قيمة الاحترام والتقدير

 



 


 

pdf


word

 

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إلاه إلا ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمدا عبد الله ورسوله إمام النبيين.

العناصـــــر

أولًا: الاحترام قيمة سامية                                       ثانيًا: مظاهر الاحترام في حياتنا

الموضـــــــوع

أولًا: الاحترام قيمة سامية

أمر الله بمخاطبة الآخرين بالحسنى: قال تعالى: (وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً) [البقرة: 83]، وفيما بين المؤمنين أنفسهم كقوله: (وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [الإسراء: 53]

حتى ولو كان في الخصومة: قال تعالى: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) [فصلت: 34]،

الدعوة إلى الله بما هو أحسن دليل على الاحترام: قال تعالى: (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [النحل: 125]، وقال عز وجل: (وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [العنكبوت: 46]

من صفات رسول الله صلى الله عليه وسلم: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: " خَدَمْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ سِنِينَ، وَاللهِ مَا قَالَ لِي: أُفًّا قَطُّ، وَلَا قَالَ لِي لِشَيْءٍ: لِمَ فَعَلْتَ كَذَا؟ وَهَلَّا فَعَلْتَ كَذَا؟ صحيح مسلم

من صفات المؤمن أنه يحترم أقوال الآخرين وأفعالهم ولا يستهزأ بهم: فالمؤمن ليس صاحب خُلق سيء يظهر في أفعاله ومعاملته من الغير؛ كأن يَشتم أحدهم أو يستغيب آخر، وهذا ما نهى عنه -صلى الله عليه وسلم- إذ قال: (ليسَ المؤمنُ بالطَّعَّانِ ولا اللَّعَّانِ ولا الفاحشِ ولا البذيء). من صور احترام الآخرين عدم إيذاء شعورهم أو الإستهزاء بهم، ومن ذلك أيضاً عدم الغيبة، والبهتان، فالغيبة: أن تقول ما فيه دون علمه، والبُهتان: أن تقول ما ليس فيه، ومن احترام الآخرين لبعضهم البعض عدم التكبُّر وعدم احتقار أقوال الآخرين وأفعالهم.

عامل الناس بما تحب أن يعاملوك به: ذات يوم كان رجل عجوز يمشي في الغابة عندما رأى فجأة قطة صغيرة عالقة في حفرة وكان الحيوان المسكين يكافح من أجل الخروج لذلك أعطاه يده ليخرجه لكن القط خدش يده بالخوف وسحب الرجل يده وهو يصرخ من الألم لكنه لم يتوقف وحاول أن يمد يده إلى القطة مراراً وتكراراً.

كان رجل آخر يشاهد المشهد وصرخ بدهشة “توقف عن مساعدة هذه القطة! سيخرج نفسه من هناك ” والرجل الآخر لم يهتم به لقد استمر في إنقاذ هذا الحيوان حتى نجح أخيراً ثم مشى إلى ذلك الرجل وقال “يا بني إن غرائز القط هي التي تجعله يخدش ويؤذي وهذه وظيفتي الحب والرعاية ” لذلك عامل كل من حولك بأخلاقك واحترامك وليس بأخلاقهم عامل الناس بالطريقة التي تريد أن يعاملوك بها

حث الإسلام على احترام آراء الناس وأديانهم: ومن أبعاد ذلك أنه نهى عن إكراه الآخرين للدخول في دين الله، يقول الله -عزَّ وجلَّ-: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).[٥] وهذا نهجٌ واضحٌ في الإسلام حول القواعد العامة التي وضعتها الشريعة الإسلامية فيما يتعلق باحترام الآراء والمعتقدات الأخرى، كما أن فيها دحض للشبهة التي نُسبت للإسلام حول إكراه جزيرة العرب على الدخول في الإسلام.

ثانيًا: مظاهر الاحترام في حياتنا

احترام رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد أثارَ حبَّ وتوقيرَ واحترامَ الصحابةِ للنبي صلى اللهُ عليه وسلم دهشةَ عروة بن مسعودٍ الثقفيِّ وجعلَهُ يتعجبُ من الحبِ والإجلالِ والتعظيمِ والاحترامِ من الصحابةِ للنبي صلى الله عليه وسلم، وذلك حينما بعثَتْهُ قريشٌ ليتفاوضْ مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم في صلحِ الحديبية، ” فجَعَلَ عُرْوَةُ يَرْمُقُ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَيْنَيْهِ قَالَ: فَوَ اللَّهِ مَا تَنَخَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُخَامَةً إِلَّا وَقَعَتْ فِي كَفِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ فَدَلَكَ بِهَا وَجْهَهُ وَجِلْدَهُ ، وَإِذَا أَمَرَهُمْ ابْتَدَرُوا أَمْرَهُ، وَإِذَا تَوَضَّأَ كَادُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَى وَضُوئِهِ، وَإِذَا تَكَلَّمَ خَفَضُوا أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَهُ، وَمَا يُحِدُّونَ إِلَيْهِ النَّظَرَ تَعْظِيمًا لَهُ ، فَرَجَعَ عُرْوَةُ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: أَيْ قَوْمِ وَاللَّهِ لَقَدْ وَفَدْتُ عَلَى الْمُلُوكِ وَوَفَدْتُ عَلَى قَيْصَرَ وَكِسْرَى وَالنَّجَاشِيِّ؛ وَاللَّهِ إِنْ رَأَيْتُ مَلِكًا قَطُّ يُعَظِّمُهُ أَصْحَابُهُ مَا يُعَظِّمُ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحَمَّدًا”(البخاري). وهذا الاحترامُ كان سببًا في إسلامِهِ وماتَ شهيدًا !

احترام الوالدين، فقد أكّد الإسلام على ضرورة احترام الوالدين والإحسان إليهما والاعتناء بهما ومن ذلك قوله تعالى: (وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا).[الإسراء: 23-24].

كم يجلس الشاب اليوم مع الأصحاب والأحباب من ساعات وساعات .. واذا جلس مع والده أو والدته مل وضاق ! فالله الله في ضعفهم... الله الله في ما هم فيه من ضيق نفوسهم.

يا معاشر الشباب.. ما كان للكبار من الحسنات فانشروها واقبلوها واذكروها .. وما كان من السيئات والهنات فاغفروها واستروها فإن الله يُعظم لكم الأجر والثواب ..

احترام الكبير: عن أَبي موسى - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ مِنْ إجْلالِ اللهِ تَعَالَى: إكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ المُسْلِمِ....» رواه أبو داوود (حسن).

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا، وَيَعْرِفْ حَقَّ كَبِيرِنَا، فَلَيْسَ مِنَّا» الأدب المفرد (صحيح)

قوله: (ليس منا) فيه زجر للإنسان الذي لا يحترم الكبير ولا يرحم الصغير، والمسلم عليه أن يهذب الصغير ويؤدبه، وذلك بأن تأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر؛ لكي ينشأ الصغير رجلاً من صغره، ينشأ وهو يعرف الحلال والحرام، ويعرف الخطأ والصواب، ويسمع ويطيع طالما أنه يؤمر بالحق.

قوله: (ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويعرف شرف كبيرنا) أي: أن على المرء أن يعطف على الصغير ويعلمه ويؤدبه ويعطيه ويطعمه ويسقيه رحمة به، وأنه ينبغي عليه أن يعرف شرف الكبير، الكبير في العلم، والكبير في السن، والكبير في القدر والمقام، فيعرف شرفه فيقدره فهذه الأمة مترابطة يحترم الصغير فيها الكبير، ويعطف الكبير فيها على الصغير؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً).

وعلى هذه القيمة الطيبة الراقية كان الصحابة (رضي الله عنهم) فعَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: صَحِبْتُ ابْنَ عُمَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلَمْ أَسْمَعْهُ يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ،إِلَّا حَدِيثًا كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، فَأُتِيَ بِجُمَّارَةٍ، فَقَالَ: " إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةً مَثَلُهَا كَمَثَلِ الرَّجُلِ الْمُسْلِمِ " فَأَرَدْتُ أَنْ أَقُولَ: هِيَ النَّخْلَةُ، فَنَظَرْتُ فَإِذَا أَنَا أَصْغَرُ الْقَوْمِ، فَسَكَتُّ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): " هِيَ النَّخْلَةُ " (رواه أحمد)

ذات مرة كانت هناك بلدة صغيرة وكان يعيش بمفرده رجل لا يستطيع الرؤية حيث كان أعمى ومع ذلك كان يحمل معه مصباحاً ضوئياً كلما خرج ليلاً وذات ليلة عندما كان عائداً إلى المنزل بعد تناول العشاء في الخارج وصادف مجموعة من المسافرين الشباب حيث رأوا أنه كان أعمى ومع ذلك كان يحمل مصباحاً مضيئاً وبدأوا في تمرير التعليقات عليه وسخروا منه وسأله أحدهم: “يا رجل! أنت أعمى ولا تستطيع رؤية أي شيء! فلماذا تحمل المصباح إذن ؟! “

أجاب الأعمى : “نعم، للأسف أنا أعمى ولا أستطيع أن أرى أي شيء سوى المصباح المضيء الذي أحمله لأناس مثلك يمكنهم الرؤية وقد لا ترى الأعمى قادماً وينتهي به الأمر يدفعني لهذا أحمل مصباحاً مضيئاً ” وشعرت مجموعة المسافرين بالخجل والاعتذار عن سلوكهم لذا يجب أن نفكر قبل أن نحكم على الآخرين فـ الاحترام اساس حسن المعاملة كن دائماً مهذباً وتعلم رؤية الأشياء من وجهة نظر الآخرين

احترام الصغير: عن عائشةَ رضي الله عنها قالت: ما رأَيْتُ أحَدًا أشبَهَ سَمْتًا ودَلًّا وهَدْيًا برسولِ اللهِ في قيامِها وقعودِها مِن فاطِمةَ بنتِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قالَتْ: وكانَتْ إذا دخلَتْ على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قام إليها فقبَّلَها وأجلَسَها في مجلِسِه، وكان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا دخَلَ عليها قامَتْ مِن مجلِسِها فقبَّلَتْه وأجلَسَتْه في مجلِسِها . ( الترمذي) . هذا هو الهديُ النبويُ في احترامِ الأطفالِ. ومن المؤكدِ أنَّ احترامَ وتقديرَ الصغارِ يدلُّ على الحرصِ على مشاعرِهم ، بالإضافةِ لزيادةِ شعورِهم بالثقةِ بأنفسِهم، وبناءِ معاني الرجولةِ فيهم.

قَدْ يَتَصَوَّرُ بَعْضُنَا أَنَّ الِاحْتِرَامَ لَا يَكُونُ إِلَّا مِنَ الْأَصْغَرِ لِلْأَكْبَرِ، وَهَذَا مَفْهُومٌ قَاصِرٌ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ الِاحْتِرَامَ قَضِيَّةٌ تَبَادُلِيَّةٌ، وَسُلُوكٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْكِبَارِ وَالصِّغَارِ، فَالطِّفْلُ مُحْتَاجٌ لِلِاحْتِرَامِ؛ لِأَنَّ "إِشْبَاعَ هَذِهِ الْحَاجَةِ يَعْنِي: قَبُولَهُ اجْتِمَاعِيًّا، وَزَرْعَ الثِّقَةَ بِهِ وَاكْتِسَابَ ثِقَتِهِ، وَقَد حَفَلَتِ السُّنَّةُ بِمَظَاهِرِ احْتِرَامِ الطِّفْلِ؛ كَسَلَامِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى الصِّبْيَانِ، وَمُنَادَاتِهِمْ بِكُنًى جَمِيلَةٍ، وَاحْتِرَامِ حُقُوقِهِمْ فِي الْمَجَالِسِ؛ فَقَدِ اسْتَأْذَنَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللُه عَلَيْهِ وَسَلَّم – ابْنَ عَبَّاسٍ وَهُوَ غلَامٌ أَنْ يُعْطِيَ الْأَشْيَاخَ قَبْلَهُ، وَكَانَ هُوَ الْجَالِسَ عَنْ يَمِينِ الرَّسُولِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

احترامُ الذاتِ : بأن يرعي الإنسانُ مروءَتَه ، ويصونَ نفسَهُ عن فعلِ ما يُعابُ به أو يُذَّم، فيجتنبَ مواطنَ الريبةِ والتهمةِ حيثُ يقولٌ نبيُنَا  (فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ فَقَدِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ، وعِرْضِهِ، ومَنْ وقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وقَعَ فِي الْحَرَامِ)،ويقولُ ﷺ:  }لاَ يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يُذِلَّ نَفْسَهُ، أو يَتَعَرَّضَ لِمَا لاَ يُطِيقُ).

احترام المرأة، فقد جاء الإسلام لدحض كلّ الأفكار التي كانت شائعة عن المرأة آنذاك من أنّها مخلوقٌ غير بشريّ، وأنّها مخلوقٌ خُلق لخدمة الرجل، وبأنّها مخلوقٌ لا قيمة له يُباع ويُشترى كأيّ سلعةٍ أخرى، ومن المعروف بأنّ العرب قديما كانو يئدون البنات وهنّ على قيد الحياة، أمّا الإسلام فقد جاء وكرّم المرأة وأعطاها حقوقها في الميراث، والاحترام وأكدّ في العديد من النصوص والتعاليم على ضرورة معاملتها أحسن معاملة، واتباع أسلوبِ الرفق والحب معها لأنّها كائنٌ رقيقٌ وضعيف.

وَكَمَا أَنَّ لِلزَّوْجِ حَقًّا مِنَ الِاحْتِرَامِ وَالتَّقْدِيرِ؛ فَإِنَّ لِلزَّوْجَةِ نَصِيبًا مِنْ ذَلِكَ -أَيْضًا-؛ فَمِنِ احْتِرَامِكَ لِزَوْجَتِكَ -أَيُّهَا الزَّوْجُ الْكَرِيمُ-: أَنْ تَسْعَى إِلَى إِسْعَادِهَا بِالوَسيلَةِ الْمَشْرُوعِةِ، وَتُعْطِيَهَا حُقُوقَهَا الَّتِي كَفَلَتْهَا لَهَا الشَّرِيعَةُ، وَأَنْ تَذْكُرَ أَقَارِبَهَا وَأُسْرَتَهَا بِالْخَيْرِ وَالتَّقْدِيرِ، وَتُثْنِيَ عَلَيْهَا أَمَامَ أَوْلَادِهَا وَأُسْرَتِهَا، وَاسْمَعُوا مَا قَالَ الْقَاضِي شُرَيْحٌ فِي زَوْجَتِهِ زَيْنَبَ، مُعَبِّرًا عَنِ احْتِرَامِهِ لَهَا:

رَأَيْتُ رِجَالاً يَضْرِبُونَ نِسَاءَهُمْ *** فَشُلَّتْ يَمِينِي يَوْمَ أَضْرِبُ زَيْنَبَا

أَأَضْرِبُهَا فِي غَيْرِ جُرْمٍ أَتَتْ بِهِ *** إِلَيَّ فَمَا عُذْرِي إِذَا كُنْتُ مُذْنِبَا

فَتَاةٌ تَزِينُ الْحَلْيَ إِنْ هِيَ حُلِّيَتْ *** كَأَنَّ بِفِيهَا الْمِسْكَ خَالَطَ مَحْلَبَا

 أَرَأَيْتُمْ كَيْفَ يُثْنِي عَلَى زَوْجَتِهِ، وَكَيْفَ تَكْشِفُ حُرُوفُهُ الْمَنْظُومَةُ عَنْ مَنْظُومِ احْتِرَامِ زَوْجَتِهِ فِي قَلْبِهِ؟

 قَارِنُوا هَذَا مَعَ أَزْوَاجٍ لَا يَجْعَلُونَ لِاحْتِرَامِ زَوْجَاتِهِمْ وَزْنًا، بِحَيْثُ لَا يَسْمَعْنَ مِنْهُمْ لَهُنَّ إِلَّا شَتْمًا وَسَبًّا وَقَذْفًا، وَلَا يَرَيْنَ مِنْهُمْ إِلَّا عُبُوسًا وَإِعْرَاضًا وَنَدَمًا عَلَى الزَّوَاجِ بِهِنَّ، وَهُنَّ صَالِحَاتٌ قَانِتَاتٌ!. بَلْ رُبَّمَا تَتَعَنَّى الْوَاحِدَةُ مِنْهُنَّ، فَتُعِدُّ مَأْكُولاً أَوْ مَشْرُوبًا قَدْ تَعِبَتْ فِيهِ، وَتَنْتَظِرُ مِنْ زَوْجِهَا كَلِمَةَ ثَنَاءٍ، أَوِ ابْتِسَامَةَ رِضًا، لَكِنَّهَا تُقَابَلُ بِالسُّخْرِيَةِ أَحْيَانًا، وَبِالْقَدْحِ فِي قُدْرَاتِهَا وَذَوْقِهَا أَحْيَانًا، وَبِالْإِعْرَاضِ عَنْ ذَلِكَ الْمَشْرُوبِ أَوِ الْمَطْعُومِ أَحْيَانًا أُخْرَى؛ اسْتِنْقَاصًا لِمَعْرِفَتِهَا فِي صِنَاعَةِ الْمَطْعُومَات أَوِ الْمَشْرُوبَاتِ!.

 إِنَّ الزَّوْجَ الَّذِي يَحْتَرِمُ زَوْجَتَهُ سَيُقَدِّرُ جُهْدَهَا وَحِرْصَهَا عَلَى رِضَاهُ وَلَوْ بِكَلِمَةِ مَدْحٍ، وَتَنَاوُلٍ مِمَّا أَعَدَّتْ وَلَوْ مَعَ الْكَرَاهَةِ؛ تَطْيِيبًا لِخَاطِرِهَا، وَاحْتِرَامًا لِمَشَاعِرِهَا.

 وَمِنِ احْتِرَامِ الزَّوْجَةِ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "كَانَ يَنْهَى أَنْ يَطْرُقَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ لَيْلاً، إِذَا طَالَتْ غَيْبَتُهُ عَنْهُمْ، بَلْ يَدْخُلُ عَلَيْهِمْ غُدْوَةً أَوْ عَشِيَّةً"(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ). وَهَذَا مِنْ كَمَالِ الْأَدَبِ وَعَظِيمِ الِاحْتِرَامِ بَيْنَ رَبِّ الْأُسْرَةِ وَزَوْجِهِ وَأَفْرَادِ أُسْرَتِهِ، وَتَقْدِيرِ الْخُصُوصِيَّاتِ بَيْنَهُمْ؛ فَمَعَ أَنَّ الْبَيْتَ بَيْتُهُ، وَالْمِلْكَ مِلْكُهُ، وَالْأُسْرَةَ أُسْرَتُهُ، إِلَّا أَنَّ الْأَدَبَ النَّبَوِيَّ اقْتَضَى أَلَّا يَدْخُلَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ بَعْدَ السَّفَرِ الطَّوِيلِ إِلَّا فِي حَالِ صَحْوٍ ويَقَظَةٍ، وَهَذَا إِذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ مُهَاتَفَتِهِمْ؛ وَذَلِكَ حَتَّى لَا يُشَاهِدَ الرَّجُلُ فِي بَيْتِهِ مَا يَكْرَهُ، وَلِكَيْ لَا يَنْزَعِجَ أَفْرَادُ الْأُسْرَةِ أَوْ بَعْضُهُمْ بِدُخُولِ الْبَيْتِ وَهُمْ نَائِمُونَ".

احترام المجتمع، ومن ذلك احترام الصغير، والكبير، واحترام المجلس الذي يجلس فيه الناس، ومن صور احترام المجتمع أيضاً تحريم الغيبة، والنميمة، والهمز، واللمز وكلّ ما من شأنه تمزيق أوصال المجتمع وترابطه.

احترام العلماء وتقديرهم، فقد رفع الإسلام قدرهم وأمر باحترامهم وتقديرهمِ، وتوقيرُهم، والتواضعُ لهم، والوفاءُ بحقهم، حيثُ قرنَ اللهُ عز وجل شهادتَه وشهادةَ الملائكةِ بشهادةِ العلماء، فقال تعالي: ((شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ ۚ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ))، ويقولُ سبحانه: }يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ {، ويقولُ نبيُنا ﷺ ((وإنَّ العالمَ ليستغفِرُ لَهُ مَن في السَّمواتِ ومَن في الأرضِ، والحيتانُ في الماءِ ، وفضلَ العالمِ على العابدِ كفَضلِ القمرِ ليلةَ البدر على سائرِ الكواكبِ ، إنَّ العُلَماءَ ورثةُ الأنبياءِ)).

ويقول الشاعر

قُم لِلمُعَلِّمِ وَفِّهِ التَبجيلا              كادَ المُعَلِّمُ أَن يَكونَ رَسولا

أَعَلِمتَ أَشرَفَ أَو أَجَلَّ مِنَ الَّذي     يَبني وَيُنشِئُ أَنفُساً وَعُقولا

احترام غير المسلمين من خلال احترام إنسانيتهم وآدميتهم، وكذلك احترام دينهم وعدم الاعتداء عليهم ولا على معابدهم، ولا على أعراضهم.

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: حِينَمَا تُزْرَعُ شَجَرَةُ الِاحْتِرَامِ وَالتَّقْدِيرِ فِي الْبُيُوتِ؛ فَإِنَّهَا سَتَنْمُو، وَتَتَفَرَّعُ غُصُونُهَا، وَتَتدَلَى ثَمَرَاتُهَا بِالْخَيْرِ الْكَثِيرِ لِلْأُسْرَةِ وَلِأَفْرَادِهَا؛ فَمِنَ الثَّمَرَاتِ الطَّيِّبَةِ الَّتِي يَتْرُكُهَا الِاحْتِرَامُ الْأُسَرِيُّ:

تَنْعَمُ الْأُسْرَةُ بِعُمُومِ الِاحْتِرَامِ فِيمَا بَيْنَهَا، وَكَذَلِكَ تَظْفَرُ بِاحْتِرَامِ غَيْرِهَا حِينَمَا تَبْذُلُ لَهُ احْتِرَامَهَا، فَمَنْ يَحْتَرِمُ غَيْرَهُ يُحْتَرَمُ، وَمَنْ يَبْذُلُ تَقْدِيرَهُ لِسِوَاهُ يَجْنِ تَقْدِيرَ غَيْرِهِ لَهُ؛ (هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلَّا الإِحْسَانُ)[الرحمن:60].

وَمِنْ ثَمَرَاتِ الِاحْتِرَامِ الْأُسَرِيِّ: قِلَّةُ الْمُشْكِلَاتِ فِي الْبُيُوتِ، وَحُبُّ أَهْلِهَا بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ، وَرُسُوخُ مَبْدَأِ التَّعَاوُنِ وَالتَّعَاطُفِ فيمَا بَيْنَهُمْ؛ فَأَيُّ بَيْتِ تَرَبَّى أَهْلُهُ عَلَى هَذَا الْخُلُقِ فَلْيَبْشُرْ بِتَحَقُّقِ هَذِهِ الثَّمَرَاتِ فِيهِ.

وَمِنْ ثَمَرَاتِ الِاحْتِرَامِ الْأُسَرِيِّ: بِنَاءُ شَخْصِيَّاتِ الْأَطْفَالِ بِنَاءً صَحِيحًا؛ فَإِنَّ الطِّفْلَ حِينَمَا يَجِدُ الِاحْتِرَامَ مِنْ قِبَلِ أُسْرَتِهِ لَهُ فَإِنَّ ذَلِكَ يُعَزِّزُ ثِقَتَهُ بِنَفْسِهِ، وَيَجْعَلُهُ يَحْتَرِمُ الْآخَرِينَ؛ إِذْ فَاقِدُ الشَّيْءِ لَا يُعْطِيهِ، وَتَعَلُّمُ الطِّفْلِ احْتِرَامَ النَّاسِ يَبْدَأُ مِنْ دَاخِلِ أُسْرَتِهِ.

 

عِبَادَ اللهِ: إِنَّ غِيَابَ هَذِهِ الْقِيمَةِ عَنِ الْأُسْرَةِ الْمُسْلِمَةِ يُنْتِجُ آثَارًا سَيِّئَةً عَلَى أَفْرَادِهَا، وَعَلَى مَنْ يَتَعَامَلُونَ مَعَهَا؛ فَمِنْ تِلْكَ الْآثَارِ السَّيِّئَةِ:

فُشُوُّ عُقُوقِ الْوَالِدَيْنِ، وَتَعَرُّضُ جِدَارِ الْحَيَاةِ الزَّوْجِيَّةِ إِلَى صُدُوعٍ قَدْ تُؤَدِّي إِلَى الِانْهِيَارِ وَانْفِصَامِ تِلْكَ الرَّابِطَةِ.

وَمِنَ الْآثَارِ السَّيِّئَةِ لِفِقْدَانِ الِاحْتِرَامِ دَاخِلَ الْأُسْرَةِ: كَثْرَةُ الضِّيقِ دَاخِلَ الْمَنْزِلِ، فَحِينَمَا لَا يَحْتَرِمُ كُلُّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْأُسْرَةِ الْآخَرَ فَإِنَّهُ سَيَضِيقُ بِوُجُودِهِ فِي الْبَيْتِ، وَحِينَئِذٍ لَا يَشْعُرُ بِالرَّاحَةِ فِي ذَلِكَ الْمَنْزِلِ، وَلَوْ وَجَدَ الِاحْتِرَامَ -الَّذِي هُوَ عَمَلٌ صَالِحٌ- لَمَا كَانَ ذَلِكَ الضِّيقُ، قَالَ –تَعَالَى-: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[النحل:97].

وَمِنَ الْآثَارِ السَّيِّئَةِ لِفِقْدَانِ الِاحْتِرَامِ دَاخِلَ الْأُسْرَةِ: فَسَادُ تَعَامُلِ الْأَطْفَالِ مَعَ النَّاسِ خَارِجَ الْمَنْزِلِ؛ فَمَنْ فَقَدَ الِاحْتِرَامَ دَاخِلَ بَيْتِهِ مِنْ أَبِيهِ مَثَلاً؛ فَإِنَّهُ سَتَنْمُو فِي نَفْسِهِ عُقْدةٌ سَتُثْمِرُ فِيهِ ضَعْفًا وَعَدَمَ احْتِرَامٍ لِلنَّاسِ، خَاصَّةً مِمَّنْ يُشَابِهُ أَبَاهُ فِي تَوَجُّهِهِ وَعَمَلِهِ؛ إِذْ بِرُؤْيَتِهِ وَمُعَامَلَتِهِ يَتَذَكَّرُ أَبَاهُ الَّذِي أَفْقَدَهُ هَذَا الْأَدَبَ!.

فَاللهَ اللهَ -عِبَادَ اللهِ- فِي إِشَاعَةِ ثَقَافَةِ الِاحْتِرَامِ دَاخِلَ الْأُسْرَةِ، وَتَرْبِيَةِ الْأَوْلَادِ عَلَيْهَا؛ فَمَا أَجْمَلَ أَنْ يَجِدَ الْأَبَوَانِ احْتِرَامَ أَوْلَادِهِمَا لَهُمَا! وَمَا أَحْسَنَ أَنْ يَحْتَرِمَ كُلٌّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ الْآخَرَ! وَمَا أَطْيَبَ أَنْ يَجِدَ الْأَطْفَال ُمِنْ وَالِدِيهِمْ احْتِرَامًا يُوسِعُهُمْ سَعَادَةً تُهْدِيهِمْ جَمَالَ الْحَيَاةِ وَطِيبَهَا فِي عُشِّ تِلْكَ الْأُسْرَةِ الْكَرِيمَةِ!

 

وصلِّ اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

جمع وترتيب: الشيخ أحمد أبو عيد

0109 809 58 54

نسألكم الدعاء

التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات