حسن الخلق للشيخ احمد أبو عيد




الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك وما كان معه من إله، الذي لا إله إلا هو فلا خالق غيره ولا رب سواه المستحق لجميع أنواع العبادة ولذا قضي ألا نعبد إلا إياه، ذلك بان الله هو الحق وان ما يدعون من دونه الباطل وان الله هو العلي الكبير، احمده سبحانه وتعالى وأستعين به وأستغفره وأستهديه وأعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا إنه من يهده الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له هو الواحد الذي لا ضد له وهو الصمد الذي لا منازع له وهو الغني الذي لا حاجة له وهو القوي الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم أحمدك يا رب واستعين بك وأستغفرك واستهديك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك جل ثناؤك وعظم وجاهك ولا إله إلا أنت
وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه، نشهد يا رسول الله أنك قد بلغت إلينا من ربك الرسالة، وأديت الأمانة ونصحت الأمة، وجاهدت في الله حق جهاده حتى أتاك اليقين، فاللهم صلاة وسلاما عليك دائمين متلازمين يا سيدي يا رسول الله
يا مصطفي ولأنت ساكن مهجتي

**
روحي فداك وكل ما ملكت يدي

إني وقفت لنصر دينك همتي

**
وسعادتي إلا بغيرك اقتدي 
  
لك معجزات باهرات جمة

**
واجلها القران خير مؤيدي 
 
ما حرفت أو غيرت كلماته

**
شلت يد الجاني وشاه المعتدي

قد لامني فيك الكفور ولو دري

**
نعم الغرام بك لكان مؤيدي

يا رب صلي علي الحبيب محمد
      
**
واجعله شافعنا بفضلك في غدي

العناصر
أولاً: تعريف الأخلاق                                    ثانياً: دعوة الإسلام إلي حسن الخلق
ثالثاً: أخلاق النبي r                                   رابعاً: الأخلاق في شتى مجالات الحياة
خامسا: وسائل لتحصيل حسن الخلق                   سادساً: عاقبة سوء الخلق
الموضوع
أولاً: تعريف الأخلاق
تعريف الأخلاق لغة: الخُلُق في لغة العرب: هو الطَّبْع والسجيَّة، وقيل: المروءة والدِّين، قال العلامة ابن فارس: الخاء واللام والقاف أصلان: أحدهما تقدير الشيء، والآخر ملامسة الشيء، ومن ذلك: الخُلُق وهي السجية؛ لأن صاحبه قد قُدِّر عليه
وقال الفيروز آبادي: الخُلق: بالضمِّ، وبضمتين: السجية والطَّبع، والمروءة والدين
وقال ابن منظور: الخُلُق: الخليقة؛ أعني: الطبيعة، وفي التنزيل:﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾﴿القلم: 4﴾، والجمع: أخلاق، لا يُكسَّر على غير ذلك.
قال القرطبي: وحقيقة الخُلُق في اللغة هو ما يأخذ الإنسانُ به نفسه من الأدب يُسمَّى خُلُقًا؛ لأنه يسير كالخِلْقة فيه، وأما ما طُبِع عليه من الأدب فهو الخِيم ﴿بالكسر﴾: السَّجيَّة والطبيعة، لا واحد له من لفظه، فيكون الخُلُق الطَّبع المتكلَّف، والخِيم الطبع الغريزي
الأخلاق شرعا: حُسْن الخُلُق هو التخلق بأخلاق الشريعة، والتأدب بآداب الله التي أدَّب بها عبادَه في كتابه، قال ابن رسلان: ﴿الخُلُق عبارة عن أوصاف الإنسان التي يُعامِل بها غيره﴾.
وهذه المعاني في حقيقتها لا تُخالِف الوضعَ اللُّغوي لكلمة الخُلُق، وإن صُبِغت بمعنى شرعي حين يعبِّر حُسْن الخُلُق عن الالتزام بالآداب الشرعية الصادرة عن الأحكام القرآنية والتعاليم النبوية خاصة.
الأخلاق في الاصطلاح: فمن العام ما ذكره الغزالي حين عرَّف الخُلُقَ بقوله: ﴿الخُلُق عبارة عن هيئة في النفس راسخة، عنها تَصدُر الأفعال بسهولة ويُسرٍ من غير حاجة إلى فِكْر ورويَّة﴾.
فالأخلاق هيئة ثابتة راسخة مُستقِرة في نفْس الإنسان غير عارضة طارئة، فهي تُمثِّل عادة لصاحبها تتكرَّر كلما حانت فرصتها.
والخُلُق في اصطلاح الحكماء: مَلَكة؛ أي: كيفية راسخة في النفس؛ أي: متمكِّنة في الفِكْر، تَصدُر بها عن النفس أفعالُ صاحبها بدون تأمُّل، أما الإطلاق الأخص لكلمة الخُلُق في الاصطلاح، فيُطلَق على التمسُّك بأحكام الشرع وآدابه فعلاً وتركًا.
ثانياً: دعوة الإسلام إلي حسن الخلق
مجمل رسالة النبي r تدعو إلي حسن الخلق:  عن أبي هريرة؛ أن رسول الله r  قال: ﴿ إنما
بعثت لأتمم صالح الأخلاق ﴾﴿[1] ، وقد وقف العلماء عند هذا الحديث قائلين: لماذا حصر النبي بعثته في مكارم الأخلاق مع أنه بعث بالتوحيد والعبادات وهي أرفع منزلة وأهم من الأخلاق؟!!
والجواب: أن التوحيد والعبادات شرعت من أجل ترسيخ مكارم الأخلاق بين أفراد المجتمع، فالغاية والحكمة الجليلة من تشريع العبادات هي غرس الأخلاق الفاضة وتهذيب النفوس؛ كما هو معلوم في الصلاة والزكاة والصوم والحج وغيرها.
الأخلاق الحسنة هي شِعار المؤمنين، وحِليَة المحسِنين:  عَنْ النَّوَّاسِ بْنِ سِمْعَانَ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: ﴿ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ r  عَنِ الْبِرِّ وَالْإِثْمِ؟ فَقَالَ: الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ، وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي صَدْرِكَ، وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ ﴾ ﴿[2].
عَنْ شَقِيقٍ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ دَخَلْنَا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو حِينَ قَدِمَ مُعَاوِيَةُ إِلَى الْكُوفَةِ فَذَكَرَ رَسُولَ اللَّهِ r  فَقَالَ لَمْ يَكُنْ فَاحِشًا وَلاَ مُتَفَحِّشًا. وَقَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r ﴿إِنَّ مِنْ خِيَارِكُمْ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلاَقًا﴾ ﴿[3]
ومن ثم فما من شيء أثقل في ميزان العبد من حسن أخلاقه ورقى سلوكه، فعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ r  يَقُولُ: ﴿ مَا مِنْ شَيْءٍ يُوضَعُ فِي الْمِيزَانِ أَثْقَلُ مِنْ حُسْنِ الْخُلُقِ وَإِنَّ صَاحِبَ حُسْنِ الْخُلُقِ لَيَبْلُغُ بِهِ دَرَجَةَ صَاحِبِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ ﴾ ﴿[4]
سبب لدخول الجنة في الآخرة: فعَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r﴿ أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا، وَبِبَيْتٍ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا، وَبِبَيْتٍ فِي أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ﴾ ﴿[5] ، وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ   r:﴿ أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِمَنْ يَحْرُمُ عَلَى النَّارِ أَوْ بِمَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ النَّارُ؟! عَلَى كُلِّ قَرِيبٍ هَيِّنٍ سَهْلٍ﴾ ﴿[6]
أقرب الناس مجلسا من رسول الله  r :  وعن جابر ب أن رسول الله r  قال﴿ إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلَاقًا﴾ ﴿[7]
أثقل شيء في ميزان المؤمن يوم القيامة: عَنْ أَبِي الدرداء -رضي الله عنه-قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ r ﴿مَا مِنْ شَيْءٍ فِي اَلْمِيزَانِ أَثْقَلُ مِنْ حُسْنِ اَلْخُلُقِ﴾ ﴿[8]
العبادات التي أمر الله بها تدعوا إلي حسن الخلق
أ-الصلاة: قال تعالى﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ﴾العنكبوت 45
ب-الصيام: قال تعالى﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾البقرة ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله r  ﴿الصِّيَامُ جُنَّةٌ فَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَصْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ: إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ ﴾﴿[9]
ج-الحج: قال تعالى: ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ﴾ الحج
د-الصدقات: قال تعالى ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ
لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ التوبة
الدعوة إلي الله بالأخلاق الحسنة: ، قال تعالى ﴿ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ النحل
قال تعالى ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾ آل عمران 159
دليل علي كمال الإيمان: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله r  ﴿ أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا وخياركم خياركم لنسائهم ﴾﴿[10]
وقال الفيروز آبادي -رحمه الله تعالى ﴿اعلم أن الدين كله خلق، فمن زاد عليك في الخلق؛ زاد عليك في الدين﴾ ، وعن أبي هُرَيْرَةَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -r-قَالَ ﴿لاَ يَزْنِى الزَّانِي حِينَ يَزْنِى وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلاَ يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلاَ يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ﴾ ﴿[11].
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله r ﴿ وَاللهِ لا يُؤمِنُ، وَاللهِ لا يُؤمِنُ، وَاللهِ لا يُؤمِنُ ﴾ قِيلَ: مَن يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: ﴿ الَّذِي لا يَأمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ ﴾ ﴿[12]ن وعنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r  قَالَ ﴿ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ﴾ ﴿[13]
الكلمة الطيبة: قال تعالى ﴿وقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً﴾ البقرة 83 ، وقال تعالى ﴿وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوّاً مُّبِيناً﴾ الإسراء
وعن عدي بن حاتمٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ   r: ﴿ اتَّقُوا النَّارَ، ثُمَّ أَعْرَضَ وَأَشَاحَ؛ ثُمَّ قَالَ:
اتَّقُوا النَّارَ، ثُمَّ أَعْرَضَ وَأَشَاحَ، ثَلاَثًا حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا ثُمَّ قَالَ: اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ ﴾﴿[14]
أساس اختيار الزوجة: عن أبي هريرة قال قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : ﴿ إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ ﴾﴿[15]
في البيع والشراء:  قال تبارك وتعالى: ﴿وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ﴾ ﴿المطففين: 3﴾.
ويحث على السماحة واللين في البيع والشراء فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أن رسول الله r  قال ﴿رحم الله رجلا سمحا إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى﴾ ﴿[16]
 [﴿سمحا﴾ جوادا متساهلا يوافق على ما طلب منه. ﴿اقتضى﴾ طلب الذي له على غيره]
ويحذر من أكل أموال الناس بالباطل، ومن الغش قال تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً﴾ النساء
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ r  مَرَّ عَلَى صُبْرَةِ طَعَامٍ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا، فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلًا، فَقَالَ: ﴿ مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ؟ ﴾، قَالَ: أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: ﴿ أَفَلَا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ كَيْ يَرَاهُ النَّاسُ، مَنْ غَشَّ، فَلَيْسَ مِنِّي ﴾ ﴿[17].
حث الإسلام على طيب النفس وحسن سلوكها وعدم إيذاء الناس بقول أو فعل:
قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ ﴿الحجرات: ﴾، وعن علقمة عن عبد الله قال قال رسول الله r  ﴿ لَيسَ المُؤمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلا اللَّعَّانِ وَلا الفَاحِشِ وَلا البَذِيءِ ﴾ ﴿[18]
رد الإساءة بالحسنى: قال تعالى -:﴿ وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾ ، وقال تعالى﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ﴾ الأعراف،
وهذه الآية لما نزلت قال رسول الله  r: ﴿ما هذا يا جبريل؟﴾ قال: إن الله أمرك أن تعفو عمن ظلمك، وتعطي من حرمك، وتصل من قطعك.﴾ ﴿[19]، ولذلك ضرب بالأحنف بن قيس المثل في الحلم والصفح، فقيل له: كيف وصلت إلى هذه المنزلة؟ فقال: ما آذاني أحد إلا أخذت في أمره بإحدى ثلاث: إن كان فوقي عرفت له فضله، وإن كان مثلي تفضّلت عليه، وإن كان دوني أكرمت نفسي عنه.
الأخلاق هي المؤشِّر على استمرار أمَّة ما أو انهيارها:  فالأمة التي تنهار أخلاقُها يوشك أن ينهارَ كيانُها، قال تعالى -:﴿ وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا ﴾ الإسراء: 16
يقول الشاعر: إنّما الأمم الأخلاق ما بقيت** فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
ثالثاً: أخلاق النبي r
لقد شاء الله تبارك وتعالى بحكمته وفضله أن يختار نبيه محمداً r من بين البشر كلهم أجمعين، ويصطفيه، ويخصه من الخصائص، بما لم يخص به أحداً من العالمين حتى كان r قدوةً للناس -كلهم أجمعين -في كل شيء قال تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً ﴾الأحزاب 21.
فإنك إن نظرت إلى رسول الله r  نبياً ورسولاً؛ وجدته المقدم على أنبياء الله تعالى، ورسله فهو سيدهم وأفضلهم وخاتمهم، وإن نظرت إليه معلماً وجدته أفضل المعلمين، وإذا نظرت إليه خطيباً، وجدته المتحدث، الذي يصل قوله إلى كل قلب.
وإن نظرت إليه زوجاً وجدته خير الأزواج لأهله وإن نظرت إليه أباً، وجدته خير الآباء، وأحسنهم تعليماً، وإن نظرت إليه مقاتلاً، وجدته المقاتل الشجاع، وإن نظرت إليه كصاحب خلق وجدته متربع على عرش الأخلاق بأسرها، قال ربنا ﴿وإنك لعلى خلق عظيم﴾، وتأمل معي كيف خاطبه الله عز وجل، لم يقل له وإنك لذو خلق عظيم، ولم يقل له وإنك لصاحب خلق عظيم، لم يقل له وإن أخلاقك عظيمة، لم يقل ربنا له ذلك وإنما قال له ﴿وإنك لعلى خلق عظيم﴾ خاطبه بحرف ﴿على﴾ الذي يفيد الاستعلاء فكأنه r  متربع على عرش الأخلاق بأسرها
فالأخلاق إذا ذكرت كان رسول الله عنوانها، والأخلاق إذا ذكرت كان رسول الله أستاذها، والأخلاق إذا ذكرت كان رسول الله سيدها، يا سيد السادات يا من قدره لا تستطيع له الورى إدراك، ماذا يقول الناس فيك وربهم بأتم تربية له رباك، حلاك بالخلق العظيم وفضله الفضل العظيم عليك ما أعلاك، آواك من يتم وأعطاك الغنى ولدينه الدين القويم هداك، شكرا لك اللهم أنت كفلته نعم الكفيل تقدست أسماك.
 بماذا أصفك وكـــــــــل

**
الوصف في حقك قليــــــــــــــل

بالصدق أم بالأمانــــــــــة

**
أم بكونك جـميــــــــــــــــــــل

بالكرم أم بالخلق الرفـــيــع

**
أم بالنسب الأصـيـــــــــــــــل

أم أصفك بالحبيـــــــــب أم

**
بالمصطفى أم بالخلــيــــــــل

أم أصف شوق المحبين لرؤيـاك

**
وكيف الدموع لذكراك تسيــل

تعددت صفاتك يا سيدي فـلا

**
وســـيلة لعدها ولا ســـبيــل

قد عــدت لدرب الله تائبا فعسى

**
أن يكون حبي لك هو الدليل

رباه قد ملأ قلبي بحبك وحـب

**
نبيك فـــهل تقبل قلبي الذليـل

مدحه الله في خلقه:  قال تعالى ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ القلم 4 
خلقه القرآن: لما سئلت السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها عن أخلاق النبي r  من سعيد بن هشام بن عامر حين قدم المدينة، قَالَت له: أَلَستَ تَقرَأُ القُرآنَ؟ قُال: بَلَى، قَالَت: فَإِنَّ خُلُقَ نَبِيِّ اللَّهِ r  كَانَ القُرآنَ ﴿[20]
وصف الصحابة لخلقه: عن أنس قال: خدمت رسول الله r  عشر سنين فما قال لي: ﴿ أف ﴾ قط، ولا قال لشيء فعلته: لم فعلته؟ ولا لشيء لم أفعله: ألا فعلته؟ وكان r  أحسن الناس خلقا، ولا مسست خزا، ولا حريرا، ولا شيئا كان ألين من كف رسول الله r ولا شممت مسكا ولا عطرا كان أطيب من عرق رسول الله r﴿[21]
أكثر الناس حياءً: كان أكثر الناس حياء فعن أَبَي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رضي الله عنه-قال: ﴿كَانَ رَسُولُ اللَّهِ r  أَشَدَّ حَيَاءً مِنْ الْعَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا، وَكَانَ إذَا كَرِهَ شَيْئًا عَرَفْنَاهُ فِي وَجْهِهِ﴾﴿[22]
آثر أمته بدعوته المستجابة: فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : ﴿ لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ، فَتَعَجَّلَ كُلُّ نَبِيٍّ دَعْوَتَهُ، وَإِنِّي اخْتَبَأْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَهِيَ نَائِلَةٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا ﴾ ﴿[23]
رابعاً: الأخلاق في شتى مجالات الحياة
الأخلاق الفاضلة ليست خاصة بنوع من الناس: فالله خلق الناس أشكالاً وألواناً وبلغات شتى،
 وجعلهم في ميزان الله سواسية لا فضل لواحد منهم على الآخر إلا بقدر إيمانه وتقواه وصلاحه، كما قال جل وعلا: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ ﴿الحجرات: 13﴾، والأخلاق الحسنة تميز علاقة المسلم بجميع الناس لا فرق بين غني وفقير، أو رفيع أو وضيع، ولا أسود ولا أبيض، ولا عربي ولا عجمي
مع الجاهلين: عن أَبى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَامَ أَعْرَابِيٌّ فَبَالَ فِي الْمَسْجِدِ فَتَنَاوَلَهُ النَّاسُ، فَقَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ r : ﴿دَعُوهُ وريقوا عَلَى بَوْلِهِ سَجْلًا مِنْ مَاءٍ أَوْ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ، فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ ﴾﴿[24]
مع المذنبين: عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: إِنَّ فَتًى شَابًّا أَتَى النَّبِيَّ r  فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ائْذَنْ لِي بِالزِّنَا، فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ، فَزَجَرُوهُ، قَالُوا: مَهْ مَهْ، فَقَالَ: ﴿ ادْنُهْ ﴾، فَدَنَا مِنْهُ قَرِيبًا، قَالَ: فَجَلَسَ، قَالَ: ﴿ أَتُحِبُّهُ لِأُمِّكَ؟ ﴾، قَالَ: لَا وَاللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: ﴿ وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأُمَّهَاتِهِمْ ﴾، قَالَ: ﴿ أَفَتُحِبُّهُ لِابْنَتِكَ؟ ﴾، قَالَ: لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: ﴿ وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ، قَالَ: أَفَتُحِبُّهُ لِأُخْتِكَ؟ ﴾، قَالَ: لَا وَاللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: ﴿ وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأَخَوَاتِهِمْ، قَال: أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ؟ ﴾، قَالَ: لَا وَاللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَال:﴿ وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ، قَالَ: أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ؟ ﴾ ، قَالَ: لَا وَاللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: ﴿ وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِخَالَاتِهِمْ، قَالَ: فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ، وَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ، وَطَهِّرْ قَلْبَهُ، وَحَصِّنْ فَرْجَهُ ، فَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ ﴾﴿[25]
المحافظة على البيئة: فيأمرنا الإسلام بعمارة الأرض بمعنى العمل فيها والتطوير والإنتاج وتشييد الحضارة مع المحافظة على هذه النعمة والنهي عن إفسادها والإسراف في استغلال مواردها، سواء أكان ذلك الإفساد يعود على الإنسان أو الحيوان أو النبات، فإنه عمل يرده الإسلام ويبغضه فالله سبحانه لا يحب الفساد في جميع جوانب الحياة، كما قال تعالى: ﴿وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ﴾ ﴿البقرة: 205﴾ ، ويصل هذا الاهتمام إلى حد أن يوصي النبي r المسلمين بفعل الخير وزراعة الأرض حتى في أصعب الظروف وأحرج اللحظات عن أنس بن مالك، عن النبي r قال: ﴿ إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة؛ فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها، فليغرسها﴾﴿[26]
الأسرة: يؤكد الإسلام على أهمية الأخلاق في مجال الأسرة بين جميع أفراد العائلة فيقول r: ﴿خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي﴾ ﴿[27].
وكان r وهو أفضل البشر يقوم بأعمال المنزل ويساعد أهله في كل صغيرة وكبيرة، كما تروي
زوجته عائشة رضي الله عنها فتقول: ﴿كان يكون في مهنة أهله﴾ ﴿[28] أي يساعدهم ويقوم بما يقومون به من أعمال البيت،  وكان يمازح أهله ويلاعبهم، فتروي زوجته عائشة رضي الله عنها فتقول: ﴿خرجت مع النبي r في بعض أسفاره وأنا جارية لم أحمل اللحم ولم أبدن، فقال للناس: تقدموا، فتقدموا، ثم قال لي: تعالي حتى أسابقك، فسابقته فسبقته، فسكت عني حتى إذا حملت اللحم وبدنت ونسيت خرجت معه في بعض أسفاره، فقال للناس: تقدموا، فتقدموا، ثم قال: تعالي حتى أسابقك، فسابقته، فسبقني، فجعل يضحك وهو يقول: هذه بتلك﴾ ﴿[29].
التجارة: فربما طغى حب المال على الإنسان فتجاوز الحد ووقع في المحرم، فيأتي الإسلام للتأكيد على أهمية ضبط ذلك بالأخلاق الفاضلة، ومن هذه التأكيدات: ينهى الإسلام عن التجاوز والظلم في الموازين ويتوعد من فعل ذلك بأشد العقوبات، كما قال تبارك وتعالى: ﴿وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ •الَّذِينَ إِذَا
 اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ • وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ﴾ ﴿المطففين﴾.
ويحث على السماحة واللين في البيع والشراء، كما قال r: ﴿رحم الله رجلاً سمحاً إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى﴾ ﴿[30].
الصناعة: يؤكد الإسلام على الصُنَّاع عدداً من الأخلاق والمعايير منها: إتقان العمل وإخراجه في أحسن صورة، كما قال r: ﴿إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه﴾ ﴿[31]
والالتزام بالمواعيد المبرمة مع الناس، قال r: ﴿آية المنافق ثلاث﴾ وذكر منها: ﴿وإذا وعد أخلف﴾﴿[32]
غير المسلمين: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَال﴿ كُنْتُ أَمْشِى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -r- وَعَلَيْهِ رِدَاءٌ نجران غَلِيظُ الْحَاشِيَةِ فَأَدْرَكَهُ أَعْرَابِىٌّ فَجَبَذَهُ بِرِدَائِهِ جَبْذَةً شَدِيدَةً نَظَرْتُ إِلَى صَفْحَةِ عُنُقِ رَسُولِ اللَّهِ -r- وَقَدْ أَثَّرَتْ بِهَا حَاشِيَةُ الرِّدَاءِ مِنْ شِدَّةِ جَبْذَتِهِ ثُمَّ قَالَ يَا مُحَمَّدُ مُرْ لِى مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِى عِنْدَكَ.فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ -r- فَضَحِكَ ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِعَطَاءٍ﴾﴿[33] ، وقال تعالى ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ الممتحنة 8
وإنما حرم الله علينا موالاة الكفار ومحبة ما هم عليه من الكفر والشرك، كما قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ ﴿الممتحنة: 9﴾.
الحرب:  الأمر بالعدل والإنصاف مع الأعداء والنهي عن ظلمهم والاعتداء عليهم
 كما قال تعالى: ﴿وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾ ﴿المائدة: 8﴾  أي لا حملكم بغضكم لأعدائكم أن تتجاوزوا وتظلموا بل التزموا بالعدل في أقوالكم وأفعالكم.
النهي عن الغدر والخيانة مع الأعداء: فالغدر والخيانة محرمة حتى مع الأعداء، كما قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ﴾ ﴿الأنفال: 58﴾.
النهي عن التعذيب والتمثيل بالجثث: فيحرم التمثيل بالموتى، كما قال r : ﴿ اغْزُوا بِاسْمِ اللَّهِ فِى سَبِيلِ اللَّهِ قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ اغْزُوا ولاَ تَغُلُّوا وَلاَ تَغْدِرُوا وَلاَ تَمْثُلُوا وَلاَ تَقْتُلُوا وَلِيدًا ﴾ ﴿[34]
النهي عن قتل المدنيين الذي لا يشاركون في الحروب وعن إفساد الأرض والبيئة:
وهذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه خليفة المسلمين وأفضل الصحابة يوصي أسامة بن زيد حين
بعثه قائداً لجيش إلى الشام: ﴿....لا تقتلوا طفلاً صغيراً، ولا شيخاً كبيراً، ولا امرأة، ولا تعقروا نخلاً
 وتحرقوه، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تذبحوا شاة، ولا بقرة، ولا بعيراً إلا لمأكلة، وسوف تمرون بأقوام قد فرغوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له﴾ ﴿[35].
مع الحيوانات: فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r  قَالَ:﴿ بَيْنَا رَجُلٌ يَمْشِي فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ فَنَزَلَ بِئْرًا فَشَرِبَ مِنْهَا ثُمَّ خَرَجَ؛ فَإِذَا هُوَ بِكَلْبٍ يَلْهَثُ يَأْكُلُ الثَّرَى مِنْ الْعَطَشِ. فَقَالَ: لَقَدْ بَلَغَ هَذَا مِثْلُ الَّذِي بَلَغَ بِي، فَمَلَأَ خُفَّهُ ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ ثُمَّ رَقِيَ فَسَقَى الْكَلْبَ فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنَّ لَنَا فِي الْبَهَائِمِ أَجْرًا؟! قَالَ: فِي كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ﴾﴿[36]
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r  قَالَ:﴿ عُذِّبَتْ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ سَجَنَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ، لَا هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَلَا سَقَتْهَا إِذْ حَبَسَتْهَا وَلَا هِيَ تَرَكَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ﴾ ﴿[37]
في جميع المجالات:  فلا يوجد في الإسلام استثناءات في باب الأخلاق، والمسلم محكوم بتطبيق شرع الله وامتثال الأخلاق الحسنة حتى في الحروب وأشد الظروف، فنبل الهدف والغاية لا يبرر الوسيلة السيئة ولا يغطي خطأها وضلالها.
ولهذا وضع الإسلام القواعد التي تحكم المسلم وتضبط تصرفاته حتى عند العداوة والحرب، حتى لا يكون الأمر خضوعاً لغرائز الغضب والتعصب وإشباعاً لنوازع الحقد والقسوة والأنانية.
خامساً: وسائل لتحصيل حسن الخلق
الدعاء بحسن الخلق: كما كان رسول الله r  يدعو بذلك. :﴿ وأهدني لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ لَا يَهْدِي
لِأَحْسَنِهَا إِلَّا أَنْتَ؛ وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا لَا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إِلَّا أَنْتَ ﴾ ﴿[38]
1- التفكر في ثواب حسن الخلق وما أعده الله من النعيم
2-قبول النصيحة من الغير مهما كان 
 3- الاستماع والانتفاع بكلام الأعداء والخصوم.
4-مصاحبة أهل الفضل والمروءة.       
5-النظر في سيرة الرسول r  والتأمل في مواقفه الرائعة.
6-مجانبة السفهاء والبطالين.     7-تمرين النفس على فعل الأخلاق الحسنة بالتطبيق العملي.
8-التأمل والتعرف على ما تحمله النفس من أخلاق سيئة وعادات قبيحة.
9-مجاهدة النفس واستفراغ الوسع على ترك الأخلاق السيئة.
سادساً: عاقبة سوء الخلق
فساد العمل: قال r ﴿وَإِنَّ سُوءَ الْخُلُقِ يُفْسِدُ الْعَمَلَ، كَمَا يُفْسِدُ الْخَلُّ الْعَسَلَ﴾﴿[39]
ضياع الحسنات والدرجات: فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ r  قَالَ: أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ؟ قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ، فَقَالَ: ﴿ إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ، وَصِيَامٍ، وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ، فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ ﴾﴿[40]
دخول النار:  عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَجُلٌ: ﴿يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ فُلَانَةَ يُذْكَرُ مِنْ كَثْرَةِ صَلَاتِهَا وَصِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا غَيْرَ أَنَّهَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا. قَالَ: هِيَ فِي النَّارِ. قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنَّ فُلَانَةَ يُذْكَرُ مِنْ قِلَّةِ صِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا وَصَلَاتِهَا وَإِنَّهَا تَصَدَّقُ بِالْأَثْوَارِ مِنْ الْأَقِطِ وَلَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا. قَالَ: هِيَ فِي الْجَنَّةِ ﴿[41]
دخول الشيطان: عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ:﴾ يْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ r  جَالِسٌ وَمَعَهُ أَصْحَابُهُ وَقَعَ رَجُلٌ بِأَبِي بَكْرٍ فَآذَاهُ فَصَمَتَ عَنْهُ أَبُو بَكْرٍ؛ ثُمَّ آذَاهُ الثَّانِيَةَ فَصَمَتَ عَنْهُ أَبُو بَكْرٍ؛ ثُمَّ آذَاهُ الثَّالِثَةَ فَانْتَصَرَ مِنْهُ أَبُو بَكْرٍ. فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ حِينَ انْتَصَرَ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَوَجَدْتَ عَلَيَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ r : نَزَلَ مَلَكٌ مِنْ السَّمَاءِ يُكَذِّبُهُ بِمَا قَالَ لَكَ فَلَمَّا انْتَصَرْتَ وَقَعَ الشَّيْطَانُ فَلَمْ أَكُنْ لِأَجْلِسَ إِذْ وَقَعَ الشَّيْطَانُ: ﴿[42]
البعد عن النبي r يوم القيامة: عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r  قَالَ:﴿ إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي
 مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلَاقًا، وَإِنَّ أَبْغَضَكُمْ إِلَيَّ وَأَبْعَدَكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الثَّرْثَارُونَ وَالْمُتَشَدِّقُونَ وَالْمُتَفَيْهِقُونَ، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ: قَدْ عَلِمْنَا الثَّرْثَارُونَ وَالْمُتَشَدِّقُونَ فَمَا الْمُتَفَيْهِقُونَ؟ قَالَ: الْمُتَكَبِّرُونَ﴾  ﴿[43]
اللهم حسن اخلاقنا ويسر أمورنا واشرح صدورنا وتولَّ أمرنا وجنبنا الشقاق والنفاق وسوء الأخلاق.
وصلِّ اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
إعداد: الشيخ احمد أبو عيد
01098095854
%%%%%%%%





([1]) السلسلة الصحيحة
([2]) صحيح مسلم
([3]) صحيح مسلم
([4]) صحيح الترغيب والترهيب
([5]) السلسلة الصحيحة
([6]) السلسلة الصحيحة
([7]) صحيح سنن الترمذي
([8]) السلسلة الصحيحة
([9]) متفق عليه
([10]) صحيح الترغيب والترهيب
([11]) متفق عليه
([12]) متفق عليه
([13]) متفق عليه
([14]) صحيح البخاري
([15]) مشكاة المصابيح
([16]) صحيح البخاري
([17]) صحيح مسلم
([18]) السلسلة الصحيحة
([19])تفسير ابن كثير
([20]) صحيح مسلم
([21]) صحيح البخاري 
([22]) متفق عليه
([23]) متفق عليه
([24]) صحيح البخاري
([25]) السلسلة الصحيحة
([26]) السلسلة الصحيحة
([27]) صحيح سنن الترمذي
([28]) صحيح البخاري
([29]) السلسلة الصحيحة
([30]) صحيح البخاري
([31]) السلسلة الصحيحة
([32]) صحيح البخاري
([33]) صحيح مسلم
([34]) صحيح مسلم
([35]) ابن عساكر 2/50
([36]) صحيح البخاري
([37]) متفق عليه
([38]) صحيح مسلم
([39]) السلسلة الصحيحة
([40]) صحيح مسلم
([41]) صحيح الترغيب والترهيب
([42]) السلسلة الصحيحة
([43]) السلسلة الصحيحة 
التعليقات
0 التعليقات