تحويل القبلة للشيخ احمد أبو عيد





الحمد لله رب العالمين، لا يسأم من كثرة السؤال والطلب، سبحانه إذا سئل أعطى وأجاب، وإذا لم يُسأَل غضب، يعطي الدنيا لمن يحب ومن لا يحب، ولا يعطي الدين إلا لمن أحب ورغب، من رضي بالقليل أعطاه الكثير. ومن سخط فالحرمان قد وجب،
 رزق الأمان لمن لقضائه استكان. ومن لم يستكن انزعج واضطرب، من ركن إلى غيره ذلَّ وهان. ومن اعتز به ظهر وغلب، من تبع هواه ‎‎فَرَأْي شيطان ارتآه. ومن تبع هدى الله فإلى الحق وثب، نحمَده تبارك وتعالى على كل ما منح أو سلب، ونعوذ بنور وجهه الكريم من العناء والنصَب، ونسأله الخلود في دار السلام حيث لا لغو ولا صخب.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. له الملك وإليه المنقلب، هو المالك. وهو الملك. يحكم ما يريد فلا تعقيب ولا عجب، قبض قبضتين. فقبضة الجنة لرحمته. وقبضة النار للغضب، احتجب عن الخلق بنوره. وخفي عليهم بشدة ظهوره. أفلح من التزم الأدب، نخاف الله ونخشاه. ونرجوه ونطلب رضاه. والعفو منه مرتقب، نحب الصلاح ونتمناه. ونكره الفساد ونتحاشاه. فهل ذاك يكفي لبلوغ الأرب، تساؤل في نفوسنا تساءلناه. وبأمل في قلوبنا رجوناه. تبارك الذي إذا شاء وهب.

وأشهد أن سيدنا محمد خاتم المرسلين وإمام الغر المحجلين. وخاتم الأنبياء والمرسلين. وجهك بدر وصوتك طرب، سيد كل قبيلة وفريق. بالمؤمنين رحيم وشفيق، سيدي وحبيبي. قدوتي وشفيعي. الشوق مشتعل والدمع للخدِّ خضب.فهل تنعم برؤية وجهك عيناي؟ وتهنأ بلثم قدميك شفتاي؟ فالعمر ولى والزمان قد اغترب، فيا رب يا أكرم مسؤول. ويا خير مُرتجى ومأمول. صلِّ على سيد الأعاجم والعرب، على الصحب ومن تبع وكل من إليه انتسب، ما لاح في الأفق نجم أو غرب، أو ظهر في السماء هلال أو احتجب، وكلما انحنى لك في الصلاة ظهر أو انتصب.

العناصــر
العنصر الاول: قصة تحويل القبلة
العنصر الثاني: حال المؤمنين منها
العنصر الثالث: حال المنافقين والمشركين منها
العنصر الرابع: كيف فند الله آرائهم وبم رد عليهم
العنصر الخامس: الدروس المستفادة منها


المــوضـــوع

العنصر الأول: قصة تحويل القبلة

1-الأمر بتحويل القبلة:
قال تعالي "قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً ترداها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ "البقرة.
وقال الله تعالى:" وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ. وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ. كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ ءَايَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ. فَاذْكُرُونِي
 أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ " (البقرة آية: 149-152).

2-تنفيذ المصلون لأمر الله:
عن عبد الله بن دينار قال سمعت بن عمر t يقول بينا الناس في الصبح بقباء إذ جاءهم رجل فقال أنزل الليلة قرآن فأمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها فاستداروا كهيئتهم فتوجهوا إلى الكعبة وكان وجه الناس إلى الشام"([1])

3-انكار اليهود:
عن البراء بن عازب ـ t ـ قال: أن النبي - r - كان أول ما قدم المدينة نزل على أجداده - أو قال أخواله - من الأنصار وأنه - r - صلى قِبَل بيت المقدس ستة عشر شهراً أو سبعة عشر شهراً، وكان يعجبه أن تكون قبلته قِبل البيت، وأنه صلى أول صلاة صلاها صلاة العصر وصلى معه قوم، فخرج رجل ممن صلى معه فمر على أهل مسجد وهم راكعون، فقال: أشهد بالله، لقد صليت مع رسول الله - r - قِبل مكة، فداروا كما هم قِبل البيت، وكانت اليهود قد أعجبهم إذ كان يصلي قبل بيت المقدس وأهل الكتاب، فلما ولى وجهه قبل البيت أنكروا ذلك)([2])

العنصر الثاني: حال المؤمنين منها

1-السمع والطاعة:
قال تعالى" إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ " النور
وقال تعالى" وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا " الأحزاب

2-تنفيذ الأمر على الفور:
عن البراء بن عازب قال صليت مع النبي r إلى بيت المقدس ستة عشر شهرا حتى نزلت الآية التي في البقرة وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره فنزلت بعدما صلى النبي r فانطلق رجل من القوم فمر بناس من الأنصار وهم يصلون فحدثهم فولوا وجوههم قبل البيت"([3])

العنصر الثالث: حال المنافقين والمشركين منها

1-التشكيك والظن في الثوابت:
 لقد أظهر هؤلاء قلقهم من مصير من مات من المسلمين قبل تحويل القبلة، هل تُقبل صلاتهم أم لا؟ كما تساءلوا عن جزاء صلاتهم السابقة نحو بيت المقدس، وكأنهم ظنوا أن الصلاة إلى القبلة السابقة كانت اجتهادًا من رسول الله بغير وحي من الله؛ لذا لن يُثابوا عليه بل قد يعاقبون. وهذه الفئة تظهر دائمًا في المجتمع المسلم وقت المحن، إذ تزيغ الأبصار، وتبلغ القلوب الحناجر؛ فيبدأ هؤلاء في التشكُّك والظن في الثوابت.
قال اليهود: ما لمحمد يعيب ديننا ويتبع قبلتنا ثم قالوا انتظروا قليلا فكما اتبع قبلتنا سيتبع ديننا.

قال المشركون: ما لمحمد يزعم انه على ملة ابراهيم ثم يترك قبلته، وقالوا لو كانت الاولي صحيحة فلماذا تحول عنها وان كانت باطله فلماذا صلي على الباطل وترك الحق وما مصير من صلي الي القبلة الاولي ومات.
قال تعالى " أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا" النساء



2-هؤلاء هم السفهاء:
قال تعالى: " سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ " (البقرة 142).

3-علم أهل الكتاب بالحق:
قال تعالى﴿ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوْتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ ﴾البقرة

4-عدم اتباع الحق مهما حدث:
قال تعالى﴿ وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوْتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُم بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذَا لَّمِنَ الظَّالِمِينَ ﴾البقرة

6-عدم الرضا عن المسلم حتى يكفر بالله:
 قال تعالى "وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ "(البقرة 120).

العنصر الرابع: كيف فند الله آرائهم وبم رد عليهم

1-علم الله بكل شيء:
الله يعلم ما هو كائن وما سيكون، وما هو كائن لو كان كيف كان يكون ولتمام علمه اقتضت حكمته ان لا يحاسب الخلق على مقتضي علمه فيه ولكن ليحاسبهم على ما يصدر منهم من اقوال وافعال ثم ليظهر الصادقين من الكاذبين.

2-حكم الله عليهم بالسفه:
 فقال تعالي "سيقول السفهاء " والسفيه هو ناقص العقل والعلم او من لا عقل له اصلا

3-كرر الامر بالتوجه للقبلة ثلاث مرات
 أ-قال تعالى "قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ " البقرة
 ب-قال تعالى "وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (149)"
 ج-قال تعالى "ومن حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ " البقرة

4-أمر المسلمين كذلك بالتوجه للمسجد الحرام
 مع انه كان يمكن ان يكتفي بأمر النبي r فقط، فهو امر له وللمسلمين ولكن امر معه المسلمين للتأكيد ولان ذلك اول نسخ في القران.



5-أن المشرق والمغرب هو ملك لله ومن حق المالك ان يتصرف في ملكه كيف شاء
فقال تعالي: "سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ " البقرة
وقال تعالى "قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" آل عمران

6-أن الناس لا يملكون نفعا ولا ضرا وليس بيدهم شئ فلا تخشوهم:
 فقال تعالي"وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ"البقرة

7-بيان ان اهل الكتاب لن يتبعوا القبلة مهما حدث:
 فقال تعالي : " وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (144) وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آَيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ (145 الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (146) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (147) وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" البقرة
                                               
العنصر الخامس: الدروس المستفادة منها
1-الطاعة الدائمة للمؤمنين والتكذيب الدائم من المشركين والمنافقين واليهود وغيرهم   
                                                   
2-دلالة على نبوة النبي r:
أخبر الله تعالى بما سيقوله اليهود عند تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة؛ من إثارة الشكوك والتساؤلات قبل وقوع الأمر، ولهذا دلالته، فهو يدل على نبوة محمد r؛ إذ هو أمر غيبي، فأخبر به قبل وقوعه، ثم وقع، فدل ذلك على أن محمدًا r رسول يخبره الوحي بما سبق، وهو يدل أيضًا على علاج المشكلات قبل وقوعها؛ حتى يستعد المسلمون ويهيؤوا أنفسهم لهذه المشاكل للتغلب عليها والرد عليها، ودفعها، فإن مفاجأة المكروه على النفس أشق وأشد، والجواب العتيد لشغب الخصم الألد.

3-بيان مكانة النبي r ومنزلته عند ربه سبحانه وتعالى
قال تعالى: "قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ "البقرة
فقد كان r يقلب وجهه في السماء، يحب أن يصرفه الله عز وجل إلى الكعبة، حتى صرفه الله إليه.

4-تعريف الأمة بأعدائها:
قال تعالي" أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ
كَفَرُوا هؤلاء أَهْدَىٰ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا (51) أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ ۖ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا (52) النساء.
وقد أمرنا الله تعالي بعدم الأمن لهم وعدم الولاء لهم فقال تعالي "وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَىٰ هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَىٰ أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ" آل عمران.
وقال تعالى "وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ
 خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ" الحج
وقال تعالي عنهم "وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205) وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ ۚ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ ۚ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ" البقرة

5-أن الأمة هي خير الأمم وأنها امة وسط:
قال تعالي " كنتم خير امة اخرجت للناس"، وقال تعالي "وكذلك جعلناكم امة وسطا" البقرة
وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله r يجاء بنوح يوم القيامة فيقال له هل بلغت فيقول نعم يا رب فتسأل أمته هل بلغكم فيقولون ما جاءنا من نذير فيقول من شهودك فيقول محمد وأمته فيجاء بكم فتشهدون ثم قرأ رسول الله r وكذلك جعلناكم أمة وسطا قال عدلا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم "([4])
والوسطية تعني الأفضلية والخيرية والرفعة؛ فالأمة وسط في كل شيء، في العقيدة والشريعة والأخلاق والمعاملات، وهذا واضح جدًّا لكل مَن درس تعاليم الدين الإسلامي بالتفصيل.
فالله عز وجل اختار لهذه الأمة الخير في كل شيء والأفضل في كلّ حكم وأمر ومن ذلك القبلة فاختار لهم قبلة إبراهيم u.
وعن عائشة أن النبي r إن رسول الله r ذكرت عنده اليهود فقال" إنهم لم يحسدونا على شيء كما حسدونا على الجمعة التي هدانا الله لها وضلوا عنها وعلى القبلة التي هدانا الله لها وضلوا عنها وعلى قولنا خلف الإمام آمين " ([5])

6-تحديد وظيفة الأمة المحمدية وأنها خير الامم:
قال تعالى " كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ" آل عمران
وقال تعالي "وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا "البقرة
أ-في الدنيا: عن أنس – t – قال: مرَّ بجنازة، فأُثني عليها خيرًا، فقال نبيُّ الله – r -: (وجبَتْ، وجَبتْ، وجَبتْ)، ومرَّ بجنازة، فأُثْنِي عليها شرًّا، فقال نبيُّ الله – r -: (وجَبَت، وجَبَت، وجَبَت)، فقال عمر: فداك أبي وأمِّي، مرَّ بجنازة، فأُثني عليها خيرًا، فقلتَ: (وجبَتْ، وجَبتْ، وجَبتْ)، ومرَّ بجنازة، فأُثِنيَ عليها شرًّا، فقلتَ: ((وجَبَت، وجَبَت، وجَبَت))؟ فقال رسولُ الله – r -: (مَن أثنيتُم عليه خيرًا وجَبَتْ له الجنة، ومَن أثنيتم عليه شرًّا وجَبَتْ له النار؛ أنتم شهداءُ الله في الأرْض) ([6])

ب-في الآخرة: عن ابي سعيد t قال: قال رسول الله r (يجيء النبيُّ يومَ القيامة ومعه الرجل، والنبيُّ ومعه الرجلان، والنبيُّ ومعه الثلاثة، وأكثر مِن ذلك، فيُقال له: هل بلغتَ قومك؟ فيقول: نعم، فيُدْعَى قومُه، فيقال لهم: هل بلَّغكم هذا؟ فيقولون: لا، فيُقال له: مَن يشهد لك؟ فيقول: محمَّد وأمَّته، فيُدْعى محمَّد وأمَّته، فيقال لهم: هل بلَّغ هذا قومَه؟ فيقولون: نعم، فيقال: وما عِلمُكم بذلك؟ فيقولون: جاءنا نبيُّنا فأخبَرَنا أنَّ الرسل قد بلَّغوا فصدقْناه، فذلك قوله:﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ﴾([7]).

7-تحديد مصدر التلقي للأمة المسلمة:
قال تعالي "وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ" النمل
قال تعالي:﴿ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى ﴾"طه: 123 – 126".
وقال تعالى:﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ ﴾"الحشر: 7".
وقال تعالى:﴿ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾"التوبة: 100".
وعن ابن مسعود – t– قال: أحسَنُ الحديث كتاب الله، وأحسن الهَدْي هدي محمَّد – r – وشر الأمور مُحْدثاتها، وإنَّ ما توعدون لآتٍ وما أنتم بِمُعجزين” ([8])
 وعن المقدام بن معد يكرب، رفعَه: (ألاَ هل عسى رجل يَبْلُغه الحديث عنِّي، وهو متَّكئٌ على أريكته، فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله؛ فما وجدنا فيه حلالاً استحلَلْناه، وما وجدنا فيه حرامًا حرَّمناه، وإن ما حرَّم رسول الله كما حرَّم الله) ([9])

8-التسليم المطلق والانقياد الكامل لله تعالى، ولرسوله r:
فالمسلم عبد لله تعالى، يسلم بأحكامه وينقاد لأوامره بكل حب ورضا، ويستجيب لذلك، ويسارع للامتثال بكل ما أوتي من قوة وجهد، فأصل الإسلام التسليم، وخلاصة الإيمان الانقياد، وأساس المحبة الطاعة، لذا كان عنوان صدق المسلم وقوة إيمانه هو فعل ما أمر الله والاستجابة لحكمه، والامتثال لأمره في جميع الأحوال لا يوقفه عن الامتثال والطاعة معرفة الحكمة واقتناعه بها، لأنه يعلم علم اليقين، أنه ما أمره الله تعالى بأمر ولا نهاه عن شيء، إلا كان في مصلحته سواء علم ذلك أو لم يعلمه.
قال تعالى "وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم".
فهذه الطاعة، وذلك التسليم، الذي أقسم الله تعالى بنفسه على نفي الإيمان عمن لا يملكه
في قوله تعالى: فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيما) "النساء: 65".
والصحابة الكرام ـ yـ في أمر تحويل القبلة، أمرهم رسول الله - r - بالتوجه في صلاتهم ناحية المسجد الأقصى فتوجهوا وانقادوا، ولبثوا على ذلك مدة سنة وبضعة شهور، فلما أُمِروا بالتوجه ناحية المسجد الحرام سارعوا وامتثلوا، بل إن بعضهم لما علم بتحويل القبلة وهم في صلاتهم، تحولوا وتوجهوا إلى القبلة الجديدة.
فكان تحويل القبلة اختبارا وتربية للصحابة على السمع والطاعة، والتسليم لله ورسوله.
فالله سبحانه لا يأمر العباد إلا بما فيه مصلحة لهم ولا ينهاهم إلا عما فيه مضرة عليهم وتشريعاته سبحانه جميعها لحكمةٍ يعلمها سبحانه -وإن لم نعلمها -كما قال تعالى: "ذلكم حكم الله يحكم بينكم والله عليم حكيم "الممتحنة 10
وله سبحانه أن يكلف عباده بما شاء، وينسخ ما يشاء، وله الحكمة التامة والحجة البالغة في جميع ذلك، وما على المؤمن إلا الاستجابة والانقياد لأوامر الله وأوامر رسوله r .

9-امتحان المؤمن الصادق واختباره:
 فالمؤمن الصادق يقبل حكم الله جل وعلا، بخلاف غيره، وقد نبّه الله على ذلك بقوله: "وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله"
لقد بين سبحانه أن هذا التحويل كان بلاء، واختبارا ليتميز عند الناس المؤمنون المخلصون من الشاكين المرتابين، والله تعالى يبتلي من شاء من عباده بما يشاء من الأحوال، فأما من كان من أهل الإيمان فسيقول سمعنا وأطعنا، وأما أهل الزيغ فسيقولون سمعنا وعصينا.
فتحويل القبلة أظهر الإيمان في نفوس المؤمنين، والنفاق والشرك في نفوس أهله.فالمؤمنون قالوا: سمعنا وأطعنا؛ كل من عند ربنا، أما اليهود فقالوا: خالف قبلة الأنبياء، ولو كان نبيا لاستمر على قبلته، وأما المنافقون فقالوا: ما يدري محمد أين يتجه في صلاته، إن كانت الأولى حقا فقد تركها، وإن كانت الثانية حقا فقد كان على الباطل كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا

10-كان العرب يعظمون البيت الحرام في جاهليتهم:
ولما كان الإسلام يريد استخلاص القلوب لله وتجريدها من التعلق بغيره، وتخليصها من كل نعرةٍ، وكل عصبيةٍ لغير منهج الله تعالى، فقد انتزعهم من الاتجاه إلى البيت الحرام، وشاء لهم الاتجاه إلى المسجد الأقصى لفترةٍ ليست بالقصيرة، وما ذاك إلا ليخلِّص نفوسهم من رواسب الجاهلية.
ثم لمَّا خلصت النفوس وجَّهها الله تعالى إلى قبلةٍ خاصةٍ تخالف قبلة أهل الديانات السماوية الأخرى.
وقد وصف الله تعالى هذه القدرة على تخليص النفوس بأنها "كبيرة": (وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللهُ) "البقرة: 143"
أي: وإن كان هذا الأمر عظيما في النفوس، إلا على الذين هدى الله قلوبهم، وأيقنوا بتصديق الرسول، وأن كل ما جاء به فهو الحق الذي لا مرية فيه، وأن الله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، فمع الهدى لا مشقة ولا عسر في أن تخلع النفس عنها أي رداءٍ سوى الإسلام، وأن تنفض عنها رواسب الجاهلية، وأن تتجرد لله تعالى تسمع منه وتطيع، وحيثما وجهها الله تعالى تتجه.

11-أهمية الوحدة في الإسلام:
 المسلمون في الشرق والغرب يتجهون في الصلوات الخمس اليومية، وفي فريضة الحج إلى بيت الله الحرام، رغم اختلاف الألسنة والجنسيات والألوان، يجمعهم الدين الإسلامي الحنيف، وهذا ليعلم المسلم أنه لبنة في بناء كبير واحد مرصوص، وفي الحديث: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا"([10])
فالمسلمون يتعلمون من وحدة القبلة، وحدة الأمة في الهدف والغاية، وأن الوحدة والاتحاد ضرورة في كل شئون حياتهم الدينية والدنيوية.

12-دليل على جواز القطع بخبر الواحد:
وذلك أن استقبال بيت المقدس كان مقطوعا به من الشريعة عندهم، ثم إن أهل قباء لما أتاهم الآتي وأخبرهم أن القبلة قد حولت إلى المسجد الحرام قبلوا قوله واستداروا نحو الكعبة
وقبول خبر الواحد مجمع عليه من السلف معلوم بالتواتر من عادة النبي r في توجيهه ولاته ورسله آحادا للآفاق، ليعلموا الناس دينهم فيبلغوهم سنة رسولهم r من الأوامر والنواهي.

13-دليل على أن الناسخ لا يلزم حكمه إلا بعد العلم به:
 وإن تقدم نزوله وإبلاغه ; لأنهم لم يؤمروا بإعادة العصر والمغرب والعشاء.

14-أنّ الله سبحانه وتعالى لا ينسخ حكماً إلا إلى ما هو أفضل منه أو مثله:
 كما قال تبارك وتعالى: "ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير" سورة البقرة 106.

15-كما أن ارتباط مناسك الحج بالبيت الحرام وبالكعبة المشرفة
فناسبه أن يكون التوجه بالصلاة إلى البيت الذي تكون فيه وحوله المناسك.

16-حرص المؤمن على أخيه وحب الخير له:
وذلك من خلال تساءل المؤمنون عن مصير عبادة إخوانهم الذين ماتوا وقد صلوا نحو بيت المقدس فأخبر الله ـ عز وجل ـ أن صلاتهم مقبولة.
فعن ابن عباس ـ t ـ قال:"لما وجِّه النبي -r -إلى الكعبة قالوا: يا رسول الله، كيف بإخواننا الذين ماتوا وهم
يصلون إلى بيت المقدس؟ فأنزل الله تعالى"وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ "يعني صلاتكم"([11])

17-مخالفة أهل الكتاب:
فقد كان رسول الله - r ـ يريد أن يتوجه في صلاته إلى الكعبة، وكان حريصا على أن يكون متميزاً عن أهل الديانات السابقة، الذين حرفوا وبدلوا وغيروا ، ولهذا كان ينهى عن تقليدهم والتشبه بهم، بل يأمر بمخالفتهم، ويحذر من الوقوع فيما وقعوا فيه من الزلل والانحراف، ومن ثم كان من مقتضى هذا الحرص أن يخالفهم في قبلتهم، ويتوجه في صلاته بشكل دائم إلى قبلة أبي الأنبياء إبراهيم ـ عليه الصلاة والسلام ـ، وهو أول بيت وضع للناس، وهذا كان ما يتمناه رسول الله r ، فجاء تحويل القبلة يؤسِّس لمبدأ التمايز أي: تمايز الأمَّة المسلِمة عن غيرها في كلِّ شيء: في الرِّسالة، والتشريع والمنهج، والأخلاق والسلوك، وقبلَ كلِّ ذلك التمايز في الاعتقاد.

18-مكانة النبي r ومنزلته عند ربه سبحانه وتعالى:
قال تعالى: "قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ" "البقرة: 144".
فقد كان r يقلب وجهه في السماء، يحب أن يصرفه الله عز وجل إلى الكعبة، حتى صرفه الله إليه.

19-عدم التعجل في استجابة الدعاء
فقد دعا النبي r ربه تعالى كثيرا لتحويلها واستجابها الله تعالي بعد مرور مدة كبيرة، ومع ذلك لم ييأس النبي r من كثرة الدعاء والتضرع إلى الله تعالى حتى استجاب الله له ، وإن أى دعاء يناجي به المسلم ربه لن يضيع هباءا منثورا بل له بدعائه احدى ثلاث امور كما قال النبي r فيما رواه ابو سعيد الخدري t أن النبي r قال ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث إما أن يعجل له دعوته وإما أن يدخرها له في الآخرة وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها قالوا إذا نكثر قال الله أكثر"([12])

وصلِّ اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد

إعداد الشيخ: احمد أبو عيد
01098095854




([1]) صحيح البخاري
([2]) متفق عليه
([3]) متفق عليه
([4]) صحيح البخاري
([5]) صحيح الترغيب والترهيب
([6]) متفق عليه
([7]) صحيح ابن ماجة
([8]) صحيح البخاري
([9]) صحيح ابن ماجة
([10]) متفق عليه
([11]) صحيح سنن الترمذي
([12]) صحيح الترغيب والترهيب 

التعليقات
0 التعليقات