي اليسر، فهو شاكر في السراء، صابر في الضراء، وللمسلم شخصيته المعتدلة نحو المال الذي استودعه الله إياه فهو يتصرف فيه بالطرق المشروعة من غير إسراف أو تقتير سائرا على المنهج القرآني الذي رسمه الله تعالى في قوله:"وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا"(الفرقان: 67).والذين إذا أنفقوا من أموالهم لم يتجاوزوا الحد في العطاء، ولم يضيِّقوا في النفقة، وكان إنفاقهم وسطًا بين التبذير والتضييق.. وقال صلى الله عليه وسلم:"الكَيِّس مَن دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز مَن أتبع نفسَه هواها وتمنَّى على الله الأماني"(أحمد والترمذي).
انظر إلى التاجر الذي عَلِمَ أن المدينة أوشكت على مجاعة وقحط، لأنه لم يَعُدْ فيها حفنة دقيق، وجاءه من بلاد الشام ألف جملٍ محمَّلين بالدقيق، وذهب إليه تجار المدينة مجتمعين وقالوا له: نريد أن نقاسمك، نأخذ البضاعة ونوزعها على أنفسنا ونعطيك ضعف ثمنها. قال: قد جاءني مَنْ أعطاني أكثر من هذا. قالوا: نعطك الضعفين، قال: جاءني من أعطاني أكثر من هذا. قالوا: من جاءك ونحن تجار المدينة ولم يتخلف منا أحد؟ قال: وعدني الله عزّ وجلَّ، بأن يأخذها مِنِّي بِعَشْرِ أمثالها، أشهدكم بأنها صدقة لفقراء المسلمين.
أين هؤلاء؟!!أتدرى ما منزلة هؤلاء؟!!يقول فيهم سيد المرسلين وإمام الأنبياء والصالحين صلى الله عليه وسلَّم:"التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداءوالصالحين يوم القيامة"(الترمذي).أين هؤلاء من المحتكرين في هذا الزمان؟!! الذين يتفننون في احتكار الأقوات، واحتكار الضروريات، ليربحوا أموالاً طائلة في لحظات ولا يعنيهم شأن المسلمين!! مع أنهم يعلمون علم اليقين قول سيد الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلَّم:"لا يحتكر إلا خاطئ"( مسلم).
وهل يكون بذلك من الأتقياء الأنقياء الذين صدقوا في الإيمان لربِّ العالمين؟ كلا والله!! إن المؤمنين كما قال فيهم ربُّ العالمين: "إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا الله لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ" (10الحجرات).
وهؤلاء لابد أن يروا ذلك في الدنيا قبل الأخرة :" فمن أكل بباطل جاع بحق ومن ظلم بباطل ظُلم بحق" علي حياة أعينهم فمااستحلوه من حرام سوف يذيقون ويلاته وهكذا فمن استحل السحت وأكله لسوف يجوعه الله بحق فيكون الأكل أمامه وهو قد منع منه وحرج عليه الأطباء أكله وهو يري أولاده وأهله يرتعون فيما اكتسبه من حرام وسحت وعندما يحمل علي الأعناق ينادي ولاأحد يسمعه ياأهلي وأحبابي لاتغرنكم الدنيا كما غرتني ولاتلعبن بكم كما لعبت بي فلقد جمعت المال من حلة وغير حله وتركته لكم فالنعيم لكم والحساب والعقاب علي" وكما قال صلي الله عليه وسلم :" لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعِ خِصَالٍ : عَنْ عُمُرِهِ ، فِيمَ أَفْنَاهُ ؟ وعَنْ شَبَابِهِ ، فِيمَ أَبْلَاهُ ؟ وَعَنْ مَالِهِ ، مِنْ أَيْنَ ؟ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ ؟ وَعَنْ عِلْمِهِ ، مَاذَا عَمِلَ فِيهِ ؟ "(البيهقي والبزار).
#الإيمان بالله عزوجل:"
عباد الله:" ولشخصية المسلم سمة من أرفع السمات التي تميزه عن غيره، أنها القوة الدافعة قوة الإيمان التي تستحثه لارتياد مسالك الخير وتجعل منه إنساناً قوياً لا يخشى في الحق لومة لائم، وهو ثابت الشخصية لا تزلزله عواصف الحياة، انه يستمد ثباته من عقيدته الثابتة التي تمنحه القوة والرسوخ ولذا نرى الإنسان المسلم صاحب العقيدة الراسخة، ثابتاً في كل أحواله وإعماله وأفعاله، يتحلى بالأخلاق والقيم النابضة، ومن ابرز صفات المسلم الشجاعة الأدبية فهي إحدى قيم الإسلام الهامة، والشجاعة الأدبية تحتاجها مواقف الحياة الفاضلة، كجهاد أهل الباطل والزيغ والجهر بكلمة الحق، فالمسلم الذي يعتمد على ربه لا يخاف من مخلوق وإنما يخاف ربه وحده القادر على كل شيء، ويعمل الإسلام على إلا يتعرض المسلم إلى الأذى بأية صورة، ووجوب المحبة والمودة لأخيه المسلم وان يؤثر أخاه على نفسه وعندئذ ترتقي شخصيته الإيمانية ويستشعر عظمة الإسلام في كل كيانه، ولشخصية المسلم مظهر معين يتسم بالهدوء، فهو لا يقوم إلا على ما يطمئن إليه، كما يتميز بصفاء القلب ونقاء سريرته، فبصفاء القلب وصلاحه تستقيم الجوارح ويتهذب السلوك، وهو قادر على ضبط النفس، فالإنسان القائم على نفسه، الحاكم لرغباتها الكابح لجماحها، إنسان قوي الشخصية، والمسلم غني النفس راض بما في يده، قانع بما عنده لا يتطلع إلى غيره.
وهناك عوائق تعترض النفس البشرية وتعوق أمنها وراحتها فإذا ما اهتدى بهدى الله ويمم وجهه شطر الإيمان وجد العقيدة الإسلامية عاصمة له يقول عز وجل:" الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ"(الأنعام: 82). الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه ولم يخلطوا إيمانهم بشرك، أولئك لهم الطمأنينة والسلامة، وهم الموفقون إلى طريق الحق"
ويعنى الإسلام ببناء الشخصية على الصدق منذ فجر الصبا ويدعو الآباء والأمهات إلى تنشئة الأبناء عليه منذ صغرهم.
#فمن سمات شخصيةالمسلم الحياء وهو شعبة من الإيمان وتتسم شخصية المسلم بأعلى أنواع الحياء وهو الحياء من الله تعالى وشر الناس من لايستحي من الخالق ولامن المخلوقين"إنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ الْأُولَى:إذَا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا شِئْت".(البخاري).
#كما تتميز شخصية المسلم بالأمانة حيث يقول صلى الله عليه وسلم:"لَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ، وَلَا دِينَ لِمَنْ لَا عَهْدَ لَهُ"(أحمد). ولعظمة الأمانة وضخامتها وما تشتمل عليه من أحكام الدين الشرعية فأن ضعاف الشخصية لا يستطيعون حملها، #كما تتميز شخصية المسلم بالتعاون والعفة نظرا لحرصه على حفظ دينه وعرضه وكرامته وشرفه، والمبادرة بالعمل الصالح والوفاء والشكر والبر وقدرته على توثيق العلاقات الإنسانيةوالاجتماعيةوالعفوعند المقدرة والصبر وغير ذلك من السمات.. "والتائب من الذنب"
الخطبة الثانية :
الحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله صلي الله عليه وسلم..أما بعد فياجماعة الإسلام ..لازلنا نواصل الحديث حول بناء شخصية المسلم ومنها:"
رسوخ العقيدة وقوة الشخصية:"
فقد حرص الرسول صلي الله عليه وسلم علي بناء شخصية المسلم برسوخ عقيدته وعدم التشبه بالكفار واليهود وغيرهم فحرص علي أن لايكون المسلم إمعة :"لَا تَكُونُوا إِمَّعَةً تَقُولُونَ إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَحْسَنَّا وَإِنْ ظَلَمُوا ظَلَمْنَا وَلَكِنْ وَطِّنُوا أَنْفُسَكُمْ إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَنْ تُحْسِنُوا وَإِنْ أَسَاءُوا فَلَا تَظْلِمُوا"(الترمذي).
