الأمل والعمل د خالد بدير
عناصر الخطبة:
العنصر الأول: دعوة الإسلام إلى
الأمل
العنصر الثاني: صور ومظاهر الأمل
العنصر
الثالث: الحياة بين الأمل والعمل
المقدمة:
أما بعد:
العنصر الأول: دعوة الإسلام إلى
الأمل
عباد الله: إن الإسلام يحث أفراده على
الأمل بمستقبل مشرق ؛ فالأمل أساس الحياة ؛ وكل إنسان له أمل في الحياة .
فمثلاً : ما الذي دفع الطلاب إلى الجد
والاجتهاد وسهر الليالي في تحصيل العلم واستذكار الدروس ؟ إنه الأمل في التفوق
والنجاح !!
وما الذي دفع التجار يقطعون المسافات
عبر الطرق والأنهار بالليل والنهار ؟ إنه الأمل في الربح والكسب الحلال ووفرة
المال !!
وما الذي دفع المريض إلى أخذ الأدوية
المرة والحقن المؤلمة مع كراهته لها ؟ إنه الأمل في الشفاء !!
وما الذي دفع الجندي إلى السهر بالليل
والمخاطرة بنفسه وحياته على حدود البلاد ؟ إنه الأمل في حماية الوطن والنصر أو
الشهادة !!
وما الذي دفع الفلاح إلى السهر بالليل
متتبعا المياه؛ والمشقة بالنهار في الحرث والغرس والزرع ؟ إنه الحصول على معيشة
رغدة ورزق وفير !!
وما الذي دفع الشاب إلى العمل
والاجتهاد والسفر للكسب هنا وهناك ليجهز مسكنه وجهازه ؟ إنه الأمل في إعفاف نفسه وإحصان فرجه؛ وإنجاب
ذرية يرفعون ذكره بعد موته !!
وهلم جراً في كل مجالات الحياة وكل
المهن والوظائف .............
فينبغي على كل فرد أن تكون حياته كلها
مفعمة بالأمل ؛ ولا يترك مجالاً لليأس أو القنوط أو الكسل أو الخمول .
أيها المسلمون: إننا لو نظرنا إلى حياة
الأنبياء عليهم السلام لوجدناها كلها مملوءة بالأمل ؛لم يكن لديهم مجالٌ لليأس أو
القنوط ؛ مع ما لاقوه من كفر وعناد ونفاق وبلاء ؛ ولنضرب مثلاً بأولي العزم منهم .
فهذا نوح – عليهم السلام – دعا قومه
ألف سنة إلا خمسين عاماً فلم يستجيبوا ؛ ومع ذلك لم يكل أو يمل أو ينتابه اليأس
والقنوط ؛ { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ
سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ }. (العنكبوت:
14).
وهذا موسى - عليه السلام – لاقى من
قومه ما لاقى؛ وخرج موسى ومن معه ؛ وطاردهم فرعون وجنوده، فظنوا أن فرعون سيدركهم،
وشعروا باليأس حينما وجدوا فرعون على مقربة منهم، وليس أمامهم سوى البحر، فقالوا
لموسى: { إِنَّا لَمُدْرَكُونَ }(الشعراء: 61) , فقال لهم نبي الله موسى - عليه
السلام – في أمل وتفاؤل وثقة ويقين: { كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ }(الشعراء:62)؛
فأمره الله سبحانه أن يضرب بعصاه البحر، فانشق نصفين، ومشى موسى وقومه، وعبروا
البحر في أمان، ثم عاد البحر مرة أخرى كما كان، فغرق فرعون وجنوده، ونجا موسى ومن
آمن معه.
وهذا نبي الله أيوب - عليه السلام -
ابتلاه الله سبحانه وتعالى في نفسه وماله وولده ؛ إلا أنه لم يفقد أمله في أن يرفع
الله الضر عنه، وكان دائم الدعاء لله؛ يقول تعالى: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى
رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ }؛ ( الأنبياء:83
), فلم يُخَيِّب الله أمله، فحقق رجاءه، وشفاه الله وعافاه، وعوَّضه عما فقده.
وهذا يعقوب - عليه السلام – يغيب عنه
أحب الأبناء إليه أكثر من أربعين عاماً ؛ ومع ذلك يخاطب أبناءه بروح متفائلة خلدها
القرآن فقال:{يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا
تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا
الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ } (يوسف: 87).
ويعود إليه يوسف مرة أخرى كما سجل ذلك
القرآن الكريم .
وهذا خاتم الأنبياء والمرسلين – صلى
الله عليه وسلم – يشتد به وبأصحابه الإيذاء والاضطهاد والتعذيب ؛ وبمجرد أن اشتكى
بعضهم من شدة التعذيب ؛ يأتي الرسول – صلى الله عليه وسلم – مرة أخرى ليبعث فيهم
الأمل والتفاؤل من جديد.
فعَنْ خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ، قَالَ:
شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ
مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الكَعْبَةِ، قُلْنَا لَهُ: أَلاَ
تَسْتَنْصِرُ لَنَا، أَلاَ تَدْعُو اللَّهَ لَنَا؟ قَالَ: «كَانَ الرَّجُلُ
فِيمَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ لَهُ فِي الأَرْضِ، فَيُجْعَلُ فِيهِ، فَيُجَاءُ
بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ، وَمَا
يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الحَدِيدِ مَا دُونَ
لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ أَوْ عَصَبٍ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ،
وَاللَّهِ لَيُتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرَ، حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ
إِلَى حَضْرَمَوْتَ، لاَ يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ، أَوِ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ،
وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ» . ( البخاري ).
وفي جميع غزواته يبعث فيهم الأمل
والتفاؤل والغد المشرق؛ ففي غزوة بدر يبعث فيهم روح النصر والأمل بقوله: "
سيروا وأبشروا ، فإن الله تعالى قد وعدني إحدى الطائفتين ؛ والله لكأني الآن أنظر
إلى مصارع القوم؛ ثم قال: هذا مصرع فلان غدا إن شاء الله - ووضع يده بالأرض - وهذا
مصرع فلان غدا إن شاء الله، وهذا مصرع فلان غدا إن شاء الله. قال عمر: فوالذي بعثه
بالحق ما أخطأوا الحدود التي حدها رسول الله صلى الله عليه وسلم." ( سيرة ابن
هشام).
وفي غزوة الأحزاب اشتدت صخرة في حفر الخندق لم
يستطع الصحابة حفرها ؛ فيأتي – صلى الله عليه وسلم – يضربها ثلاث ضربات بمعوله؛
ويخبر - متفائلاً – بفتح أعظم البلاد .
فعن عبد الله بن عمرو قال: لما أمر رسول
الله – صلى الله عليه وسلم – بالخندق، فخندق على المدينة قالوا: يا رسول الله إنا
وجدنا صفاة ( صخرة ) لا نستطيع حفرها. فقام النبي – صلى الله عليه وسلم – وقمنا
معه، فلما أتاها أخذ المعول فضرب أخرى فكبر، فسمعت هدة لم أسمع مثلها قط، فقال:
«فتحت فارس» ثم ضرب أخرى فكبر، فسمعت هدة لم أسمع مثلها قط، فقال «فتحت الروم» ثم
ضرب أخرى فكبر. فسمعت هدة لم أسمع مثلها قط فقال: «جاء الله بحمير أعوانا وأنصارا».
( البداية والنهاية لابن كثير ).
وهكذا – أيها المسلمون – كانت حياة
الأنبياء كلها أمل وتفاؤل ؛ ولم يستسلموا للمصائب أو النوائب أو الابتلاءات أو غير
ذلك من شدائد وصعاب!! فهلا اقتدينا بهم – عليهم السلام - ؟!! { لَقَدْ كَانَ
لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ
الْآخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ}. (الممتحنة:
6).
أيها المسلمون: عليكم بالأمل والتفاؤل
في جميع مجالات حياتكم العملية ؛ وإياكم واليأس والقنوط ؛ فقد ندَّد القرآن بالقنوط
واعتبره قرين الضلال، فقال تعالى: { قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ
إِلَّا الضَّالُّونَ } [الحجر: 56].
واليأْس فيه سوء أدب مع الله سبحانه
وتعالى، فقال تعالى: { وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى
بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَؤُوسًا } [الإسراء: 83].
وأجمع العلماء على أنهما من الكبائر،
بل أشد تحريمًا، وجعلهما القرطبي في الكبائر بعد الشرك من حيث الترتيب؛ قال عبدالله
بن مسعود رضي الله عنه: " الكبائر أربع: الإشراك بالله، والقنوط من رحمة
الله، واليأْس من رَوح الله، والأمن مِن مكر الله ". ( تفسير الطبري ) .
كما أرشدنا الحبيب - صلى الله عليه
وسلم - إلى الأمل والتفاؤل؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:" كَانَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ الْفَأْلَ الْحَسَنَ ؛
وَيَكْرَهُ الطِّيَرَةَ ". (أحمد
بسند حسن ).
فإذا أردتم حياة سعيدة فعليكم بالأمل
والتفاؤل ؛ وما أجمل مقولة الزعيم الراحل مصطفى كامل: لا يأس مع الحياة، ولا حياة
مع اليأس !!
العنصر الثاني: صور ومظاهر الأمل
أيها المسلمون: تعالوا بنا نطوف سويا
في هذا العنصر مع صور ومظاهر الأمل والتفاؤل في حياتنا اليومية والعملية؛ فكل
إنسان عنده صورة أو نوع من أنواع الأمل ؛ فالفقير له أمل في الغنى؛ والمريض له أمل
في الشفاء؛ والمذنب له أمل في الرحمة ومغفرة ذنوبه وهكذا ...
أمل المذنب في المغفرة:
فقد أسرف قوم في المعاصي على عهد الرسول – صلى
الله عليه وسلم – وظنوا أن لا مجال لهم في المغفرة والرحمة!! فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ
، أَنَّ نَاسًا مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ قَتَلُوا فَأَكْثَرُوا ، وَزَنَوْا فَأَكْثَرُوا
، ثُمَّ أَتَوْا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالُوا :
إِنَّ الَّذِي تَقُولُ وَتَدْعُو لَحَسَنٌ ، وَلَوْ تُخْبِرُنَا أَنَّ لِمَا
عَمِلْنَا كَفَّارَةً ، فَنَزَلَ : { وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ
إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا
بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا } وَنَزَلَ: {
قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ
رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ
الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}. (الزمر: 53).
يقول ابن كثير في تفسيره : " هذه الآية
الكريمة دعوة لجميع العصاة من الكفرة وغيرهم إلى التوبة والإنابة، وإخبار بأن الله
يغفر الذنوب جميعا لمن تاب منها ورجع عنها، وإن كانت مهما كانت وإن كثرت وكانت مثل
زبد البحر."أ.ه
وعن أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: سَمِعْتُ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: قَالَ اللَّهُ
تَبَارَكَ وَتَعَالَى:" يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي
وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلَا أُبَالِي؛ يَا ابْنَ
آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي
غَفَرْتُ لَكَ وَلَا أُبَالِي؛ يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي
بِقُرَابِ الْأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا
لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً ". ( أحمد والترمذي بسند حسن).
فمهما عملت من المعاصي والذنوب فإن باب
الأمل في التوبة مفتوح؛ فلا تيأس ولا تقنط من رحمة الله؛ شريطة أن تكون التوبة قبل
الغرغرة ؛ لأن وقت الغرغرة وقت خروج الروح ولا ينفع معها توبة ؛ لذلك لم يقبل الله
توبة فرعون حين آمن وهو في البحر لأنه آمن وقت الغرغرة.
فَعَن ابْنِ عُمَرَ؛ عَنْ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:” إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ
الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ .”( ابن ماجه والترمذي وحسنه).
أمل المريض في الشفاء:
فلا ييأس مريض من عدم الشفاء مهما كان مرضه
عضالًا , فعليه أن يأخذ بأسباب التداوي مع التعلق بحبل الله في الشفاء , فعَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ؛ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: " مَا أَنْزَلَ اللَّهُ دَاءً إِلَّا أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً
". ( البخاري ).
ولنا في أيوب - عليه السلام - أسوة ، يقول الحق سبحانه
وتعالى : { وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ
أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ
رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ}. (الأنبياء: 83 ، 84) .
ومع ذلك للأسف كثير من المرضى يسخط
ويوهم نفسه بالموت والهلاك .
أذكر رجلاً من أهل بلدتنا اشتد به
المرض - منذ عشرين عاماً- حتى جهزوا له
الكفن واللحد ؛ ويصبح الصباح ونسمع النعي على أخيه وكان صحيحاً معافى ما به من مرض
؛ والمريض تعافى من المرض وما زال على قيد الحياة ! وصدق القائل:
فكم من صحيح مات من غير علة ................... وكم
من سقيم عاش حينا من الدهر
أمل العقيم في الإنجاب:
فإن كنت عقيمًا لا تنجب فلا تيأس من
رحمة الله وفيض عطائه , فهذه امرأة إبراهيم - عليه السلام- قد بشرتها الملائكة
بالولد على كبر سنها ؛ وهذا ما أثار إعجابها قائلةً: { يَاوَيْلَتَى آلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا
بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ
قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ
عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ } (هود: 72 ، 73) .
وهذا زكريا - عليه السلام - دعا ربه
فقال : { رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا
وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا * وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ
وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا }.
(مريم: 4 ، 5) ؛ جاءته الاستجابة الربانية العاجلة : { يَا زَكَرِيَّا إِنَّا
نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا }.
(مريم: 7) , وعندما تساءل - عليه السلام- :
{ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي
عاقِرٌ قالَ كَذلِكَ الله يَفْعَلُ ما يَشاءُ } (آل عمران: 40) جاءه الجواب: { كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ
عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا }. ( مريم :
9) .
أمل المهموم والمغموم في كشف الهموم
والكرب:
أي إذا نزل بك هم أو غم أو كربة؛ لا تتأفف ولا
تتضجر ؛ فباب الأمل مفتوح وموجود؛ فالجأ إلى الله بالدعاء ؛ كما كان يفعل حبيبنا وقدوتنا – صلى الله عليه وسلم -.
فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ نَبِيَّ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ عِنْدَ الْكَرْبِ :"
لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ؛ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ
رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ؛ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَاوَاتِ
وَرَبُّ الْأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ." (مسلم).
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ
قَالَ: " دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ
يَوْمٍ الْمَسْجِدَ فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ أَبُو
أُمَامَةَ فَقَالَ: يَا أَبَا أُمَامَةَ مَا لِي أَرَاكَ جَالِسًا فِي الْمَسْجِدِ
فِي غَيْرِ وَقْتِ الصَّلَاةِ ؟ قَالَ: هُمُومٌ لَزِمَتْنِي، وَدُيُونٌ يَا
رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: أَفَلَا أُعَلِّمُكَ كَلَامًا إِذَا أَنْتَ قُلْتَهُ
أَذْهَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَمَّكَ، وَقَضَى عَنْكَ دَيْنَكَ ؟ قَالَ:
قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: قُلْ إِذَا أَصْبَحْتَ، وَإِذَا
أَمْسَيْتَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَأَعُوذُ
بِكَ مِنْ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ الْجُبْنِ وَالْبُخْلِ،
وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ غَلَبَةِ الدَّيْنِ، وَقَهْرِ الرِّجَالِ، قَالَ: فَفَعَلْتُ
ذَلِكَ فَأَذْهَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَمِّي، وَقَضَى عَنِّي دَيْنِي."
.( أبوداود بسند فيه ضعف).
أمل صاحب الضيق والعسر والشدة في اليسر
والرخاء:
فإن كنت في حالة من ضيق اليد فاعلم أن فقير
اليوم قد يكون غني الغد , وغني اليوم قد يكون فقير الغد , والأيام دول , وأن الله
تعالى إذا أراد للعبد شيئًا أمضاه له :{ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا
أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } (يس: 36)
, ويقول - سبحانه وتعالى - : { مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ
رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ
وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }. ( فاطر :
2 ) .
ومهما تكن اللحظات العصيبة في حياتك
فتعلق بحبل الله - عز وجل - ، فهذه مريم عليها السلام عندما أظلمت الدنيا في عينيها ولم تجد ملجئًا من
الله إلا إليه قالت:{ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا
مَنْسِيًّا }. (مريم: 23)؛ فكان الغوث والرحمة في قوله تعالى: { فَنَادَاهَا مِنْ
تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا * وَهُزِّي
إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا * فَكُلِي
وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي
إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا }. (
مريم: 24 ، 25، 26 ) .
وها هم المسلمون في غزوة الأحزاب عندما
أطبق عليهم المشركون من كل جانب لكن النصر جاءهم من حيث لم يحتسبوا كما صور ذلك
القرآن الكريم في قوله تعالي: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا
نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ
رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا *
إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ
الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ
الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا
شَدِيدًا }. ( الأحزاب: 9 ، 10 ، 11 ).
وها هو سيدنا إبراهيم - عليه السلام -
عندما ألقاه قومه في النار كانت النجاة من عند الله : { قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي
بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ * وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ
الْأَخْسَرِينَ }. ( الأنبياء :69 ,
70 ) .
وهذا يونس - عليه السلام - عندما التقمه
الحوت فلجأ إلى الله – عزّ وجلّ - واستمسك بحبله كانت الرحمة والنجاة حاضرتين ،
يقول الحق سبحانه : { وَذَا النُّونِ إِذْ
ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ
أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِـنَ الظّـَالِمِـينَ *
فَاسْتَـجَبـْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِـــنَ الْغَـمِّ وَكَـذَلِكَ نُنْجِـي
الْمُؤْمِنِـينَ }.( الأنبياء : 87 ، 88 )
.
أيها المسلمون: هناك صور ومظاهر كثيرة
للأمل في مجالات الحياة؛ وكلها ترجع إلى اختلاف المهن والوظائف والأغراض والآمال
والطموحات؛ وكل إنسان له أمل في مجال ما ؛ عليه أن يأخذ بالأسباب الموصلة إلى أمله
؛ ويضع نصب عينيه النجاح والتفاؤل؛ لا اليأس والقنوط والكسل؛ ويكون حسن الظن بربه
أنه لا يخيب آماله وأحلامه؛ بذلك يتحقق له أمله ومراده؛ وكما قيل: تفاءلوا بالخير
تجدوه؛ ويحضرني حديث في صحيح البخاري من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ
وَجَلَّ: ” أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ حِينَ يَذْكُرُنِي؛
فإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي؛ وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي
مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ هُمْ خَيْرٌ مِنْهُمْ وَإِنْ تَقَرَّبَ مِنِّي
شِبْرًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا
تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً” ( متفق
عليه ). قال ثابت البناني رحمه الله: إني أعلم متى يذكرني ربي عز وجل .. ففزعوا
منه وقالو : كيف تعلم ذلك؟ فقال: إذا ذكرته ذكرني أما قرأتم قوله تعالى: {فاذكروني
أذكركم}.
ولذلك قال تعالى : { وَمَا
أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ } قال ابن كثير في تفسيره: “أي: مهما
أنفقتم من شيء فيما أمركم به وأباحه لكم، فهو يخلفه عليكم في الدنيا بالبدل، وفي
الآخرة بالجزاء والثواب” .
ولذلك بلغ عبد الله بن جعفر مبلغا
عاليا في الجود؛ وعوتب في ذلك فقالوا له: لو ادخرت مالك لولدك بعدك فقال: “إن الله
عودني عادة وعودت عباده عادة: عودني أن يعطيني، وعودت عباده أن أعطيهم، وأخشى إذا
قطعت عادتي عنهم أن يقطع عادته عني!.
فهو لم يتوقع الفقر والخوف من
المستقبل؛ وإنما عنده أمل ويقين وتفاؤل بالغد المشرق؛ وهكذا يجب أن نكون في جميع
مجالات حياتنا .
العنصر
الثالث: الحياة بين الأمل والعمل
عباد
الله: هناك رباط وثيق بين الأمل والعمل؛ فالإنسان الذي يأمل شيئاً ويتمناه لابد أن
يعمل ويسعى جاهداً لتحقيق أمله ومراده؛ وكما قيل: من جد وجد ؛ ومن زرع حصد ؛ ومن طلب
العلى سهر الليالي؛ يقول الدكتور إبراهيم
الفقي خبير التنمية البشرية : احذر أن تكون أهدافك مجرد آمال وأمنيات أو رغبات؛
فتلك بضاعة الفقراء .أ.ه
فينبغي على المسلم في تحقيق آماله
وطموحاته أن يأخذ بجميع الأسباب الموصلة إلى غايته وهدفه مع التوكل على الله
تعالى؛ وهذا ما غرسه النبي – صلى الله عليه وسلم - في نفس الصحابي الذي أطلق الناقة متوكلاً على
الله؛ فعن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: قَالَ رَجُلٌ يَا
رَسُولَ اللَّهِ: أَعْقِلُهَا وَأَتَوَكَّلُ أَوْ أُطْلِقُهَا وَأَتَوَكَّلُ؟
قَالَ:" اعْقِلْهَا وَتَوَكَّلْ" (الترمذي وحسنه).
أحبتي في الله: إن كثيراً من الناس
يقعد في بيته وينتظر الرزق مع أنه لم يأخذ بالأسباب ولم يسع عليه فكيف يأتيه؟!!
لذلك رأى عمر رضي - رضي الله عنه- قومًا قابعين في رُكن المسجد بعدَ صلاة الجمعة،
فسألهم: من أنتم؟ قالوا: نحن المُتوَكِّلون على الله، فعَلاهم عمر رضي الله عنه
بدِرَّته ونَهَرَهم، وقال: لا يَقعُدنَّ أحدُكم عن طلب الرزق، ويقول: اللهم
ارزقني، وقد علِمَ أن السماءَ لا تُمطِرُ ذهبًا ولا فضّة، وإن الله يقول: {فَإِذَا
قُضِيَتِ الصَّلاَةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ}
(الجمعة: 10).
فالأمل
والتفاؤل بُعد عن التواكل والاستسلام، إنه يدعو إلى العمل الجاد المقرون بالتطلع
إلى ما هو أحسن، دون ترك الأمور رهن الحظوظ، بل إن المتفائل ينظر إلي المستقبل دون
خوف منه أو جزع؛ ومهما لاقى المتفائل من عقبات ومصاعب في حياته فإنها لا تضعف
قدرته، ولا تفتر من عزمه؛ لأنه يثق أن الله لا يأتي لنا إلا بما هو في صالحنا.
إن التفاؤل يدفع بهمةٍ للعمل، ويحفز
بقوة على الجد، ويبعث على النشاط، ويدعو المتفائل إلى عمل الخير، وعدم القنوط
أبداً.
التفاؤل مأمور به في ديننا الإسلامي،
وكان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول إذا أعجبته كلمة: " أخذنا فألنا
من فيكَ " ( أحمد والطبراني وأبو داود)، ويدعو دائماً إلى أخذ الأمور من
جانبها الإيجابي، والتغاضي عما فيها من سلبيات..
المتفائل يقول الكأس مملوء إلى نصفه ـ
والمتشائم يقول: الكأس فارغ إلى نصفه، وفي أمثالنا الدارجة نقول: كل امريء يلاقي ما تفاءل به.
كل شيء في عين المتفائل جميل، حياته
حافلة بالسعادة والهناء، ونفسه قانعة راضية بما هو فيه من سعادات ومنح من الله
تملأ حياته ..
أما الساخط فهو دائماً حزين متشائم،
ضائق الصدر: فكل من يجمع الهموم عليه أخذتـه الهموم أخذاً وبيلاً.
أيها المسلمون: انظروا إلى همم سلفنا
الصالح وآمالهم المتعلقة بقوام دينهم وحياتهم ووطنهم.
فعن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الزِّنَادِ ،
عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : اجْتَمَعَ فِي الْحِجْرِ مُصْعَبٌ ، وَعُرْوَةُ ، وَعَبْدُ
اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ ، فَقَالُوا : "
تَمَنَّوْا ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ : أَمَّا أَنَا
فَأَتَمَنَّى الْخِلافَةَ ، وَقَالَ عُرْوَةُ : أَمَّا أَنَا فَأَتَمَنَّى أَنْ
يُؤْخَذَ عَنِّي الْعِلْمُ ، وَقَالَ مُصْعَبٌ : أَمَّا أَنَا فَأَتَمَنَّى
إِمْرَةَ الْعِرَاقِ ، وَالْجَمْعَ بَيْنَ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ وَسَكِينَةَ
بِنْتِ الْحُسَيْنِ ، وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ : أَمَّا أَنَا
فَأَتَمَنَّى الْمَغْفِرَةَ ، قَالَ : فَنَالُوا كُلُّهُمْ مَا تَمَنَّوْا ،
وَلَعَلَّ ابْنَ عُمَرَ قَدْ غُفِرَ لَهُ " . (حلية الأولياء وصفة الصفوة ).
وعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ،
أَنَّهُ قَالَ يَوْمًا لِمَنْ حَوْلَهُ : " تَمَنَّوْا ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ
: أَتَمَنَّى لَوْ أَنَّ هَذِهِ الدَّارَ مَمْلُوءَةٌ ذَهَبًا فَأَنْفِقُهُ فِي
سَبِيلِ اللَّهِ ، ثُمَّ قَالَ : تَمَنَّوْا " ، فَقَالَ رَجُلٌ : أَتَمَنَّى
لَوْ أَنَّهَا مَمْلُوءَةٌ لَؤْلُؤًا ، أَوْ زَبَرْجَدًا ، أَوْ جَوَهِرًا ،
فَأَنْفِقُهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأَتَصَدَّقُ ، ثُمَّ قَالَ عُمَرُ : "
تَمَنَّوْا " ، فَقَالُوا : مَا نَدْرِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، قَالَ
عُمَرُ : " أَتَمَنَّى لَوْ أَنَّهَا مَمْلُوءَةٌ رِجَالا مِثْلَ أَبِي
عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ ، وَسَالِمٍ مَوْلَى أَبِي
حُذَيْفَةَ ، وَحُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ " .( فضائل الصحابة لأحمد بن
حنبل).
وانظر إلى الصحابي الجليل الذي كان
أمله مرافقة النبي – صلى الله عليه وسلم – ؛ فعن رَبِيعَةَ بْنِ كَعْبٍ
الأَسْلَمِيِّ ، قَالَ : " كُنْتُ أَبِيتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَتَيْتُهُ بِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ ، فَقَالَ لِي:
سَلْ ، فَقُلْتُ : أَسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ فِي الْجَنَّةِ ؟ قَالَ: أَوْ غَيْرَ
ذَلِكَ ، قُلْتُ : هُوَ ذَاكَ ، قَالَ : فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ ، بِكَثْرَةِ
السُّجُودِ " . ( مسلم ).
فالرسول – صلى الله عليه وسلم – لم يقل
له: طلبك قيد التنفيذ ؛ أو لك سؤلك ؛ أو لك ذلك ؛ وإنما أرشده إلى كيفية الوصول
إلى أمله وهو العمل وكثرة السجود .
أحبتي في الله: أختم لكم هذا اللقاء
بهذه القصة الجميلة عن سلفنا الصالح في الأمل والعمل والأخذ بالأسباب وعدم الكسل
والركود والاعتماد على صدقات المحسنين.
يروى أن شقيقاً البلخي، ذهب في رحلة
تجارية، وقبل سفره ودع صديقه إبراهيم بن أدهم حيث يتوقع أن يمكث في رحلته مدة
طويلة، ولكن لم يمض إلا أيام قليلة حتى عاد شقيق ورآه إبراهيم في المسجد، فقال له
متعجباً: ما الذي عجّل بعودتك؟ قال شقيق: رأيت في سفري عجباً، فعدلت عن الرحلة،
قال إبراهيم: خيراً ماذا رأيت؟ قال شقيق: أويت إلى مكان خرب لأستريح فيه، فوجدت به
طائراً كسيحاً أعمى، وعجبت وقلت في نفسي: كيف يعيش هذا الطائر في هذا المكان
النائي، وهو لا يبصر ولا يتحرك؟ ولم ألبث إلا قليلاً حتى أقبل طائر آخر يحمل له
العظام في اليوم مرات حتى يكتفي، فقلت: إن الذي رزق هذا الطائر في هذا المكان قادر
على أن يرزقني، وعدت من ساعتي، فقال إبراهيم: عجباً لك يا شقيق، ولماذا رضيت لنفسك
أن تكون الطائر الأعمى الكسيح الذي يعيش على معونة غيره، ولم ترض أن تكون الطائر
الآخر الذي يسعى على نفسه وعلى غيره من العميان والمقعدين؟ أما علمت أن اليد
العليا خير من اليد السفلى؟!!
فقام شقيق إلى إبراهيم وقبّل يده،
وقال: أنت أستاذنا يا أبا إسحاق، وعاد إلى تجارته.
هؤلاء قد فهموا الإسلام، أملاً وعملاً وتعباً،
جهداً وبذلاً، لم يفهموا الإسلام تقاعساً ولا كسلاً، ولا دعة ولا خمولاً، وذلك لأن
الإسلام رفع من شأن صاحب اليد العليا، ولا يريد لأتباعه أن يكونوا عالة على غيرهم.
هذه رسالة قوية لكل شاب أو رجل له آمال
وطموحات أن يربط ربطاً قوياً بين الأمل والعمل حتى تتحقق الآمال ويعلو البنيان .
نسأل الله يجعل هذا البلد آمنا مطمئناً سخاءً رخاءً
وسائر بلاد المسلمين ؛؛؛؛؛
الدعاء........ وأقم الصلاة،،،،