أهل الاستجابة في القرآن والسنة للشيخ أحمد أبو عيد
الحمد لله المعز لمن استجاب لأمره، المذل لمن عصاه وخالفه، نحمده سبحانه لا إله غيره ولا معبود سواه.
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أتم علينا النعمة وأكمل لنا الملة، (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِينًاً).
ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، وترك الناس على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، فصلوات ربي وسلامه عليه، وعلى آله المستجيبين لربهم، وأصحابه المعتزين بيقينهم، وأتباعه الثابتين على دينهم وإيمانهم، (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ).
العناصر:
أولًا: أهمية الاستجابة لله ولرسوله ﷺ ثانيًا: نماذج لسرعة الاستجابة
ثالثًا: أسباب عدم الاستجابة رابعًا عقوبة الإعراض عن الله ورسوله ﷺ
الموضوع
معنى الاستجابة: الاستجابةُ هي الخضوعُ والانقيادُ والطاعةُ للهِ ولرسولهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلم- والاستجابةُ أنْ ينقادَ قلبُكَ وجوارحُك وأقوالُك وأفعالُك وجميعُ حالِك لأوامرِ الدينِ ونواهيهِ، والاستجابةُ للهِ والرسولِ هي الاستجابةُ للإسلامِ بكلِّ ما فيهِ، استِجابةٌ شاملةٌ واسعةٌ في كلِّ شيءٍ دعانَا إليهِ ربُّنَا ورسولُنَا صلَّى اللهُ عليه وسلم ,يستجيبُ المسلمُ لله في كلِّ شؤونِ حياتِهِ، في الصلاةِ، والزكاةِ، والصيامِ، في طاعةِ الوالدَينِ، وصِلةِ الأرحامِ، والمُعاملاتِ، في لِباسِهِ وهيئتِه وعملِه. والمرأةُ تستجيبُ للهِ في حجابِهَا، وسترِهَا، وزينتِهَا، ومنزلِهَا، وعلاقتِهَا مع زوجِهَا وأطفالِهَا.
فالاستجابةُ أنْ تكونَ الطاعةُ مطلقةً للهِ ولرسولهِ صلَّى اللهُ عليه وسلم.
أولًا: أهمية الاستجابة لله ولرسوله ﷺ
أمر الله بالاستجابة له: قال تعالى: {اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ ۚ مَا لَكُم مِّن مَّلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُم مِّن نَّكِيرٍ}.
دليل على محبة الله ورسوله ﷺ: قال تعالى: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }.
دليل الإيمان الكامل والمحبة الصادقة: قال تعالى: { وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ }
حياة القلوب والأرواح: يقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) (لأنفال:24)
قال بعض السلف: "إذا سمعتَ الله يقولُ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) فأَصْغِ لها سمعَك، فإنه خيرٌ تؤمَرُ به، أو شر تُحذَّرُ منه".
وقد أخبر سبحانه: أنَّ ما يأمر به، ويدعو إليه فيه حياةُ القلوب التي تترتب عليها الحياةُ الكاملة السعيدة للأبدان في الدنيا والآخرة، فقال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ) [الأنفال:24].
قال بعضُ المفسرين: (لِما يُحْيِيكُم) هو القرآن.
وقال بعضُهم: هو الإِسلام؛ لأن فيه حياتَهم من الكفر، كما قال تعالى: (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ) [الأنعام:122].
وقيل: هو الجهاد؛ لأنَّ فيه عزَّ المسلمين بعد الذُّلِّ، والقوةَ بعد الضَّعف.
ثم توعد سبحانه من لم يستجِبْ لما دعا إليه، فقال: (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ) [الأنفال:24].
فمن لم يستجب له ولرسوله عاقبَه بصرفِ قلبه، فلا يقبلُ الحقَّ بعدَ ذلك، كما قال تعالى: (وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ) [الأنعام:110].
وقال تعالى: (فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ) [الصف:5].
فإيَّاكم أن تَرُدُّوا أمر الله أولَ ما يأتيكم، فيُحالَ بينكم وبينَ قبولِهِ، فإنَّ الله يحولُ بينَ المرء وقلبه، ويقلِّبُ القلب حيثُ يشاءُ، ولهذا كان النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- يكثر أن يقول: "يا مُقَلِّب القلوب ثِّبتْ قلبي على دينِك" ([1]).
وقال صلى الله عليه وسلم: "إنَّ القلوبَ بين أصبعين من أصابع الرحمنِ يُصَرِّفها كيف يشاء" ([2]).
لهم البشرى: يقول الله -تعالى-: (فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ) [الزمر:17-18].
إنَّه مطلوبٌ منا الاستماعُ والاتباعُ، مطلوب منا استماعُ كلام الله وكلام رسوله، فإنَّ من لم يسمع اليوم سيندمُ غداً حين يقول الكفار: (لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ) [الملك:10].
مطلوب منا استماعُ الخطب والمحاضرات الدينية، مطلوبٌ منا حضورُ الدروس والندوات لنستمعَ ما يُفيدنا، ونتفقه في ديننا، مطلوبٌ منا استماع البرامج الدينية المفيدة التي تُذاعُ وتصل إلى كُلِّ بيت وإلى كل مكان.
ولكنَّ الكثيرَ منا لا يسمعون ولو سمعوا، فإنهم لا يعقِلُون.
إنَّ الأرض إذا لم ينزل عليها المطرُ، ويصلْ إليها الماءُ ماتت، وكذلك القلوبُ إذا لم يصلْ إليها الوحيُ والذِّكْرُ، عَمِيَتْ ومَرِضَتْ وماتَتْ.
وإذا كان الإِنسانُ لا يحضُر خطبةً، ولا يسمع موعظة، ولا يتلو قرآناً، ولا يقرأُ حديثاً عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فماذا ستكونُ حاله؟ ومن أينَ يفقَهُ في دينه؟ وكيف يستجيبُ لله ولرسوله؟
إنَّ الاستجابة لا تكون إلا بعد سماع دعوة، والله قد دعانا في كتابه وعلى لسان رسوله، فهو سبحانه يدعو إلى دارِ السلام: (يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ) [إبراهيم:10].
ومَنْ سمع دعوةَ الله وجبَ عليه أن يُجيبَ.
من صفات الملائكة: قال تعالى:((لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ )) (التحريم:6 )
المغفرة والنجاة: قال تعالى: {يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}
الحسنى: قال تعالى: {لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَىٰ}.
إجابة الدعاء: قال تعالى: { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ }.
الفلاح: قال تعالى: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.
قول أهل الإيمان إذا ما دعوا إلى الله ورسوله هو سمعنا وأطعنا، وقت النشاط والكسل، ووقت العسر واليسر، فحياتهم مبنية عن الاستجابة لأمر الله ورسوله.
الفوز في الدنيا والآخرة: قال تعالى: (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13))
وقال تعالى: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (52) )
دخول الجنة: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ إِلَّا مَنْ أَبَى»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَنْ يَأْبَى؟ قَالَ: «مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الجَنَّةَ ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى» ([3]) (أبى) امتنع عن قبول الدعوة أو عن امتثال الأمر].
ثانيًا: نماذج لسرعة الاستجابة
سيدنا موسى عليه السلام: لمَّا اختارَ سبعين رجلاً لميقاتٍ وقَّتَهُ لهُ ربُّ العالمين، أسرعَ موسَى للقاءِ اللهِ تعالَى وخلَّفَ قومَهُ وراءَهُ، فعجبَ اللهُ منه، قال مخاطبًا إيَّاهُ: (وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى, قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى) طه:83-84.
سيدنا ابراهيم عليه وعلى نبيِّنَا الصلاةُ والسلامُ: لمَّا رأى في المنامِ أنَّهُ يذبحُ ولدَهُ، علمَ ذلك النبيُّ الأواهُ الحليمُ، علمَ أنَّ رؤيا الأنبياءِ حقٌّ، وإنْ كانتْ تقتضِي ذبحَ فلذةِ الكبدِ، علمَ أنَّ رؤيا الأنبياءِ حقٌّ، وإنْ كانت تقتضِي أنْ تمرَّ الشفرةُ الحادةُ على حلقِ الابنِ البارِّ في حين انقطاعٍ مِن الولدِ والذريةِ)) فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ))الصافات:102 هكذا كانتْ استجابةُ إبراهيمَ عليه السلامُ لرؤيَا رآهَا، وهو يعلمُ أنَّ رؤيَا الأنبياءِ حقٌ ووحيٌ، ولم يقلْ: أعوذُ باللهِ مِن الشيطانِ، هذه أضغاثُ أحلام، أوهذه مناماتٌ مختلطةٌ، فانظرُوا إلى هذه الاستجابةِ الفوريةِ، ولو كانتْ على حسابِ فراقِ الأبِّ والابنِ، ولو كانتْ على حسابِ إبانةِ الرأسِ عن الجسدِ، اللهُ أكبرُ.
نبيُّنَا محمد ﷺ: يؤذِيه أهلُ مكةَ ويضعون الشوكَ في طريقِه، ويلقونَ سلَى الجزورِ على ظهرهِ، فيخرجُ هائمًا، ويخرجُ منطلقًا على وجههِ لا يجدُ أحدًا يعينُهُ، فيذهبُ إلى الطائفِ فيغرون بهِ السفهاءَ والصبيان يرمون أقدامَهُ بالحجارةِ حتى أدمُوهًا، ذلك النبيُّ خيرُ مَن وطئتْ قدمُهُ الثرَى، أشرفُ الأنبياءِ والمرسلين وينزلُ عليهِ قرآنًا يُتلَى إلى يومِ الدينِ (( فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ )) (الحجر:94) فجاءتْ الاستجابةُ سريعًا كما في حديثِ ابنِ عباسٍ رضى اللهُ عنهما صَعِدَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم علَى الصَّفَا، فَجَعَلَ يُنَادِي: يا بَنِي فِهْرٍ، يا بَنِي عَدِيٍّ -لِبُطُونِ قُرَيْشٍ- حتَّى اجْتَمَعُوا، فَقالَ: أرَأَيْتَكُمْ لو أخْبَرْتُكُمْ أنَّ خَيْلًا بالوَادِي تُرِيدُ أنْ تُغِيرَ علَيْكُم؛ أكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ؟ قالوا: نَعَمْ، ما جَرَّبْنَا عَلَيْكَ إلَّا صِدْقًا، قالَ: فإنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ)) ([4])
لما أمر الله بتحويلِ القبلةِ: مِن بيتِ المقدسِ إلى الكعبةِ المشرفةِ كانتْ الاستجابةُ اللحظيةُ منهم (رضي اللهُ عنهم)، حيثُ استدارُوا في الصلاةِ وكانُوا يصلونَ جهةَ بيتِ المقدسِ- عندمَا جاءَهٌم مَن يخبرهُم أنَّ رسولَ اللهِ (ﷺ) قد أُنزلَ عليهِ الأمرُ باستقبالِ الكعبةِ في الصلاةِ.
أبو طلحةَ (رضي اللهُ عنه): يسمعُ قولَ اللهِ (عزَّ وجلَّ): {لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ۚ } فيتصدقُ ببستانهِ (بيرحاءَ) وكان أحبَّ أموالهِ إليهِ، يرجُو أجرَ ذلك وذخرَهُ عندَ اللهِ.
ولمَّا نزلَ قولُ الحقِّ سبحانَهُ في تحريمِ الخمرِ بصورةٍ نهائيةٍ قاطعةٍ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} قالَ الصحابةُ (رضي اللهُ عنهم): انتهينَا يا ربّ، انتهينَا يا رب.
استجابة النساء: تقول عائشةُ - رضي الله عنها -: "إن لنساءِ قُريشٍ لفَضلاً، وإني - والله - ما رأيتُ أفضلَ من نساءِ الأنصار، أشدَّ تصديقًا لكتاب الله، ولقد أُنزِلَت: ﴿ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ﴾ [النور: 31]، فنقلَبَ رجالُهنَّ إليهنَّ يتلُون ما أنزلَ الله إليهنَّ فيها، ويتلُو الرجلُ على امرأتِه وابنتِه وأختِه وعلى كل ذي قرابَته، فما منهنَّ امرأةٌ إلا قامَت إلى مِرطِها المُرحَّل، فاعتجَرَت بها تصديقًا وإيمانًا بما أنزلَ الله في كتابِه، فأصبَحن وراءَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مُعتجِراتٍ كأنَّ على رُؤوسهنَّ الغِربان".
قصة زواج جليبيب: عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ، أَنَّ جُلَيْبِيبًا كَانَ امْرَأً يَدْخُلُ عَلَى النِّسَاءِ، يَمُرُّ بِهِنَّ وَيُلَاعِبُهُنَّ فَقُلْتُ لِامْرَأَتِي: لَا يَدْخُلَنَّ عَلَيْكُمْ جُلَيْبِيبٌ؛ فَإِنَّهُ إِنْ دَخَلَ عَلَيْكُمْ، لَأَفْعَلَنَّ وَلَأَفْعَلَنَّ. قَالَ: وَكَانَتِ الْأَنْصَارُ إِذَا كَانَ لِأَحَدِهِمْ أَيِّمٌ لَمْ يُزَوِّجْهَا حَتَّى يَعْلَمَ هَلْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا حَاجَةٌ؟ أَمْ لَا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ: " زَوِّجْنِي ابْنَتَكَ ". فَقَالَ: نِعِمَّ وَكَرَامَةٌ يَا رَسُولَ اللهِ وَنُعْمَ عَيْنِي. قَالَ: " إِنِّي لَسْتُ أُرِيدُهَا لِنَفْسِي ". قَالَ: فَلِمَنْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: " لِجُلَيْبِيبٍ ".: قَالَ: فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أُشَاوِرُ أُمَّهَا فَأَتَى أُمَّهَا فَقَالَ: رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ ابْنَتَكِ. فَقَالَتْ: نِعِمَّ. وَنُعْمَةُ عَيْنِي. فَقَالَ: إِنَّهُ لَيْسَ يَخْطُبُهَا لِنَفْسِهِ إِنَّمَا يَخْطُبُهَا لِجُلَيْبِيبٍ. فَقَالَتْ: أَجُلَيْبِيبٌ إنية؟ أَجُلَيْبِيبٌ إنية؟ أَجُلَيْبِيبٌ إنية؟ لَا. لَعَمْرُ اللهِ لَا عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ: شَأْنَكَ بِهَا فَزَوَّجَهَا جُلَيْبِيبًا قَالَ: فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةٍ لَهُ. قَالَ: فَلَمَّا أَفَاءَ اللهُ عَلَيْهِ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: " هَلْ تَفْقِدُونَ مِنْ أَحَدٍ؟ " قَالُوا: نَفْقِدُ فُلَانًا وَنَفْقِدُ فُلَانًا. قَالَ: " انْظُرُوا هَلْ تَفْقِدُونَ مِنْ أَحَدٍ؟ " قَالُوا: لَا. قَالَ: " لَكِنِّي أَفْقِدُ جُلَيْبِيبًا ". قَالَ: " فَاطْلُبُوهُ فِي الْقَتْلَى ". قَالَ: فَطَلَبُوهُ فَوَجَدُوهُ إِلَى جَنْبِ سَبْعَةٍ قَدْ قَتَلَهُمْ، ثُمَّ قَتَلُوهُ. فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ هَا هُوَ ذَا إِلَى جَنْبِ سَبْعَةٍ قَدْ قَتَلَهُمْ، ثُمَّ قَتَلُوهُ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَامَ عَلَيْهِ فَقَالَ: " قَتَلَ سَبْعَةً وَقَتَلُوهُ هَذَا مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ. هَذَا مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ " مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، ثُمَّ وَضَعَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى سَاعِدَيْهِ وَحُفِرَ لَهُ مَا لَهُ سَرِيرٌ إِلَّا سَاعِدَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ وَضَعَهُ فِي قَبْرِهِ، وَلَمْ يُذْكَرْ أَنَّهُ غَسَّلَهُ. قَالَ ثَابِتٌ: فَمَا كَانَ فِي الْأَنْصَارِ أَيِّمٌ أَنْفَقَ مِنْهَا. وَحَدَّثَ إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ ثَابِتًا قَالَ: هَلْ تَعْلَمْ مَا دَعَا لَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: " اللهُمَّ صُبَّ عَلَيْهَا الْخَيْرَ صَبًّا، وَلَا تَجْعَلْ عَيْشَهَا كَدًّا كَدًّا ". قَالَ فَمَا كَانَ فِي الْأَنْصَارِ أَيِّمٌ أَنْفَقَ مِنْهَا. ([5])
ثالثًا: أسباب عدم الاستجابة
ضعف الإيمان: قال تعالى: (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ (17))
فمن استجاب وأطاع زاده الله هدى ، ومن اعرض نقص إيمانه فابتعد عن الطاعة فالإيمان يضعف بالبعد عن الطاعة فعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الْإِيمَانَ لَيَخْلَقُ فِي جَوْفِ أَحَدِكُمْ كَمَا يَخْلَقُ الثَّوْبُ الْخَلِقُ، فَاسْأَلُوا اللَّهَ أَنْ يُجَدِّدَ الْإِيمَانَ فِي قُلُوبِكُمْ» ([6])
لذا وجب الرجوع إلى الله باستمرار حتى لا يضعف الإيمان وينقص فيزداد الإعراض عن الله.
الكبر: وهو بطر الحق وغمط الناس كما قال تعالى: (لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ (78) )
وعَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ، حَدَّثَنِي إِيَاسُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ، أَنَّ أَبَاهُ، حَدَّثَهُ أَنَّ رَجُلًا أَكَلَ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشِمَالِهِ، فَقَالَ: «كُلْ بِيَمِينِكَ»، قَالَ: لَا أَسْتَطِيعُ، قَالَ: «لَا اسْتَطَعْتَ»، مَا مَنَعَهُ إِلَّا الْكِبْرُ، قَالَ: فَمَا رَفَعَهَا إِلَى فِيهِ ([7])
قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (56))
وهو ما جعل ابليس يرفض السجود الذي أمره الله به: قال تعالى: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (34))
اتباع الهوى: قال تعالى: (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (23)) (سورة الجاثية)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ، وَالدِّرْهَمِ، وَالقَطِيفَةِ، وَالخَمِيصَةِ، إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ، وَإِنْ لَمْ يُعْطَ لَمْ يَرْضَ» ([8]) فسماه رسول الله ﷺ عبدا لأنه يضحى بكل شيء لأجل المال.
وقال تعالى: (( فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)) (القصص:50).
وقال تعالى: ﴿ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنْ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصْ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الأعراف: 175، 176]. ففي الآية تحذيرٌ للناس من اتِّباعِ الهوى، والرُّكونِ إلى الدنيا وشهواتِها، فيجب الاعتبار بهذه القِصَّة، والنَّظَرُ في الأمور بِعَينِ البصيرةِ والعقل، لا بالهوى واتباع الشيطان.
الجحود: قال تعالى: (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (33)) سورة الأنعام.
ارتكاب المحرمات مع الولوج في المعاصي والتساهل فيها: وهذا يسبب قسوة القلب والتي هي كما قال القرآن كالحجارة أو أشد: { ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً }.
حُبُّ الدنيا والرُّكونُ إليها: فإنَّ مَنْ أحبَّ الدنيا، ورَكَنَ إليها؛ تولَّدَ عنده سعي حثيث لتلبية كلِّ ما يشتهيه، وإنْ كان مُخالِفًا لشرع الله تعالى، قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ * أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [يونس: 7، 8].
وقال تعالى: (بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (17)) سورة الأعلى.
الخوف من كلام الناس: عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا طَالِبٍ الْوَفَاةُ دَخَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدَهُ أَبُو جَهْلٍ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ فَقَالَ: أَيْ عَمِّ، قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ كَلِمَةً أُحَاجُّ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللهِ فَقَالَ لَهُ: أَبُو جَهْلٍ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ: يَا أَبَا طَالِبٍ أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَلَمْ يَزَالَا يُكَلِّمَانِهِ حَتَّى قَالَ آخِرَ شَيْءٍ كَلَّمَهُمْ بِهِ هُوَ عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ فَنَزَلَتْ {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 113] وَنَزَلَتْ {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص: 56]
فقد امتنع عن دعوة النبي ﷺ لأنه خشي من كلام الناس
قال أبو طالب:
وَلَقَـد عَلِمْتُ بِأَنَّ دِيـنَ مُحَمَّـدٍ *** مِـنْ خَيْرِ أَدْيَـانِ البَرِيَّةِ دِينَـا
لَوْلا الْمَلامَـةُ أوْ حِـذَارُ مَسَبَّـةٍ *** لَوَجَدْتَنِـي سَمْحُـا بِذَاكَ مُبِينَا
رابعًا عقوبة الإعراض عن الله ورسوله ﷺ
من صفات المنافقين: قال تعالى: {وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ (48) وَإِن يَكُن لَّهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (49) أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ ۚ بَلْ أُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ }.
وقال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا} [النساء: 61].
الضلال المبين: { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا}.
الوعيد بالنار: قال تعالى: { وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}.
لا يهديهم الله: قال تعالى: ((مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِين)) (سورة الجمعة) ولذا غضبَ اللهُ عليهم؛ لأنَّهم علِمُوا وما استجابُوا.
شبهه الله بالميت: شبَّه اللهُ جلَّ وعلا المستجيبَ لنداءِ اللهِ ورسولهِ بالحيِّ، والذي لا يستجيبُ بالميتِ، فقالَ عزَّ مَن قال: ((إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُون )) الأنعام:36.
وقال تعالَى: ﴿ إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ ﴾ النمل: 80.
لهم سوء الحساب: قال تعالى: ((وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ)) (الرعد:18.)
العذاب الأليم: قال تعالى: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا (17)).
دليلٌ على اتباعِ الشيطانِ: قالَ جلَّ وعلَا حكايةً عن الشيطانِ ((وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ)).
دليلٌ على الهلاكِ والخزيِ والعارِ: عن أبي هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ، فَاجْتَنِبُوهُ وَمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ فَافْعَلُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، فَإِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَثْرَةُ مَسَائِلِهِمْ، وَاخْتِلَافُهُمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ» ([9])
التيه في الأرض: بنو إسرائيل عندما طلب منهم موسى ﷺ أن يدخلوا القرية، ماذا كان ردهم؟ يقول المولى عز وجل: {قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} [المائدة: 24]، قعدوا عن الاستجابة لأوامر الله، فاستحقوا العقوبة من الله التيه في الأرض، فكم من تائه في هذه الدنيا؛ لأنه لم يسارع إلى تنفيذ شرع الله.
وصلِّ اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
جمع وترتيب: الشيخ أحمد أبو عيد
%%%%%%%%