الصلاة هي القاسم المشترك في الإسراء والمعراج للشيخ أحمد أبو عيد

  




pdf


word



الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمدا عبد الله ورسوله إمام النبيين

وبعد

فإن من أعجب ما في الإسراء والمعراج رغم كثرة أحداثها وجود (قاسم مشترك) بين كافة الأحداث لم يغب هذا ( القاسم المشترك) في موقف من مواقفها ولم يفتقد في مشهد من مشاهدها .. هذا ( القاسم المشترك ) والحاضر بقوة في كل أحداث الإسراء والمعراج هو الصلاة

وما الصلاة ؟ هى هدية الله تعالى إلى عباده ليلة الإسراء والمعراج وقبل أن يكون إسراء ومعراج، هي ركن الإسلام الركين ، ومن بين جميع الفرائض هي عماد الدين ، من أقامها أقام دينه، ومن ضيعها فقد هدم دينه.

لا حظ في الإسلام أن الصلاة هي العهد الذي بيننا وبين غير المسلمين، فمن تركها فقد كفر، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «العَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمُ الصَّلَاةُ، فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ» ([1])

       والسؤال يقول: وأين حضرت الصلاة ليلة الإسراء والمعراج؟

حضرت الصلاة حين ابتدأت رحلة الإسراء فكانت من بيت من بيوت الله عندما ابتدأت، وانتهت الإسراء في بيت آخر من بيوت الله قال تعالى: ﱩ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﱨ [الإسراء: 1]

       وقبل أن يقع المعراج من المسجد الأقصى إلى السماوات العلى كانت الصلاة حاضرة في المسجد الأقصى، صلاة ركعتين من (صلاة الليل) جماعة بإمام ومأمومين، ليتبين لنا فضل الصلاة وأهميتها، قال تعالىﱩ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﱨ، أما الإمام فهو النبي محمد صلى الله عليه وسلم ومن وراءه الأنبياء والرسل قد اصطفوا صفوفا من لدن آدم إلى عيسى بن مريم عليهم جميعاً وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم السلام .. صلى الأنبياء من وراءه وهو إمامهم تصديقا بنبوته ودعوته ووفاء بالعهد والميثاق الذي أخذه الله تعالى عليهم ﱩ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﱨ

       وما أن عرج بالنبي عليه الصلاة والسلام من المسجد الأقصى إلى السماوات العلى حتى سجلت الصلاة حضوراً جديداً، وهذه المرة حضرت الصلاة بمرور النبي عليه الصلاة والسلام بمسجد في السماء يقال له البيت المعمور وفي حديث الإسراء قال النبي عليه الصلاة والسلام : ( فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِإِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْنِدًا ظَهْرَهُ إِلَى الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ، وَإِذَا هُوَ يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ لَا يَعُودُونَ إِلَيْهِ) ([2]).

       ثم كان الحضور الأبرز للصلاة عنما بلغ رسول الله إلى سدرة المنتهى وعندما تجاوزها إلى ما بعدها وما بعدها حينها كلمه ربه وكان بينهما ما كان .. فلما أذن للنبي أن يرجع كانت هدية الله إلى ضيفه ورسوله صلى الله عليه وسلم وإلى أمته تكمن في الصلاة المكتوبة همزة الوصل بين الله تعالى وبين عباده، معراج المؤمن ورباط ما بين السماء والأرض .. فرض الله الصلاة المكتوبة أول ما فرضها خمسين صلاة في اليوم والليلة ذلك أنه يحب عباده ويحب اللقاء بهم ويحب النظر بعين الرحمة إليهم ..

       قال صلى الله عليه وسلم (ثُمَّ ذَهَبَ بِي إِلَى السِّدْرَةِ الْمُنْتَهَى، وَإِذَا وَرَقُهَا كَآذَانِ الْفِيَلَةِ، وَإِذَا ثَمَرُهَا كَالْقِلَالِ "، قَالَ: " فَلَمَّا غَشِيَهَا مِنْ أَمْرِ اللهِ مَا غَشِيَ تَغَيَّرَتْ، فَمَا أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللهِ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَنْعَتَهَا مِنْ حُسْنِهَا، فَأَوْحَى اللهُ إِلَيَّ مَا أَوْحَى، فَفَرَضَ عَلَيَّ خَمْسِينَ صَلَاةً فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَنَزَلْتُ إِلَى مُوسَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: مَا فَرَضَ رَبُّكَ عَلَى أُمَّتِكَ؟ قُلْتُ: خَمْسِينَ صَلَاةً، قَالَ: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ، فَإِنَّ أُمَّتَكَ لَا يُطِيقُونَ ذَلِكَ، فَإِنِّي قَدْ بَلَوْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَخَبَرْتُهُمْ "، قَالَ: " فَرَجَعْتُ إِلَى رَبِّي، فَقُلْتُ: يَا رَبِّ، خَفِّفْ عَلَى أُمَّتِي، فَحَطَّ عَنِّي خَمْسًا، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى، فَقُلْتُ: حَطَّ عَنِّي خَمْسًا، قَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ لَا يُطِيقُونَ ذَلِكَ، فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ "، قَالَ: " فَلَمْ أَزَلْ أَرْجِعُ بَيْنَ رَبِّي تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَبَيْنَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ حَتَّى قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّهُنَّ خَمْسُ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، لِكُلِّ صَلَاةٍ عَشْرٌ، فَذَلِكَ خَمْسُونَ صَلَاةً، وَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةً، فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ عَشْرًا، وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا لَمْ تُكْتَبْ شَيْئًا، فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ سَيِّئَةً وَاحِدَةً "، قَالَ: " فَنَزَلْتُ حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى مُوسَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ "، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَقُلْتُ: قَدْ رَجَعْتُ إِلَى رَبِّي حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ مِنْهُ ") ([3])

