من وحي الإسراء والمعراج عقوبة مانعي الزكاة كما شاهدها رسول الله للشيخ السيد مراد سلامة
الخطبة الأولى
بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ثم عرج به إلى الأفق الأعلى إلى سدرة المنتهى، مخترقا أجواء الفضاء العلي، حتى كان قاب قوسين أو أدنى من عرش الله الأسمى، ليرى من آيات الله الكبرى، ويطلع على ملكوته العظمى
وأشهد أن لا إله إلا الله الذي يعلم السر وأخفى، وأحاط بكل شيء علما، وأحصى كل شيء عددا، وأنعم على عباده بآلاء لا تحصى، فبأي آلاء ربك تتمارى؟
وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أفضل هذه الأمة جهادًا وفداءً، وأعظمها قدوةً واصطفاءا، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين ضربوا أروع الأمثلة صفاءً ووفاءً وطهرًا ونقاءً، والتابعين ومن تبعهم وسار على نهجهم اهتداءً واقتداءً واقتفاءً، صلاة لا تطاولها أرضٌ أرضًا ولا سماءُ سماءُ، وسلم تسليما يزيده بهجةً وبهاءً ونورًا وضياءً وبركةً وثناءً.
أما بعد: فأوصيكم -عباد الله- ونفسي بتقوى الله تبارك وتعالى، تدرّعوا بها شدةً ورخاءً، سرَّاءً وضراءً، واعمروا بها أوقاتكم صباحًا ومساءً، فبها تُدفع المحن والبلايا، والفتن والرزايا، وبها تُبوَّأ الجنان عاقبةً وجزاءً
أما بعد:
فإن من المعجزات الباهرات والدلائل الساطعات معجزة الإسراء والمعراج قال الله تعالى {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الإسراء: 1]
أيها الإخوة: هذه المعجزة اشتملت على فوائد علمية وفرائد عقدية يحتاجها المسلم في حياته اليومية، واليوم نقف مع مشهد من مشاهد الإسراء التي شاهدها سيد الأصفياء صلى الله عليه وسلم – وهو مشهد يواكب مقتضى الحال حيث أننا نعيش في هذه الأيام موسم من مواسم الحصاد – أعنى حصاد محصول القمح-ويوجد كثير من الناس يتهاون بالزكاة ولا يخرجها لذا رأيت أن نقف مع مشهد مانعي الزكاة كما شاهدت النبي –صلى الله عليه وسلم –
أخي المسلم: تصور و تخيل و توهم ذلك المشهد الرهيب الذي يصفه لنا الحبيب المحبوب صلى الله عليه وسلم لمانعي الزكاة ففي حديث الإسراء عن أبى هريرة -رضي الله عنه –في الحديث الطويل -…… ثم أتى على قوم على أقبالهم رقاع، وعلى أدبارهم ([1]) رقاع، يسرحون كما تسرح الإبل والنعم، ويأكلون الضريع ([2]) والزقوم ورضف جهنم ([3])وحجارتها ، قال : « ما هؤلاء يا جبريل ؟ » ، قال : هؤلاء الذين لا يؤدون صدقات أموالهم ، وما ظلمهم الله شيئا وما الله بظلام للعبيد ([4])
وإليكم أيها الأحباب البيان والإيضاح
تعريف الزكاة:
الزكاة هي: البركة والطهارة والنماء والصلاح.
وسميت الزكاة لأنها تزيد في المال الذي أخرجت منه، وتنقيه الآفات.
والزكاة شرعا هي: حصة مقدرة من المال فرضها الله عز وجل للمستحقين الذين سماهم في كتابه الكريم. أو هي مقدار مخصوص في مال مخصوص لطائفة مخصوصة. والزكاة الشرعية قد تسمى في لغة القرآن والسنة صدقة كما قال تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [التوبة: 103]
وفي الحديث الصحيح قال صلى اللّه عليه وسلم لمعاذ حين أرسله إلى اليمن: (أعْلِمْهُم أن اللّه افترض عليهم في أموالهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم.) ([5])
وهي الركن الثالث من أركان الإسلام الخمسة، وعمود من أعمدة الدين التي لا يقام إلا بها، يقاتل مانعها، ويكفر جاحدها، فرضت في العام الثاني من الهجرة، وردت في كتاب الله عز وجل ثلاثين مرة في مواطن مختلفة.
الزكاة قاسم مشترك بين جميع الرسل
الزكاة عبادة قديمة عرفت في الرسالات السابقة ذكرها الله تعالي في وصاياه إلي رسله فيقول {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ } [الأنبياء: 73].
ويتحدث عن إسماعيل فيقول: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا (54) وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا} [مريم: 54، 55]ويتحدث عن ميثاقه لبنى إسرائيل فيقول: { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ } [البقرة: 83].
وفي سورة أخرى: { وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ} [المائدة: 12] وقال على لسان المسيح عيسى في المهد: (وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيًا) (مريم: 31). وقال تعالى في أهل الكتاب عامة: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ } [البينة: 5].
لماذا تزكي؟
أيها الغني تزكي حتى تطهر نفسك من البخل والشح وتزكي نفسك {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [التوبة: 103]
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« إِيَّاكُمْ وَالظُّلْمَ فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَإِيَّاكُمْ وَالْفُحْشَ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْفُحْشَ وَلاَ التَّفَحُّشَ وَإِيَّاكُمْ وَالشُّحَّ فَإِنَّهُ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ أَمَرَهُمْ بِالْقَطِيعَةِ فَقَطَعُوا وَأَمَرَهُمْ بِالْبُخْلِ فَبَخَلُوا وَأَمَرَهُمْ بِالْفُجُورِ فَفَجَرُوا ». فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَىُّ الإِسْلاَمِ أَفْضَلُ؟ قَالَ شُعْبَةُ فِى حَدِيثِهِ :« مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ » ([6])
يا صاحب المال تزكي حتى تنجو من عذاب القبر عن أبي هريرة ، رَضِيَ الله عَنْهُ ، أَنَّهُ قَالَ : إِذَا وُضِعَ الْمَيِّتُ فِي قَبْرِهِ قَالَ : إِنَّهُ يَسْمَعُ خَفْقَ نعالهم حِينَ يُوَلُّونَ عَنْهُ ، فَإِذَا كَانَ مُؤْمِنًا كَانَتِ الصَّلاَةُ عِنْدَ رَأْسِهِ ، وَالصِّيَامُ عَنْ يَمِينِهِ ، وَالزَّكَاةُ عَنْ يَسَارِهِ ، وَفِعْلُ الْخَيْرَاتِ مِنَ الصَّدَقَةِ وَالصِّلَةِ وَالْمَعْرُوفِ وَالإِحْسَانِ إِلَى النَّاسِ عِنْدَ رِجْلَيْهِ ، فَيُؤْتَى مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ فَتَقُولُ الصَّلاَةُ مَا قِبَلِي مَدْخَلٌ ، وَيُؤْتَى عَنْ يَمِينِهِ فَيَقُولُ الصِّيَامُ مَا قِبَلِي مَدْخَلٌ ، وَيُؤْتَى عَنْ يَسَارِهِ فَتَقُولُ الزَّكَاةُ مَا قِبَلِي مَدْخَلٌ ، وَيُؤْتَى مِنْ قِبَلِ رِجْلَيْهِ فَيَقُولُ فِعْلُ الْخَيْرَاتِ مِنَ الصَّدَقَةِ وَالصَّلاَةِ وَالْمَعْرُوفِ وَالإِحْسَانِ إِلَى النَّاسِ مَا قِبَلِي مَدْخَلٌ : فَيُقَالُ : اجْلِسْ ، فَيَجْلِسُ قَدْ مُثِّلَتْ لَهُ الشَّمْسُ قَدْ دَنَتْ مِنَ الْغُرُوبِ ، فَيُقَالُ لَهُ : أَخْبِرْنَا عَنْ هَذَا الرَّجُلِ الذَّيِ كَانَ فِيكُمْ ؟ مَاذَا تَقُولُ فِيهِ ؟ وَمَاذَا تَشْهَدُ بِهِ عَلَيْهِ ؟ فَيَقُولُ : دَعُونِي أُصَلِّي ، فَيُقَالُ : أَخْبِرْنَا عَمَّا نَسْأَلُكَ عَنْهُ ، أَخْبِرْنَا عَنْ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي كَانَ فِيكُمْ مَاذَا تَشْهَدُ بِهِ عَلَيْهِ ؟ فَيَقُولُ : مُحَمَّدٌ ، أَشْهَدُ أَنَّهُ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم ، وَأَنَّهُ جَاءَنَا بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِ الله ، فَيُقَالُ لَهُ : عَلَى ذَلِكَ حَيِيتَ ، وَعَلَى ذَلِكَ مِتَّ ، وَعَلَى ذَلِكَ تُبْعَثُ إِنْ شَاءَ الله ثُمَّ يُفْتَحُ لَهُ بَابٌ إِلَى الْجَنَّةِ فَيُقَالُ لَهُ : ذَاكَ مَقْعَدُكَ فِيهَا وَمَا أَعَدَّ الله لَكَ فِيهَا فَيَزْدَادُ غِبْطَةً وَسُرُورًا ثُمَّ يُفْتَحُ لَهُ بَابٌ إِلَى النَّارِ فَيُقَالُ : ذَاكَ مَقْعَدُكَ فِيهَا وَمَا أَعَدَّ الله لَكَ فِيهَا لَوْ عَصَيْتَهُ ، فَيَزْدَادُ غِبْطَةً وَسُرُورًا ، ثُمَّ يُفْسَحُ لَهُ سَبْعُونَ ذِرَاعًا فِي قَبْرِهِ وَيُنَوَّرُ لَهُ فِيهِ فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى : {يُثَبِّتُ الله الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ …} ([7])
أخرج زكاتك حتى تكون من أهل الفلاح في الدنيا والآخرة {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى} [الأعلى: 14]
أخرج زكاتك حتى تدعى من أبواب الجنة الثمانية عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ :« مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ في شَىْءٍ مِنَ الأَشْيَاءِ في سَبِيلِ اللَّهِ دُعِىَ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ يَا عَبْدَ اللَّهِ هَذَا خَيْرٌ وَلِلْجَنَّةِ أَبْوَابٌ فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّلاَةِ دُعِىَ مِنْ بَابِ الصَّلاَةِ وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ دُعِىَ مِنْ بَابِ الْجِهَادِ وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ دُعِىَ مِنْ بَابِ الصَّدَقَةِ وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ دُعِىَ مِنْ بَابِ الصِّيَامِ بَابِ الرَّيَّانِ ». قَالَ أَبُو بَكْرٍ : مَا عَلَى مَنْ يُدْعَى مِنْ تِلْكَ الأَبْوَابِ مِنْ ضَرُورَةٍ وَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ يُدْعَى مِنْهَا كُلِّهَا أَحَدٌ؟ فَقَالَ :« نَعَمْ وَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ يَا أَبَا بَكْرٍ ». ([8])
عَن أبي هُرَيْرَة وَأبي سعيد رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَا: خَطَبنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمًا فَقَالَ: ” وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ” ثَلَاث مَرَّات ثمَّ أكب فأكب كل رجل منا يبكي، لَا نَدْرِي على مَاذَا حلف، ثمَّ رفع رَأسه وَفِي وَجهه الْبُشْرَى، وَكَانَت أحب إِلَيْنَا من حمر النعم، ثمَّ قَالَ: “مَا من عبد يُصَلِّي الصَّلَوَات الْخمس، ويصوم رَمَضَان، وَيخرج الزَّكَاة، ويجتنب الْكَبَائِر السَّبع إِلَّا فتحت لَهُ أَبْوَاب الْجنَّة، وَقيل لَهُ ادخل الْجنَّة بِسَلام” ([9])
يا صاحب المال أخرج زكاتك حتى تنجو من عذاب يوم القيامة عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-يَقُولُ :« مَا مِنْ رَجُلٍ لاَ يُؤَدِّى زَكَاةَ مَالِهِ إِلاَّ مُثِّلَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ يَفِرُّ مِنْهُ وَهُوَ يَتْبَعُهُ حَتَّى يُطَوَّقَهُ فِى عُنُقِهِ ». ثُمَّ قَرَأَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-( سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)([10])
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : مَا مِنْ صَاحِبِ كَنْزٍ لاَ يُؤَدِّي زَكَاةَ كَنْزِهِ إِلاَّ جِيءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبِكَنْزِهِ فَيُحْمَى صَفَائِحًا مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جَبْهَتُهُ وَجَبِينُهُ وَظَهْرُهُ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بَيْنَ عِبَادِهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ، فَيُرَى سَبِيلُهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ وَمَا مِنْ صَاحِبِ إِبِلٍ لاَ يُؤَدِّي زَكَاةَ إِبِلِهِ إِلاَّ جِيءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبِإِبِلِهِ كَأَوْفَرِ مَا كَانَتْ عَلَيْهِ ، فَيُبْطَحُ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ ، فَتَطَؤُهُ بِأَخْفَافِهَا ، كُلَّمَا مَضَى أُخْرَاهَا رُدَّ عَلَيْهِ أُولاَهَا ، حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بَيْنَ عِبَادِهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ، وَيُرَى سَبِيلُهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ وَمَا مِنْ صَاحِبِ غَنَمٍ لاَ يُؤَدِّي زَكَاةَ غَنَمِهِ إِلاَّ جِيءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبِغَنَمِهِ كَأَوْفَرِ مَا كَانَتْ عَلَيْهِ ، فَيُبْطَحُ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ ، فَتَنْطَحُهُ بِقُرُونِهَا وَتَطُؤُهُ بِأَظْلاَفِهَا ، كُلَّمَا مَضَى أُخْرَاهَا رُدَّ عَلَيْهِ أُولاَهَا ، حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بَيْنَ عِبَادِهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ، فَيُرَى سَبِيلُهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ »([11])
أخرج زكاتك حتى تتصف بالرجولة الحقيقة قال تعالى: {رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ} [النور:37]، رأى بعضُ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سلفَنا الصالح والمنادي يقول: حي على الصلاة! حي على الفلاح! وكان الباعة في الأسواق قد رفع أحدهم الميزان بيده يزن البضاعة، فلما سمع: الله أكبر، رمى بالميزان على الأرض، وأغلق دكانه وهرع إلى المسجد، فقال: (في هؤلاء نزل قوله تعالى: {رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ} [النور:37])، هؤلاء هم الرجال الذين يستحقون كلمة رجال، فلهم تجارة، ولهم بيع وشراء، ولهم متاجر، ولهم معارض، وعندهم أموال، ويستطيعون أن يشغلوها أربعاً وعشرين ساعة، لكن وقت العبادة لا يمكن أن يستعمل للبحث عن المال في الحياة الدنيا، وهكذا يكون الرجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع.
أخرج زكاتك حتى تكون من الصديقين والشهداء له عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ، حَدَّثَنِي عِيسَى بْنُ طَلْحَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ الْجُهَنِيِّ، قَالَ: جَاءَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ مِنْ قُضَاعَةَ، فَقَالَ: شَهِدْتُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّكَ رَسُولُ اللهِ، وَصَلَّيْتُ الصَّلَوَاتِ، وَصُمْتُ الشَّهْرَ، وَقُمْتُ رَمَضَانَ، وَآتَيْتَ الزَّكَاةَ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” مَنْ كَانَ عَلَى هَذَا كَانَ مِنَ الصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ ” ([12])
نفعني الله وإياكم بالقرآن الكريم، وبهدي سيد المرسلين. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، كما يحب ربنا ويرضى، أحمده سبحانه وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، وحبيبه وخليله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
أخي المسلم إذا أردت المعونة الربانية والحماية من الآفات ومن المهلكات والنماء فعليك بإخراج الزكاة
عن أبى هريرة رضى الله عنه عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قَالَ : « بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِفَلاَةٍ مِنَ الأَرْضِ ، فَسَمِعَ صَوْتاً في سَحَابَةٍ ، اسقِ حَدِيقَةَ فُلانٍ ، فَتَنَحَّى ذَلِكَ السَّحَابُ فَأفْرَغَ مَاءهُ في حَرَّةٍ ، فإِذَا شَرْجَةٌ مِنْ تِلْكَ الشِّرَاجِ قَدِ اسْتَوْعَبَت ذَلِكَ الماءَ كُلَّهُ ، فَتَتَبَّعَ المَاءَ ، فإذَا رَجُلٌ قَائمٌ في حَدِيقَتِهِ يُحَوِّلُ الماءَ بِمسحَاتِهِ ، فَقَالَ لَهُ : يَا عَبْدَ اللهِ ، ما اسمُكَ ؟ قال : فُلانٌ للاسم الذي سَمِعَ في السَّحابةِ ، فقال له : يا عبدَ الله ، لِمَ تَسْألُنِي عَنِ اسْمِي ؟ فَقَالَ: إنِّي سَمِعْتُ صَوتْاً في السَّحابِ الَّذِي هَذَا مَاؤُهُ، يقولُ: اسْقِ حَدِيقَةَ فُلاَنٍ لاسمِكَ، فَمَا تَصْنَعُ فِيهَا، فَقَالَ: أمَا إذ قلتَ هَذَا، فَإنِّي أنْظُرُ إِلَى مَا يَخْرُجُ مِنْهَا، فَأتَصَدَّقُ بِثُلُثِهِ، وَآكُلُ أنَا وَعِيَالِي ثُلُثاً، وَأردُّ فِيهَا ثُلُثَهُ» .([13]) رواه مسلم.
و نختم اللقاء بمشهد الإسراء و المعراج لعلنا نعود و نتوب إلى علام الغيوب و نخرج الزكاة كما امرنا الاله، عن أبى هريرة -رضي الله عنه –في الحديث الطويل -…… ثم أتى على قوم على أقبالهم رقاع، وعلى أدبارهم ([14]) رقاع، يسرحون كما تسرح الإبل والنعم، ويأكلون الضريع ([15]) والزقوم ورضف جهنم وحجارتها، قال : « ما هؤلاء يا جبريل ؟ » ، قال : هؤلاء الذين لا يؤدون صدقات أموالهم ، وما ظلمهم الله شيئا وما الله بظلام للعبيد ([16])
الدعاء ……………………………………………………..
[1] -الأدبار : جمع الدبر ودبر كل شيء عقبه ومؤخره
[2] -الضريع : نبات الشبرق لا تقربه دابة لخبثه
[3] – الحجارة المحماة،
[4] – تهذيب الاثار مسند ابن عباس (1/ 433)
[5] – أخرجه : البخاري 1/12 (25) ، ومسلم 1/39 (22) (36) .
[6] – أحمد (2/195 ، رقم 6837)
[7] – تهذيب الآثار للطبري (2/ 219)
[8] – – أخرجه : البخاري 3/32 (1897) ، ومسلم 3/91 (1027) (85) .
[9] – رواه النسائي واللفظ له وابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما والحاكم وقال صحيح الإسناد
[10] – أخرجه مالك «الموطأ» (275). والبخاري (3/148)
[11] – أخرجه مسلم بطوله (987)
[12] – صحيح ابن خزيمة ط 3 (2/ 1057) إسناده صحيح
[13] – – أخرجه : مسلم 8/222 ( 2984 ) ( 45 ) .
[14] -الأدبار : جمع الدبر ودبر كل شيء عقبه ومؤخره
[15] -الضريع : نبات الشبرق لا تقربه دابة لخبثه
[16] – تهذيب الاثار مسند ابن عباس (1/ 433)