رمضان شهر الدعاء والانتصارات للشيخ أحمد أبو عيد
الحمد لله الذي أعطى ومنع، وخفض ورفع، وفرّق وجمع، ووصل وقطع، وأضحك وأبكى، وأمات وأحيا، وأغنى وأقنى، وأوجد وأفنى، وأباد بسطوته الأمم الغابرة، سبحانه قرّب أوليائه من بساط أفضاله، ولقاهم السرور بيمن إقباله، وأحيا قلوبهم شهود جماله، وعاملهم بجزيل نواله، فهم في جنة عالية.
واشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد وهو على كل شيء قدير
إليك من مكرك يا سيدي | ** | كل البرايا دائما يحذرون |
فكم ذنوب وعيوب مضت | ** | ونحن عنها يا سيدي غافلون |
فنحن يا رب الورى كلنا | ** | إليك مـن زلاتنا هاربـون |
لكنا نسأل رب الـورى | ** | عفوا وصفحا كي تقر العيون |
وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وشفيعنا محمد عبد الله ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه
آيات أحمد لا تحد لواصف | ** | ولو أنه أملى وعاش دهورا |
بشراكموا يا أمة المختار | ** | في يوم القيامة جنة وحريرا |
فضلتموا حقا بأشرف مرسل | ** | خير البرية باديا وحضورا |
صلى عليه الله ربي دائما | ** | ما دامت الدنيا وزاد كثيرا |
وعلى آله وأصحابه ومن سار على نهجه وتمسك بسنته واقتدى بهديه واتبعهم بإحسان إلى يوم الدين ونحن معهم يا أرحم الراحمين.
العناصر
أولًا: الترغيب في الدعاء
ثانيًا: مواطن استحباب الدعاء
ثانيًا: مواطن استحباب الدعاء
ثالثًا: الآداب والوسائل المعينة على إجابة الدعاء
رابعًا: موانع إجابة الدعاء
خامسًا: قصص ونماذج
خامسًا: قصص ونماذج
الموضوع
تعريف الدعاء
الدعاء لغة: مأخوذ من مادّة (د ع و) الّتي تدلّ في الأصل على إمالة الشّيء إليك بصوت وكلام يكون منك، ومن هذا الأصل الدّعاء في معنى الرّغبة إلى الله عزّ وجلّ.
أقسام الدعاء:
دعاء العبادة: فهو الّذي يتضمّن الثّناء على الله بما هو أهله ويكون مصحوبا بالخوف والرّجاء.
ودعاء المسألة: هو طلب ما ينفع الدّاعي، وطلب كشف ما يضرّه ودفعه، وكلّ من يملك الضّرّ والنّفع فإنّه هو المعبود (بحقّ).
والدّعاء في القرآن يراد به هذا تارة، وهذا تارة، ويراد به مجموعهما وهما متلازمان، فالعبد يدعو للنّفع أو دفع الضّرّ دعاء المسألة ويدعو خوفا ورجاء دعاء العبادة فكلّ دعاء عبادة مستلزم لدعاء المسألة وكلّ دعاء مسألة متضمّن لدعاء العبادة، وقد ورد المعنيان جميعا في قوله سبحانه: ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ* وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (الأعراف/ 556).
أولُا: الترغيب في الدعاء
من صفات الملائكة: قال تعالى: " الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (7) رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (8) وَقِهِمُ السَّيِّئاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9)" غافر.
من صفات الأنبياء: قال تعالى: " وَزَكَرِيَّا إِذْ نادى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ (89) فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَوَهَبْنا لَهُ يَحْيى وَأَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً وَكانُوا لَنا خاشِعِينَ (90)" الأنبياء ، وقال تعالى: " وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنا مَناسِكَنا وَتُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128)" البقرة.
من صفات المؤمنين: قال تعالى: " آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285) لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (286)" البقرة.
من صفات عباد الرحمن: قال تعالى: "وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً (63) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِياماً (64) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذابَها كانَ غَراماً (65) إِنَّها ساءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً (66) وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً (67)" الفرقان.
من صفات أهل الجنة: قال تعالى: " إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (9) دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (10)" يونس.
أمر الله بدعائه واللجوء إليه: قال الله تعالى: {وقال ربكم ادعوني أستجب لكم} [غافر (60)].
قال البغوي: أي اعبدوني دون غيري، أجبكم، وأثبكم، وأغفر لكم، فلما عبر عن العبادة بالدعاء، جعل الإثابة استجابة، وقال تعالى: {ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين}الأعراف ، أي: المتجاوزين. قال أبو مجلز: هم الذين يسألون منازل الأنبياء. وقال ابن جريج: من الاعتداء رفع الصوت، والنداء بالدعاء والصياح. وقال ابن جرير: {تضرعا}: تذللا واستكانة لطاعته. و {خفية}. يقال: بخشوع قلوبكم، وصحة اليقين بواحدنيته وربوبيته، فيما بينكم وبينه لا جهارا ومرآة.
الدعاء هو العبادة: عن النعمان بن بشير قال قال رسول الله r إن الدعاء هو العبادة ثم قرأ (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) ([3]) يعني: أن الدعاء هو خالص العبادة والعبادة لا تقوم إلا بالدعاء
قال القاضي عياض: أي: هو العبادة الحقيقة التي تستأهل أن تسمى عبادة، لدلالته على الإقبال على الله، والإعراض عما سواه. وقد قال الله تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} ... [الجن (18)]. وقال تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر (60)].
وقال تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ (5) وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ} [الأحقاف (5، 6)] ([4]).
الله تعالى قريب يسمع ويجيب: قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186)} [البقرة].
لأنّه لا وسيط بين عبد ذليلٍ ترك كل البشر وجاء يدعو الله، فالله وعده بالإجابة ما دام يدعوه.
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره: بذلك وإذا سَألك يا محمد عبادي عَني: أين أنا؟ فإني قريبٌ منهم أسمع دُعاءهم، وأجيب دعوة الداعي منهم. ([5])
الدعاءُ طاعةٌ لله، وامتثال لأمره: قال تعالى: "وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ". [سورة غافر: الآية 60]
إجابة دعوة المضطر : قال تعالى: {أَمْ مَنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ } أي: من هو الذي لا يلجأ المضطر إلا إليه، والذي لا يكشف ضر المضرورين سواه. {ويجعلكم خلفاء الأرض}، أي: خلفا بعد سلف {أإله مع الله} يقدر على ذلك
إذا أرهقتك هموم الحياة | ** | ومسّك منها عظيم الـضرر |
وذقت الأمرّين حتى بكيت | ** | وضجّ فؤادك حتى انفجر |
وسُدّت بوجهك كل الدروب | ** | وأوشكت تسقط بين الحفر |
فيمم إلى الله في لهفة | ** | وبُثّ الشكاة لرب البشر |
الدعاء أكرم شيء على الله تعالى: عن أبي هريرة y قال: قال r: "لَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَمَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ الدُّعَاءِ"([6])، أي من أفضل العبادات وأجل القربات إلى الله تعالى.
شفاعة النبي يوم القيامة: وعن جابر -y -: أنَّ رسول الله -r -، قَالَ: ((مَنْ قَالَ حِيْنَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ: اللَّهُمَّ رَبَّ هذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ، وَالصَّلاَةِ القَائِمَةِ، آتِ مُحَمَّداً الوَسِيلَةَ، وَالفَضِيلَةَ، وَابْعَثْهُ مَقَامَاً مَحْمُوداً الَّذِي وَعَدْتَهُ، حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتي يَوْمَ القِيَامَةِ)) ([7])
الدعاء سلامة من العجز، ودليل على الكَياسة: عن أبي هريرة، y، قال: قال r: "أَعْجَزُ النَّاسِ مَنْ عَجَزَ عَنْ الدُّعَاءِ وَأَبْخَلُ النَّاسِ مَنْ بَخِلَ بِالسَّلَامِ"([8]).
الداعي في معية الله: عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r- «إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِى بِى
وَأَنَا مَعَهُ إِذَا دعاني» ([9]).
لا يرد القضاء إلا الدعاء: عن سلمان الفارسي قال: قال رسول الله r: " لا يرد القضاء إلا الدعاء ولا يزيد في العمر إلا البر " ([10]) فمن أثر الدعاء إذا دعوت الله تعالى بكشف ضر فهذا قد كتب في الأزل في اللوح المحفوظ أن الله تعالى يرفع هذا الضر عنك بدعائك.
ذهاب الهموم وتفريج الكروب: عن عبد الله قال قال رسول الله r ما أصاب أحدا قط هم ولا حزن فقال اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك ناصيتي بيدك ماض في حكمك عدل في قضاؤك أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو علمته أحدا من خلقك أو أنزلته في كتابك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي إلا أذهب الله همه وحزنه وأبدله مكانه فرجا قال فقيل يا رسول الله ألا نتعلمها فقال بلى ينبغي لمن سمعها أن يتعلمها" ([11])
ثلاثة لا ترد دعوتهم: عن أبي هريرة قال قال رسول الله r ثلاثة لا ترد دعوتهم الإمام العادل والصائم حتى يفطر ودعوة المظلوم يرفعها الله دون الغمام يوم القيامة وتفتح لها أبواب السماء ويقول بعزتي لا نصرنك ولو بعد حين ([12]).
حفظ الأهل والذرية: قال تعالى: وإِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (35) فَلَمَّا وَضَعَتْها قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ (36) فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً قالَ يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (37) هُنالِكَ دَعا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ (38)" آل عمران.
النجاة من المهالك: قال تعالى: " قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجانا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْها وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ *"
الدعاء لا يضيع أبدا: عن أبي سعيد الخدري y أن النبي r قال ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث إما أن يعجل له دعوته وإما أن
يدخرها له في الآخرة وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها قالوا إذا نكثر قال الله أكثر" ([13])
فيعجل له بدعوته باستجابتها في الدنيا، أو يدخر له أجر دعائه يوم القيامة فيكافئه بالثواب العظيم،
أو يصرف عنه مصائب أو بلاء كان لا يتوقعه أو مرض أو حريق .........
غضب الله عند ترك اللجوء إليه: عن أبي هريرة، y، قال: قال رسول الله r: "من لم يدع الله يغضب عليه"([14])
لا تطلبن بني آدم حاجة | ** | وسل الذي أبوابه لا تغلق |
الله يغضب إن تركت سؤاله | ** | وبني آدم حين يسأل يغضب |
ثانيًا: مواطن استحباب الدعاء
عند السجود: عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -r-قَالَ «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ» ([15]) فينبغي الحرص على كثرة الدعاء أثناء السجود فهو أرجى بالقبول والاستجابة.
في جوف الليل: عَنْ جَابِرٍ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِىَّ -r- يَقُولُ «إِنَّ فِى اللَّيْلِ لَسَاعَةً لاَ يُوَافِقُهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ خَيْرًا مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ إِلاَّ أَعْطَاهُ إِيَّاهُ وَذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ» ([16]).
عن أَبي أمامة -y -قَالَ: قيل لِرسولِ اللهِ -r -: أيُّ الدُّعاءِ أَسْمَعُ؟ قَالَ: ((جَوْفَ اللَّيْلِ الآخِرِ، وَدُبُرَ الصَّلَواتِ المَكْتُوباتِ)) ([17])، وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -r- قَالَ «يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ فَيَقُولُ مَنْ يَدْعُونِى فَأَسْتَجِيبَ لَهُ وَمَنْ يَسْأَلُنِى فَأُعْطِيَهُ وَمَنْ يَسْتَغْفِرُنِى فَأَغْفِرَ لَهُ » ([18]).
يوم الجمعة: عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ -r- « إِنَّ فِى الْجُمُعَةِ لَسَاعَةً لاَ يُوَافِقُهَا مُسْلِمٌ قَائِمٌ يُصَلِّى يَسْأَلُ اللَّهَ خَيْرًا إِلاَّ أَعْطَاهُ إِيَّاهُ ». وَقَالَ بِيَدِهِ يُقَلِّلُهَا يُزَهِّدُهَا ([19])
بين الآذان والإقامة: عن أنس - y - ، قَالَ : قَالَ رسول الله - r - : (( الدُّعَاءُ لاَ يُرَدُّ بَيْنَ الأَذَانِ وَالإقَامَةِ )) ([20])
الدعاء لأخيه بظهر الغيب: عَنْ أَبِى الدَّرْدَاءِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r- « مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يَدْعُو لأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ إِلاَّ قَالَ الْمَلَكُ وَلَكَ بِمِثْلٍ »([21]).
دعوة المظلوم: وعن أبي هريرة - y- قال: قال رسول الله - r -: "دعوة المظلوم
مستجابةٌ، وإن كان فاجرًا، ففُجُوره على نفسه" ([22])
وعن خزيمة بن ثابت y قال قال رسول الله r: " اتقوا دعوة المظلوم ؛ فإنها تحمل
على الغمام يقول الله جل جلاله : وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين " ([23])
لا تظلمن إذا ما كنت مقتدرا | ** | فالظلم ترجع عقباه إلى الندم |
تنام عينك والمظلوم منتبه | ** | تنام عينك والمظلوم منتبه |
ثلاث لا ترد دعوتهم: عن أبي هريرة- y- قال: قال رسول الله r: «ثلاث دعوات مستجابات لا شكّ فيهنّ: دعوة الوالد، ودعوة المسافر، ودعوة المظلوم» ([24])
دعوة ذي النون: عن سعد بن أبي وقّاص- y- قال: قال رسول الله r: «دعوة ذي النّون إذ دعا وهو في بطن الحوت: لا إله إلّا أنت سبحانك إنّي كنت من الظّالمين؛ فإنّه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قطّ إلّا استجاب الله له» ([25])
عند الاستيقاظ من النوم: عن عبادة بن الصامت قال : قال رسول الله r : " من تعار من الليل فقال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير وسبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله ثم قال : رب اغفر لي أو قال : ثم دعا استيجيب له فإن توضأ وصلى قبلت صلاته "([26])
تعارّ: بالراء المشددة- أي تقلب على الفراش ليلا، وقيل: انتبه واستيقظ، وقيل: تمطّى وأنّ.
كثرة الدعاء في الرخاء: عن أبي هريرة y أن رسول الله r قال من سره أن يستجيب الله له عند الشدائد فليكثر من الدعاء في الرخاء" ([27])
الدعاء بجوامع الدعاء: عن عائشة رَضِيَ اللهُ عنها ، قالت : كَانَ رسُولُ الله - r - يَسْتَحِبُّ الجَوَامِعَ مِنَ الدُّعَاءِ ، وَيَدَعُ مَا سِوَى ذَلِكَ . ([28]) أي: يستحب الدعاء الجامع للمهمات والمطالب، فيكون قليل المبنى، جليل المعنى.
سؤال الهداية: عَنْ عَلِىٍّ قَالَ قَالَ لِى رَسُولُ اللَّهِ -r- « قُلِ اللَّهُمَّ اهْدِنِى وَسَدِّدْنِى وَاذْكُرْ بِالْهُدَى هِدَايَتَكَ الطَّرِيقَ وَالسَّدَادِ سَدَادَ السَّهْمِ » ([29]) والهدى: هنا الرشاد، وسداد العمل: تقويمه على السنة.
الدعاء بالمغفرة: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِى بَكْرٍ أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ -r- عَلِّمْنِى دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِى صَلاَتِى قَالَ « قُلِ اللَّهُمَّ إِنِّى ظَلَمْتُ نَفْسِى ظُلْمًا كَبِيرًا - وَقَالَ قُتَيْبَةُ كَثِيرًا - وَلاَ يَغْفِرُ
الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ فَاغْفِرْ لِى مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ وَارْحَمْنِى إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ». ([30])
وفي رواية: «وفي بيتي» وروي: «ظلما كثيرا» وروي: «كبيرا» بالثاء المثلثة وبالباء الموحدة؛
فينبغي أن يجمع بينهما فيقال: كثيرا كبيرا. أي: ينبغي أن يحتاط فيجمع بين الروايتين. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: الأحسن أن يؤتى بالدعاء على إحدى الروايتين، ويعاد ثانيا باللفظ الآخر.
وعن أَبِى مُوسَى الأَشْعَرِىِّ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِىِّ -r- أَنَّهُ كَانَ يَدْعُو بِهَذَا الدُّعَاءِ « اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِى خَطِيئَتِى وَجَهْلِى وَإِسْرَافِى فِى أَمْرِى وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّى اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِى جِدِّى وَهَزْلِى وَخَطَئِى وَعَمْدِى وَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدِى اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِى مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّى أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ » ([31]) ، فيه: استحباب الاستغفار بهذا الدعاء. قال بعض السلف: حسنات الأبرار سيئات المقربين. وقال بعضهم: هفوات الطبع البشري لا يسلم منها أحد. والأنبياء وإن عصموا من الكبائر لم يعصموا من الصغائر.
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -r- كَانَ يَقُولُ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلاَةِ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ « اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ قَيَّامُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ أَنْتَ الْحَقُّ وَوَعْدُكَ الْحَقُّ وَقَوْلُكَ الْحَقُّ وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ وَالْجَنَّةُ حَقٌّ وَالنَّارُ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ حَقٌّ اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ وَبِكَ آمَنْتُ وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ وَبِكَ خَاصَمْتُ وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ فَاغْفِرْ لِى مَا قَدَّمْتُ وَأَخَّرْتُ وَأَسْرَرْتُ وَأَعْلَنْتُ أَنْتَ إِلَهِى لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ » ([32]).
سؤال الله العافية: عن أَبي الفضل العباس بن عبد المطلب - y - قَالَ : قُلْتُ : يَا رسول الله عَلِّمْني شَيْئاً أسْألُهُ الله تَعَالَى، قَالَ : (( سَلوا الله العَافِيَةَ )) فَمَكَثْتُ أَيَّاماً، ثُمَّ جِئْتُ فَقُلتُ : يَا رسولَ الله عَلِّمْنِي شَيْئاً أسْألُهُ الله تَعَالَى ، قَالَ لي : (( يَا عَبَّاسُ ، يَا عَمَّ رسول اللهِ ، سَلُوا الله العَافِيَةَ في الدُّنيَا والآخِرَةِ )) . ([33])، ففيه إرشاد إلى أنه ينبغي لكل أحد سؤال العافية في الدنيا بالسلامة من الأسقام، والمحن، والآلام. والآخرة بالعفو عن الذنوب، وإنالة المطلوب.
الدعاء بقضاء الدين: عن عليّ - y - : أنَّ مُكَاتباً جاءهُ فَقَالَ : إنِّي عَجِزْتُ عَنْ كِتَابَتِي فَأعِنِّي ، قَالَ : ألا أُعَلِّمُكَ كَلِماتٍ عَلَّمَنِيهنَّ رسُولُ الله - r - ، لَوْ كَانَ عَلَيْكَ مِثْلُ جَبَلٍ دَيْناً أدَّاهُ اللهُ عَنْكَ ؟ قُلْ : (( اللَّهُمَّ اكْفِني بِحَلاَلِكَ عَنْ حَرَامِكَ ، وَأغْنِنِي بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِواكَ )) ([34]) فيه: استحباب الدعاء بهؤلاء الكلمات.
التعوذ بالله من جهد البلاء: عن أبي هريرة - y - عن النبي - r - قال: « تَعَوَّذُوا بِاللهِ مِنْ جَهْدِ البَلاَءِ ، وَدَرَكِ الشَّقَاءِ ، وَسُوءِ القَضَاءِ ، وَشَمَاتَةِ الأَعْدَاءِ » ([35])
وفي رواية قال سفيان: أشك أني زدت واحدة منها. الجهد: المشقة. وكل ما أصاب الإنسان من شدة المشقة، وما لا طاقة له بحمله، ولا يقدر على دفعه عن نفسه، فهو من جهد البلاء. {ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به} [البقرة (286) ] ، قيل: إن التي زاد فيها سفيان هي شماتة الأعداء، وهذا دعاء جامع للتعوذ من شر الدنيا والآخرة.
التعوذ من شر الفتن وغيرها : عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -r- كَانَ يَدْعُو بِهَؤُلاَءِ الدَّعَوَاتِ « اللَّهُمَّ فَإِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ النَّارِ وَعَذَابِ النَّارِ وَفِتْنَةِ الْقَبْرِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْغِنَى وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْفَقْرِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ اللَّهُمَّ اغْسِلْ خَطَايَاىَ بِمَاءِ الثَّلْجِ وَالْبَرَدِ وَنَقِّ قَلْبِى مِنَ الْخَطَايَا كَمَا نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الأَبْيَضَ مِنَ الدَّنَسِ وَبَاعِدْ بَيْنِى وَبَيْنَ خَطَايَاىَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ اللَّهُمَّ فَإِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْكَسَلِ وَالْهَرَمِ وَالْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ »([36])
قوله: «من فتنة النار» ، أي: الفتنة المسبب عنها النار. قوله: «ومن شر الغنى» ، أي: الشر المرتب عليه، كالكبر والعجب، والشره، والحرص، والجمع للمال من الحرام، والبخل، والشح. «وشر الفقر» : كالتضجر، لتبرم من القدر، والوقوع في المساخط بسببه.
وعن زياد بن عِلاَقَةَ عن عمه ، وَهُوَ قُطْبَةُ بنُ مالِكٍ - y - ، قَالَ : كَانَ النبيّ - r - يقول : (( اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بِكَ مِنْ مُنْكَرَاتِ الأخْلاَقِ ، وَالأعْمَالِ ، والأهْواءِ )) ([37])
والأخلاق المنكرة، كالعجب، والكبر، والخيلاء، والفخر، والحسد، والتطاول، والبغي، ونحو ذلك. والأعمال المنكرة، كالزنى وشرب الخمر، وسائر المحرمات. والأهواء المنكرة، كالاعتقادات الفاسدة، والمقاصد الباطلة. زاد الترمذي: (والأدواء) . وهي الأدواء المنكرة، كالبرص، والجنون والجذام، وسيء الأسقام.
وعَنْ فَرْوَةَ بْنِ نَوْفَلٍ الأَشْجَعِىِّ قَالَ سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَمَّا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -r- يَدْعُو بِهِ اللَّهَ قَالَتْ كَانَ يَقُولُ « اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا عَمِلْتُ وَمِنْ شَرِّ مَا لَمْ أَعْمَلْ ». ([38])
قال الشارح: استعاذ - r - من أن يعمل في المستقبل من الزمان ما لا يرضاه الله تعالى. فإنه لا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون. وقيل: استعاذ من أن يصير معجبا بنفسه في ترك القبائح، وسأل أن يرى ذلك من فضل الله عليه، لا بحوله وقوته. وهذا تعليم منه - r - لأمته، وأداء لحق الربوبية،
وتواضعا للحضرة الإلهية ([39])
وعَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ لاَ أَقُولُ لَكُمْ إِلاَّ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -r- يَقُولُ كَانَ يَقُولُ « اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَالْجُبْنِ وَالْبُخْلِ وَالْهَرَمِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِى تَقْوَاهَا وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلاَهَا اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لاَ يَنْفَعُ وَمِنْ قَلْبٍ لاَ يَخْشَعُ وَمِنْ نَفْسٍ لاَ تَشْبَعُ وَمِنْ دَعْوَةٍ لاَ يُسْتَجَابُ لَهَا » ([40])
فالعلم الذي لا ينفع، هو الذي لا يعمل به. وقيل: هو الذي لا يهذب الأخلاق الباطنة، فيسري منها إلى الأفعال الظاهرة وأنشد: ?? ... يا من تباعد عن مكارم خلقه ... ليس التفاخر بالعلوم الزاخرة من لم يهذب علمه أخلاقه ... لم ينتفع بعلومه في الآخرة
وعن شَكَلِ بن حُمَيدٍ - y - قَالَ : قلتُ : يَا رسولَ الله ، علِّمْنِي دعاءً ، قَالَ : (( قُلْ : اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ سَمْعِي ، وَمِنْ شَرِّ بَصَرِي ، وَمِنْ شَرِّ لِسَانِي ، وَمِنْ شَرِّ قَلْبِي ، وَمِنْ شَرِّ مَنِيِّي )) يستعيذ بالله منها أن تواقعه في المعاصي، أو لا يستعملها في الطاعات، ومنيي أي الفَرج.
وعن أَبي هريرة - y- قَالَ : كَانَ رسولُ الله - r - يقول : (( اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بِكَ مِنَ الجُوعِ ، فَإنَّهُ بِئْسَ الضَّجِيعُ ، وأعوذُ بِكَ منَ الخِيَانَةِ ، فَإنَّهَا بِئْسَتِ البِطَانَةُ )) ([41]) فيه: مشروعية الإستعاذة من الجوع لأنه يضعف القوى، ويخل بوظائف العبادة، والاستعاذة من الخيانة؛ لأنها من علامات النفاق.
الدعاء بخير ما دعا به رسول الله r والاستعاذة من شر ما استعاذ به
عن أبي أمامة - y- قال: دعا رسول الله - r - بدعاء كثير، لم نحفظ منه شيئا؛ قلنا: يا رسول الله، دعوت بدعاء كثير لم نحفظ منه شيئا، فقال: «ألا أدلكم على ما يجمع ذلك كله؟ تقول: اللهم إني أسألك من خير ما سألك منه نبيك محمد - r -؛ وأعوذ بك من شر ما استعاذ منه نبيك محمد - r -، وأنت المستعان، وعليك البلاغ، ولا حول ولا قوة إلا بالله»([42])
بعض دعاء النبي r: عن أنس - y - قَالَ : كَانَ أكثرُ دعاءِ النبيّ - r - : (( اللَّهُمَّ آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً ، وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً ، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ )) ([43]) وزاد مسلم قال: وكان أنس إذا أراد أن يدعو بدعوة دعا بها، وإذا أراد أن يدعو بدعاء دعا بها فيه. يدخل في الحسنة، كل خير
ديني ودنيوي، وصرف كل شر.
عَنْ أَبِى الأَحْوَصِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِىِّ -r- أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ « اللَّهُمَّ إِنِّى أَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى
وَالْعَفَافَ وَالْغِنَى ». ([44]) والهدى: ضد الضلالة. والتقى: امتثال الأوامر واجتناب النواهي. والعفاف: الكف عن المعاصي والقبائح. والغنى: الاستغناء عن الحاجة إلى الناس.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ كَانَ مِنْ دُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ -r- « اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ وَجَمِيعِ سَخَطِكَ » ([45]) وخص فجاءة النقمة بالاستعاذة؛ لأنها أشد من أن تصيبه تدريجا
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص y ، قَالَ : قَالَ رسُولُ الله - r - : (( اللَّهُمَّ مُصَرِّفَ القُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبنَا عَلَى طَاعَتِكَ )) ([46]) أي: صرف على طاعتك قلوبنا، فلا تنزعها بعد الهدى.
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -r- يَقُولُ « اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِى دِينِىَ الَّذِى هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِى وَأَصْلِحْ لِى دُنْيَاىَ الَّتِى فِيهَا مَعَاشِى وَأَصْلِحْ لِى آخِرَتِى الَّتِى فِيهَا مَعَادِى وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لِى فِى كُلِّ خَيْرٍ وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لِى مِنْ كُلِّ شَرٍّ ». ([47]) ، هذا من الأدعية الجوامع، فإن الله تعالى إذا وفق العبد للقيام بآداب الدين، ورزقه من الحلال كفافا، ووفقه للإخلاص، وحسن الخاتمة، وأطال عمره على طاعته، ووقاه من الفتن، فقد حصل له سعادة الدنيا والآخرة.
ثالثًا: الآداب والوسائل المعينة على إجابة الدعاء
افتتاح الدعاء بحمد الله تعالى والثناء عليه، والصلاة على النبي r: عن فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ ، قَالَ : بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ r قَاعِدًا إِذْ دَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى ، فَقَالَ : اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : " عَجِلْتَ أَيُّهَا الْمُصَلِّي ، إِذَا صَلَّيْتَ فَقَعَدْتَ فَاحْمَدِ اللَّهَ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ، وَصَلِّ عَلَيَّ ثُمَّ ادْعُهُ " ، قَالَ : ثُمَّ صَلَّى رَجُلٌ آخَرُ بَعْدَ ذَلِكَ ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ r ، فَقَالَ النَّبِيُّ r : " أَيُّهَا الْمُصَلِّي ادْعُ تُجَبْ "([48]) ، وعن سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب موقوفا قال إن الدعاء موقوف بين السماء والأرض لا يصعد منه شيء حتى تصلي على نبيك r([49])
الاعتراف بالذنب والإقرار به: وفي هذا كمال العبودية لله تعالى، مثلما دعا يونس u:
{فَنَادى فِي الظُلُمَاتِ أن لآ إلَهَ إلآ أنتَ سُبحَانَكَ إنِّي كُنتُ مِنَ الظَالٍمِينَ} [الأنبياء:87].
الإلحاح في الدعاء والعزم في المسألة: فعَنْ أَنَسٍ y قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r:" إِذَا دَعَا أَحَدُكُمْ فَلْيَعْزِمْ الْمَسْأَلَةَ؛ وَلَا يَقُولَنَّ اللَّهُمَّ إِنْ شِئْتَ فَأَعْطِنِي فَإِنَّهُ لَا مُسْتَكْرِهَ لَهُ " ([50])
الوضوء واستقبال القبلة ورفع الأيدي حال الدعاء: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ:" خَرَجَ النَّبِيُّ r إِلَى هَذَا الْمُصَلَّى يَسْتَسْقِي فَدَعَا وَاسْتَسْقَى ثُمَّ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَقَلَبَ رِدَاءَهُ "([51])
وعن أبي موسى الأشعري: "لما فرغ النبي r من حنين دَعَا بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ بِهِ ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعُبَيْدٍ أَبِي عَامِرٍ وَرَأَيْتُ بَيَاضَ إِبْطَيْهِ "([52])
خفض الصوت والإسرار بالدعاء: قال تعالى: { ادعُوا رَبَكُم تَضَرُعاً وَخُفيَةٌ إنَهُ لاَ يُحِبُ المُعتَدِينَ} [الأعراف:55]. ، وقال تعالى: "قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا (110)" الإسراء.
وعن أَبِي مُوسى الأَشْعَرِيِّ y، قَالَ: لَمَّا غَزَا رَسُولُ اللهِ r خَيْبَرَ، أَوْ قَالَ: لَمَّا تَوَجَّهَ رَسُولُ اللهِ r، أَشْرَفَ النَّاسُ عَلَى وَادٍ فَرَفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالتَّكْبِيرِ: اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ لاَ إِله إِلاَّ اللهُ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ r: ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ إِنَّكُمْ لاَ تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلاَ غَائِبًا إِنَّكُمْ تَدْعُونَ سَمِيعًا قَرِيبًا، وَهُوَ مَعَكُمْ وَأَنَا خَلْفَ دَابَّةِ رَسُولِ اللهِ r فَسَمِعَنِي وَأَنَا أَقُولُ: لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ فَقَالَ لِي: يَا عَبْدَ اللهِ بْنَ قَيْسٍ قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللهِ قَالَ: أَلاَ أَدُلُّكَ عَلَى كَلِمَةٍ مِنْ كَنْزٍ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ فَدَاكَ أَبِي وَأُمِّي قَالَ: لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ([53])
عدم تكلف السجع في الدعاء: وذلك لأن الداعي ينبغي أن يكون في حال تضرع وذلة ومسكنة، والتكلف لا يناسب ذلك، وقد أوصى ابن عباس أحد أصحابه قائلاً: " فَانْظُرْ السَّجْعَ مِنْ الدُّعَاءِ فَاجْتَنِبْهُ ؛ فَإِنِّي عَهِدْتُ رَسُولَ اللَّهِ r وَأَصْحَابَهُ لَا يَفْعَلُونَ إِلَّا ذَلِكَ؛ يَعْنِي لَا يَفْعَلُونَ إِلَّا ذَلِكَ الِاجْتِنَابَ" ([54])
تحري الأوقات المستحبة واغتنام الأحوال الشريفة: كأدبار الصلوات الخمس، وعند الأذان، وبين الأذان والإقامة، والثلث الأخير من الليل، ويوم الجمعة، ويوم عرفة، وحال نزول المطر، وحال السجود، وحال زحف الجيوش في سبيل الله، وعند إفطار الصّائم، وفي حال السّفر. وغير ذلك؛ ولكل ذلك دليل من السنة المشرفة وأنت بذلك خبير .
ويقول القاضي ابن شدَّاد: "وكان صلاح الدين إذا سمع أنَّ العدو قد داهم المسلمين خرَّ إلى الأرض
ساجدًا لله، داعيًا بهذا الدعاء: اللهم قد انقطعت أسبابي الأرضية في نصرة دينك، ولم يبق إلا الإخلاد إليك، والاعتصام بحبلك، والاعتماد على فضلك، أنت حسبي ونعم الوكيل" ويقول: "ورأيته ساجدًا ودموعه تتقاطر على شيبته ثمَّ على سجَّادته، ولا أسمع ما يقول، ولم ينقض ذلك اليوم إلاّ ويأتيه أخبار النصر على الأعداء، وكان أبدًا يقصد بوقفاته الجمع، لاسيما أوقات صلاة الجمعة تبركاً بدعاء الخطباء على المنابر، فربما كانت أقرب إلى الاستجابة".
تجنب الدعاء على النفس والأهل والمال: فكثير من الآباء والأمهات يدعون على أولادهم في ساعة الغضب وهذا منهيٌ عنه لقول النبي r: " لَا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ؛ وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَوْلَادِكُمْ؛ وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ؛ لَا تُوَافِقُوا مِنْ اللَّهِ سَاعَةً يُسْأَلُ فِيهَا عَطَاءٌ فَيَسْتَجِيبُ لَكُمْ" ([55])
وقال تعالى: " { وَيَدْعُ الإنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإنْسَانُ عَجُولا (11) } الإسراء.
قال ابن كثير : يخبر تعالى عن عجلة الإنسان، ودعائه في بعض الأحيان على نفسه أو ولده أو ماله { بِالشَّرِّ } أي: بالموت أو الهلاك والدمار واللعنة ونحو ذلك، فلو استجاب له ربه لهلك بدعائه، كما قال تعالى: { وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ } [ يونس: 11 ].
تحري الأكل الحلال: عن أبي هريرة -y- قال: قال رسول الله -r-: «أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إِلاَّ طَيِّبًا وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ فَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} [المؤمنون:51]، وَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة:172]. ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ: يَا رَبِّ يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟!» ([56])
أن يحسن الظن بربه ويوقن بالإجابة : فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r:" ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالْإِجَابَةِ؛ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لَاهٍ" ([57])
قال تعالى: " وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ (87)" يوسف.
ألا يعجل الإجابة ويستبطئها: فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ:" يُسْتَجَابُ لِأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ فَيَقُولُ قَدْ دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي" ([58])
وعن أَبي هريرة - y - :أنَّ رسُولَ الله - r - قَالَ : (( يُسْتَجَابُ لأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ :
يقُولُ : قَدْ دَعْوتُ رَبِّي ، فَلَمْ يسْتَجب لِي )) ([59]) وفي روايةٍ لمسلمٍ : (( لا يَزالُ يُسْتَجَابُ لِلعَبْدِ مَا لَمْ يَدْعُ بإثْمٍ ، أَوْ قَطيعَةِ رحِمٍ ، مَا لَمْ يَسْتَعْجِلْ )) قيل : يَا رسولَ اللهِ مَا الاستعجال ؟ قَالَ : (( يقول : قَدْ دَعوْتُ ، وَقَدْ دَعَوْتُ ، فَلَمْ أرَ يسْتَجِبُ لي ، فَيَسْتحْسِرُ عِنْدَ ذَلِكَ وَيَدَعُ الدُّعَاءَ )). فينبغي إدامة الدعاء ، ولا يستبطئ الإجابة.
رابعًا: موانع إجابة الدعاء
أ-قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى : ( والأدعية والتعوذات بمنزلة السلاح ، والسلاح بضاربه ، لا بحده فقط ، فمتى كان السلاح سلاحا تاما لا آفة به ، والساعد ساعد قوي ، والمانع مفقود ، حصلت به النكاية في العدو . ومتى تخلف واحد من هذه الثلاثة تخلف التأثير )([60]).
ب-يقول الشيخ محمد صالح المنجد إن من موانع إجابة الدعاء:
أن يكون الدعاء ضعيفا في نفسه ، لما فيه من الاعتداء أو سوء الأدب مع الله عز وجل ، والاعتداء هو سؤال الله عز وجل ما لا يجوز سؤاله كأن يدعو الإنسان أن يخلده في الدنيا أو أن يدعو بإثم أو محرم أو الدعاء على النفس بالموت ونحوه . عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ -r- أَنَّهُ قَالَ « لاَ يَزَالُ يُسْتَجَابُ لِلْعَبْدِ مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ مَا لَمْ يَسْتَعْجِلْ ». قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الاِسْتِعْجَالُ قَالَ « يَقُولُ قَدْ دَعَوْتُ وَقَدْ دَعَوْتُ فَلَمْ أَرَ يَسْتَجِيبُ لِى فَيَسْتَحْسِرُ عِنْدَ ذَلِكَ وَيَدَعُ الدُّعَاءَ ». ([61])
2 - أن يكون الداعي ضعيفا في نفسه ، لضعف قلبه في إقباله على الله تعالى . أما سوء الأدب مع الله تعالى فمثاله رفع الصوت في الدعاء أو دعاء الله عز وجل دعاء المستغني المنصرف عنه أو التكلف في اللفظ والانشغال به عن المعنى ، أو تكلف البكاء والصياح دون وجوده والمبالغة في ذلك .
3 - أن يكون المانع من حصول الإجابة : الوقوع في شيء من محارم الله مثل المال الحرام مأكلا ومشربا وملبسا ومسكنا ومركبا ودخل الوظائف المحرمة ، ومثل رين المعاصي على القلوب ، والبدعة في الدين واستيلاء الغفلة على القلب .
4 - أكل المال الحرام ، وهو من أكبر موانع استجابة الدعاء ، فعن أبي هريرة y قال : قال رسول الله r : ( يا أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا ، وإن الله أمر المتقين بما أمر به المرسلين فقال : ( يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم ) وقال : ( يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم ) ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك !! ) ([62])
فتوفر في الرجل الذي ذكره النبي r بعض الأمور المعينة على الإجابة من كونه مسافرا مفتقرا إلى الله عز وجل لكن حجبت الاستجابة بسبب أكله للمال الحرام ، نسأل الله السلامة والعافية .
5 - استعجال الإجابة والاستحسار بترك الدعاء ، فعن أبي هريرة y قال : قال رسول الله r : ( يستجاب لأحدكم ما لم يعجل ، يقول دعوت فلم يستجب لي ) ([63])
6 - تعليق الدعاء ، مثل أن يقول اللهم اغفر لي إن شئت ، بل على الداعي أن يعزم في دعائه ويجد ويجتهد ويلح في دعائه فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ النَّبِىُّ -r- « لاَ يَقُولَنَّ أَحَدُكُمُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِى إِنْ شِئْتَ اللَّهُمَّ ارْحَمْنِى إِنْ شِئْتَ. لِيَعْزِمْ فِى الدُّعَاءِ فَإِنَّ اللَّهَ صَانِعٌ مَا شَاءَ لاَ مُكْرِهَ لَهُ ». ([64])
ولا يلزم لحصول الاستجابة أن يأتي الداعي بكل هذه الآداب وأن تنتفي عنه كل هذه الموانع فهذا أمر عز حصوله ، ولكن أن يجتهد الإنسان وسعه في الإتيان بها .
ج- مـــر إبراهيم بن أدهم بسوق البصرة
فأجتمــــع الناس اليه وقالوا له : يا ابا اسحاق مالنا ندعو فلا يستجاب لنا ؟
قال : لان قلوبكــم مــاتت بعشرة اشياء :
عرفتم الله ولم تؤدوا حقه.
وزعمتم انكم تحبون رسول الله r وتركتــم سنته.
وقرأتم القران فلم تعملــوا به .
وأكلتــم نعم الله ولم تؤدوا شكرهــا.
وقلتــم ان الشيطان عدو لكم ولم تخالفــوه.
وقلتــم ان الجنة حق ولم تعملوا لها .
وقلتــم ان النار حق ولم تهربوا منها.
وقلتــم ان الموت حق ولم تستعدوا له .
وانتبهتم من النوم فاشتغلتم بعيــوب الناس ونسيتم عيوبكم .
ودفنتم موتاكم ولم تعتبــروا بهم .
د-ثلاثة لا يستجاب لهمك: عن أبي موسى قال قال رسول الله r " ثلاثة يدعون فلا يستجاب لهم : رجل كانت تحته امرأة سيئة الخلق فلم يطلقها ورجل كان له على رجل مال فلم يشهد عليه ورجل آتى سفيها ماله وقد قال الله عز وجل : { ولا تؤتوا السفهاء أموالكم }" ([65])
خامسًا: قصص ونماذج
بركة دعاء النبي r يوم الخندق: عن جابر بن عبد الله : (لما حفر الخندق، رأيت برسول الله r خمصة) أي: رأيته ظاهر البطن من الجوع (فانكفأت إلى امرأتي) يعني رجعت إلى زوجتي (فقلت لها: هل عندك شيءٌ؟ فإني رأيت برسول الله r خمصاً شديداً، فأخرجت لي جراباً فيه صاع من شعير ولنا بهيمة داجن) -البهيمة: الصغيرة من أولاد الضأن تطلق على الذكر والأنثى كالشاة من أولاد المعز، والداجن: ما ألف البيوت. (قال: فذبحتها وطَحنَتْ، فَفَرغَتْ إلى فراغي، فقطعتها في برمتها، ثم وليت إلى رسول الله r فقالت: لا تفضحني برسول الله r ومن معه، قال: فجئته فساررته فقلت: يا رسول الله، إنا قد ذبحنا بهيمةً لنا وطحنا صاعاً من شعير كان عندنا، فتعال أنت في نفر من أصحابك، فصاح رسول الله r وقال: يا أهل الخندق! إن جابراً قد صنع لكم سوراً -وهو الطعام الذي يدعى إليه، وهي لفظة فارسية- فحيهلا بكم، وقال رسول الله r: لا تنزلن برمتكم ولا تخبزن عجينتكم حتى أجيء، وجاء رسول الله r يقدم الناس، حتى جئت امرأتي فقالت لما رأت العدد الكبير: بك وبك) أي أنها ذمته قال الشراح: أو: بك تلحق الفضيحة ويتعلق الذم، أو جرى هذا بسبب سوء نظرك، وبرأيك، وأنك تسببت في جلب الفضيحة بأن جئت بعدد كبير وليس عندنا إلا هذا الشيء لا يكفيهم (فقلت: قد فعلت الذي قلته لي، وأخبرت النبي r سراً) قال جابر : (وجاء النبي r فأخرجت له عجينتنا فبصق فيها وبارك، ثم عمد إلى برمتنا فبصق فيها وبارك، ثم قال: ادعي خابزةً فلتخبز معك ثم قال: واقدحي من برمتكم ولا تنزلوها) أي اغرفي المرق في قدح. يقول جابر y: (وهم ألف! فأقسم بالله لأكلوا حتى تركوه وانحرفوا -يعني شبعوا وانصرفوا- وإن عجينتنا وإن برمتنا لتغط كما هي) ([66]).
سعيد بن زيد y : عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ أَرْوَى بِنْتَ أُوَيْسٍ ادَّعَتْ عَلَى
سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّهُ أَخَذَ شَيْئًا مِنْ أَرْضِهَا فَخَاصَمَتْهُ إِلَى مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ. فَقَالَ سَعِيدٌ أَنَا كُنْتُ آخُذُ مِنْ
أَرْضِهَا شَيْئًا بَعْدَ الَّذِى سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -r- قَالَ وَمَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -r- قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -r- يَقُولُ « مَنْ أَخَذَ شِبْرًا مِنَ الأَرْضِ ظُلْمًا طُوِّقَهُ إِلَى سَبْعِ أَرَضِينَ ». فَقَالَ لَهُ مَرْوَانُ لاَ أَسْأَلُكَ بَيِّنَةً بَعْدَ هَذَا. فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنْ كَانَتْ كَاذِبَةً فَعَمِّ بَصَرَهَا وَاقْتُلْهَا فِى أَرْضِهَا. قَالَ فَمَا مَاتَتْ حَتَّى ذَهَبَ بَصَرُهَا ثُمَّ بَيْنَا هِىَ تَمْشِى فِى أَرْضِهَا إِذْ وَقَعَتْ فِى حُفْرَةٍ فَمَاتَتْ" ([67]).
سعد بن أبي وقاص y : عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: شَكَا أَهْلُ الْكُوفَةِ سَعْدًا إِلَى عُمَرَ y، فَعَزَلَهُ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ عَمَّارًا فَشَكَوْا حَتَّى ذَكَرُوا أَنَّهُ لاَ يُحْسِنُ يُصَلِّي، فَأَرْسَلَ إِلَيْه، فَقَالَ: يَا أَبَا إِسْحقَ إِنَّ هؤُلاَءِ يَزْعُمُونَ أَنَّكَ لاَ تُحْسِن تُصَلِّي قَالَ أَبُو إِسْحقَ: أَمَّا أَنَا وَاللهِ فَإِنِّي كُنْتُ أُصَلِّي بِهِمْ صَلاَةَ رَسُولِ اللهِ ص، مَا أَخْرِمُ عَنْهَا، أُصَلِّي صَلاَةَ الْعِشَاءِ فَأَرْكُدُ فِي الأُولَيَيْنِ، وَأُخِفُّ فِي الأُخْرَيينِ قَالَ: ذَاكَ الظَّنُّ بِكَ يَا أَبَا إِسْحقَ فَأَرْسَلَ مَعَهُ رَجُلاً، أَوْ رِجَالاً، إِلَى الْكُوفَةِ فَسَأَلَ عَنْهُ أَهْلَ الْكُوفَةِ، وَلَمْ يَدَعْ مَسْجِدًا إِلاَّ سَأَلَ عَنْهُ، وَيُثْنُونَ مَعْرُوفًا، حَتَّى دَخَلَ مَسْجِدًا لِبَنِي عَبْسٍ؛ فَقَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ أُسَامَةُ بْنُ قَتَادَةَ، يُكْنَى أَبَا سَعْدَةَ؛ فَقَالَ: أَمَّا إِذْ نَشَدْتَنَا فَإِنَّ سَعْدًا كَانَ لاَ يَسِيرُ بِالسَّرِيَّةِ، وَلاَ يَقْسِمُ بِالسَّوِيَّةِ، وَلاَ يَعْدِلُ فِي الْقَضِيَّة قَالَ سَعْدٌ: أَمَا وَاللهِ لأَدْعُوَنَّ بِثَلاَثٍ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ عَبْدُكَ هذَا كَاذِبًا قَامَ رِيَاءً وَسُمْعَةً فَأَطِلْ عُمْرَهُ، وَأَطِلْ فَقْرَهُ، وَعَرِّضْهُ بِالْفِتَنِ فَكَانَ بَعْدُ، إِذَا سُئِلَ يَقُولُ: شَيْخٌ كَبيرٌ مَفْتُونٌ أَصَابَتْنِي دَعْوَةُ سَعْد، قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ (أَحَدُ رُوَاةِ هذَا الْحَدِيثَ) فَأَنَا رَأَيْتُهُ بَعْدُ، قَدْ سَقَطَ حَاجِبَاهُ عَلَى عَيْنَيْهِ مِنَ الْكِبَرِ، وَإِنَّهُ لَيَتَعَرَّضُ لِلْجَوَارِي فِي الطُّرُقِ يَغْمِزُهُنَّ" ([68])
رجل مستجاب الدعوة: عن أُسَيْر بن عمرو ، ويقال : ابن جابر وَهُوَ - بضم الهمزة وفتح السين المهملة - قَالَ : كَانَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ - y - إِذَا أتَى عَلَيهِ أمْدَادُ أهْلِ اليَمَنِ سَألَهُمْ : أفِيكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ ؟ حَتَّى أتَى عَلَى أُوَيْسٍ - y- ، فَقَالَ لَهُ : أنْتَ أُوَيْسُ ابْنُ عَامِر ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : مِنْ مُرَادٍ ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ ؟ قَالَ : نَعَمْ . قَالَ : فَكَانَ بِكَ بَرَصٌ ، فَبَرَأْتَ مِنْهُ إلاَّ مَوْضِعَ دِرْهَمٍ ؟ قَالَ : نَعَمْ . قَالَ : لَكَ وَالِدةٌ ؟ قَالَ : نَعَمْ . قَالَ : سَمِعْتُ رَسُول الله - r - ، يقول : (( يَأتِي عَلَيْكُمْ أُويْسُ بْنُ عَامِرٍ مَعَ أمْدَادِ أهْلِ اليَمَنِ مِنْ مُرَادٍ ، ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ كَانَ بِهِ بَرَصٌ ، فَبَرَأَ مِنْهُ إلاَّ موْضِعَ دِرْهَمٍ ، لَهُ وَالدةٌ هُوَ بِهَا بَرٌّ لَوْ أقْسَمَ عَلَى الله لأَبَرَّهُ ، فإنِ اسْتَطَعْتَ أنْ يَسْتَغْفِرَ لَكَ فَافْعَل )) فَاسْتَغْفِرْ لي فَاسْتَغْفَرَ لَهُ ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ : أيْنَ تُريدُ ؟ قَالَ : الكُوفَةَ ، قَالَ : ألاَ أكْتُبُ لَكَ إِلَى عَامِلِهَا ؟ قَالَ : أكُونُ في غَبْرَاءِ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيَّ ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ العَامِ المُقْبِلِ حَجَّ رَجُلٌ مِنْ أشْرَافِهِمْ ، فَوافَقَ عُمَرَ ، فَسَألَهُ عَنْ أُوَيْسٍ ، فَقَالَ : تَرَكْتُهُ رَثَّ البَيْتِ قَليلَ المَتَاع ، قَالَ : سَمِعْتُ رَسُول الله - r - ، يقولُ : (( يَأتِي عَلَيْكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ مَعَ أمْدَادٍ مِنْ أهْلِ اليَمَنِ مِنْ مُرَادٍ ، ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ ، كَانَ بِهِ بَرَصٌ فَبَرَأَ مِنْهُ إلاَّ مَوضِعَ دِرْهَمٍ ، لَهُ وَالِدَةٌ هُوَ بِهَا بَرٌّ لَوْ أقْسَمَ عَلَى اللهِ لأَبَرَّهُ ، فَإنِ اسْتَطْعتَ أنْ يَسْتَغْفِرَ لَكَ ، فَافْعَلْ )) فَأتَى أُوَيْساً ، فَقَالَ : اسْتَغْفِرْ لِي . قَالَ : أنْتَ أحْدَثُ عَهْداً بسَفَرٍ صَالِحٍ ، فَاسْتَغْفِرْ لي . قَالَ : لَقِيتَ عُمَرَ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، فاسْتَغْفَرَ لَهُ ،
فَفَطِنَ لَهُ النَّاسُ ، فَانْطَلَقَ عَلَى وَجْهِهِ " ([69])
دعاء أبو حسان الزيادي : قال أبو حسان الزيادي قال : ضقت ضيقه بلغت فيها إلى الغاية حتى ألح على البقال والقصاب ولم تبق لي حيله وذات يوم دخل على أحد الحجاج الخراسانيين فقال : إنا رجل غريب وأريد الحج ومعي عشرة الآف درهم واحتجت إلى إن تكون قبلك إلى إن اقضي حجي وأرجع ؟؟فقلت هاتها وخرج بعد إن وزنتها له . فلما خرج فككت الخاتم وقضيت الدين الذي كان على وقلت إذا عاد أعدته عليه , فلما أصبحت من الغد دخل على الرجل الخراساني فقال : أنى كنت عازما على الحج ثم ورد الخبر بوفاة أبى وقد عزمت على الرجوع إلى بلدي فتأمر لي بالمال الذي أعطيتك أمس؟؟فورد على أمر لم يرد على مثله قط, وتحيرت ثم قلت له نعم عافاك الله المال في منزلي وهو بعيد , فتعود في عد لتأخذه فانصرف فبقيت متحيرا إن جحدته كانت الفضيحة في الدنيا والآخرة, وان أعلمته صاح !!وبقيت على هذا الحال وانأ أدعو ,إلى إن قرب الفجر, فركبت بغلتي وانأ لأدرى إلى أين أتوجه حتى عبرت بي البغلة الجسر فقلت: اتركها تمضى حيث شاءت !! إلى إن قاربت باب المأمون والدنيا بعد مظلمة فإذا فارس قد تلقاني فنظر في وجهي ثم سار وتركني ثم عاد فقال: الست بأبي حسان الزيادي قلت :نعم قال: اجب الأمير الحسن بن سهل فسرت معه فدخلت عليه فسلم علىّ وقال :ما خبرك؟ وكيف حالك ؟ولم انقطعت عنا ؟ فاعتذرت فقال دع عنك فقد رأيتك البارحة في النوم في تخليط كثير؟؟؟؟ فأخبرته بقصتي فقال : لا يغمك الله يا أبا حسان .قد فرج الله عنك هذه بدره فيها مال الخراساني وهذه مثلها لك([70])
دعاء عبد الله بن جحش : عن سعد ابن أبي وقاص حدثني أبي أن عبد الله بن جحش قال يوم أحد ألا تأتي ندعو الله تعالى فخلوا في ناحية فدعا سعد فقال يا رب إذا لقينا العدو غدا فلقني رجلا شديدا بأسه شديدًا حرده أقاتله ويقاتلني ثم ارزقني الظفر عليه حتى أقتله وآخذ سلبه !!
فأمنّ عبد الله ثم قال: اللهم ارزقني غدا رجلا شديداً بأسه شديداً حرده ،فأقاتله ويقاتلني!! ثم يأخذني فيجدع أنفي وأذني !فإذا لقيتك غدا قلت لي: يا عبد الله فيم جدع أنفك وأذناك؟؟ فأقول فيك وفي رسولك فتقول :صدقت! قال: سعد كانت دعوته خيرا من دعوتي فلقد رأيته آخر النهار وإن أنفه وأذنه لمعلق في خيط ([71])
أبو الدرداء: جاء رجل إلي أبي الدرداء y، فقال : يا أبا الدرداء، قد احترق بيتك، فقال : ما احترق، ولم يكن الله عز وجل ليفعل ذلك بكلمات سمعتهن من رسول الله r من قالها أول نهاره، لم تصبه مصيبة حتى يمسي، ومن قالها آخر النهار، لم تصبه مصيبة حتى يصبح : «اللهم أنت ربي، لا إله إلا أنت، عليك توكلت وأنت رب العرش العظيم، ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، أعلم أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علمًا ، اللهم إني أعوذ بك من شر نفسي، ومن شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها، إن ربي على صراط مستقيم» .
وفي رواية أخرى : أنه تكرر مجيء الرجل إليه ويقول : أدرك دارك فقد احترقت، وهو يقول : ما احترقت؛ لأني سمعت النبي r يقول : «من قال حين يصبح هذه الكلمات – وذكر هذه الكلمات – لم يصبه في نفسه ولا أهله ولا ماله شيء يكرهه»، وقد قلتها اليوم، ثم قال : انهضوا بنا، فقام وقاموا معه، فانتهوا إلى داره وقد احترق ما حولها، ولم يصبها شيء " ([72]) .
إحدى المعلمات: تقول إحدى المعلمات عودت طالباتي وكانوا في الصف الأول متوسط على أنه حين ينادي للآذان وحتى عندما كنت اثناء الشرح اقف وادعوا طالباتي للترديد خلف المؤذن وبعدها اذكرهم بأن الدعاء بين الآذان والإقامة مستجاب ، وكنت لما أذكرهم بذلك ألاحظ إحدى طالباتي دائماً تدعوا وتلح بين الآذان والإقامة وتستغل الفرصة أكثر من زميلاتها، وفي إحدى المرات كنت أصحح دفترها ثم قلت لها: أنتي تعجبينني، لأنك حين أعطي زميلاتك فرصة للدعاء بين الآذان والإقامة ألحظك تدعين وتستغلين الفرصة أكثر من زميلاتك، فقالت: الحمد لله أنا لما كنت في الصف الخامس أول مرة كنت أعلم أن الدعاء بين الآذان والإقامة مستجاب، وبعدها أصبحت أحرص على الدعاء بين الآذان والإقامة دائما خصوصا دعوة معينة أرددها، فقلت لها: وما هذه الدعوة؟ قالت الطالبة: أمي أنجبتني ولم تعد تنجب بعد ذلك وعمري الآن 13سنة، وليس عندي اخوات وأغار من صديقاتي لما يتحدثون عن أخواتهم، وأتمنى أن تكون لي أخت، فأنا أدعوا الله دائماً أن يرزقني بأخت لكن أمي لما تسمعني تقول: ادعي الله أن يرزقنا الولد لإن عندنا بنت، فتقول هذه البنت بأسلوبها البريء: أنا أدعوا الله أن يرزقنا ولد لأجل أمي ويرزقنا بنت لأجلي ويرزقنا ولد لأجل لا يبقى أخي وحيداً، فقلت لها: آمين وأعطيتها دفترها ونسيت القصة، دارت الأيام ووصلت البنت للثاني متوسط ثم الثالث المتوسط، ففي أحد الأيام كنت أمشي فقابلتني الطالبة ذاتها، وقالت: يا معلمة أبشرك أمي ولدت البارحة وأنجبت ثلاثة توائم، ولدين وبنت، فقلت لها: سبحان الله فقد أخذت درساً لا أنساه من طالبتي، في إلحاحها واستمرارها في الدعاء وحسن ظنها بالله عز وجل.
دعاء النجار : قال محمد بن المنكدر أنى قمت لليله بجوار هذا المنبر جوف الليل أدعو ، إذا إنسان عند اسطوانة مقنع رأسه فأسمعه يقول : أى رب إن القحط قد اشتد على عبادك، واني مقسم عليك يا رب إلا سقيتهم ! قال : فما كان إلا ساعة إذا بسحابه قد أقبلت ، ثم أرسلها الله سبحانه وكان عزيزا على ابن المنكد ران يخفى عليه أحد من أهل الخير ، فقال : هذا بالمدينة ولا اعرفه فلما سلم الأمام تقنع وانصرف واتبعته فدخل موضعا واخرج مفتاحا ثم فتح ثم انه أتاه فوجده ينجر أقداحا ؟ فقال له : كيف أصبحت أصلحك الله !قال : فاستشهدها منى واستعظمها!! ، فلما رأيت ذلك قلت أنى سمعت أقسامك على الله البارحة يا أخي هل لك فى نفقه تغنيك عن هذا وتفرغك لما تريد من الآخرة ؟؟ قال :لا، ولكن غير ذلك لا تذكرني لأحد ، ولا تذكر هذا عند أحد حتى أموت([73]) .
وصلِّ اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم