الأمل في توبة الله على التائبين للشيخ أحمد أبو عيد
إِنَّ الحَمْدَ للهِ
نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعينُهُ وَنَسْتَهْدِيهِ وَنَشْكُرُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ
وَنَتُوبُ إِلَيْهِ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ
سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لهُ وَمَنْ يُضْلِلْ
فَلاَ هَادِيَ لَهُ.
وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ
إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَلاَ شَبِيهَ وَلاَ مِثْلَ وَلاَ
نِدَّ لَهُ، وَلاَ حَدَّ وَلاَ جُثَّةَ وَلاَ أَعْضَاءَ لَهُ، غافِرُ الذَّنْبِ
وقابِلُ التَّوْبِ شَدِيدُ العِقابِ ذُو الطَّوْلِ لا إِلَهَ إِلاّ هُوَ إِلَيْهِ
الْمَصِير.
وَأَشْهَدُ أَنَّ
سَيِّدَنَا وَحَبِيبَنَا وَعَظِيمَنَا وَقَائِدَنَا وَقُرَّةَ أَعْيُنِنَا
مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وصَفِيُّهُ وحَبِيبُهُ، مَنْ بَعَثَهُ اللهُ
رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ هَادِياً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً. اللَّهُمَّ صَلِّ
وَسَلِّمْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيْرِ الأَنامِ وعَلى آلِهِ الأَبْرارِ
وصَفْوَةِ الأَصْحاب.
العناصر
أولًا:
أهمية التوبة وفضلها
ثانيًا: أنواع التوبة وشروطها وطبقاتها
ثالثًا:
نماذج عن التوبة والتائبين
رابعًا: بعض الأسباب التي تزيل أثر تعلق القلب بالذنب
خامسًا:
تب إلى ربك قبل فوات الأوان
الموضوع
التوبة لغة: التّوبة مصدر قولك: تاب يتوب وهو مأخوذ من مادّة
(ت وب) الّتي تدلّ على الرّجوع، يقال: تاب من ذنبه، أي رجع عنه توبة ومتابا،
والوصف منه تائب، والتّوب: ترك الذّنب على أجمل الوجوه وهو أبلغ وجوه الاعتذار.
التوبة في الاصطلاح: قال الرّاغب: التّوبة في الشّرع: ترك الذّنب
لقبحه والنّدم على ما فرط منه والعزيمة على ترك المعاودة، وتدارك ما أمكنه أن
يتدارك من الأعمال بالإعادة.
وقال الجرجانيّ: التّوبة هي الرّجوع إلى الله بحلّ عقدة الإصرار عن القلب،
ثمّ القيام بكلّ حقوق الرّبّ، وقيل: التوبة الاعتراف والنّدم والإقلاع.
أولًا: أهمية التوبة وفضلها:
أمر الله بها: قال
تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا
عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ
تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ
وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ
وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا
إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (8)) التحريم
قال الجرجانيّ: التّوبة النّصوح هي توثيق العزم على ألّا يعود بمثله. وقيل
هي ألّا يبقي (التّائب) على عمله أثرا من المعصية سرّا وجهرا، وهذه التّوبة هي
الّتي تورث صاحبها الفلاح عاجلا وآجلا.
وقيل: التّوبة النّصوح وهي من أعمال القلب تعني تنزيه القلب عن الذّنوب،
وعلامتها أن يكره العبد المعصية ويستقبحها فلا تخطر له على بال ولا ترد في خاطره
أصلا.
من صفات الأنبياء: قال تعالى: (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ
كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37)) البقرة
، وقال تعالى: (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ
وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127)
رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً
مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنا مَناسِكَنا وَتُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ
الرَّحِيمُ (128)) البقرة ، وقال تعالى: (وَلَمَّا جاءَ
مُوسى لِمِيقاتِنا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ
لَنْ تَرانِي وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ
فَسَوْفَ تَرانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ
مُوسى صَعِقاً فَلَمَّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ
الْمُؤْمِنِينَ (143) ) الأعراف.
وعن أبي هُرَيْرَةَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَقُولُ: «وَاللَّهِ إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ
فِي اليَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً» ([1])
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: إِنْ كُنَّا لَنَعُدُّ لِرَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَجْلِسِ الْوَاحِدِ مِائَةَ مَرَّةٍ:
«رَبِّ اغْفِرْ لِي، وَتُبْ عَلَيَّ، إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ» ([2])
من صفات المؤمنين والمقربين: التّوبة صفة عامّة المؤمنين. قال تعالى: (وَتُوبُوا
إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ) (النور/ 31).
والإنابة صفة الأولياء والمقرّبين. قال تعالى: (وَجاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ) (ق/
33) والأوبة صفة الأنبياء والمرسلين. قال تعالى: (نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ
أَوَّابٌ) (ص/ 30)، فيقال لمن خاف العقاب هو صاحب توبة، ولمن يتوب بطمع
الثّواب هو صاحب إنابة، ولمن يتوب لمحض مراعاة أمر الله فهو صاحب أوبة.
وقال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ
وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ
وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ
فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ
الْعَظِيمُ * التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السَّائِحُونَ
الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ
الْمُنْكَرِ وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) التوبة
من السبعة الذين يظلهم الله في ظله: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ
اللهُ فِي ظِلِّهِ. يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ: ..... وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ
ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ، فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللهَ » ([3])
، (ورجل دعته امرأة) قال القاضي أخاف الله باللسان
ويحتمل قوله في قلبه ليزجر نفسه وخص ذات المنصب والجمال لكثرة الرغبة فيها وعسر
حصولها وهي جامعة للمنصب والجمال لاسيما وهي داعية إلى نفسها طالبة لذلك قد أغنت
عن مشاق التوصل إلى مراودة ونحوها فالصبر عنها لخوف الله تعالى وقد دعت إلى نفسها
مع جمعها المنصب والجمال من أكمل المراتب وأعظم الطاعات فرتب الله تعالى عليه أن
يظله في ظله وذات المنصب هي ذات الحسب والنسب الشريف ومعنى دعته أي دعته إلى الزنا
بها.
يحبه الله تعالى: قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ
التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222)) البقرة
قال ابن القيّم-رحمه الله تعالى-: التّوبة هي حقيقة دين الإسلام، والدّين
كلّه داخل في مسمّى التّوبة وبهذا
استحقّ التائب أن يكون حبيب الله. فإنّ الله يحبّ التّوّابين ويحبّ
المتطهّرين. وإنّما يحبّ الله من فعل ما أمر به. وترك ما نهي عنه. فإذا التّوبة هي
الرّجوع عمّا يكرهه الله ظاهرا وباطنا إلى ما يحبّه ظاهرا وباطنا. ويدخل في
مسمّاها الإسلام، والإيمان، والإحسان. وتتناول جميع المقامات. ولهذا كانت غاية كلّ
مؤمن، وبداية الأمر وخاتمته وهي الغاية الّتي وجد لأجلها الخلق. والأمر والتّوحيد
جزء منها، بل هو جزؤها الأعظم الّذي عليه بناؤها، وأكثر النّاس لا يعرفون قدر
التّوبة ولا حقيقتها، فضلا عن القيام بها علما وعملا وحالا. ولم يجعل الله تعالى
محبّته للتّوّابين إلّا وهم خواصّ الخلق لديه، ولولا أنّ التّوبة اسم جامع لشرائع
الإسلام وحقائق الإيمان لم يكن الرّبّ تعالى يفرح بتوبة عبده ذلك الفرح العظيم،
فجميع ما يتكلّم فيه النّاس من المقامات والأحوال هو تفاصيلها وآثارها ([4])
تبديل السيئات حسنات: قال تعالى: (إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ
عَمَلًا صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وَكانَ
اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (70) وَمَنْ تابَ وَعَمِلَ صالِحاً
فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتاباً (71)) الفرقان
مغفرة جميع الذنوب: عَنْ أَبِي ذَرٍّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِيمَا رَوَى عَنِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ:
(يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأَنَا أَغْفِرُ
الذُّنُوبَ جَمِيعًا، فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ....) ([5]) ، وعَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِيمَا
يَحْكِي عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ: " أَذْنَبَ عَبْدٌ ذَنْبًا،
فَقَالَ: اللهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي، فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَذْنَبَ
عَبْدِي ذَنْبًا، فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ، وَيَأْخُذُ
بِالذَّنْبِ، ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ، فَقَالَ: أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي،
فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: عَبْدِي أَذْنَبَ ذَنْبًا، فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ
رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ، وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ، ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ
فَقَالَ: أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي، فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَذْنَبَ
عَبْدِي ذَنْبًا، فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ، وَيَأْخُذُ
بِالذَّنْبِ، اعْمَلْ مَا شِئْتَ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكَ "، قَالَ عَبْدُ
الْأَعْلَى: لَا أَدْرِي أَقَالَ فِي الثَّالِثَةِ أَوِ الرَّابِعَةِ: «اعْمَلْ
مَا شِئْتَ» ([6]) (اعمل ما شئت فقد غفرت لك) معناه ما دمت تذنب
ثم تتوب غفرت لك
هي السبيل للفلاح: قال تعالى: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا
أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31)) النور
وقال تعالى: (فَأَمَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَعَسى أَنْ
يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ (67)) النمل
الرزق بالمطر والأولاد والأموال
والخيرات: قال تعالى: (فَقُلْتُ
اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ
السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ
وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا (12))
نوح
خير الخطائين التوابون: عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ، وَخَيْرُ
الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ» ([7])
تفتح أبواب الجنة الثمانية: عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ، قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ تَوَضَّأَ
فَأَحْسَنَ الوُضُوءَ ثُمَّ قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ
وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ،
اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنَ التَّوَّابِينَ، وَاجْعَلْنِي مِنَ المُتَطَهِّرِينَ،
فُتِحَتْ لَهُ ثَمَانِيَةُ أَبْوَابِ الجَنَّةِ يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ
" ([8])
المتاع الحسن: قال تعالى: (وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ
ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى
وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ
عَذابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ (3)) هود
أي واسألوه أن يغفر لكم ذنوبكم، ثم ارجعوا إليه نادمين يمتعْكم في دنياكم
متاعًا حسنًا بالحياة الطيبة فيها، إلى أن يحين أجلكم، ويُعطِ كل ذي فضل من علم
وعمل جزاء فضله كاملا لا نقص فيه، وإن تعرضوا عمَّا أدعوكم إليه فإني أخشى عليكم
عذاب يوم شديد، وهو يوم القيامة. وهذا تهديد شديد لمن تولَّى عن أوامر الله تعالى
وكذَّب رسله ([9]).
الله يفرح بتوبتك ويتوب عليك: عَنِ
الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَبْدِ اللهِ أَعُودُهُ وَهُوَ
مَرِيضٌ، فَحَدَّثَنَا بِحَدِيثَيْنِ: حَدِيثًا عَنْ نَفْسِهِ، وَحَدِيثًا عَنْ
رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: " لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا
بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ، مِنْ رَجُلٍ فِي أَرْضٍ دَوِّيَّةٍ مَهْلِكَةٍ،
مَعَهُ رَاحِلَتُهُ، عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَنَامَ فَاسْتَيْقَظَ
وَقَدْ ذَهَبَتْ، فَطَلَبَهَا حَتَّى أَدْرَكَهُ الْعَطَشُ، ثُمَّ قَالَ: أَرْجِعُ
إِلَى مَكَانِيَ الَّذِي كُنْتُ فِيهِ، فَأَنَامُ حَتَّى أَمُوتَ، فَوَضَعَ
رَأْسَهُ عَلَى سَاعِدِهِ لِيَمُوتَ، فَاسْتَيْقَظَ وَعِنْدَهُ رَاحِلَتُهُ
وَعَلَيْهَا زَادُهُ وَطَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَاللهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ
الْعَبْدِ الْمُؤْمِنِ مِنْ هَذَا بِرَاحِلَتِهِ وَزَادِهِ " ([10])
وقال تعالى: (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ
السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ
عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (17)) النساء
قبول التوبة في كل وقت: قال تعالى: (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ
هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ وَأَنَّ اللَّهَ
هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (104)) التوبة
وعَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
قَالَ: «إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ
النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، حَتَّى
تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا» ([11])،
[ش (يبسط يده) قال المازري المراد به قبول التوبة وإنما ورد لفظ بسط
اليد لأن العرب إذا رضي أحدهم الشيء بسط يده لقبوله وإذا كرهه قبضها عنه فخوطبوا
بأمر حسي يفهمونه وهو مجاز]
تكفير السيئات ودخول الجنات: قال تعالى: ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ
سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ
يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ
يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا
نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (8) ) التحريم، أَيْ
تَوْبَةً صَادِقَةً جَازِمَةً تَمْحُو مَا قَبْلَهَا مِنَ السَّيِّئَاتِ،
وَتَلُمُّ شَعَثَ التَّائِبِ وَتَجْمَعُهُ وَتَكُفُّهُ عَمَّا كَانَ يَتَعَاطَاهُ
من الدناءات، قال عمر (التَّوْبَةُ النَّصُوحُ) أَنْ يَتُوبَ مِنَ الذَّنْبِ،
ثُمَّ لا يعود فيه أو لا يريد أن يعود فيه، وقال أبو الأحوص: سُئِلَ عُمَرَ عَنِ
التَّوْبَةِ النَّصُوحِ، فَقَالَ: أَنْ يتوب الرجل من العمل السيء، ثم لا يعود
إليه أبداً، وقال ابن مسعود {تَوْبَةً نَصُوحًا} قَالَ: يَتُوبُ ثُمَّ لَا
يَعُودُ، وَلِهَذَا قَالَ الْعُلَمَاءُ: التَّوْبَةُ النَّصُوحُ هُوَ أَنْ
يُقْلِعَ عَنِ الذَّنْبِ فِي الْحَاضِرِ، وَيَنْدَمَ عَلَى مَا
سَلَفَ مِنْهُ فِي الْمَاضِي،
وَيَعْزِمَ عَلَى ألا يَفْعَلَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، ثُمَّ إِنْ كَانَ الْحَقُّ
لآدمي رده إليه بطريقه ([12]).
سيد الاستغفار: عن شَدَّادُ بْنُ أَوْسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " سَيِّدُ الِاسْتِغْفَارِ
أَنْ تَقُولَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لاَ إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي
وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ
بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ لَكَ
بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي، فَإِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ "
قَالَ: «وَمَنْ قَالَهَا مِنَ النَّهَارِ مُوقِنًا بِهَا، فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ
قَبْلَ أَنْ يُمْسِيَ، فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَمَنْ قَالَهَا مِنَ
اللَّيْلِ وَهُوَ مُوقِنٌ بِهَا، فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ، فَهُوَ مِنْ
أَهْلِ الجَنَّةِ» ([13])
كثرة المغفرة: عن أَبِي عُمَرُ بْنُ مُرَّةَ، قَالَ: سَمِعْتُ
بِلَالَ بْنَ يَسَارِ بْنِ زَيْدٍ، مَوْلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي، يُحَدِّثُنِيهِ عَنْ جَدِّي، أَنَّهُ سَمِعَ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " مَنْ قَالَ:
أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيَّ الْقَيُّومَ،
وَأَتُوبُ إِلَيْهِ، غُفِرَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ قَدْ فَرَّ مِنَ الزَّحْفِ) ([14])
غفران الذنوب مهما عظمت: عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ
مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلَا
أُبَالِي يَا ابنَ آدمَ إِنَّك لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ
اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلَا أُبَالِي يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ
لَقِيتَنِي بِقُرَابِ الْأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي
شَيْئًا لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مغْفرَة) ([15])
وقال تعالى: (وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ
اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ (10)) النور، وتواب صيغة مبالغة
لتدل على عظم توبة الله تعالى على عباده.
وقال عزَّ وجلَّ: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ
يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَّحِيماً}
النساء
سارع للمغفرة: قال تعالى: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ
رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ
لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ
وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ
يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً
أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ
وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا
وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ
رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا
وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (136)) آل عمران.
الذنوب من طبيعة البشر: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ
تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللهُ بِكُمْ، وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ،
فَيَسْتَغْفِرُونَ اللهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ» ([16])
قبول التوبة حتى وصول الروح للحلقوم: عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقْبَلُ
تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يغرغر) ([17])،
(يغرغر) الغرغرة تردد الروح في الحلق.
لا تيأس أبدًا من رحمة الله ومغفرته: قال تعالى: (قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ
أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ
يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53))
الزمر
ثانيًا: أنواع التوبة وشروطها وطبقاتها
أنواعها: قيل هي نوعان: توبة الإنابة وتوبة
الاستجابة، فتوبة الإنابة أن تخاف من الله من أجل قدرته عليك، وتوبة الاستجابة أن
تستحي من الله لقربه منك، قال تعالى: وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ
الْوَرِيدِ (ق/ 16)
وقيل: بل ثلاثة: التّوبة الصّحيحة: وهي أنّه إذا اقترف العبد ذنبا تاب عنه
بصدق في الحال.
والتّوبة الأصحّ: وهي التّوبة النّصوح (وقد سبق تعريفها).
والتّوبة الفاسدة: هي التّوبة باللّسان مع بقاء لذّة المعصية في الخاطر.
شروط التوبة: قال النّوويّ-رحمه الله تعالى-:
التّوبة واجبة من كلّ ذنب، فإن كانت المعصية بين العبد وبين الله تعالى لا تتعلّق
بحقّ آدميّ فلها شروط ثلاثة وهي:
1-أن يقلع عن المعصية.
2-أن يندم على فعلها.
3-أن يعزم على ألا يعود إليها أبدا. فإن فقد أحد الثّلاثة لم تصحّ توبته.
ويزاد شرط رابع إذا كان الذّنب يتعلّق بحقّ آدميّ: أن يبرأ من حقّ صاحبه؛
فإن كان مالا أو نحوه ردّه إليه، وإن كان حدّ قذف مكّنه منه أو طلب عفوه، وإن كان
غيبة استحلّه منها، هذا إذا لم يترتّب على ذلك مفسدة أعظم. ويجب أن يتوب من جميع
الذّنوب، فإن تاب من بعضها صحّت توبته من ذلك الذّنب ([18]).
قال شيخ الإسلام ابن تيميّة-رحمه الله
تعالى-:
من تاب توبة عامّة كانت
هذه التّوبة مقتضية لغفران الذّنوب، وإن لم يستحضر أعيان الذّنوب إلّا أن يعارض
هذا العامّ معارض يوجب التّخصيص مثل أن يكون بعض الذّنوب لو استحضره لم يتب منه،
لقوّة حبّه إيّاه، أو لاعتقاده أنّه حسن ليس بقبيح، فما كان من ذنب لو استحضره لم
يتب منه لم يدخل في التّوبة، وأمّا ما كان لو استحضره بعينه لكان ممّا يتوب منه؛
فإنّ التّوبة العامّة شاملة له.
وأمّا التّوبة المطلقة: وهي أن يتوب توبة مجملة، فإنّها لا تستلزم التّوبة
من كلّ ذنب. فهذه لا توجب دخول كلّ فرد من أفراد الذّنوب فيها ولا تمنع دخوله
كاللّفظ المطلق، لكن هذه تصلح أن تكون سببا لغفران المعيّن، كما تصلح سببا لغفران
الجميع، بخلاف التّوبة العامّة فإنّها مقتضية للغفران العامّ ([19]).
طبقات التائبين: تختلف طبقات
التائبين ورتبهم تبعًا لاختلاف أحوالهم وتباينهم في أعمالهم، واصطحابهم التوبة إلى
آخر العمر، واستقامتهم عليها، وهناك أربع مراتب للتائبين:
المرتبة الأولى: هم الذين يستقيمون على التوبة إلى آخر لحظة في حياتهم، ولم تحدثهم
أنفسهم بالعودة إلى الذنب، أو مقارفة الإثم، وهؤلاء هم أصحاب النفوس المطمئنة
الذين اتصفوا بأعلى رتب التوبة؛ لأنهم سلكوا الطريق المستقيم، فلزموا طاعة الله،
بالإتيان بما به أمر، واجتناب ما عنه نهى وزجر، وتخلوا عن كل معصية وخُلُقٍ لا
يرضى عنه رب العزة والجلال، وهذه أعلى رتب التائبين.
المرتبة الثانية: هم
الذين سلكوا طريق الاستقامة ولازموا التوبة طيلة حياتهم؛ إلا أنهم لا ينفكون عن
ذنوب تعتريهم، أو سيئات تزينها لهم أنفسهم؛ لا عن قصدٍ وعمدٍ؛ بل كلما أقدموا على
الذنوب لاموا أنفسهم وجدَّدوا عزمهم وندموا على الشر؛ لِمَ فعلوه! وندموا على
الخير، لِمَ لَمْ يستكثروا منه! وهذه رتبة عالية، وإن كانت دون الأولى، وهي أغلب
أحوال التائبين.
المرتبة الثالثة: وهم الذين يستمرون على التوبة مدة من الزمن ثم ينزعون إلى المعاصي
وتغلبهم الشهوات، فيخلطون عملاً صالحًا وآخر سيئًا، ومع ذلك تؤنبهم أنفسهم على ما
فرطوا، ويندمون على ما فعلوا، ويجدُّون في قهر أنفسهم؛ لكنما يغريهم التسويف في
التوبة وطول الأمل، وهؤلاء على جانب عظيم من الخطورة؛ لاحتمال أن يوافيهم الأجل
فيموتوا قبل أن يتوبوا، فيندموا ولات ساعة ندم.
المرتبة الرابعة: وهم الذين استقاموا على التوبة مدة ثم مالت أنفسهم الأمَّارة بالسوء
إلى الطبيعة البدنية، وأغوتهم بالشهوات الحسِّيَّة؛ فواقعوا الذنوب دون أن
يُحدَّثوا أنفسهم بالتوبة، وهؤلاء يُخشى عليهم سوء الخاتمة إن هم تبعوا هوى أنفسهم
وانقادوا لها غافلين عن المصير المحتوم؛ فالعاقل حسن الحظ من قمع نفسه عن غِيِّها،
وردَّها إلى طاعة ربها، ورجع إلى الصِّراط السَّوِيِّ، واهتدى بنور الكتاب المبين،
وهَدْيِ سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم.
ثالثًا: نماذج عن
التوبة والتائبين
توبة ماعز بن مالك والمرأة الغامدية: عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ،
قَالَ: جَاءَ مَاعِزُ بْنُ مَالِكٍ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، طَهِّرْنِي، فَقَالَ: «وَيْحَكَ، ارْجِعْ
فَاسْتَغْفِرِ اللهَ وَتُبْ إِلَيْهِ»، قَالَ: فَرَجَعَ غَيْرَ بَعِيدٍ، ثُمَّ
جَاءَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، طَهِّرْنِي، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَيْحَكَ، ارْجِعْ فَاسْتَغْفِرِ اللهَ وَتُبْ
إِلَيْهِ»، قَالَ: فَرَجَعَ غَيْرَ بَعِيدٍ، ثُمَّ جَاءَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ
اللهِ، طَهِّرْنِي، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مِثْلَ
ذَلِكَ حَتَّى إِذَا كَانَتِ الرَّابِعَةُ، قَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ: «فِيمَ
أُطَهِّرُكَ؟» فَقَالَ: مِنَ الزِّنَى، فَسَأَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَبِهِ جُنُونٌ؟» فَأُخْبِرَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَجْنُونٍ،
فَقَالَ: «أَشَرِبَ خَمْرًا؟» فَقَامَ رَجُلٌ فَاسْتَنْكَهَهُ، فَلَمْ يَجِدْ
مِنْهُ رِيحَ خَمْرٍ، قَالَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «أَزَنَيْتَ؟» فَقَالَ: نَعَمْ، فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ، فَكَانَ
النَّاسُ فِيهِ فِرْقَتَيْنِ، قَائِلٌ يَقُولُ: لَقَدْ هَلَكَ، لَقَدْ أَحَاطَتْ
بِهِ خَطِيئَتُهُ، وَقَائِلٌ يَقُولُ: مَا تَوْبَةٌ أَفْضَلَ مِنْ تَوْبَةِ
مَاعِزٍ، أَنَّهُ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَوَضَعَ يَدَهُ فِي يَدِهِ، ثُمَّ قَالَ: اقْتُلْنِي بِالْحِجَارَةِ، قَالَ:
فَلَبِثُوا بِذَلِكَ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً، ثُمَّ جَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ جُلُوسٌ، فَسَلَّمَ ثُمَّ جَلَسَ، فَقَالَ:
«اسْتَغْفِرُوا لِمَاعِزِ بْنِ مَالِكٍ»، قَالَ: فَقَالُوا: غَفَرَ اللهُ
لِمَاعِزِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «لَقَدْ تَابَ تَوْبَةً لَوْ قُسِمَتْ بَيْنَ أُمَّةٍ لَوَسِعَتْهُمْ»،
قَالَ: ثُمَّ جَاءَتْهُ امْرَأَةٌ مِنْ غَامِدٍ مِنَ الْأَزْدِ، فَقَالَتْ: يَا
رَسُولَ اللهِ، طَهِّرْنِي، فَقَالَ: «وَيْحَكِ ارْجِعِي فَاسْتَغْفِرِي اللهَ
وَتُوبِي إِلَيْهِ» فَقَالَتْ: أَرَاكَ تُرِيدُ أَنْ تُرَدِّدَنِي كَمَا رَدَّدْتَ
مَاعِزَ بْنَ مَالِكٍ، قَالَ: «وَمَا ذَاكِ؟» قَالَتْ: إِنَّهَا حُبْلَى مِنَ
الزِّنَى، فَقَالَ: «آنْتِ؟» قَالَتْ: نَعَمْ، فَقَالَ لَهَا: «حَتَّى تَضَعِي مَا
فِي بَطْنِكِ»، قَالَ: فَكَفَلَهَا رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ حَتَّى وَضَعَتْ،
قَالَ: فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «قَدْ
وَضَعَتِ الْغَامِدِيَّةُ»، فَقَالَ: «إِذًا لَا نَرْجُمُهَا وَنَدَعُ وَلَدَهَا
صَغِيرًا لَيْسَ لَهُ مَنْ يُرْضِعُهُ»، فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ،
فَقَالَ: إِلَيَّ رَضَاعُهُ يَا نَبِيَّ اللهِ، قَالَ: فَرَجَمَهَا
(ويحك) قال في النهاية ويح كلمة
ترحم وتوجع تقال لمن وقع في هلكة لا يستحقها، (فاستنكهه) أي شم رائحة فمه طلب
نكهته بشم فمه والنكهة رائحة الفم، (غامد) بطن من جهينة، (إنها حبلى من الزنى)
أرات إني حبلى من الزنى فعبرت عن نفسها بالغيبة، (فكفلها رجل من الأنصار) أي قام
بمؤنتها ومصالحها وليس هو من الكفالة التي هي بمعنى الضمان لأن هذا لا يجوز في
الحدود التي لله تعالى، (إلى رضاعه) إنما قاله بعد الفطام وأراد بالرضاعة كفايته
وتربيته وسماه رضاعا مجازا]
رجل قتل تسعة وتسعين نفسًا: عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ نَبِيَّ
اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " كَانَ فِيمَنْ كَانَ
قَبْلَكُمْ رَجُلٌ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا، فَسَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ
أَهْلِ الْأَرْضِ فَدُلَّ عَلَى رَاهِبٍ، فَأَتَاهُ فَقَالَ: إِنَّهُ قَتَلَ
تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا، فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَقَالَ: لَا،
فَقَتَلَهُ، فَكَمَّلَ بِهِ مِائَةً، ثُمَّ سَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الْأَرْضِ
فَدُلَّ عَلَى رَجُلٍ عَالِمٍ، فَقَالَ: إِنَّهُ قَتَلَ مِائَةَ نَفْسٍ، فَهَلْ
لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، وَمَنْ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ
التَّوْبَةِ؟ انْطَلِقْ إِلَى أَرْضِ كَذَا وَكَذَا، فَإِنَّ بِهَا أُنَاسًا
يَعْبُدُونَ اللهَ فَاعْبُدِ اللهَ مَعَهُمْ، وَلَا تَرْجِعْ إِلَى أَرْضِكَ،
فَإِنَّهَا أَرْضُ سَوْءٍ، فَانْطَلَقَ حَتَّى إِذَا نَصَفَ الطَّرِيقَ أَتَاهُ
الْمَوْتُ، فَاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلَائِكَةُ
الْعَذَابِ، فَقَالَتْ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ: جَاءَ تَائِبًا مُقْبِلًا
بِقَلْبِهِ إِلَى اللهِ، وَقَالَتْ مَلَائِكَةُ الْعَذَابِ: إِنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ
خَيْرًا قَطُّ، فَأَتَاهُمْ مَلَكٌ فِي صُورَةِ آدَمِيٍّ، فَجَعَلُوهُ بَيْنَهُمْ،
فَقَالَ: قِيسُوا مَا بَيْنَ الْأَرْضَيْنِ، فَإِلَى أَيَّتِهِمَا كَانَ أَدْنَى فَهُوَ
لَهُ، فَقَاسُوهُ فَوَجَدُوهُ أَدْنَى إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي أَرَادَ،
فَقَبَضَتْهُ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ "، قَالَ قَتَادَةُ: فَقَالَ الْحَسَنُ
ذُكِرَ لَنَا، أَنَّهُ لَمَّا أَتَاهُ الْمَوْتُ نَأَى بِصَدْرِهِ) ([20])
[ش (نصف) أي بلغ نصفها (نأى) أي نهض ويجوز تقديم الألف على الهمزة وعكسه]
أسرة كاملة كانت تعيش على الحرام، وتأكل الحرام. ويقدّر الله ويهتدي أحد أبنائها فيكون سبباً في هداية الأسرة كلها.
يروي القصة فيقول: (أنا شاب عشتُ حياة مترفة مع أبي في أحد الأحياء الراقية بالقاهرة، وكان
الخمر يقدم على المائدة بصورة طبيعية. وكنتُ أعرف تماماً أن دخل والدي كله من
الحرام وخاصةً الربا... وكان بجوار بيتنا مسجد كبير فيه شيخ يسمى (إبراهيم) وفي
يوم من الأيام كنتُ جالساً في شرفة المنزل والشيخ يتحدث، فأعجبني كلامه، فنزلتُ من
الشرفة وذهبتُ إلى المسجد لأجد نفسي كأنني قد انسلختُ من كل شيء، وأصبحت شيئاً آخر.
كان الشيخ يتحدث عن قول
الرسول صلى الله عليه وسلم: (أيما جسد نبت من حرام فالنار أولى به) فوجدتُ نفسي لا
أريد أن أدخلَ البيت، ولا أن آكل منه شيئاً، صرتُ أدخل وأخرج، وأتعمدُ ألا آكل
شيئاً وأجلسُ بعيداً عن أسرتي، وأضع أمامي قطعة من الجبن وبعض (الفلافل)، وأسرتي
أمامها كل ما تشتهيه النفس من الطعام. كادتْ أمي تموت همّاً من أجلي، تريدني أن
آكل معهم ولكني رفضتُ وأفهمتها أن مال أبي حرام، وأنهم يأكلون حراماً ويشربون
حراماً، فانضمتْ أمي إلىّ، والتزمتْ بالصلاة، وبعدها انضمت إلينا أختي، أما أبي
فقد أصرّ على فعله عناداً واستكباراً.
كنت أتعامل مع أبي بأدب
واحترام، وقمتُ أنا وأمي وأختي كل منا يجتهد في الدعاء لأبي، كنتُ أقوم الليل
فأسمع نحيب أمي وأختي وتضرعهما إلى الله أن يهدي والدي.
وفي صباح يوم من الأيام
استيقظ لأجد أبي قد تخلص من كل الخمور التي في البيت، ثم أخذ يبكي بكاءُ شديداً
ويضمني إلى صدره ويقول: سوف أتخلص من كل شيء يُغْضبُ الله.
ولما حان وقت الصلاة،
أخذتُ والدتي وذهبنا إلى المسجد، وصار يسمع خطب الشيخ، والحمد لله تخلص من الربا
ومن الخمور وأصبح بيتنا -ولله الحمد-مملوءاً بالطاعات.
رابعًا: بعض الأسباب التي تزيل أثر تعلق القلب بالذنب:
اعلم أن الذنب إما أن يكون: بسبب الغفلة؛ فطريق علاجه العلم.
فعلى التائب أن يسلك
طريق الهداية من تَعَلُّم العلم، وتعليمه، والدعوة إليه، والعمل به، ويعتقد أن
الذنوب مضرة يجب تركها، ويتذكر إنذارات القرآن الكريم ووعيده للعاصين، وما جرى
للعصاة على اختلاف الأمم بسبب ذنوبهم.
وإن كان الذنب بسبب
غلبة الشهوة ونوازع النفس، فطريق علاجه الصبر واحتساب الأجر عند الله – تعالى –
وما أطفأ العبدُ جمرة الغضب والشهوة بمثل الوضوء والصلاة، فليتوضأ وليصل وليعمر
أوقاته بتقوى الله، ويزكي نفسه بطاعته – تعالى – ويطهرها من خبائث الأخلاق وذميم الخصال.
أن يعتصم بالله: فمن اعتصم به – سبحانه – ولجأ إليه في كل أحواله تولاه ونصره على عدويه
اللذين لا يفارقانه أبدًا، وهما النفس والشيطان الرجيم، ولم يخذله أبدًا؛ قال – تعالى: (وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ
هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) آل عمران
أن يعتصم بحبل الله: وهو القرآن الكريم
ويعمل بأوامره وأحكامه، ويهتدي به ويداوم على تلاوته وتدبره والاتعاظ بأخباره.
أن يخاف تعجيل العقوبة في الدنيا؛ فقد يُحْرَمُ العبدُ الرزق
بالذنب يصيبه، وكذلك يخاف الفقر والمرض إن هو أصرَّ على عصيانه.
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عُمَرَ، قَالَ: أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَقَالَ: " يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ،
وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ: لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ،
حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا، إِلَّا فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ، وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي
لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمُ الَّذِينَ مَضَوْا.......) ([21])
أن يطيب مطعمه ولا يأكل إلا حلالاً
:فالعبادة مع أكل الحرام كالبناء على أمواج البحر.
عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا، وَإِنَّ
اللهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ، فَقَالَ: {يَا أَيُّهَا
الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا، إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ
عَلِيمٌ} [المؤمنون: 51] وَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا
مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة: 172] ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ
يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ، يَا رَبِّ،
يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ
بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟ " ([22])
أن يذكر العبد أنه قائم بين يدي الله غدًا يحاسبه على كل
أعماله؛ فينظر إلى لذة المعصية التي نالها قد
ولَّت، والعقوبة عليها قد حلَّت، فيزجر نفسه ويخاف الذنوب التي عملها، ويقطع كل
سبب يبعده عن الله تعالى.
أن يذكر سرعة لقاء ربه: فهو يتوقع في كل لحظة نزول الموت به؛ وما
بعد الموت من مُسْتَعْتَبٍ، وما بعد الدنيا من دار، إلا الجنة أو النار، ويتفكر في
أمر المعاد وهول المطالع، وشدة بطش الله – تعالى – وأليم عذابه؛ قال الله تعالى: "(وَأَنْذِرْهُمْ
يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا
يُؤْمِنُونَ) مريم
البعد عن قرناء السوء، وتخير الأصحاب واستبدالهم بجليس صالح يذكره بالله ويدله عليه، والعلماء في كل عصر
مصابيح الدُّجى، فعليه بمجالستهم، والتزود من علمهم وتوجيهاتهم، وسيجد بذلك الربح
الوفير والخير الكثير إن شاء الله؛ فعَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَثَلُ الجَلِيسِ الصَّالِحِ
وَالسَّوْءِ، كَحَامِلِ المِسْكِ وَنَافِخِ الكِيرِ، فَحَامِلُ المِسْكِ: إِمَّا أَنْ
يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً،
وَنَافِخُ الكِيرِ: إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً
" ([23])
أن يستعيذ بالله من شر وساوس الشيطان الرجيم، قال الله تعالى) :وَإِمَّا
يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ
السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) فصلت
الاستغفار من أكبر الحسنات؛
فمن أحس بتقصير في قوله أو عمله، أو غلبه الهوى على نفسه، أو تغير حاله في رزق أو
غيره، فعليه بالتوبة والاستغفار؛ ففيهما الشفاء إذا كانا بصدق وإخلاص؛ ففي
الاستغفار كل شيء، فمن أراد الولد فعليه بالاستغفار، ومن أراد الجنة فعليه
بالاستغفار، قال الله تعالى حكاية عن نبيه نوح وقوله لقومه: "فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ
إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا *
وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ
لَكُمْ أَنْهَاراً) نوح
إمساك فضول النظر والكلام والطعام، وطاعة الله حيثما كان
وأينما كان، وإتباع السيئة بالحسنة، وعدم الإصرار على الذنب؛ قال تعالى "إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ"، وعَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اتَّقِ اللَّهِ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ
السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ» ([24])
خامسًا: تب إلى ربك قبل فوات الأوان
أوقات لا تقبل فيها التوبة:
أ-حين نزول عذاب استئصال الأمم:
قال الله تعالى:
{فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا
بِهِ مُشْرِكِينَ (84) فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا
بَأْسَنَا سُنَّةَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ
(85)} [غافر].
{فَلَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا} أَيْ عَايَنُوا وُقُوعَ الْعَذَابِ بِهِمْ،
{قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ}
أي وحدوا الله عزَّ وجلَّ وَكَفَرُوا بِالطَّاغُوتِ وَلَكِنْ حَيْثُ لَا تُقَالُ
الْعَثَرَاتُ، وَلَا تَنْفَعُ الْمَعْذِرَةُ، {فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ
إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي
عِبَادِهِ} أَيْ هَذَا حُكْمُ اللَّهِ فِي جَمِيعِ مَنْ تَابَ عِنْدَ مُعَايَنَةِ
الْعَذَابِ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ.
ب– حين ظهور علامات الساعة الكبرى: قال الله تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا
أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ
رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ
تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انْتَظِرُوا
إِنَّا مُنْتَظِرُونَ} [الأنعام: 158].، هل ينظرون إلا أن تأتيهم
الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا
إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا قل انتظروا إنا منتظرون}. (هل
ينظرون) ما ينتظر المكذبون. (تأتيهم الملائكة) لقبض أرواحهم. (يأتي ربك) بالعذاب
من عنده. (بعض آيات ربك) بعض علاماته الدالة على قرب قيام الساعة. (كسبت في إيمانها
خيرا) ازدادت قربا من الله تعالى والتزمت طاعته وتقواه. (انتظروا) أحد هذه الأشياء
التي وعدتم بها. (منتظرون) أن يقع بكم العذاب في الدنيا والآخرة]
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ
مِنْ مَغْرِبِهَا، فَإِذَا طَلَعَتْ وَرَآهَا النَّاسُ آمَنُوا أَجْمَعُونَ، وَذَلِكَ
حِينَ لاَ يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا» ثُمَّ قَرَأَ الآيَةَ ([25])
ج-حين معاينة الموت: قال الله تعالى: {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي
إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى
إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ
بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90) آلْآنَ وَقَدْ
عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (91)} [يونس].
وعَنْ ابْنِ عُمَرَ – رضي الله عنهما -عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ – قَالَ: (إِنَّ اللهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ)
([26])
ومعنى (مَا لَمْ يُغَرْغِرْ): ما لم تبلغ روحه الحُلقوم، ويوقن بالموت.
د-الموت على الكفر: قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ
يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ
بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (48)) النساء،
وقال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ
ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (116))
النساء
لا تكن من الظالمين: قال تعالى: (وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ
الظَّالِمُونَ (11)) الحجرات.
لا تغرنك الدنيا فهي فانية واعمل
لآخرتك فهي الباقية
النفس تبكي على الدنيا وقد علمت ***** أن السلامــة فيها ترك ما
فيـــها
لا دار للمرء بعد الموت يسكنـــها ***** إلا التي كــان قبل الموت
يبنيـــها
فإن بناها بخير طـــاب مسكنــــــه ***** وإن بناها بشرٍ خـــــاب
بانيــــهـا
أين الملوك التي كانت مسلطنـــة ***** حتى سقاها بكأس الموت ساقيها
أموالنا لذوي الميراث نجمعـــها ***** وديـــارنا لخراب الدهـــر
نبنيــــها
كم من مدائن في الآفاق قد بُنيت ***** أمست خراباً وأفنى الموت أهليها
واعمل لدارٍ غداً رضوان خازنها***** والجار أحمد والرحمـــن
ناشيـــها
قصورها ذهبٌ والمسك طينتـهـا ***** والزعفران حشيشٌ نابتٌ فيـــــــها
أنهارها لبنٌ مصفى ومن عسلٍ ***** والخمر يجرى رحيقاً في مجاريها
والطير تجرى على الأغصان عاكفةً *** تسبح الله جهــــراً في
مغانيـــــها
فمن يشترى الدار في الفردوس***** يَعمرُها بركعةٍ في ظلام الليل يُحيها
لا تؤخر توبتك: قال تعالى: (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ
لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ
قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ
أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (18)) النساء
وقال تعالى: (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ
ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا
إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ
يُبْعَثُونَ (100)) المؤمنون
دَعْ عَنْكَ مَا قَدْ كَانَ في زَمَنِ الصِّبَا ... وَاذْكُرْ ذُنُوْبَكَ وَابْكِهَا يَا مُذْنِبُ
واذْكُرْ مُنَاقَشِةَ الحِسَابِ فَإِنَّهُ ... لا بُدَّ يُحْصَى مَا جَنَيْتَ وَيُكْتَبُ
لَمْ يَنْسَهُ المَلَكَانِ حِيْنَ نَسِيْتَهُ ... بَلْ أَثْبَتَاهُ وَأَنْتَ لاَهٍ تَلْعَبُ
وَالرُّوْحُ فِيْكَ وَدِيْعَةٌ أُوْدِعْتَهَا ... سَتَرُدُّهَا بالرَّغْمِ مِنْكَ وَتُسْلَبُ
وَغُرُورُ دُنْيَاكَ التيْ تَسْعَى لَهَا ... دَارٌ حَقِيْقَتُهَا مَتَاعٌ يَذْهَبُ
واللَّيْلَ فاعْلَمْ والنَّهَارَ كِلاَهُمَا ... أَنْفَاسُنَا فِيْهَا تُعَدُّ وَتَحْسَبُ
وَجَميْعُ مَا خَلَّفْتَهُ وَجَمعْتَهُ ... حَقًا يَقِيْنًا بَعْدَ مَوْتِكَ يُنْهَبُ
تَبًا لِدَارٍ لاَ يَدُوْمُ نَعِيْمُهَا ... وَمَشِيْدُهَا عَمَّا قَلِيْلٍ يَخْرَبُ
وَعَوَاقِبُ الأَيَّامِ في غُصَّاتِهَا ... مَضَضٌ يَذلُ لَهَا الأَعَزُّ الأَنْجَبُ
فَعَلَيْكَ تَقْوَى اللهِ فالزَمْهَا تَفُزْ ... إِنَّ التَّقِيَّ هُوَ البَهِيُّ الأَهْيَبُ
وَاعْمَلْ بِطَاعَتِهِ تَنَلْ مِنهُ الرِّضَا ... إِنَّ المُطِيْعَ لَهُ لَدَيْهِ مُقَرَّبُ
وَاقْنَعْ فَفِيْ بَعْض القَنَاعَةِ رَاحَةٌ ... واليَأْسُ مِمَّا فَاتَ فَهُوَ المَطْلَبُ
احذر فوات الأوان: قال تعالى: (وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ
وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا
تُنْصَرُونَ (54) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ
رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا
تَشْعُرُونَ (55) أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَاحَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ
فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56) أَوْ
تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (57)
أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ
الْمُحْسِنِينَ (58) بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا
وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (59) وَيَوْمَ
الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ
أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ (60)) الزمر
أي وارجعوا إلى ربكم -أيها الناس- بالطاعة والتوبة، واخضعوا له من قبل أن
يقع بكم عقابه، ثم لا ينصركم أحد من دون الله، واتبعوا أحسن ما أُنزل إليكم من
ربكم، وهو القرآن العظيم، وكله حسن، فامتثلوا أوامره، واجتنبوا نواهيه من قبل أن
يأتيكم العذاب فجأة، وأنتم لا تعلمون به، وأطيعوا ربكم وتوبوا إليه حتى لا تندم
نفس وتقول: يا حسرتا على ما ضيَّعت في الدنيا من العمل بما أمر الله به، وقصَّرت
في طاعته وحقه، وإن كنت في الدنيا لمن المستهزئين بأمر الله وكتابه ورسوله
والمؤمنين به، أو تقول: لو أن الله أرشدني إلى دينه لكنت من المتقين الشرك
والمعاصي، أو تقول حين ترى عقاب الله قد أحاط بها يوم الحساب: ليت لي رجعة إلى
الحياة الدنيا، فأكون فيها من الذين أحسنوا بطاعة ربهم، والعمل بما أمَرَتْهم به
الرسل.
ما القول كما تقول، قد جاءتك آياتي الواضحة الدالة على الحق، فكذَّبت بها،
واستكبرت عن قَبولها واتباعها، وكنت من الكافرين بالله ورسله ([27]).
الران: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ العَبْدَ إِذَا أَخْطَأَ
خَطِيئَةً نُكِتَتْ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، فَإِذَا هُوَ نَزَعَ
وَاسْتَغْفَرَ وَتَابَ سُقِلَ قَلْبُهُ، وَإِنْ عَادَ زِيدَ فِيهَا حَتَّى
تَعْلُوَ قَلْبَهُ، وَهُوَ الرَّانُ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ» {كَلَّا بَلْ رَانَ
عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين: 14] ([28])
والذُّنُوبُ إِذا
تَتابَعَتْ عَلى القُلُوبِ فَأَغْلَقَتْها أَتاها حِينَئِذٍ الخَتْمُ مِنَ اللهِ
والطَّبْعُ فَلاَ يَكُونُ لِلإِيمانِ إِلَيْهَا مَسْلَكٌ وَلاَ لِلْكُفْرِ مِنْهَا
مَخْلَصٌ كَما قالَ محمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعالى،
فَلا يَنْبَغِي لِلْواحِدِ مِنّا أَنْ يُهْمِلَ التَّوْبَةَ وإِنْ كانَ يُعاوِدُ
الذَّنْبَ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى فَإِنَّ في التَّوْبَةِ مِنَ الذَّنْبِ صَقْلاً
لِلْقَلْبِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَعْلُوَهُ الرّانُ فَيُخْتَمَ عَلَى قَلْبِهِ. ولا
يَقُولَنَّ الواحِدُ مِنّا كَيْفَ أَتُوبُ وقَدْ تُبْتُ مِنْ ذُنُوبٍ مِنْ قَبْلُ
ثُمَّ عاوَدْتُها بَعْدَ النَّدَمِ فَخير الخطائين التوابون.
وصلِّ
اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
إعداد: الشيخ احمد أبو عيد
01098095854
نسألكم الدعاء
[1])) صحيح البخاري
[2])) صحيح سنن أبي داوود
[3])) صحيح مسلم
[4])) مدارج السالكين
[5])) صحيح مسلم
[6])) صحيح مسلم
[7])) صحيح الجامع
[8])) صحيح سنن الترمذي
[9])) التفسير الميسر
[10])) صحيح مسلم
[11])) صحيح مسلم
[12])) تفسير ابن كثير
[13])) صحيح البخاري
[14])) صحيح سنن أبي داوود
[15])) السلسلة الصحيحة
[16])) صحيح مسلم
[17])) السلسلة الصحيحة
[18])) رياض الصالحين
[19])) مدارج السالكين
[20])) صحيح مسلم
[21])) صحيح سنن ابن ماجة
[22])) صحيح مسلم
[23])) صحيح البخاري
[24])) صحيح سنن الترمذي
[25])) صحيح البخاري
[26])) صحيح سنن الترمذي
[27])) التفسير الميسر
[28])) صحيح سنن الترمذي