معية الله لعباده للشيخ أحمد أبو عيد







الحمد لله شهدت بوجوده آياته الباهرة، ودلت على كرم جوده نعمه الباطنة والظاهرة، وسبحت بحمده الأفلاك الدائرة، والرياح السائرة، والسحب الماطرة، هو الأول فله الخلق والأمر، والأخر فإليه الرجوع يوم الحشر، هو الظاهر فله الحكم والقهر، هو الباطن فله السر والجهر
وأشهد أن لا اله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو علي كل شيء قدير
وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وشفيعنا محمد عبد الله ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه إذا سار سار النور معه، وإذا نام فيّح الطيب مضجعه، وإذا تكلم كانت الحكمة مرفعه.
صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن سار على نهجه وتمسك بسنته واقتدى بهديه واتبعهم بإحسان إلي يوم الدين ونحن معهم يا أرحم الراحمين
العناصر
أولًا: أقسام معية الله لعباده                                          ثانيًا: فوائد معية الله
ثالثًا: كيف تستشعر معية الله                                       رابعًا: نماذج لن تمسكوا بمعية الله
الموضوع
أولًا: أقسام معية الله لعباده
معية عامة: قال تعالى"أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ" (المجادلة:7).
يقول تعالى ذكره ـ كما يوضح ابن جرير الطبري في تفسيره - لنبيه محمد ﷺ: ألم تنظر يا محمد بعين قلبك فترى أنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّمَوَاتِ وَما فِي الأرْضِ من شيء، لا يخفى عليه صغير ذلك وكبيره يقول جلّ ثناؤه: فكيف يخفى على من كانت هذه صفته أعمال هؤلاء الكافرين وعصيانهم ربهم، ثم وصف جلّ ثناؤه قربه من عباده وسماعه نجواهم، وما يكتمه الناس من أحاديثهم، فيتحدثونه سرّا بينهم". وهذه هي المعية العامة التي تكون بالسمع والبصر والعلم. وكما قال تعالى: " وَمَا تَكُونُ في شَأْنٍ وَمَا تَتْلُواْ مِنْهُ مِن قُرْءانٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا..." (يونس:61).
وهذه المعية تؤثر على سلوك المسلم وأخلاقه، وعلاقته مع ربه، ومعاملته للناس؟ فإنها تحدث حالة من المراقبة الدائمة لدى المسلم، فما دام أن الله سبحانه بسمعه وبصره وعلمه مع الخلق جميعاً، وهو سبحانه محيط بهم، مطلع عليهم، فإن ذلك يحمل المسلم على ضبط سلوكه، وتقويم أخلاقه، ويُنشأ فيه حالة من الصدق مع الله، ومع الناس.
وقد أخبرنا ﷺ عن النفر الثلاثة الين الذين ابتلاهم الله وكيف كانت مراقبتهم لله تعالى وما نتيجة ذلك، فعن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، حَدَّثَهُ: أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، يَقُولُ: " إِنَّ ثَلاَثَةً فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ: أَبْرَصَ وَأَقْرَعَ وَأَعْمَى، بَدَا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَبْتَلِيَهُمْ، فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ مَلَكًا، فَأَتَى الأَبْرَصَ، فَقَالَ: أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: لَوْنٌ حَسَنٌ، وَجِلْدٌ حَسَنٌ، قَدْ قَذِرَنِي النَّاسُ، قَالَ: فَمَسَحَهُ فَذَهَبَ عَنْهُ، فَأُعْطِيَ لَوْنًا حَسَنًا، وَجِلْدًا حَسَنًا، فَقَالَ: أَيُّ المَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: الإِبِلُ، - أَوْ قَالَ: البَقَرُ، هُوَ شَكَّ فِي ذَلِكَ: إِنَّ الأَبْرَصَ، وَالأَقْرَعَ، قَالَ أَحَدُهُمَا الإِبِلُ، وَقَالَ الآخَرُ: البَقَرُ -، فَأُعْطِيَ نَاقَةً عُشَرَاءَ، فَقَالَ: يُبَارَكُ لَكَ فِيهَا وَأَتَى الأَقْرَعَ فَقَالَ: أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ شَعَرٌ حَسَنٌ، وَيَذْهَبُ عَنِّي هَذَا، قَدْ قَذِرَنِي النَّاسُ، قَالَ: فَمَسَحَهُ فَذَهَبَ وَأُعْطِيَ شَعَرًا حَسَنًا، قَالَ: فَأَيُّ المَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: البَقَرُ، قَالَ: فَأَعْطَاهُ بَقَرَةً حَامِلًا، وَقَالَ: يُبَارَكُ لَكَ فِيهَا، وَأَتَى الأَعْمَى فَقَالَ: أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: يَرُدُّ اللَّهُ إِلَيَّ بَصَرِي، فَأُبْصِرُ بِهِ النَّاسَ، قَالَ: فَمَسَحَهُ فَرَدَّ اللَّهُ إِلَيْهِ بَصَرَهُ، قَالَ: فَأَيُّ المَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ الغَنَمُ: فَأَعْطَاهُ شَاةً وَالِدًا، فَأُنْتِجَ هَذَانِ وَوَلَّدَ هَذَا، فَكَانَ لِهَذَا وَادٍ مِنْ إِبِلٍ، وَلِهَذَا وَادٍ مِنْ بَقَرٍ، وَلِهَذَا وَادٍ مِنْ غَنَمٍ، ثُمَّ إِنَّهُ أَتَى الأَبْرَصَ فِي صُورَتِهِ وَهَيْئَتِهِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِسْكِينٌ، تَقَطَّعَتْ بِيَ الحِبَالُ فِي سَفَرِي، فَلاَ بَلاَغَ اليَوْمَ إِلَّا بِاللَّهِ ثُمَّ بِكَ، أَسْأَلُكَ بِالَّذِي أَعْطَاكَ اللَّوْنَ الحَسَنَ، وَالجِلْدَ الحَسَنَ، وَالمَالَ، بَعِيرًا أَتَبَلَّغُ عَلَيْهِ فِي سَفَرِي، فَقَالَ  لَهُ: إِنَّ الحُقُوقَ كَثِيرَةٌ، فَقَالَ لَهُ: كَأَنِّي أَعْرِفُكَ، أَلَمْ تَكُنْ أَبْرَصَ يَقْذَرُكَ النَّاسُ، فَقِيرًا فَأَعْطَاكَ اللَّهُ؟ فَقَالَ: لَقَدْ وَرِثْتُ لِكَابِرٍ عَنْ كَابِرٍ، فَقَالَ: إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَصَيَّرَكَ اللَّهُ إِلَى مَا كُنْتَ، وَأَتَى الأَقْرَعَ فِي صُورَتِهِ وَهَيْئَتِهِ، فَقَالَ لَهُ: مِثْلَ مَا قَالَ لِهَذَا، فَرَدَّ عَلَيْهِ مِثْلَ مَا رَدَّ عَلَيْهِ هَذَا، فَقَالَ: إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَصَيَّرَكَ اللَّهُ إِلَى مَا كُنْتَ، وَأَتَى الأَعْمَى فِي صُورَتِهِ، فَقَالَ: رَجُلٌ مِسْكِينٌ وَابْنُ سَبِيلٍ وَتَقَطَّعَتْ بِيَ الحِبَالُ فِي سَفَرِي، فَلاَ بَلاَغَ اليَوْمَ إِلَّا بِاللَّهِ ثُمَّ بِكَ، أَسْأَلُكَ بِالَّذِي رَدَّ عَلَيْكَ بَصَرَكَ شَاةً أَتَبَلَّغُ بِهَا فِي سَفَرِي، فَقَالَ: قَدْ كُنْتُ أَعْمَى فَرَدَّ اللَّهُ بَصَرِي، وَفَقِيرًا فَقَدْ أَغْنَانِي، فَخُذْ مَا شِئْتَ، فَوَاللَّهِ لاَ أَجْهَدُكَ اليَوْمَ بِشَيْءٍ أَخَذْتَهُ لِلَّهِ، فَقَالَ أَمْسِكْ مَالَكَ، فَإِنَّمَا ابْتُلِيتُمْ، فَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْكَ، وَسَخِطَ عَلَى
صَاحِبَيْكَ " ([1])
 (بدا لله) أراد أن يظهر ما سبق في علمه. (يبتليهم) يختبرهم. (ملكا) أي بصورة إنسان. (هو شك) أي إسحاق بن عبد الله راوي الحديث. (عشراء) الحامل التي أتى على حملها عشرة أشهر من يوم طرق الفحل لها ويقال لها ذلك إلى أن تلد وبعدما تضع وهي من أنفس الأموال عند العرب. (والدا) ذات ولد أو حاملا. (فأنتج هذان) أي صاحب الإبل والبقر وأنتج من النتاج وهو ما تضعه البهائم. (صورته وهيئته) أي التي كان عليها. (الحبال) الأسباب التي يتعاطاها في طلب الرزق. (أتبلغ به) من البلغة وهي الكفاية. (لكابر عن كابر) وفي رواية شيبان (وإنما ورثت هذا المال كابرا عن كابر) أي ورثته عن آبائي وأجدادي حال كون كل واحد منهم كبيرا ورث عن كبير. (ابن سبيل) منقطع في سفره. (لا أجهدك) لا أشق عليك في منع شيء تطلبه مني أو تأخذه.