لذلك جاء التشريع بتحريم تشبه المسلمين بالكفار ، سواء في عباداتهم أو أعيادهم أو أزيائهم الخاصة بهم .وهذه قاعدة عظيمة في الشريعة الإسلامية ، خرج عنها اليوم - مع الأسف - كثير من المسلمين ، جهلاً بدينهم ، أو اتباعاً لأهوائهم ، أو انجرافاً مع العادات والتقاليد المخالفة للشرع.
ومن العجيب أن هذا الأصل ـ الذي يجهله كثير من المسلمين اليوم ـ قد عرفه اليهود الذين كانوا في المدينة مع النبي صلى الله عليه وسلم ،عرفوا أنه صلى الله عليه وسلم يريد أن يخالفهم في كل شؤونهم الخاصة بهم .فعن أنس بن مالك رضي الله عنه:"أَنَّ الْيَهُودَ كَانُوا إِذَا حَاضَتْ الْمَرْأَةُ فِيهِمْ لَمْ يُؤَاكِلُوهَا،وَلَمْ يُجَامِعُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ ، فَسَأَلَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى:"وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ".. إِلَى آخِرِ الْآيَةِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إِلَّا النِّكَاحَ ، فَبَلَغَ ذَلِكَ الْيَهُودَ ، فَقَالُوا : مَا يُرِيدُ هَذَا الرَّجُلُ أَنْ يَدَعَ مِنْ أَمْرِنَا شَيْئًا إِلَّا خَالَفَنَا فِيهِ"(مسلم).
. عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ"( أبو داود) .وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"خَالِفُوا الْيَهُودَ ، فَإِنَّهُمْ لَا يُصَلُّونَ فِي نِعَالِهِمْ وَلَا خِفَافِهِمْ"(أبو داود).وهذا يدل على أن مخالفة اليهود أمر مقصود في الشرع .
فعن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما قال : رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم عَلَيَّ ثَوْبَيْنِ مُعَصْفَرَيْنِ،فَقَالَ:"إِنَّ هَذِهِ مِنْ ثِيَابِ الْكُفَّارِ فَلَا تَلْبَسْهَا"(مسلم) .فعلَّل الرسول صلى الله عليه وسلم النهي عن لبس هذه الثياب بأنها من لباس الكفار.وعن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:"إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:"إِنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى لَا يَصْبُغُونَ فَخَالِفُوهُم"( البخاري ومسلم) .
عَنْ أَبِي عُمَيْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ عُمُومَةٍ لَهُ مِنْ الْأَنْصَارِ قَال:"اهْتَمَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلصَّلَاةِ كَيْفَ يَجْمَعُ النَّاسَ لَهَا ، فَقِيلَ لَهُ : انْصِبْ رَايَةً عِنْدَ حُضُورِ الصَّلَاةِ فَإِذَا رَأَوْهَا آذَنَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فَلَمْ يُعْجِبْهُ ذَلِكَ ، قَالَ : فَذُكِرَ لَهُ الْقُنْعُ (يعني : البوق) ، فَلَمْ يُعْجِبْهُ ذَلِكَ ، وَقَالَ : هُوَ مِنْ أَمْرِ الْيَهُودِ ، قَالَ : فَذُكِرَ لَهُ النَّاقُوسُ ، فَقَالَ : هُوَ مِنْ أَمْرِ النَّصَارَى ، فَانْصَرَفَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ وَهُوَ مُهْتَمٌّ لِهَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأُرِيَ الْأَذَانَ فِي مَنَامِه"( أبو داود).
فعَّلل النبي صلى الله عليه وسلم كراهته للبوق بأنه من أمر اليهود ، وكراهته للناقوس بأنه من أمرالنصارى،وهذا يقتضي نهيه عما هومن أمراليهودوالنصارى.
وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة وقت طلوع الشمس ووقت الغروب معللاً ذلك النهي بأنها تطلع وتغرب بين قرني شيطان ، وأنه حينئذ يسجد لها الكفار .ومعلوم أن المؤمن لا يقصد السجود إلا لله تعالى ، وأكثر الناس قد لا يعلمون أن طلوعها وغروبها بين قرني شيطان ، ولا أن الكفار يسجدون لها ، ثم إنه صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة في هذا الوقت حسماً لمادة المشابهة بكل طريق وعن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قال : حِينَ صَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ قَالُوا:يَا رَسُولَ اللَّهِ،إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ" ، قَالَ : فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"(مسلم ) .فعزم الرسول صلى الله عليه وسلم على مخالفة اليهود والنصارى بصيام يوم آخر مع يوم عاشوراء.
أيها الناس :" أراد الرسول أن يكون للمسلم شخصية مستقلة ولكنه أبي إلا الانبطاح خلف كل ناهق وناعق وقد اتبعنا اليهود شبر بشبر كما أخبر الرسول صلي الله عليه وسلم :"لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر، وذراعا بذراع، حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه".فقلنا: يا رسول الله اليهود والنصارى؟قال النبي:" فمن؟"(البخاري ومسلم).
علاج الإسلام للشخصية العدوانية غير السوية
من هي الشخصية العدوانية؟
هي شخصية تبدو في مظهرها طيبة ومسالمة ينخدع فيها الكثير ولكنها في الحقيقة تحمل عدوانا هائلاً في داخلها يخرج بطريقة غير مباشرة وغير معلنة في الخفاء، وهذه الشخصية لم تعتد المواجهة والتعبير عن رأيها والدفاع عن نفسها، فهي تعرضت في طفولتها للقهر والكبت،أو تعرضت لخداع الآخرين بسبب معاملته السيئة مع أقرب الناس إليه فبالتالي لابد من خداعه لأن من ليس له خير في نفسه وأهله ليس له خير في أحد فيقولون عنه :"واكل ناسه" فيتم التعامل معه من هذا المنطلق .. لذلك فهي تخاف الناس ولا تصارحهم بمشاعرها الحقيقية
صفات الشخصية العدوانية:1- التسلط على الاخرين وعدم مراعاة حقوقهم ومشاعرهم.2-الجرأة الزائدة عن حدها فى ابداء الرأي الى حد الزام الاخرين بها في بعض المواقف.3-المبالغة في اظهار مشاعر الاستياء والغضب والكره وعدم مراعاة مشاعر الاخرين في ذلك.4-الجرأة الزائدة في اتخاذ القرارات وتنفيذها بتهور أحياناً، وقد تكون قرارات حاسمة ومهمة وتمتد الى غيره، أولاده زوجته أخوته او طلابه او اصدقائه.وفي الغالب هي قرارات تعود عليه نفسه بالخراب والدمار ومع ذلك لايتراجع رغم أنه بيته اتخرب وبيكمل عليه ..5- الإفراط بالاعتداد بالنفس وتحدي الأخرين وعنادهم.6- الحملقة في عيون الاخرين بقوة وقلة الاحترام، وبنظرات تسلط تشعر الطرف الأخر وكأنه أمام عدو.7- قوة في الصوت مع ارتفاع في نبراته وتسلط في عباراته أوامر صارمة النواهي ملزمة.
#كيفية التعامل مع الشخصية العدوانية.
- اصغ واستمع إليه جيدا لكي تمتص انفعاله وغضبه.
- حافظ على هدوئك معه دائما ولا تنفعل امامه.
- لاتأخذ كلامه على أنه يمس شخصيتك.
- تمسك بوجهة نظرك ودافع عنها بقوة الحجة والبرهان.ولا تعيره أي اهتمام فالنار تأكل نفسها إن لم تجد ماتاكله "
-أعده الى نقاط الموضوع المتفق عليها.
-استخدم معه المنطق وابتعد عن العاطفة.
-ابتسم وحافظ على جو المرح.
- استعمل اسلوب نعم ولكن.
#علاج الإسلام لهذه الشخصية العدوانية
:" لقد وضع الإسلام لهذه الشخصية سمات ومعاني منها الإجرام فنصحه بأن يكثر من الاستغفارقال تعالي"وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ"(هود/52).
كما ذكره بأن المسلم الحقيقي هو الذي يسلم الناس من شره :" المسلم من سلم الناس من لسانه ويده"
كما حذره من أن يكون في عداد الأشرار فبين الرسول صلي الله عليه وسلم في جملة من الأحاديث بأن شر الناس من لايستحي من الخالق ولا من المخلوقين "
وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها أَنَّ رَجُلًا اسْتَأْذَنَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : "ائْذَنُوا لَهُ ، فَلَبِئْسَ ابْنُ الْعَشِيرَةِ أَوْ بِئْسَ رَجُلُ الْعَشِيرَةِ) [الْمُرَاد بِالْعَشِيرَةِ قَبِيلَته , أَيْ بِئْسَ هَذَا الرَّجُل مِنْهَا" .فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ أَلَانَ لَهُ الْقَوْلَ .قَالَتْ عَائِشَةُ فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قُلْتَ لَهُ الَّذِي قُلْتَ ، ثُمَّ أَلَنْتَ لَهُ الْقَوْلَ .قَالَ : "يَا عَائِشَةُ إِنَّ شَرَّ النَّاسِ مَنْزِلَةً عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ وَدَعَهُ أَوْ تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ فُحْشِهِ"(البخاري ومسلم). .
(اتقاء فحشه) أي لأجل قبيح قوله وفعله .وفي لفظ للبخاري :"يَا عَائِشَةُ مَتَى عَهِدْتِنِي فَحَّاشًا ، إِنَّ شَرَّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ شَرِّهِ" .
قال ابن حجر: "قَوْله : (اِتِّقَاء شَرّه) أَيْ قُبْح كَلَامه".
"فشر الناس منزلة عند الله من تركه الناس اتقاء فحشه ، لا تراه إلا متلبساً بجريمة ، ولا تسمعه إلا ناطقاً بالأقوال الأثيمة .
فعينه غمازة ، ولسانه لماز ، ونفسه همازة ، مجالسته شر ، وصحبته ضر ، وفعله العدوان ، وحديثه البذاءة ، لا يذكر عظيماً إلا شتمه ، ولا يرى كريماً إلا سبه وتعرض له بالسوء ، ونال منه ، وسفه عليه" انتهى من كتاب "(إصلاح المجتمع" للبيحاني صـ )199 .
وإن الله جل جلاله ليبغض من هذه صفته ، كما قال صلى الله عليه وسلم : (إِنَّ اللَّهَ لَيُبْغِضُ الْفَاحِشَ الْبَذِيءَ"( الترمذي).
و قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أنبئكم بشراركم؟!» قالوا: بلى يا رسول الله.. قال: إن شركم الذى ينزل وحده "أى الأناني" ويجلد عبده ويمنع رفده "أى عطاءه" ثم أردف قائلاً: أفلا أنبئكم بشر من ذلك؟ قالوا: بلى إن شئت يا رسول الله. قال: "من يبغض الناس ويبغضونه". ثم أردف قائلاً: أفلا أنبئكم بشر من ذلك؟ قالوا: بلى إن شئت يا رسول الله. قال:"الذين لا يقيلون عثرة ولا يقبلون معذرة ولا يغتفرون ذنباً" أفلا أنبئكم بشر من ذلك؟ قالوا: بلى إن شئت يا رسول الله. قال:"من لا يرجى خيره ولا يؤمن شره"(صحيح).
فعلاجه تارة المدارة والابتعاد عنه اتقاء شره وفحشه وقبحه .ز وإلا فليكن الحسم والردع ..
" اللهم اجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه"