وجوب التيسير في الزواج للشيخ أحمد محمد أبو عيد






الحمد لله الذي لا رافع لما وضع ولا واضع لما رفع ولا مانع لما أعطي ولا معطي لما منع فسبحانه من إله حكيم رحيم فبحكمته وقع الضرر وبرحمته رفع
واشهد أن لا إلا الله احكم ما شرع وأبدع ما صنع
فكم لله من لطف خفي

**
يدق خفاه عن فهم الذكي

أمل تساق به صباحا

**
فتأتيك المسرة بالعشيِّ

وكم يسر أتى من بعد عسر

**
ففرج كرة القلب الشجي

إذا ضاقت بك الأحوال يوما

**
فلذ بالله الواحد العليِّ

إليك إله الخلق ارفع رغبتي

**
وأنا يا ذا المن والجود مجرما

ولما قسى قلبي وضاقت مذاهبي

**
جعلت الرجا مني لعفوك سلما

تعاظم ذنبي فلما قارنته بعفوك

**
ربي كان عفوك أعظم

واشهد أن محمدا رسول الله r أرسله ربه والكفر قد علا وارتفع فاهبطه من عليائه وقمع وفرق من شره ما قد اجتمع صلى الله عليه وعلى صاحبه أبي بكر الذي نجم نجم شجاعته يوم الردة وطلع وعلي عمر الذي عز به الإسلام وامتنع وعلي عثمان المقتول ظلما وما ابتدع وعلي علي الذي ضحد الكفر بجهاده وقمع وعلى جميع الآل والصحب ما سجد مصل وركع
العـناصـــر
أولاً: فضل النكاح
ثانياً: التيسير في الزواج
ثالثاً: أسباب المُغالاة في المُهور وتكاليف الزواج
رابعاً: التحذير من المغالاة في المهور وتجهيز العرس
خامساً: أضرار المغالاة في المهور وتكاليف الزواج


الموضــوع
أولا: فضل النكاح
الزواج نعمة من نعم الله تعالى، وآية من آياته:  قال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) سورة الروم
(فهو راحةٌ حقيقةٌ للرجل والمرأة، فالمرأة تجد من يكفل لها رزقها، فتعكف على البيت ترعاه، وعلى الأولاد تربيهم، وهذا ما يتفق مع طبعها. والرجل يتفرَّغ للعمل والقيام بأعباء الأسرة، وإذا عاد للبيت شعر بالراحة والسعادة بعد العمل، فيدركون حكمة الخالق في خلق كلٍ من الجنسين على نحوٍ يجعله موافقاً للآخر، ملبياً لحاجاته الفطرية: نفسية وعقلية وجسدية، بحيث يجد عنده الراحة والطمأنينة والاستقرار، ويجدان في اجتماعهما السكن والاكتفاء، والمودة والرحمة، لأنَّ تركيبهما النفسي والعصبي والعضوي ملحوظٌ فيه تلبية رغائب كل منهما في الآخر، وائتلافهما وامتزاجهما في النهاية لإنشاء حياة جديدة تتمثَّل في جيلٍ جديد) ([1])
أمر الله به: قال تعالى " فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا (3)" سورة النساء
وقال تعالى" وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ "سورة النور
فأمر بإنكاح الأيامى أمراً مطلقاً ليعم الغني والفقير وبين أن الفقر لا يمنع التزويج لأن الأرزاق بيده سبحانه وهو قادر على تغيير حال الفقير حتى يصبح غنياً، وإذا كانت الشريعة الإسلامية قد رغبت في الزواج وحثت عليه فإن على المسلمين أن يبادروا إلى امتثال أمر الله وأمر رسوله بتيسير الزواج وعدم التكلف فيه وبذلك ينجز الله لهم ما وعدهم.
قال أبو بكر الصديق t: (أطيعوا الله فيما أمركم به من النكاح ينجز لكم ما وعدكم من الغنى).
وعن ابن مسعود t قال: (التمسوا الغنى في النكاح) فيا عباد الله اتقوا الله في أنفسكم وفيمن ولاكم الله عليهن من البنات والأخوات وغيرهن وفي إخوانكم المسلمين واسعوا جميعاً إلى تحقيق البر في المجتمع وتيسير سبل نموه وتكاثره ودفع أسباب انتشار الفساد والجرائم ولا تجعلوا نعمة الله عليكم سلَّماً إلى عصيانه وتذكروا دائماً أنكم مسئولون ومحاسبون على تصرفاتكم كما قال تعالى: "فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ"
مباهاة النبي بأمته يوم القيامة: عن مَعْقِل بن يسار قال: جاء رجل إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: إني أصَبْت امرأةً ذات حَسَبٍ وجمالٍ، وإنها لا تَلِدُ؛ أفأتزوجها؟ قال: " لا ". ثم أتاه الثانية؟ فنهاه. ثم أتاه الثالثة؟ فقال: " تَزَوَّجوا الودود الولود؛ فإني مُكَاثِرٌ بحَم الأمَمَ " ([2])
الإعانة على شطر الدين: عن أنس t أن رسول الله r قال من رزقه الله امرأة صالحة فقد أعانه على شطر دينه فليتق الله في الشطر الباقي" ([3])
اتباع سنن المرسلين: قال تعالى" وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً " سورة الرعد
الحرص على مقاصد الزواج: أ-صيانة المتزوج نفسه وحفظها من أن تقع فيما حُرِّم عليها:
فإن النفس الإنسانية قد أودع الله فيها غريزة لا يمكن إشباعها أو الحد منها إلا عن طريق الزواج واختيار المرأة المناسبة له، فلو بقي الرجل أو المرأة دون لقاء مشروع لحصل الفساد الأخلاقي وانتشرت المحرمات، ولذلك قال: عن أبي هريرة قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ إِنْ لَا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتَنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ» ([4])
ومهما بلغ الإنسان من التقوى والصلاح فإنه لو أرسل نظره إلى امرأة أو أطلق بصره إليها فقد يبدو له من محاسنها ما يحرك غريزته، ولذلك خاف على أمته من هذه المفسدة، وأرشدهم إلى طريق بها تزول وتنحسم، ويأمن المرءُ على نفسه من ارتكاب الخطأ والتلبس بالإثم، فعَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -r- رَأَى امْرَأَةً فَأَتَى امْرَأَتَهُ زَيْنَبَ وَهْىَ تَمْعَسُ مَنِيئَةً لَهَا فَقَضَى حَاجَتَهُ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ « إِنَّ الْمَرْأَةَ تُقْبِلُ فِى صُورَةِ شَيْطَانٍ وَتُدْبِرُ فِى صُورَةِ شَيْطَانٍ فَإِذَا أَبْصَرَ أَحَدُكُمُ امْرَأَةً فَلْيَأْتِ أَهْلَهُ فَإِنَّ ذَلِكَ يَرُدُّ مَا فِى نَفْسِهِ ») ([5])
وقد حذَّر العلامة القرطبي رحمه الله كل مسلم من أن يظن برسول الله لمّا فعل ذلك ميل نفسٍ أو غلبة شهوة، حاشاه عن ذلك، وإنما فعل ذلك ليسُنّ سنةً، وتقتدي به أمته، فيحسم كل واحدٍ عن نفسه ما يخشى وقوعه.
ب-حصول الأنس والمودة والراحة والطمأنينة بين الزوجين وقد صور ذلك القرآن الكريم، وبينه بألطف عبارة وأدق تصوير وأغزر معنى، فقال جل في علاه: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ "سورة الروم ، فكل واحد من الزوجين يأنس بالآخر، ويطمئن إليه، ويجد معه الألفة والود والحنان، قال تعالى: "أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ "سورة  البقرة  والاستقرار العاطفي والمشاعر القلبية والأحاسيس الفياضة الندية يجدها الرجل والمرأة بالزواج، وتتحقق عندهما ببناءِ وتأسيس الأسرة المسلمة التي تسير على النهج الإلهي والإرشاد النبوي في حياتها.
ج-في الزواج تكثير للنسل والذرية: النبي حث أمته على ذلك عن مَعْقِل بن يسار قال: جاء رجل إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: إني أصَبْت امرأةً ذات حَسَبٍ وجمالٍ، وإنها لا تَلِدُ؛ أفأتزوجها؟ قال: " لا ". ثم أتاه الثانية؟ فنهاه. ثم أتاه الثالثة؟ فقال: " تَزَوَّجوا الودود الولود؛ فإني مُكَاثِرٌ بحَم الأمَمَ " ([6]فرغَّب في نكاح المرأة التي توفرت فيها صفة الود والحب لزوجها والأنس به وطيب معاملته، التي تلد كثيرًا، فإن المكاثرة مما أكد عليه المصطفى لما ذكره من مباهاته بأمته عند عرض الأمم يوم القيامة.
د-الأجر العظيم للوالدين ينالهما من الأولاد الذين يحصلون بسبب الزواج خير عظيم وفضل عميم، فبالإضافة إلى أنهم من زينة الحياة الدنيا، ويسعى الوالدان إلى تربيتهما التربية الإسلامية الصحيحة، لينشؤوا على البر والفضيلة والخير والصلاح، ويكونوا قرة أعين لوالديهم كما قال تعالى: وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا "الفرقان 74"
 فإنه ليس أحب إلى الإنسان من ولد صالح يسعى في بره وطاعته وخدمته في حياته، ثم إن مات الوالد قبله دعا الولد له بالمغفرة والرحمة والرضوان، فعن أبي هريرة t قال قال رسول الله r "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له " ([7]) فيُثاب الولدُ على دعائه لوالديه، ويلحق دعاؤه الوالدين فينتفعان به.
ر-توثيق العلاقات بين سائر أفراد المجتمع المسلم: فإنه بالزواج تتقارب الأسر، ويدنو بعضها من بعض، وتتعارف وتتصل بعد أن كانت متباعدة، وبذلك تسود المجتمع روابط المودة والمحبة والصلة والقربى، فيصبح متماسكًا قويًا، فعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ، وَتَرَاحُمِهِمْ، وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى ([8])
ز -قال ابن القيم: (... فإنَّ الجماع وضع في الأصل لثلاثة أمور هي مقاصده الأصلية: الأول: حفظ النَّسل... الثاني: إخراج الماء الذي يضرُّ احتباسه واحتقانه بجملة البدن الثالث: قضاء الوطر، ونيل اللذة، والتَّمتُّع بالنِّعمة، وهذه وحدها هي الفائدة التي في الجنة، إذ لا تناسل هناك ولا احتقان...ثمَّ قال: ومن منافعه: غضُّ البصر، وكفُّ النَّفس، والقدرة على العِفَّة عن الحرام، وتحصيل ذلك للمرأة فهو ينفع نفسه في دنياه وآخرته، وينفع المرأة، ولذلك كان رسول الله r يتعاهده ويحبُّه، ويقول: "حُبِّبَ إليَّ من دنياكم الطيب والنساء"([9])
ترغيب النبي r في الزواج: عَنْ أَبِى ذَرٍّ أَنَّ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِىِّ -r-قَالُوا للنبي -r- يَا رَسُولَ اللَّهِ ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالأُجُورِ يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّى وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ وَيَتَصَدَّقُونَ بِفُضُولِ أَمْوَالِهِمْ. قَالَ «أَوَلَيْسَ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ مَا تَصَّدَّقُونَ إِنَّ بِكُلِّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةً وَكُلِّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ وَكُلِّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ وَكُلِّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ وَنَهْىٌ عَنْ مُنْكَرٍ صَدَقَةٌ وَفِى بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ». قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيَأْتِى أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ قَالَ «أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِى حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِى الْحَلاَلِ كَانَ لَهُ أَجْرٌ» ([10])
قد لا ينفع الصيام في كبت الشهوة:   عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ -t -قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النبي -r- فَقَالَ هَلَكْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ «وَمَا أَهْلَكَكَ». قَالَ وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي فِي رَمَضَانَ. قَالَ «هَلْ تَجِدُ مَا تُعْتِقُ رَقَبَةً». قَالَ لاَ. قَالَ «فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ». قَالَ لاَ. قَالَ «فَهَلْ تَجِدُ مَا تُطْعِمُ سِتِّينَ مِسْكِينًا». قَالَ لاَ -قَالَ -ثُمَّ جَلَسَ فَأُتِىَ النَّبِىُّ -r-بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ. فَقَالَ «تَصَدَّقْ بِهَذَا». قَالَ أَفْقَرَ مِنَّا فَمَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا أَهْلُ بَيْتٍ أَحْوَجُ إِلَيْهِ مِنَّا. فَضَحِكَ النَّبِىُّ -r-حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ ثُمَّ قَالَ «اذْهَبْ فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ» ([11]). والعرق: مكتل يسع ثلاثين صاعا، فدل هذا أن الشهوة قد بلغت مبلغا كبيرا لدرجة أن الصيام لم يكبتها ويمنعها ولذلك جامع زوجته فإن كان هذا متزوجا فما حال الشباب ممن لم يتزوجوا بعد ويروا في كل مكان النساء الكاسيات العاريات ولا يملكون رد الشهوة عن أنفسهم فنسأل الله العفو والعافية
يسن جماع الزوجة عند رؤية امرأة تثير الشهوة: عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -r-رَأَى امْرَأَةً فَأَتَى امْرَأَتَهُ زَيْنَبَ وَهْىَ تَمْعَسُ مَنِيئَةً لَهَا فَقَضَى حَاجَتَهُ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ «إِنَّ الْمَرْأَةَ تُقْبِلُ فِى صُورَةِ شَيْطَانٍ وَتُدْبِرُ فِى صُورَةِ شَيْطَانٍ فَإِذَا أَبْصَرَ أَحَدُكُمُ امْرَأَةً فَلْيَأْتِ أَهْلَهُ فَإِنَّ ذَلِكَ يَرُدُّ مَا فِى نَفْسِهِ» ([12])
 ولا يدعوا ذلك إلى النظر إلى النساء بل هي نظرة الفجأة فحسب، وعلى أولياء الفتيان والفتيات، تخفيف المهور، وتيسير سبل الزواج، ومراعاة حال الشباب اليوم، ومواساتهم، وعدم الطمع والجشع، وتزويج الأيامى بما يتيسر، وبذلك يتحقق التكافل الاجتماعي، والتضامن الإسلامي، وتسود الأخوة والمحبة والتعاون بين المسلمين، الذين هم كالجسد الواحد، وكالبنيان المرصوص، يشد بعضه بعضاً.
العمر المعتبر في الزواج: عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ كُنْتُ أَمْشِى مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بِمِنًى فَلَقِيَهُ عُثْمَانُ فَقَامَ مَعَهُ يُحَدِّثُهُ فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَلاَ نُزَوِّجُكَ جَارِيَةً شَابَّةً لَعَلَّهَا تُذَكِّرُكَ بَعْضَ مَا مَضَى مِنْ زَمَانِكَ. قَالَ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ لَئِنْ قُلْتَ ذَاكَ لَقَدْ قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ -r: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ» ([13])
قال أهل اللغة يقال للغلام حدث إذا كان منذ صغره حتى يبلغ أو إلى ستة عشر عاما، وبعد الستة عشر عاما يقال له شاب فأمر النبي r بالزواج عند السادسة عشر من العمر وبهذا يرد على من أخروا الزواج بنعرات الجاهلية بأن السن لم يأتي بعد فها هو السن المعتبر كما علمنا النبي r فلا ينبغي أن نحيد عنه.
ثانيا: التيسير في الزواج
الزواج بالدين والخلق وليس بكثرة المال: عن أبي حاتم المزني قال قال رسول الله r إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد قالوا يا رسول الله وإن كان فيه قال إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه ثلاث مرات ([14])
وعن أبي هريرة، t قال: قال رسول الله r: "إذا أتاكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض" ([15])
ومعنى قوله تعالى: " إِلا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ " أي: إن لم تجانبوا المشركين وتوالوا المؤمنين، وإلا وقعت الفتنة في الناس، وهو التباس الأمر، واختلاط المؤمن بالكافر، فيقع بين الناس فساد منتشر طويل عريض.
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ -r- قَالَ «تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لأَرْبَعٍ لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَلِجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ» ([16])
خير الخطبة أيسرها:  عن عائشة قالت قال رسول الله r" إن من يمن المرأة تيسير خطبتها وتيسير صداقها وتيسير رحمها"([17])
خير النكاح أيسره: عن عقبة بن عامر قال قال رسول الله r" خير النكاح أيسره"([18])
أمر الله بالتوسط والاعتدال : هذه الأمة أمة وسط، قال الله تبارك وتعالى: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا "البقرة 143".
والوسط: هو الأفضل، قال الله تبارك وتعالى: قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ "القلم 28"
 أي: قال خيرهم أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ.
الأمة الوسط وسط في كل معاني الوسط، سواء معنى الحسنى والفضل، أو معنى الاعتدال والقصد، فهي أمة وسط في التصور والاعتقاد بين رهبانية النصارى والغلو الروحي، وبين ارتكاس اليهود المادي.
أمة وسط في التفكير والشعور، لا تتبع كل ناعق، ولا تقلد تقليد القردة المضحك.
عليك بأوساط الأمور فإنَّها               نجاةٌ ولا تركب ذلولًا ولا صعبا
قال ابن الجوزي في صيد الخاطر (العاقل يدبر بعقله عيشته في الدنيا، فإن كان فقيرًا؛ اجتهد في كسبٍ وصناعةٍ تكفُّه عن الذُّل للخلق، وقلل العلائق، واستعمل القناعة، فعاش سليمًا من منن الناس عزيزًا بينهم. وإن كان غنيًّا، فينبغي له أن يدبر في نفقته، خوف أن يفتقر، فيحتاج إلى الذُّل للخلق، ومن البلية أن يبذر في النفقة، ويباهي بها ليكمد الأعداء، كأنه يتعرض بذلك -إن أكثر-لإصابته بالعين...وينبغي التوسط في الأحوال، وكتمان ما يصلح كتمانه، وإنما التدبير حفظ المال، والتوسط في الإنفاق، وكتمان ما لا يصلح إظهاره)
أمر الله بالتعاون على البر والتقوى لا على الإثم والعدوان: قال تعالى "وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ" المائدة
وفي غلاء المهور وزيادة النفقات فوق طاقات الشباب المقبل على الزواج تعاون على الإثم والعدوان
السنة الحسنة: عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قال قال رسول الله r « مَنْ سَنَّ فِى الإِسْلاَمِ سُنَّةً حَسَنَةً فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا وَلاَ يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَىْءٌ وَمَنْ سَنَّ فِى الإِسْلاَمِ سُنَّةً سَيِّئَةً فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ كُتِبَ عَلَيْهِ مِثْلُ وِزْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا وَلاَ يَنْقُصُ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَىْءٌ »([19])
لا يكلف الله نفسا الا وسعها: فقد قال الله تبارك وتعالى "مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَج"
وقال تعالى" لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا"، وقال الله تعالى: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ" البقرة:185"
 وقال تعالى" لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آَتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آَتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا"
فعلى كل والد ان لا يكلف الشاب فوق طاقته من المهر والتجهيزات اللازمة للزواج وكذلك الوالد لا يكلف نفسه فوق طاقته لتجهيز ابنته بأشياء لا فائدة منها ويبقى عليه ديون كثيرة فهذا مما حرمه الله تعالى ونهى عنه رسول الله r
من يسر على معسر يسر الله عليه: عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r: «مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ فِى عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِى عَوْنِ أَخِيهِ" ([20])
من تواضع لله رفعه الله: قال تعالى﴿ تِلْكَ الدَّارُ الْآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَاداً ﴾القصص
عوَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -r-قَالَ «مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلاَّ عِزًّا وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلاَّ رَفَعَهُ اللَّهُ» ([21])
الإنسان بالتواضع يعلو عند الله، والإنسان أساسه عبد، ومن لوازم العبد التواضع، انظر إلى الأكحال ـ الكحل: حجر، وهي حجارة لانت فصار مقرها في الأعين؛ لما الكحل كان ليناً صار مقره في العين، من يضع الحجر في عينيه؟ مستحيل، إلا الكحل أساسه حجرـ فأحياناً الإنسان: يرى نفسه غنياً فيطغى، قوياً فيطغى، صحيحاً فيطغى، كما قال تعالى﴿ كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى أنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى) بطولة الإنسان أن يكون متواضعاً، وهو في أشد حالات قوته، لما دخل النبي مكة المكرمة فاتحاً وقد ناصبته العداء عشرين عاما دخلها مطأطئ الرأس؛ تواضعاً لله عز وجل، حتى كادت ذؤابة عمامته تلامس بعيره؛ تواضعاً لله.
أنواع المهور في زمن النبي r: المهْرُ هو الصَّداق، وهو ما يُعطيه الرجل للمرْأة التي يَعقِد علَيها، كتَعبير عن صدْق رغبتِه فيها، وعزْمِه على الزَّواج، وهو أحد أركان العقْد، وبما أنَّ الرِّجال هم الذين يَعملون ويَكسِبون المال، كان حقًّا عليهم دفْع هذا الحقِّ مِن جانبِهم للنِّساء، وهو حقٌّ للمرأة كامِلاً مُقدَّمه ومُؤخَّره، قليلُه وكثيرُه، وليس لوليِّها -قَرُبَ أم بَعُدَ -ولا للزَّوج أيُّ حقٍّ فيه، وهي حرَّة تتصرَّف به كيف شاءتْ، وهذا خِلافًا لما يَحصُل في وقتِنا الحاضِر؛ حيث إنَّ الفتاة قد لا تَعلم كم المهْر؟ ولا أين أُنفق؟!
وقد كان المهْر في الماضي يتَّسِم غالبًا بالبَساطة واليُسر، ويَكون مِن نَوع الموجود في كلِّ زمَن وبيئة؛ لأنه وسيلة لهدَف سامٍ شريف، فالأعرابيُّ كان يَمهَر زوجَه بعيرًا، والفلَّاح يَمهَرها نخْلاً أو أرضًا، والتاجِر يَمهَرها نُقودًا أو بعض الأطعمة والملابس، والصَّانع يَمهَرها شيئًا مِن إنتاجِه، والعالِم والمُتعلِّم يَمهَرها مِن عِلمه إذا لم يجدْ غيرَه، فإنه قد يُعلِّمها سورةً مِن القُرآن الكريم.
وهكذا لم يَفرِض الله علينا أمرًا مُعيَّنًا، ولم يُعقِّد الحَياة على خلقِه، ولكنَّهم هم أنفسهم يَسعَون لِتَعقيد حياتهم،
وربْطِها بتقاليدَ تَبعُد كثيرًا عن أهداف الزَّواج ومَراميه السامِيَة.
أ-بعض سور القرآن:
عن سهل بن سعد قال جاءت امرأة إلى النبي r فقالت جئت أهب نفسي فقامت طويلا فنظر وصوب فلما طال مقامها فقال رجل زوجنيها إن لم تكن لك بها حاجة قال (عندك شئ تصدقها؟). قال لا قال (انظر). فذهب ثم رجع فقال والله إن وجدت شيئا قال (اذهب فالتمس ولو خاتما من حديد). فذهب ثم رجع قال لا والله ولا خاتما من حديد وعليه إزار ما عليه رداء فقال أصدقها إزاري فقال النبي r ( إزارك إن لبسته لم يكن عليك منه شيء وإن لبسته لم يكن عليها منه شئ). فتنحى الرجل فجلس فرآه النبي r موليا فأمر به فدعي فقال (ما معك من القرآن). قال سورة كذا وكذا لسور عددها قال (قد ملكتكها بما معك من القرآن) ([22])
وفي هذا رد على من يغالون في المهور ويزيدون فيها ويعسرون على الشباب
ب-درع من حديد: عن ابن عباس أن عليا قال تزوجت فاطمة رضي الله عنها فقلت يا رسول الله ابن بي قال أعطها شيئا قلت ما عندي من شيء قال فأين درعك الحطمية قلت هي عندي قال فأعطها إياه ([23])
فهذا كان مهر فاطمة بنت رسول الله r سيدة نساء أهل الجنة، وهذا يؤكد أن الصداق في الإسلام ليس مقصوداً لذاته.
ج-أَرْبَعِ أَوَاقٍ من فضه: عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِىِّ -r- فَقَالَ إِنِّى تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ. فَقَالَ لَهُ النَّبِىُّ -r: «هَلْ نَظَرْتَ إِلَيْهَا فَإِنَّ فِى عُيُونِ الأَنْصَارِ شَيْئًا». قَالَ قَدْ نَظَرْتُ إِلَيْهَا. قَالَ «عَلَى كَمْ تَزَوَّجْتَهَا». قَالَ عَلَى أَرْبَعِ أَوَاقٍ. فَقَالَ لَهُ النَّبِىُّ -r: «عَلَى أَرْبَعِ أَوَاقٍ كَأَنَّمَا تَنْحِتُونَ الْفِضَّةَ مِنْ عُرْضِ هَذَا الْجَبَلِ مَا عِنْدَنَا مَا نُعْطِيكَ وَلَكِنْ عَسَى أَنْ نَبْعَثَكَ فِى بَعْثٍ تُصِيبُ مِنْهُ». قَالَ فَبَعَثَ بَعْثًا إِلَى بَنِى عَبْسٍ بَعَثَ ذَلِكَ الرَّجُلَ فِيهِمْ."([24])، معنى هذا الكلام كراهة إكثار المهر بالنسبة إلى حال الزوج
د-ثِنْتَىْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً وَنَشًّا (خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ): عنْ أَبِى سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ قَالَ سَأَلْتُ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِىِّ -r- كَمْ كَانَ صَدَاقُ رَسُولِ اللَّهِ -r-
قَالَتْ كَانَ صَدَاقُهُ لأَزْوَاجِهِ ثِنْتَىْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً وَنَشًّا. قَالَتْ أَتَدْرِى مَا النَّشُّ قَالَ قُلْتُ لاَ. قَالَتْ نِصْفُ أُوقِيَّةٍ. فَتِلْكَ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ فَهَذَا صَدَاقُ رَسُولِ اللَّهِ -r- لأَزْوَاجِهِ ([25]).
وسعر الأوقية الآن "155.81" فبالضرب في" 12.50" يكون الناتج" 1947.625 " جنيه مصري تقريبا
وسعر " 1 درهم = 2.41 " جنية المصري وبالضرب في "500 " درهم يكون الناتج "1205" جنيه مصري، وهذه الحسابات بتاريخ 26-10 -2016
نهي عمر بن الخطاب t عن المغالاة في المهور: عن أبي العجفاء السلمي قال قال عمر بن الخطاب لا تغالوا صداق النساء فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله كان أولاكم وأحقكم بها محمد r ما أصدق امرأة من نسائه ولا أصدقت امرأة من بناته أكثر من اثنتي عشرة أوقية وإن الرجل ليثقل صدقة امرأته حتى يكون لها عداوة في نفسه ويقول قد كلفت إليك علق القربة أو عرق القربة وكنت رجلا عربيا مولدا ما أدري ما علق القربة أو عرق القربة."([26]) 
(لا تُغَالُوا) أَيْ لا تُبَالِغُوا فِي كَثْرَة الصَّدَاق . . . (وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيُثَقِّلُ صَدَقَةَ امْرَأَتِهِ حَتَّى يَكُونَ لَهَا عَدَاوَةٌ فِي نَفْسِهِ) أَيْ حَتَّى يُعَادِيَهَا فِي نَفْسه عِنْد أَدَاء ذَلِكَ الْمَهْر لِثِقَلِهِ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ أَوْ عِنْد مُلاحَظَة قَدْره وَتَفَكُّره فِيهِ . . . (وَيَقُولُ قَدْ كَلِفْتُ إِلَيْكِ عَلَقَ الْقِرْبَةِ) حَبْل تُعَلَّق بِهِ أَيْ تَحَمَّلْت لأَجْلِك كُلّ شَيْء حَتَّى الحبل الذي تعلق به القربة
قال شيخ الإسلام في ": فمن دعته نفسه إلى أن يزيد صداق ابنته على صداق بنات رسول الله r اللواتي هن خير خلق الله في كل فضيلة وهن أفضل نساء العالمين في كل صفة فهو جاهل أحمق، وكذلك صداق أمهات المؤمنين، وهذا مع القدرة واليسار، فأما الفقير ونحوه فلا ينبغي له أن يصدق المرأة إلا ما يقدر على وفائه من غير مشقة ([27])
وقال أيضاً: "وَكَلامُ الإِمَامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ يَقْتَضِي أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ الصَّدَاقُ أَرْبَعَمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ مَعَ الْقُدْرَةِ وَالْيَسَارِ فَيُسْتَحَبُّ بُلُوغُهُ وَلا يُزَادُ عَلَيْهِ" ([28]).
وذكر ابن القيم: بعض الأحاديث الدالة على تخفيف المهر وأنه لا حد لأقله ثم قال: فتضمنت هذه الأحاديث أن الصداق لا يتقدر أقله . . . وأن المغالاة في المهر مكروهة في النكاح وأنها من قلة بركته وعسره.
وبهذا يتبين أن ما يفعله الناس الآن من زيادة المهور والمغالاة فيها أمر مخالف للشرع
والحكمة من تخفيف الصداق وعدم المغالاة فيه واضحة: وهي تيسير الزواج للناس حتى لا ينصرفوا عنه فتقع مفاسد خلقية واجتماعية متعددة
القصة المروية عن عمر بن الخطاب t: أنه لما نهى أن يزاد في المهر عن أربعمائة درهم اعترضته امرأة من قريش فقالت: يا أمير المؤمنين نهيت الناس أن يزيدوا في مهر النساء على أربعمائة درهم، فقالت: أما سمعت قول الله تعالى: " وآتيتم إحداهن قنطاراً " النساء /20.
قال: فقال: اللهم غفرا كل الناس أفقه من عمر، ثم رجع فركب المنبر فقال: أيها الناس إني نهيتكم أن تزيدوا النساء في صداقهن على أربعمائة، فمن شاء أن يعطي من ماله ما أحب فليفعل، فاعتراض المرأة عليه له طرق لا تخلو من مقال فلا تصلح للاحتجاج ولا لمعارضة تلك النصوص الثابتة المتقدم ذكرها، لا سيما وأنه لم ينقل عن أحد من الصحابة مخالفة عمر أو الإنكار عليه غير ما جاء عن هذه المرأة. انتهى كلام الشيخ محمد بن إبراهيم بتصرف واختصار وبعض زيادات عليه ([29]).
يقول الامام الالباني: وليس في نهي عمر عن ذلك ما ينافي السنة حتى يتراجع عنه، بل فيها ما يشهد، فقد صح عن أبي هريرة قال:" جاء رجل إلى النبي -r- فقال: إني تزوجت امرأة من الأنصار، قال النبي -r- : " هل نظرت إليها فإن في عيون الأنصار شيئاً؟ "، قال: قد نظرت إليها، قال: " على كم تزوجتها؟ " قال أربع أواق، فقال له النبي -r- : " على أربع أواق ؟! كأنما تنحتون الفضة من عرض هذا الجبل " ([30])
وإذا تبين أن نهي عمر t عن التغالي في المهور موافق للسنة، وحينئذ يمكن أن نقول: إن في القصة نكارة أخرى تدل على بطلانها، وذلك أن نهيه ليس فيه ما يخالف الآية، حتى يتسنى للمرأة أن تعترض عليه، ويسلم هو لها ذلك، لأن له -t- أن يجيبها على اعتراضها -لو صح-بمثل قوله لا منافاة بين نهيي وبين الآية من وجهين.
الأول: أن نهيي موافق للسنة، وليس هو من باب التحريم بل التنزيه.
الآخر : أن الآية وردت في المرأة التي يريد الزوج أن يطلقها ، وكان قدر لها مهراً ، فلا يجوز له أن يأخذ منه شيئاً دون رضاها ، مهما كان كثيراً ، فقد قال تعالى : ( وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وءاتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئاً أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا ) فالآية وردت في وجوب المحافظة على صداق المرأة وعدم الاعتداء عليه ، والحديث وما في معناه ونهي عمر جاء لتطيف المهر وعدم التغالي فيه ، وذلك لا ينافي بوجه من الوجوه عدم الاعتداء على المهر بحكم أنه صار حقاً لها بمحض اختيار الرجل ، فإذا خالف هو ، ووافق على المهر الغالي فهو المسؤول عن ذلك دون غيره .
وبعد: فهذا وجه انشرح له صدري لبيان نكارة القصة من حيث متنها، فإن وافق ذلك الحق، فالفضل لله، والحمد له على توفيقه، وإن كان خطأ، ففيما قدمنا من الأدلة على بيان ضعفها من جهة إسنادها كفاية، والله سبحانه وتعالى هو الهادي ([31]).
زواج ابنة سعيد بن المسيب: كان لسيدنا سعيد بن المسيب العالم الجليل وإمام الحضرة النبوية ، كان له ابنة مؤمنة ذاع صيتها وشاع أمرها وذلك لشدة إيمانها وكثرة عملها بكتاب الله وسنة رسوله (r) ولما علم بها هشام بن عبد الملك وكان أميراً للمؤمنين أراد أن يخطبها لولده وولي عهده فأرسل رسولاً إلى أبيها في مدينة رسول الله (r) ليبلغ سعيد بن المسيب رغبة أمير المؤمنين في ذلك فما كان من سيدنا سعيد إلا أن قال لهذا الرسول : أبلغ أمير المؤمنين أني رافض لهذه الخطبة ... قال له رسول أمير المؤمنين : ولماذا ؟ قال سيدنا سعيد : لأن ولي عهد أمير المؤمنين رجل غير محمود السيرة، فلجأ رسول أمير المؤمنين أولاً إلى أسلوب الترغيب ، فقال له : أترفض الملك والعز والجاه والغنى والمال ، أترفض ملك أمير المؤمنين ، فكان رد سيدنا سعيد على تلك المقالة أن قال : إذا كانت الدنيا كلها عند الله لا تساوي جناح بعوضة فكم يكون ملك أمير المؤمنين في جناح هذه البعوضة …
فلجأ رسول أمير المؤمنين إلى أسلوب الترهيب، فقال له: إني أخشى عليك بطش أمير المؤمنين. فقال سيدنا سعيد:" إن الله يدافع عن الذين آمنوا "، وبعد ذلك جلس سيدنا سعيد ليقرأ درس العصر بمسجد رسول الله (r) وكان من تلاميذه في الدرس شاب ورع تقي يدعى أبا وداعة -كثير بن المطلب بن أبي وداعة -وكان غاب عن درس سعيد لم يحضره ثلاثة أيام، فلما رآه سعيد قد حضر سأله أين كنت يا أبا وداعة؟ قال: توفيت أهلي-زوجتي-فاشتغلت بها فقال سعيد: ألا أخبرتنا فشهدناها، ثم أردت أن أقوم فقال: هل استحدثت امرأة؟ قال ابن أبي وداعة يرحمك الله، ومن يزوجني، وما أملك إلا درهمين أو ثلاثة؟
يقول ابو وداعة: قال سعيد: أنا. فقلت: أوَ تفعل؟ قال: نعم، ثم حمد الله وصلى على نبي الله محمد وزوجني على درهمين.
فقمت وما أدري ما أصنع من الفرح، فصرت إلى منزلي وجعلت أفكر ممن آخذ وممن أستدين؟ فصليت المغرب وانصرفت إلى منزلي، وكنت صائمًا فقدمت عشائي وكان خبزًا وزيتًا، فإذا بالباب يقرع، فقلت: من هذا؟ فقال: سعيد، ففكرت في كل إنسان اسمه سعيد إلا سعيد بن المسيب، فإنه لم يُرَ أربعين سنة إلا بين بيته والمسجد، فقمت فخرجت فإذا سعيد بن المسيب، فظننت أنه قد بدا له الرجوع عن زواجي، فقلت: يا أبا محمد ألا أرسلت إليّ فآتيك؟ قال: لا، أنت أحق أن تؤتى، فقال: إنك كنت رجلاً عزبًا لا زوج لك، فكرهت أن تبيت الليلة وحدك، وهذه امرأتك، فإذا هي قائمة من خلفه في طوله، ثم أخذها بيدها فدفعها بالباب ورد الباب، فسقطت المرأة من الحياء، فاستوثقت من الباب ثم تقدمت إلى القصعة التي فيها الزيت والخبز فوضعتها في ظل السراج لكيلا تراها ثم صعدتُ إلى السطح فناديت الجيران فجاءوني وقالوا: ما شأنك؟ قلت: ويحكم! زوّجني سعيدُ بن المسيب ابنته اليوم، وقد جاء بها إليّ على غفلة، وها هي في الدار. فنزلوا إليها في داري، فبلغ أمي الخبر فجاءت وقالت: وجهي من وجهك حرام إن مسستها قبل أن أصلحها إلى ثلاثة أيام ـ تعني تزينها استعدادًا للدخول بها ـ قال: فأقمت ثلاثة أيام ثم دخلت بها فإذا هي من أجمل النساء وأحفظهن للقرآن، وأعلمهن بسنة النبي r، وأعرفهن بحق الزوج، ومكثت شهرًا لا يأتيني سعيد بن المسيب ولا آتيه، فلما أن كان قرب الشهر أتيت سعيد في حلقته، فسلمت عليه فرد عليّ السلام ولم يكلمني حتى تفوّض ـ تفرق ـ المجلس، فلم يبق غيري، فقال: ما حال ذلك الإنسان؟ فقلت: خيرًا يا أبا محمد، على ما يحب الصديق ويكره العدو، فانصرفت إلى منزلي فوجه لي بعشرين ألف درهم.
ترى هل لو فعل كل الآباء مثل هذا الشيخ الجليل أيبقى شاب أعزب او فتاة بدون زواج؟ ([32])
ما يشترط لجواز إكثار المهر بدون كراهة: قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في "الاختيارات" لو قيل إنه يكره جعل الصداق ديناً سواء كان مؤخر الوفاء وهو حال، أو كان مؤجلاً لكان متجهاً لحديث الواهبة. قال: (والصداق المقدم إذا كثر وهو قادر على ذلك لم يكره إلا أن يقترن بذلك ما يوجب الكراهة من معنى المباهاة ونحو ذلك، فأما إذا كان عاجزاً عن ذلك كره بل يحرم إذا لم يتوصل إليه إلا بمسألة أو غيرها من الوجوه المحرمة، فأما إن كثر وهو مؤخر في ذمته فينبغي أن يكره هذا كله لما فيه من تعريض نفسه لشغل الذمة).
وقال أبو بكر بن العربي في "أحكام القرآن" (وقد تباهى الناس في الصدقات حتى بلغ صداق امرأة ألف ألف وهذا قل أن يوجد من حلال).
وتقدم قول ابن قدامة في "المغني" (لا تستحب الزيادة على هذا أي على صداق النبي r لأنه إذا كثر ربما تعذر عليه فيتعرض للضرر في الدنيا والآخرة)
ومن هذه النقول يستفاد أنه لجواز الإكثار بدون كراهة من الشروط ما يلي:
1-ألا يكون الصداق كله ديناً.
2-ألا يقصد الشخص بالإكثار المباهاة.
3-القدرة واليسار.
4-ألا تكون الطريق التي يتوصل بها إلى الصداق محرمة.
5-أن يكون الصداق كله من الحلال.
ثالثا: أسباب المُغالاة في المُهور وتكاليف الزواج
 كثيرة؛ ومِن أبرَزِها:
1-رغْبَة الزَّوج بالظُّهور بمظْهَر الغَنيِّ القادِر، وحِرصُه على إقناع أولياء الزَّوجة بالمُوافَقة على خِطبته.
2-طمَع بعض أولياء الأمور، وعدم إدراكِهم لقيمة الزَّواج وأهدافِه الرئيسيَّة، إضافةً إلى ما يَتحمَّلونه مِن مَصاريفَ والْتزاماتٍ يَرَونها ضروريَّة حتَّى لا يُنسَبوا للتَّقصير.
3-تغيُّر النظَر إلى الزوج الكُفْء، فأصبَحتْ عمليَّة الزَّواج عمليَّةَ بيعٍ وشِراء، الرابِح فيها مَن يَكسِب المال الكثير، ولا يُهمُّه النَّتائج وآثارها.
4-التقليد -وهو السبب الأهمُّ -الذي استولى على عُقول الناس ومَشاعِرهم وسلَبهم التَّفكير، وعطَّل عُقولهم، فكلٌّ يَزيد عَن الآخَر، فيَتزايَد الأمْر حتَّى يَبلُغ هذا الحدَّ.
5-إسناد الحُكم في هذه الأمور إلى النِّساء، وسَماع آرائهنَّ، وتَنفيذ طلَباتهنَّ، وهنَّ ما تَعلَم مِن عاطِفة ورغْبَة في التَّفاخُر.
 6-سُكوت القادَة والمَعنيِّين بأمور الناس حتَّى استفْحَل الأمْر وبلَغ ما هو عليه.
رابعا: التحذير من المغالاة في المهور وتجهيز العرس
حرمة الإسراف والتبذير: قال تعالى: "وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا"، وقال سبحانه: "وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا"
وقال تعالي" وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ"، وأخبر عز وجل أن من صفات المؤمنين التوسط والاعتدال في الإنفاق فقال تعالى: "وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا"
الحساب على كل نعيم: فعن أبي برزة الأسلمي t قال قال رسول الله r :  لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيم أفناه وعن علمه فيم فعل فيه وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه وعن جسمه فيم أبلاه" ([33])
حرمة إضاعة المال: عن المغيرة بن شعبة t قال سمعت رسول الله r يقول إن الله كره لكم ثلاثا قيل وقال وإضاعة المال وكثرة السؤال" ([34])
قال المناوي: (إضاعة المال: هو صرفه في غير وجوهه الشرعية، وتعريضه للتلف، وسبب النهي أنَّه إفساد والله لا يحب المفسدين، ولأنه إذا أضاع ماله؛ تعرَّض لما في أيدي الناس) وفي شراء أشياء لا فائدة منها إضاعة للمال.
ابناؤك أمانه: عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِىِّ -r- أَنَّهُ قَالَ «أَلاَ كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ فَالأَمِيرُ الَّذِى عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ وَهِىَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ أَلاَ فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» ([35])
وعن معقل بن يسار قال سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -r-يقول «مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللَّهُ رَعِيَّةً يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إِلاَّ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ» ([36])
مخالفة سنة النبي r: عن العرباض بن سارية t قال : " ... فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة " ([37])
وما يفعله الناس الآن من تعسير الزواج يعد مخالفة لسنة رسول الله r الذي أمر بتيسير الزواج وتسهيله للمقبلين عليه
اتباع اليهود وغيرهم: عن أبي سعيد t: أن النبي r قال (لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه). قلنا يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال (فمن) " ([38])
" ش (سنن) سبل ومناهج وعادات. (شبرا بشبر) كناية عن شدة الموافقة لهم في عاداتهم رغم ما فيها من سوء وشر ومعصية لله تعالى ومخالفة لشرعه. (جحر ضب) ثقبه وحفرته التي يعيش فيها والضب دويبة تشبه الحرذون تأكله العرب والتشبيه بجحر الضب لشدة ضيقه ورداءته ونتن ريحه وخبثه وما أروع هذا التشبيه الذي صدق معجزة لرسول الله r فنحن نشاهد تقليد أجيال الأمة لأمم الكفر في الأرض فيما هي عليه من أخلاق ذميمة وعادات فاسدة تفوح منها رائحة النتن وتمرغ أنف الإنسانية في مستنقع من وحل الرذيلة والإثم وتنذر بشر مستطير. (فمن) أي يكون غيرهم إذا لم يكونوا هم وهذا واضح أيضا فإنهم المخططون لكل شر والقدوة في كل رذيلة "
إعانة على نشر الفاحشة: إن تعسير الزواج يؤدى إلى انتشار النظر إلى الحرمات والزنا والإضرار الكثير بفتيات المسلمين ويؤدي كذلك إلى السرقة من اجل الحصول على تكاليف الزواج وغيرها مما حرم الله والله تعالى يقول " " إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَة فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ " النور
إعانة على قتل المسلمين: تستورد بلادنا التجهيزات اللازمة من اليهود وغيرهم والتي تعود عليهم بالربح الكثير الذي يستخدمونه في قتل وذبح المسلمين فكيف تساهم أيها المسلم في قتل إخوانك فشرائك لهذه الأشياء التي لا قيمة لها يعتبر مساعدة منك لهم في قتل إخوانك فاحذر من بطش الله بك...
هو من باب العضل المنهي عنه الذي يفسق به فاعله إذا تكرر: إن امتناع ولي المرأة من تزويجها بالكفء إذا خطبها ورضيت به إذا لم يدفع ذلك الصداق الكثير الذي يفرضه من أجل أطماعه الشخصية أو لقصد الإسراف والمباهاة أمر لا يسوغ شرعا، بل هو من باب العضل المنهي عنه الذي يفسق به فاعله إذا تكرر.
قال الشيخ ابن عثيمين: "ولقد أوجد أهل العلم تذليلا لهذه العقبة حيث قالوا إن الولي إذا امتنع من تزويج موليته كفؤا ترضاه فإن ولايته تزول إلى من بعده فمثلا لو امتنع أبو المرأة من تزويجها كفؤا في دينه وخلقه وقد رضيته ورغبت فيه فإنه يزوجه أولى الناس بها بعده فيزوجها أولى الناس بها ممن يصلح للولاية من اخوتها أو أعمامها أو بنيهم".
خامسا: أضرار المغالاة في المهور وتكاليف الزواج
لقد تكلم العلماء في هذه المسألة كثيرا وبينوا الأضرار المترتبة على المغالاة في المهور ، ومن هؤلاء العلماء الشيخ محمد بن إبراهيم فله فتوى مطولة في هذه المسألة جاء فيها :"إن من الأشياء التي تمادى الناس فيها حتى وصلوا إلى حد الإسراف والتباهي (مسألة التغالي في المهور) والإسراف في الألبسة والولائم ونحو ذلك وقد تضجر علماء الناس وعقلاؤهم من هذا لما سببه من المفاسد الكثيرة التي منها بقاء كثير من النساء بلا زوج بسبب عجز كثير من الرجال عن تكاليف الزواج، ونجم عن ذلك مفاسد كثيرة متعددة . . . وبحثت الموضوع من جميع أطرافه وتحرر ما يلي :
أن تخفيف الصداق وعدم تكليف الزوج بما يشق عليه مأمور به شرعا باتفاق العلماء سلفا وخلفا، وهو السنة الثابتة عن النبي r.
ومما لا شك فيه أن الزواج أمر مشروع مرغوب فيه، وفي غالب الحالات يصل إلى حد الوجوب، وأغلب الناس لا يتمكن من الوصول إلى هذا المشروع أو المستحب مع وجود هذه المغالاة في المهور. ومن المعلوم أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، ومن هذا يؤخذ مشروعية إرشاد الناس وردعهم عن التمادي في هذا الأمر الذي يحول دون المرء ودون فعل ما أوجبه الله عليه، لا سيما والأمر بتقليل المهر لا يتضمن مفسدة، بل هو مصلحة محضة للزوج والزوجة، بل هو أمر محبوب للشارع مرغب فيه كما تقدم.
1-أن كثرة المهور والمغالاة فيها عائق قوي للكثير من التزوج ولا يخفى ما ينجم عن ذلك من المفاسد الكثيرة وتفشي المنكرات بين الرجال والنساء، والوسائل لها حكم الغايات، والشريعة المطهرة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، ولو لم يكن في السعي في تقليل المهور إلا سد الذرائع المسببة فعل المحرمات لكفى.
2-كم من حرة مصونة عضلها أولياؤها وظلموها فتركوها بدون زوج ولا ذرية وكم من امرأة ألجأها ذلك إلى الاستجابة لداعي الهوى والشيطان فَجَرَّت العار والخزي على نفسها وعلى أهلها وعشيرتها مما ارتكبته من المعاصي التي تسبب غضب الرحمن!!
3-كم من شاب أعيته الأسباب فلم يقدر على هذه التكاليف التي ما أنزل الله بها من سلطان فاحتوشته الشياطين وجلساء السوء حتى أضلوه وأوردوه موارد العطب والخسران، فخسر أهله، وفسد اتجاهه، بل خسرته أمته ووطنه، وخسر دنياه وآخرته!!
4-حدوث الأمراض النفسية لدى الشباب من الجنسين بسبب الكبت، وارتطام الطموح بخيبة الأمل.
5-تكليف الزوج فوق طاقته يجلب العداوة في قلبه لزوجته لما يحدث له من ضيق مالي بسببها، والهدف هو السعادة وليس الشقاء.
6-أن كثرة الصداق لو كان فيها شيء من المصلحة للمرأة وأوليائها فإن ما يترتب على ذلك من المفاسد يربو على تلك المصلحة إن وجدت، والقاعدة الشرعية أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح.
7-تأخر الزواج بالنسبة للشباب والشابات.
8-انحراف سلوك بعض الشباب فبعضهم يلجأ إلى السرقة والاختلاس لتأمين هذه الأموال.
9-من أجل توفير هذه المهور الغالية للمرأة يضطر بعض الشباب إلى ترك دراستهم واللجوء إلى العمل.
10-تؤدي المهور الغالية إلى اقتراض الشاب والاستدانة من الآخرين.
11-المغالاة في المهور تشكّل عقبة اقتصادية تحول دون الإقدام على الزواج وما يعقبها من مفاسد اجتماعية وأمراض روحية ونفسية لا ينحصر تأثرها على الفرد نفسه بل على محيطه أيضا
12-تَعطيل الزَّواج وإيقاف سنَّة الله في الحياة، فالرجال أيامَى والنساء عوانِس.
13-حُصول الفساد الأخلاقيِّ في الجِنسَين -عِندما يَيْئسُون مِن الزَّواج -لِيَكون بديلاً.
14-كثْرة المَشاكِل الاجتِماعيَّة بسبَب عدَم جرَيان الأُمور بطبيعَتِها، ووضْع الشيء في غَير مَوضِعه.
15-حُدوث الأمراض النفسيَّة في صُدور الشَّباب والشابات بسبب الكبْتِ وخَيبة الأمَل.
16-خُروج الأولاد عن طاعة آبائهم وأمَّهاتهم، وتَمرُّدهمْ على العادات والتقاليد الكَريمة.
17-عُزوف الشَّباب عن الزَّواج بالمواطِنات، ورغْبَتُهم في الزَّواج بالأجنبيَّات؛ مما يؤدِّي إلى مشاكل خَطيرة لا حصْر لها، ويَشقى الرجل بحيَاته الزَّوجيَّة التي ارْتبَط فيها بامرأة تُخالِفه الفكْرة والبيئة والعادات والرَّغبة.
18-تَشقى الفتيَات المُواطِنات ببَقائهنَّ عَوانِس بغَير ذنْب جنَتْه أيديهنَّ، وإنَّما جنَتْه التَّقاليد وتَصرُّفات خاصَّة مِن عدد قَليل مِن الناس، وإنَّ المُغالاة في المُهور ليستْ مِن مصلحة أحد مُطلَقًا، ولقد ضاق الناس بها ذرْعًا وبَرِموا مِن هذه العادة السيِّئة، بل إنَّ البنات أنفسَهنَّ يَكرهْنَ المُغالاة في المُهور؛ لِما يَعلمْنَه مِن وقوفه حجر عثرة دون زواجهنَّ وتَحقُّق أملِهنَّ، وهنَّ اللاتي يَصطَلينَ بنار الوحْدة والحِرمان، ولكنَّهنَّ لا يُفصحْنَ عمَّا في أنفُسهنَّ ويَمنعُهنَّ الحياء، فرحمةً بهنَّ أيها الناس.
وصلِّ اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
إعداد: الشيخ أحمد أبو عيد
0109 809 58 54
نسألكم الدعاء









([1]) ظلال القرآن
([2]) صحيح الترغيب والترهيب
([3]) صحيح الترغيب والترهيب
([4]) صحيح سنن الترمذي
([5]) صحيح مسلم
([6]) صحيح الترغيب والترهيب
([7]) صحيح مسلم
([8]) صحيح مسلم
([9]) صحيح الجامع
([10]) صحيح مسلم
([11]) متفق عليه
([12]) صحيح مسلم
([13]) صحيح مسلم
([14]) صحيح سنن الترمذي
([15]) السلسلة الصحيحة
([16]) صحيح مسلم
([17]) صحيح الجامع
([18]) صحيح الجامع
([19]) صحيح مسلم
([20]) صحيح مسلم
([21]) صحيح مسلم
([22]) صحيح البخاري
([23]) صحيح سنن أبي داود
([24]) صحيح مسلم
([25]) صحيح مسلم
([26]) صحيح سنن ابن ماجة
([27])مجموع الفتاوى" (32/194)
([28]) الفتاوى الكبرى
([29]) فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم" (10/187-199)
([30]) صحيح مسلم
([31]) مجلة التمدن الإسلامي (28 / 514 – 519)
([32])الحلية لأبي نعيم
([33]) صحيح الترغيب والترهيب
([34]) صحيح البخاري
([35]) صحيح مسلم
([36]) متفق عليه
([37]) صحيح الترغيب والترهيب
([38]) صحيح البخاري

التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات