الإسراء والمعراج دروس وعبر للشيخ ماهر خضير
بسم الله الرحمن الرحيم
عناصر الخطبة
العنصر الأول / رحلة الإسراء والمعراج ؛ وهل كانت معجزة ؟
العنصر الثاني / عز العبودية وقيمة
ومكانة الصلاة من خلال رحلة الإسراء والمعراج
العنصر الثالث / مشاهد الرسول دروس وعظات
العنصر الرابع
/ الثبات على الدين والحق - الصداقة
الحقيقة - لا تحزن - وقبح الغيبة والفاحشة
......................................................................أما
بعد ...........................................................
أيها المسلمون / رحلة الإسراء
والمعراج من إحدى أعظم ، و أهم الأحداث التي حدثت في تاريخ الدين الإسلامي وهى
حادثة جرت في منتصف فترة الرسالة الإسلامية ما بين السنة الحادية عشر إلى السنة الثانية عشر وتعد من أهم
الأحداث التي حدثت لسيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، و ذلك راجعاً إلى
تلك الدروس ، و العبر التي يمكننا استخلاصها ، و تعلمها من تلك الحادثة العظيمة .
وأما الإسراء / هى تلك الرحلة الأرضية وذلك الانتقال العجيب، بالقياس إلى
مألوف البشر، الذي تمَّ بقدرة الله من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، والوصول
إليه في سرعة تتجاوز الخيال، يقول تعالى في سورة الإسراء:
سُبْحَانَ الَّذِي
أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ
الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ
السَّمِيعُ الْبَصِيرُ
وأما المعراج: فهو الرحلة السماوية والارتفاع والارتقاء من عالم الأرض إلى عالم
السماء، حيث سدرة المنتهى، ثم الرجوع بعد ذلك إلى المسجد الحرام، يقول تعالى في
سورة النجم:
وَلَقَدْ رَآَهُ
نَزْلَةً أُخْرَى
عِنْدَ سِدْرَةِ
الْمُنْتَهَى
عِنْدَهَا جَنَّةُ
الْمَأْوَى
إِذْ يَغْشَى
السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى
مَا زَاغَ الْبَصَرُ
وَمَا طَغَى
لَقَدْ رَأَى مِنْ
آَيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى
1 وقد حدثت هاتان الرحلتان في ليلة واحدة،
وكان زمنها قبل الهجرة بسنة.
وهنا سؤال / هل كانت رحلة الإسراء والمعراج معجزة ؟
المعجزة / هى أمر خارق للعادة وللنواميس الكونية يظهره الله على يد أنبيائه
تصديقا لهم في دعواهم
ورحلة الإسراء
والمعراج كانت خارقة لنواميس الكون حتى يومنا هذا فكيف تقطع تلك المسافات فى جزء
من الليل ولكي ندرك ضخامة هذه المسافات يقول المتخصصون من العلماء : أن أبعد نجم
أدركه الفلكيون في السماء الدنيا يبعد عنا مسافة تقدر بحوالي 36 بليون سنة ضوئية,
والسنة الضوئية تقدر بنحو (9,5 مليون مليون كم). بمعنى أنه لو فرضنا جدلا أن
الإنسان تمكن من صنع مركبة فضائية تتحرك بسرعة الضوء (وهذا مستحيل) فإنه سوف يحتاج
إلى 36 بليون سنة ليصل إلى آخر ما نرى من نجوم السماء الدنيا. فما بالنا بست سموات
فوق ذلك إلى سدرة المنتهى, حيث شرف المصطفى- صلى الله عليه وسلم- بالمثول بين يدي
ربه, وتلقى منه الأمر بخمس صلوات في اليوم والليلة إذن رحلة الإسراء والمعراج
معجزة .
عباد الله / إن ما سبق لهو دعوة إلى الإيمان بأن
الله –تعالى- الذي خلق كلا من المادة والطاقة, والمكان والزمان, هو فوق ذلك كله,
ومنزه عن جميع صفات خلقه, وعن كل وصف لا يليق بجلاله, فلا تحده حدود أي من المكان
أو الزمان, ولا حدود أي من المادة أو الطاقة, وهو- تعالى- قادر على إفناء خلقه
وعلى إعادة بعثه.
ولقائل أن يقول فائدة المعجزة أن يرها الناس حتى يؤمنوا
ولكن تلك الرحلة لم يرها أحد من الناس فكيف تكون معجزة إذن ؟
والجواب عن
الشبهة الثانية[1] : ما ذكره الله
تعالى وهو قوله(لنريه من آياتنا ) وهذا كلام مجمل وفي تفصيله وشرحه وجوه :
الأول : أن خيرات الجنة عظيمة ، وأهوال النار شديدة ،
فلو أنه عليه الصلاة والسلام ما شاهدهما في الدنيا ، ثم شاهدهما في ابتداء يوم
القيامة فربما رغب في خيرات الجنة أو خاف من أهوال النار ، أما لما شاهدهما في
الدنيا في ليلة المعراج فحينئذ لا يعظم وقعهما في قلبه يوم القيامة فلا يبقى مشغول
القلب بهما ، وحينئذ يتفرغ للشفاعة .
الثاني : لا يمتنع أن تكون مشاهدته ليلة المعراج للأنبياء
والملائكة - صارت سببا لتكامل مصلحته أو مصلحتهم .
الثالث : أنه لا يبعد أنه إذا صعد الفلك وشاهد أحوال
السماوات والكرسي والعرش ، صارت مشاهدة أحوال هذا العالم وأهواله حقيرة في عينه ،
فتحصل له زيادة قوة في القلب باعتبارها يكون في شروعه في الدعوة إلى الله تعالى
أكمل ، وقلة التفاته إلى أعداء الله تعالى أقوى . يبين ذلك أن من عاين قدرة الله
تعالى في هذا الباب - لا يكون حاله في قوة النفس وثبات القلب على احتمال المكاره
في الجهاد وغيره إلا أضعاف ما يكون عليه حال من لم يعاين .
واعلم أن قوله ) لنريه من آياتنا (كالدلالة على أن
فائدة ذلك الإسراء مختصة به وعائدة إليه على سبيل التعيين .
ومع تلك العطايا والمزايا للرسول (صلى الله عليه وسلم )
نلمح شيئاً قد يتوقف البعض عنده وهو :-
لما ذكر الله
تعالى الإسراء نعت النبي صلى الله عليه وسلم بالعبودية فقال( سُبْحَانَ الَّذِي
أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ
الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ) ؟
والجواب ياعباد
الله
من تأمل القرآن
الكريم يجد أن الله تعالى نعت نبيه صلى الله عليه وسلم بنعت العبودية في أسمى
أحواله وأرفع مقاماته.. ففي مقام الدعوة قال تعالى {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ
يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا}
ولما ذكر إنزال
الكتاب عليه قال تعالى { الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ
الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا}
وقال مخبراً عن الوحي
إليه{ فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى}
وقال عن جميع
المرسلين{ وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ
لَهُمُ الْمَنصُورُونَ }
فالعز كل العز في أن
تكون عبداً لله تعالى.
عباد الله / من أهم أحداث رحلة الإسراء والمعراج
فرض الصلاة على النبي العدنان (صلى الله عليه وسلم )
فلقد أمرنا الله عز وجل بالمحافظة عليها في كل
الأحوال,في السفر، والحضر، والسلم، والحرب، وفي حال الصحة والمرض, وتؤدى بقدر
الاستطاعة, كما قال تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَات} ووصف عباده المؤمنين
بقوله: {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ} وكذلك الأدلة الشرعية جعلت
الفرق بين المسلمين والكفار إقامة الصلاة, كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك
الصلاة"[2].وقال:
"العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة؛ فمن تركها فقد كفر"[3]
والصلاة هي الفريضة
الوحيدة التي فرضت ليلة الإسراء والمعراج في السماء السابعة وبدون واسطة ,فعند
البخاري عن أنس بن مالك قال كان أبو ذر يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "ثُمَّ فُرِضَتْ عَلَيَّ الصَّلَوَاتُ خَمْسِينَ صَلَاةً
كُلَّ يَوْمٍ، فَرَجَعْتُ فَمَرَرْتُ عَلَى مُوسَى، فَقَالَ: بِمَا أُمِرْتَ، قلت: أُمِرْتُ بِخَمْسِينَ
صَلَاةً كُلَّ يَوْمٍ، قَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ لا تَسْتَطِيعُ خَمْسِينَ صَلَاةً
كُلَّ يَوْمٍ، وَإِنِّي ـ وَاللَّهِ ـ قَدْ جَرَّبْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ،
وَعَالَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ الْمُعَالَجَةِ، فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ،
فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ لِأُمَّتِكَ فَرَجَعْتُ فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا،
فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ مِثْلَهُ، فَرَجَعْتُ، فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا،
فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ مِثْلَهُ، فَرَجَعْتُ فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا،
فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ مِثْلَهُ، فَرَجَعْتُ، فَأُمِرْتُ بِعَشْرِ
صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ، فَرَجَعْتُ فَقَالَ مِثْلَهُ، فَرَجَعْتُ، فَأُمِرْتُ
بِخَمْسِ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى، فَقَالَ: بِمَ
أُمِرْتَ ؟ قُلْتُ: أُمِرْتُ بِخَمْسِ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ، قَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ لا
تَسْتَطِيعُ خَمْسَ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ، وَإِنِّي قَدْ جَرَّبْتُ النَّاسَ
قَبْلَكَ، وَعَالَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ الْمُعَالَجَةِ؛ فَارْجِعْ
إِلَى رَبِّكَ، فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ لِأُمَّتِكَ! قَالَ: سَأَلْتُ رَبِّي
حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ، وَلَكِنِّي أَرْضَى، وَأُسَلِّمُ ... فَلَمَّا جَاوَزْتُ
نَادَى مُنَادٍ: أَمْضَيْتُ فَرِيضَتِي، وَخَفَّفْتُ عَنْ عِبَادِي"
يقول الحافظ ابن حجر : والحكمة في وقوع فرض الصلاة
ليلة المعراج أنه لما قدس ظاهرا وباطنا حين غسل بماء زمزم بالإيمان والحكمة ، ومن
شأن الصلاة أن يتقدمها الطهور ناسب ذلك أن تفرض الصلاة في تلك الحالة ، وليظهر
شرفه في الملأ الأعلى ، ويصلي بمن سكنه من الأنبياء وبالملائكة ، وليناجي ربه ،
ومن ثم كان المصلي يناجي ربه جل وعلا . ا . ه
عباد الله
/مما يؤكد على فضل الصلاة أنها فرضت من الله- تعالى- مباشرة إلى خاتم أنبيائه
ورسله- صلى الله عليه وسلم- وهي على ذلك تعتبر معراج المسلم إذا أدى حقها بالخشوع
والاطمئنان المطلوبين, حتى يستشعر لذة مناجاة الله في الصلاة, كما أصبح السعي
إليها في صلاة العشاء والفجر يمثل مسرى رسول الله- صلى الله عليه وسلم-, ومن هنا
كانت آخر ما أوصى به رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قبل وفاته.
الصلاة ألذ لحظات المؤمن حين يناجي ربه في الصلاة, فيجد الراحة والطمأنينة
والأنس بالله عز وجل.
وهي أعظم لذة للنبي صلى الله عليه
وسلم كما قال:
"وجعلت قرة عيني في الصلاة" النسائي 3940
وكان يقول لمؤذنه
الداعي إلى الصلاة بلال رضي الله عنه: "أرحنا بها يا بلال" أبو داود 4985
وكان النبي صلى الله
عليه وسلم إذا حزبه أمر -أي أهمه- فزع إلى الصلاة أبو داود: 1319
عباد الله لقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم مشاهد وآيات
باهرات يتعلم منها المسلم الدروس والعبر ما أحوجنا إليه والتي منها :-
1- الثبات على الدين والحق:ويتضح ذلك من المشهد
الذي رآه النبي صلى الله عليه وسلم لماشطة ابنة فرعون , عَنْ سَعِيدِ بْنِ
جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه
وسلم:لَمَّا كَانَ اللَّيْلَةُ الَّتِى أُسْرِىَ بِى فِيهَا أَتَتْ عَلَىَّ
رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ فَقُلْتُ يَا جِبْرِيلُ مَا هَذِهِ الرَّائِحَةُ الطَّيِّبَةُ
فَقَالَ هَذِهِ رَائِحَةُ مَاشِطَةِ ابْنَةِ فِرْعَوْنَ وَأَوْلاَدِهَا. قَالَ
قُلْتُ وَمَا شَأْنُهَا قَالَ بَيْنَا هِىَ تَمْشُطُ ابْنَةَ فِرْعَوْنَ ذَاتَ
يَوْمٍ إِذْ سَقَطَتِ الْمِدْرَى مِنْ يَدَيْهَا فَقَالَتْ بِسْمِ اللَّهِ.
فَقَالَتْ لَهَا ابْنَةُ فِرْعَوْنَ أَبِى قَالَتْ لاَ وَلَكِنْ رَبِّى وَرَبُّ
أَبِيكِ اللَّهُ. قَالَتْ أُخْبِرُهُ بِذَلِكَ قَالَتْ نَعَمْ. فَأَخْبَرَتْهُ
فَدَعَاهَا فَقَالَ يَا فُلاَنَةُ وَإِنَّ لَكَ رَبًّا غَيْرِى قَالَتْ نَعَمْ
رَبِّى وَرَبُّكَ اللَّهُ. فَأَمَرَ بِبَقَرَةٍ مِنْ نُحَاسٍ فَأُحْمِيَتْ ثُمَّ
أَمَرَ بِهَا أَنْ تُلْقَى هِىَ وَأَوْلاَدُهَا فِيهَا قَالَتْ لَهُ إِنَّ لِى إِلَيْكَ
حَاجَةً. قَالَ وَمَا حَاجَتُكِ قَالَتْ أُحِبُّ أَنْ تَجْمَعَ عِظَامِى وَعِظَامَ
وَلَدِى فِى ثَوْبٍ وَاحِدٍ وَتَدْفِنَنَا. قَالَ ذَلِكَ لَكِ عَلَيْنَا مِنَ
الْحَقِّ. قَالَ فَأَمَرَ بِأَوْلاَدِهَا فَأُلْقُوا بَيْنَ يَدَيْهَا وَاحِدًا
وَاحِدًا إِلَى أَنِ انْتَهَى ذَلِكَ إِلَى صَبِىٍّ لَهَا مُرْضَعٍ وَكَأَنَّهَا
تَقَاعَسَتْ مِنْ أَجْلِهِ قَالَ يَا أُمَّهْ اقْتَحِمِى فَإِنَّ عَذَابَ
الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الآخِرَةِ فَاقْتَحَمَتْ. أخرجه أحمد
والثبات على دين الله
تعالى يجب أن يكون همّ كل مؤمن صادق؛ فلا
ينجرف مع كل ناعق، أو يتبع كل رائد؛ حتى لا يقع فريسة سهلة لشياطين الجن والإنس
الذي يزينون الباطل؛ ويلبسونه لبوس الحق ليسهل قبوله لدى ضعاف العلم والدِّين
2-
قبح الغيبة،
وبيان عاقبة أهلها، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«لَمَّا عُرِجَ بِي مَرَرْتُ بِقَوْمٍ لَهُمْ
أَظْفَارٌ مِنْ نُحَاسٍ يَخْمُشُونَ وُجُوهَهُمْ وَصُدُورَهُمْ، فَقُلْتُ: مَنْ
هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ لُحُومَ
النَّاسِ وَيَقَعُونَ فِي أَعْرَاضِهِمْ«سنن
أبي داود.
وعند البخاري في "الأدب المفرد" هاجت
ريح مُنتنة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: ((إن ناسًا من المنافقين اغتابوا أناسًا من المسلمين،
فبعثت هذه الريح لذلك)
• وسُئل أحد الحكماء:
"ما الحكمة في أن ريح الغِيبة ونَتْنَها، كانت تتبيَّن في عهد النبي صلى الله
عليه وسلم، ولا تتبَيَّن في يومنا هذا؟
قال: لأن الغِيبة
كثرت في يومنا، فامتلأت الأنوف منها؛ فلم تتبيَّن نتن الرائحة، ويكون مثال هذا:
كرجل دخل دار الدبَّاغين لا يقدر على القرار فيها من شدة الرائحة، وأهل تلك الدار
يأكلون فيها الطعام والشراب، ولا تتبيَّن لهم الرائحة؛ لأنه قد امتلأت أنوفهم
منها، كذلك أمر الغِيبة في يومنا هذا".
سلمنا الله واياكم ونفعنا بكتابه
المبين وسنة نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم
انه غفور رحيم
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على امام الخلق وسيد المرسلين
سيدنا محمد النبي صلوات الله وسلامه عليه وبعد :-
عباد
الله / من دروس وعبر رحلة الإسراء
والمعراج
3-
ألا تحزن من كثرة وكيد عدو أبد ما
دامت فى معية الله تعالى (وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا
هُوَ) ، فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأن البيت المعمور يدخله كل يوم سبعون
ألف ملك ثم لا يعودون إليه. فعدد ملائكة الرحمن لا يحيط به إلا هو سبحانه.
4-
الفاحشة سبب لإنتشار الأمراض والبلايا : ويتضح ذلك من
هذا المشهد ,فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في حديث الإسراء قال: ثم مضيت
هنيهة، فإذا أنا بأخونة، عليها لحم مشرح، ليس يقربه أحد، وإذا أنا بأخونة، عليها
لحم قد أروح ونتن، عندها أناس يأكلون منها، قلت: ياجبريل، ماهؤلاء ؟ قال : قوم من
أمتك ، يتركون الحلال ويأتون الحرام.البيهقي دلائل النبوة
2/392.
لذا فقد حذر
النبي صلى الله عليه وسلم من انتشار الفاحشة ( الزنا ) وكذا التبرج والسفور وجعل
ذلك سببا لانتشاء الأمراض والأوجاع فقال : \" لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ في
قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلاَّ فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ
وَالأَوْجَاعُ الَّتِى لَمْ تَكُنْ مَضَتْ في أَسْلاَفِهِمُ الِّذِينَ مَضَوْا. أَخْرَجَهُ
ابن ماجة
5-
الصداقة الحقيقية
مبادئ ومواقف :
فحينما عاد
النبي صلى الله عليه وسلم من رحلة الإسراء والمعراج وقص على قريش ما حدث , انطلق
نفرٌ منهم إلى أبي بكر رضي الله عنه يسألونه عن موقفه من الخبر ، فقال لهم :
\" لئن كان قال ذلك لقد صدق "فتعجّبوا وقالوا " أو تصدقه أنه ذهب الليلة إلى بيت المقدس
وجاء قبل أن يصبح ؟ فقال : نعم إني لأصدقه فيما هو أبعد من ذلك ، أصدقه بخبر
السماء في غدوة أو روحة " فأطلق عليه من يومها لقب"الصديق " . [4]
هكذا الصداقة
الحقيقية مبادئ ومواقف , ولله در من قال :
جزى الله الشدائد كل
خير * * * * * عرفت بها عدوي من صديقي
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله:
{وما عرضت الإسلام على أحد إلا كانت له كبوة إلا أبا بكر فإنه لم يتلعثم}
قَالَ عُمَرُ
بْنُ - الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: \" لَوْ وُزِنَ إِيمَانُ أَبِي
بَكْرٍ بِإِيمَانِ أَهْلِ الْأَرْضِ لَرَجَحَ بِهِمْ \"شعب البيهقي
.وكان يقول ليتني شعرة في صدر أبي بكر.
عباد الله اعلموا جيدا أنَّ الهداية بيد الله، وأن من حجبها الله عنه
فلن تجد له هادياً ونصيراً، ففي صحيح مسلم عن أَبِي هُرَيْرَةَ رضى الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى
الله عليه وسلم:«لَقَدْ رَأَيْتُنِي فِي الْحِجْرِ وَقُرَيْشٌ تَسْأَلُنِي عَنْ
مَسْرَايَ فَسَأَلَتْنِي عَنْ أَشْيَاءَ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ لَمْ
أُثْبِتْهَا، فَكُرِبْتُ كُرْبَةً مَا كُرِبْتُ مِثْلَهُ قَطُّ، فَرَفَعَهُ
اللَّهُ لِي أَنْظُرُ إِلَيْهِ مَا يَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ إِلَّا
أَنْبَأْتُهُمْ بِهِ»[5].
ومع ذلك كذبوه وسفَّهوا كلامه، بل ارتد بعض ضعاف الإيمان."
ختاما عباد الله
فهذه كانت وقفة مع بعض الملامح عن معجزة "الإسراء والمعراج" والتي يجب
معاودة استذكارها في هذه المناسبة الكريمة ليعرف المسلمون شيئا عن طلاقة القدرة
الإلهية التي لا تحدها حدود, كما يعلمون شيئا عن مقام رسول الله- صلى الله عليه
وسلم- الذي ختم الله- تعالى- ببعثته الشريفة سلسلة النبوات كما ختم برسالته كل
رسالات السماء ولذلك تعهد بحفظها فحفظت على مدى أربعة عشر قرنا أو يزيدو رحلة
الإسراء والمعراج لم تكن مجرد رحلة تسرية وتسلية لقلب النبي صلى الله عليه وسلم
وفقط , بل كانت رحلة تربية وتهذيب لنا , فلعلنا ننتفع بهذه الدروس ,
ونحيي بها ما أندرس في النفوس
وصل اللهم
وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
الدعاء ......................... وأقم
الصلاة
أعدها الفقير إلى عفو ربه
ماهر السيد خضير
إمام وخطيب ومدرس وزارة الأوقاف
[1] تفسير الامام
الفخر الرازى رحمه الله تعالى
[2] (مسلم 82)
[3] الترمذي 2621, النسائي 463
[4] عيون الأثر , ابن سيد الناس 471.
[5] مسلم.