ففي هذه القصة، مثال واقعي، وتجسيد عملي، لكيفية استشعار تلك المعية الإلهية، وكيفية تأثيرها على السلوك والموقف، فكل من الأبرص والأقرع، قد أدارا ظهريهما لمعنى ودلالة "إن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء" وأعماها الجهل والجشع عن استبصار أنهما يتعاملان مع من"يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور"، فسقطا في الاختبار، وكانت نتيجة ذلك أن سخط الله عليهما، أما الأعمى فاستشعاره لمعية الله الدائمة له، واستحضاره لحضوره معه، أورثه صدق الحال والمقال، فانخلع من شهوة نفسه، وخرج عن ماله، وبهذا كان نجاحه وفلاحه، ورضا ربه عنه.
وقال قتادة t: " من كان مع الله عز وجل كان الله معه ، ومن كان الله عز وجل معه كان معه الفئة التي لا تغلب ، والحارس الذي لا ينام، والهادي الذي لا يضل".
فإذا كنت مع الله عز وجل كان الله معك ، معيته لأنبيائه وأوليائه معية التأييد ، ومعية النصرة ، ومعية التسديد .
إِذَا كُنْتَ بِاللَّهِ مُسْتَعْصِمًا ** فَمَاذَا يَضِيرُكَ كَيْدُ العَبِيد
معية خاصة بأوليائه وأصفيائه المتقين، فمن النصوص الدالة عليها قوله تعالى: "ِإِنَّ للَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ" (النحل:128) أي معهم - كما يقول ابن كثير في تفسيره- بتأييده ونصره ومعونته وهديه وسعيه وهي كقوله تعالى: "إِذْ يُوحِى رَبُّكَ إِلَى الْمَلَـئِكَةِ أَنّي مَعَكُمْ فَثَبّتُواْ الَّذِينَ ءامَنُواْ" (الأنفال: 12) وقوله لموسى وهارون: "لاَ تَخَافَا إنني مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى?" (طه:46) وقول النبي ﷺ للصديق وهما في الغار:" لا تحزن إن الله معنا".
وهذه المعية تحفز المؤمنين على الارتقاء في مقامات العابدين والسالكين إلى ربهم، لأن تلك المعية لا تكون إلا مع من اتصفوا بصفات جليلة، فمعيته الخاصة سبحانه لا تكون إلا مع " إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ" (النحل:128)،
وقد تجلت تلك المعية في النصر والتأييد والحفظ والرعاية، فيما قصه علينا القرآن من مواقف أهل الإيمان، ففي حادثة الهجرة، كانت معية الله الخاصة هي الحافظة والراعية للرسول الكريم ﷺ وصاحبه الصديق رضي الله عنه من شر قريش وبطشها، وتأمل قول الرسول عليه السلام لصاحبه مهدئاً من روعه، دافعاً قلقه وخوفه "إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا..." (التوبة:40).
وفي غزوة بدر كانت المعية الخاصة حاضرة نقرؤها في قوله تعالى: " إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرَّعْبَ فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ" (الأنفال:12). فهنيئاً لمن استشعر معية الله له في كل حال وحين، فارتقى بصفاته وأخلاقه وعبادته ومعاملاته ليكون من الصادقين المتقين المحسنين الذين يستحقون معية الله الخاصة تأييداً وتوفيقاً وتسديداً وهداية ورعاية وعناية.
ثانيًا: فوائد معية الله
إجابة المضطر وكشف السوء: قال تعالى: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (62) أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (63) أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (64) ) سورة النمل
فاذَا لَمْ يَكُنْ عَوْنٌ مِنْ اللهِ لِلْفَتَىْ ** فَأوْلُ مَايَجْنِيْ عَلَيْهِ اِجْتِهَادُهُ

وإذا كان الله معك فمن عليك ** وإذا كان عليك فمن معك ؟

الهداية إلى سواء السبيل: قال تعالى: ( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69) ) ([2]) ، والمؤمنون الذين جاهدوا أعداء الله، والنفس، والشيطان، وصبروا على الفتن والأذى في سبيل الله، سيهديهم الله سبل الخير، ويثبتهم على الصراط المستقيم، ومَن هذه صفته فهو محسن إلى نفسه وإلى غيره. وإن الله سبحانه وتعالى لمع مَن أحسن مِن خَلْقِه بالنصرة والتأييد والحفظ والهداية ([3]).
حفظ الله لمن حفظه: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَوْمًا فَقَالَ: «يَا غُلَامُ احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ وَإِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ رُفِعَتِ الأقلام وجفَّت الصُّحُف» ([4])
أي احفظ الله تعالى في كل صحيح ابن ماجه أمر والتزم بأوامره واجتنب نواهيه تجده معك يحفظك الله من كل مكروه وسوء فهو سبحانه القدر على كل شيْ، واجعل سؤالك واستعانتك بالله وحده يعطيك ما سألت ويعينك، واذا أراد الله أمرا فلن يستطيع مخلوق مهما أن يبدله أو يغيره لذلك كن واثقا بالله.
إعانة الصابرين: قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153) ) سورة البقرة يا أيها المؤمنون اطلبوا العون من الله في كل أموركم: بالصبر على النوائب والمصائب، وبالصبر على ترك المعاصي والذنوب، والصبر على الطاعات والقربات، وبالصلاة التي تطمئن بها النفس، وتنهى عن الفحشاء والمنكر. إن الله مع الصابرين بعونه وتوفيقه وتسديده.
نصر المظلوم: عن أبي هريرة t قال قال رسول الله ﷺ اتقوا دعوة المظلوم، فإنها تحمل على الغمام، يقول الله جل جلاله: وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين ) ([5]) فمن كان مظلوما واستشعر معية الله له علم تمام العلم واليقين أن الله ناصره لا محالة لأن الله لا يخلف الميعاد.
عون الله للمؤمنين: قال تعالى: ( إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ (19) ) ([6])
أي إن تطلبوا -أيها الكفار- من الله أن يوقع بأسه وعذابه على المعتدين الظالمين فقد أجاب الله طلبكم، حين أوقع بكم مِن عقابه ما كان نكالا لكم وعبرة للمتقين، فإن تنتهوا -أيها الكفار- عن الكفر بالله ورسوله وقتال نبيه محمد ﷺ، فهو خير لكم في دنياكم وأخراكم، وإن تعودوا إلى الحرب وقتال محمد ﷺ وقتال أتباعه المؤمنين نَعُدْ بهزيمتكم كما هُزمتم يوم «بدر» ، ولن تغني عنكم جماعتكم شيئًا، كما لم تغن عنكم يوم «بدر» مع كثرة عددكم وعتادكم وقلة عدد المؤمنين وعدتهم، وأن الله مع المؤمنين بتأييده ونصره([7]) .
الكفاية من كل مكروه وسوء: قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ﴾ [الطلاق: ٣]؛ أي: من يتوكل على الله فهو كافيه ما أهمَّه في جميع أموره. إن الله بالغ أمره، لا يفوته شيء، ولا يعجزه مطلوب، قد جعل الله لكل شيء أجلا ينتهي إليه، وتقديرًا لا يجاوزه.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ، «قَالَهَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ حِينَ أُلْقِيَ فِي النَّارِ، وَقَالَهَا مُحَمَّدٌ ﷺ» حِينَ قَالُوا: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا، وَقَالُوا: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ} ([8]) [آل عمران: 173]
(الناس) أبو سفيان وأصحابه من قريش قبل إسلامه. (جمعوا لكم) حشدوا الرجال من كل جهة لقتالكم. (حسبنا) كافينا. (الوكيل) الحافظ الذي يوكل إليه الأمر ويعتمد عليه فيه.
من كان مع الله فلا يبالي بأحد في الدنيا كلها. كن مع الله ولا تبالِ. ماذا وجد من فقد الله؟ وماذا فقد من وجده؟! لقد خاب وخسر من رضي بغير الله بدلاً! أولئك الذين يظنون أن قدراتهم الذهنية، وإمكاناتهم البدنية، وممتلكاتهم المادية ستحميهم من دون الله، وستكون لهم حصناً منيعاً عن عقاب الله تعالى إن هم أخطؤوا أو أساؤوا أو قصّروا أو فرّطوا في حق الله. خاب سعيهم ولم يَصدُق ظنهم أنهم الأقوياء والقادرون على حماية أنفسهم؛ لأن الله تعالى هو وحده القادر على حمايتنا وحفظنا من أي سوء يمكن أن نقع به.
نصر الله له: قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7)) سورة محمد
يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه، إن تنصروا دين الله بالجهاد في سبيله، والحكم بكتابه، وامتثال أوامره، واجتناب نواهيه، ينصركم الله على أعدائكم، ويثبت أقدامكم عند القتال.
لا يحزن على شئ: لو وقفت الدنيا كل الدنيا في وجهك، وحاربك البشر كل البشر، ونازلك كل من على وجه الأرض فلا تحزن لأن الله معنا.
وإذا كنا في حياتنا مع الله، متبعين لرسوله، معظمين لدينه؛ كان الله معنا بنصره وتأييده، وحفظه ورعايته، فلا نحزن، ولا نقلق، ولا نكتئب؛ لأن الله سبحانه معنا؛ وإذا كان الأمر كذلك فإننا لا نُسحَق، ولا نضل، ولا نضيع، ولا نيأس، ولا نقنط؛ لأن الله معنا، والنصر حليفنا، والفرج رفيقنا، والفتح صاحبنا، والفوز غايتنا، والفلاح نهايتنا؛ لأن الله معنا.
وكيف نقلق ونحزن ومعنا الله سبحانه: الركن الذي لا يضام، والقوة التي لا ترام، والعزة التي لا تغلب، وما دام الله معنا فممن نخاف؟ وممن نخشى؟ وممن نرهب؟ أليس هو القوي العزيز.
وما دام الله معنا فَلِمَ نأسف على قلة عدد، أو عوز عتاد، أو فقر مال، أو تخاذل أنصار، فالله معنا وكفى.
 معنا بحفظه ورعايته، بقوته وجبروته، بكفايته وعنايته، بدفاعه وبطشه، فلا نحزن.
"لا تحزن" إذا استشعرها الخادم وهو يهدد الناس بقوة سيده من ملوك الأرض فإنك تراهم يخافون ويذعنون، فكيف برب الناس، ملك الناس، إله الناس، وإن أعظم كلمة في الخُطَب، وأشرف جملة في الكُرَب؛ هي هذه الكلمة الصادقة الساطعة: "لا تحزن إن الله معنا".
وسر هذه الكلمة هو في مدلولها، وعظمتها هي في معناها؛ يوم تذكر معية الله عز وجل الذي بيده مقاليد الحكم، ورقاب العباد، ومقادير الخلق، وأرزاق الكائنات.
اجتناب المحرمات: قال تعالى (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) يوسف.
فلما استشعر معية الله تعالى، منعه ذلك من الوقوع في المعصية.
يؤدي الى اتقان العمل: إنَّ المديرَ في إدارته، والمهندِسَ في مكتبِه، والمبَرْمِج في برمَجته، والمدرِّس في مدرسته، والداعية في مسجده والعامِلَ في معملِه، والشرطيَّ في مخفرِه، والقاضيَ في محكَمَتِه، والصحفيَّ في جريدته، والكاتبَ في كتاباته، والطبيب في عيادته، والتاجر في متجره .. عمومًا: كلّ مسئول من موقِع مهمَّته؛ كما قال النَّبيُّ  ﷺ:" ألا كلُّكم راعٍ، وكلُّكم مسئول عن رعيَّتِه، فالأميرُ الذي على النَّاس راعٍ، وهو مسئول عن رعيَّته، والرجُل راعٍ على أهل بيْتِه، وهو مسئول عنْهم، والمرأةُ راعية على بيْتِ بعْلِها وولَدِه، وهي مسئولة عنهم، والعبد راعٍ على مال سيِّده، وهو مسئول عنه، ألا فكلُّكم راعٍ ومسئول عن رعيَّته"([9])
كلٌّ في عملِه، لوِ استحضرنا معية الله وعظَمَتَه وجلالَه، وقُدرتَه سبحانه واستحضرنا النفس اللوامة التي تلوم صاحبها علي تقصيره وعدم خوفه من الله واستحضرنا مقام الإحسان وهو أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك " ولو علمنا أن الله عاجلاً أم أجلاً  يقتصَّ من عبْدِه الخائن ، من جرَّاء عملٍ يُؤْذي ويهدِّد أمْنَ بلدِه الاقتِصاديّ والاجتِماعي والسياسي، لتحقَّقتْ رفاهية البُلدان، وانتشر العدْل، وسادَ تكافُؤُ الفُرَص، وقلَّت البطالة التي تنهش في فلذات أكْباد أبناء هذه الأُمَّة.
ثالثًا: كيف تستشعر معية الله
التقوى والإحسان: قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ ﴾ [النحل: ١٢٨]
إن الله سبحانه وتعالى بتوفيقه وعونه وتأييده ونصره مع الذين اتقوه بامتثال ما أمر واجتناب ما نهى، ومع الذين يحسنون أداء فرائضه والقيام بحقوقه ولزوم طاعته ([10]).
اشـدُدْ يـديـك بحبـل الله معتصمــاً  **    فإنـه الـرّكـنُ إن خـانـتْــك أركـــــانُ
من يتـقِ اللهَ يُـحمـدْ في عــواقبـه   **   ويكْفِـه شـرّ من عَــزّوا ومن هانــوا
ومن استعـانَ بغيـر اللهِ في طلـب  **   فـإنّ نـــاصــرَه عـجــــزٌ وخِــــــذلانُ
اليقين في الله تعالى: قال تعالى: (قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (249)) سورة البقرة
ولما عبر طالوت النهر هو والقلة المؤمنة معه -وهم ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا- لملاقاة العدو، ورأوا كثرة عدوهم وعدَّتهم، قالوا: لا قدرة لنا اليوم بجالوت وجنوده الأشداء، فأجاب الذين يوقنون بلقاء الله، يُذَكِّرون إخوانهم بالله وقدرته قائلين: كم من جماعة قليلة مؤمنة صابرة، غلبت بإذن الله وأمره جماعة كثيرة كافرة باغية. والله مع الصابرين بتوفيقه ونصره، وحسن مثوبته.
الاستعانة بالله وحده: قال ابن القيم رحمه الله (إذا أصبح العبد و أمسى و ليس همه إلا الله وحده تحمل الله حوائجه كلها و حمل عنه كل ما أهمه وفرغ قلبه لمحبته و لسانه لذكره و جوارحه لطاعته ،وإن أصبح و أمسي و الدنيا همه حمله الله همومها و غمومها و أنكادها ووكله إلى نفسه فشغل قلبه عن محبته بمحبه الخلق و لسانه عن ذكره بذكرهم و جوارحه عن طاعته بخدمتهم و أشغالهم ،فهو يكدح كدح الوحوش في خدمة غيره كالكير ينفخ بطنه و يعصر أضلاعه في نفع غيره ،فكل من أعرض عن عبودية الله و طاعته و محبته بلىّ بعبودية المخلوق و طاعته و محبته ).
الصبر: قال تعالى: ( الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (66)) سورة الأنفال
الآن خفف الله عنكم أيها المؤمنون لما فيكم من الضعف، فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين من الكافرين، وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين منهم بإذن الله تعالى. والله مع الصابرين بتأييده ونصره.
وقال تعالى: ( وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: ١٥٥-١٥٧]
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنَّ نَاسًا مِنَ الأَنْصَارِ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَأَعْطَاهُمْ، ثُمَّ سَأَلُوهُ، فَأَعْطَاهُمْ، ثُمَّ سَأَلُوهُ، فَأَعْطَاهُمْ حَتَّى نَفِدَ مَا عِنْدَهُ، فَقَالَ: «مَا يَكُونُ عِنْدِي مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ أَدَّخِرَهُ عَنْكُمْ، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ  يُغْنِهِ اللَّهُ وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ، وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ» ([11]) ، (فلن أدخره عنكم) لن أحبسه وأمنعكم منه. (يستعفف) يظهر العفة ويكف عن السؤال، فمن سأل الله الصبر كان الله معه ورزقه الصبر والرضا بكل شيء.
طاعة الله ورسوله ﷺ: قال تعالى: ( وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46) ) سورة الأنفال
والتزموا طاعة الله وطاعة رسوله في كل أحوالكم، ولا تختلفوا فتتفرق كلمتكم وتختلف قلوبكم، فتضعفوا وتذهب قوتكم ونصركم، واصبروا عند لقاء العدو. إن الله مع الصابرين بالعون والنصر والتأييد، ولن يخذلهم.
تحقيق عدة أمور: قال تعالى: (وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (12) ) سورة المائدة
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ} أَيْ بِحِفْظِي وَكَلَاءَتِي وَنَصْرِي {لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنتُمْ بِرُسُلِي} أَيْ صدقتموهم فيم يَجِيئُونَكُمْ بِهِ مِنَ الْوَحْيِ {وَعَزَّرْتُمُوهُمْ} أَيْ نَصَرْتُمُوهُمْ وازرتموهم عَلَى الْحَقِّ {وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً} وَهُوَ الْإِنْفَاقُ فِي سَبِيلِهِ وَابْتِغَاءِ مَرْضَاتِهِ {لأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} أَيْ ذُنُوبَكُمْ أَمْحُوهَا وَأَسْتُرُهَا وَلَا أُؤَاخِذُكُمْ بِهَا {وَلأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} أَيْ أَدْفَعُ عَنْكُمُ الْمَحْذُورَ وَأُحَصِّلُ لَكُمُ الْمَقْصُودَ. وَقَوْلُهُ: {فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ السَّبِيلِ} أَيْ فَمَنْ خَالَفَ هَذَا الميثاق بعد عقده وتوكيده فقد أخطأ الطريق الواضح وَعَدَلَ عَنِ الْهُدَى إِلَى الضَّلَالِ ([12]).
ذكر الله: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: " يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً " ([13])
 (أنا عند ظن عبدي بي) أجازيه بحسب ظنه بي فإن رجا رحمتي وظن أني أعفو عنه وأغفر له فله ذلك لأنه لا يرجوه إلا مؤمن علم أن له ربا يجازي. وإن يئس من رحمتي وظن أني أعاقبه وأعذبه فعليه ذلك لأنه لا ييأس إلا كافر. (معه) بعوني ونصرتي وحفظي. (ذكرته في نفسي) أي إن عظمني وقدسني ونزهني سرا كتبت له الثواب والرحمة سرا وقيل إن ذكرني بالتعظيم أذكره بالإنعام. (ملأ) جماعة من الناس. (ملأ خير منهم) جماعة من الملائكة المقربين وهم أفضل من عامة البشر. (شبرا) مقدار شبر وهو قدر بعد ما بين رأس الخنصر ورأس الإبهام والكف مبسوطة مفرقة الأصابع. (ذراعا) هي اليد من كل حيوان وهي من الإنسان من المرفق إلى أطراف رؤوس الأصابع. (باعا) هو مسافة ما بين الكفين إذا بسطتهما يمينا وشمالا. (هرولة) هي الإسراع في المشي ونوع من العدو وهذا والذي قبله مجاز عن قبوله سبحانه وسرعة إجابته للعبد ومزيد تفضله عليه.
الدعاء: قال تعالى: ( وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88) ) سورة الأنبياء ، أي واذكر قصة صاحب الحوت، وهو يونس بن مَتَّى عليه السلام، أرسله الله إلى قومه فدعاهم فلم يؤمنوا، فتوعَّدهم بالعذاب فلم ينيبوا، ولم يصبر عليهم كما أمره الله، وخرج مِن بينهم غاضبًا عليهم، ضائقًا صدره بعصيانهم، وظن أن الله لن يضيِّق عليه ويؤاخذه بهذه المخالفة، فابتلاه الله بشدة الضيق والحبس، والتقمه الحوت في البحر، فنادى ربه في ظلمات الليل والبحر وبطن الحوت تائبًا معترفًا بظلمه لتركه الصبر على قومه، قائلا: لا إله إلا أنت سبحانك، إني كنت من الظالمين، فاستجبنا له دعاءه، وخلَّصناه مِن غَم هذه الشدة، وكذلك ننجي المصدِّقين العاملين
بشرعنا.
بك أستجير ومـن يجير سواكـــــــــــا
إنـــــــــي ضعيف أستعين علـى قِوى
 أذنبت يـا ربي وآذتنـي ذنــــــــــــوبٌ

دنيـاي غرَّتني وعفـوك غرَّنــــــــــي
إنْ لم تكن عيني تـراك فإننـــــــــــي

أخشى من العْرض الرهيب عليك يا
يا رب عـدت إلى رحابك تائبــــــــــاً
أدعـوك يا ربـي لتغفـر حوبتـــــــــــي
فاقبلْ دعائـي واستجبْ لرجاوتــــي
يا غافر الذنب العظيم وقابــــــــــــلا
أترده وترد صادق توبتـــــــــــــــي

فليرض عني الناس او فليسخطوا

**
**
**
**
**
**
**
**
**
**
**
**
فأجرْ ضعيفـاً يحتمي بحماكـــا
ذنبي ومعصيتي ببعـض قِواكـا
مالهـا مـن غافـر إلاكــــــــــــــا
ما حيلتـي في هـذه أو ذاكـــــــا
في كل شيء أستبين عُلاكـــــــا
ربـي وأخشى منـك إذ ألقاكــــــا
مستسلماً مستمسكـاً بعُـراكـــــا
وتعينـني وتمـدّنـي بهـداكــــــــا
ما خاب يوماً من دعـا ورَجاكــا
للتوب: قلب تائب ناجاكـــــــــــا
حاشاك ترفض تائبا حاشــــــاكا

أنا لم أعد أسعى لغير رضاكا
([14])
.
رابعًا: نماذج لن تمسكوا بمعية الله
 سيدنا محمد ﷺ: أ-  قال تعالى: ( إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40)) سورة التوبة
وعَنْ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قُلْتُ لِلنَّبِيِّ ﷺ: وَأَنَا فِي الغَارِ: لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ تَحْتَ قَدَمَيْهِ لَأَبْصَرَنَا، فَقَالَ: «مَا ظَنُّكَ يَا أَبَا بَكْرٍ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا» ([15])
ب- لما رأى سيدنا أبو بكر اقتراب سراقة بن مالك منهما قال ( يَا رَسُولَ اللهِ أُتِينَا، فَقَالَ: «لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا» فَدَعَا عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ ﷺ، فَارْتَطَمَتْ فَرَسُهُ إِلَى بَطْنِهَا، أُرَى فَقَالَ: إِنِّي قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكُمَا قَدْ دَعَوْتُمَا عَلَيَّ، فَادْعُوَا لِي، فَاللهُ لَكُمَا أَنْ أَرُدَّ عَنْكُمَا الطَّلَبَ فَدَعَا اللهَ، فَنَجَا، فَرَجَعَ لَا يَلْقَى أَحَدًا إِلَّا قَالَ: قَدْ كَفَيْتُكُمْ مَا هَاهُنَا، فَلَا يَلْقَى أَحَدًا إِلَّا رَدَّهُ.....) ([16])
وهكذا كان رسول الله ﷺ في سائر غزواته وفي سائر شئون حياته يطلب المعونة من الله تعالى لأنه لا مُعين سوى الله تعالى.
سيدنا موسى u: أ- قال تعالى: (اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44) قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى (45) قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى (46) ) سورة طه
قال الله لنبييه موسى وهارون عليهما: لا تخافا من فرعون; فإنني معكما أسمع كلامكما وأرى أفعالكما، فاذهبا إليه وقولا له: إننا رسولان إليك من ربك أن أطلق بني إسرائيل، ولا تكلِّفهم ما لا يطيقون من الأعمال، قد أتيناك بدلالة معجزة من ربك تدل على صدقنا في دعوتنا، والسلامة من عذاب الله تعالى لمن اتبع هداه. إن ربك قد أوحى إلينا أن عذابه على مَن كذَّب وأعرض عن دعوته وشريعته ([17]).
ب- قال تعالى: ( فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62) ) سورة الشعراء. فقد تراءى جمع الإيمان بقيادة سيدنا موسى عليه السلام، وجمع الكفر بقيادة فرعون ومعه زبانيته وأعوانه، وعندما بدأ أصحاب اليقين المتشكِّك يحاولون إضعاف موقف سيدنا موسى عليه السلام وينصحونه ألا يقع في صراع مع فرعون قالوا له :[...إِنَّا لَمُدْرَكُونَ] فقال سيدنا موسى u في ثقة، وثبات، ويقين، وإيمان راسخ وعقيدة ثابتة، وعلم بأن الله معه وسينصره مهما تقطعت أسباب النصر ووسائله فهو سبحانه القادر على كل شيْ [ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ] فجاءه الفرج من الله سبحانه وتعالى:[ فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ] سورة الشعراء (63). لقد ضرب سيدُنا موسى عليه السلام البحرَ بعصاه بأمر من الله تعالى ، فانفصل البحر قسمين ، ومشى سيدنا موسى حتى وصل إلى الشاطئ ، وأغرق الله فرعون وجنوده ، ولا تزال جثة فرعون - التي تُعرف اليوم بالمومياء - شاهدةً إلى عصرنا هذا على قدرة الله وحفظه ورعايته لسيدنا موسى u. وقد عبّر الله تعالى عن ذلك بقوله:[ وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ (64) وَأَنجَيْنَا مُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ (65) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (66) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ (67)] سورة الشعراء.
معية الله للسيدة هاجر وولدها إسماعيل في وادٍ غيرِ ذي زرع .
معية الله لسيدنا إبراهيم u عند دخوله النار.
معية الله لسيدنا إسماعيل u عندما أُمر والده بذبحه.
معية الله للمؤمنين في سائر الغزوات.
معية الله للسيدة عائشة t لما ابتليت في عرضها.
معية الله لسيدنا كعب بن مالك لما اُمر الصحابة بعدم الحديث معه.
معية الله للحسن البصري عندما أراد الحجاج قتله.
معية الله لعباده جميعا.
.............

وصلِّ اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
إعداد: الشيخ أحمد أبو عيد
0109 809 58 54

نسألكم الدعاء




[1])) متفق عليه
[2])) سورة العنكبوت
[3])) التفسير الميسر
[4])) صحيح الجامع
[5])) السلسلة الصحيحة
[6])) سورة الأنفال
[7])) التفسير الميسر
[8])) صحيح البخاري
[9])) صحيح مسلم
[10])) التفسير الميسر
[11])) صحيح البخاري
[12])) تفسير ابن كثير
[13])) متفق عليه
([14]) ابراهيم علي بديوي
[15])) صحيح مسلم
[16])) صحيح مسلم
[17])) التفسير الميسر


التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات