الإسلام دين النظام للشيخ السيد أبو أحمد
الحمد لله رب العالمين ... خلق هذا الكون وَأَبدَعَهُ، وَبَنَاهُ عَلَى نِظَامٍ دَقِيقٍ وَأَحكَمَهُ، حَتى لا يَتَقَدَّمَ فِيهِ مَخلُوقٌ عَلَى آخَرَ، وَلا يَتَأَخَّرَ مَأمُورٌ عَمَّا أُمِرَ بِهِ، قَالَ سُبحَانَهُ ﴿ وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ * وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ * لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ﴾ [يس: 37 - 40].
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ... له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو علي كل شيء قدير .. أتقن صنع كل شيئ فابدع ونظم واحسن فقال تعالي }صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} [النمل: 88].
وأشهد أن سيدنا محمد رسول الله (ﷺ).. أمر بالتنظيم واستغلال الطاقات والإمكانات ،فقال (ﷺ) (اغْتَنِمْ خَمْساً قَبْلَ خَمْسٍ : شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ ، وَ صِحَّتَكَ قَبْلَ سُقْمِكَ ،وَ غِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ ، وَ فَرَاغَكَ قَبْلَ شُغُلِكَ ،وَ حَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ .) أخرجه الحاكم في المستدرك وقال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه
فاللهم صل علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلي يوم الدين ..
أما بعد :ـ فيا أيها المؤمنون
إن الله تعالي خلق الإنسان لمهمة عظيمة تتمثل في عبادته سبحانه وتعالي فقال تعالي {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ }[الذاريات: 56].
والعبادة هي تحقيق مراد الله في تعمير الأرض قياماً بواجب الخلافة. ولذلك ربط الله الإيمان بالعمل في القرآن الكريم, "وحيثما ذكر الإيمان في القرآن أو ذكر المؤمنون ذكر العمل, قال تعالى:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ
الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ(15) } [الحجرات].
وقال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ(55) }[النور] .
فقد اشترط للاستخلاف والتمكين أن يكون إيماناً ويكون عملاً واشترط أن يكون العمل صالحا يعني موافقاً لما شرع الله عز وجل .
واشترط أن يكون العمل وفق نظام محكم حتي يؤتي ثماره المرجوة ولا يكون العمل صالحاّ بلا نظام ولا ترتيب ، لذلك كان حديثنا عن موضوع الإسلام دين النظام و يتناول هذه العناصر الآتية :ـ
1ـ النظام سنة كونية .
2ـ النظام سنة ربانية.
3ـ أهمية النظام.
4ـ كيف ينظم الإنسان حياته؟
5ـ النظام في حياة النبي صلي الله عليه وسلم.
6ـ أثر النظام في حياة الفرد والمجتمع .
7ـ خطورة الفوضوية وطرق التخلص منها .
==================
العنصر الاول : النظام سنة كونية :ـ
قال تعالي {هَٰذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ ۚ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ(11)} لقمان.
قال تعالى : {وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (68) ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا ۚ يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (69)}النحل.
في حياة النحل نظام وانضباط .. وفيه تناغم واتساق ..
وكلها مظاهر من عظمة الخالق المبدع الذي جعل من أمة النحل مثالا يحتذى به في التعاون والنظام .
الكل يعمل حسب سنه ودوره .
المهندسات والبناءات يشيدن قرص النحل .
والعاملات يقمن برحلات للكشف عن أماكن الرحيق .
والكيميائيات يتأكدن من نضوج العسل وحفظه، والخادمات يحافظن على نظافة الشوارع والأماكن العامة في الخلية .
والحارسات على باب الخلية يراقبن من دخل إليها ومن خرج يطردن الدخلاء أو من أراد العبث بأمن الخلية .
فمن علم هؤلاء كل هذا ؟ ومن أوحى لهن هذه الأدوار ؟
إنه رب العالمين الذي يقول :{ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ ۚ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ۚ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ (38)} الأنعام.
العنصر الثاني : النظام سنة ربانية :ـ
إنَّ الله تعالي خَلَقَ هَذَا الكَونَ وَرَتَّبَ كُلَّ مَا فِيهِ، جَعَلَ العِبَادَاتِ كَذَلِكَ مُرَتَّبَةً وَمُنَظَّمَةً، وَحَدَّهَا بِحُدُودٍ مَنَعَ مِن تَعَدِّيهَا وَتَجَاوُزِهَا، فَأَنتُم تَرَونَ الصَّلَوَاتِ في كُلِّ يَومٍ خَمسًا، قَبلَهَا وُضُوءٌ وَطَهَارَةٌ، وَلِكُلٍّ مِنهَا عَدَدُ رَكَعَاتٍ وَهَيئَاتٌ وَصِفَاتٌ، وَأَوقَاتٌ لا يَجُوزُ تَعَدِّيهَا بَدأً وَلا انتِهَاءً، وَمِثلُ ذَلِكَ تَرَونَ الزَّكَاةَ، لها أَحكَامٌ في أَنوَاعِهَا وَوَقتِهَا وَمَقَادِيرِهَا وَنِسَبِهَا، وَالصَّومُ لَهُ بِدَايَةٌ وَنِهَايَةٌ وَمُنطَلَقٌ وَغَايَةٌ، وَالحَجُّ أَشهُرٌ مَعلُومَاتٌ وَمَنَاسِكُ وَشَعَائِرُ، يَتَنَقَّلُ العِبَادُ مِن بَعضِهَا لِبَعضٍ في نِظَامٍ لا يَخرُجُونَ عَنهُ وَلا يَتَجَاوَزُونَهُ، في أَيَّامٍ مَعلُومَاتٍ وَأُخرَى مَعدُودَاتٍ، وِللهِ فِيمَا بَينَ ذَلِكَ عَلَى عِبَادِهِ حُقُوقٌ في اللَّيلِ لا تُقبَلُ في النَّهَارِ، وَأُخرَى نَهَارِيَّةٌ لا تُؤَخَّرُ لِلَّيلِ، وَثَمَّةَ كَفَّارَاتٌ وَنَفَقَاتٌ حُدِّدَت بِمَقَادِيرَ مَعلُومَةٍ وَأَوصَافٍ مَضبُوطَةٍ.
أَلا تَرَونَ أَنَّ كُلَّ هَذَا الإِحكَامِ لِسَيرِ الكَونِ وَالتَّنظِيمِ لِلشَّرَائِعِ وَالدِّقَّةِ في العِبَادَاتِ وَالأَحكَامِ إِنَّمَا هُوَ تَربِيَةٌ لِلنَّاسِ عَامَّةً وَلِلمُسلِمِينَ خَاصَّةً؛ لِيَكُونُوا في كُلِّ حَيَاتِهِم مُنَظَّمِينَ مُرَتَّبِينَ، وَعَلَى الصَّوَابِ سَائِرِينَ، وَعَنِ الخَطَأِ مُتَجَانِفِينَ؟!
العنصر الثالث : أهمية النظام:ـ
إن الإسلام ينظم الحياة البشرية في مختلف ميادينها الاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية كما يرسم لها الطريق الصحيح لحل مشاكلها .
الإسلام يسعى إلى تنظيم الحياة للإنسان والعنصر الرئيسي هو تنظيم الوقت .
النظام هو إحدى القيم التي ترتقى بها الأمم وتتطور بها الشعوب والمجتمعات .
ـ نظام داخلي للحكم يتحقق به قول الله تبارك وتعالى :{وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكَ(49)}المائدة.
ـ ونظام للعلاقات الدولية يتحقق به قول القرآن الكريم :{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً(143)} البقرة.
ـ ونظام عملي للقضاء يستمد من الآية الكريمة : {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً(65)} النساء.
ـ ونظام للدفاع والجندية يحقق مرمى النفير العام : قال تعالي {انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ (41)} التوبة.
ـ ونظام اقتصادي استقلالي للثروة والمال والدولة والأفراد أساسه قول الله تعالى : {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِيَاماً (5)} النساء.
ـ ونظام للثقافة والتعليم يقضي على الجهالة والظلام ,ويطابق جلال الوحي في أول آية من كتاب الله : {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ(1)} العلق.
ـ ونظام الأسرة والبيت ينشئ الصبي المسلم والفتاة المسلمة والرجل المسلم ويحقق قوله تعالى : {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ(6)} التحريم.
ـ ونظام للفرد في سلوكه الخاص يحقق الفلاح المقصود بقوله تعالى :{قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا(9)} الشمس
ـ وروح عام يهيمن على كل فرد في الأمة من حاكم أو محكوم قوامه قول الله تعالى :{وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي
الأَرْضِ (77)} القصص.
فإن العمل بدون نظام يصبح ضربًا من العبث وضياع الوقت سدى، إذ تعم الفوضى والارتجالية ويصبح الوصول إلى االهدف بعيد المنال.
يمثل النظام في الكون والحياة ضرورة لا يمكن أن تستقيم الحياة بدونها، وقد تكرر الكلام عن آفاق الكون ومشاهد الطبيعة في القرآن الكريم تكراراً يلفت النظر، وأكثر سور القرآن تستعرض الكون بآفاقه الواسعة وأنواعه الكثيرة، وأقسامه المتعددة، وحركته الدائبة وحوادثه المتكررة، وأنَّه محكوم بنظام بالغ الدقة، ويجري وفق سنن مطردة، وحوادثه السابقة واللاحقة تأتي وفقاً لإرادة الله الأزلِّية، ولا يشذ عنها حادثة من الحوادث لا في الزمان ولا في المكان..
كما إنَّ التطور الذي يتم في الكون منضبط بنظام متقن متكامل.. متناسق مع نظام الحياة في غاية الإبداع.. فكل شيء في الحياة والكون مقدر وموزون ومحسوب، قال تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ(49)} القمر.
والسمة البارزة في عرض القرآن لموجودات الكون، أو ملكوت السموات والأرض، هي أن تعرض عرضا متنوعاً يدعو الإنسان بإلحاح وتحفيز للنظر والتأمل والتفكير في مجرى حوادثها، والدعوة إلى توحيد الله وإفراده بالعبادة، قال تعالى:{وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ(37)}فصلت.
ويدخل الإنسان ضمن مخلوقا ت الله بدءاً ونهاية فرداً وجماعة وأُمّة بل وأمماً في منظومة الوجود ونواميسه وعلله وأسبابه ومسبباته، فالكل خاضع لله، ويتحرك في نظام سنة الله {كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (116)}البقرة.
ورد في سورة (يس) ما يبين أهمية النظام، وأن الكون والحياة تسير وفق نظام في غاية الدقة والإعجاز، قال تعالى:{وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ(37) وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ۚ ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (38) وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّىٰ عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (39) لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ ۚ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (40) }يس.
كذلك الإنسان وهو ذلك المخلوق المكرم الذي استخلفه الله جل وعلا في الأرض وسخر له الكثير من ملكوت السموات والأرض ليحقق الرسالة التي أنيطت به، وليسير نحو الغاية التي خلق من أجلها: قال تعالي{ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ(56)}الذريات.
فإنَّ هذه الرسالة وذلك التكليف لا يتأتي والغاية لا تتحقق في ضوء نظام يحدد مساره، وينظم علائقه، ويضبط أوضاعه، ويحل مسائله وقضاياه، وإلا سادت الفوضى وعمت الجهالة.
العنصر الرابع: كيف ينظم الإنسان حياته؟
إِنَّ كُلَّ مَا حَولَ الإِنسَانِ لَيَدفَعُهُ إِلى أَن يَكُونَ مُنَظَّمًا في حَيَاتِهِ، مُرَتَّبًا في وَظِيفَتِهِ، مُتقِنًا لِعَمَلِهِ، مُحسِنًا في تَعَامُلِهِ، صَادِقًا في بَيعِهِ وَشِرَائِهِ، وَفِيًّا في أَخذِهِ وَعَطَائِهِ، لِتَزكُوَ نَفسُهُ وَتَكمُلَ ذَاتُهُ، وَيَنشَرِحَ صَدرُهُ وَيَسعَدَ في حَيَاتِهِ.
فالكون كله يسير بنظام بديع فهذا يحتم علي المسلم أن يكن منظما في جميع شئونه ، فمن الجوانب المهمة في ترتيب الحياة.. جانب الوقت:
أثمن شيء تملكه هو الوقت، إنه رأس مالك، حياة كل منا مجموعة أيام، كيف يستهلكها، إما أن يستهلكها، وإما أن يستثمرها، إن استهلكها في طلب الدنيا، وجاء الموت، ندم على ما فعل، وإن استثمرها في عمل صالح وجاء ملك الموت، شعر بالنجاح، شعر بالتفوق، شعر بالفوز، شعر بالتوفيق، شعر بأنه إنسان عرف ربه وعرف مهمته وعرف نفسه.
إن الذي يمسك بالأموال بيده ويلقيها في الطريق هذا ما اسمه بالشرع ؟
اسمه سفيه، يعني أحمق، وهذا السفيه يحجر عليه شرعاً، الذي ينفق ماله جزافاً من غير تبصر، من غير حكمة يسمى في الشرع سفيهاً، والسفيه يحجر عليه.
نعلم جيدا أن بذل المال أهون من بذل النفس، أهون بكثير، إذاً الحياة أغلى من المال، إذاً الذي يبدد ماله من غير حكمة يعد عند المجتمع سفيهاً، ويجب أن يحجر عليه، فكيف بالذي يبدد وقته، وهو أغلى من المال، إن الذي يبدد وقته من دون طائل لهو أحق من أن يحجر عليه من هذا الذي يبدد ماله، الوقت ثمين، لا تنسَ هذه الكلمة، أنت وقت أنت بضعة أيام، بضعة سنين وأعوام، أنت بضعة دقائق وثوان، دقات قلب المرء قائلة له، القلب يدق، إذاً أنت حي، فإذا توقف القلب انتهت الحياة، وهذا القلب له أجل .
دقات قلب المرء قائلة لـــه إن الحياة دقائق و ثوان
فارفع لنفسك قبل موتك ذكرها فالذكر للإنسان عمر ثانٍ
إذن تنظيم الوقت مسألة مهمة حتى لا يضّيع أوقاته وأوقات الناس سدى.
لقد ورد في صحف سيدنا إبراهيم عليه السلام : {يتبغي للعاقل أن لا يغفل عن ساعات أربع :ـ ساعة يناجي فيها ربه ، وساعة يحاسب فيها نفسه ، وساعة يتفكر في صنع الله تعالي ، وساعة يخلو فيها لحاجته من المطعم والمشرب }.
لكل وقت عمله وتحري الأوقات الفاضلة أوقات النشاط والكسل "إذا هبت رياحك فاغتنمها فإن لكل خافقة سكونا "
وخطوات التنظيم تكون كالتالي :ـ
ـ تحديد الهدف المطلوب من العمل.
ـ تحديد الأولويات .
ـ التخطيط الجيد وعدم العشوائية والعفوية في العمل واعتماد مبدأ ." فكر ألف ساعة واعمل ساعة واحدة "
ـ عدم ترك العمل قبل الانتهاء منه .
ـ الاستفادة من الأوقات البينية ( المواصلات ـ أوقات الانتظار ).
النظام في حياة المجتمع:
وهو الأهم النظام على المستوى الاجتماعي، فلا بد أن يكون هناك نظام في المجتمع وقانون هذا المجتمع هو الذي يحدد مجال حركة كل فرد، وعلاقته ببقية الأفراد في المجتمع، وعلاقته بالشأن العام في المجتمع، ولكن القانون ينبغي أن يطبق، فإذا كان الناس لا يلتزمون بتطبيق النظام والقانون فإنه لا يكون له أثره فتكون حياة الناس مضطربة.
هناك جوانب لها قوانين في المجتمع فيجب على الفرد أن يرعى هذه القوانين، وكمثال ونموذج مهم قانون المرور، فكل شخص لديه سيارة يريد أن يمشي في الشارع، وله حق، لكن مع كثرة السيارات، ومع تعدد الاتجاهات لا بد من نظام، هذا النظام ينبغي أن يراعى وأن يحترم، وإذا لم يراعى هذا النظام تحدث الحوادث وتحصل المآسي .
والموظف لابد أن يلتزم بالنظام وأن يحترم القانون، فلا يتأخر عن عمله، ولا يؤخر عمل الناس.
ومن الأسباب التي تشجع على الالتزام بالنظام كونه يطبق على الجميع دون استثناء.
فإذا رأوا الناس أنّ القانون يطبق على الجميع، يلتزمون به، أمّا إذا رأى الناس أن القانون يطبق على الجميع، يلتزمون به أما إذا رأوا فيه محسوبيات وتجاوزات نزولاً عند الواسطة، فيطبق على أناس دون غيرهم، فإن هذا يكون عاملاً مثبطاً عن الالتزام بالنظام.
وجاءت أحاديث تؤكد على احترام القانون وتطبيقه على الجميع دون محاباة.
فقد روي عن رسول الله محمد أنه رفض التوسط لديه لكي يعطل قانوناً، فلا يقيمه على امرأة شريفة من بني مخزوم، رفض ذلك وقال(ﷺ): «إنما هلك الناس قبلكم أنهم كانوا إذا سرق الشريف فيهم تركوه، وإذا سرق الضعيف فيهم أقاموا عليه الحد، والذي نفس محمد بيده لو أن فاطمة بنت محمد - - سرقت لقطعت يدها». علماَ بأنها معصومة وذكرها لبيان أن القانون يطبق على الجميع
فالقانون ينبغي أن يطبق على الجميع لكي يحترمه الجميع.
التنظيم الأسري :ــ
التنظيم الأسري أسلوب حياة! ومنهج حياتي، يجب على كل أفراد الأسرة تعلم فنونه وبشكل مستمر فالتنظيم الأسري لا يقف عند حدث، فهناك جوانب أخرى مهمة، مثل التخطيط التربوي، والتخطيط التعليمي وغيرها من جوانب الحياة الرئيسة كلها تصب في قالب الأسرة الذكية.
قال سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه : "عادني النبي (ﷺ)عامَ حجة الوداع من مرضٍ أشرفت فيه على الموت، فقلت: يا رسول الله، بلغ مني من الوجع ما ترى، وأنا ذو مال، ولا يرثني إلا ابنة لي واحدة، أفأتصدق بثلثي مالي؟ قال: (لا)، قال: أفأتصدق بشطره؟ (أي: نصفه) قال: (لا)، قال: أفأتصدق بثلثه، قال: (فالثلث يا سعد، والثلث كثير، فإنَّك إنْ تدَع ورثتك أغنياء خيرٌ من أن تدعهم عالة يتكففون الناس)" .
ويوضح هذا الحديث أنَّ الاحتياطَ واجب، وأنَّ الإنسانَ يَجب أنْ يعتمد على نفسه بعد الله - عزَّ وجَلَّ - مع الأخذ بالأسباب؛ لكي يعيشَ عيشة كريمة تقيه من ذُلِّ السؤال، أو الاعتماد على الغير.
العنصر الخامس: النظام في حياة النبي صلي الله عليه وسلم :ـ
إن سيرة الرسول (ﷺ)مَعْلم بارز في جميع جوانب الحياة ونلحظ من سيرته العطرة جانب التخطيط وإحكام الإدارة ودقة التنظيم في كل مراحل دعواته:
كانت حياة النبي (ﷺ)مثالاً يُحتذى في النظام وما بُعِث النبي (ﷺ)إلا لينظم هذا الكون، ويرده إلى دين الله عز وجل.
يقول الشاعر:
أتيت والناس فوضى لا تمر بهم إلا على صنم قد هام في صنم
فعاهـل الروم يطغى في رعيته وعاهل الفرس من كبر أصم عمى
ومن ثم فاضت هذه الصفة الطيبة على أصحابه ودعوته ودولته؛ فهو صلى الله عليه وسلم يرتب لدعوته بأمر من الله عز وجل:
فالمرتبة الأولى فيها للنبوة، والثانية لإنذار عشيرته الأقربين، والثالثة لإنذار قومه، والرابعة لإنذار قومه ما آتاهم من نذير، وهم العرب قاطبة، والخامسة إنذار جميع من بلغته دعوته من الجن والإنس إلى آخر الدهر.
أما عن طعامه:
فهو القائل (ﷺ): "ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطنه، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه فإن كان لا محالة فاعلا فثلث لطعامه وثلث لشرابه، وثلث لنفسه" ( أخرجه الإمام أحمد والترمذي), وما كان (ﷺ) يأكل أو يشرب إلا بنظام وترتيب خاص، فيبدأ بالبسملة ويختم بالحمد.
ويراعى آدابه فيها بينهم قال (ﷺ): "كلوا من جوانبها ، ودعوا ذروتها يبارك لكم فيها" (أخرجه أبو داود وابن ماجه).
وقال رسول (ﷺ) "البركة تنزل وسط الطعام، فكلوا من حافتيه، ولا تأكلوا من وسطه" (أخرجه أبو داود وابن ماجه) .
أما عن ملبسه:
فهو (ﷺ) الذي يلبس في كل موطن ما يناسبه وينصح أصحابه بذلك.. فعن رسول الله (ﷺ) أنه قال: "وإنكم قادمون على إخوانكم فأصلحوا رحالكم، وأحسنوا لباسكم حتى تكونوا شامة في أعين الناس، فإن الله لا يحب التفحش" (أخرجه أبو داود).
وهو يدعو المسلمين إلى هذا التنظيم الدقيق:
ففي بيعة العقبة الثانية، ما يؤكد هذه الإشارة، ويبين أنها خلق لازَمَ رسول الله (ﷺ)،وقد قال رسول الله (ﷺ)"أخرجوا إلى منكم اثني عشر نقيبا ليكونوا على قومهم بما فيهم".
فأخرجوا منهم اثني عشر نقيبا: تسعة من الخزرج وثلاثة من الأوس. أي أنه (ﷺ)جعل على أهل يثرب اثني عشر قائداً مسئولين عنهم، وذلك حتى يأتي (ﷺ) بنفسه مهاجراً وقائداً للمسلمين جميعهم بيثرب.
وقوله (ﷺ): "إذا كنتم ثلاثة فأمروا أحدكم" (رواه الطبراني بإسناد جيد).
فيلفت أنظارهم إلى أنه لابد من إقامة أمير، واختيار قائد على رأس كل مجموعة أو فريق عمل، وفى هذا إشارة إلى حرصه (ﷺ)إلى إناطة أمر المسلمين إلى تنظيم محكم دقيق، وهو صلى الله عليه وسلم حرص بالتالي على أن تكون جميع أمورهم منظمة ومنضبطة سواء أكانوا في سلم أو حرب، في تجارة أو على سفر، وسواء كانت هذه الشئون الصغيرة كأمر مثل أمر السفر أو أمور كبيرة كأمر الحرب، والقتال والغزو.
وهو (ﷺ) يدعو لتنظيم دوائر حياة المسلم: فيقول (ﷺ)"إن لبدنك عليك حقا، وإن لأهلك عليك حقا، وإن لزوارك عليك حقا، فأعط كل ذي حق حقه"
وفى إتباع هذا الهدى، ما يضمن راحة النفس، وحماية القلب وتوزيع اهتمامه على دوائر حياته جميعا.
وإذا نظرنا مثلاً إلى الهجرة النبوية نجد أن الرسول صلى الله عليه وسلم وضع لها خطة احتوت على هذه كل عناصر التنظيم والإدارة متمثلة في:ـ
تحديد الهدف، اختيارالمكان المناسب ، كتمان الأمر ، توزيع الأدوار ، تنظيم الوسائل، رسم أسلوب التنفيذ، محاولة التنبؤ بالمستقبل ، الإعتماد علي الله ، والثقة في الله تعالي .
ولذلك فإن الإسلام قد دعانا إلى الأخذ به، وجعله نظاما لحياة المسلمين لأنه ضرورة لابد منها ، وهذا ينسجم مع الفهم الصحيح لمعنى التوكل على الله والإيمان بالقدر.
ومن صور التخطيط في السنةِ النبوية قولُ الرسول (ﷺ) (لا يُلدَغ المؤمنُ من جحر واحد مَرَّتين) .
والدروس المستفادة من هذا الحديث في مجال التخطيط هو الاتِّعاظ، وأخذ العبرة من الماضي، وعدم تَكرار الأخطاء، وأنْ يأخذَ المسلم الحذر والحيطة في الأعمال التي يقدم عليها.
العنصر السادس: أثر النظام في حياة الفرد والمجتمع :ــ
[1] يساعد الأمــة على تحقيق أهدافها والوصول إلى غاياتها.
[2] يربط الأمـــــة بأولوياتها التربوية من خلال وضوح الأهداف وسلامة الأساليب والوسائل الموصلة إليها.
[3] تحقيق أكبر قدر من السعادة في المجتمع من خلال التزام الواجبات وأداء المسئوليات فكل فرد في المجتمع يعرف دوره الذي يؤديه وهدفه الذي يرنو إليه.
[4] محاربة الفوضوية وهدر الطاقات والأوقات والأموال والتي تعرض الأمة للكثير من المشكلات وبالتالي تقل المشكلات داخل الأمةالمسلمة مما يوفر الجو المناسب والمحتضن اللائق للتربية والعطاء..
[5] اتخاذ الاحتياطات اللازمة والوسائل المناسبة لتأمين مستقبل الأمة وبنائه وفق تنظيم يضمن بإذن الله حياة سعيدة بعيدة عن الاضطراب والارتباك أو على الأقل يخفف حدتها ويهون وطأتها.
[6] تعريف الأفراد بمهامهم التخطيطية التي أنيطت بهم لرعايتها والاهتمام بها لاسيما في وقتنا الحاضر حيث كثرة وسائل الفساد مع جهل كثير بحقوق الأمــة ومسئولياتها.
العنصر السابع: خطورة الفوضوية وطرق التخلص منها :ـ
لا بد أن يدرك المسلم العاقل بما أعطاه الله من عقل ، وما أودع فيه من الفطرة أن الله تعالى لم يخلق الحياة عبثا ، ولم يوجد الإنسان هملا قال تعالي{أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115)}المؤمنون.
وأن الله بنى الكون كله على نظام دقيق محكم ، لا مكان فيه للفوضى والاضطراب قال تعالي{أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115) }المؤمنون.
وقال تعالي{وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا (2)}الفرقان.
وقال تعالي{ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّىٰ (2)}الأعلي .
والمسلم الذي يدرك هذه الحقائق لابد أن يجعل لكل وقت من حياته هدفا ، ولكل عمل غاية ، وأن يجعل حياته كلها على هذا الأساس ، فلا وقت لديه قابل للضياع ، ولا جزء من حياته باق في دائرة الفراغ ، وهذه سمة المسلم الجاد في حياته ، المنظم لها ، المدرك لهدفه وغايته .
واعلم أخي المسلم أن رأس مالك هو عمرك فإذا ضيعته وأنفقته في غير فائدة فقد ذهبت منك الفوائد وستسأل عن عمرك مرتين كما قال النبي (ﷺ) (لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع : عن عمره فيما أفناه ؟ وعن علمه ما عمل به ؟ وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه ؟ وعن جسمه فيما أبلاه ) رواه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح .
والعمر هو الوقت الذي وقع فيه العمل .
أما الإنسان الفوضوي الذي لا يحسن في أموره كلها ، ويضيع واجباته ويفرط في كل شيء ، ويهدر طاقاته وعمره ، فلابد أن تضطرب حياته ، ويخفق في تحقيق أهدافه ، ويصاب بالإحباط واليأس والتوتر والقلق ، حين يرى الآخرين من حوله قد قطعوا شوطا بعيدا في الحياة ، وهو ما زال يراوح في مكانه .
أيها الناس ...
إن ظاهرة الفوضوية ظاهرة منتشرة في حياتنا ، الفوضوية تعني اختلاط الأمور ببعضها ، والنظر إليها أنها بدرجة واحدة من حيث الأهمية والفائدة ، فيختلط الحق بالباطل ، والمهم بالتافه ، والجد بالهزل ، وتعني أيضا العبث وإهدار الحياة والطاقات ، وبعثرة الجهود .
الفوضوي هو الشخص الذي لا هدف له محدد ، ولا عمل له متقن ، أعماله ارتجالية ، يبدأ في هذا العمل ثم يتركه ، ويشرع في هذا الأمر ولا يتمه ، ويسير هذا الطريق ثم يتحول عنه وهكذا .
وهذه بعض الآثار المهلكة للفوضوية وعواقبها الخطيرة حتي نحذرها :ـ
1- فمنها ضياع العمر بلا فائدة ، فلا يفيد الفوضوي نفسه ، ولا يفيد أهله وأسرته ، ولا يفيد مجتمعه وأمته ، فتذهب حياته سدى .
2- ومنها التشتت الذهني والقلق والاضطراب النفسي ، فالفوضوي ليس عنده القدرة على اتخاذ قرار صحيح لحل المشكلات التي تواجهه فيعجز ، ويصاب بالقلق والاضطراب اللذان يؤثران فيه نفسيا ومعنويا .
3- ومنها الفشل والضياع : فالفوضوي واقف في محله ، أو يتحرك حركة بطيئة ، لا تفيد ، فلا يمكن أن يحقق نجاحا أو يحدث له تطور ورقي .
4- ومنها فقدان الحكمة في التعامل مع الأمور : إن عدم تحديد الأهداف ورسمها بدقة وعدم التنظيم يؤدي إلى آنية التفكير ، وموسمية العمل ، وهذه هي الفوضوية بعينها ، وهذا ينشأ عادة من النظرة السطحية للأمور ، والوقوف عند ظواهر الأحداث دون النظر في أسبابها وآثارها ونتائجها ، وبالتالي يتخذ الفوضوي قرارات لا تتفق مع طبيعة الحدث ولا تناسبه ، وهذا خلاف الحكمة التي هي وضع الأمور في موضعها الصحيح قال تعالي { يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ ۚ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (269)}البقرة .
أيها االمسلمون ... لابد من علاج ظاهرة الفوضوية في حياتنا ،ويكون ذلك بأمور:ــ
1- منها دعاء الله سبحانه والاستعانة به ، والضراعة إليه أن يخلصنا من هذه الصفة المذمومة ، وأن يمن علينا بالتوفيق والسداد ، وأن يوفقنا لشغل أوقاتنا بالمفيد النافع ،فإن الدعاء سلاح المؤمن قال تعالي {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (60)}غافر.
2- ومنها اليقين بأننا مسئولون عن أوقاتنا غدا عند لقاء ربنا سبحانه ، وأنها رأس مالنا الحقيقي ، وأننا سنسأل يوم القيامة عن أعمارنا وشبابنا ووقتنا ، فضياع الحياة خسارة ما بعدها خسارة قال تعالي {قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ أَلَا ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ(15)}الزمر .
3- ومنها تنظيم الوقت ومحاسبة النفس ، فكل ما هو حولك يسير وفق نظام محدد ، فإذا نظم الإنسان وقته وحاسب نفسه على ذلك ، بورك له في وقته ، وزاد نشاطه وعمله ، وأصبح النظام سجية له وعادة .
4- ومنها التخلص من صحبة الفوضويين ، والحرص على صحبة الصالحين المستغلين لأوقاتهم فيما يرضي ربهم سبحانه ، قال رسول الله (ﷺ):المرء على دين خليله فلينظرأحدكم من يخالل.
5- ومنها إدراك العواقب المترتبة على الفوضوية ، فالعاقل يعتبر بغيره ممن تخبط وأهدر عمره ، وخرج من فشل إلى فشل ، ومن إخفاق إلى إخفاق ، فرؤية العواقب تحث العاقل على تنظيم حياته واستغلال كل لحظة من لحظات عمره فيما هو نافع ومفيد .
6- ومنها الحرص على المشورة وعدم الانفراد بالرأي ، فالاستشارة قوة للذي استشار تمنعه من الزلل ، وتهديه إلى الصواب ، وتدله على النافع المفيد ، وتسلك به إلى طريق النجاح ، وقديما قالوا : ما خاب من استخار ، ولا ندم من استشار ، ومن أعجب برأيه لم يشاور ، ومن استبد برأيه كان عن الصواب بعيدا .
وفي النهاية ... يجب أن نربي أنفسنا وأولادنا علي احترام الوقت وتنظيمه وليكن شعارنا المسلم منظما في شئونه .
أيها الناس...
هذه بعض سبل العلاج لظاهرة الفوضوية ، نسأل الله تعالى أن يرزقنا التوفيق والسداد في الأموركلها ، وأن يعيننا على تنظيم أوقاتنا فيما يرضيه ، وأن يوفقنا لقضاء أوقاتنا فيما ينفعنا في ديننا ودنيانا ، وأن يجعلنا عالمين عاملين لمجتمعنا وأمتنا فيما يحبه الله ويرضاه .