       فرض الله الصلاة المكتوبة أول ما فرضها ليلة الإسراء والمعراج خمسين صلاة في اليوم والليلة فلما طلب رسول الله التخفيف من ربه خفف الله الصلوات المكتوبات في الأداء فقط وأبقى الأجر والثواب كما هو .. جعل الله الخمسين صلاة خمسا فقط في الأداء ، وجعل الحسنة بعشر أمثالها فصار ثواب الخمس خمسين ، ذلك أن الله تعالى يقول  { مَن جَآءَ بِٱلْحَسَنَةِ فَلَهُۥ عَشْرُ أَمْثَالِهَا ۖ وَمَن جَآءَ بِٱلسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَىٰٓ إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} .

       وفي عودة رسول الله من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَتَيْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي عَلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ عِنْدَ الْكَثِيبِ الْأَحْمَرِ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي قَبْرِهِ» ([4])

            فلا تدع حدثا ولا موقفا ولا مشهداً في الإسراء والمعراج إلا وتحضر فيه وبقوة لبيان أن الصلاة هي حجر الزاوية في ديننا وعليها مدار العبادة فإذا حضرت الصلاة الصالحة حضر القبول لسائر العمل وإن غابت الصلاة فأحسب أنه يخشى بعدها على سائر العمل

       وكانت آخر وصايا رسول الله لأمته عَنْ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَام، قَالَ: كَانَ آخِرُ كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ، اتَّقُوا اللَّهَ فِيمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ» ([5])

             وبين البدايات في دعوة الإسلام، وبين النهايات في حياة النبي عليه الصلاة والسلام حضرت الصلاة كأول فريضة فرضت وأول عبادة أمر المسلمون بها ففرضت أول الأمر (صلاة الليل) .. ثم حضرت الصلاة كأحب عبادة وطاعة إلى قلب النبي محمد صلى الله عليه وسلم قال عليه الصلاة والسلام فعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «حُبِّبَ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا النِّسَاءُ وَالطِّيبُ، وَجُعِلَ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ) ([6])

       فالصلاة هي الركن الثاني من أركان الإسلام، بل هي عمود الدين وأساسه الذي يبنى عليه، ولا حظ في الإسلام لمن ضيع الصلاة،

       فهي نور في الدنيا والآخرة، وهي منهاة عن الإثم، حيث قال تعالى قال الله تعالى: {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت:45].

       وهي مكفرة للسيئات، عن ابن مسعود رضي الله عنه (أن رجلاً أصاب من امرأة قبلة، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، فأنزل الله تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفِيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود:114]، فقال الرجل: إلي هذا؟ قال: لجميع أمتي كلهم) ([7])

       وهي نور حياته قال النبي عليه الصلاة والسلام « وَالصَّلَاةُ نُورٌ » ([8])

 

في بيان واضح لمن كان له عقل وعينان أن يتنبه لصلاته فهي الصلة بينه وبين الله تعالى قال الله تعالى  {كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَٱسْجُدْ وَٱقْتَرِب{ 

       وهي أول ما يحاسب عليه من عمله وفي صلاحها نجاته يوم القيامة، فعن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ العَبْدُ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلَاتُهُ، فَإِنْ صَلُحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ، فَإِنْ انْتَقَصَ مِنْ فَرِيضَتِهِ شَيْءٌ، قَالَ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ: انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ فَيُكَمَّلَ بِهَا مَا انْتَقَصَ مِنَ الفَرِيضَةِ، ثُمَّ يَكُونُ سَائِرُ عَمَلِهِ عَلَى ذَلِكَ ) ([9])

فعلى المؤمن ألا تفوته الصلاة إلا لعذر، كأن يكون مسافراً فله أن يقصر ويجمع بين الصلاتين، أو مريضاً فاحتاج إلى أن يصلي في بيته فله ذلك، أما إذا لم يكن معذوراً فعليه أن يحرص على الصلاة حيث ينادى بها وفي بيت الله سبحانه وتعالى؛ فإن تعذر عليه ذلك فلا يضيع الصلاة أو يؤخرها، قال الله سبحانه: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} [الماعون:4 - 5]، وليس معنى (ساهون) تاركون، فلو تركوها لكفروا، وإنما يريد أنهم أخروا الصلاة حتى خرج وقتها، فقال الله عنهم: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ} [الماعون:4]، إذاً: غير المصلين مصيبتهم أعظم، فاحرص على الصلاة حيث ينادى بها، واحرص على ذكر الله.

وقد جعل الله الغي – وهو واد في جهنم- لمن يتكاسل عن الصلاة حيث قال تعالى: ﱩ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﱨ [مريم: 59]

نسأل الله تعالى أن يجعلنا من المحافظين على الصلاة في أوقاتها وأن يجعلها شافعة لنا يوم القيامة إنه ولي ذلك والقادر عليه.

وصلِّ اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

والحمد لله رب العالمين



[1])سنن الترمذي (جـ 5 /صـ 13 / رقم 2621) وقال هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ

[2])صحيح مسلم

[3])صحيح مسلم

[4])صحيح مسلم

[5])سنن أبي داوود (صحيح)

[6])سنن النسائي (حسن صحيح)

[7])متفق عليه

[8])صحيح مسلم

[9])سنن الترمذي (صحيح)

التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات